أقسام الناس في إحياء العشر الأواخر القسم الأول: يحيونها بالعبادات القسم الثاني: يحيونها في التكسب وفي التجارات القسم الثالث: يحيونها في اللهو واللغو القسم الرابع: يحيونها في المعاصي كبيرها وصغيرها
أقسام الناس في إحياء العشر الأواخر
ينقسم الناس في إحياء هذه الليالي إلى أربعة أقسام
القسم الأول: يحيونها بالعبادات
هناك من يحيون العشر الأواخر من رمضان بالعبادات، فيحيونها بالصلاة، وطول القيام والركوع والسجود، اقتداءً بفعل نبيهم صلى الله عليه وسلم فقد كان يديم الصلاة في هذه الليالي؛ فإنه صلى ليلة ببعض صحابته حتى خشوا أن يفوتهم السحور، وكذلك صلى مرة ومعه رجل من أصحابه -وهو حذيفة- فقرأ في ركعة واحدة ثلاث سور: سورة البقرة وسورة آل عمران، وسورة النساء، يقرأ بتدبر، ويقف عند آية الرحمة فيسأل، وعند آية العذاب فيتعوذ، يقول: فما صلى ركعتين، أو أربع ركعات حتى جاءه المؤذن للصلاة.
وهذا هو الأصل في إحياء هذه الليالي، فتجد المجتهدين قبل سنوات يهتمون بهذه الليالي، ويولونها زيادة نشاط وعبادة، اقتداءً بفعل نبيهم صلى الله عليه وسلم بحيث إنهم يزيدون في قيام هذه الليالي، ويقطعون الليل كله في الصلاة، فيصلون عشر ركعات، ويقرؤون فيها نحوجزء ونصف، ثم يستريحون نحونصف ساعة ثم يصلون أربع ركعات بسلامين في ساعتين، أو ساعة ونصف على الأقل يقرؤون فيها ثلاثة أجزاء، أو جزئين ونصفاً، ثم يستريحون نحوساعة أو أقل، ثم يصلون ست ركعات تستغرق ساعتين ونصفاً، أو ثلاث ساعات، يقرؤون فيها أيضاً ثلاثة أجزاء أو ثلاثة ونصفاً، ثم يستريحون قليلاً، ثم يصلون الوتر، فيكون ليلهم كله عامراً بالصلاة، وإنما يتخللها فترات راحة، وذلك اقتداء بما كان عليه السلف والصحابة ومن بعدهم.
وكان الصحابة يصلون في ليالي رمضان ثلاثاً وعشرين ركعة، وربما صلى بعضهم، أو بعض التابعين كما عند الإمام مالك في رواية ستاً وثلاثين، وعند الإمام الشافعي يصلي في ليالي رمضان إحدى وأربعين ركعة في رواية عنه فيصلون أربع ركعات، وتستغرق نصف ساعة، يستريحون بعدها نحوخمس أو عشر دقائق، ثم يصلون أربعاً وهكذا، ولذلك سموا هذا القيام بالتراويح حيث إنهم يرتاحون بعد كل أربع ركعات. فهذه الأفعال هي حقاً إحياء لهذه الليالي في العبادة.
ويدخل في إحياء تلك الليالي أيضاً إحياؤها بالقراءة؛ فإن هناك من يسهر ليالي العشر يصلون ما قدر لهم، ثم يجتمعون حلقات، ويقرؤون ما تيسر من القرآن في بيت من بيوت الله في المساجد، أو في بيت أحدهم رجاء أن تُحقَّق الفضائل التي رتبت على ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.
فإذا اجتمع جماعة، عشرة أو عشرون، أو نحوذلك يقرؤون القرآن؛ يقرأ أحدهم، وبقيتهم يستمعون له، ناظرين في مصاحفهم، ثم يقرأ الثاني، حزباً أو نصف حزب، أو ربعه، ثم يقرأ الثالث.. وهكذا، فيصدق عليهم أنهم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، فيُحيون ليلهم بالطاعات والقربات.
كذلك إذا أحيوا الليل بتعلم أو تعليم كان ذلك أيضاً أحياءً لهذه الليالي بطاعة. فإذا أحيينا ليلنا أو جزءاً من ليلنا في تعلُّم علوم دينية، كان ذلك إحياء لهذه الليالي بطاعة تنفعنا إن شاء الله.
فهؤلاء هم الذين ربحوا ليلهم، واستفادوا من وقتهم.
القسم الثاني: يحيونها في التكسب وفي التجارات
ويندرج في هذا القسم أولئك الذين يحيون ليلهم في التكسب، في تجاراتهم، وفي صناعاتهم وفي دكاكينهم؛ وهؤلاء قد ربحوا نوعاً من الربح، وهو ربح عابر؛ ربح دنيوي، لكنه قد يكون عند بعضهم أنفس وأغلى ثمناً مما حصل عليه أهل المساجد، وأهل القراءات، وأهل العلم! ولكنهم في الحقيقة قد خسروا أكثر مما ربحوا، فترى أحدهم يبيت ليله كله في مصنعه، أو في متجره أو حرفته، أو نحو ذلك. فهذا قد أسهر نفسه، وأحيى ليله، ولكن في طلب الدنيا الدنيئة!
فإذا كان ممن رغب عن الأعمال الأخروية، وزهد فيها، وأقبل على الدنيا بكليته، وانصرف إليها ولم يعمل لآخرته، خيف عليه أن يكون ممن قال الله تعالى في حقهم: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [سورة هود:15-16].
وهذه الآية فيمن جعل دنياه أكبر همه، ونسي أو تناسى الآخرة، ولم يعمل لها، وكان مقصده وديدنه السعي وراء هذا الحطام؛ بل جعلها هي مقصده، لا يعمل ولا يسعى ولا يكدح إلا لها، حتى كأنها معبوده، فيصدق عليه أنه عابد لدنياه، وأنه عابد لدرهمه وديناره، ويتحقق عليه التعس، ويدعى عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: تعس عبدالدينار والدرهم والقطيفة.
ولكن بعضهم قد يحصل على جزء من الصلاة والقراءة ولا يكون غافلاً عن ربه ولا متغافلاً عن الذكر، ولا منشغلاً عن القراءة، فيستصحب معه -مثلاً- كتاب الله يقرأ فيه في أوقات فراغه، ويذكر ربه في أوقات فراغه، ويصلي ما قدر له، ويأتي بورد صغير معه. وهذا قد ربح نوعاً من الربح، وإن لم يكن الربح الأكمل، فهذا على طرف، لكن فاته الخير الكثير.
القسم الثالث: يحيونها في اللهو واللغو
ويشمل أغلبية الناس؛ فإننا نراهم يحيون ليلهم، ولكن في لهو ، وسهو !! فتراهم يجتمعون في بيوتهم ومجالسهم يتبادلون الفكاهات والضحك، والقيل والقال، وربما تجاوز الأمر بهم إلى الغيبة، وإلى النميمة، وإلى الكلام في أعراض الناس، وما أشبه ذلك، ولا يذكرون الله في مجالسهم إلا قليلاً، ولا يستصحبون شيئاً من القرآن، ولا من كتب الدين والعلم!
وينقطع ليل أحدهم، أو ليل جماعتهم ليس لهدف سوى نوم النهار، هكذا قصدوا! فيفوت عليهم الأمران:
الأول: أنهم لا يشاركون المصلين في الصلوات، ولا يشاركون القراء في قراءتهم.
والثاني: أنهم لا يشاركون أهل الأرباح الدنيوية في أرباحهم، فيفوت عليهم هذا وهذا!
ولا يحزنون على خسارتهم، وأي خسارة تلك التي لا يشعرون بها؟! ألا وهي مضي هذه الأيام والليالي الشريفة دون أن يستغلوها، ودون أن يستفيدوا منها.
فما أعظم خسارتهم! وما أعظم حسرتهم حينما يرون أهل الأرباح قد تقاسموا الأرباح! وحينما يرون أهل الحسنات قد ضوعفت لهم حسناتهم. فهؤلاء لا خير دين، ولا خير دنيا، بل ربما يكتسبون مآثم بكلام لا فائدة فيه؛ فإن كلام ابن آدم مكتوب عليه، يقول الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق:18].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ذكر الله ومن والاه، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر.
ويصدق على ذلك قول الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء:114].
وهؤلاء قد يكتب عليهم ما يُسألون عنه، ويحاسبون عليه: لماذا قلتم كذا؟ ولماذا تكلمتم بكذا؟ ولماذا لم تستخدموا ألسنتكم التي سخرها الله لكم في ذكر الله؟ ولماذا أبعدتم آذانكم عن استماع ما فيه طاعة الله تعالى، وفيما يرضيه؟ فلا يجدون لهذا السؤال جواباً!
القسم الرابع: يحيونها في المعاصي كبيرها وصغيرها
وهؤلاء كثير أيضاً -والعياذ بالله- وهم الذين يحيون هذه الليالي الشريفة في ضد الطاعة! فتراهم يسهرون على آلات اللهو ، والمجون: ينصتون إلى الأغاني الفاتنة، وإلى الأشرطة الماجنة، وإلى رؤية الصور والأفلام الخليعة!
وربما زادوا على ذلك هذه النظرات التي ينظرونها إلى ما يثير الشهوات المحرمة؛ فإن سماع هذه الأغاني الفاتنة يزرع في القلوب محبة الزنا والفساد؛ فيدفعهم ذلك إلى طلب المحرمات. وكذلك فإن مشاهدتهم لتلك الصور الخليعة تزرع في قلوبهم محبة الشرور فتدفعهم اندفاعاً كلياً إلى أن يأتوا ما لا يحل لهم من زنا، أو شرب خمر، أو ما أشبه ذلك. وكثير منهم لا تحلومجالسهم ولا تلذّ إلا إذا شنَّفوا أسماعهم بالأغاني الخليعة! ومتّعوا أعينهم بالصور الهابطة! وعطَّروا أفواههم بالكلام القبيح! وملأوا شهواتهم وبطونهم بالأشربة المحرمة من خمر ونحوها! فيجمعون بذلك بين ترك الطاعة، وارتكاب المعصية، أو ما يسبب محبة المعصية.
فمثل هؤلاء مع كونهم محرومين، فإنهم آثمون إثماً كبيراً، وهؤلاء موجودون بكثرة، ويشكومنهم كثير من الهيئات ممن يأمرون بالمعروف، أو ينهون عن منكر بكثرة، وغالباً ما يعثرون عليهم حتى في نهار رمضان ويقبض عليهم وهم في سكر!! فلا صيام، ولا ابتعاد عن المحرمات! وسبب ذلك أنهم طوال ليلهم وهم يتفكرون بهذه المحرمات كما زعموا! فيتمادى بهم ذلك إلى محبة هذه المعاصي، والتلذذ بها، فيستعملونها في النهار ويتركون الصيام، الذي هو ركن من أركان الإسلام، ويجمعون بين المعصية وترك الطاعة -والعياذ بالله-.
وكثيراً ما يختطفون النساء في الأسواق! ويتابعونهن، ويلمزونهن! وذلك كله من أسباب ضعف الإيمان وقلته في القلوب، وحلول المعاصي ومقدمات الكفر بدلاً منه.
فهذه أقسام الذين يحيون هذه الليالي، فليختر المسلم لنفسه ما يناسبه من هذه الأقسام!!
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^