التفسير المبين لقول رب العالمين (لا اكراه فى الدين) ـــالتمهيد والفصل الأول والثانى
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين , قيوم السموات والأرضيين , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين .
أما بعد
فإن القاصي والداني من أهل التوحيد يدرك تماماً أن المسلمين اليوم يعيشون واقعاً مريراً , فهم يعيشون بلا دولة تعتني بالإسلام عقيدة وشريعة ؛ فإن الذين يحكمون المسلمين هم أول المحاربين للعقيدة وللشريعة الإلهية , فخاصموا أهل التوحيد وأبعدوهم وضيقوا عليهم , بل وحاربوهم بشتى الطرق والوسائل , في الوقت الذي قربوا فيه أعداء الله من العلمانيين المحاربين لدين الله تعالى , وكذلك تجدهم يقدمون أهل الفسق والفجور من أهل الفن وغيرهم , يقدمون المارقين الذين ينشرون الضلال على المسلمين لكي يلبسوا عليهم دينهم , فقد انحرف الناس عن دين الله تعالى انحرافاً كبيراً وخطيراً .
ومن مظاهر هذا الانحراف :
الانحراف الأول :
وهو انحراف الأمة الداخلي ؛ ويتمثل الانحراف الداخلي في عدة أمور ظاهرة فمن ذلك :
1- الانحراف الذي وقع من الحكام بالبعد عن تحكيم شرع الله تعالى في كل شئون الحياة , وكذلك وقع الانحراف من المحكومين الذين تحاكموا إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وهذا الانحراف بدأ مبكراً في الدولة الإسلامية , ومع ظهور الفرق الضالة التي أصبحت تتلقى من غير الكتاب والسنة على عكس ما كان عليه الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – أجمعين .
2- كذلك وقوع الانحراف في قيادة الدولة الإسلامية , بمعنى : أن علماء الأمة الأقوياء الأتقياء هم الذين كانوا يتولون قيادة الأمة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية رضى الله عنهم وأمثال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – وغيرهم , حتى آل الأمر إلى الفسقة والفجرة بل والمبتدعة فأصبحوا هم قادة الأمة , بل وجد منهم من كان يدعوا إلى البدعة ويمتحن الناس بسبب ذلك كما كان في عهد المأمون والمعتصم , حتى مرت الدولة الإسلامية بأن صار على رأسها العبيدين وغيرهم من الرافضة , أما في العصور المتأخرة آل الأمر إلى العلمانيين والماسونيين وأصحاب النزعات القومية – إلى غير ذلك .
3- ومن الانحرافت الخطيرة التي وقعت في داخل الدولة الإسلامية حتى أصبحت مطمع للدول الكافرة هو : ترك جهاد الكفار لكي يدخلوا في دين الله تعالى , مع قتال الحكام بعضهم لبعض لأجل الملك , حتى وصل الحال ببعض هؤلاء الحكام أن استعانوا بالكفار في مثل هذا القتال الذي سببه شهوة الملك , كما حدث في بلاد الأندلس وغيرها من بلاد المسلمين .
4- الانحراف الذي وقع في عقيدة المسلمين , فبعد أن كان المسلمون يأخذون عقيدتهم الصافية النقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , أصبح مصدر تلقي العقيدة عند كثير من المسلمين يؤخذ من كتب اليونان الوثنيين بعد أن ترجمت هذه الكتب وكذلك أصبحت أراء الرجال تقدم على الكتاب والسنة , فحدثت البدع العقائدية , كبدعة الروافض , وبدعة الجهمية , وبدعة المعتزلة , وبدعة الصوفية – إلى غير ذلك .
حتى آل الأمر كما هو مشاهد الأن أن الشركيات والكفريات أصبحت ظاهرة منتشرة في بلاد المسلمين .
الانحراف الثاني :
وهو يمثل الانحراف الخارجي :ويتمثل هذا الانحراف في :
1- استيلاء الكفار على بلاد المسلمين بالقوة العسكرية المصحوبة بالغزو الفكري .
2- ومن آثار ذلك : تنحية ما تبقى من شريعة الله تعالى عن الحكم وصارت البلاد المستعمرة تحكم بقوانين الكفار الوضعية .
3- تغيير مناهج التعليم حتى تتلائم مع مبادئ الاستعمار .
4- تغيير وانحراف وسائل الإعلام لاقتلاع العقيدة الإسلامية من أساسها , فاختلط الحابل بالنابل وفقد المسلمين أعز ما يملكون وهو العقيدة الصحيحة , وأصبح يطلق على الرجل اسم الإسلام لأنه يقول ( لا إله إلا الله ) فقط ولو كان تاركاً لأصول الإسلام مرتكباً لما حرم الله , وأصبح يطلق اسم الإسلام على من يحكم بغير شرع الله تعالى , ويحارب من يسعى إلى تطبيق شرع الله جل وعلا , بل أصبح يطلق اسم الإسلام على من ينتسب إلى حزب شيوعي يرى الشيوعية أصلح من الإسلام , ويجاهد بكل ما يملك لنشر مبادئ الشيوعية لكي تحل محل الإسلام , وكذلك أصبح اسم الإسلام يطلق على من يرون التجمع تحت راية القومية والوطنية لأنها من وجهة نظرهم خير من التجمع تحت راية ( لا إله إلا الله ) , وكذلك يطلق اسم الإسلام على من يعبدون غير الله تعالى بأقوالهم وأفعالهم ومعتقداتهم .
المهم أن هذا الانحراف الخارجي بغزوه الفكري الذي جاء مع المستعمر أثَّر في المسلمين تأثيراً بالغاًَ , فأصبح المنتسبون إلى الإسلام يدينون بالعلمانية بقصد أو بغير قصد , حتى أصبح الدين من المسائل الشخصية , فهو – أي الدين – بين الإنسان وبين ربه تعالى , أما واقع الحياة فتحكمه أنظمة وقوانين من وضع البشر بآرائهم وأهوائهم , فلا تعتمد على كتاب الله ولا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وصاحب ذلك الدعوة إلى الإنسانية الواحدة , وأظهروا هذه الدعوة على أنها من الأهداف النبيلة التي يجب أن تسعى إليها البشرية بكاملها , وغرض هذه الدعوة الخبيثة أن لا يكون هناك تمايز بين المسلمين وغيرهم من الكافرين , بل يعيش البشر جميعاً بعيداً عن أمر الدين , وأرادوا من وراء ذلك إفساد العقيدة الإسلامية القائمة على حب المؤمنين وبغض الكافرين ومعاداتهم , وأخذت في الظهور الدعوات الأخرى التي تؤدي نفس الهدف والغرض ، من الدعوة إلى حرية الاعتقاد , وحرية الفكر , وحرية الرأي , وزمالة الأديان , وتقارب الأديان , إلى غير ذلك
ولقد ساهم الكثير من المنتسبين إلى العلم والفكر في نشر هذه الدعوات الخبيثة , حتى آل الأمر بالعلماء أنهم يستحون من تكفير من كفره الله ورسوله من الكفار الأصليين من اليهود والنصارى وغيرهم , كذلك أصبح الكثير من هؤلاء العلماء يستحون من ذكر فريضة الجهاد في سبيل الله أمام أصدقائهم من الكفار , ومن ذكر منهم هذه الفريضة على استحياء يبين أن المقصود بالجهاد هو جهاد الدفع فقط , ولم يستحوا أن يذهبوا إلى مثل تأويلات الباطنية الملحدة .
كل ذلك وهم يظنون أنفسهم يدافعون عن الإسلام , ويردون بذلك على المستشرقين , وأكثر هؤلاء تجدهم من أصحاب المدرسة العقلانية التي كانت وبالاً على الإسلام والمسلمين , ولنضرب لذلك ببعض الأمثلة :
المثال الأول :
عن زعيم المدرسة العقلانية في العصور المتأخرة وهو محمد عبده , ويكفي أن ننقل عنه نقلاً واحداً من مئات النقولات الضالة التي سطرها بيده الخبيثة في كتابه ( الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ) :
ذكر محمد عبده في هذا الكتاب ثمانية أصول زعم – زورا وبهتانا – أنها أصول الإسلام – كما فعل أسلافه من المعتزلة – هذه الأصول التي كتبها محمد عبده تخالف تماماً العقيدة الإسلامية والشريعة الربانية , والعجيب أنه لم يذكر في هذه الأصول شيئاً عن أركان الإسلام ولا أركان الإيمان فكيف جاز له أن يسميها أصولاً .
قال محمد عبده :
1- الأصل الأول : النظر العقلي لتحصيل الإسلام .
قال في التمهيد لهذا الأصل : ( فلا يصح أن يؤخذ الإيمان بالله من كلام الرسل ولا من الكتب المنزلة فإنه لا يعقل أن تؤمن بكتاب أنزله الله إلا إذا صدقت قبل ذلك بوجود الله وبأنه يجوز أن ينزل كتاباً ويرسل رسولا ) . اهـ (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية – ص48 ) .
وهذا الأصل مخالف تماما لعقيدة أهل السنة الذين يوجبون على الإنسان أولاً النطق بالشهادتين وقبول ما جاء به الرسول e وهذا من الأمور المتفق عليها عند السلف , ولكن محمد عبده وأمثاله لا يستقي كلامه من الكتاب والسنة .
قال شارح العقيدة الطحاوية بن العز الحنفي :
أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول واجب يؤمر به العبد الشهادتان ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر تجديد ذلك عقيب بلوغه,بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك, ولم يوجب احد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين وان كان الإقرار بالشهادتين واجبا ووجوبه يسبق الصلاة, لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك
فالتوحيد هو أول واجب وكذلك هو آخر واجب.
قال - صلى الله عليه وسلم - ( من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة) رواه الحاكم وغيره " اهـ شرح العقيدة الطحاوية ص32
2- الأصل الثاني : اتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا ينظر إليه على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل ) . اهـ
قلت : وهذا ضلال مبين لأنه افترى الكذب أولا : بنقله الاتفاق على ذلك , بل اتفاق السلف من أهل السنة والجماعة على خلاف ذلك .
وثانياً : إن القليل الذي أشار إليهم الذين يقولون بتقديم النقل على العقل هم أصحاب النبي e والسلف الصالح والأئمة من بعدهم .
وثالثاً : الذين قالوا بتقديم العقل على النقل هم أسلافه من المعتزلة .
3- الأصل الثالث : ( البعد عن التكفير) . اهـ
قلت : والبعد عن التكفير هكذا على الإطلاق لا يجوز , بل هذا من الباطل بمكان , لأنه يلزم من ذلك عدم تكفير من كفره الله ورسوله , ويلزم منه أيضاً عدم معرفة المرتدين والمنافقين والمشركين .... الخ .
4- الأصل الرابع : ( الاعتبار بسنن الله في الخلق ) .
5- الأصل الخامس : ( قلب السلطنة الدينية ) .
6- الأصل السادس : ( حماية الدعوة لمنع الفتنة ) .
7- الأصل السابع : ( مودة المخالفين في العقيدة ) .
قلت : وهذا هو الضلال بعينه , لأنه بذلك يدعوا إلى مخالفة الكتاب والسنة صراحة , وهذه هي المشاقة لله ورسوله .
8- الأصل الثامن : ( الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة ) . اهـ هذه الأصول من ص48 إلى ص70 من كتاب ( الإسلام والنصرانية ) .
وأخطر ما في هذه الأمور التي جعلها أصولاً على حد زعمه , ما جاء في الأصل السابع : ( مودة المخالفين في العقيدة ) فهذا فيه رد لصريح القرآن الكريم الذي قال فيه رب العالمين :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة : 1]
والعداوة ثابتة لكل كافر سواء كان من المحاربين أو من المعاهدين من أهل الذمة وغيرهم , لأنه يجمعهم الكفر .
وقال تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً [النساء : 144]
وقال تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة : 51] . والآيات في ذلك كثيرة جدا .
وقال صلى الله عليه وسلمً فيما رواه مسلم : ( ولا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه ) .
فهل يضيق الإنسان على من بينه وبينه مودة ؟
المثال الثاني :
لرجل آخر من تلاميذمحمد عبده , وعلى نفس نهجه وهو الشيخ محمد أبو زهرة , له كتاب اسمه( محاضرات في النصرانية ) فيه سموم وأباطيل كثيرة , ففي الكتاب يصف أقباط مصر بأنهم إخوانه وأبناؤه وأصدقاؤه , بل وصفهم بأنهم من المخلصين ولم يكونوا من الذين ظلموا . انظر ( محاضرات في النصرانية – ص4 ) .
يقول محمد أبو زهرة في كتابه ( العلاقات الدولية – ص261- 271 ) :
( إن الأخوة الإنسانية العامة التي أوجب الإسلام بها التعارف عندما يختلف الناس أجناساً وقبائل يجب وصلها بالمودة والعمل على الإصلاح ومنع الفساد ولو اختلف الناس ديناً وأرضا ًوجنساً... ... وإن المودة الموصلة لا يقطعها الحرب ولا الاختلاف في الدين , وفتح باب المودة قد ينهي الحرب ويفتح باب السلام العزيز الكريم ) . اهـ
والكلام واضح لا يحتاج إلى بيان أو تعليق .
ولا أريد أن أطيل في هذه التقدمة بضرب الأمثلة عن المنحرفين الذين وكأنهم يتحدثون بلسان المستشرقين , وكأنهم يروجون لأفكار المستعمرين , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
السبب في كتابة هذه الرسالة
السبب الأول :والرئيسي في كتابة هذه الرسالة : أنني كنت بصدد كتابة رسالة مختصرة في معنى الطاغوت وبيان رؤوس الطواغيت وشرحها شرحاً مختصراً يتناسب مع واقعنا المرير , وفي أثناء كتابتي لذلك , لفت انتباهي كثرة الحديث عن حرية الاعتقاد , وتقارب الأديان , وغير ذلك من الدعوات المنتشرة في واقعنا , وإن هذه الدعوات تتنافى تماماً مع عقيدة أهل السنة والجماعة , وأكثر المنحرفين يستدلون على باطلهم هذا بقوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( فأخذت أتتبع ما جاء في تفسير هذه الآية , لكي أقدم بذلك بين يدي رسالة الطاغوت فوجدت أنها تصلح رسالة مستقلة .
السبب الثاني : الذي دعاني لكتابة هذه الرسالة أني قرأت كلاماً مختصراً للشيخ صالح الفوزان حول هذه المسألة مما جعلني أطلب المزيد حول هذه المسألة .
ومن المناسب هنا أن أذكر ما قاله الشيخ صالح الفوزان حول هذه المسألة في كتابه ( سلسلة شرح الرسائل – ص293 ) .
قال : ( أراد الكفار ومعهم جهال المسلمين المنتسبين إلى العلم تأويل هذه الآية تأويلا باطلاَ لكى يوافق أغراض المشركين فى العصر الحديث
فظنوا أن معناها : أن الكفار مهما كانت عقائدهم وديانتهم فإنهم يتركون ولا يقاتلون ولا يدعون إلى الإسلام ، لأن هذا يتنافى مع حرية الأديان ، وحرية العقيدة ،ويستدلون بقوله تعالى (لا إكراه فى الدين ).فهذا محض إفتراء وكذب وقول على الله بلا علم ، لأن هذا فيه إبطال لعدة أمور :
الأول : إبطال الغاية التى من أجلها خلق الله تعالى الإنس والجن وهى عباته وحده لا شريك له (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]
فلو كان الناس يتركون كفاراَ يعبدون ما شاءوا ، فهذا إبطال لهذه الآية ، ولا فائدة فى ذكرها فى القرآن الكريم ، طالما أن الناس أحراراَ فى عباداتهم وفى اعتقاداتهم ، ولا يعترض عليهم أحد 0
الثانى : إبطال الجهاد فى سبيل الله ، لأن الجهاد إنما شرع وكان من أعظم مقاصده تعبيد الناس لربهم جل وعلا ( بعثت بالسيف بيت يدى الساعة حتى يعبد الله وحده )رواه أحمد والترمذى بسند صحيح
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله )الحديث فى الصحيحين
(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الأنفال : 39]
(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة : 29]
فلو كان الناس أحراراَ فيما يعبدونه ويعتقدونه وهذا محض حقهم فلماذا القتال والجهاد ؟
الثالث: إبطال الدعوة إلى الله ،بل إبطال دعوة الرسل أجمعين ، فإنهم بعثوا لمحو الشرك والكفر ولكى يدين الناس لله بالتوحيد ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل : 36]
( إنك تأتى قوماَ من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ) الحديث رواه البخارى وغيره ،
فإذا كان الناس أحراراَ فيما يعبدونه ويعتقدونه فما الفائدة فى الدعوة إلى الله ) اهـ
ثم ذكر الشيخ المعنى الصحيح لهذه الآية , وأقوال بعض المفسرين فيها , وهذا ما سوف نجده في هذه الرسالة .
فهذه الرسالة تدور حول الحديث عن هذه الآية ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( وأقوال المفسرين فيها , وكذلك تجد في هذه الرسالة الحديث عن بعض لوازم القول بأن الإنسان حر فى عقيدته ودينه , من خلال الحديث عن مشروعية الجهاد في سبيل الله تعالى ليكون الدين كله لله .
وأسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصاً وأن ينفعني به وجميع المسلمين .
تمهيد
قال تعالى : )فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256]
لقد قامت رسالات الرسل من أولهم إلى أخرهم على أصلين كبيرين .
الأصل الأول : الإيمان بالله وحده , وذلك لا يتوفر ولا يوجد إلا بإفراد الله تعالى بالعبادة .
الأصل الثاني : الكفر بالطاغوت , وذلك باجتناب عبادته , واعتقاد بطلان العبادة التي تقدم له من دون الله , مع بغضه وعداوته , وبغض وعداوة من عبده من دون الله , وكذا تكفير الطاغوت ومن عبده .
وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى : )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل : 36]
فلا قيام لدين الإسلام إلا بهذين الركنين العظيمين , وكذلك لا يصح إسلام أحد إلا بالقيام بهذين الركنين .
ولقد حذر الله تعالى في كتابه الكريم من مناهج الشرك والكفر والضلال والبدع , مع عرض شبهاتهم وبيان فسادها .
قال تعالى : ) وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ( . [ الكهف : 28 ] .
وقال تعالى : )وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( [ البقرة : 118 ] .
وقال تعالى : )وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلاّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( [ البقرة : 80 ] .
وقال تعالى : )وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( [ التوبة : 30] .
والقرآن الكريم مشحون بذكر مقالات الكافرين مع الرد عليهم , وكذلك على أهل البدع .
وقال تعالى : ) فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ( [ آل عمران : 7] .
والسنة المشرفة على صاحبها الصلاة وأتم التسليم : فيها الكثير من ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) . الحديث في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري .
وكذلك حذرنا e من افتراق الأمة , فقال : ( ..... ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة .... ....... ) . الحديث رواه ابن ماجة , وابن أبي عاصم في السنة , وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة : يحذر ما صنعوا ) . الحديث رواه البخاري ومسلم.
والصحابة رضى الله عنهملما ظهرت الأهواء والفرق في آخر عهدهم – كالخوارج والشيعة والقدرية – قاموا بالرد عليهم , ومناظرتهم , وإقامة الحجة عليهم , مع التحذير منهم , كل ذلك لكي يحصنوا الأمة من دعاة الضلالة , ودفاعا عن السنة , وكذلك فعل التابعون ومن بعدهم من الأئمة .
فإن التصدي لأهل الزيغ والضلال من مقاصد الدين ومطالبه وغاياته , بل عده الأئمة من أبواب الجهاد , ومن أعلى درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه ( الرد على المخالف من أصول الإسلام ) :
( أما أنه من أبواب الجهاد فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فيما رواه أنس رضى الله عنهم : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) أخرجه الحاكم في المستدرج وصححه ووافقه الذهبي , والسيوطي في الجامع الصغير وصححه , وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير , والحديث رواه أحمد في المسند وأبو داود في السنن .
وقال يحيى بن يحيى ( الذب عن السنة أفضل الجهاد ). ذكره شيخ الإسلام في ( مجموع الفتوى – ج4 – ص13 ) .
فإذا كان الأمر كذلك فلا بد من وقوع التدافع بين الحق والباطل , فإن ذلك من سنن الله تعالى .
قال تعالى : )وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ ( [ البقرة : 251] .
والتدافع بين الحق والباطل , أي : بين أصحابها أمر لا بد منه لأنهما ضدان , والضدان لا يجتمعان , ولأن تطبيق أحدهما يستلزم مزاحمة الآخر وطرده ودفعه وإزالته , أو على الأقل إضعافه ومنعه من أن يكون له تأثير في واقع الحياة .
فلا يتصور إذن أن يعيش الحق والباطل في سلم من دون غلبة أحدهما على الآخر , إلا لعلة كضعف أصحابهما أو جهلهم بمعاني الحق والباطل ومقتضيات ولوازم هذه المعاني أو ضعف تأثير هذه المعاني فيهم .
فأهل الباطل لا يكفيهم بقاؤهم على باطلهم وإنما يسعون إلى محق الحق وأهله وإزالة هذا الحق بالقوة وصد الناس عنه ببذل المال وبالقتال وبكل ما يرون فيه قوة وقدرة لتحقيق ما يريدون .
قال تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ( [ الأنفال : 36] .
وقال تعالى : ) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ( [ البقرة : 217] .
وقتال الكفرة للمؤمنين قتال لنصرة باطلهم فهو في سبيل الطاغوت .
قال تعالى : )الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ( [ النساء : 76] .
وقضت سنة الله تعالى في تدافع الحق والباطل أن الغلبة للحق وأهله , وأن الإندحار والمحق للباطل وأهله .
قال تعالى : )وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِه ( [ الشورى : 24] .
قال تعالى : ) بلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ( [ الأنبياء : 18] .
واقع مرير :
إن الدعوات الهدامة في الواقع المعاصر كثيرة ومتنوعة وكلها تصب حول هدف واحد وغاية واحدة , وهي العمل على ردة المسلمين عن دينهم , وطعنهم في أصل دينهم , وهذه الدعوات الإبليسية قد حشد لها المارقون كل الإمكانات المادية وغير المادية , فعندهم وسائل الإعلام بشتى أنواعه , مع الدعم المادي المالي الكبير , بل والدعم الشامل الكامل من قِبل أعداء الله تعالى في الداخل والخارج .
وهذه الدعوات الشيطانية رفع أصحابها الشعارات المزيفة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب , والعجيب أن هذه الشعارات التي أطلقها أعداء الله من الكفار , لاقت رواجاً كبيراً بين جموع المنتسبين إلى الإسلام , والأخطر من ذلك هو تبني بعض العلماء الرسميين وغير الرسميين لمثل هذه الدعوات والدعوة إليها .
هذه الشعارات توجد تحت مسميات كثيرة مختلفة , فمنها :
حرية الرأي , وحرية الفكر , الرأي والرأي الآخر , حرية الاعتقاد , الإخاء الإنساني , حوار الأديان , تقارب الأديان , إلى غير ذلك , مما تعود الناس على سماعه , أو قرأته يومياً في وسائل الإعلام .
وهذه الدعوات الخبيثة لها أغراضها وأهدافها المسمومة , فهم يهدفون من وراء ذلك إلى عدة أمور :
الأول : عدم إنكار الكفر والشرك , وبالتالي عدم تكفير الكافرين باسم حرية العقيدة , وحرية الفكر , واحترام الآراء والأديان .
الثاني : هدم قضية الولاء والبراء , التي هي أصل دين الإسلام , كل ذلك باسم الدعوة إلى الإخاء الإنساني , والتعايش السلمي .
الثالث : إبطال الدعوة إلى الإسلام , والعقيدة الصحيحة وشعارهم في ذلك ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (وبالتالي فللناس أن يختاروا من الدين , ومن الاعتقاد , دون إنكار ودون إكراه ولو كان الإكراه بالحق وعلى الحق .
الرابع : إبطال فريضة الجهاد في سبيل الله باسم حرية الاعتقاد , وحرية الرأي , فإذا كان الإنسان له الحرية المطلقة في اختيار ما شاء من الاعتقاد , دون إنكار , فلماذا القتال والجهاد إذن ؟
والعجيب أن شياطين العلماء في هذا العصر يستدلون على صحة هذه الشعارات أو بعضها بالنصوص الشرعية .
وأكتفي في هذا التمهيد بالإشارة إلى شبهة واحدة من شبهات هؤلاء الزائغين مع دحضها وإزهاقها من خلال النصوص الشرعية وبيان العلماء العاملين لذلك .
الشبهة :
استدلال المفسدين من العلماء وغيرهم بقول الله تعالى : )لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة : 256]
وقبل الرد على هذه الشبهة , مع الوقوف على المعنى الصحيح لهذه الآية المباركة , لا بد من الإشارة إلى طائفتين من الناس الذين يستدلون بمثل هذه الآية , وبيان ضلالهم وبعدهم عن الحق , بل إنهم كانوا سبباً في إضلال كثير من الناس بسبب تقليد الناس لهم .
الطائفة الأولى :
تتمثل في بعض علماء الأزهر الشريف , ويمثل هذه الطائفة الشيخ : فوزي الزفزاف – رئيس اللجنة الدائمة للحوار بين الأديان السماوية بالأزهر الشريف .
والشيخ المذكور له مقالات طويلة تنشر تباعاً في كل أعداد مجلة الأزهر الشهرية , وهذه المقالات تطفح بالضلال الظاهر , وعلى الرغم من ذلك لم نجد أحداً من علماء الأزهر رد عليه في ضلاله, مما يدل على أن أكثرهم يرتضي ما يُنشر أو أن بعضهم يؤثر السلامة بمجرد السكوت .
ونشير إلى بعض كلام الشيخ فوزي الزفزاف من خلال مقال واحد من مقالاته في مجلة الأزهر , ليتضح من خلاله مدى الفهم الخاطئ لدين الإسلام , ولبيان مدى الضلال الذي وقع فيه بعض العلماء في هذه الأزمان .
ففي مجلة الأزهر – الجزء الرابع لسنة " 78 " عدد ربيع الأخر 1426 هـ - مايو / يونيو 2005 م .
قال تحت عنوان " خصوصية الاختلاف بين الأديان السماوية – ص592 " :
قال في ص593 : ( فالأديان السماوية كلها مصدرها واحد , وأصولها واحدة وأهدافها وغاياتها واحدة , لا يختلف فيها دين عن دين , فكلها متفقة في إثبات وجود الله خالق الكون بمن فيه وما فيه , وعلى الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وعلى الإيمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر , وعلى الإيمان بالحساب والجزاء في الآخرة على أعمال الدنيا ) . اهـ
قلت: وأخطر ما في هذا الكلام هو إثبات الأديان , وليس إثبات الدين , فالدين واحد جاء به جميع الرسل , كما قال تعالى :) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران : 19]
وقال تعالى : ) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85] آل عمران : 85 ]
وجميع الرسل أخبروا أنهم مسلمين , وذكر الآيات في ذلك يطول , فإطلاق الكلام بهذه الصورة يعطي انطباعاً بصحة دين النصارى وغيرهم , وهذا من شأنه أن يلبس على الناس , ويجعلهم لا يعتقدون بطلان دين النصارى وغيرهم , وكذلك يؤدي هذا الفهم إلى عدم تكفير النصارى وكل من لا يدين بالإسلام مع البراءة منهم وبغضهم ومعاداتهم .
وقال تحت عنوان " الحاجة الملحة إلى التفاهم والتقارب والتعاون بين أتباع الديانات السماوية " ص594 – في نفس المقال :
( إذا كانت الديانات السماوية متفقة المصدر والأصول وبينها من التآخى والترابط والتماسك بحيث لا تشذ لبنة فيها عن سائر اللبنات , فإن الفطرة السليمة تدعوا أتباع هذه الديانات إلى أن يكونوا مظهراً لهذا التآخى والترابط والتماسك , فلا يحدث بينهم من الخلاف والشقاق والفرقة ما تنكره طبيعة الدين بمعناه العام ............ ) اهـ
وهذا الكلام ضلال على ضلال , لماذا ؟
لأن هذا ساوى بين الديانات – على حد زعمه – من حيث المصدر الأول , فهي متفقة في ذلك , ولا شك أننا نخاطب بهذا الكلام واقعا نعيش فيه , وليس مجرد كلاماً نظرياً , فهل النصارى واليهود الآن مصدر دينهم وأصوله هي نفس مصدر دين الإسلام , وهل مصدر الجميع واحد , أما أن اليهود والنصارى حرفوا دينهم , وحرفوا ما أنزله الله تعالى , مع كفرهم بأصل الدين الذي هو التوحيد , علاوة على كفرهم بمحمد e , مما يُعد كفراً بجميع الرسل , ويأتي في أولهم كفرهم برسلهم , لأن الكفر برسول واحد يكون كفراً بجميع الرسل , وهذا مما لا خلاف أو نزاع فيه مطلقاً .
وغرضه الخبيث من وراء ذلك قوله :
(فإن الفطرة السليمة تدعوا أتباع هذه الديانات إلى أن يكونوا مظهراً لهذا التآخى والترابط والتماسك ) , ولا شك أن الفطرة المنكوسة هي التي تدعو إلى الإخاء بين المسلمين وغيرهم من الكافرين .
وانظر إلى قول هذا الشيخ الذي يقول في وضوح وجلاء : ( لقد آن الأوان أن يتحمل القادة الدينيون في الإسلام والمسيحية – مسئوليتهم وأن يقوموا بأداء رسالتهم في بث ونشر وتعميم التقارب والتفاهم والتعاون والمحبة بين أتباع الديانتين على مستوى العالم , وأول ما يجب عليهم : نبذ التعصب المقيت الذي يفرض صاحبه أنه هو وحده المحق , وأن غيره يسير على ضلال , والتعصب بهذا التفسير مخالف لشرع الله ...... ) اهـ ( ص 595 من نفس المقال ) .
الشيخ جعل من مسئولية رجال الدين الإسلامي والمسيحي رسالة لا بد من القيام بها وهي : ( التقارب والتفاهم والتعاون والمحبة بين أتباع الديانتين على مستوى العالم ) .
فهو بذلك يدعو المسلمين إلى محبة الكافرين من النصارى , وهو كذلك يثبت أن للنصارى دين هكذا على الإطلاق , فبدلاً أن يدعوا علماء المسلمين بالقيام بواجب الدعوة إلى الإسلام وأنه الدين الحق وما عداه فهو باطل , وأن يعرفوا العالم كله رسالة الإسلام , يطلب من علماء المسلمين التقارب من النصارى ومحبتهم , فهذا والله مناف تماماً لأصل دين الإسلام ) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256]
علاوة على أن مثل هذا الكلام يوقع التلبيس على عوام المسلمين فيعتقدون أن للنصارى دين وبالتالي فهم ليسوا كفاراً .
ويقول تحت عنوان " العقيدة شئ عزيز جداً " ص595- 596 :
( وما دامت هذه النصوص المقدسة صريحة في وجوب الإخاء الإنساني والدعوة إلى السلام في جميع أنحاء الأرض بالحكمة والموعظة الحسنة ...... إلى قوله .... لذلك كرر القول داعياً التسامح والرفق بالمخالفين . وقد قال الله عز وجل لنبيه الكريم : ) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس : 99]
وقال سبحانه : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة : 256]....... إلى قوله لا يسعه إلا المصافاة والإخاء والمسالمة والسير على الطريق المستقيم ) . اهـ
فواضح من كلامه الخطير دعوته المتكررة إلى الإخاء الإنساني والمسالمة , والدعوة إلى السلام والمحبة , وبالتالي تمييع بل تضييع أعز ما يملكه المسلم وهو :
براءته من الكافرين , وموالاته للمسلمين وهذا يعني عدم إنكار ما هم عليه من الكفر والشرك , وكذلك إبطال لفريضة الجهاد في سبيل الله ............ الخ .
ونختم الحديث حول هذه الطائفة بذكر بعض الضلال الواضح من خلال ما ذكره " الزفزاف " في نهاية مقاله ، وكلامه يحتاج إلى تدبر وتأمل لكي نقف على حقيقة ما يدعو إليه هذا الضال المضل .
تحت عنوان " فضائل مشتركة " ص596 – 597 – من نفس المقال :
قال : ( إن ما في الإسلام والمسيحية من فضائل مشتركة – هي محل اتفاق بينهما – لو اتبعها أتباع الديانتين على وجهها الصحيح لساد السلام , وعاش الناس في وفاق تام , وعم الخير على الجميع ) . اهـ
وهذا كلام باطل لأنه يضاد حكمة الله تعالى في سنة التدافع فالكفار لا يتركون أهل الحق مطلقاً على دينهم بل يعملون دائماً على ردتهم , قال تعالى : ) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 217]
وكذلك المسلمون أمرهم الله تعالى بقتال الكافرين دائماً حتى يدخلوا في دين الله تعالى , أو يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون , وسنذكر الأدلة على ذلك فيما بعد .
فالصراع بين أهل الحق وأهل الباطل مستمر , بل هو من سنن الله تعالى في كونه , فلا يمكن أن يعيش الناس جميعاً في وفاق تام , ويعم الخير على الجميع , كما يدعي " الزفزاف "إلا في حالتين :
الأولى : أن يرتد المسلمون عن دينهم إرضاء للكافرين )إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة : 2]
( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء : 89]
عند ذلك يرضى الكافرون عن المسلمين ) وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة : 120]
الحالة الثانية :
في حال قيام دولة إسلامية , وخضوع الكافرين لأحكام الإسلام , عند ذلك يعيش الناس في أمن وأمان وسلام , مع استمرار المسلمين في جهاد وغزو المشركين الذين لا زالوا على شركهم وعدم خضوعهم لدولة الإسلام .
أما أن يظل المشركون على شركهم وكفرهم , والمسلمون على إسلامهم , ثم يعيشون في سلام وأمان فهذا مناف تماماً لحكمة الله تعالى في سنة الابتلاء , وسنة التدافع .
ثم قال " الزفزاف " – ص596 :
( فكلتا الديانتين " الإسلام والمسيحية " تأمران بالعدل وإتباع الحق , والبعد عن الظلم والعدوان , وهذا محل اتفاق )اهـ .
فالرجل كما هو واضح يقر بالمسيحية – على حد تعبيره – وأن المسيحية كالإسلام تأمر بالعدل وإتباع الحق , وكأن هذه دعوة إلى رفع الفوارق بين الإسلام والمسيحية فما المانع إذن من اعتناق بعض المسلمين للمسيحية , وكأن الرجل يدعو بطريقة خفية إلى النصرانية .
ثم ما هو العدل الذي تأمر به النصرانية , وما هو الحق الذي تأمر النصرانية بإتباعه .
إن العدل وإتباع الحق يوجب على أهل النصرانية إتباع دين الإسلام ورسول الإسلام الذي بشر به عيسى – عليه السلام – هذا ما ينبغي أن يقال بصراحة ووضوح .
ثم قال : ( فكلتا الديانتين " الإسلام والمسيحية " تأمران بنشر المبادئ الإنسانية التي ترقى بالإنسان إلى عالم الكمال ليؤدي رسالته في الحياة سعيداً بإتباعه منهج الدين القويم .
وكلتا الديانتين " الإسلام والمسيحية " تدعوان إلى التوافق والالتئام , وتحذران من الشقاق والانفصام ... إذ أن صلاح الكون لا يتم إلا بانسجام تام بين السلوك الإنساني والخلق النبيل"
وكلتا الديانتين " الإسلام والمسيحية " تدعوان إلى المساواة , فلا تسمحان لطائفة بالامتياز والعلو على طبقة أخرى , لأن الجميع لا يتفاضلون إلا بالتقوى والصلاح ) ِإنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]
قلت : هل هناك ضلال يفوق هذا الضلال , وهل هناك شقاق لله ورسوله يفوق هذا الشقاق .
فهذا الشيخ " الزفزاف " يسوي بين الإسلام والمسيحية في الامتياز والعلو أخذاً من مبدأ التساوي , ولكن الله تعالى قال غير ذلك ,
قال سبحانه : ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران : 139]
وقال تعالى ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد : 35]
وقال تعالى : ) َلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون : 8]
ثم انظر إلى قوله : ( لأن الجميع لا يتفاضلون إلا بالتقوى والصلاح
ويقصد بدون شك بالجميع – المسلمون والنصارى – وأن التفاضل بينهم إنما يكون بالتقوى والصلاح .
وهل يكون الكافر صالحاً تقياً , وهل يصح عمل مع الشرك والكفر , والله يقول ) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان : 23]
ثم قال " الزفزاف " :
( وكلتا الديانتين " الإسلام والمسيحية " تبشران بمجتمع سعيد لا يعرف التناحر والخصام , ولا يتم ذلك إلا بمراعاة تنفيذ النصوص المقدسة في القرآن والإنجيل ) . اهـ
قلت : انظر إلى ضلاله المبين في تسويته بين القرآن والإنجيل " المحرف " وكلاهما نصوص مقدسة .
ثم قال : ( وكلتا الديانتين " الإسلام والمسيحية " تقران بحق الإنسان في أن يكون حراً , يقول ما يعتقد ليناقشه بأدب واحترام لا بلجاج وعناد ) . اهـ
قلت : وكلامه هذا من أخطر ما سطره قلمه الخبيث فهو يقول للنصارى أنتم أحرار فيما تعتقدون كما أننا أحرار فيما نعتقده وهذا يعني عدم الإنكار عليهم فضلاً عن تكفيرهم , بدليل أنه قال بعد ذلك : " ويصغى ويحترم الرأي المخالف " كيف يكون الكفر محترماً وله قدسية .
وخلاصة كلام " الزفزاف " ومن على شاكلته :
1- الدعوة إلى الإخاء الإنساني .
2- التقارب بين الأديان .
3- المساواة بين المسلمين وغيرهم من النصارى .
4- انتشار السلام والوفاق بين المسلمين والنصارى .
5- حرية الاعتقاد , مع احترام عقائد الآخرين .
6- المساواة بين القرآن والإنجيل .
وكأن الناظر إلى كلام " الزفزاف " يقول : لا شك أن هذا الرجل من دعاة الماسونية العالمية , والعلمانية الملحدة .
فويل لأمة هذا خطيبها وواعظها .
الطائفة الثانية :
تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين .
وفي الحقيقة كلام الإخوان المسلمين في هذه القضية أخطر من كلام الأزهرية , بل وخطرهم في هذه القضية وغيره يفوق خطر غيرهم من الأزهرية , وكأنهم يتحدثون بلسان العلمانية , وكلامهم في القضية خير شاهد على حالهم بالكلية .
ونبدأ أقوال الإخوان المسلمين بقول مرشدهم الأول – الشيخ حسن البنا .
فماذا قال , ويا ليته ما قال :
قال عباس السيسي – " في كتابه ( قافلة الإخوان ) – جـ1 –ص211" : بمناسبة مرور عشرين عاماً على إنشاء الجماعة , وكان اللقاء بمدينة الإسماعيلية :
قال الشيخ حسن البنا :
( وليست حركة الإخوان موجهة ضد عقيدة من العقائد , ودين من الأديان أو طائفة من الطوائف , إذ أن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعا قد أصبحت مهددة بالإلحادية ’ وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذا الخطر ، ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء في البلاد العربية والإسلامية ولا يضمرون لهم سوء حتى اليهود المواطنين لم يكن بيننا وبينهم إلا العلائق الطيبة ) اهـ من كتاب ( قافلة الإخوان للسيسى ) جـ1 , ص 211.
تفنيد الأخطاء الواردة في كلام – حسن البنا :
يمكن تلخيص هذه الأخطاء في عدة وجوه :
الوجه الأول: عدم اهتمام الإخوان بما عليه الناس من عقائد , وإن كانت شركية وكفرية , سواء كانت هذه العقائد مما ابتدع في دين الله تعالى , كحال أهـل الأهـواء والبدع من أصحاب الأديان السابقة المنسوخة , كحال اليهود والنصارى .
أو كانت هذه العقائد لطائفة من الطوائف كالأحزاب العلمانية , أو الطوائف المرتدة كطائفة الباطنية والإسماعيلية والروافض وغيرهم .
ولا شك أن هــــــــذا الاتجــاه مخـالف لعقيدة أهل السنة والجماعة , لأن عقيدة الإسلام إنما جاءت لتهيمن على كل العقائد الأخرى , ويكون الدين كله لله , ويكون دين الله تعالى هو الظاهر على كل الأديان , قال تعالى : ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة : 33]
وقال تعالى : ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة : 68]
فكلام الشيخ حسن البنا - هو نفس كلام العلمانيين وأصحاب النوادي الماسونية - الذين ينادون بالتعايش السلمي بين الناس , فكل يقر للأخر بما هو عليه , ولا يتعرض أحد لعقيدة الآخرين . وهذا يتنافى مع دعوة الرسل جميعاً , بل يتنافى مع أصل دين الإسلام .
الوجه الثاني : من كلام الشيخ حسن البنا :
أن ظاهر كلام الشيخ البنا أنه يسوى بين جميع الرسالات من حيث قواعدها الأساسية - في الواقع الأن - وهذا يعنى : أنه لا فرق بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الكتب المنسوخة من حيث القواعد الأساسية.
يدل على ذلك قولـه : " وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان " فجعلهم جميعا مؤمنين .
فهل يقال عن اليهودي أو النصراني أنه مؤمن ؟ أليس هذا تلبيس على الناس ؟
ثم من المعلوم أن من القواعد الأساسية عند المسلمين هو الاتفاق على أصول الدين الثابتة في جميع الرسالات , فهل غير المسلمين الأن يتفقون مع المسلمين في أصول الدين ؟ وهل هناك دين يطلق عليه أنه دين الحق , إلا دين الإسلام ؟
فكل من لا يدين بدين الإسلام فهو كافر مشرك عدو لله , سواء كان ينتسب إلى دين من الأديان المنسوخة , أم لا.
الوجه الثالث: من هذه الأخطاء :
أنه حصر التهديد الموجه للرسالات جميعا في العقيدة الإلحادية , ولا شك أنها عقيدة باطلة فاسدة وخطيرة جدا .
ولكن هذا لا يعنى أن كل العقائد الباطلة الأخرى ليست خطراً , فالعقيدة الباطلة لا تخلو من خطورة , ولكن مع تفاوت هذه الخطورة .
فالـكــفــر ملة واحدة , وإن تفاوت الناس في كفرهم وشركهم وعداوتهم , فالكفر يزيد وينقص وكله كفر.
والإسلام جاء لمحاربة كل العقائد الفاسدة دون استثناء , قال تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الأنفال : 39]
الوجه الرابع: من هذه الوجوه :
أن الأستاذ البنا- أراد أن يجمع الجميع من مسلمين ويهود ونصارى وغيرهم في معسكر واحد , هكذا دون تمييز , لمواجهة الإلحاد , وهذا إنما يتمشى مع منهج الإخوان القائم على التجميع أياً كان هذا التجميع , وإن كان يتعارض مع روح الإسلام , وشريعته الربانية .
فالأصل أن غير المسلمين يقاتلون لكفرهم , فكيف نجتمع مع الكفار لقتال الكفار , وهم جميعا مستحقون للقتال , وهم جميعا حرب على الإسلام والمسلمين .
الوجه الخامس والأخير من هذه الوجوه : وهو تصريح قادة الجماعة دائما أنهم لا يكرهون الأجانب وإن كانوا يهودا , ولا شك في كفر الأجانب من اليهود وغيرهم , وهذا يعني أن – حسن البنا – والإخوان لا يكفرون الكافرين , وهذا بلا شك تضييع وتمييع لعقيدة الولاء والبراء .
ومن كلام الشيخ حسن البنا أيضا :
ألقى في: (5/3/1946م) كلمة أمام اللجنة الأمريكية البريطانية التي كانت تجول حول العالم العربي بخصوص تمييع قضية فلسطين، والعمل على تهجير اليهود إليها، ألقى الشيخ البنا كلمته أمام هذه اللجنة باعتباره ممثلاً للحركة الإسلامية، جاء فيها: "الناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية، إلا أن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي، فأريد أن أوضحها باختصار فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن تكون قومية، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً"اهـ مظاهر التشبه بالكفار أشرف بارقعان ج1 ص63
قول المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا :
هذا الكلام الذي سوف أذكره على لسان المرشد العام للإخوان في سوريا ربما لا يخطر على بال مسلم أن يصدر مثل هذا الكلام عن مسلم من عوام المسلمين فضلاً عن صدوره من رجل ينتسب إلى جماعة يدّعون أنها من كبرى الحركات الإسلامية , ولكنه ادعاء تكذبه حقيقة المنهج الذي تسير عليه هذه الجماعة , وادعاء كاذب من خلال كلام العلماء العاملين في حق هذه الجماعة , ومدى بعدها عن الحق والصواب , فماذا قال هذا المرشد ؟
قال الشيخ مصطفى السباعي : مرشد الإخوان في سوريا :
( ....... فليس الإسلام دينا معاديا للنصرانية بل هو معترف بها مقدس لها , وأما توهم الانتقاص من المسيحيين وامتياز المسلمين , فأين الامتياز؟
أفي حرية العقيدة ؟ الإسلام يحترم العقائد جميعا.
أم في الحقوق المدنية والتساوي في الواجبات ؟ والإسلام لا يفرق بين مسلم ومسيحي ولا يعــطي للمسلم حقا في الدولة أكثر من مسيحـي ، والدســـتور سينص علي مــســاواة المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات , ثم اقترح السباعي أربع مواد :الأولى :الإسلام دين الدولة الرسمى
الثانية : الأديان السماوية محترمة ومقدسة الثالثة : الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية
الرابعة :لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلي أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة ) اهـ. نقلاً عن كتاب ( الطريق إلي الجماعة الأم) ص134
وفي الحقيقة أن ما قاله مرشد الإخوان في سوريا ,أكثر بكثير مما يطالب به النصارى لأنفسهم , وكأنه يتكلم بلسانهم ، وفي نفس الوقت هذه هي نفس مطالب الأحزاب العلمانية .
أما الأخطاء الواردة في كلام المرشد العام الإخوان في سوريا فكثيرة نقتصر على بعضها :
الخطأ الأول: قوله ( فليس الإسلام دينا معاديا للنصرانية بل هو معترف بها مقدس لها). اهـ
وهذا باطل من القول وزورا , بل هذا الكلام فيه مصادمة صريحة لنصوص القرآن الكريم , فمع الاعتراف بأن هناك أهل كتاب فقد وصفهم الله تعالى بالكفر والشرك في الدنيا وحكم عليهم بالخلود في النار في الآخرة , وكان يكفي الأستاذ المحترم أن يقرأ سورة البينة: ) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة : 1]
وقوله تعالى ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة : 6]
فــانــظـــر أيها المسلم : كيف سوي الله تعالى بين الكافرين من أهل الكتاب وبين المشركين الذين لا دين لهم .
فكيف يقال : إننا لا نعادي النصرانية , وقد أمرنا الله تعالى بمعاداتهم , شأنهم في ذلك شأن جميع الكفار والمشركين , والله تعالى أعلمنا بأعدائنا , فقال تعالى : ) وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً [النساء : 45]
وهو سبحانه الذي قال : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة : 1]
فمن نعادي إذا لم نعادي من ينسبون لله تعالى الصاحبة والولد ؟
ومن نعادي إذا لم نعادي من يقول " أن الله هو المسيح ابن مريم " ؟
ومن نعادي إذا لم نعادي من يقول " المسيح ابن الله " ؟
ومن نعادي إذا لم نعادي من يقول " إن الله ثالث ثلاثة " ؟
ومن نعادي إذا لم نعادي من يكفرون بربنا جل وعلا ويردون ويجحدون رسالة نبينا محمد e .
ثم قال السباعى :( بل هو – أي – معترف بها مقدس لها ) . اهـ
فهذا كلام فاسد وباطل فيه تمييع وتضييع لعقيدة الإسلام , هــل يريد مصطفى السباعي - منا ومن المسلمين - أن نقدس النصرانية الباطلة المحرفة التي هي كفر صريح .
وهل المسلم يقدس إلا ما يستحق التقديس , والذي يجب أن يقدس هــو الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده , إنه الإسلام لكونه هو الدين الحق , وما عداه فلا قدسية له لأنه باطل .
أقول: إنما يؤتى الإنسان من قبل جهله , والإخوان من أجهل الناس بالعقيدة الصحيحة , بل بأصل الدين الذي بعث الله تعالى به جميع المرسلين , قال تعالى : ) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( [ النحل : 36 ] .
والإخوان بكلامهم هذا لم يجتنبوا الطاغوت .
والإخوان يجهلون أيضاً هذا الدين وليس أدل على ذلك من جهلهم بهذه القاعدة وهي : ( أن من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر ).
أما أن الإخوان يريدون أن يحسنوا صورة الإخوان أمام الدول النصرانية ؟ ولكن على حساب العقيدة الإسلامية.
فكلام مرشد الإخوان في سوريا يدل على جهلهم بقوله تعالى : ) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ( [ البقرة : 256 ] .
ويدل على عدم علمهم بمقتضى هذه الآية وما جاء في معناها .
بل الواجب على كل مسلم علم دينه أن يدعوا غير المسلمين إلى الإسلام لا أن يقرهم على دينهم وعقيدتهم , ويقول : إننا نقدس دينهم.
فالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعوا غير المسلمين ومنهم النصارى إلى الإسلام بهذه الآية الجامعة :
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64]
الخطأ الثاني : قول السباعي ( والإسلام يحترم العقائد جميعا ) . اهـ
وهذا الكلام أقرب للهذيان والهوس الذي لا ضابط له , ولا أدري من أين جاء بهذا الزور والبهتان , ) قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة : 111]
ولو أنه قال : ( والإخوان يحترمون العقائد جميعا ) , لكان قولاً صحيحاً لأن هذا هو واقع الإخوان , أما أن ينسب ذلك إلى الإسلام فكذب وباطل .
الإسلام لا يحترم عقيدة باطلة , ولا يقر باطلاً , فماذا بعد الحق إلا الضلال , والحق محصور في الإسلام عقيدة وشريعة.
وما دون ذلك فهو باطل وضلال , فهل نحترم الباطل والضلال ؟!.
فلازم كلام السباعي: أنه يجب علينا أن نحترم عقيدة النصارى القائمة على التثليث وعقيدة اليهود القائمة على وصف الله تعالى بالعجز , وعقيدة الشيعة القائمة على الغلو في أهل البيت ,
وعقيدة العلمانية القائمة على فصل الدين عن الدولة , وعقيدة الصوفية القائمة على صرف العبادات لغير الله تعالى ............ الخ .
فهل هذا ما يريده مصطفى السباعي ؟
وهل دعوته هذه إلا ترديد لنفس دعوة الماسونية العالمية التي تنادي بحرية الاعتقاد , واحترام الأفكار أيا كانت .
الخطأ الثالث: قوله ( والإسلام لا يفرق بين مسلم ومسيحي ولا يعطي للمسلم حقا في الدولة أكثر من المسيحي ) .
وهذا كلام باطل شرعا وعقلا وعرفا , واتهام للإسلام بما ليس فيه .
أما ما جاء في الإسلام يا مرشد الإخوان : أن الإسلام يَعلى ولا يُعلى عليه , فالمسلمون لهم الرفعة والمكانة والمنزلة والعزة دون غيرهم , والله جل وعلا هو الذي جعل لهم ذلك , قال تعالى : ) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون : 8
أما غير المسلمين فضربت عليهم الذلة والمهانة , وبذلك أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز , فقال سبحانه : )ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران : 112]
ويكفي في ذلك أن يرجع مصطفى السباعي ومعه جميع الإخوان إلى شروط أهل الذمة ليعلموا وليقفوا على مدى الهوان والذل المضروب على هؤلاء الكفار .
الخطأ الرابع : قول السباعي في المادة الرابعة التي يقترحها :
( لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين , أو الجنس أو اللغة ) .اهـ
قلت :وهذا من آثار الإيمان بالديمقراطية التي يعتنقها الإخوان وينادون بها .
ابشروا أيهاالإخوان :
فإن الشيخ السباعي لا فرق عنده في أن يحكم بلاد المسلمين نصراني من داخل البلاد أو من خارجها, وكذلك لو وصل اليهودي المصري إلى سدة الحكم فهذا حقه .
لا فرق عند السباعي في حكم البلاد أن يكون على رأسها مسلم أو كافر , وكأنه يتكلم بلسان الكفار من أهل الغرب الذين ينادون دوماً بذلك وكذلك هو نفس مطلب العلمانية . وحسبنا الله ونعم الوكيل .
كل هذا بسبب المناداة بحرية الاعتقاد , وحرية الفكر , وحرية الرأي , والمساواة بين ابناء الوطن الواحد وإلى غير ذلك من مبادئ دين الديمقراطية المنافي لقول الله تعالى : ) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256]
من خرافات الغزالي
الغزالي يرى قيام وحدة بين المسلمين والنصارى
قال في كتابه – من هنا نعلم – ص53 :
( إننا نستريح من صميم قلوبنا إلي قيام اتحاد بين الصليب والهلال والذين يخوضون في العلاقات بين عناصر الشعب المصري صنف من الناس لا يطمئن إلي تقواه ولا ابتغاء وجه الله ). اهـ
الغزالي : يريد أن يتحد حزب الرحمن مع حزب الشيطان .
الغزالي : لا يميز بين أهل الحق وأهل الباطل .
الغزالي : لا يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .
أما عقيدة الإسلام فبريئة من ذلك كله , لأن المسلم لا يصير مسلماً إلا بالبراءة من الكفر والكافرين , والأدلة على ذلك يحفظها من له أدنى اطلاع على القرآن الكريم , فهذا الاتحاد الذي يبحث عنه الغزالي مسلك من لا دين لهم من العلمانيين , والإسلام من ذلك برئ , لأن في ذلك مصادمة
لقوله تعالى:) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ( 256البقرة.
الغزالي :لا يرى بأساً بالأخوة التي تجمع بين المسلم والنصراني واليهودي
قال في كتابه – من هنا نبدأ – ص53 :
( إن هناك أسسا لجمع المنتسبين إلي الأديان في صعيد واحد وهي تجمع بين اليهودي والنصراني والمسلم على أنهم أخوة سواء بسواء )اهـ
الله جل وعلا جعل المؤمنين إخوة : ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات : 10]
والغزالي: يريد أن يجعل الكافرين إخوة , على الرغم من أن اليهود والنصارى لا يرضون هذه الأخوة , إلا إذا اتبعنا ملتهم كما هو ثابت في القرآن .
الغزالي يدعو إلى التقارب بين الأديان
قال في كتابه ( من هنا نعلم ) ص66 :
( ومع ذلك التاريخ السابق فإننا نحب أن نمد أيدينا وأن نفتح قلوبنا وأذننا لكل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها وتذكرهم بنسبهم السماوي الشريف) . اهـ
فالشيخ الغزالي: ساوى بين جميع الأديان , فلا فرق بينهم , لأنهم جميعاً لهم النسب السماوي , وهذا كاف في التقريب بينهم , سبحانك هذا بهتان عظيم .
الإخوان المسلمون وفهمهم لقول الله تعالى :
) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (
قال توفيق الواعي في كتابه ( الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية ) ص519 :
( ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو ما يدين به ونحن نتلوا قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( . اهـ - من كتاب ( الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية ) ص519.
قلت: وهذا الكلام ظلمات بعضها فوق بعض , وهذا إن دل إنما يدل على حقيقة دعوة الإخوان ومدى بعدهم عن الحق والصواب .
فقوله : ( ونحن الإخوان نقول إننا دعاة ولسنا قضاة )اهـ .
هذه الجملة فعلا من اختراع الإخوان , وإلا فليقولوا لنا أين دليل ذلك في الكتاب والسنة , ومن قال بها من سلف الأمة .
فهذه الجملة من الأخطاء الفاحشة عند الإخوان , لأن هذا يعني : أن المسلم , بل والدعاة إلي الله لا يجب عليهم أن يكفروا أحدا وإن كان يستحق التكفير , ويلزم عن هذا أيضاَ : أن الدعاة لا يجب عليهم أن يكفروا من تنطبق عليه شروط التكفير , ويلزم من ذلك أيضاً : أنه يجب على الدعاة أن يضعوا الأحكام الشرعية في موضعها .
ألم يقرأ الإخوان قصة صاحب الجنتين المذكورة في سورة الكهف , عندما قال له الرجل ما قال من الكفر البواح , ماذا قال له صاحبه ؟
) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ( [ الكهف : 37 ] .
فهل يا ترى أكان هذا الرجل من القضاة أم من الدعاة ؟
إنه جمع بين الأمرين : القضاء والدعوة , فقد قال له بعد ذلك : ) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ( [ الكهف : 38 ] . إلى آخر ما جاء في هذه القصة .
ولكن ماذا نقول , إنه المنهج الذي وضعوه لأنفسهم بعيداً عن هدي الكتاب والسنة . وهذا لا يعني إطلاق العنان لكل أحد أن يُقدم علي تكفير من يستحق التكفير ومن لا يستحق , فهذه المسألة لها ضوابطها .
أما قوله : (ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو ما يدين به ونحن نتلوا قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( . اهـ
فكما أن بعض علماء الأزهر كما أسلفنا يستدلون بهذه الآية وغيرها ويضعونها في غير موضعها , كذلك يفعل الإخوان , ولو أنهم كلفوا أنفسهم بالرجوع إلى كتب التفسير وقرءوا ما قاله أهل العلم في هذه الآية لعلموا معناها والمراد منها .
(فائدة مهمة)
متى ظهرت هذه الدعوة في العالم الإسلامي؟ ومن هم بطلتها؟
بدأت هذه الدعوة - أول ما بدأت - في الربع الأخير من القرن الماضي, بإيعاز من بعض القُسُس، فهي ثمرة من ثمار الغزو الفكري والاستعمار الأوربي الذي جثم على صدر الأمة الإسلامية في ذلك الحين, ثم توالت الصيحات فيما بعد.
يقول الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله : "أما التوفيق بين الأديان -بين المسيحية والإسلام على وجه الخصوص - فقد بدأ في العصر الحديث باتفاق قسيس إنجليزي اسمه (إسحاق تيلور) مع الشيخ (محمد عبده) وبعض صحبه في أثناء نفيه بدمشق 1883م على التوحيد بين الدِّينيْن. ثم ظهرت الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة حين قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية بعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م، وقد كثرت الأقاويل في أهداف هذه الجماعة, وفي مصادر تمويلها, وأصدر الحاج أمين الحسيني بياناً أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية".
أبرز بطلة هذه الدعوة:
[1] الشيخ محمد عبده (1849-1905)م:
هو أول من سُخِّر للدعوة لتلك الفكرة، كما وضح لنا من قبل، يقول فضيلة الدكتور سفر الحوالي: "وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم الإسلامي: إضعاف مفهوم (الولاء والبراء)، و(دار الحرب ودار الإسلام)؛ إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء, لا بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة فحسب, ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم - بحجة الأول التعاون مع الكافر ليس محرماً من كل وجه- وبدعوته إلى التقريب بين الأديان.
حقيقة إن الرأي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوي الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات".
[2] الشيخ عبد الرحمن الكواكبي (ت 1902م):
دعا للعلمانية ونَبْذِ الدين صراحةً, كما دعا للتعايش السلمي مع اليهود والنصارى، وترك الدين جانباً، قال: "يا قوم - وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين - أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد, وما جناه الآباء والأجداد, فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين, وأُجِلُّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون، فهذه أمم أستراليا وأمريكا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري، دعونا نتدبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم الأخرى فقط، دعونا نجتمع على كلمات سواء, ألا وهي: فلتحيا الأمة, فليحيا الوطن فنحيا طلقاء أعزاء"، وهذا هو نفس ما يدعو إليه دعاة وحدة الأديان الحاضرين.
[3] الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، (ت1873م):
هو من الذين دعوا إلى ذلك بكتاباتهم وفكرهم، بعد أن فعلت فيه الثقافة الغربية الفرنسية فعلها. يقول الشيخ محمد محمد حسين: "تكلم الطهطاوي في مقدمة كتابه (مناهج الألباب) وبيّن أن الوطن جامعة تجمع ساكنيه على اختلاف الأديان، حين قال: فجميع ما يجب على المسلم للمسلم، يجب على أعضاء الوطن, من حقوق بعضهم على بعض, لما بينهم من الأخوة الوطنية فضلاً عن الأخوة الدينية، فيجب أدباً لمن يجمعهم وطن واحد, التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه، فيما يخص شرف الوطن وغناه وثروته، لأن الغنى إنما يُتحصل من انتظام المعاملات, وتحصيل المنافع العمومية. وهي تكون بين أهل الوطن على السوية لانتفاعهم جميعاً بمزية النخوة الوطنية", ثم أيد رأيه بكلام للإمام ابن حجر في أن ظلم الذمي حرام, وعقب عليه بقوله:(وهذا يؤيد ما قلناه من أن أخوة الوطن لها حقوق, لا سيما وإنها يمكن أن تؤخذ من حقوق الجار, خصوصاً من يقول: بأن أهل الحلة كلهم جيران".
يقول الشيخ محمد محمد حسين معلقاً على كلام الطهطاوي السابق: "هو أثر من آثار الحضارة الغربية وتصورها للوطن الجامع لمصالح ساكنيه على اختلاف أديانهم وأجناسهم واقتباس من المجتمع الفرنسي بعد الثورة الذي قضى على الرابطة الدينية وأقام في مكانها رابطة المصلحة الوطنية أو ما أسماه الطهطاوي "المنافع العمومية" التي تقوم على الحرية والإخاء والمساواة بين أبناء الوطن الواحد. ولذلك فالطهطاوي يعقد في كتابه فصلاً "في أن معظم وسائل تقدم الوطن في المنافع العمومية رُخْصَةُ المعاملة مع أهالي الممالك الأجنبية واعتبارهم في الوطن كالأهلية" يثني فيه على الملك رمسيس فخر الدولة المصرية في الأزمان الجاهلية ومصباح تاريخها الذي اعتنى بتاريخه مؤرخو اليونان, لأنه أول مصري قربهم إلى بلاده, واستمال قلوبهم بتوظيفهم برياسة أجناده، وخالف عوائد أسلافه".
قلت: لله در ابن خلدون حين قال: "والمغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه وبخلقه وسائر أحواله وعوائده".
سبحان الله, فإن السنوات الخمس التي قضاها هذا الشيخ الأزهري (1826-1831هـ) في باريس فعلت فيه الأفاعيل وجعلته مسخاً مشوهاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وهذه حال جُل المبعوثين ألاّ من رحم ربك, وإن تعجب فاعجب من ذلك المبعوث الذي عاد من أمريكا لتوّه فإنه يسير دائماً على طريق الخواجات بين جدة والطائف!!
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تنبؤه: (لتتبعنّ سَنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)!!
[4] الشيخ أحمد لطفي السيد وطه حسين:
إنهما من تلاميذ محمد عبده الأوفياء. أكملا الشوط الذي كان قد بدأه في عملية التغريب والعلمنة وإزالة الحاجز بين المسلمين والكفار,
يقول الشيخ سفر الحوالي: "وقد كان من أهداف أعداء الإسلام ما أوصى به مؤتمر القاهرة التبشيري المنعقد 1906م من وجوب إنشاء جامعة علمانية على نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الأزهر والذي قالوا أنه يهدد كنيسة المسيح بالخطر وقد قام الأذيال بتنفيذ المهمة إذ أنه بعد انتهاء المؤتمر بسنتين تقريباً أسس سعد زغلول وأحمد لطفي السيد وزملاؤهم الجامعة المصرية, وكان النص الأول من شروط إنشائها هو ألا تختص بجنس ولا دين, بل تكون لجميع سكان مصر على اختلاف جنسياتهم وأديانهم حتى تكون واسطة للألفة بينهم".
[5] الشيخ علي عبد الرازق:
وهو من الشخصيات الخطرة التي مهدت لقيام هذه الدعوة , إنه شيخ مفتون, ألف كتاباً أسماه "الإسلام وأصول الحكم".
يقول عنه الشيخ سفرالحوالى - حفظه الله : "جمع عبد الرازق في كتابه بين أسلوب المستشرقين في تحوير الفكرة واقتطاع النصوص وتلفيق الواهيات وبين طريقة الباطنية في التأويل البعيد, وسرد نبذاً من سير الطواغيت, ونتفاً من أقوال متملقيهم وعمد إلى مغالطات عجيبة كل ذلك ليدلل على أن الإسلام كالمسيحية المحرفة علاقة روحية بين العبد والرب لا صلة لها بواقع الحياة.
ولم يَفُتِ الشيخ أن يدلنا على أحد مراجعة الرئيسية لنستكمل ما قد يكون فضيلته عجز عن بيانه , فهو يقول في الكتاب نفسه: " واذا أردت مزيداً في البحث فارجع إلى كتاب الخلافة للعّلامة(!!) السير تومس آرنلد ففي الباب الثاني والثالث منه بيان ممتع ومقنع".
[6] الدكتور محمد عمارة:
هو كذلك من دعاة تجميع الخلق تحت دين جديد واحد، يقول عنه الأستاذ جمال سلطان: "في نظره أن اليهود والنصارى اليوم مؤمنون مسلمون موحدون ولا يضرهم في شيء من إيمانهم تكذيبهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته، فإذا ما وقف أهل الكتاب من أتباع شرائع الرسل الذي سبقوا محمد صلى الله عليه وسلم عند التصديق برسالة رسلهم, وأبوا التصديق برسالة محمد ونبوته مع توحيدهم وعملهم الطاعات!! فإن هذا التوقف لا يخرجهم عن إطار الدين الواحد, ولا حظيرة التدين بالإسلام. فموقفهم هذا هو انحراف! والفرق بين من يؤمن بمحمد وبكل الرسل وبين الذي يجحدون بنبوة محمد ورسالته مع توحيدهم وعملهم الطاعات كمثل الفرق بين إيمان المؤمن الخلي من البدع وبين إيمان من تشوب البدع إيمانه"
[7] الدكتور حسن حنفي:
يذهب الدكتور حنفي إلى أنه ليس هنالك دين في ذاته بل هناك تراث يمكن تطويره وتطويعه حسب الظروف والملابسات: "الأول التراث القديم لا قيمة له في ذاته كغاية أو وسيلة, ولا يحتوي على أي عنصر من عناصر التقدم، وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره, وأن الارتباط به نوع من التغريب ونقص في الشجاعة وتخل عن الموقف الجذري ونسيان للبناء الاجتماعي الذي هو إفراز منه, وفي حين أن الجديد علمي وعالمي يمكن زرعه في كل بيئة"
[8] الدكتور حسن الترابي:
من أبرز بطلة هذه الدعوة الدكتور حسن عبد الله الترابي.
وواضح جداً أن المتولين لكبر هذه الدعوة هم على شاكلة واحدة ومن نوع خاص, إنهم العصرانيون المتغربون المبهورون بالحضارة الغربية المادية بعد أن أُشربوها على أمزجة فرنسية إنجليزية فالطيور على أشكالها تقع, و(الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
فالقاسم المشترك بين محمد عبده, ورفاعة الطهطاوي, ومحمد عمارة، وحسن حنفي، وحسن الترابي ومن شاكلهم من العصرانيون هو الانهزام النفسي والإفراط في حب الغرب وموالاته, ويعتبر د. الترابي أخطر هؤلاء جميعا لأسباب منها:
[1] أن أولئك السابقين له لم تتعد مجهوداتهم الجانب النظري بينما نجد أن د. الترابي خطا خطوات عملية في هذا المجال, لأنه أتيحت له إمكانات دولة لم تُتح لسابقيه فقد استطاع الترابي أن يُسخر السلطة في السودان لخدمة هذا لغرض وقد أعان على ذلك أمران:
الضغوط السياسية والاختناقات الاقتصادية المضروبة على الحكومة السودانية الحالية من الدول الغربية ومن والاها.
استمرار الحرب التنصيرية في جنوب السودان، والتي كبدت الحكومة الكثير من المال والرجال.
هذان الأمران جعلا كثيراً من المسئولين وغيرهم لا يفطنون لخطورة هذه الدعوة لظنهم أنها تخفف عنهم الضغط وترفع عنهم هذه الكوابيس!!.
[2] مقدرة د. الترابي الفائقة على المراوغة فمرة:
يظهر الأول هذه الدعوة مجرد مناورة سياسية لصرف أنظار النصارى, وكف أذاهم وليست دعوة دينية.
وأخرى يظهر أنه يريد مجرد دعوتهم للإسلام ومحاورتهم وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم.
ومرّة يثير بعض الشبه التي تخفي على كثير من الناس.
وهكذا عدم الوضوح والمراوغة يكمنان وراء دعوة الترابي العريضة لقيام جبهة المؤمنين أو الحزب الإبراهيمي!!
[3] وجود أقلية ضئيلة من النصارى في السودان, وجدت ظروفاً مساعدة (حرب الخليج, النظام العالمي الجديد, موقف طلاب السلطة المعارضين للنظام في السودان) تجعل كذلك كثيراً من الأخيار ينخدعون برفع هذا الشعار.
وتتمثل مجهودات الترابي في هذا المجال في: عقد المؤتمرات، التنظير لهذه الدعوة (الحركة الإسلامية والحوار)، إثارة الشبه، إجراء المقابلات في وسائل الأعلام المختلفة لخدمة هذه القضية، الدعوة لقيام الحزب الإبراهيمي، تكوين جمعية تعرف بالجمعية السودانية لحوار الأديان، مشاركتهم النصارى في أعيادهم والطواف على كنائسهم، بناء الكنائس وتجديد وترميم القديم منها، فتح المجال أمام النصارى في الأعلام, خاصة يوم الأحد في الفترة الصباحية في التلفاز إذ أن لهم حوالي أربع ساعات، إدخال مادة مقارنة الأديان في المعاهد العليا.
قول د. الترابي داعياً إلى وحدة الأديان:" إن الوحدة الوطنية تشكل واحدة من أكبر همومنا, وأننا في الجبهة الإسلامية نتوصل إليها بالإسلام على أصول الملة الإبراهيمية, التي تجمعنا مع المسيحيين بتراث التاريخ الديني المشترك(!!) وبرصيد تاريخي من المعتقدات والأخلاق إننا لا نريد الدين عصبية عداء ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد".
"وبناء على هذه الجبهة الدينية مطلب ديني يرتكز على مبدأ وحدة الأديان السماوية (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 38]
وقال: "إن قيام جبهة المؤمنين هو مطلب الساعة وينبغي ألا تحول دونه المخاوف والتوجسات التاريخية، فنحن نعلم أن الكثير منالحروب التي شنت باسم الدين والاضطهاد الذي وقع باسم الدين كان الدين منه براء؛ لأن الأديان السماوية لا تدعو لنشر رسالتها - رسالة الفضيلة والسلام - بحد السيف ، أو بالقنابل والمدافع ونحن نقرأ تاريخ الحروب الصليبية التي شنت على الشرق فنراها حملات استعمارية استخدم فيها بعض ملوك أوربا شعار الصليب واسم المسيحية ليحققوا توسعاً استعمارياً تتعبأ فيه جماهيرهم المؤمنة ويمدهم بالموارد وبكنوز الشرق التي كانوا يحلمون بها".
قلت: العجب كل العجب من جرأة الترابي وتهاونه بوصف اليهود والنصارى الحاليين بأنهم مؤمنين, تبريراً لدعواه التجمعية هذه, التي تريد أن تجمع بين الأضداد, ولو وصفهم بأنهم مسلمون لكان ذلك أقل خطراً عليه, أما أن يصفهم بأنهم مؤمنون فهذا أمر في غاية النكارة والغرابة، فإذا كان اليهود والنصارى مؤمنين فمن الكافر إذاً ؟! ولماذا قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة : 6]
دعنا نستمع إلى كلام أهل العلم الأثبات, ودعك من هذه الترهات, لنعلم هل هي حقيقة أن اليهود والنصارى الحاليين مؤمنون كما زعم الطهطاوي ومحمد عمارة والترابي؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله : "أن الذي يدين به المسلمون من أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الثقلين: الإنس والجن, أهل الكتاب وغيرهم, وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد, وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب، فإنه تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئاً من ذلك من تلقاء أنفسهم كما ابتدعت النصارى كثيراً من دينهم, بل أكثر دينهم, وبدلوا دين المسيح وغيّروه, ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام" "وإذا تناولت النصارى كان حكمهم في ذلك حكم اليهود، والله تعالى إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما قال تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران : 199]
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - في وصف أهل الكتابيين اليهود والنصارى: "وهم نوعان: مغضوب عليهم، وضالون. فأما الأمة الغضبية: فهم اليهود أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل, قتلة الأنبياء, وأكلة السحت وهو الربا والرشا، أخبث الأمم طوية وأرداهم، سجية وأبعدهم عن الرحمة وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء ودينهم العداوة والشحناء, بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة, ولا يرقبون في مؤمنٍ إلاّ ولا ذمة, ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفعة, ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة, ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة, ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة, بل أخبثهم أعقلهم, وأحذقهم أغشهم, وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم - ليس بيهودي على الحقيقة, أضيق الخلق صدوراً, وأظلمهم بيوتاً, وأنتنهم أفنية وأوحشهم سجية, تحيتهم لعنة, ولقاؤهم طيرة, شعارهم الغضب, ودثارهم المقت.
والصنف الثاني: المثلثة أمة الضلال وعباد الأصنام، الذين سبوا الله الخالق سبّاً ما سبّه إياه أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء, بل قالوا فيه ما (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [مريم : 90] فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة, وأن مريم صاحبته, وأن المسيح ابنه, وأنه نزل عن كرسي عظمته, والتحم ببطن الصحابة وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن, فدينها عبادة الصلبان ودعاء الصورة المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان, يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا, واغفري لنا وارحمينا! فدينهم شرب الخمور, وأكل الخنزير, وترك الختان, والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة. والحلال ما حلّله القس, والحرام ما حرمه, والدين ما شرعه, وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير"
ويقول الترابي كذلك: "نعلم أن إشاعة السلام بين الأديان ليس أمراً قصيّ المنال, لكن التحدي الذي نواجهه هو أن نتجاوز التعصب الديني الذي لا يرى الآخر إلاّ عدواً متربصاً أو خطراً محدقاً, ولكي نفعل ذلك فلا بدّ من تكثيف الحوار وتأسيس المنابر المشتركة ،لا لمناقشة القضايا اللاهوتية، ولكن لمناقشة ما يمكن أن نفعله سوياً لإشاعة المثل والقيم الدينية في عالم ينزلق يوماً بعد الآخر في مستنقع الجاهلية الآسن، ونحن في هذا المقام نزجي الشكر لكل الجهات التي ظلت تنادي الحوار بين الأديان, كما نشكر لبعض الكنائس المسيحية الأخرى مبادرتها وسعيها لإقامة الحوار الديني, فلا بديل للحوار سوى التدابر والصراع, وقلّما أفلحت دعوة دينية في إبلاغ خطابها الذي هو خطاب السلام والعدل في أجواء الكراهية والحرب"
يتضح من كلام د. الترابي السابق أن الهدف من الحوار ليس مناقشة القضايا اللاهوتية ودعوة القوم للدخول في الإسلام وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم! وذلك لأن القوم مؤمنون!! محبون للخير والمثل والقيم الدينية!! ولكن الغرض الحقيقي من هذه الدعوة هو مناقشة كيفية تعايش اليهود والنصارى والمسلمين في وفاق ووئام ومحبة وسلام، ليكونوا إخوة متحابين يوالي بعضهم بعضاً خاصة في الوطن الواحد.
لقد ختم د. الترابي كلمته بقوله: "ختاماً نتمنى لهذا المحفل الديني الجليل أن يدفع جهود التفاهم بين الأديان خطوة واسعة نحو الأمام"
وقد لفتت كلمة محفل واستعمالها بدلاً من كلمة مؤتمر أو اجتماع أو نحو ذلك انتباهي لأن كلمة محفل أصبح لها ظلال معينة وهي مرتبطة بالماسونية فلا يقال محفل إلاّ ويتبع بالماسوني! فهل يا ترى جاءت عفواً أم أن وحدة الهدف الجامعة لجميع الدعوات العالمية والإنسانية كالدعوة إلى وحدة الأديان والماسونية هي الدافع إلى استعمال هذه الكلمة تيمناً بالمحافل الماسونية؟!!
الأسباب للقيام بمثل هذه الدعوة:
أهم الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الدعوات هي:
[1] الجهل بالدين, وهذا هو السبب الرئيس والأول لأن من له أدنى معرفة بالدين وأصوله ونواقضه لا يمكن أن يتصدر لمثل هذه الدعوة.
[2] الانهزام النفسي، فالمغلوب والمهزوم إن لم يحفظه العلم ويتولاه الله لا يمكنه التمييز بين الحق والباطل.
[3] الخوف من الكفار ومن سطوتهم.
[4] المنافع والمصالح الزائلة. يروى أنه كان في بلاد الشام إمام يقول في الخطبة الثانية من يوم الجمعة: "اللهم صلِّ على محمد وعيسى وأخيهما موسى"! فقال له رجل من الحاضرين: "وذي الكفل, أم ليست له سفارة عندها مصاري؟!".
التشابه بين دعوة التوحيد للأديان وبين الحركات العالمية المنحرفة:
الحركات العالمية والإنسانية التي تدعي أنها تريد أن تجمع البشر على أساس الجنس والوطن أو الإنسانية دون اعتبار للدين كثيرة جداً منها على سبيل المثال: الماسونية العالمية ، أو الإنسانية، الصهيونية، الروحيون، الشيوعيون، الروتاري، الأسود (الليونز)، التسلح الخلفي، شهود يهوه، التنصير، التغريب، العلمانية، النظام العالمي الجديد، والدعوات القومية والوطنية عموماً.
"والدعوات المبنية على هذا التصور كلها دعوات هدّامة؛ لأنها تهز بعنف عوامل التجمع والتآلف التي تقوم عليها المجتمعات البشرية, ثم تعجز أن تقيم بدلاً منها عوامل أخرى للتجمع وأساليب أخرى للتعاون والتآلف ينتظم بها العمران, فهي تشكك الناس في ولائهم الديني والوطني, وتفقدهم ثقتهم في كل قوانينهم ومؤسساتهم, ثم تتركهم في الفوضى والقلقلة, وسط أنقاض ما هدمت من عقائد وما قطعت من وشائج"
مخالفات الدعوة إلى توحيد الأديان أو التقريب بينها للإسلام:
الدعوة إلى توحيد الأديان أو الترتيب بينها أو محاورة أصحابها للعيش معهم في أمن وسلام وطمأنينة واحترام تصطدم مع الإسلام وتتعارض معه تعارضاً بيناً واضحاً.
ومن أبرز مخالفاتها للإسلام وأشدها خطراً على المنادين بها والداعين إليها, وعلى من وافقهم في ذلك, إنها تقوم على ناقضين من نواقض الإسلام ومبطلاته, هذا بجانب مخالفات أخرى شديد خطرها على عقيدة المسلم.
والناقضان هما:
1-أن من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
2-أن من تولى الكفار وتعاون معهم وظاهرهم على المسلمين كفر.
وسنتحدث بشيء من التفصيل عن هذين الناقضين, ونبين الصلة الوثيقة بين الدعوة إلى توحيد الأديان وجمعها في دين واحد وبينها, ثم نردف ذلك إن شاء الله بالمخالفات الأخرى.
المخالفة الأولى: من لم يكفّر المشركين أوشك في كفرهم أو صحّح مذهبهم فقد كفر:
الإسلام هو الحق المحض فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
قال تعالى: (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس : 32]
جاء في تفسيرها: "ظاهر هذه الآية يدل على أن ما بعد الله هو الضلال لأن أولها (فذلكم الله ربكم الحق)، وآخرها (فماذا بعد الحق إلاّ الضلال) فهذا في الإيمان والكفر"
وقال القرطبي: "وقال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله تعالى".
وقال تعالى:( وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء : 81]
جاء في تفسيرها: الإسلام، وقيل القرآن، قاله مجاهد بن جبر، والصواب: تعميم اللفظ بالغاية الممكنة فيكون التفسير: جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه (وزهق الباطل) بطل الباطل" [32].
وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج : 62]
وقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله بأنه هو حق وصدق فالإسلام هو الحق والله هو الحق وما سواه باطل يجب الكفر به وإنكاره.
والذي لا يكفّر اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان والملاحدة وغيرهم أو يشك في كفرهم أو يصحح مذاهبهم أو مذاهب بعضهم فقد شك في القرآن وشك في صدق الله ورسوله, وذلك أن لله تعالى حكم وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن ما سوى الإسلام باطل محض.
فكفر اليهود والنصارى والمشركين عامة شهد به القرآن، ونطقت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، مع كل ذلك نجد بعض الناس في هذا العصر الذي كثُرت فيه الرزايا, وعظُمت فيه البلايا, وعمّ فيه الجهل, وتفشت فيه البدعة يزعم أن اليهود والنصارى مؤمنون, ويدعو إلى قيام جبهة عريضة وحزب واسع يضم أتباع كل الأديان على أساس الملة الإبراهيمية يسمى الحزب الإبراهيمي!!
جاء في تفسير قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران : 83]
"أن كعب بن الأشرف وأصحابه اختصموا مع النصارى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -كلا الفريقين برئ من دينه، فقالوا: ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فنزلت (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض) يعنى يطلبون"
قال الإمام ابن حزم - رحمه الله - وهو يتكلم عن النصارى وقد جمع بينهم وبين المجوس لتعدد الآلهة عند جميعهم بل المجوس لهم إلهان أحدهما يخلق الخير والثاني يخلق الشر أما النصارى فلهم ثلاثة "النصارى وإن كانوا أهل كتاب, ويقرون بنبوة بعض الأنبياء - عليهم السلام - فإن جماهيرهم وفرقهم لا يُقِرون بالتوحيد مجرداً, بل يقولون بالتثليث، والمجوس أيضاً وإن كانوا أهل كتاب لا يقرون ببعض الأنبياء عليهم السلام ولكنّا أدخلناهم في هذا المكان لقولهم بفاعلين لم يزالا فالنصارى أحق منهم بالإدخال هاهنا لأنهم يقولون بثلاثة لم يزالوا"
قلت : القول بأن المجوس أهل كتاب كلام باطل – فتنبه -
وقال ابن القيم : وهو يتكلم عن المتناقضات في الإنجيل: "وأما الإنجيل فهي أربعة أناجيل أُخذت عن أربعة نفر اثنان منهم لم يريا المسيح أصلاً , واثنان رأياه واجتمعا به وهما متى ويوحنا, وكل منهم يزيد وينقص ويخالف إنجيله إنجيل أصحابه في أشياء, وفيها ذكر القول ونقيضه" اهـ موسوعة الغزو الفكرى لعلى الشحود ج2ص32-38
الدعوة إلى وحدة الأديان فى هذا العصر
"وقد تجددت الدعوة إلى وحدة الأديان _ أو التقارب بين الأديان _ في السنوات الأخيرة، واتخذت أشكالاً مختلفة وتحت مسميات متعددة، منها:-
1.…الدعوة إلى إقامة (صلاة روح القدس): وهي الصلاة المشتركة التي دعا إلى إقامتها البابا بولس في قرية (أسيس) بإيطاليا في يوم 27/10/1986م، واشترك فيها عدد من المسلمين إلى جانب اليهود والنصارى.
2.…الدعوة إلى عقد حوار (الوحدة الإبراهيمية)، وهو المؤتمر الذي دعا إلى عقده بمدينة قرطبة بإسبانيا (روجيه جارودي)، الفيلسوف الفرنسي المسلم، وذلك بمناسبة افتتاح المعهد الذي أسسه (جارودي) لهذا الغرض، وسماه: (معهد قرطبة لوحدة الأديان)، ويهدف المعهد _ كما يقول مؤسسه _ إلى نشر تعاليم ونتائج الثقافات للأديان الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام. وقد حضر هذا اللقاء عدد من المسلمين، وهم: روجيه جارودي، وعبد الهادي بو طالب، المدير العالم لمنظمة الإيسيسكو، ومختار أمبو، الأمين العالم لليونسكو، والبروفسور عبد السلام، وهو قادياني يحمل جائزة نوبل للفيزياء، وبدر الدين أغاخان، وهو إسماعيلي.
3.…تأسيس جماعة: (مؤمنون متحدون)، وهي جماعة تسعى لإذابة الفوارق الدينية ومسخ الشخصيات، وتدعو إلى صلاة مشتركة تسمى: (صلاة روح القدس)، يمارسها كل المؤمنين بالله مهما كانت ديانتهم، كما يضعون نشيداً واحداً يردده الجميع يسمى: (نشيد الإله الواحد: رب وابن)".
4.…كما ظهر من يقول بأن الجنة ليست حكرا على المسلمين الموحدين وأن الدين المنجي عند الله ليس الإسلام وحده ! فيتساءل لِمَ يعتقد أتباع كل دين أن الله يختصهم بالجنة ويذر غيرهم وأكثر الناس في النار؟ ثم يؤكد أن حقيقة الشرك هي العداء بين الأديان.
ويلاحظ على هذه الدعوى في صياغاتها وشعاراتها المتنوعة أنها تميل إلى جانب الديانة النصرانية أكثر من غيرها، مما يدل على أن التوجه إليها على ما فيه من إخلال بالعقيدة الإسلامية، فهو جَرْيٌ وراء التشبه بالكفار، وعند تطبيقه سيكون أكبر مثال لأثر التدرج في التشبه بالكفار، وأن التشبه بهم سيوصل إلى تصحيح أديانهم يوماً ما، وذلك كفر بالإسلام؛ فإن الله عز وجل ذكر في كتابه تكفير النصارى الذين ادعوا له البنوة أو التعدد، فقال: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة : 17]
وقال: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة : 73]
كما ذكر كفر اليهود وأنهم ملعونين فقال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [المائدة : 78]
كما أخبر عنهم أنهم ادعوا لله الابن، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة : 30]
وأخبر عنهم أنهم افتروا على الله الكذب ووصفوه بالنقائص تجرأً عليه، نسأل الله السلامة والعافية، كما وصفهم في نفس الآية بأنهم يؤججون الحروب والفتن في الأرض فقال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة : 64]
وبيَّن أن من طبيعتهم قتل الأنبياء، وتكذيبهم، فقال: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة : 70]
وقال: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف : 6]
وحذرنا ? من مكرهم فقال: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [المائدة : 82]
فبحجة التقريب بين الأديان رأوا إزالة الفوارق بين الأديان والله تعالى يقرر ويدعونا أن نقول لهم إن أرادوا ذلك: تعالوا جميعاً لنوحد الله التوحيد الصحيح، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64]
فإن تولوا وظلوا على كفرهم، فقولوا لهم: نحن مسلمون، ومفهوم ذلك أنكم يا من تركتم التوحيد الخالص إلى الشرك: كافرون بعيدون كل البعد عن الله، كما قال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون : 6]
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة : 6] …فأنَّى لمؤمن يؤمن بالقرآن أن يتساهل معهم بتصحيح هذه العقائد الفاسدة، بعد هذا البيان التفصيلي عن عقائد أهل الكتاب وضلالهم، فضلاً عن أن يداهنهم في التخلي عن مسلمات دينية هي من أصول دين الإسلام، الإسلام يقول: اليهود والنصارى على ضلال مبين، وهذا يقول: هم على حق والواجب أن نعترف بأنهم على ملة إبراهيمية صحيحة!! لا يقول ذلك إلا من انخرط في سلكهم فصار منهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة : 51]
وقال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران : 67]
وماذا يريد أعداء الله من المسلمين أكثر من الدخول في مللهم المنحرفة، قال تعالى: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء : 89]
وقال: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة : 120]
نعم إن هدى الله هو الهدى وهو الإسلام لا غير، ومن قال غير ذلك ومن اتبع أهواءهم بعد ما جاءته البينات، فهو بعيد عن ولاية الله ونصرته، ولن تنفعه موالاته للكفار.
كل ذلك أثر من آثار التشبه بالكفار والتدرجِ في مضاهاتهم في كل صغيرة وكبيرة، أوصل أصحابه إلى الانخراط في أديان الكفار والحكم بصحتها؛ فإن الزاوية الضيقة قد لا يكون لها ذكر في أول الأمر، ولكنها إذا سارت وامتدت إلى أميال: اتسعت حتى يصعب تداركها، والله المستعان.
اهـ مظاهر التشبه بالكفار فى العصر الحديث لأشرف بارقعان ج1ص63-68
الدعوة إلى وحدة الأديان كفر بواح
فإن الدعوة إلى يُسمى بـ ( وحدة الأديان ) أو ( التقارب بينها ) أو ( الخلط بينها ) دعوة كفرية، تهدم الإسلام وتقوض دعائمه وتجرُّ أهله إلى ردَّة شاملة، وأصلها ومنبتها أهل الكتاب، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه :( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 217]
( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء : 89]
وقال: وحينما يئس الغرب من السيطرة وإحكام القبضة على العالم الإسلامي، ووجدوا أن الحائل دون ذلك كله هو الإسلام وصلابة عقيدته، وقوّة أهله فيه، بخلاف سائر شعوب الأرض التي دانت لهم، ورأوا أن نزع الإسلام من القلوب أمر متعذر، سعوا لهذه الدعوى، لتذوب صلابة القلوب وقوّة الأمة وتنصهر فيما يريدون، فإذا تم إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر والحق والباطل والمعروف والمنكر، والعدل والظلم، وكُسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء إذاً ولا براء ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله، وهذا ما يريدونه من المسلمين، فروّجوا لهذه الدعوى، خوفاً مما تقرر في الشرع من عقيدة الولاء والبراء والقتال، قال تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة : 29]
وقال: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة : 36]
ودعوة وحدة الأديان أو التقريب بينها، ردَّة صريحة عن دين الإسلام، إن صدرت من مسلم، لأنها تعارض أصول الاعتقاد، وتكذّب القرآن إذ أنه ناسخ لجميع ما قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وترضى بالكفر والشرك بالله " اهـ توحيد الكلمة عبد العزيز الطريفى ص12-15
الدعوة إلى وحدة الأديان من الموالاة المخرجة من الملة :
ومن أعظم موالاة أهل الكفر التي تناقض الإيمان إقامة المنظمات والملتقيات والمؤتمرات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الفوارق العقدية، ومحو الخلاف فيما بينها، وهذا الأمر يتكئ على فكرة خبيثة عرفت قديماً عند ملاحدة المتصوفة كالتلمساني وابن سبعين وابن هود، وعرفت حديثاً عند دعاة العلمانية والليبرالية الذين يتفقون مع سابقيهم في الإلحاد، ونبذ الإسلام وتنحيته عن شئون الحياة " اهـ الاعلام بتوضيح نواقض الاسلام عبد العزيز الطريفى ص48
وقال صاحب كتاب نواقض الإيمان القولية والعملية :
" من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان: - إقامة مؤتمرات وتنظيم ملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات، وذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها، وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث (الإسلام والنصرانية واليهودية) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية.
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير، والصهيونية العالمية كما كان للبهائية مشاركة في إيجاد دين يوافق عليه الجميع! "
ويذكر أن من أشهر دعاة وحدة الأديان في العصر الحديث جمال الدين الفارسي، والمشهور بالأفغاني فقد كان له دور خطير في السعي إلى توحيد الأديان الثلاثة وتلقف هذه الدعوة من بعده تلميذه محمد عبده فقد كان له مشاركة في التوفيق بين الإسلام والنصرانية.
ومن الدعاة لهذه العقيدة الضالة في السنوات الأخيرة: - رجاء جارودي -كما هو واضح في رسالته المسماة بـ " وثيقة أشبيلية " نواقض الايمان القولية والعملية ج2ص116
وقال أيضا " ولما كانت الدعوة إلى وحدة الأديان كفراً بواحاً، وردة ظاهرة، يدركها العوام فضلاً عن الخواص، لذا فقد حرص أعداء هذا الدين على إيجاد ذرائع مبطنة واستحداث وسائل مقنعة للوصول إلى مآربهم في هذه القضية، ولذا نجدهم - ابتداء - يجاهرون بضرورة التعايش بين الأديان، والحوار فيما بينها، ثم ينعقون بالحاجة الملحة إلى زمالة الأديان والتقارب فيما بينها من أجل مواجهة قوى الإلحاد والتيارات المادية.
ويأتي " النظام الدولي الجديد " عاملاً رئيساً في إحياء تلك الشجرة الخبيثة، كما هو ظاهر في مثل هذه الأيام القريبة، من كثرة المؤتمرات والملتقيات التي تسعى إلى وحدة و" خلط " الديانات.
إن الدعوة إلى وحدة الأديان كفر صريح، لما تتضمنه من تكذيب للنصوص الصحيحة الظاهرة، والتي تقرر - قطعياً - بأن دين الإسلام الكامل، والذي أتم الله به النعمة، ورضيه لنا ديناً، أنه هو الناسخ لما سبقه من ديانات اعتراها التحريف والتبديل، قال تعالى: - {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران، آية 85]
كما أن هذا القرآن حجة على كل من بلغه.
يقول تعالى: - {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغ} [الأنعام، آية 19] كما أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم للثقلين كافة، قال تعالى: - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف، آية 158].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء، آية 107].
كما أن الدعوة إلى وحدة الأديان عبارة عن إنكار لأحكام كثيرة معلومة الدين بالضرورة، منها: - استحلال موالاة الكفار، وعدم تكفيرهم، وإلغاء الجهاد في سبيل الله تعالى وتوابعه.. الخ.
وقد حرم الله تعالى موالاة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فقال سبحانه: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} [المائدة، آية 51].
وخص سبحانه الولاية بقوله تعالى: - {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [المائدة، آية 55].
وقد شهد الله تعالى عليهم بالكفر في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران، آية 70].
وقال تعالى: - {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة، آية 1].
يقول ابن حزم: - " واتقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً، واختلفوا في تسميتهم مشركين. "
ويقول القاضي عياض: - " ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.) "
وتتضمن دعوة وحده الأديان تجويزاً وتسويغاً لاتباع غير دين الإسلام، وهذا كفر يناقض الإيمان، فمن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
يقول ابن تيمية: - " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، او اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب. "
وفي نهاية هذه المسألة نقول: - " إن من يحدّث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان وما مثله إلا كما قيل:-
أيها المنكح الثريا سهيلا……عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت……وسهيل إذا استقل يمان
اهـ ص117-119
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى ( وحدة الأديان ): دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن والإنجيل في غلاف واحد إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يُعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً: فإن من أصول الإعتقاد في الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]
والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
ثانياً: ومن أصول الإعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى ( القرآن الكريم ) هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أُنزل من قبل من التوراة والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب يتعبّد به سوى ( القرآن الكريم ) قال الله تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة : 48]
ثالثاً: يجب الإيمان بأن ( التوراة والإنجيل ) قد نُسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل والزيادة والنقصان كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها قول الله تعالى " فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة : 13]
وقوله جل وعلا " فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة : 79] وقوله سبحانه " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران : 78]
ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرّف أو مبدّل. وقد ثبت عن النبي أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: { أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي } [رواه أحمد والدارمي وغيرهما].
رابعاً: ومن أصول الإعتقاد في الإسلام أن نبينا ورسولنا محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال الله تعالى " مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [الأحزاب : 40]
فلم يبق رسول يجب إتباعه سوى محمد ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حياً لما وسعه إلا إتباعه - وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك - كما قال الله تعالى " وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران : 81]
ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد وحاكماً بشريعته. وقال الله تعالى " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157]
كما أن من أصول الإعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد عامة للناس أجمعين قال الله تعالى " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ : 28]
وقال سبحانه " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف : 158]
وغيرها من الآيات.
خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافراً، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار كما قال تعالى " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة : 1]
وقال جل وعلا " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة : 6]
وغيرها من الآيات.
وثبت في صحيح مسلم أن النبي قال: { والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أهل النار }.
ولهذا: فمن لم يُكفّر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: ( من لم يكفر الكافر فهو كافر ).
سادساً: وأما هذه الأصول الإعتقادية والحقائق الشرعية فإن الدعوة إلى ( وحدة الأديان ) والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه " وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 217]
وقوله جل وعلا " وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء : 89]
سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول " قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة : 29]
ويقول جل وعلا " َوقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة : 36]
ثامناً: أن الدعوة إلى ( وحدة الأديان ) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الإعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعاً: وتأسيساً على ما تقدم:
1 - فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجييع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها.
2 - لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن في غلاف واحد!! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لما في ذلك من الجمع بين الحق ( القرآن الكريم ) والمحرف أو الحق المنسوخ ( التوراة والإنجيل ).
3 - كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء ( مسجد وكنيسة ومعبد ) في مجمع واحد، لما في ذلك من الإعتراف بدين يُعبد الله به غير الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاث، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس ( بيوت الله ) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة غير دين الإسلام، والله تعالى يقول وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى [22/162]: ( ليست، أي: البيع والكنائس، بيوت الله وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار ).
عاشراً: ومما يجب أن يعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بيّنة، قال الله تعالى " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64]
أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى "وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة : 49]
وإن اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس فإنها توصي المسلمين بعامة وأهل العلم بخاصة بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة ( وحدة الأديان ) ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سبباً في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم. نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راض عنا " اهـ فتاوى اللجنة الدائمة ج2ص275-283
التطبيع مع أهل الكفر ذريعة إلى الدعوة إلى وحدة الأديان
وهذه نماذج من مصر تدل على ذلك :
1- سعى اليهود لإفساد الدين من خلال مؤتمرات (توحيد الأديان) أو (تقارب الأديان) أو (حوار الحضارات) :
ففي 12 / 10 / 1979م بعد كامب ديفد عقد مؤتمر (التوحيد في الأديان) في مدينة القدس - أعادها الله - وشارك فيه مصريون .
وفي عام 1982م عقدت ندوة التقارب بين الشريعتين (اليهودية والإسلامية) في المركز الأكاديمي اليهودي بالقاهرة - المؤسس عام 1982م - .
وفي عام 1984م عقد مؤتمر (وحدة الأديان) في دير (سانت كاترين) في سينا ضم يهوداً ونصارى ومنتسبين للإسلام لأداء صلاة مشتركة من كل الأديان ! .
وظهر بعد كامب ديفد مشروع (مجمع الأديان) الذي حاول السادات تأسيسه في سينا ويهدف إلى إقامة مجمع يضم مسجداً وكنيسة ومعبداً يهودياً ، واشترك في تصميمه ثلاثة مهندسين : مصري ، وفرنسي نصراني ، ويهودي ! .
وسعوا أيضاً إلى خلط المفاهيم لتحريف عقيدة المسلمين من ناحية نشر أن الإسلام هو الإيمان بالله فقط ، واليهود يؤمنون بالله ؛ فهم مسلمون
) انظر فيما سبق : (الاستراتيجية لتطبيع العلاقات مع البلاد العربية) لمحسن عوض ص 51 ، 52 ، (مخاطر الوجود اليهودي ) ص 24 ، 25 ، بل وبلغ الاختراق والتطبيع حتى وصل الأزهر ، فقد نشرت مجلة السنة في عددها 111-رمضان1422 مقالاً بعنوان (الاختراق الصهيوني للأزهر) جاء فيه : " الصهاينة لا يعملون عشوائياً، بل هناك مُخطط مُنظم لتنفيذ هذا الغرض بدأ في النصف الأول من شهر ديسمبر عام 1997 م عندما استقبل شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي حاخام (إسرائيل) الأكبر "لاو" في خطوة اعتبرها كثيرون بداية موجة التطبيع الديني للأزهر مع (إسرائيل) ورغم ظهور شيخ الأزهر يقبل الحاخام "لاو" بكل مودة ، مع ما أثاره فينا من مواجع ، إذ أن هذا يحدث والمسجد الأقصى أسير يستصرخ فينا النخوة الإسلامية ، إلا أن هذه المحاولات واللقاءات استمرت بل وتعددت أوجه التطبيع مع (إسرائيل) واليهود بصفة عامة ، حيث استقبل شيخ الأزهر حاخام فرنسا ورئيس المجلس اليهودي بها ، ثم باستقباله لوفد جمعية السلام اليهودية الأمريكية الذي ضم وفدها وقتذاك أعضاء في الموساد الإسرائيلي مثل الياهو بن اليسار أول سفير لـ (إسرائيل) في مصر وكذلك سفير (إسرائيل) الحالي في الدانمارك ... ولعل صورة الزفزاف وكيل الأزهر حينذاك وهو يُقبل ويحتضن الحاخام اليهودي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن اختراقًا صهيونياً كبيرا قد تم للمؤسسة الإسلامية الأولى، أضف إلى ذلك أن نجاح الزفزاف في مُخططه قد سحب البِساط نهائيًا من تحت قدمي الدكتور/ محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الذي كان مُشاركاً دائمًا ومُمثلاً لمصر في الأنشطة الفاتيكانية للجان حوار الأديان ".
الفصل الأول
الرد على الزائغين
أولا : الرد عليهم في استدلالهم بقوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة : 256]
يستدل أهل الضلال من شياطين العلماء وبعض الجماعات بهذه الآية : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( ,على حرية الاعتقاد , وحرية الفكر والرأي – إلى غير ذلك , فماذا قال المفسرون في هذه الآية .
أقوال المفسرين :
[1] – تفسير الآية من ( فتح القدير ) للإمام الشوكاني –
ج1ص275 – 277 :
قوله تعالى : )لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (
قال – رحمه الله : ( قد اختلف أهل العلم في قوله : )لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ( , على أقوال :
الأول : أنها منسوخة لأن رسول الله e قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام والناسخ لها قوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة : 73]
وقال تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة : 123]
وقال : ) سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الفتح : 16]
. القول الثاني : أنها ليست بمنسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية بل الذين يكرهون هم أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وإلى هذا ذهب الشعبي والحسن وقتادة والضحاك .
القول الثالث : أن هذه الآية في الأنصار خاصة .
قلت : ثم ذكر الشوكاني – رحمه الله – سبب النزول في ذلك , ولكنه لم يصح فلم أذكره , وسيأتي ذكر سبب النزول الصحيح .
القول الرابع : أن معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف إنه مكره فلا إكراه في الدين .
القول الخامس : أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام .
وقال ابن كثير في تفسيره : أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا , وهذا يصلح أن يكون قولا سادسا .
وقال في الكشاف في تفسير هذه الآية : أي لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر ولكن على التمكين والاختيار ونحوه قوله : ) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس : 99] ( أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكن لم يفعل وبنى الأمر على الاختيار, وهذا يصلح أن يكون قولا سابعا .
ثم قال الشوكاني :
" والذي ينبغي اعتماده ويتعين الوقوف عنده : أنها في السبب الذي نزلت لأجله منسوخة , وهو أن المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت يهود بني نضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا لا ندع أبناءنا فنزلت " أخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة عن ابن عباس , قلت : وصححه الألباني والشيخ مقبل الوادعي .
وقد وردت هذه القصة من وجوه حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات تتضمن أن الأنصار قالوا إنما جعلناهم على دينهم أي دين اليهود ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم فلما نزلت خير الأبناء رسول الله e ولم يكرههم على الإسلام وهذا يقتضي أن أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية , وأما أهل الحرب فالآية وإن كانت تعمهم لأن النكرة في سياق النفي وتعريف الدين يفيدان ذلك والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات في إكراه أهل الحرب من الكفار على الإسلام ) . اهـ
خلاصة هذا القول :
1- أن أهل الأوثان والشرك ممن لا دين لهم يقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام طوعاً أو كرهاً , أو يقاتلوا أبداً .
2- أن أهل الكتاب من أهل الذمة لا يكرهون على الإسلام بشرط دفع الجزية , والالتزام بشروط أهل الذمة .
3- أن أهل الكتاب المحاربين يقاتلوا أبداً حتى يدخلوا في الإسلام , أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
[2] – تفسير الآية من تفسير عمدة التفسير للحافظ ابن كثير – تحقيق العلامة أحمد شاكر – رحمه الله –جـ2 – ص164- 165 :
قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (
قال ابن كثير – رحمه الله : ( وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار , وإن كان حكمها عاما .
فروى ابن جرير عن ابن عباس قال : ( كانت المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا , فأنزل الله عز وجل : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( وقد رواه أبو داود والنسائي ونحوه , وقد رواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه , وصححه أحمد شاكر – رحمه الله - وهكذا ذكر مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وغيرهم أنها نزلت في ذلك .
وقال : وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية .
وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يجب أن يُدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام , فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل وهذا معنى الإكراه .
قال الله تعالى : ) سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الفتح : 16]
وقال تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِين وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ َ (
وقال تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة : 73]
وفي الصحيح : ( عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل )رواه الإمام أحمد في المسند والبخاري وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة .
فأما الحديث الذي رواه أحمد عن أنس أن رسول الله e : ( قال لرجل أسلم قال إني أجدني كارها قال وإن كنت كارها ) .
فإنه صحيح ولكن ليس من هذا القبيل فإنه لم يكرهه النبي e على الإسلام , بل دعاه إليه فأخبره أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة فقال له أسلم وإن كنت كارها فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص ) . اهـ
قال أحمد شاكر : حديث أنس في المسند بإسنادين صحيحين .
خلاصة هذا القول :
1- أهل الكتاب ومن دخل معهم من الأنصار قبل مجيء الإسلام لا يكرهون على الإسلام إذا بذلوا الجزية .
2- أهل الأوثان ومن لا دين لهم يقاتلوا أبداً حتى يسلموا , ولا يقبل منهم غير ذلك .
3- الإكراه على الإسلام يكون ظاهراً , كما في حال أسارى المشركين وقد يحسن إسلامهم , وهو الغالب .
[3] – تفسير الآية من ( أحكام القرآن ) للإمام ابن العربي – جـ1 – ص233 , 234 :
قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (
قال ابن العربي – رحمه الله : فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : قيل : أنها منسوخة بآية القتال , وهو قول ابن زيد .
الثاني :أنها مخصوصة في أهل الكتاب , الذين يقرون على الجزية ، وعلى هذا فكل من رأى قبول الجزية من جنس تحمل الآية عليه .
الثالث :أنها نزلت في الأنصار – كانت المرأة منهم إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها إن عاش أن تهوده ترجو به طول العمر , فلما أجلى الله تعالى بني النضير , قالوا : كيف نضع بأبنائنا ؟ فأنزل الله تعالى الآية : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( .
المسألة الثانية : قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( عموم في نفي إكراه الباطل , فأما الإكراه بالحق من الدين , وهل يقتل الكافر إلا على الدين , قال e : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ) الحديث في الصحيحين .
وهو مأخوذ من قوله تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة : 193]
وبهذا يستدل على ضعف من قال : أنها منسوخة , فإن قيل : فكيف جاز الإكراه بالدين على الحق , والظاهر من حال المكره أنه لا يعتقد ما أظهر ؟
الجواب :أن الله سبحانه بعث رسوله محمداً e يدعوا الخلق إليه , ويوضح لهم السبيل , ويبصرهم الدليل , ويحتمل الإذاية والهوان في طريق الدعوة والتبيين , حتى قامت حجة الله , واصطفى الله أولياءه , وشرح صدورهم لقبول الحق , فالتفت كتيبة الإسلام , وائتلفت قلوب أهل الإيمان .
ثم نقله من حال الإذاية إلى العصمة , وعن الهوان إلى العزة , وجعل له أنصارا بالقوة , وأمره بالدعاء بالسيف , إذ مضى من المدة ما تقوم به الحجة وكان من الإنذار ما حصل به الأعذار.
جواب ثان :وذلك أنهم يؤخذون أولاً كرهاً , فإذا ظهر الدين وحصل في جملة المسلمين وعمت الدعوة في العالمين حصلت لهم بمُثافَنَتِهم – أي : الملازمة والمصاحبة – وإقامة الطاعة معهم النية , فقوى اعتقاده , وصح في الدين وراوه , إن سبق لهم من الله تعالى توفيق , وإلا أخذنا بظاهره وحسابه على الله ) . اهـ
خلاصة هذا القول :
1- أن الآية خاصة في أهل الكتاب , أنهم لا يكرهون على الدخول في الإسلام إذا بذلوا الجزية .
2- جواز إكراه الكافرين على الدخول في الإسلام , لأن هذا الإكراه يكون بحق .
3- الغرض من الإكراه على الإسلام – الدين الحق – هو دخول الناس في الإسلام ظاهراً وباطناً , فإنه بذلك يتحقق ظهور هذا الدين على كل الملل .
[4] – تفسير الآية من ( محاسن التأويل ) للعلامة جمال الدين القاسمي – جـ2 – ص664 , 665 :
قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (
قال القاسمي رحمه الله : بعد أن ذكر كلام الحافظ ابن كثير : ( فالنفي بمعنى النهي , وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير , وذهب آخرون إلى أنه خبر محض , أي : أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر , وإنما بناه على التمكين والاختيار
قال القفال: موضحاً له : لما بين تعالى دلائل التوحيد بياناً شافياً قاطعاً للعذر , أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عندٌ في الإقامة على الكفر , إلا أن يقسر الإيمان ويجبر عليه , وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء .
إن في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان .
ونظير هذه الآية قوله تعالى : ) َمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف : 29]
وقوله تعالى : ) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس : 99] ,وقوله تعالى : ) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء
ثم قال القاسمي : " تنبيه " :
علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لله وحكمه العدل) . اهـ
خلاصة هذا القول:
1- المقصود بالإكراه في الدين الذي نفاه الله تعالى في الآية , هو خبر محض , بمعنى : أن الله تعالى لا يكره أحداً على الدخول في الدين , لأن ذلك يتنافى مع الاختيار الذي جعله الله للعباد , وكذلك يتنافى مع حكمة الابتلاء والاختبار .
2- إكراه المسلمين الكفار على الدخول في الإسلام يكون على مقتضى الظاهر , لأنه لا سلطان لأحد على القلوب وعلى ما تعتقده من حق أو باطل , لأن ذلك مرده إلى الله , ولكن غاية الإكراه الظاهر , وهو دخول الناس تحت سلطان الإسلام وحكمه .
3- الأصل في مشروعية الجهاد هو حماية الدعوة إلى الدين فمن حال بين المسلمين وبين دعوة الناس إلى التوحيد فواجبه أن يقاتل , لكي يذعن لسلطان هذا الدين وحكمه إما بالدخول فيه , وإما ببذل الجزية إن كان من أهل الكتاب .
[5] – تفسير الآية لابن جرير الطبري – جـ3 – ص17, 18:
قوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (
قال رحمه الله : ( وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في خاص من الناس , وقال: عنى بقوله تعالى : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( أهل الكتابين والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق وأخذ الجزية منه , وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا .......... - إلى أن قال - ..... وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم e أنه أكره على الإسلام قوما , فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام , وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب , وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر , ومن أشبههم وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه , وإقراره على دينه الباطل , وذلك كأهل الكتابين , ومن أشبههم كان بينا بذلك أن معنى قوله : ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية , ورضاه بحكم الإسلام , ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة , فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس وعمن روي عنه من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام ؟
قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته , ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر , ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه .
فالذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر ابن عباس وغيره , إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم , فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام , وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها , واقرارهم عليه على النحو الذي قلنا في ذلك ) . اهـ
خلاصة هذا القول :
1- أن هذه الآية خاصة بأهل الكتاب ومن كان على شاكلتهم أنهم لا يكرهون على الإسلام طالما أنهم أقروا ببذل الجزية .
2- إكراه النبي e أهل الأوثان على الإسلام , وإلا فحكمهم القتل أبداً .
3- ضعف قول من قال أن الآية منسوخة بآيات القتال , بل هي محكمة , ولكن مع التفصيل , فهناك من يكرهون على الإسلام كأهل الأوثان , وهناك من لا يكرهون على الإسلام كأهل الكتاب بشرط بذل الجزية , والرضا بحكم الإسلام .
الرد على بعض المنحرفين :
قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) [سورة البقرة: 256]:
" يقول د. الترابي في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر التقارب الديني السابق: "ولقد جاءت الرسالة المحمدية بالمبادئ الخالدة ألاّ إكراه في الدين " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"اهـ . والعصرانيون يستدلون بهذه الآية لإبطال أمرين هامين هما:
[1] جهاد الطلب: وهو أن يجاهد المسلمون الكفار طالبين منهم الدخول في الإسلام.
[2] إقامة حدّ الردة: فهم لا يرون إقامته إلاّ إذا كان المرتد محارباً شاكاً للسلاح, أما الردة الفكرية البحتة, كما يقول الترابي, فلا حدّ فيها.
يقول راشد الغنوشي في حوار له مع مجلة الشراع اللبنانية في رده على سؤال: ماذا بالنسبة للردة؟
"إن الردة لا تقام عليها الحدود, والحساب عليها يكون في الآخرة... وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حين حارب المرتدين فعل ذلك لانقلابهم السياسي على الإمام وليس لموقفهم العقائدي" [42].
قلت: هذا من المغالطات المردودة فأبو بكر هو القائل: "والله لأُقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة"... "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه".
فلنرجع إلى المراد من قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) فقد وردت فيها أقوال ستة:
[1] إنها منسوخة بآية القتال.
[2] ليست منسوخة وإنما هي خاصة بأهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون, أما أهل الأوثان فيكرهون على الدخول في الإسلام.
[3] إنها نزلت في الأنصار أي لا علاقة لها بأهل الكتاب.
[4] إنها نزلت في رجل من الأنصار بعينه.
[5] إنها نزلت في النهي عن أن تقول لمن أسلم تحت السيف مكرهاً.
[6] إنها نزلت في السبي من أهل الكتاب إذا كانوا كباراً.
وأقرب هذه الأقوال للصواب الثلاثة الأول وقد قال به ابن مسعود وكثير من المفسرين.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: "اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أقوال:
الأول: قيل إنها منسوخة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام ، قاله سليمان بن موسى قال نسختها: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة : 73
وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين.
الثاني: ليست منسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلاّ الإسلام فهم الذين نزل فيهم: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة : 73 هذا قول الشعبي وقتادة والحسن والضحاك,
والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي إن الله بعث محمداً بالحق ، قالت: أنا عجوز كبيرة والموت أقرب إليّ ! فقال عمر: اللهم أشهد وتلا: ( لا إكراه في الدين).
الثالث:ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في الأنصار كانت تكون المرأة مقلاةً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده, فلما أجليت بنو النضير كان فيهم كثير من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) قال أبو داود: المقلاة التي لا يعش لها ولد, وفي رواية: إنما فعلنا ما فعلنا ونحن نرى دينهم أفضل مما نحن عليه أما إذا جاء الله بالإسلام فنكرههم عليه؛ فنزلت: (لا إكراه في الدين) من شاء التحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام وهذا قول سعيد بن جبير والشعبي ومجاهد، إلا أنه قال: كان سبب وجودهم في بني النضير الاسترضاع
قال النحاس: قول ابن عباس في هذه الآيات أولى الأقوال لصحة السند وأن مثله لا يؤخذ بالرأي"
وقال ابن عطية - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: "الدين في هذه الآية المعتقد والملّة بقرينة قوله: (قد تبين الرشد من الغي)والإكراه الذي في الأحكام من الأيمان والبيع والهبات وغير ذلك ليس هذا موضعه وإنما يجئ في تفسير قوله تعالى: (إلاّ من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فإذا تقرر أن الإكراه المنفي هذا هو تفسير المعتقد من الملل والنحل, فاختلف الناس في معنى الآية, فقال الزهري: سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) فقال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين لا يكره أحداً في الدين فأبى المشركون إلاّ أن يقاتلوهم فاستأذن الله في قتالهم فأذن له قال الطبري: والآية منسوخة في هذا القول.
قال: ويلزم على هذا أن الآية مكية وأنها من آيات الموادعة التي نسختها آية السيف.
وقال قتادة والضحاك بن مزاحم: هذه الآية محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صاغرة
قالا: أُمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقاتل العرب أهل الأوثان لا يقبل منهم إلاّ "لا اله إلا الله" أو السيف, ثم أُمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية ونزلت فيهم (لا إكراه في الدين)"
قلت: غاية ما تفيده الآية أن أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد وصغار تركوا على دينهم هذا إن لم يكونوا محاربين للإسلام والمسلمين ، أما إن كانوا محاربين للإسلام معاندين لأهله فلا يقبل منهم إلاّ القتال " اهـ موسوعة الغزو الفكرى والثقافى وأثره على المسلمين لعلى الشحود ج2ص5-8
فتوى :
سؤال رقم 34770- لا إكراه في قبول الإسلام
يقول بعض الزملاء : من لم يدخل الإسلام يعتبر حرا لا يكره على الإسلام ويستدل بقوله تعالى : ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) يونس / 99 ، وقوله تعالى : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة / 256 ، فما رأي سماحتكم في هذا ؟.
الحمد لله :
هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما بين العلماء أنها في حق من تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس ، لا يكرهون ، بل يخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية
وقال آخرون من أهل العلم : إنها كانت في أول الأمر ثم نسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد ، فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده مع القدرة حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها ، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية ؛ لأن إسلامهم فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل ، كما يلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب ، فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب ؛ لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجل إلا إذا كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى أو المجوس ، فهذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يخيرون . فإما أن يدخلوا في الإسلام وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية ، والأرجح أنه لا يلحق بهم غيرهم ، بل هؤلاء الطوائف الثلاث هم الذين يخيرون ؛ لأن الرسول قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام ، قال تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) - التوبة / 5
ولم يقل : أو أدوا الجزية ، فاليهود والنصارى والمجوس
يُطالبون بالإسلام ، فإن أبوا فالجزية ، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم ، إن استطاعوا ذلك ، يقول عز وجل : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) - التوبة / 29 .
ولم يثبت عن النبي أنه أخذ الجزية من المجوس ، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة ، والأصل في هذا قوله تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) الأنفال / 39
وقوله سبحانه : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) - التوبة / 5
وهذه الآية تسمى آية السيف .
وهي وأمثالها هي الناسخة للآيات التي فيها عدم الإكراه على الإسلام " اهـ
والله الموفق .
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 219
فتوى أخرى :
الجمع بين إيجاب حد الردة وآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
أصول الفقه /التعارض والترجيح
التاريخ 1/6/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
وفقاً لحديث متفق على صحته: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" وذكر منها المرتد"، ألا يكون ذلك مناقضاً لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"؟ أرجو بيان وجه التعارض. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيظهر من السؤال أن السائل على معرفة، ويحتاج إلى بيان وتوضيح في الإجابة؛ ولذا سأبسط الجواب وأوضحه له إن شاء الله؛ فأقول:
ليس بين الآية والحديث تعارض - بحمد الله -؛فإن الحديث، وكذا الأحاديث الأخرى التي جاءت في قتل المرتد كحديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه" رواه البخاري(3017) من حديث علي -رضي الله عنه- كلها في من كان مسلماً، وذاق حلاوة الإيمان، ثم ارتدَّ عنه- والعياذ بالله- إلى الكفر مختاراً له ومفضلاً له على الإيمان، وردته هنا وكفره تستلزم تنقصه لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولدينه القويم، فلذا استحق القتل عقوبة له؛ فإن فعله هذا جريمة لا يعدلها جريمة . وقد نقل الإجماع على وجوب قتله ابن قدامة في (المغني9 /16).
كما أن المفسدة التي تترتب على ردة المسلم عن دينه أعظم بكثير من مفسدة بقاء الكافر الأصلي على كفره .
أما الآية وهي قوله تعالى: "لا إكراه في الدين"[البقرة:256]، فهي في الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلام أصلاً، وقد جاء في تفسير هذه الآية قولان للمفسرين:
أحدهما: أنها منسوخة بآيات القتال، - فلا تكون معارضة للحديث - وعلى القول بنسخها فإنه يكره جميع الكفار على الإسلام؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أكره العرب على دين الإسلام، ومن أبى منهم الدخول فيه أو بذل الجزية قاتله - وهذا هو الإكراه -، ومن أدلة هذا أيضاً: قول الله -تعالى-: "ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون"[الفتح: 16]، وقوله تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"[التوبة: 73]، وقوله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار"[التوبة: 123].
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري(3010) عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عجب الله من قومٍ يدخلون الجنة في السلاسل". يعني الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثاق والقيود ثم بعد ذلك يسلمون فيدخلون الجنة وهذا القول ذهب إليه بعض المفسرين.
والقول الثاني: أنها محكمة غير منسوخة، وأنها نزلت في أهل الكتاب خاصة (اليهود والنصارى والمجوس، وهم من تؤخذ منهم الجزية)، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا بذلوا الجزية، وأما المشركون والكفار فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو يقاتلون؛ لأنهم الذين نزل فيهم قوله تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين"[التوبة: 73]، وهذا قول أكثر المفسرين منهم: سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وقتادة والحسن والضحاك، وهو قول عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، فقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- يقول لعجوز نصرانية: أسلمي أيتها العجوز تسلمي؛ إن الله بعث محمداً بالحق، قالت أنا عجوز كبيرة، والموت إلي قريب، فقال عمر-رضي الله عنه-: اللهم اشهد وتلا :" لا إكراه في الدين"[البقرة: 256].
وجاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: أن هذه الآية نزلت فيمن دخل اليهودية من أبناء الأنصار أنهم لا يكرهون على الإسلام . رواه أبو داود في سننه ح (2682) وهذا القول رجحه شيخ المفسرين ابن جرير الطبري .
وقال ابن حزم الظاهري - رحمه الله -: (وأما قول الله -تعالى-: "لا إكراه في الدين"[البقرة: 256]، فلم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها؛ لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه - يعني بالرجوع إلى الإسلام - ... الخ).
وليس قول العلماء هنا بإكراه الكفار يشمل إكراه كل كافر على الدخول في الإسلام، بل المراد الكفار المحاربين الذين وقع بينهم وبين المسلمين قتال، أما من لم يقع بين المسلمين وبينهم قتال فلا يكرهون، وقد نص العلماء على الذمي والمعاهد والمستأمن - وهم كفار - أنهم لا يجوز إكراههم ، قال ابن قدامة في (المغني 9 /30): (الدليل على تحريم الإكراه قوله تعالى: "لا إكراه في الدين"[البقرة: 256]، وأجمع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن لا يجوز نقض عهده، ولا إكراهه على ما لم يلتزمه). والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فائدة :
من الآيات التى يستدل بها أهل الزيغ والضلال على ضلالهم وزيغهم فى الدعوة إلى وحدة الأديان وحرية الاعتقاد وما شابه ذلك قوله تعالى " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون : 6]
وسوف نشير إلى بعض ما جاء فى تفسير هذه الآية لنعرف أن الآية ليس فيها أى دلالة لا من قريب ولا من بعيد إلى ما يذهب إليه أهل الزيغ والضلال من شياطين العلماء
1- معنى سورة الكافرون إجمالا :
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
{ قُل يا أيُّها الكافِرونَ }الآيات ، ذكر محمد بن إسحاق أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد . ونعبد ما تعبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه ، فأنزل الله تعالى { قل يا أيها الكافرون } فصار حرف الأمر في هذه السورة وسورة الإخلاص والمعوذتين متلوّاً ، لأنها نزلت جواباً ، عنى بالكافرين قوماً معينين ، لا جميع الكافرين ، لأن منهم من آمن ، فعبد الله ، ومنهم من مات أو قتل على كفره ، وهم المخاطبون بهذا القول فمنهم المذكورون .
{ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدونَ }يعني من الأوثان .
{ ولا أنتم عابدون ما أَعْبُدُ }يعني الله تعالى وحده ، الآيات .
فإن قيل : ما فائدة هذا التكرار؟
قيل : فيه وجهان : أحدهما : أن قوله في الأول « لا أعبد » و « لا تعبدون » يعني في الحال ، وقوله الثاني : يعني في المستقبل ، قاله الأخفش .
الثاني : أن الأول في قوله « لا أعبد » و « لا أنتم » الآية يعني في المستقبل ، والثاني : إخبار عنه وعنهم في الماضي ، فلم يكن ذلك تكراراً لاختلاف المقصود فيهما .
فإن قيل : فلم قال « ما أَعْبُدُ » ولم يقل « من أَعبُدُ »؟
قيل : لأنه مقابل لقوله : { ولا أنا عابد ما عَبَدْتُم } وهي أصنام وأوثان ، ولا يصلح فيها إلا « ما » دون « من » فحمل الثاني على الأول ليتقابل الكلام ولا يتنافى .
{ لكم دِينكم ولي دينِ }فيه وجهان :
أحدهما : لكم دينكم الذي تعتقدونه من الكفر ، ولي ديني الذي أعتقده من الإسلام ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : لكم جزاء عملكم ، ولي جزاء عملي .
وهذا تهديد منه لهم ، ومعناه وكفى بجزاء عملي ثواباً ، قاله ابن عيسى
قال ابن عباس : ليس في القرآن سورة أشد لغيظ إبليس من هذه السورة ، لأنها توحيد وبراءة من الشرك " اهـ ج4 ص464 النكت والعيون
2- قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –
" هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفارُ قريش.
وقيل: إنهم من جهلهم دَعَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال: { لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } يعني: من الأصنام والأنداد، { وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ }وهو الله وحده لا شريك له. ف "ما" هاهنا بمعنى "من".
ثم قال: { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه؛ ولهذا قال: { وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } أي: لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئًا من تلقاء أنفسكم، كما قال: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } [النجم : 23] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادة
يسلكها إليه، فالرسول وأتباعه يعبدون الله بما شرعه؛ ولهذا كان كلمة الإسلام "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أي: لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله؛ ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } كما قال تعالى: { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس:41] وقال: { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [القصص: 55].
وقال البخاري: يقال: { لَكُمْ دِينَكُمْ } الكفر، { وَلِيَ دِينِ } الإسلام. ولم يقل: "ديني" لأن الآيات بالنون، فحذف الياء، كما قال: { فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء: 78] و { يَشْفِينِ } [الشعراء:80] وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهم الذين قال: { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا } [المائدة: 64] انتهى ما ذكره.
ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد، كقوله: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح: 5 ، 6 ] وكقوله: { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } [التكاثر: 6، 7] وحكاه بعضهم -كابن الجوزي، وغيره-عن ابن قتيبة، فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال: أولها ما ذكرناه أولا. الثاني: ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد: { لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } في الماضي، { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } في المستقبل. الثالث: أن ذلك تأكيد محض.
وثم قول رابع، نصره أبو العباس بن تَيمية في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: { لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ }نفى الفعل لأنها جملة فعلية، { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ } نفى قبوله لذلك بالكلية؛ لأن النفي بالجملة الإسمية آكد فكأنه نفى الفعل، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا. وهو قول حسن أيضا، والله أعلم.
وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى، وبالعكس؛ إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به؛ لأن الأديان -ما عدا الإسلام-كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"" اهـ تفسير ابن كثير ج4ص508-509
قلت : يستفاد مما ذكره ابن كثير – رحمه الله – أن هذه السورة المباركة هى : سورة البراءة من الشرك والمشركين ، وهذا من أصل الدين ، بل لا يكون الإنسان مسلما موحدا إلا إذا تبرأ المسلم من الشرك والمشركين ، وهذا ما يحاول أعداء الله إبطاله وتمييعه وتضييعه ، فلا ولاء ولا براء ، ولا حب ولا بغض فى الله تعالى ، بل هى الأخوة الإنسانية التى يدعو إليها أعداء الله من أصحاب الدعوة إلى وحدة الأديان .
3- قال الإمام القرطبى – رحمه الله –
" قوله تعالى: " لكم دينكم ولي دين" فيه معنى التهديد، وهو كقوله تعالى: " لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " [ القصص: 55 ]
أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا.
وكان هذا قبل الامر بالقتال، فنسخ بآية السيف.
وقيل: السورة كلها منسوخة.
وقيل: ما نسخ منها شئ لانها خبر.
ومعنى " لكم دينكم " أي جزاء دينكم، ولي جزاء ديني.
وسمى دينهم دينا، لانهم اعتقدوه وتولوه.
وقيل: المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي، لان الدين الجزاء.
وفتح الياء من " ولي دين " نافع، والبزي عن ابن كثير باختلاف عنه، وهشام عن ابن عامر، وحفص عن عاصم.
وأثبت الياء في " ديني " في الحالين نصر ابن عاصم وسلام ويعقوب، قالوا: لانها اسم مثل الكاف في دينكم، والتاء في قمت.
الباقون بغير ياء، مثل قوله تعالى: " فهو يهدين " [ الشعراء: 78 ] " فاتقوا الله وأطيعون " [ آل عمران: 50 ] ونحوه، اكتفاء بالكسرة، واتباعا لخط المصحف، فإنه وقع فيه بغير ياء " اهـ تفسير القرطبى ج10 ص229
4- قال أبو حيان – فى البحر المحيط :
" { لكم دينكم ولي دين } : أي لكم شرككم ولي توحيدي ، وهذا غاية في التبرؤ ..... " اهـ ج11ص320
5- قال صاحب الظلال – رحمه الله –
{ قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم ولي دين }سورة الكافرون
نفي بعد نفي . وجزم بعد جزم . وتوكيد بعد توكيد . بكل أساليب النفي والجزم والتوكيد . .
{ قل } . . فهو الأمر الإلهي الحاسم الموحي بأن أمر هذه العقيدة أمر الله وحده . ليس لمحمد فيه شيء . إنما هو الله الآمر الذي لا مرد لأمره ، الحاكم لا راد لحكمه .
{ قل يا أيها الكافرون } . . ناداهم بحقيقتهم ، ووصفهم بصفتهم . . إنهم ليسوا على دين ، وليسوا بمؤمنين وإنما هم كافرون . فلا التقاء إذن بينك وبينهم في طريق . .
وهكذا يوحي مطلع السورة وافتتاح الخطاب ، بحقيقة الانفصال الذي لا يرجى معه اتصال!
{ لا أعبد ما تعبدون } . . فعبادتي غير عبادتكم ، ومعبودي غير معبودكم . .
{ ولا أنتم عابدون ما أعبد }فعبادتكم غير عبادتي ، ومعبودكم غير معبودي .
{ ولا أنا عابد ما عبدتم } . . توكيد للفقرة الأولى في صيغة الجملة الاسمية وهي أدل على ثبات الصفة واستمرارها .
{ ولا أنتم عابدون ما أعبد } . . تكرار لتوكيد الفقرة الثانية . كي لا تبقي مظنة ولا شبهة ، ولا مجال لمظنة أو شبهة بعد هذا التوكيد المكرر بكل وسائل التكرار والتوكيد!
ثم إجمال لحقيقة الافتراق الذي لا التقاء فيه . والاختلاف الذي لا تشابه فيه ، والانفصال الذي لا اتصال فيه ، والتمييز الذي لا اختلاط فيه :
{ لكم دينكم ولي دين } . . أنا هنا وأنتم هناك ، ولا معبر ولا جسر ولا طريق!!!
مفاصلة كاملة شاملة ، وتميز واضح دقيق . .
ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح معالم الاختلاف الجوهري الكامل ، الذي يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق . الاختلاف في جوهر الاعتقاد ، وأصل التصور ، وحقيقة المنهج ، وطبيعة الطريق 0
إن التوحيد منهج ، والشرك منهج آخر . . ولا يلتقيان . . التوحيد منهج يتجه بالإنسان مع الوجود كله إلى الله وحده لا شريك له . ويحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان ، عقيدته وشريعته ، وقيمه وموازينه ، وآدابه وأخلاقه ، وتصوراته كلها عن الحياة وعن الوجود . هذه الجهة التي يتلقى المؤمن عنها هي الله ، الله وحده بلا شريك . ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس . غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية . . وهي تسير . .
وهذه المفاصلة بهذا الوضوح ضرورية للداعية . وضرورية للمدعوين . .
إن تصورات الجاهلية تتلبس بتصورات الإيمان . وبخاصة في الجماعات التي عرفت العقيدة من قبل ثم انحرفت عنها . وهذه الجماعات هي أعصى الجماعات على الإيمان في صورته المجردة من الغبش والالتواء والانحراف . أعصى من الجماعات التي لا تعرف العقيدة أصلاً . ذلك أنها تظن بنفسها الهدى في الوقت الذي تتعقد انحرافاتها وتتلوى! واختلاط عقائدها وأعمالها وخلط الصالح بالفاسد فيها ، قد يغري الداعية نفسه بالأمل في اجتذابها إذا أقر الجانب الصالح وحاول تعديل الجانب الفاسد . . وهذا الإغراء في منتهى الخطورة!
إن الجاهلية جاهلية . والإسلام إسلام . والفارق بينهما بعيد . والسبيل هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته . هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها والهجرة إلى الإسلام بكل ما فيه .
وأول خطوة في الطريق هي تميز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية : تصوراً ومنهجاً وعملاً . الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق . والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام .
لا ترقيع . ولا أنصاف حلول . ولا التقاء في منتصف الطريق . . مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام ، أو ادعت هذا العنوان!
وتميز هذه الصورة في شعور الداعية هو حجر الأساس . شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء . لهم دينهم وله دينه ، لهم طريقهم وله طريقه . لا يملك أن يسايرهم خطوة واحدة في طريقهم . ووظيفته أن يسيرهم في طريقه هو ، بلا مداهنة ولا نزول عن قليل من دينه أو كثير!
وإلا فهي البراءة الكاملة ، والمفاصلة التامة ، والحسم الصريح . . { لكم دينكم ولي دين } . .
وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذه البراءة وهذه المفاصلة وهذا الحسم . . ما أحوجهم إلى الشعور بأنهم ينشئون الإسلام من جديد في بيئة جاهلية منحرفة ، وفي أناس سبق لهم أن عرفوا العقيدة ، ثم طال عليهم الأمد { فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } وأنه ليس هناك أنصاف حلول ، ولا التقاء في منتصف الطريق ، ولا إصلاح عيوب ، ولا ترقيع مناهج . . إنما هي الدعوة إلى الإسلام كالدعوة إليه أول ما كان ، الدعوة بين الجاهلية . والتميز الكامل عن الجاهلية . . { لكم دينكم ولي دين } . . وهذا هو ديني : التوحيد الخالص الذي يتلقى تصوراته وقيمه ، وعقيدته وشريعته . . كلها من الله . . دون شريك . . كلها . . في كل نواحي الحياة والسلوك .
وبغير هذه المفاصلة . سيبقى الغبش وتبقى المداهنة ويبقى اللبس ويبقى الترقيع . . والدعوة إلى الإسلام لا تقوم على هذه الأسس المدخولة الواهنة الضعيفة . إنها لا تقوم إلا على الحسم والصراحة والشجاعة والوضوح . .
وهذا هو طريق الدعوة الأول :{ لكم دينكم ولي دين }اهـ الظلال ج8ص118
6- قال صاحب أضواء البيان –رحمه الله –
" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
هو نظير ما تقدم في سورة يونس { أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] .
وكقوله : { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [ البقرة : 139 ] .
وليس في هذا تقريرهم على دينهم الذي هم عليه ، ولكن من قبيل التهديد والوعيد كقوله : { وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } [ الكهف : 29 ] .
وفي هذه السورة قوله : { قُلْ ياأيها الكافرون } [ الكافرون : 1 ] وصف يكفي بأن عبادتهم وديانتهم كفر .
وقد قال لهم الحق { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [ الكافرون : 2 ] ،لأنها عبادة باطلة . عباد الكفار ، وبعد ذلك إن أبيتم إلا هي ، فلكم دينكم ولي دين .
تنبيه :
في هذه السورة منهج إصلاحي ، وهو عدم قبول ولا صلاحية أنصاف الحلول ، لأن ما عرضوه عليه صلى الله عليه وسلم من المشاركة في العبادة ، يعتبر في مقياس المنطق حلاً وسطاً لاحتمال إصابة الحق في أحد الجانبين ، فجاء الرد حاسماً وزاجراً وبشدة ، لأن فيه أي فيما عرضوه مساواة للباطل بالحق ، وفيه تعليق المشكلة ، وفيه تقرير الباطل ، إن هو وافقهم ولو لحظة .
وقد تعتبر هذه السورة مميزة وفاصلة بين الطرفين ، ونهاية المهادنة ، وبداية المجابهة .
وقد قالوا : إن ذلك بناء على ما أرمه الله به في السورة قبلها { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر } [ الكوثر : 1 ] ، أي وإن كنت وصحبك قلة ، فإن معك الخير الكثير ، ولمجيء قل لما فيها من إشعار بأنك مبلغ عن الله ، وهو الذي ينصرك ، ولذا جاء بعدها حالاً سورة النصر وبعد النصر : تبُّ العدو .
وهذا في غاية الوضوح ، ولله الحمد " اهـ أضواء البيان ج9ص320
7- قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –
هذه السورة هي إحدى سورتي الإخلاص، لأن سورتي الإخلاص {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يقرأ بهما في سُنة الفجر وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف لما تضمنتاه من الإخلاص لله عز وجل، والثناء عليه بالصفات الكاملة في سورة {قل هو الله أحد}. {قل يا أيها الكافرون} يناديهم يعلن لهم بالنداء {يا أيها الكافرون} وهذا يشمل كل كافر سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الشيوعيين أو من غيرهم. كل كافر يجب أن تناديه بقلبك أو بلسانك إن كان حاضراً لتتبرأ منه ومن عبادته {قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد} كُررت الجمل على مرتين مرتين {لا أعبد ما تعبدون} أي: لا أعبد الذين تعبدونهم، وهم الأصنام {ولا أنتم عابدون ما أعبد} وهو الله، و«ما» هنا في قوله: {ما أعبد} بمعنى «من» لأن اسم الموصول إذا عاد إلى الله فإنه يأتي بلفظ «من» {لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد}يعني: أنا لا أعبد أصنامكم وأنتم لا تعبدون الله. {ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد} قد يظن الظان أن هذه مكررة للتوكيد، وليس كذلك لأن الصيغة مختلفة {لا أعبد ما تعبدون} فعل. {ولا أنا عابد ما عبدتم} «عابد» و«عابدون» اسم، والتوكيد لابد أن تكون الجملة الثانية كالأولى. إذاً القول بأنه كرر للتوكيد ضعيف، إذاً لماذا هذا التكرار؟
قال بعض العلماء: {لا أعبد ما تعبدون} أي: الان { ولا أنا عابد ما عبدتم} في المستقبل، فصار {لا أعبد ما تعبدون} أي: في الحال، {ولا أنا عابد ما عبدتم} يعني في المستقبل؛ لأن الفعل المضارع يدل على الحال، واسم الفاعل يدل على الاستقبال. بدليل أنه عمل، واسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان للاستقبال، {لا أعبد ما تعبدون} الآن { ولا أنتم عابدون ما أعبد}يعني الآن. { ولا أنا عابد ما عبدتم} يعني في المستقبل {ولا أنتم عابدون ما أعبد} يعني في المستقبل.
لكن أورد على هذا القول إيراد كيف قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} مع أنهم قد يؤمنون فيعبدون الله؟! وعلى هذا فيكون في هذا القول نوع من الضعف.
وأجابوا عن ذلك بأن قوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} يخاطب المشركين الذين عَلِم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا. فيكون الخطاب ليس عامًّا، وهذا مما يضعف القول بعض الشيء.
فعندنا الان قولان:
الأول: إنها توكيد.
والثاني: إنها في المستقبل.
القول الثالث: {لا أعبد ما تعبدون} أي: لا أعبد الأصنام التي تعبدونها. {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي: لا تعبدون الله. {ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي: في العبادة يعني ليست عبادتي كعبادتكم، ولا عبادتكم كعبادتي، فيكون هذا نفي للفعل لا للمفعول به، يعني ليس نفيًا للمعبود. لكنه نفي للعبادة أي لا أعبد كعبادتكم، ولا تعبدون أنتم كعبادتي، لأن عبادتي خالصة لله، وعبادتكم عبادة شرك.
القول الرابع: واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن قوله {لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} هذا الفعل. فوافق القول الأول في هذه الجملة. {ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي: في القبول، بمعنى ولن أقبل غير عبادتي، ولن أقبل عبادتكم، وأنتم كذلك لن تقبلوا. فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل. والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا، يعني لا أعبده ولا أرضاه، وأنتم كذلك. لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته.
وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء من الهفوات السابقة، فيكون قولاً حسناً جيداً، ومن هنا نأخذ أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر لغير فائدة إطلاقاً، ليس فيه شيء مكرر إلا وله فائدة. لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو، وهو منزه عن ذلك، وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن {فبأي آلاء ربكما تكذبان}وفي سورة المرسلات {ويل يومئذ للمكذبين}تكرار لفائدة عظيمة، وهي أن كل آية مما بين هذه الآية المكررة، فإنها تشمل على نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، ثم إن فيها من الفائدة اللفظية التنبيه للمخاطب حيث يكرر عليه {فبأي آلاء ربكما تكذبان}ويكرر عليه {ويل يومئذ للمكذبين}.
ثم قال عز وجل: {لكم دينكم ولي دين} {لكم دينكم}الذي أنتم عليه وتدينون به. ولي ديني، فأنا برىء من دينكم، وأنتم بريؤون من ديني.
قال بعض أهل العلم: وهذه السورة نزلت قبل فرض الجهاد؛ لأنه بعد الجهاد لا يقر الكافر على دينه إلا بالجزية إن كانوا من أهل الكتاب. وعلى القول الراجح أو من غيرهم.
ولكن الصحيح أنها لا تنافي الأمر بالجهاد حتى نقول إنها منسوخة، بل هي باقية ويجب أن نتبرأ من دين اليهود والنصارى والمشركين، في كل وقت وحين، ولهذا نقر اليهود والنصارى على دينهم بالجزية، ونحن نعبد الله، وهم يعبدون ما يعبدون، فهذه السورة فيها البراءة والتخلي من عبادة غير الله عز وجل، سواء في المعبود أو في نوع الفعل، وفيها الإخلاص لله عز وجل، وأن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له. وإلى هنا ينتهي ما تيسر من الكلام على هذه السورة " اهـ تفسير ابن عثيمين – سورة الكافرون من تفسير جزء " عم "ص352
8- قال الشيخ مصطفى العدوى
الرد على شبهة الإقرار بدين الكفار في قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)
هل في الآية الكريمة: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون:6] بأنهم يقرون على دينهم ولا يعترضون؟ الآية وإن فهم منها ذلك، لكن جاءت آيات أخر بعدها تضيق في ذلك بل تنفيه، قال الله سبحانه وتعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة:29].
وقال تعالى: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [التوبة:1] الآيات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك؛ فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله ).
وقال تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } [التوبة:5] فالمفهوم: إذا لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة؛ فلا تخلوا سبيلهم.
فإن فهم من الآية أن الكفار يقرون على كفرهم ولا يمسون بسوء من دول الإسلام، فهذا مدفوع بما ذكرنا من الآيات.
أما إن قيل: إن معنى الآية الكريمة: أنتم لكم دينكم وجزاء دينكم أو وجزاء عبادتكم، فالدين أحياناً يحمل على الجزاء؛ فإن حمل على أن المعنى لكم دينكم، أي: جزاؤكم على كفركم، ولي جزائي على إيماني، فهو معنى صحيح، وتشهد له آيات متعددة لقوله تعالى: { أَئِنَّا لَمَدِينُونَ } [الصافات:53]، وقوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة:4]، وحديث: ( كما تدين تدان ) إلى غير ذلك.
وإن قيل: { لَكُمْ دِينُكُمْ } [الكافرون:6] أي: لكم عبادتكم وستجازون عليها، ولي عبادتي وسأجازى عليها، وليس فيه تعرض للمعاملات الدنيوية؛ فهو أيضاً له وجه قوي.
والله سبحانه وتعالى أعلم." اهـ تفسير جزء عم ص436-437
9- قال صاحب موسوعة الغزو الفكرى والثقافى وأثره على المسلمي – على الشحود :
" ربما يفهم البعض من هذه الآية إقرار أهل الأديان المخالفة للإسلام على دينهم فهل هذا حقاً هو المراد من الآية؟ أم أن الآية نسخت بالآيات التي أمرت بقتال الكفار؟ أم إنها محكمة باقية الحكم لا نسخ فيها ولا تخصيص لأهل الكتاب؟
دعونا نستمع إلى العلامة ابن القيم رحمه الله يبّين لنا المراد من ذلك, قال رحمه الله في تفسير سورة الكافرون: "قوله (لكم دينكم) مطابق لهذا المعنى: أي لا أشارككم في دينكم ولا أوافقكم عليه بل هو دين تختصون أنتم به لا أشرككم فيه أبداً فطابق آخر السورة أولها فتأمله.
ثم قال: وأما المسألة الحادية عشرة وهي أن هذه الأخبار بأن لهم دينهم وله دينه, هل هو إقرار فيكون منسوخاً أو مخصوصاً؟ أو لا نسخ في الآية ولا تخصيص؟ فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة وقد غلط في السورة خلائق وظنوا أنها منسوخة بآية السيف لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يقرون على دينهم وهم أهل الكتاب، وكلا القولين غلط محض فلا نسخ في السورة ولا تخصيص، بل هي محكمة عمومها نص، وهي من السور التي يستحيل دخول النسخ في مضمونها فإن أحكام التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل يستحيل دخول النسخ فيه وهذه السورة أخلصت التوحيد, ولهذا تسمى سورة الإخلاص كما تقدم، ومنشأ الغلط ظنّهم أن الآية اقتضت إقرارهم على دينهم ثم رأوا أن هذا الإقرار زال بالسيف, فقالوا: منسوخ وقالت طائفة: زال عن بعض الكفار، وهم من لا كتاب لهم فقالوا هذا مخصوص, ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريراً لهم أو إقراراً على دينهم أبداً بل لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه أشد على الإنكار عليهم تعييب دينهم وتقبيحه والنهي عنه والتهديد والوعيد كل وقت وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركوه وشأنه, فأبى إلاّ مضياً على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال إن الآية اقتضت تقريره لهم؟ معاذ الله من هذا الزعم الباطل وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة كما تقدم وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقهم عليه أبداً؛ فإنه دين باطل فهو مختص بكم لا نشرككم فيه ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، فهذه غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم، فأين الإقرار حتى يدعى النسخ أو التخصيص؟ أترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال لكم دينكم ولي دين؟ بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يُطهِر الله منهم عباده وبلاده, وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل سنته وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به، الداعين إلى غير سنته إذا قال لهم خلفاء الرسول وورثته لكم دينكم ولنا ديننا لا يقتضي إقرارهم على بدعتهم بل يقولون لهم هذه براءة منهم وهم مع هذا منتصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب الإمكان" اهـ ج2 ص453-454
والخلاصة :
1- أن سورة الكافرون هى : سورة البراءة من الشرك والمشركين ، وهذا يتنافى مع الدعوة إلى وحدة الأديان
2- أن سورة الكافرون هى : سورة المفاصلة بين الموحدين المؤمنين وبين المشركين الكافرين ، وهذا يتنافى مع الدعوة إلى وحدة الأديان
3ـ أن سورة الكافرون هى : سورة بيان المنهج والطريق ، فللمسلمين الموحدين منهجهم الذى يميزهم عن منهج المشركين والكافرين ، فلا التقاء بينهما مطلقا ،وفى هذا إبطال لهذه الدعوة الخبيثة التى تدعو إلى وحدة وزمالة الأديان
4- سورة الكافرون فيها رفض لكل دين يخالف دين الإسلام ، وليس فيها أى إقرار من أهل الحق لأهل الباطل ، وهذا يبطل هذه الدعوة من أساسها – أى : الدعوة إلى وحدة الأديان
5- سورة الكافرون سورة البراءة من جميع المشركين يستوى فى ذلك وقت الاستضعاف ووقت التمكين بدليل أن هذه السورة مكية نزلت وقت الاستضعاف
الفصل الثانى
حقائق وثوابت:
تبين لنا مما سبق من أقوال المفسرين حول تفسيرهم لقول الله تعالى : )لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( وقول الله تعالى " لكم دينكم ولى دين " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجهاد الكفار كافة حتى يدخلوا في دين الله تعالى , فإن كان الكفار من أهل الكتاب ومن دخل معهم فإن بذلوا الجزية للمسلمين وأقروا بإجراء الأحكام الإسلامية عليهم فإنهم يقرون على دينهم الباطل ولا يقاتلوا .
وإن كان الكفار من أهل الأوثان ومن شابههم من المشركين فإنهم يقاتلوا أبداً أو يدخلوا في الإسلام ظاهراً وباطناً , أو ظاهراً وسرائرهم إلى الله تعالى .
وسوف نذكر بعض التفصيل حول هذه المسألة المهمة التي لم يقع فيها خلاف قط بين علماء المسلمين من السلف ومن سار على هديهم , لأن هذه المسألة من الثوابت في دين الإسلام ومن الحقائق الواضحة البينة في الكتاب والسنة .
هذه المسألة هي :إكراه الكفار على الدخول في الإسلام أو الخضوع لأحكام الإسلام ببذل الجزية.
فائدة :
" الدعوة إلى الإخاء الإنساني والتعايش السلمي دعوة ماسونية يهودية "
وقبل ذكر الأدلة على مسألة إكراه الكافرين على الإسلام أو الخضوع لأحكامه , نشير إشارة مختصرة لبيان أن الدعوة إلى حرية الدين والعقيدة , وحرية الأفكار والآراء والتعايش السلمي , أو ما يسمى بالسلام العالمي , كلها دعوات ماسونية صهيونية خبيثة , تأثر بها تلامذة المستشرقين من المنتسبين للإسلام , فأخذوا يروجون لهذه الدعوات الكفرية التي جاء الإسلام بإبطالها ومحوها , وهذه المبادئ والأفكار تجدها فى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة , التي تدعوا إلى الكفر بكل الأديان , فالغريب والعجيب أن يردد طائفة من المنتسبين إلى العلم لمثل هذا الكفر الواضح عن قصد أو غير قصد .
من مواثيق وبنود هيئة الأمم المتحدة :
1- ( أن غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة ) . اهـ
( أهمية الجهاد للعلياني – ص 445 ) .
ولا شك أن هذه دعوة إلى الكفر والإلحاد وأن كل إنسان له أن يعتقد ما شاء دون أن يتعرض له أحد , وفي ذلك تضييع لفريضة الجهاد من جانب , وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جانب آخر .
2- ( يولد جميع الناس أحراراً ........ وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء ) . اهـ ( أهمية الجهاد – ص 445 ) .
وهذه دعوة إلى مؤاخاة الكفر والملحدين , وأرادوا بذلك تضييع الموالاة في الله والمعاداة في الله , وكذلك تضييع فريضة الجهاد , لأن من غير المعقول أن يقاتل الإنسان من يؤاخيه .
3- ( إن لكل إنسان التمتع بكافة الحقوق والحريات دون أي تمييز كالتمييز بسبب ..... الدين ) .
وهذا مناقض لكلام الله وكلام رسوله e , فالله جل وعلا لم يجعل المسلمين كالمجرمين , ولا الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض .
فالفصل بين الناس إنما يكون على أساس الدين , فأهل الإسلام لهم الرفعة والمكانة والمنزلة , التي ليست لغيرهم .
4- ( لكل فرد أن يغير عقيدته ) . اهـ ( أهمية الجهاد – ص 445 ) .
والمقصود من وراء ذلك التلاعب بالدين , وضياع هيبة وإبطال أحكام الإسلام وحدوده , والدعوة السافرة إلى حرية الاعتقاد .
وعلى العموم فمبادئ الأمم المتحدة وضعت خصيصاً لخدمة الكافرين عامة – واليهود خاصة – وإلا فمن الذي يتحكم في هذه الهيئة أليس الجبابرة الخمسة , الذين لهم الحق الشرعي في إيقاف أي إجراء لا يوافق أهواءهم ومطامعهم العدوانية عن طريق ما يسمى : ( بالفيتو ) أي : حق الاعتراض .
ولكن العجيب كما قلنا أن يقوم البعض من المنتسبين إلى الإسلام بالدعوة إلى مثل هذه المبادئ .
أمثلة واقعية:
المثال الأول : سعد زغلول – وقوله: الدين لله والوطن للجميع :
( لما قامت الثورة المصرية عام 1919 م على المستعمر البريطاني , واشتد أوارها وعجزت بريطانيا عن إخمادها غيرت مندوبها في مصر وأرسلت بدلاً منه اللورد " اللبني " ومكث شهراً يتحرى الأوضاع ثم أرسل برقية إلى وزارة الخارجية البريطانية يقول فيها :
1- الثورة تنبع من الأزهر وهذا أمر له خطورته البالغة .
2- أفرجوا عن سعد زغلول وأرسلوه إلى القاهرة .
وجاء سعد زغلول وقرت به أعين الإنكليز فصرف الثورة من ثورة دينية تنبع من الأزهر وتنادي بجهاد الكفار إلى ثورة وطنية تنادي بتحرير التراب يشترك فيها النصارى المصريون مع المسلمين لمحاربة النصارى الإنكليز , وقال قولته المشهورة " الدين لله والوطن للجميع " .
ومغزى العبارة : أننا غير معنيين بالدين وبنشره فهو لله يتولى نشره والدفاع عنه , أما الوطن فهو لنا جميعاً نحن والأقباط فلنبذل جهادنا لأجل ترابنا لاستنقاذه , يالها من قولة فاجرة , التراب أهم على صاحبها من دينه , إن الدين لله والوطن لله , ولا خير في وطن بلا دين لو كان يعقل الوطنيون .
ثم قال سعد زغلول للمسلمين المصريين : لا تنادوا بشعارات إسلامية لكيلا يغضب إخواننا الأقباط المشاركون لنا في الثورة .... ) . اهـ ( أهمية الجهاد – ص 445 ) .
- فائدة –
ما الفرق بين الحركات الوطنية , وبين الحركات الجهادية ؟
1- الحركات الوطنية تقدم حب الوطن على حب الدين , وحب التراب على حب خالق التراب , أما الحركات الجهادية تقدم حب الدين على حب الوطن , لذلك تجد المسلم يجاهد في أي بلد من بلاد المسلمين , وكذلك الحركات الإسلامية الجهادية تقدم حب الخالق على حب تراب الوطن .
2- الحركات الوطنية تغرس في الجنود حب الفداء للوطن وليس من أجل الدين , وهذا الجهاد الذي هو من أجل الوطن إذا كان هذا هو هدفه , فهو جهاد في سبيل الطاغوت , أما الحركات الإسلامية الجهادية فجهادها من أجل الدين لتكون كلمة الله هي العليا .
) الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ([ النساء : 76 ] .
فمن قاتل لتكون كلمة الوطن هي العليا فقتاله في سبيل الشيطان وميتته جاهلية .
3- الحركات الوطنية نظرتها إلى العدو نظرة خاطئة فهم ينظرون إلى هذا العدو على أنه مستعمر فقط , أما الحركات الجهادية الإسلامية فنظرتها إلى العدو نظرة صائبة , فالعدو في الدرجة الأولى صليبي معاد للدين ولأهله قبل أن يكون مستعمر , فالمجاهدون ينظرون إلى العدو على حقيقته التي هو عليها , أما الوطنيون فلا يعرفون عن العدو إلا أنه مستعمر للأرض .
4- الحركات الوطنية تقبل في صفوفها كل من يرفع شعار الوطنية بغض النظر عن عقيدته وولاءه , فتجد في صفوف الوطنيين من ينتسب إلى الإسلام , ومن ينتسب للنصرانية , ولا مانع من أن يكون في مثل هذه الحركات الشيوعي , والنصيري , والعلماني .
أما الحركات الإسلامية الجهادية فهي لا تقبل في صفوفها إلا أصحاب العقيدة الإسلامية الصحيحة , لأنهم يعلمون أن أول سبب من أسباب النصر التمسك بالعقيدة الصحيحة , وذلك تحت راية إسلامية .
5- الحركات الوطنية دائماً ما يتلاعب بهم الأعداء بإسم المفاوضات والتفاهم مع الأعداء , مع الوعود الكاذبة من الأعداء للوطنيين , والتي غالباً لا يوفي بها الأعداء .
وها هو سعد زغلول الذي تأثر بالأعداء يمدحهم بعد ذلك فيقول : ( الإنجليز خصوم شرفاء ومعقولون ) .
ويقول : ( خسرنا المعاهدة وكسبنا صداقة الإنجليز ) .
أما الحركات الإسلامية الجهادية فهي تعرف خبث ودهاء الأعداء وأن هؤلاء الأعداء لا يردعهم إلا الجهاد في سبيل الله , أما المفاوضات فلا تصب غالباً إلا في صالح الكفار , وأقرب مثال للوطنيين والإسلاميين يتضح من خلال قضية فلسطين , وقضية أفغانستان .
المثال الثاني: من الذين روجوا لأفكار الماسونية العالمية وأثر كثيراً في الناس بعد ذلك , أصحاب المدرسة العقلية الحديثة ابتداء من – جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده .
يقول جمال الدين الأفغاني :
( وجدت بعد كل بحث وتنقيب وإمعان أن أديان التوحيد الثلاثة على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية وإذا نقص في واحد منها شيء من أوامر الخير المطلق استكمله الثاني ...... وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير أن تتحد أهل الأديان الثلاثة مثلما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها وأنه بهذا الاتحاد يكون البشر قد خطا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة وأخذت أضع لنظريتي هذه خططاً وأخط أسطراً وأحبر رسائل للدعوة ..... ) . اهـ ( الولاء والبراء لمحمد سعيد القحطاني – ص346 ) .
فأي كفر أعظم من أن يساوي الأفغاني دين التوحيد بدين التثليث , وهل يظن ظان بعد ذلك أن هناك فريضة اسمها الجهاد في سبيل الله , طالما أن اليهود والنصارى متفقون في أصل دينهم مع المسلمين , ويجب عليهم أن يتحدوا جميعاً وهل يكون هناك شئ بعد ذلك يسمى بغض الكافرين وتكفيرهم ؟
وعلى نفس الخط سار محمد عبده تلميذ الأفغاني , حتى أنه ألف جمعية مقرها بيروت , كان هدفها التقريب بين الأديان السماوية الثلاثة وإزالة الشقاق بين أهلها وإحلال التعاون بدل الفرقة والخصام , وكان أعضاء هذه الجمعية خليط من اليهود والإنكليز
المثال الثالث: من الذين كانوا يدعون إلى التعايش السلمي
الشيخ مصطفى المراغي :
فقد وجه رسالة إلى مؤتمر الأديان العالمي جاء فيها :
( اقتلع الإسلام من قلوب المسلمين جذور الحقد الديني بالنسبة لأتباع الديانات السماوية الأخرى وأقر بوجود زمالة عالمية بين أفراد النوع البشري ولم يمانع أن تتعايش الأديان جنباً إلى جنب ) . اهـ ( أهمية الجهاد – ص 453 ) .
ولا شك أن مثل هذا الكلام مخالف تماما للعقيدة الإسلامية ولكن الرجل يتحدث بلسان الماسونية , ويتحدث بلسان المستشرقين والمستعمرين .
والأمثلة على زبالة أفكار بعض المنتسبين إلى العلم حول هذه المسألة كثيرة وقدمنا بعض ذلك عن مثل الشيخ الغزالي وغيره
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^