الرد المبين على المدافعين عن الحاكمين بغير ما أنزل رب العالمين ج1
الرد المبين على المدافعين عن الحاكمين بغير ما أنزل رب العالمين
ج1
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران : 102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَوَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) الأحزاب
وبعد :
مرضان خطيران ينتشران فى الناس انتشار النار فى الهشيم خاصة فى العصور المتأخرة : مرض الشبهات – ومرض الشهوات
ومنشأ هذان المرضان بسبب التفريط فى طاعة الله – عز وجل – وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم –
يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – " مبيناً ثمرة الاعتصام بالله:
"هو الدافع عن العبد -والله يدافع عن الذين آمنوا- فيدفع عنه الشبهات والشهوات وكيد عدوه الظاهر والباطن، وشر نفسه ويدفع موجب أسباب الشر بعد انعقادها، بحسب قوة الاعتصام به وتمكنه"مدارج السالكين ج1/ ص497
وأخطر المرضين هو : مرض الشبهات
يقول ابن القيم – رحمه الله – " [ الْمَرَضُ نَوْعَانِ ]
الْمَرَضُ نَوْعَانِ مَرَضُ الْقُلُوبِ وَمَرَضُ الْأَبَدَانِ وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ .
[ نَوْعَا مَرَضِ الْقَلْبِ ]
وَمَرَضُ الْقُلُوبِ نَوْعَانِ مَرَضُ شُبْهَةٍ وَشَكّ وَمَرَضُ شَهْوَةٍ وَغَيّ وَكِلَاهُمَا فِي الْقُرْآنِ . قَالَ تَعَالَى فِي مَرَضِ الشّبْهَةِ
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا } [ الْبَقَرَةُ 10 ]
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلًا } [ الْمُدّثّرُ 31 ]
وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقّ مَنْ دُعِيَ إلَى تَحْكِيمِ الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ فَأَبَى وَأَعْرَضَ
{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ }
[ النّورُ 48 و 49 ] فَهَذَا مَرَضُ الشّبُهَاتِ وَالشّكُوكِ
فَقَالَ تَعَالَى : { يَا نِسَاءَ النّبِيّ لَسْتُنّ كَأَحَدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ اتّقَيْتُنّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ الْأَحْزَابُ 32 ] .
فَهَذَا مَرَضُ شَهْوَةِ الزّنَى وَاَللّهُ أَعْلَمُ " زاد المعاد ج5ص8
وأخطر ما فى مرض الشبهات :
أن أهل الشبهات يزدادون ضلالا عندما يصلهم الحق ويقفون عليه
ومن المعلوم أن الإنسان إذا فتن فإنه يعمى عن الحق، ويفتح عينيه على الباطل، ويصبح قابلاً لما يهواه، ومبغضاً لمن ينهاه عما هو فيه، غير قابل له؛ ولهذا أخبرنا ربنا جل وعلا أننا إذا رأينا الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله أن نحذرهم، وأخبرنا ربنا جل وعلا أنه أنزل { آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران:7]
وقد جاء النص عن - النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها- أنه قال: ( إذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم )
مع أن القرآن ليس فيه شيء يدل على الباطل،
كما أنه جل وعلا أخبرنا أن الذي في قلبه مرض الشبهات فإن الحق لا يزيده إلا ضلالاً ويتمادى في الباطل { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } [البقرة:10]
{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة:124-125].
إذاً: من كان عنده مرض شبهة فإنه يزداد ببيان الحق وإيضاحه ضلالاً وتمادياً في باطله، وذلك أن الحجة تزداد قياماً عليه، فيستحق من العذاب أكثر؛ ولهذا تجدهم يتعلقون بأمور تافهة، وأمور واهية، بل بأحاديث مكذوبة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفرحون بها إذا وجدوها، وقد يجرؤ بعضهم على تصحيحها ويقول: إنها صحيحة، وقد يجرؤ بعضهم على وضع الأسانيد لها كذباً وزوراً، فكيف مقامه أمام الله جل وعلا؟
بل تجدهم يتعلقون ببعض زلات للعلماء لرد الحق الواضح المبين ،وربما يتعلقون كذلك ببعض الكلام المتشابه عند العلماء مع تركهم الواضح المحكم من كلامهم وهذا إن دل إنما يدل على فساد القلوب وإتباع الهوى
ومثل هؤلاء ليس البيان والإيضاح لهم، البيان والإيضاح يكون لمن يريد الحق، فالذي يلتبس عليه الحق وهو يريد الحق ينتفع بالإيضاح والتبيين، أما من كان قلبه ملبساً بالفتنة وقابلاً لها فإنه لا يزداد بذلك إلا غياً وتمادياً في الباطل.
وإذا انتشر مرض القلب بين الناس انتشر في الأمة وفسدت وهلكت، والأصل في هذا قوله تعالى:" فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"[آل عمران:7]
وهذا الزيغ إن هو إلا مرض الشبهات التي يلقيها الشيطان في أفئدة القوم من أتباع الهوى،
ولقد قال الفضيل - رحمه الله:" صاحب البدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه فمن جلس إلى صاحب بدعة ورثه الله العمى"
وقال عبد الله بن المبارك:" صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة"
وكان يقول رحمه الله:" اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي" انظر هذه الآثار فى اعتقاد أهل السنة - ج1/ ص136 -140
وغير هذا كثير مما يدل على تخوف السلف رضوان الله عليهم من تأثرهم بأصحاب البدعة وتسرب أمراضهم إلى قلوبهم، ولهذا كان من منهج كثيرٍ منهم مفارقة أهل البدعة وعدم مجالستهم بل وعدم مناظرتهم إلا للضرورة، وكل ذلك إمعاناً في هجر الوقاية منهم والنكاية بهم.
ولئن بقي عند شاك أو متردد شبهة حول خطورة ظهور هؤلاء في الأمة متوهماً أن السلامة تحصل بمجرد التزام باقي الأمة للصراط المستقيم دون اكتراث بخطر هؤلاء المبتدعة على الأمة بأسرها فليقرأ قوله تعالى:
" وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[الأنفال : 25]
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله - في رواية عن ابن عباس في تفسير هذه الآية:" أمر الله المؤمنين أن لا يُقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب، وهذا تفسيرٌ حسنٌ جداً" اهـ تفسير ابن كثير ج 2/ ص300
وأهل الشبهات منذ القديم منذ ظهور الفرق الضالة وهم يفسدون فى الأمة ويلقون بين أبنائها الشبهات المنحرفة والتى كانت سببا فى رد الكثير من الحق ، وتفرق الأمة من جانب آخر
وأهل الشبهات لم يتركوا أصلا من أصول الدين إلا ووضعوا حوله الشبهات بداية من أمور التوحيد ومسائل الإيمان والكفر إلى غير ذلك .
ومن الأمور التى أثاروا حولها الشبهات مسألة تحكيم الشريعة وحكم الحاكم الذى يحكم بغير ما أنزل الله ،
على الرغم من وضوح هذه المسألة نصا فى الكتاب والسنة والإجماع ، إلا أن أهل الزيغ تركوا الكتاب والسنة وأخذوا يتلمسون المعاذير للطواغيت المحاربين لدين الله وشرعه الصادين عنه بكل الصور والأشكال ، فأخذوا يبحثون فى بعض الحوادث المجملة أو المشتبهة لعلهم يجدون ما يمنحون به الطواغيت إسلاما يناسبهم
والشبهات التى أثارها المنحرفون حول مسألة الحاكمية كثيرة ومتعددة ، وكلها متهافتة ، وسوف نقوم بسردها وتفنيدها وإبطالها من خلال النصوص الشرعية وأقوال المحققين من علماء الأمة ، وذلك فى بحث مستقل
ولكن فى هذه الصفحات سوف أتعرض لشبهة واحدة فقط للضرورة التى ألجأتني على ذلك ، والسبب فى عرض هذه الشبهة :أن بعض الناس ألقى هذه الشبهة بين بعض الأخوة فوجب بيانها نصيحة وبيانا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وهذه الشبهة هى : أن النجاشى كان يحكم بغير ما أنزل الله
وفى الحقيقة هذه شبهة متهافتة لا ترقي أن تكون دليلا فضلا أن يعارض بها المنحرفون إجماع الأمة على كفر المبدل لشرائع الإسلام .
وهؤلاء فى الحقيقة يلتقون مع الكفار الذين يرون أن الشريعة ليست صالحة للتطبيق فى هذا الزمان من ناحية أن هؤلاء المنحرفين أجازوا للحكام المبدلين لشرع الله أن يحكموا بالقوانين الوضعية وأن ذلك لا يخرجهم من الملة الإسلامية بدليل أن النجاشى وهو حاكم مسلم لم يحكم بما أنزل الله ، والذى يقول بمثل هذا الكلام هو فى الحقيقة يحتاج إلى أن يتعرف على الإسلام من جديد ، أقصد الإسلام كما جاء فى الكتاب والسنة ، وليس الإسلام الذى يحدثه أمثال هؤلاء
فمع غياب المفهوم الصحيح الشامل لقضية التوحيد ، غاب هذا المبدأ الكبير الذى هو من أخص خصائص الألوهية ونحى المسلمون - إلا من رحم ربك - شريعة الله جل وعلا وأحلوا محلها القوانين الوضعية الفاجرة
استبدلوا بالعبير بعرا وبالثريا ثرى وبالرحيق المختوم حريقا !!
مثلهم كمثل الجعل يتأذى من رائحة المسك والورد والفواح ويسعد بل ويحيا برائحة القذر فى المستراح !!
وظن كثير من السذج والبلهاء والمخدوعين أن شرع البشر من ملاحدة وزنادقة وعلمانيين وشيوعين وديمقراطيين وغيرهم ممن تتحكم فيهم الأهواء وتسيطر عليهم الشبهات والشهوات ، ظنوا أن تشريع هؤلاء هو قارب النجاة وسط هذه الرياح الهوجاء والأمواج العاتية والظلمات الحالكة التى يترنح الناس فيها كترنح من يتخبطه الشيطان من المس وخاب الجميع وخسروا !!
" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة : 50]
ومن ذا الذى يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ويحكم فيهم خيراً مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم ؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدى هذا الادعاء العريض ؟ أيستطيع أن يقول : إنه أعلم بالناس من خالق الناس ؟
أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس ؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس ؟
أيستطيع أن يقول: إن الله سبحانه وهو يشرع شريعته الأخيرة ويرسل رسوله الأخير ويجعل رسوله خاتم النبيين ، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات ، ويجعل شريعته شريعة الأبد ، كان سبحانه يجهل أن أحوالاً ستطرأ وأن حاجات ستجد ، وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها فى شريعته أنها كانت خافية عليه - سبحانه - حتى انكشفت للناس فى آخر الزمان"
" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة : 50]
فالأصل الذى يجب على البشرية أن ترجع وتفئ إليه هو دين الله وحكم الله منهجه للحياة فإما أن نحتكم إلى الله وإما أن نحتكم إلى الطاغوت وقد أمرنا الله أن نكفر به !!
ويبقى بعد هذا كله الركن الثانى لكلمة التوحيد وهو شهادة أن محمداً رسول الله ، فهى الأخرى ليست مجرد كلمات نرددها ونتغنى بها وننسج لها القصائد والمدائح والأشعار ونقيم لها الحفلات فى المناسبات والأعياد ثم ينتهى الأمر عند هذا الحد أيضاً ولا تتحول هذه الشهادة الكريمة فى حياتنا إلى واقع وسلوك بل وتجاوز الأمر ذلك فظهر علينا ممن يتكلمون بألسنتنا ويلبسون زينا - من بنى جلدتنا - من يتطاول على سنة إمام الهدى ومصباح الدجى - بأبى هو وأمى - ووالله لا يتم إيمان إلا بالإنقياد الكامل والأذعان المطلق لرسول الله- صلى الله عليه وسلم –
" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء : 65]
نعم إنه شرط الإسلام وحدَّ الإيمان ، وتقتضى هذه الشهادة الكريمة ، تصديقه – صلى الله عليه وسلم - فى كل ما أخبر ، وطاعته فى كل ما أمر ، والانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر ، ومحبته صادقة متمثلة فى إتباعه واقتفاء أثره والسير على طريقه دون غلو أو إطراء
" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[آل عمران : 31]
ومن كمال العبودية لله والمحبة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -أن نميز بين حقوق الله تعالى التى لا يجوز بحال صرفها لغير الله وبين حقوق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
فهذا هو ديننا المنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم -
الرد على هذه الشبهة
هذه الشبهة أثارها أبو رائد الأردنى وشيخه العنبرى وذكرها أيضا عمر سليمان الأشقر فى رسالة له تحت عنوان«حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية " وهذه زلة وقع فيها الشيخ عفا الله عنه ، على الرغم من أن منهجه فى كتبه هو منهج أهل السنة والجماعة
والعجيب أن أصحاب هذه الشبهة لم يذكروا دليلا واحدا يصلح للاحتجاج بل هى الظنون والأوهام ونقلات من كتب التاريخ المليئة بالنصوص الضعيفة والموضوعة ، وصدق القحطانى الأندلسى فى نونيته عندما قال "
لا تقبلن من التـــــوارخ
جمع الرواة وخـط كـلَّ بنـانِ
اروِ الحديث المنتقى عن أهله
سيما ذوي الأحلام والأســنانِ
وهذا أوان الرد على هذه الشبهة :
والرد على هذه الشبهة من وجهين : إجمالا وتفصيلا
أولا : الرد الإجمالي :
1-أولا : من المعلوم لدى كل طالب علم أن الأدلة الشرعية التي يتدين بها هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة والقياس الصحيح المنضبط مما هو معلوم ومقرر في فى كتب السلف ومن سار على هديهم من علماء الخلف ، وبالتالي فلا اعتبار بأي قول لا يدل عليه دليل شرعى ، وبالتالى وجوب رد ماخالف الكتاب والسنة
فإذا كان الأمر كذلك : فالذين قالوا بأن النجاشى لم يحكم بما أنزل الله على الرغم من أن النبى حكم له بالإسلام وصلى عليه ، ليس معهم إلا الظنون والأوهام .
فيلزم المحتج بهذه الشبهة المتهافتة قبل كلِّ شيءٍ أن يثبت لنا بنصٍ صحيحٍ صريحٍ قطعي الدلالة أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله بعد إسلامه.. فقد تتبعتُ أقاويلهم من أولها إلى أخرها.. فما وجدتُ في جعبتهم إلا استنباطات ومزاعم جوفاء لا يدعمُها دليلٌ صحيحٌ ولا برهانٌ صادقٌ، وقد قال تعالى: {قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111].
فإذا لم يأتوا بالبرهان على ذلك فليسوا من الصادقين بل هم من الكاذبين..
2- ثانيا : يقال لأصحاب هذه الشبهة : كلام أهل العلم يستدل له وليس به
فمن المعلوم أن كلام أهل العلم مهما بلغوا من الرتبة والمنزلة في العلم والفضل لا يرقي أن يكون دليلا شرعيا بذاته ! فكلامهم رحمهم الله يستدل له لا به ! وهذا مما ينبغي أن يكون معلوما خاصة عند الاحتجاج والمعارضة
"قال الشافعي - رحمه الله: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد
وقال مالك - رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أحمد عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصته يذهبون إلى رأي سفيان والله يقول "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور: من الآية63).
وقال صاحب الهداية في روضة العلماء إنه قيل لأبي حنيفة إذا قلت قولاً وكتاب الله يخالفه قال اتركوا قولي بكتاب الله فقيل إذا كان خبر الرسول يخالفه قال اتركوا قولي لخبر الرسول صلى الله عليه وسلم. فقيل له إذا كان قول الصحابي يخالفه قال اتركوا قولي لقول الصحابي.
وعن معن بن عيسى قال سمعت مالكاً يقول : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي كل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.
وسأل رجل الإمام الشافعي عن مسألة فقال يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا وكذا فقال له السائل يا أبا عبد الله تقول بهذا فارتعد الشافعي واصفر لونه وقال :ويحك وأي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ولم أقل به نعم على الرأس والعين نعم على الرأس والعين0
وقال :إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- فقولوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوا ما قلت" اهـ الكواشف الجلية لعبد العزيز السلمان ج2ص80
فقول من يقول عن النجاشي - رحمه الله :
( أنه كان يحكم بغير ما أنزل الله لكنه كان له عذر ) لم يثبت بدليل شرعي حتى يحتج به !!!
فمن البديهي عندما يتخذ مثل هذا الكلام دليل " معارضة " يستدل به على كون الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر ، أو أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله كما فى قصة النجاشى ،أن نسأل عن ثبوته في الشرع قبل أن نناقشه كدليل !!!
وهذا مما لم يأت به أصحاب الشبهات المتهافتة ، ولذا لا ينبغي أن تعارض أدلة الكتاب والسنة فضلا عن إجماع الأمة بمثل هذا الكلام الذي كما قلت مهما كانت منزلة قائله في العلم والفضل فلا يرقى كلامه ليكون دليلا شرعيا يحتج به فضلا أن يبطل أو يعارض الأدلة الأخرى .
ثانيا : الرد التفصيلى
أصحاب هذه الشبهة استدلوا بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن النجاشى كان يحكم بغير ما أنزل الله ،على الرغم من أن شيخ الإسلام يحكم بالكفر على من لم يلتزم بالحكم بما أنزل الله ، ولكن القوم كالصوص يسرقون بعض الأقوال التى يظنون أنها تخدم منهجهم الفاسد ، ويتركون من كلام شيخ الإسلام الواضح المحكم
قال شيخ الإسلام :
" والحكم بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها والحكم به واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من اتبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر…"اهـ منهاج السنة ج5ص131
وهذا كلام فى غاية الوضوح أن من لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر
ثم قال شيخ الإسلام عن النجاشى : "… وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من أهل الجنة …." اهـ مجموع الفتاوى ج19ص217 ، ومنهاج السنة ج5ص112
قرر شيخ الإسلام هنا أمور فى غاية الأهمية منها :
1- أن النجاشى كان فى دار الكفر وقد فعل ما باستطاعته
قال " وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره" اهـ
النجاشى إذن كان فى دار كفر وقد فعل ما باستطاعته ، فهل الحكام الآن فى دار كفر ؟ وهل أصحاب هذه الشبهة يقولون أننا الآن نعيش فى ديار كفر ، حتى يقسوا واقع النجاشى على واقعنا الآن ؟
الواضح أن القوم من أصحاب هذه الشبهة لا إلى نقل صحيح استندوا ، ولا إلى عقل رشيد ركنوا ، ولا قياس صحيح نظروا
2- أن النجاشى لم يمكنه الهجرة إلى النبى – صلى الله عليه وسلم -
قال شيخ الإسلام " ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام "اهـ
أى : أنه كان معذورا لعدم استطاعته الهجرة ، فله حكم أمثاله كما سيذكر شيخ الإسلام بعد ذلك
3-أن النجاشى لم يلتزم معظم شعائر الإسلام لكونه لم تصله الشرائع ، وكذلك لم يكن عنده من يعلمه ذلك
قال شيخ الإسلام" وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي – يقصد قوله تعالى " وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران : 199]
لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ولا العمل بشرائع الإسلام لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي – صلى الله عليه وسلم - إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي – صلى الله عليه وسلم - بمنزلة من يؤمن بالنبي – صلى الله عليه وسلم - في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال تعالى " فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ً [النساء : 92
فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون
قال تعالى "وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر : 28]
فقد أخبر سبحانه أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب وكذلك امرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء
قال الله تعالى "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم : 11]
وامرأة الرجل من آله بدليل قوله "إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين"
وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم - يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا و" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وهو عاجز عن الهجرة إلى دار الإسلام كعجز النجاشي) ا . هـ
وهذا كلام فى غاية الوضوح والصراحة لمن أراد أن يقف على حقيقة كلام شيخ الإسلام فى هذه المسألة ، ولكنها طريقة القوم فى بتر أقوال الأئمة ووضعها فى غير موضعها
يؤخذ من كلام شيخ الإسلام :
أ- النجاشي - رحمه الله -لم يكن يستطيع أن يظهر إسلامه.
ب-النجاشي لم يتمكن من الهجرة ولا إظهار دينه ولا شرائع الإسلام فضلا أن يلزم بها غيره .
ج- النجاشي مسلم يكتم إيمانه وأقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .
د- عجز النجاشي - رحمه الله - راجع لعدم بلوغه العلم أو لعدم القدرة على التزامه .
قال شيخ الإسلام :
"وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات
وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روى أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه – صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه ،وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك ،
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك "ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل وقيل إنه سم على ذلك
فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها" اهـ منهاج السنة ج5ص114
والشاهد " أن من كان فى دار الحرب ولا يستطيع أن يظهر إسلامه فيعمل بما فى وسعه
يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – فى منهاج السنة النبوية ج5
ص122
( وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب الإمكان وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقى مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين ) اهـ
فائدة :
وجود المسلم فى دار الكفر لا يستوى مع وجوده فى دار الإسلام
من المعلوم بالضرورة مما سبق أن النجاشي رحمه الله كان في ديار الكفر والحرب وكان يكتم إيمانه ويتظاهر بالنصرانية ولذلك لم يعرف إسلامه حتى أصحاب - النبي صلى الله عليه وسلم - بل أنكر بعض الصحابة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه .
ولا شك أن إظهار المسلم دين غير دين الإسلام والتظاهر به في دار الإسلام اختيارا هو كفر أكبر مخرج من الملة ما لم يكن هناك مانع !!!
قال شيخ الإسلام - رحمه الله :
" ولهذا ذكروا في سبب نزول هذه الآية: أنه لما مات النجاشي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال قائل: تصلي على هذا العلج النصراني وهو في أرضه؟ فنزلت هذه الآية، هذا منقول عن جابر وأنس بن مالك وابن عباس، وهم من الصحابة الذين باشروا الصلاة على النجاشي، وهذا بخلاف ابن سلام وسلمان الفارسي؛ فإنه إذا صلى على واحد من هؤلاء لم ينكر ذلك أحد. وهذا مما يبين أن المظهرين للإسلام فيهم منافق لا يصلى عليه، كما نزل في حق ابن أبي وأمثاله. وأن من هو في أرض الكفر يكون مؤمناً يصلى عليه كالنجاشي..) اهـ(مجموع الفتاوى ج19/129)
وكفر من أظهر الكفر كما هو معلوم أعظم وأظهر من كفر من لم يحكم بغير ما أنزل الله ،لأن إظهار الكفر يعتبر محادة ومشاقة لله كما هو معلوم
ولمّا علمنا بالضرورة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قد أقره على ذلك وشهد له بالإسلام علمنا بالضرورة أنه معذور في ذلك وغيره .
فائدة :موت النجاشى كان قبل اكتمال الشرائع
إنَّ مِن المسَلَّم به بيننا وبين أصحاب هذه الشبهة أنَّ النجاشي قد مات قبل اكتمال التشريع.. فهو مات قطعاً قبل نزول قوله تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام ديناً...} [المائدة: 3].
إذ نزلت هذه الآية في حَجة الوداع، والنجاشي مات قبل الفتح بكثير كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى- وغيره " انظر البداية والنهاية جـ3 صـ277
فالحكمُ بما أنزل الله تعالى في حقه آنذاك؛ أن يحكم ويتبع ويعمل بما بلغه من الدين، لأن النذارة في مثل هذه الأبواب لابد فيها من بلوغ القرآن قال تعالى: {وأُوحِيَ إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ..}[الأنعام: 19].
ولم تكن وسائل النقل والاتصال في ذلك الزمان كحالها في هذا الزمان إذ كانت بعض الشرائع لا تصل للمرء إلا بعد سنين وربما لا يعلم بها إلا إذا شدَّ إلى النبي r الرحال... فالدينُ ما زال حديثاً والقرآنُ لا زال يتنزل والتشريعُ لم يكتمل... ويدل على ذلك دلالةً واضحة.. ما رواه البخاريُّ وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كنا نُسلِّم على النبيّ r في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إنَّ في الصلاة شغلاً».. فإذا كان الصحابة الذين كانوا عند النجاشي بالحبشة مع العلم أنهم كانوا يعرفون العربية ويتتبعون أخبار النبيّ r لم يبلغهم نسخ الكلام والسلام في الصلاة مع أنَّ الصلاة أمرها ظاهر لأنَّ النبيّ r كان يُصلي بالنّاس خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة... فكيف بسائر العبادات والتشريعات والحدود التي لا تتكرر كتكرر الصلاة؟؟.
كذلك ظل الصحابة – رضى الله عنهم – فترة طويلة يصلون إلى بيت المقدس بعد تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام لكونهم لم يصلهم هذا النسخ
والسؤال هنا :
هل يستطيع أحدٌ من هؤلاء الذين يدينون للطواغيت بالولاء والطاعة وأنهم ولاة الأمر من المسلمين أن يزعم أنه لم يبلغهم القرآن والإسلام أو الدين حتى يَقيس باطله بحال النجاشي قبل اكتمال التشريع...؟؟؟
وهل كان النجاشى – رحمه الله – من المحاربين لأهل التوحيد الصادين عن دين الله وشرعه ، كما هو حال الطواغيت فى هذه الأيام ؟ أم أنه كان من حماة الدين بحماية أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – وجعلهم فى مأمن فى بلاد الكفر ؟ على عكس الطواغيت الذين أخافوا دعاة التوحيد بل قاموا بسجنهم وقتلهم بكل الوسائل والطرق
قال تعالى " أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
وقال جل وعلا " أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [صـ : 28]
مسألة : هل حكم النجاشى بما أنزل الله ؟
يجب أن يُعلم أنَّ النجاشي قد حكم بما بلغه مما أنزل الله تعالى، ومَنْ زعم خلافَ هذا، فلا سبيل إلى تصديقه وقبول قوله إلا ببرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111]
وكلُّ ما يذكره المستدلون بقصته يدلُ على أنَّه كان حاكماً بما بلغه مما أنزله الله تعالى آنذاك
أمثلة تدل على أنه حكم بما أنزل الله بقدر استطاعته
الأول : تحقيق التوحيد والإيمان بنبوة محمد r وبأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله»... وقد فعل، ثم كتم إيمانه بعد ذلك
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله –
" وأما القسم الرابع ففي قوله تعالى " وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ [الفتح : 25]
فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره ومن هؤلاء مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه ومن هؤلاء النجاشي الذي صلى عليه رسول الله فإنه كان ملك النصارى بالحبشة وكان في الباطن مؤمنا وقد قيل إنه وأمثاله الذين عناهم الله عز وجل بقوله " وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران : 199]
وقوله تعالى" لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)
فإن هؤلاء ليس المراد بهم التمسك باليهودية والنصرانية بعد محمد قطعا فإن هؤلاء قد شهد لهم بالكفر وأوجب لهم النار فلا يثنى عليهم بهذا الثناء وليس المراد به من آمن من أهل الكتاب ودخل في جملة المؤمنين وباين قومه فإن هؤلاء لا يطلق عليهم إنهم من أهل الكتاب إلا باعتبار ما كانوا عليه وذلك الاعتبار قد زال بالإسلام واستحدثوا اسم المسلمين والمؤمنين وإنما يطلق الله سبحانه هذا الاسم على من هو باق على دين
أهل الكتاب هذا هو المعروف في القرآن كقوله تعالى " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران : 70]
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64]
" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [آل عمران : 65]
" وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة : 144 ونظائره
ولهذا قال جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك والحسن وقتادة أن قوله تعالى "وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران : 199]
أنها نزلت في النجاشي زاد الحسن وقتادة : وأصحابه " اهـ التفسير القيم لابن القيم ص314
الثانى : أنه نصر الدين بنصرة أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم –
وكذا نصرةُ النبيّ r ودينه وأتباعه، فقد نصر النجاشي المهاجرين إليه وآواهم وحقّق لهم الأمن والحماية، ولم يخذلهم أو يُسلمهم لقريش، ولا ترك نصارى الحبشة يتعرضون لهم بسوء رغم أنهم كانوا قد أظهروا معتقدهم الحق في عيسى عليه السلام ، وهذا مما أنزله الله تعالى وأمر به فى كتابه
الثالث : أنه روى أنه أرسل ابنه ومعه رجال من الحبشة لمبايعة النبى – صلى الله عليه وسلم
ذكر عمر سليمان الأشقر فى رسالته " حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية
يذكر أن النجاشي: « قد بايع رسول الله r وبايع ابنٌ له جعفر وأصحابه وأسلم على يديه لله ربِّ العالمين، وفيها أنه بعثَ إليه بابنه أريحا بن الأصحم ابن أبجر، وقوله: إنْ شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول الله فإنني أشهدُ أنَّ ما تقولُ حق»اهـ ص73
توضيح وبيان : هل النجاشى الذى صلى عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو الذى بايع الرسول – صلى الله عليه وسلم –
قال ابن القيم – رحمه الله
[ الْكِتَابُ إلَى النّجَاشِيّ ]
فَأَوّلُهُمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ بَعَثَهُ إلَى النّجَاشِيّ وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ بْنُ أَبْجَر َ وَتَفْسِيرُ أَصْحَمَةَ بِالْعَرَبِيّةِ عَطِيّةٌ فَعَظّمَ كِتَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ أَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النّاسِ بِالْإِنْجِيلِ وَصَلّى عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ بِالْحَبَشَةِ هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الِوَاقِدِيّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ فَإِنّ أَصْحَمَةَ النّجَاشِيّ الّذِي صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَيْسَ هُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ هَذَا الثّانِي لَا يُعْرَفُ إسْلَامُهُ بِخِلَافِ الْأَوّلِ فَإِنّهُ مَاتَ مُسْلِمًا . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه ِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَر َ وَإِلَى النّجَاشِيّ وَإِلَى كُلّ جَبّارٍ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنّجَاشِيّ الّذِي صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنُ حَزْمٍ : إنّ هَذَا النّجَاشِيّ الّذِي بَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ لَمْ يُسْلِمْ وَالْأَوّلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَالظّاهِرُ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ " اهـ زاد المعاد ج3 ص600
مسألة : فإن قال هؤلاء فلم لم تعذروا حكامنا بالعجز كما عذرتم النجاشي - رحمه الله ؟
والجواب :
إن القياس الصحيح مبني على تساوي كل من الأصل والفرع في علة الحكم فإذا ذكرنا فوارق عديدة بين الأصل والفرع تمنع تساوي كليهما في علة الحكم، بطل بالضرورة هذا القياس فمن هذه الفوارق :
1- النجاشي مسلم في دار الكفر ومعلوم أنه يجوز للمسلم في دار الكفر والحرب ما لا يجوز في دار الإسلام من كتمان دينه وإظهاره الكفر خاصة إذا خشي الهلاك ولو يتمكن من الهجرة إلى ديار الإسلام ، وهذا الوجه يغفل عنه أهل الإرجاء رغم أنه وحده يكفي لرد هذه الشبهة المتهافتة !
2- النجاشي - رحمه الله - مع أنه ملك إلا أن سلطانه مستمد من رعيته ومن حوله ، ورعيته وشعبه كلهم كفار! ومعلوم أن قوة السلطان مستمدة من التفاف شعبه حوله وهم لا يجتمعون حوله إلا على ما يحقق مصلحة دينهم ودنياهم ومن هنا يظهر سبب ضعف النجاشي في إلزام قومه بدين الإسلام وشرائعه ولذا شبهه شيخ الإسلام رحمه الله بمؤمن آل فرعون
3- النجاشي رحمه الله لم يكن يستطيع أن يظهر إسلامه.
4- النجاشي لم يتمكن من الهجرة ولا إظهار دينه ولا شرائع الإسلام فضلا أن يلزم بها غيره .
5- النجاشي مسلم يكتم إيمانه وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
6- عجز النجاشي - رحمه الله - راجع لعدم بلوغه العلم أو لعدم القدرة على التزامه .
- والدليل على كل ما سبق من كلام شيخ الإسلام رحمه الله :
من "منهاج السنة النبوية ج5 ص111
( فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه خلافا للجهمية المجبرة ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطىء والناسي خلافا للقدرية والمعتزلة وهذا فصل الخطاب في هذا الباب فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله البتة خلافا للجهمية المجبرة وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه خلافا للقدرية والمعتزلة في قولهم كل من استفرغ وسعه علم الحق فإن هذا باطل كما تقدم بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب
وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل - النجاشي - وغيره ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ،ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من أهل الجنة كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرأة فرعون بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر فإنهم كانوا كفارا ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه قال تعالى عن مؤمن آل فرعون" وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ [غافر : 34]
وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روى أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك " اهـ
الحقيقة الواقعية :
وهى : الصورة المستدلّ لها والمقيسة على أمر النجاشى فهي صورةٌ خبيثةٌ مختلفةٌ كلَّ الاختلاف، إذ هي صورةُ فِئامٍ من النَّاس ينتسبون إلى الإسلام دون أن يتبرؤوا مما يُناقضه، بل ينتسبون إليه وإلى ما يُناقضه في الوقت نفسه ويفتخرون بذلك، فما تبرؤوا من الفر والكافرين الأصليين يهودا كانوا أو نصارى أو مشركين ،بل استحدثوا دين الديمقراطية الجديد أما النجاشي فقد برِئ من دين النصرانية0
أما هؤلاء ما فتِئُوا يمدحون الديمقراطية ويُثنون عليها ويسوّغونها للنَّاس ويدعونهم إلى الدخول في دينها الفاسد.. ويجعلون من أنفسهم أرباباً وآلهةً يُشرِّعون للنَّاس من الدين ما لم يأذن به الله.. بل ويُشاركون معهم في هذا التشريع الكفري الذي يتمُ وِفقاً لبنود الدستور الوضعي من يتواطأ معهم على دينهم الكفري من نواب أو وزراء أو غيرهم من الشعوب... ويُصِرُّون على هذا الشرك ويتشبتون به بل ويذمون من حاربه أو عارضه أو طعن فيه وسعى لهدمه... وهذا كلُّه بعد اكتمال الدين، وبلوغهم القرآن بل والسنَّة والآثار..
فبالله عليك يا مُنصف كائناً من كُنتَ، أيصحُ أنْ تُقاس هذه الصورةُ الخبيثةُ المنتنةُ المظلمةُ مع ما جمعَتْهُ من الفوارق المتشعّبة.. بصورةِ رجلٍ حديث عهد بالإسلام يطلب الحق ويتحرى نُصرته قبل اكتمال التشريع وبُلوغه إليه كاملاً.. شتان شتان بين الصورتين والحالين...
والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا حتى تشيبَ مفارقُ الغربانِ
نعم قد يجتمعان ويستويان لكن ليس في ميزان الحق.. بل في ميزان المطففين ممن طمس الله على أبصارهم فدانوا بدين الديمقراطية المناقضِ للتوحيد والإسلام.
{ويلٌ للمطففين. الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون. ألا يظن أُولئك أنهم مبعوثون. ليومٍ عظيم} [المطفّفين: 1-5]».
فصل
فى كلام أهل العلم حول هذه المسألة
هذه بعض نقولات عن أهل العلم فى بيان حقيقة هذه المسألة المهمة ، وذلك على وجه الاختصار حتى يأتى التفصيل فى موضع آخر- إن شاء الله تعالى
1- : قال ابن حزم الأندلسي :
" لا خلاف بين اثنين من المسلمين أن هذا منسوخ ، وأن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام " [ الإحكام في أصول الأحكام 5 / 162 ]
2- وقال رحمه الله :
" إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه : إما إسقاط فرض لازم كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنى أو حد القذف أو إسقاط جميع ذلك وإما زيادة في شيء منها أو إحداث فرض جديد وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وما أشبه ذلك وأي هذه الوجوه كان فالقائل به مشرك لاحق باليهود والنصارى " [ الإحكام 6 / 264 ] .
3- وقال رحمه الله تعالى :في تفسير قوله تعالى {إنما النسيءُ زيادةٌ في الكفرِ}[التوبة: 37]:
( …..أن الزيادة في الشيء لا تكون ألبته إلاّ منه لا من غيره، فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله . )ا.هـ ( الفصل 3/245)
4-قال الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام (2/544):
(إن كل بدعة وإن قلت فهي تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على الانفراد، وقد يكون ملحقاً بما هو مشروع فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر، فلا فرق بين ما قل منه وما كثر، …) ا.هـ
5- : قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام ، أو إتباع شريعة غير شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ، كما قال تعالى { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " اهـ
[ مجموع الفتاوى 28 / 524 ].
6- وقال رحمه الله :
" ومن بدل شرع الأنبياء وابتدع شرعا ، فشرعه باطل لا يجوز إتباعه ، كما قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } ، ولهذا كفر اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ " [ مجموع الفتاوى 35 / 365 ]
7-وقال – رحمه الله :
" مثل أن يقال : نسخ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر ، فهذا الكلام ونحوه حق لاشيء على قائله " اهـ[ مجموع الفتاوى 35 / 200 ]
8-وقال – رحمه الله :
" ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى " اهـ
[ مجموع الفتاوى 8 / 106 ]
9-وقال – رحمه الله :
" كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة مع شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ، وملتزمين بعض شرائعه ، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة ، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما ، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام ، عملا بالكتاب والسنة ... فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات ، أو الصيام ، أو الحج ، أو عن التزام تحريم الدماء ، والأموال ، والخمر ، والزنا ، والميسر ، أو عن نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار ، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب ، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء " اهـ[ مجموع الفتاوى 28 / 502 ]
10- وقال – رحمه الله :
" كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين ، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا ، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة ، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق ، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش ، أو الزنا ، أو الميسر ، أو الخمر ، أو غير ذلك من محرمات الشريعة ، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة ، وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى إن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكذلك إن اظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها " [ مجموع الفتاوى 28 / 510 ]
11- : قال ابن القيم رحمه الله :
" وقد جاء القرآن ، وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله ، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ، ولم يتبع القرآن ، فإنه كافر ، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل ، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام ، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام ، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام " [ أحكام أهل الذمة 1 / 259 ]
12- : قال ابن كثير رحمه الله : في كلامه عن الياسق :
" وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ، قال تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } ، وقال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ البداية والنهاية 13 / 119 ]
13- وقال في تفسير قوله تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } :
" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير "
14- : سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله :عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد ، هل يطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف؟
فأجاب :" من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر ، قال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }
وقال تعالى { أفغير دين الله يبغون } الآية ،
وقال تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } الآية ،
وقال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } الآية ،
والآيات في هذا المعنى كثيرة " [الدرر السنية في الأجوبة النجدية 8 / 241 ]
15- : الشيخ حمد بن عتيق النجدي في رسالته بيان النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك: ذكر ضمن نواقض الإسلام : الأمر الرابع عشر : التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الشيخ حمد فتوى ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى { أفحكم الجاهلية يبغون } ، ثم قال : ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها شرع الرفاقة ، يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله ، ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله)
16- : ذكر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته تحكيم القوانين :
" إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ، في الحكم به بين العالمين ، والرد إليه عند تنازع المتنازعين ، مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
17- وقال الشنقيطي رحمه الله :
" ويفهم من هذه الآيات كقوله { ولا يشرك في حكمه أحدا } أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله ، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر ، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون }فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة ، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى { ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } .... ولذا سمي الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم .... } الآية .... وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور : أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم ، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته ، وأعماه عن نور الوحي مثلهم …"
18- : قال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي:
" فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد ، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلا بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدة وعبادة وأحكاما وأخلاقا وسلوكا ونظاما ، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله ، هو حكم بأحكام طاغوتية ... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة فمن فرق بينها في الحكم فهو ملحد زنديق كافر بالله العظيم "[ السلسبيل في معرفة الدليل 2 / 384 ]
19- : قال الشيخ صالح الفوزان في كتابه الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ( 1 / 72 ) :
" فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }
وقال { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } ... "
20-وقال أيضا (1 / 74 ) بعد نقله لكلام ابن كثير حول الياسق :
" ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلا عن الشريعة الإسلامية مثله القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية .." ا.هـ
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " الرد على فتوى -أبو رائد المالكي - حول الحكم بغير ما أنزل الله
ص50-56 أبو عبد الرحمن الباشا
أقول :
المسألة واضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار ولكن الأمر كما قال الله تعالى " فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ[الحج : 46]
وقال – جل وعلا " وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء : 72]
وقال سبحانه وتعالى " أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [الرعد : 19]
والحمد لله رب العالمين
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^