كتاب الجامع لفضائل التوحيد ــــالرسالة الأولى فتح المجيد فى فضل التوحيد
فتح المجيد فى بيان فضل التوحيد
(1)
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران : 102]
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1]
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) الأحزاب
وبعد :
لا حياة للأبدان ولا حياة للقلوب إلا بتوحيد الله تعالى ،فمن كان من الموحدين المستجيبين لرب العالمين فهو الموصوف بالحياة حقا – قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال : 24
لا يمكن للقلوب أن تطمئن وتخشع إلا بمعرفة الله تعالى وذكره – قال تعالى "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد : 28 الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد : 29
وأما الكفار والمنافقين وإن كانوا يعيشون بين الناس يأكلون ويشربون ويتمتعون بالشهوات ، فهم فى الحقيقة فى حكم الأموات لموت قلوبهم كما وصفهم الله تعالى بذلك
قال تعالى " أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام : 122
قال الشنقيطى – رحمه الله – فى أضواء البيان
" فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : أو من كان ميتاً : أي كافراً ، فأحييناه : أي بالإيمان والهدى . وهذا لا نزاع فيه ، وفيه إطلاق الموت،وإرادة الكفر بلا خلاف .
وكقوله:{لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين}
[ يس : 70 ]
وكقوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات } [ فاطر : 22 ] أي لا يستوي المؤمنون والكافرون .
ومن أوضح الأدلة على هذا المعنى أن قوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى }الآية . وما في معناها من الآيات كلها ، تسلية له صلى الله عليه وسلم ، لأنه يحزنه عدم إيمانهم كما بينه تعالى في آيات كقوله تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ } [ الأنعام : 33 ] الآية . وقوله تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } [ الحجر : 97 ] الآية . وقوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [ الحجر : 88 ] الآية .
وقوله تعالى : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين } [ المائدة : 68 ] ،
وكقوله تعالى : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [ فاطر : 8 ] الآية . قوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] وقوله تعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه . ولما كان يحزنه كفرهم ، وعدم إيمانهم أنزل الله آيات كثيرة تسلية له صلى الله عليه وسلم بين له فيها : أنه لا قدرة له صلى الله عليه وسلم على هدى من أضله الله ، فإن الهدى والإضلال بيده جل وعلا وحده وأوضح له أنه نذير ، قد أتى بما عليه فأنذرهم على أكمل الوجوه وأبلغها وأن هداهم وإضلالهم بيد من خلقهم .
ومن الآيات النازلة تسلية له صلى الله عليه وسلم قوله هنا : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى } اي لا تسمع من أضله الله إسماع هدى وقبول ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا يعني ما تسمع إسماع هدى وقبول ، إلا من هديناهم للإيمان بآياتنا فهم مسلمون .
والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة كقوله تعالى : { إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ النحل : 37 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 41 ] وقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] الآية . وقوله تعالى : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَيَجْعَلُ الرجس عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ } [ يونس : 99ـ 100 ] إلى غير ذلك من الآيات ، ولو كان معنى الآية ، وما شابهها : إنك لا تسمع الموتى : أي الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم ، كما ترى ." اهـ ج6ص192
فائدة :
" وقال أهل المعاني : وصف الله قلوب الكفار بعشرة أوصاف بالختم والطبع والضيق والمرض والرين والموت والقساوة والانصراف والحمية والإنكار فقال في الإنكار : " قلوبهم منكرة و هم مستكبرون " [النحل : 22] وقال في الحمية : " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية " { الفتح : 26 } وقال في الانصراف " ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون " { التوبة : 127 }
وقال في القساوة : " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله "
{ الزمر : 22 } وقال : " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك "
{ البقرة : 74 } وقال في الموت : " أو من كان ميتاً فأحييناه " { الأنعام : 122 } وقال في الرين : " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " { المطففين : 14 }
وقال في المرض : " في قلوبهم مرض " { البقرة : 20 } وقال في الضيق : " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً " { الأنعام : 125 } وقال في الطبع : " فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " { المنافقون : 3 }
وقال : " بل طبع الله عليها بكفرهم " { النساء : 155 } وقال في الختم :" ختم الله على قلوبهم " { البقرة : 7 } أهـ
قال ابن القيم – رحمه الله –
" فصل :"وههنا عدة أمور عاقب بها لكفار بمنعهم عن الإيمان وهي الختم والطبع والأكنة والغطاء والغلاف والحجاب والوقرة والغشاوه والران والغل والسد والقفل والصمم والبكم والعمي والصد والصرف والشد على القلب والضلال والإغفال والمرض وتقليب الأفئدة والحول بين المرء وقلبه وإزاغة القلوب والخذلان والأركاس والتثبيط والتزيين وعدم إرادة هداهم وتطهيرهم وإماتة قلوبهم بعد خلق الحياة فيها فتبقى على الموت الأصلي وإمساك النور عنها فتبقى في الظلمة الأصلية وجعل القلب قاسيا لا ينطبع فيه مثال الهدى وصورته وجعل الصدر ضيفا حرجا لا يقبل الإيمان وهذه الأمور منها ما يرجع إلى القلب كالختم والطبع والقفل والأكنة والإغفال والمرض ونحوها ومنها ما يرجع إلى رسوله الموصل إليه الهدى كالصمم والوقر ومنها ما يرجع إلى طليعته ورائده كالعمى والغشا ومنها ما يرجع إلى ترجمانه ورسوله المبلغ عنه كالبكم النطقي وهو نتيجة البكم القلبي فإذا بكم القلب بكم اللسان" أهـ . شفاء العليل لابن القيم حـ1 - صـ92 - بتصرف يسير - ط دار الفكر - بيروت
فائدة:
كل ما ثبت فى فضل الإسلام والإيمان والإحسان فهو ثابت فى حق التوحيد ،لأنه لا بد من دخول التوحيد فى مراتب الدين الثلاثة فالإنسان لا يصير مسلما إلا بالتوحيد ، وكذلك لا يكون الإنسان مؤمنا أو محسنا إلا إذا كان موحدا ، مع التفاوت فى الدرجات بين مراتب الدين الثلاثة
الدليل على ذلك قوله – جل وعلا :
" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر : 32]
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –
" يقول تعالى: ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم، المصدق لما بين يديه من الكتب، الذين اصطفينا من عبادنا، وهم هذه الأمة، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع ، فقال: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } وهو: المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات. { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } وهو: المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات. { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } وهو: الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ [ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ] } ، قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وَرَّثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يُغْفَر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". قال ابن عباس: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم " اهـ تفسير ابن كثير ج6ص547
والحديث الذى ذكره ابن كثير رواه جمع من أهل السنن والمسانيد فرواه (أحمد ، وأبو داود ، والترمذى ـ حسن صحيح غريب ـ ، وابن أبى عاصم ، والبزار ، وأبو يعلى ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والطبرانى ، والحاكم ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، والضياء عن أنس . الطيالسى ، والترمذى ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، أبو نعيم فى الحلية ، والضياء عن جابر . الخطيب عن ابن عمر . الدارقطنى فى الأفراد ، والخطيب عن كعب بن عجرة . الطبرانى عن ابن عباس)
حديث أنس : أخرجه أحمد (3/213 ، رقم 13245) ، وأبو داود (4/236 ، رقم 4739) ، والترمذى (4/625 ، رقم 2435) وقال : حسن صحيح غريب ، وابن أبى عاصم (2/399 ، رقم : 831) ، وأبو يعلى (6/40 ، رقم 3284) ، وابن حبان (14/387 ، رقم 6468) ، والطبرانى (1/258 ، رقم 749) ، والحاكم (1/139 ، رقم 228) وقال : صحيح على شرط الشيخين . والبيهقى فى شعب الإيمان (1/287 ، رقم 310) ، والضياء (4/382 ، رقم 1549) .قال الشيخ الألباني : صحيح – انظر سنن أبي داود بتحقيق الشيخ الألبانى ج2ص649
وقال شعيب الأرنؤوط فى تحقيق المسند إسناده صحيح
فائدة :
هذه الآية عدها العلماء من أعظم آيات الرجاء
قال العلامة الشنقيطى – رحمه الله –
" قال القرطبي في هذه الآية : دليل على أن القذف وإن كان كبيراً لا يحبط الأعمال ، لأن الله تعالى وصف مسطحاً بعد قوله بالهجرة والإيمان ، وكذلك سائر الكبائر ، ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله ، قال تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] اه .
وما ذكر من أن الآية وصف مسطح بالإيمان لم يظهر من الآية ، وإن كان معلوماً .
وقال القرطبي أيضاً : قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى أية في كتاب الله . ثم قال بعد هذا : قال بعض العلماء ، هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ . وقيل : أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى : { وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] وقد قال تعالى في آية أخر { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير } [ الشورى : 22 ]
فشرح الفضل الكبير في هذه الآية ، وبشر به المؤمنين في تلك .
ومن آيات الرجاء قوله تعالى { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } [ الزمر : 53 ] الآية . وقوله تعالى : { الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [ الشورى : 19 ]
وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } [ الضحى : 5 ] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار . انتهى كلام القرطبي .
وقال بعض أهل العلم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل ، آية الدين : وهي أطول آية في القرآن العظيم وقد أوضح الله تبارك وتعالى فيها الطرق الكفيلة بصيانة الدَّينِ من الضياع ، ولو كان الدَّينُ حقيراً كما يدل عليه قوله تعالى فيها : { وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إلى أَجَلِهِ } الآية [ البقرة : 282 ] قالوا هذا من المحافظة في آية الدين على صيانة مال المسلم ، وعدم ضياعه ، ولو يدل على العناية التامة بمصالح المسلم ، وذلك يدل على أن اللطيف الخبير لا يضيعه يوم القيامة عند اشتداد الهول ، وشدة حاجته إلى ربه .
قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له : من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } [ فاطر : 32 ـ 35 ] .
قد بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب ، دليل على أن الله اصطفاها في قوله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا } [ فاطر : 32 ] وبين أنهم ثلاثة أقسام :
الأول : الظالم لنفسه ، وهو الذي يطيع الله ، ولكنه يعصيه أيضاً فهو الذي قال الله في فيه { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 102 ] .
والثاني :المقتصد وهو الذي يطيع الله ، ولا يعصيه ، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات
والثالث :السابق بالخيرات : وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة ، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه ، والمقتصد والسابق ، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم ، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف المعياد في قوله : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } [ فاطر : 33 ] إلى قوله : { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }
[ فاطر : 35 ]والواو في يدخلونها شاملة للظالم ، والمقتصد والسابق على التحقيق . ولذا قال بعض أهل العلم : حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين ، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة ، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الاية من أرجى آيات القرآن ، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة ، فالوعد الصادق بالجنة في الآية من أرجى آيات القرآن ، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة ، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين ولذا قال بعدها متصلاً بها { والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } [ فاطر : 36 ] إلى قوله :
{ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] ." اهـ أضواء البيان ج5ص481-482
فائدة :
لماذا قدم الله تعالى صنف الظالم لنفسه على المقتصد والسابق بالخيرات ؟
"فقدم الظالم لكثرته ثم المقتصد وهو أقل ممن قبله ثم السابقين وهم أقل. جاء في الكشاف في هذه الآية فإن قلت : لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق؟ قلت للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم وإن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل.ألا ترى كيف قال الله تعالى في السابقين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) الواقعة)إشارة إلى ندرة وقلة وجودهم؟" اهـ أسرار البيان في التعبير القرآني ص35
قال الشنقيطى – رحمه الله –
" واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق ، فقال بعضهم : قدم الظالم لئلا يقنط ، وأخر السابق بالخيرات لئلا يعجب بعمله فيحبط . وقال بعضهم : قدم الظالم لنفسه ، لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم . كما قال تعالى : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ ص : 24 ] اهـ. أضواء البيان ج5ص482
الأحاديث الواردة فى فضل التوحيد
سوف نذكر بعض الأحاديث الدالة على فضل التوحيد والموحدين على سبيل الإجمال وليس التفصيل لأن استقصاء واستقراء ذلك أمر يطول ، والغرض من هذه الرسالة المختصرة الإيجاز حتى يسهل قراءتها
الحديث الأول
التوحيد هو حق الله وحده
روى البخارى عَنْ مُعَاذٍ - رضى الله عنه - قَالَ كُنْتُ رِدْفَ النَّبِىِّ ? عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ، فَقَالَ « يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِى حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ » . قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِه شَيْئاً ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً » . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ « لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا »
رواه(أحمد ، والبخارى ، ومسلم ، والترمذى ، وابن ماجه ، وابن حبان عن معاذ)
أخرجه أحمد (5/242 ، رقم 22149) ، والبخارى (5/2224 ، رقم 5622) ، ومسلم (1/58 ، رقم 30) ، والترمذى (5/26 ، رقم 2643) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (2/1435 ، رقم 4296) ، وابن حبان (2/82 ، رقم 362) . وأخرجه أيضًا : النسائى فى الكبرى (6/55 ، رقم 10014) .
رواية أخرى للحديث
روى البخارى ومسلم والترمذى عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : « كنتُ رِدْفَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ، ليس بيني وبينه إلا مؤخِرة الرَّحْل ، قال : يا معاذَ بنَ جبل ، قلتُ : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ، قلتُ : لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ، فقلتُ : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : هل تدري ما حقُّ الله على العباد ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حقَّ الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ، قلتُ : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال: هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم ، قال : حقُّ العباد على الله : أن لا يعذِّبهم ».
فوائد الحديث :
الفائدة الأولى : فى بيان حق الله تعالى وهو : إفراد الله تعالى بالعبادة
فلا يعبد إلا الله وحده فى كل ما تعبدنا الله به من الشعائر التعبدية ، والشرائع القانونية ، وعبادته بالولاء ، أى بالمحبة والنصرة
فالله تعالى مستحق للعبادة وحده . وهذا هو أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل ، وأنزلت به الكتب. قال الله تعالى:
" وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ[الزخرف:45]
فقوله فى الحديث " فإن حقَّ الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" شامل لكل أفراد العبادة القولية والاعتقادية والفعلية العملية
ومن المعلوم أن العبادة مأخوذة من الذل والخضوع، فهي غاية الحب في غاية الذل والخضوع، وإذا كان العبد محباً الحب الذي هو الغاية وذالاً فهذه هي العبادة، فإنه لابد أن يفعل ما أمره به محبوبه ويمتثله ويجتنب ما نهاه عنه، مستلزماً فعل الأمر وترك المنهي عنه.
والعبادة في الشرع هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فتشمل أفعال القلب وأفعال الجوارح، وكذلك فعل اللسان.
وفعل الجوارح مثل: الصلاة والقيام والركوع والسجود، والبذل مثل الصدقة، وإزالة الأذى عن طرق المسلمين، وما أشبه ذلك.
والأقوال مثل: قراءة القرآن والذكر والدعاء، وفعل القلب مثل: خشية القلب وخوفه وحبه وما أشبه ذلك.
فكل فعل يتقرب به الإنسان جاءه عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عبادة، وكل فعل أمر الله جل وعلا به وحث عليه فإن فعله عبادة، وكذلك كل شيء أمر الله جل وعلا أن يترك ويجتنب فتركه واجتنابه خوفاً من الله عبادة، فصارت العبادة هي فعل الجوارح من الأيدي والجسد كله، ويشمل ذلك فعل اللسان من الأقوال: كالذكر والقراءة، وكذلك فعل القلب: من الإرادات والنيات والخوف والخشية وما أشبه ذلك، كل هذا داخل في العبادة.
فقوله: (يعبدوه) أي: يعبدونه بهذه الأفعال ويوحدونه، والعبادة مبنية على التذلل مع الحب والرجاء، فيعبد ربه ذالاً خاضعاً، ويرجو أن يثيبه على ذلك، والإسلام كله يدخل في العبادة، وهذا حق لازم يسأل عنه الإنسان إذا فرط فيه أو قصر فيه أو ترك منه شيئاً، فهذه هي العبادة التي أوجبها على عباده، ولهذا سماها الحق، والحق في اللغة هو: الشيء الذي يستقر ويثبت، ولهذا يقال: حق في المكان إذا استقر فيه وثبت، فهو أمر ثابت على العباد لله جل وعلا، يسألهم جل وعلا عنه إن تركوه أو فرطوا به.
مسألة :
لماذا كان الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه ؟
والجواب : لأن الله تعالى هو الرب وما دونه فمربوب ، ولأن الله تعالى هو الخالق وما دونه فمخلوق ، ولأن الله تعالى هو المالك وما دونه فمملوك ، والعبادة لا يستحقها إلا من كان موصوفا بالربوبية الحقة وليس ذلك إلا لله رب العالمين
بعض الأدلة التى تدل على ذلك :
قال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 21]
وقال تعالى " إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [يونس : 3]
وقال تعالى " ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الأنعام : 102]
وقال تعالى"وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [مريم : 36]
وقال تعالى"وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة : 72]
ودلت السنة على أن المستحق للعبادة هو الرب – جل وعلا
عن أبى أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في حجة الوداع وهو على الجدعاء واضع رجله في غراز الرحل يتطاول يقول ألا تسمعون فقال رجل من آخر القوم ما تقول قال : اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم قلت له فمذكم سمعت هذا الحديث يا أبا أمامة قال وأنا بن ثلاثين سنة " رواه أحمد
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
وفى رواية : ألا لعلكم لا ترونى بعد عامكم هذا اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم "(محمد بن نصر عن أبى أمامة)أخرجه أيضًا : أحمد (5/262 ، رقم 22314) .
الفائدة الثانية : لا تصح العبادة إلا باجتناب الشرك
والشاهد من الحديث :قوله " صلى الله عليه وسلم – " فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِه شَيْئاً"
فحقه – جل وعلا – ليس مجرد العبادة بل لا بد من اجتناب الشرك بكل صوره وأشكاله
وما دل عليه الحديث جاء واضحا جليا فى القرآن الكريم
قال تعالى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل : 36]
فمع العبادة لا بد من اجتناب الطاغوت وهو عبادة غير الله تعالى ، وبهذا أرسل الله رسله ، أى أرسلوا بالأمرين
وقال تعالى " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [النساء : 36]
تضمنت الآية الأمر بالعبادة مع النهى عن الشرك ، فلا بد من قيام العبد بهما معا فعلا وتركا
قال ابن كثير : في هذه الآية يأمر الله تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له , فإنه الخالق الرازق , المنعم المتفضل على خلقه في جميع الحالات , وهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته" اهـ تفسير ابن كثير ج2ص178
وقال تعالى" قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ [الرعد : 36
وقال تعالى" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64]
دلالة السنة على ذلك :
فى أول صحيح البخارى، عن ابن عباس فى حديث سفيان فى قصة هرقل أنه قال :
"ما يأمركم به، قلت يقول أعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم"
وحديث عمر بن عنبسة فى صحيح مسلم فى قوله : ما ارسلك الله به قال عليه الصلاة والسلام :"أرسلنى بصلة الارحام، وكسر الاوثان، وأن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً)
قال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي النجدي :
" يأمر سبحانه عباده بعبادته وحده لا شريك له ، فإنه الخالق الرزاق المنعم المتفضل على خلقه ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا ، وشيئا نكرة في سياق النهي . فعم الشرك قليله وكثيره ، وقرن سبحانه الأمر بالعبادة التي فرضها عل عباده ، بالنهي عن الشرك الذي حرمه . فدلت على أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة ، وتسمى هذه الآية آية الحقوق العشرة . لأنها اشتملت على حقوق عشرة .
أحدها: الأمر بالتوحيد ثم عطف عليه التسعة الباقية وابتداؤه تعالى بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك أدل دليل على أنه هو أهمها . فإنه لا يبدأ إلا بالأهم فالأهم . فدلت عل أن التوحيد أوجب الواجبات ، وأن ضده وهو الشرك أعظم المحرمات ."اهـ حاشية الأصول الثلاثة ص34
قال الشيخ صالح أل الشيخ "
"لا تكون عبادة لله، كما قال تعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، لأن الشرك يُبطل العبادة، ويُبطل سائر الأعمال، ولا يصحُّ معه عمل، مهما كلّف الإنسان نفسه بالعبادات، إذا كان عنده شيء من الشرك الأكبر فإن عبادته تكون هباءً منثوراً: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً}، قال- تعالى-:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ(66)}،
وقال تعالى- لما ذكر الأنبياء في سورة الأنعام: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ} إلى آخر الأنبياء الذين ذكرهم الله، قال- جلَّ وعلا-: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فالشرك يُحبط الأعمال، ولهذا كثيراً ما يأتي الأمر بالعبادة مقروناً بالنهي عن الشرك: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} "أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً"، وهذا هو معنى لا إله إلاَّ الله، لأن لا إله إلاَّ الله تشتمل على النفي وعلى الإثبات، النفي: نفى الشرك، والإثبات: إثبات التّوحيد.
"أن يعبدوه" والعبادة- أيضاً- كما أنها لا تكون عبادة إلاَّ مع التّوحيد، كذلك لا تكون عبادة إلاَّ إذا كانت موافقة لما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فالعبادة وسائر الأعمال لا تصح إلاَّ بشرطين:
الشرط الأول:الإخلاص لله عز وجل.
الشرط الثاني:المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فلو أن الإنسان جاء بعبادات مُحْدَثة ليس فيها شرك أبداً كلها خالصة لله، ولكنها ليست من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي بدع مردودة لا تُقبل، قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدْ"
وفي رواية: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدْ"، فالعبادة لا تكون عبادة إلاَّ بشرطين: الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى الشهادتين: شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فمعناها: الإخلاص لله عز وجل،
وشهادة أن محمداً رسول الله ومعناها: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فالعبادات لا يصلح أن يكون فيها شيء من الاستحسانات البشريّة، أو استدراكات العقول، أو غير ذلك، مهما حسُنت نية الفاعل ما دام أنه بدعة "اهـ إعانة المستفيد ص45-46
قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن"قال: ومسألتنا هذه وهي : عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة ، وهي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية : كالصرف والعطف ، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل ."اهـ كتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد لعلي الخضير ج1ص137
الفائدة الثالثة :أن دخول الجنة يكون بتحقيق التوحيد واجتناب الشرك
والشاهد من الحديث " وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"
"وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً"، هذا الحق للعباد على الله ليس بحق واجب على الله، وإنما هو تفضُّل منه سبحانه وتعالى، لأن الله لا يجب عليه حق لأحد، ولا أحد يوجب على الله شيئاً، كما هو مذهب المعتزلة، فهم الذين يرون أن الله يجب عليه أن يعمل كذا، يوجبون على الله بعقولهم، أما أهل السنة والجماعة فيقولون: الله سبحانه وتعالى ليس عليه حق واجب لخلقه، وإنما هو شيء تفضَّل به- سبحانه- وتكرَّم به، كما قال- تعالى-: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، هذا حق تفضل به، ونظم ذلك الشاعر بقوله:
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائـــــع
إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله وهو الكريم الواسع
فمعنى "حق العباد على الله" يعني: الحق الذي تفضل الله- تعالى- به، وأوجبه على نفسه، من دون أن يوجبه عليه أحد من خلقه، بل هو الذي أوجبه على نفسه، تكرّماً منه بموجب وعده الكريم الذي لا يُخلفه- سبحانه- {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ}.
"أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" فدلّ هذا على أن من سَلِم من الشرك الأكبر والأصغر فإنه يسلم من العذاب، وهذا إذا جَمعته مع النصوص الأخرى التي جاءت بالوعيد على العُصاة والفسقة، فإنك تقول: العُصاة من الموحّدين الذين لم يشركوا بالله شيئاً، ولكن عندهم ذنوب دون الشرك من سرقة، أو زنا، أو شرب خمر، أو غيبة، أو نميمة أو، إلى آخره، فهذه ذنوب يستحق أصحابها العذاب، ولكن هي تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر لهم من دون عذاب وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، ثم يخرجهم بتوحيدهم، ويدخلهم الجنة، فالموحّدون مآلهم إلى الجنة، إما ابتداءً وإما انتهاءً، وقد جاء في الأحاديث أنه يُخرج من النار من في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، ويُخرج من النار أُناس كالفحم، قد امتحشوا، ثم يُنبت الله أجسامهم بأن يُلقوا في نهر على باب الجنة، يُقال له نهر الحياة، فتنبت أجسامهم، ثم يدخلون الجنة، ويُخَلَّدون فيها، فأهل التّوحيد مآلهم إلى الجنة، حتى ولو عذبوا في النار فإنهم لا يخلدون فيها وذلك بسبب التّوحيد، أما الكفار والمشركون والمنافقون النفاق الأكبر، فهؤلاء مآهلم النار خالدين مخلَّدين فيها، لا يدخلون الجنة أبداً {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}.
فقوله صلى الله عليه وسلم: "أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" هذا وعد من الله سبحانه وتعالى؛ إن شاء غفر هذه الذنوب، وإن شاء عذب أصحابها، ثم يدخلهم الجنة بعد ذلك، وقد يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، وقد يخرجهم برحمته سبحانه وتعالى، فحتى ولو عذَّبوا مآلهم إلى الجنة {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، فالتّوحيد يَعصم من الخلود في النار، وإذا كان التّوحيد كاملاً فإنه يَعصم من دخول النار أصلاً، وإذا كان ناقصاً فإنه يَعصم من الخلود فيها، ولا يعصم من الدخول فيها، وإنما يَعصم من الخلود فيها، كما قال- تعالى- لما ذكر مناظرة إبراهيم الخليل عليه السلام مع عَبَدَة الأصنام قال: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ}، المؤمنون أو المشركون، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال الله- تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، هؤلاء هم أهل التّوحيد، {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} يعني: بشرك، ولهذا لما نزلت هذه الآية شقَّتْ على الصحابة وقالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس الذي تَعْنُون، إنه الشرك، ألم تسمعوا قول العبد الصالح:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}،فالمراد بالظلم هنا: الشرك، فالذين سلِموا من الشرك لهم الأمن، إما الأمن المطلق، وإما مطلق الأمن، والأمن المطلق هو الذي ليس معه عذاب، وأما مطلق الأمن فهذا الذي قد يكون معه شيء من العذاب على حسب الذنوب، فالحاصل: أن أهل التّوحيد لهم الأمن بلا شك، ولكن قد يكون أمناً مطلقاً، وقد يكون مطلق أمنٍ، هذا هو الجواب الصحيح عن هذه المسألة.
بخلاف مذهب الخوارج والمعتزلة، فعندهم أن أصحاب الكبائر مخلّدون في النار- والعياذ بالله، من هذا المذهب الباطل، فعندهم أن متى دخل النار لا يخرج منها بزعمهم، ويغالطون النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة التي تدل على أن أهل التّوحيد ولو كان عندهم ذنوب ومعاص فإنهم لا يخلدون في النار، قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} يعني: هذه الأمة، والمراد بالكتاب: القرآن، {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}، انظروا كيف ذكر الظالم لنفسه مع المقتصد ومع السابق بالخيرات، ووعدهم جميعاً بالجنة: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ(34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ(35)}، ذكر منهم الظالم لنفسه- بل بدأ به-؛ مما يدل على أن أهل التّوحيد يرجى لهم الخير، ويرجى لهم دخول الجنة، ولو كان عندهم ذنوب كبائر دون الشرك."اهـ إعانة المستفيد ص79-81
يستفاد من ذلك :
1- أن الله تعالى تفضل على عباده الموحدين بوعده لهم بعدم عذابهم
2- أن هذا الوعد قد يتحقق حالا أو مآلا ، فيتحقق حالا فى أصحاب التوحيد الكامل من السابقين بالخيرات وفى المقتصدين ،وفى بعض عصاة الموحدين المذنبين الذين هم تحت مشيئة الرب جل وعلا
ومآلا فى حق عصاة الموحدين الذين دخلوا النار بذنوبهم ثم يخرجوا منها بشفاعة الشافعين ، فإن عذابهم مؤقت وليس كعذاب الكافرين والمنافقين
3- أن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يقولون من دخل النار لا يخرج منها أبدا
4- أن الشرك الذى يعذب به الإنسان ويخلد بسببه فى النيران هو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، أما الشرك الأصغر الذى لا يخرج من الملة لا يكون سببا فى الخلود فى النار بل حكمه حكم بقية الذنوب والمعاصى وإن كان هو أكبر من الكبائر لأن الشرع أطلق عليه لفظ الشرك
الحديث الثانى
التوحيد دين الفطرة
1- عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما مِن مولودٍ إلا يُولَدُ على الفِطْرةِ » ثم يقول : « اقرؤوا { فِطرةَ اللَّهِ التي فَطر الناس عَليها ، لا تَبديلَ لخلق اله ، ذلك الدِّينُ القَيِّمُ } [ الروم : الآية 30]» كذا عند مسلم.
وزاد البخاري : فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ، أوْ يُنَصِّرانِهِ ، أوْ يُمجِّسانِهِ ، كما تُنْتَجُ البَهيمَةُ بهيمةً جَمْعاءَ ، هلْ تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ ، ثم يقولُ أبو هريرة : { فِطرةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ }.
وزاد مسلم أيضًا من رواية أخرى.
وفي رواية لهما قال : « ما من مولود إلا يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يُهَوِّدانِهِ ويُنَصِّرانه ، كما تُنْتجون الإبل ، فهل تَجدون فيها جَدْعاءَ ، حتَّى تكونُوا أنتم تجدعونَها » قالوا : يا رسول الله ، أفرأيت من يموت صغيرًا ؟ قال : « الله أعلَمُ بما كانوا عاملين».
وفي أخرى لمسلم :« ما من مولودٍ إلا يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يهودانه وينصِّرانه ، ويشرِّكانه ». فقال رجل : يا رسول الله ، أرأيت لو مات قبل ذلك ؟ قال: « الله أعلمُ بما كانوا عاملين ».وفي أخرى : « ما من مولود يولدُ إلا وهو على المِلَّةِ ».زاد في أخرى « على المِلة ، حتى يُبيِّن عنه لسانُه ».هذه هي طرقُ البخاري ومسلم.
ووافقهما الموطأ والترمذي وأبو داود نحو ذلك وبمعناه.
2- روى مسلم عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذاتَ يوم في خطبته: «أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أن أُعَلِّمَكمْ مَا جَهِلْتُمْ مما عَلَّمني يومي هذا. كُلّ مال نَحَلْتُه عبدا حلال،وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم.وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم.وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم.وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا."
3- عن عبد الرحمن بن أبزي - رحمه الله - : عن أبيه : -« أَن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ إذا أصْبَحَ : أَصْبَحْنَا على فِطْرَةِ الإسلامِ، وكلمةِ الإخْلاصِ ، وعلى دِينِ نَبِيّنَا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم- ، وعلى مِلَّةِ أَبينا إبراهيمَ ، حَنِيفا مُسْلِما ، وما كانَ من المُشْرِكِينَ»رواه أحمد والنسائى
4- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُغيرُ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبحِ ، وكان يِستْمِعُ ، فإذا سَمِع أَذَانا أمْسَكَ، وَإلاَّ أَغارَ. هذه رواية أبي داود.
وفي رواية مسلم ، قال كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنما يُغِيرُ إذا طَلَعَ الفَجْرُ، وكان يستمِعُ الأذان ، فإنْ سمع أذانا أَمْسكَ ، وإلا أغارَ ، فسمع رجلا يقولُ: الله أكبر ، الله أكبر،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « على الفِطْرَةِ » ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خَرَجْتَ من النار » ، فَنَظَرُوا فإذا هو رَاعي مِعْزى.
وأخرجه الترمذي مثل مسلم إلى قوله : « من النار ».
5- عن البراء بن عازب – رضى الله عنه - قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوؤك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم ) رواه البخاري ومسلم
الفوائد المستفادة من جملة هذه الأحاديث
الفائدة الأولى : دلالة القرآن على ما دلت عليه الأحاديث من وجود الفطرة
الآية الأولى :
قال تعالى " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30]
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –
" يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك، من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على [معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره، كما تقدم عند قوله تعالى:
{ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } [الأعراف: 172]
وفي الحديث: "إني خلقت عبادي حُنَفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم". وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على] الإسلام، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية.
وقوله: { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها. فيكون خبرا بمعنى الطلب، كقوله تعالى: { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [آل عمران: 97]، وهذا معنى حسن صحيح.
وقال آخرون: هو خبر على بابه، ومعناه: أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك؛ ولهذا قال ابن عباس، وإبراهيم النَّخَعي، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، وعِكْرِمة، وقتادة، والضحاك، وابن زيد في قوله: { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } أي: لدين الله.
وقال البخاري: قوله: { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } : لدين الله، خَلْقُ الأولين: [دين الأولين]، (4) والدين والفطرة: الإسلام." اهـ تفسير ابن كثير ج6ص313-214
الآية الثانية :
قال تعالى " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف : 172]
أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف : 173]
هناك من أهل العلم من فسر الفطرة بأنها العهد والميثاق المذكور فى هذه الآية
وقد جاء فى الخديث عند البخارى وغيره
عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ قَالَ فَيَقُولُ نَعَمْ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي"
الفائدة الثانية : معنى الفطرة
هناك أقوال متعددة فى معنى الفطرة لأهل السنة والجماعة لا داعى لذكرها خشية الاطالة ، واكتفى بذكر الراجح
والراجح : أن الفطرة هى الإسلام ،لكثرة الأدلة الواردة فى ذلك
قال ابن عبد البر لما ذكر النزاع في تفسير هذا الحديث :
( وقال آخرون : الفطرة ها هنا الإسلام قالوا : وهوالمعروف عند عامة السلف أهل التأويل وقد أجمعوا في تأويل قوله عز و جل : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } على أن قالوا : فطرة الله : دين الله الإسلام واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث : اقرأوا إن شئتم : { فطرة الله التي فطر الناس عليها }
وذكروا عن عكرمة و مجاهد و الحسن و إبراهيم و الضحاك وقتادة في قول الله عز و جل : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قالوا : فطرة الله : دين الإسلام لا تبديل لخلق الله قالوا : لدين الله
واحتجوا بحديث محمد بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن يحيى بن جابر عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عياض بن حمار المجاشعي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للناس يوما : ألا أحدثكم بما حدثني الله في الكتاب : إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه فجعلوا ما أعطاهم الله حلالا وحراما ] الحديث
قال : ( وكذلك روى بكر بن مهاجر عن ثور بن يزيد بإسناده مثله في هذا الحديث ( حنفاء مسلمين )
( قال أبو عمر : روى هذا الحديث قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عياض بن حمار ولم يسمعه قتادة من مطرف ولكن قال : حدثني ثلاثة : عقبة بن عبد الغافر ويزيد بن عبد الله بن الشخير والعلاء بن زياد كلهم يقول : حدثني مطرف عن عياض عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال فيه : [ وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ] لم يقل : مسلمين وكذلك رواه الحسن عن مطرف عن عياض ورواه ابن إسحاق عمن لا يتهم عن قتادة بإسناده وقال فيه : [ وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ] ولم يقل مسلمين )
قال : ( فدل هذا على حفظ محمد بن إسحاق وإتقانه وضبطه لأنه ذكر ( مسلمين ) في روايته عن ثور بن يزيد لهذا الحديث وأسقطه من رواية قتادة وكذلك رواه الناس عن قتادة قصر فيه عن قوله : مسلمين وزاد ثور بإسناده والله أعلم )
قال : ( والحنيف في كلام العرب : المستقيم المخلص ولا استقامة أكثر من الإسلام )
قال : ( وقد روي عن الحسن قال : الحنيفة : حج البيت وهذا يدلك على أنه أراد الإسلام وكذلك روي عن الضحاك و السدي : ( حنفاء ) قال : حجاجا وعن مجاهد : ( حنفاء ) قال : متبعين )
قال : ( وهذا كله يدلك على أن الحنيفية : الإسلام )
قال : ( وقال أكثر العلماء : الحنيف : المخلص وقال الله عز و جل : { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما } وقال : { ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل } فلا وجه لإنكار من أنكر رواية من روى :
حنفاء : مسلمين
قال الشاعر - وهو الراعي - :
( أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا )
( عرب نرى لله في أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيــــلا )
فهذا وصف الحنيفية بالإسلام وهو أمر واضح لا خفاء به )
قال : ( ومما احتج به - من ذهب إلى أن الفطرة في هذا الحديث : الإسلام - قوله صلى الله عليه و سلم [ خمس من الفطرة ] ويروى [ عشرة من الفطرة ] يعني فطرة الإسلام )
قلت : الدلائل الدالة على أنه أراد : على فطرة الإسلام - كثيرة كألفاظ الحديث التي في الصحيح مثل قوله : ( على الملة ) ( وعلى هذه الملة ) ومثل قوله في حديث عياض بن حمار : [ خلقت عبادي حنفاء كلهم ] وفي لفظ [ حنفاء مسلمين ] ومثل تفسير أبي هريرة وغيره من رواة الحديث ذلك وهو أعلم بما سمعوا
وأيضا فإنه لو لم يكن المراد بالفطرة الإسلام لما سألوا عقب ذلك : ( أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير ؟ ) لأنه لو لم يكن هناك ما يغير تلك الفطرة لم سألوه والعلم القديم وما يجري مجراه لا يتغير
وكذلك قوله : [ فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ] بين فيه أنهم يغيرون الفطرة التي فطر الناس عليها
وأيضا فإنه شبه ذلك بالبهيمة التي تولد مجتمعة الخلق لا نقص فيه ثم تجدع بعد ذلك فعلم أن التغيير وارد على الفطرة السليمة التي ولد العبد عليها
وأيضا فإن الحديث مطابق للقرآن لقوله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } وهذا يعم جميع الناس فعلم أن الله فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة وفطرة الله أضافها إليه إضافة مدح لا إضافة ذم فعلم أنها فطرة محمودة لا مذمومة
يبين ذلك أنه قال : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } وهذا نصب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول عند سيبويه وأصحابه فدل على أن إقامة الوجه للدين حنيفا هو فطرة الله التي فطر الناس عليها كما في نظائره ومثل قوله : { كتاب الله عليكم } وقوله : { سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } فهذا عندهم مصدر منصوب بفعل مضمر لازم إضماره دل عليه الفعل المتقدم كأنه قال : كتب الله ذلك عليكم وسن الله ذلك وكذلك هنا فطر الله الناس على ذلك : على إقامة الدين لله حنيفا وكذلك فسره السلف كما تقدم النقل عنهم " اهـ درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ج4ص282-283
الفائدة الثالثة : أسبقية التوحيد على الشرك
الأحاديث التى ذكرناها تدل على أن الأصل فى الناس التوحيد والشرك هو العارض والطارئ على الفطرة البشرية ، فالشرك بالله تعالى لم يقع فى الأرض إلا بعد عشرة قرون من هبوط آدم – عليه السلام إلى الأرض
فقد أخبر النبى – صلى الله عليه وسلم – أن الإنسان يولد على الإسلام – ثم يطرأ عليه الشرك بعد ذلك بسبب الأبوين أو بسبب الشيطان أو بسبب البيئة الفاسدة
فالتوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة . وهو أصيل في بني آدم، والشرك طارئ عليه؛ قال تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } :
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " كان بين آدم ونوح عشرة قرون؛ كلهم على الإسلام " .
قال ابن القيم رحمه الله:" هذا القول هو الصحيح في الآية "
وصحح هذا القول أيضا ابن كثير .
وأول ما حدث الشرك في الأرض في قوم نوح حين غلوا في الصالحين : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } .
قال البخاري في " صحيحه " عن ابن عباس رضي الله عنهما : " هذه أسماء رجال صالحون من قوم نوح، فلما هلكوا؛ أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم؛ عبدت " .
قال ابن القيم : " قال غير واحد من السلف : لما ماتوا؛ عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم " .
ومن هذا الأثر الذي رواه البخاري عن ابن عباس في غلو قوم نوح في الصالحين وتصويرهم إياهم والاحتفاظ بصورهم ونصبها على المجالس منه ندرك خطورة التصوير وخطورة تعليق الصور على الجدران وخطورة نصب التماثيل في الميادين والشوارع، وأن ذلك يئول بالناس إلى الشرك، بحيث يتطور تعظيم تلك الصور والتماثيل المنصوبة، فيؤدي ذلك إلى عبادتها؛ كما حدث في قوم نوح .
الفائدة الرابعة : دلالة الحديث على فضل التوحيد من توافق وموافقة ومطابقة التوحيد للفطرة
وهذا إن دل إنما يدل على سهولة ويسر العقيدة الإسلامية ، ومما يدل على سهولة ويسر العقيدة الإسلامية وأنها مطابقة للفطرة التى فطر الله عليها الإنسان أمور :
أولا : العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة وميسرة
لأنها صادرة عن الرب – جل وعلا – أى أنها مأخوذة عن الله – جل فى علاه – فلا بد أن تكون سهلة وميسرة ، فقد أخبرنا الله تعالى أنه يسر هذا القرآن للناس ، والعقيدة الإسلامية مستفادة من هذا القرآن الكريم
قال تعالى :
" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر : 17]
وقال تعالى :
" فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدخان : 58]
وقال تعالى :
" فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً [مريم : 97
ومع تيسير الله تعالى على عباده فقد رفع عنهم الحرج فى الدين فلم يكلفهم إلا بما فى استطاعتهم ووسعهم
قال تعالى :
" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج : 78
وقال تعالى :
" يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة : 185
وقد أمرنا الله تعالى بتدبر كتابه مما يعنى أنه بوسع المكلف أن يفهم خطاب الله تعالى له بالأمر والنهى –
فقال تعالى :
" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء : 82
وقال جل وعلا –
" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد : 24
وقال تعالى "
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [صـ : 29
ثانيا : العقيدة الإسلامية سهلة وميسرة
لأنها موافقة للفطرة التي فطر الله الناس عليها –
قال تعالى :
" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف : 172
لَمَّا خَلَقَ الله آدَم مَسَحَ ظَهْرَهُ فاستخرج َ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فقال لهم ألست بربكم فأقروا جميعا بربوبيته واستحقاقه للعبادة
وفى الحديث الذى رواه البخارى عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ قَالَ فَيَقُولُ نَعَمْ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي "
فجميع بنى آدم شهدوا لله تعالى بالوحدانية مما يدل على أن العقيدة الإسلامية فى متناول الجميع ،
ومع هذا الميثاق نجد أن الله تعالى قد فطر الناس جميعا على توحيده – كما قال تعالى :
" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30
وفى الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما مِن مولودٍ إلا يُولَدُ على الفِطْرةِ » فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ، أوْ يُنَصِّرانِهِ ، أوْ يُمجِّسانِهِ ، كما تُنْتَجُ البَهيمَةُ بهيمةً جَمْعاءَ ، هلْ تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ ، ثم يقولُ أبو هريرة : اقرؤوا عن شئتم{ فِطرةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ }.
وفي أخرى لمسلم :« ما من مولودٍ إلا يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يهودانه وينصِّرانه ، ويشرِّكانه ».
وهذا يدل على مدى تأثير الأبوين على إسلام أو كفر الأولاد والذرية ،فالحمد الذى خلقنا من أبوين مسلمين
وفى الحديث عن عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال ذاتَ يوم في خطبته: «أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أن أُعَلِّمَكمْ مَا جَهِلْتُمْ مما عَلَّمني يومي هذا. كُلّ مال نَحَلْتُه عبدا حلال،وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم.وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم.وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم.وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا.
بل إن الله تعالى لم يكتف بهذا بل أرسل رسله إلى الناس جميعا لدعوتهم إلى الله تعالى وتذكيرا لهم بالميثاق الأول ومن باب إقامة الحجة عليهم
قال تعالى :
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25
وقال تعالى :
" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ"
وقال تعالى :
" رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء : 165
وقال صاحب المعارج :
أخرج فيما قد مضى من ظهـر آدم ذريته كالــــــــــــــذر
وأخذ العهد عليهم أنــــــــــه لا رب معبود بحق غيـره
وبعد هذا رسله قد أرســـــــلا لهم وبالحق الكتاب أنزلا
لكي بذا العهد يذكروهـــــــــم وينذروهم ويبشروهـــــم
كي لا يكون حجة للناس بـل لله أعلى حجة عز و جـــل
ثالثا : العقيدة الإسلامية سهلة وميسرة :
لأن الله تعالى خاطب بها جميع الناس على تفاوت أفهامهم وعقولهم ،مما يدل أن الناس جميعا فى متناولهم أن يفهموا هذه العقيدة الإسلامية
فلقد خاطب الله تعالى الناس جميعا بهذا القرآن ، العربى منهم والأعجمى ، الكبير منهم والصغير ، لأن ما فيه من عقيدة فى متناول فهم الجميع
قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 21
وقال تعالى :
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء : 23
وقال تعالى
" وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء : 36
ولقد خاطب الله تعالى الناس جميعا بالإيمان –
فقال تعالى – " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء : 170
وقال تعالى مخاطبا أهل الكتاب بقوله :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً [النساء : 47
وخاطب الله تعالى المؤمنين بالإيمان فقال
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136]
مثال :
النبى – صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصبيان العقيدة الإسلامية بطريقة سهلة وميسرة – والدليل على ذلك –
عن ابن عباس – رضى الله عنهما - قال : « كنتُ خَلْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوما ، فقال لي : يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إِذا سألتَ فاسأل الله ، وإِذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إِلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إِلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفِعَتِ الأقلام ، وجَفَّتِ الصُّحف » رواه الترمذى وغيره وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألبانى
والسؤال هنا : هل النبى – صلى الله عليه وسلم – يضع العلم فى غير موضعه ؟
والجواب : أن هذا محال فى حق النبى – صلى الله عليه وسلم – لأنه لا ينطق عن الهوى ، وأن الذى علمه هو ربه جل وعلا ، فهذا إن دل إنما يدل على أن هذه العقيدة الإسلامية فى متناول الجميع ليسرها وسهولتها ، وما ذكر فى هذا الحديث هو مجمل العقيدة الإسلامية
1- فعلى العبد أن يحافظ على حدود الله تعالى وأن يحافظ على فرائضه التى فرضها على عباده
2- كذلك يتعرف العبد على ربه فيعرفه بأسمائه وصفاته وأفعاله " تعرف على الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة "
3- ثم روح العقيدة الإسلامية التى تتمثل فى التوجه إلى الله وحده ، فالسؤال لا يكون إلا إلى الله " إذا سألت فاسأل الله " وكذلك طلب العون لا يكون إلى من الله " وإذا استعنت فاستعن بالله " لا بقبور ولا بأولياء ، بل ولا بنبى من الأنبياء ، ولا بملك من الملائكة
4- ثم علمه مسألة القضاء والقدر فى أبسط عبارة فالأمة جميعا وإن اجتمعت لا تملك لأحد نفعا ولا ضرا إلا إذا شاء الله تعالى ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
والحمد لله رب العالمين
ربنا أتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
الفهرس
المقدمة
لا حياة للأبدان ولا حياة للقلوب إلا بتوحيد الله تعالى
فائدة :
وصف الله قلوب الكفار بعشرة أوصاف
فائدة:
كل ما ثبت فى فضل الإسلام والإيمان والإحسان فهو ثابت فى حق التوحيد
فائدة :
هذه الآية عدها العلماء من أعظم آيات الرجاء
فائدة :
لماذا قدم الله تعالى صنف الظالم لنفسه على المقتصد والسابق بالخيرات ؟
الحديث الأول
الأحاديث الواردة فى فضل التوحيد
التوحيد هو حق الله وحده
فوائد الحديث :
الفائدة الأولى : فى بيان حق الله تعالى وهو : إفراد الله تعالى بالعبادة
مسألة :
لماذا كان الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه ؟
والجواب
الفائدة الثانية : لا تصح العبادة إلا باجتناب الشرك
دلالة السنة على ذلك :
الفائدة الثالثة :أن دخول الجنة يكون بتحقيق التوحيد واجتناب الشرك
يستفاد من ذلك :
الحديث الثانى
التوحيد دين الفطرة
الفوائد المستفادة من جملة هذه الأحاديث
الفائدة الأولى : دلالة القرآن على ما دلت عليه الأحاديث من وجود الفطرة
الآية الأولى :
الآية الثانية :
الفائدة الثانية : معنى الفطرة
الفائدة الثالثة : أسبقية التوحيد على الشرك
الفائدة الرابعة : دلالة الحديث على فضل التوحيد من توافق وموافقة ومطابقة التوحيد للفطرة
أولا : العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة وميسرة
ثانيا : العقيدة الإسلامية سهلة وميسرة
ثالثا : العقيدة الإسلامية سهلة وميسرة :
مثال :
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^