الدر والياقوت فى معرفة الطاغوت ـــــ الرأس الثالث من رؤوس الطواغيت







الرأس الثالث من رؤوس الطواغيت :
(( الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله)) :-
والدليل علي ذلك قوله جل وعلا { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة : 44]  
فوائد حول هذه الآية :
1-  الأولي ::- أن منطوق الآية يدل علي أن الحكم بغير ما أنزل الله من نواقض الإسلام في حق من يزاول الحكم والفصل بين الناس .
ومن ذلك تؤخذ هذه القاعدة المهمة ( كل ما كان من نواقض الإسلام فهو شرط صحة فيه"
والآية فيها رد علي الذين يحصرون الكفر في الكفر الإعتقادي دون العملي
2- الثانية ::- يؤخذ من الآية :أن الحكم بغير ما انزل الله كفر أكبر مخرج من الملة، دل علي ذلك لفظ ،، الكافرون ،، لأنه جاء معرفا بالألف واللام
وهذا أحد الوجوه المذكورة في تكفير تارك الصلاة ،لان لفظ الكفر جاء أيضا معرفا فى الحديث " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم 
فائدة ***
"لفظ الكفر المذكور في القرآن الكريم يراد به الكفر الأكبر المحرج من الملة سواء كان نكرة أو معرفا – ولا مانع من دخول الكفر الأصغر تحت ذلك "
مثال ::- قوله تعالي (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )فالمقصود بالكفر هنا الكفر الأكبر ، ولكن ينظر في حال الحاكم بعد ذلك فقد يصرف هذا الكفر الأكبر إلي الأصغر علي حسب حالة الحاكم ،لأن الكفر الأصغر يدخل تحت الكفر الأكبر وليس العكس.
مثال آخر ::- في قوله تعالي  فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف : 110]
فلاشك أن الشرك في العبادة شرك أكبر ، ولا مانع من دخول الشرك الأصغر تحته ، لذلك نجد أن العلماء يستدلون بهذه الآية التي نزلت في الشرك الأكبر علي الشرك الأصغر، وهم يتحدثون عن الرياء .
مثال ثالث ::- في قوله تعالي  وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل : 112]
فالآية يستدل بها العلماء علي كفر النعمة الذي لا يخرج من الملة ،وإن كان الأصل أن الآية تتحدث عن الكفر الأكبر المخرج من الملة ، بدليل أن  الله تعالي ذكر بعد ذلك أن سبب كفر النعمة هو تكذيب المشركين بالنبي صلي الله عليه وسلم وبما جاء به  وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [النحل : 113]
**أما لفظ الكفر المذكور في السنة فالأصل أن المراد به الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة ولا يصرف إلي الكفر الأكبر إلا بقرينة تدل علي ذلك
مثال ::- الحلف بغير الله تعالي ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )حديث حسن رواه احمد
مثال آخر ::- (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر،قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟  قال الرياء ) وهوة حديث حسن في السنن
3- الفائدة الثالثة :- دلت الآية علي عموم كفر كل من لم يحكم بما انزل الله
فالآية إذن ليست في اليهود خاصة وإنما في كل من فعل مثل فعلهم ،وكذلك الآية  ليست خاصة في الحاكم الذي رأس النظام وإنما هي عامة في كل من يحكم بغير ما انزل الله ،كالقاضي الذي يحكم بين الناس في القضايا ، لأن هذا القاضي هو الذي يباشر الحكم بين الناس مباشرة ،فهو أولي بالحكم ،وكذلك كل من علي شاكلته .
4-  الفائدة الرابعة ::-أن التكفير حكم شرعي لا يؤخذ إلا من الكتاب أو السنة ، وبالتالي فلا مجال للعقل والاجتهاد في مثل هذا الأمر ، فالكافر من حكم الله بكفره ،وبالتالي فلا نمنع حكماً أطلقة الله تعالي ولكن مع الضوابط الشرعية اللازمة لذلك الحالات التي يصير بها الحاكم بغير ما انزل الله كافراً كفراً اكبر :-
الحالة الأولي :- أن يتعمد الحكم بغير ما أنزل الله تعالي ، وتتمثل هذه الحالة في الإعراض عن حكم الكتاب والسنة إلي الحكم بالقوانين الوضعية
الحالة الثانية :- من قصر علي المحاكم أن تحكم بغير ما أنزل الله تعالي
الحالة الثالثة :- ومن قام بإلغاء الشريعة وقصرها علي الأحوال الشخصية فقط ،أما بقية المنازعات والخصومات فيحكم فيها بالقانون
حالات مستثناة من هذا الأصل  
* الحالة الأولي :- من حكم بغير ما أنزل الله بسبب اجتهاد أو خطأ في اجتهاده ،وهو أهل لاجتهاده ،فهذا مأجور ومغفور له خطؤه
مثال :-القاضي المسلم الذي يحكم في قضية ما ،ولم يكن فيها نص صريح أو غاب عنه الدليل ،فاجتهد في الحكم في هذه القضية وحكم فيها بخلاف الحق فهذا لاشيء عليه .
مثال آخر :-تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله ، الذي يقع من الفقهاء بسبب اجتهادهم ، فهم مأجورون علي اجتهادهم وإن أخطأوا لكونهم لم يتعمدوا أن يحلوا ما حرم الله ،أو العكس
الحالة الثانية :- من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه مخالف ،ولكن حكم به لهوي في نفسه أو لطمع في مال أو رشوه ، وهو يعتقد أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله ،فهذا مذنب عاص وصاحب كبيرة وهو الذي يقال في حقه (كفر دون كفر)
فائدة :-
في الفرق بين الحاكم الجائر المغير لحكم الله ،وبين الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله تعالي .
أولا :::-يفترقا في شيء واضح وهو أن الحاكم الجائر المغير لحكم الله تعالي هو الذي يسن ويشرع القوانين ،وإن لم يحكم بها ويباشرها بنفسه فلجنة التشريع وأساتذة القانون الوضعي يقومون بهذا التشريع ووضعه للحكم به ،وإن لم يحكموا هم به ، أما الذي يحكم بغير ما أنزل الله ،،فهو الذي يباشر الفصل والحكم بين الناس بما وضع له من القوانين : كحال القضاة في المحاكم
ثانياً  :::-أن كلاهما بمعني واحد : لان الذي يحكم بغير ما أنزل الله فقد غير حكم الله تعالي ،ومن غير حكم الله فهو جائر لأن العدل لا يكون إلا في حكم الله تعالي
فائدة تتعلق بالتشريع :-
التشريع المتعلق بدين الله تعالي في جميع مجالاته علمنا أنه لا يجوز مطلقا ومن أقدم علي ذلك كان طاغوتا
أما تشريع الحاكم المسلم فيما يتعلق بالأمور الدنيوية التنظيمية التي لا نص فيها فهذا أمر لاشيء فيه ،بل إن الإسلام يحث عليه ويأمر به
مثال :- إصدار قوانين خاصة بالمرور وقوانين الشركات والجوازات وما شابه ذلك ، ما لم يحل حراما أو يحرم حلالاً


·       أصول وضوابط لفهم مسألة الحكم بغير ما أنزل الله

الأصل الأول: 
ارتباط مسألة الكفر والتكفير بمسألة الإيمان :-

لا يمكن للمسلم فهم الكفر ومسائله إلا إذا كان قد فهم الإيمان ومسائلة من خلال  الاعتقاد الصحيح ،والخطأ في مسألة الإيمان يترتب عليه الخطأ في مسألة الكفر ،فلما أخطأ الخوارج وضلوا في مسألة الإيمان ترتب علي ذلك ضلالهم في مسألة الكفر ،وكذلك فعلت المرجئة .
[القاعدة عن أهل السنة والجماعة وعليها الإجماع (الكفر قول وعمل واعتقاد ) كما أن الإيمان ( قول وعمل واعتقاد )
وكذلك الكفر يزيد وينقص كما إن الإيمان يزيد وينقص وكذلك الكفر ذو أصل وشعب كما أن الإيمان ذو أصل وشعب ]
والشاهد :أن الكفر يكون بالعمل كما يكون بالقول والاعتقاد ،في مقابل الإيمان تماما ،والخطأ الذي وقع فيه بعض العلماء ترتب عليه الفهم الخاطيء لمسألة ((الحكم بغير ما أنزل الله )) هو:اعتقادهم إن العمل بالنسبة للإيمان إنما هو شرط كمال.
وبالتالي ترتب علي ذلك : حصر الكفر في الجحود والاستحلال ، والتكذيب وبناءا علي ذلك قالوا إن الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله تعالي لا يكفر إلا إذا كان مستحلا أو جاحدا أو مكذبا لحكم الله تعالي ،أما الحكم بغير ما أنزل الله وإن كان استبدال وتغير لشرع الله فليس كفرا في ذاته ،وهذا الفهم مردود بصريح القرآن الذي حكم علي من يحكم بغير ما أنزل الله بالكفر,,
َ"مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة : 44] 
الأصل الثاني:- 
الحكم بما أنزل الله تعالي من مسائل التوحيد 
وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه ،فإن الحكم بما أنزل الله تعالي يدخل في توحيد الربوبية ،ويدخل في توحيد الألوهية ،ويدخل في توحيد الأسماء والصفات وكذلك يدخل في مسائل الإيمان كما سوف نوضحه ولكن اعتقاد بعض العلماء أن الحكم بما أنزل الله تعالي من واجبات الدين من تركه كان تاركا للواجب مستحق للوعيد ، الشأن في ذلك شأن مرتكب الكبيرة ، وإن سمي كافرا ، فكفره أصغر لا يخرجه من الملة ،والأمر ليس كذلك فالتوحيد واجب وكذلك الإيمان واجب ، ولكن هل من ترك التوحيد والإيمان يكون مرتكبا للكبيرة أم يكون كافرا ؟
الجواب معلوم ،وكذلك الحكم بما أنزل الله واجب ولكن من تركه إعراض عنه وحكم بغير ما أنزل الله، كان تاركا لبعض جوانب التوحيد وبالتالي يكون كافرا لتلازم أنواع التوحيد كما هو معلوم
الأصل الثالث : 
الأصل في خطاب الكتاب والسنة العموم حتى يرد الخصوص :

وهذه مسألة لا خلاف عليها عند أهل السنة والجماعة فغالب الخطاب في القرآن والسنة مثلا للرجال ،والنساء يدخلن في ذلك بدون شك ، حتى يرد تخصيص للنساء بشيء ، وكذلك مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، حتى يرد تخصيص ، فلا يقال كما يقول البعض أن هذه الآية {َمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة : 44]نزلت في اليهود ، أو غير المسلمين لأنها عامة ، وكما هو معلوم أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب .
الأصل الرابع :
تحكيم الإسلام في واقع الأنام
أن من أعظم مميزات القرآن الكريم أنه نزل ليخاطب الناس أجمعين إلي يوم الدين ، فليس القرآن مجرد نظريات فلسفية أو وسائل كلامية لا صلة له بواقع الناس ،بل القران الكريم هو الحكم بين الناس أجمعين واليه يرد ما تنازع الناس فيه
{ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء : 59] 
وعليه فالعلماء الذين يتحدثون مثلا في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله من الناحية النظرية من الكتاب والسنة ، دون ربط ذلك بالواقع ،ودون النظر إلي هؤلاء الحكام وأحوالهم وما يقومون به في واقع الأمة ، لا يمكن لهم أن يفهموا المسألة علي وجهها الصحيح.
ألا يكفي أن نعرف أن هؤلاء الحكام في واقعنا مع حكمهم بغير ما أنزل الله وقيامهم بالتشريع – إلي غير ذلك – يقومون بحرب كل من يطالب أو يسعى أو يدعوا إلي تحكيم شرع الله وحكمه ،فهذا محرم في القانون عندهم ويعتبرونه خروج عن سيادة الدولة التي تبنت فصل الدين عن الدولة  فمن لم يفهم واقع الحكام مع واقع الأمة لا يمكن له بحال من الأحوال أن يفهم مسألة الحاكمية ، وغيرها من مسائل الكفر والتكفير .
قال تعالي  {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل : 36]    

الرأس الرابع من رؤوس الطواغيت :-
الكاهن الذي يدعي علم الغيب
لاشك أن من ادعي الغيب من دون الله تعالي أنه طاغوت لأنه وصف نفسه ببعض خصائص الرب سبحانه وتعالي ،وسوف نذكر الأسباب التي جعلت الكاهن طاغوتا كافرا ،ولكن لابد أولا من التعريف بمن هو الكاهن :
تعريف الكاهن :
ملخص ما ذكره صاحب معارج القبول في ذلك :
(الكاهن في الأصل هو من يأتيه الرئي من الشياطين المسترقة للسمع تتنزل عليهم كما قال الله تعالي { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)}الشعراء)
وهذه الآيات متعلقة بما قبلها ،وهي قوله عز وجل لما قال المشركون في رسوله محمد صلي الله عليه وسلم أنه كاهن وقالوا في القرآن كهانة ، وأنه مما يلقيه الشيطان ،فنفي الله تعالي ذلك وبرأ رسوله وكتابه مما أفكوه وافتروه ..         قال تعالي  وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) إلى قول الله تعالى " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) الشعراء
ما يستفاد من الآيات :-
[1]- أثبت تعالي أن القرآن كلامه وتنزيله  وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
[2]- وأن جبريل عليه السلام رسول منه بلغ كلامه إلي الرسول البشري محمد صلي الله عليه وسلم وهو مبلغ له إلي الناس  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ()عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ () بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ () }
[3]- ثم نفي ما افتراه المشركون عليه فقال { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ  }
وقرر انتفاء ذلك بثلاثة أمور :-
الأول :- بعد الشياطين وأعمالهم عن القرآن ، وبعده وبعد مقاصده منهم فقال تعالي  وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ }
لأن الشياطين مقاصدها الفساد والكفر والمعاصي والبغي والعقوق والتمرد وغير ذلك من القبائح ،والقرآن آت بصلاح الدنيا والآخرة ،أمر بأصول الإيمان وشرائعه ، مقرر لها مرغب فيها ،زاجر للكفر والمعاصي ذام لها متوعد عليها آمر بالمعروف ناه عن المنكر – فأين هذا من مقاصد الشياطين
الثاني ::- عجزهم عنه ،فقال تعالي  وما يستطيعون }أي :لو ينبغي لهم ما استطاعوه .لأنه كلام رب العالمين ،ليس يشبه كلام شيء من المخلوقين وليس في وسعهم الإتيان به ولا بسورة من مثله قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء : 88]
الثالث :::- عزلهم عن السمع وطردهم عن مقاعده التي كانوا يقعدون من السماء قبل نزول القرآن فقال تعالي  إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } فبين تعالي – مع كونه لا ينبغي لهم –أنه لو انبغي ما استطاعوا الإتيان به أو بمثله لا من عند أنفسهم ولا نقلا عن غيرهم من الملائكة .
نفي عنهم الأول بعدم الاستطاعة ، والثاني بعزلهم عن السمع وطردهم منه قال تعالي { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }إلي قوله تعالي  وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ * }  وقال تعالي  إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } وقال تعالي  وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ  } وقال تعالي عن مؤمني الجن  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا () وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدً}
وفي صحيح البخاري قالت عائشة رشي الله عنها : سأل ناس النبي صلي الله عليه وسلم عن الكهان : فقال : ( إنهم ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله إنهم يحدثون بشيء يكون حقا ،فقال النبي صلي الله عليه وسلم  :تلك الكلمة من الحق يخطفها الجن فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج فيخلطون معها أكثر من مائة كذبه ،
[4]- وقد بين الله تعالي كذب الكاهن بقوله (أفاك أثيم ) فسماه أفاكاً وذلك مبالغة في وصفه بالكذب ، وسماه أيضاً أثيماً ،وذلك مبالغة في وصفة بالفجور،وقوله "وأكثرهم كاذبون" أي أكثر ما يقولون الكذب فلا يفهم منه أن فيهم صادقاً ،يفسره قول النبي صلي الله عليه وسلم ( فيكذب معها مائة كذبة ) فلا يكون صدقاً إلا الكلمة التي سمعت من السماء أ هـ من شرح معارج القبول ج3 صـ 713-716 تحقيق محمد صبحي حسن حلاق
تعريف عام للكاهن :
قال صاحب المعارج (ثم اعلم أن الكاهن إن كان أصله ما ذكرنا فهو عام في كل من ادعي معرفة المغيبات ولو بغيره .
1]- كالرجل الذي يخط الأرض أو غيرها .
2]- والمنجم الذي قدمنا ذكره (وهو الذي له رئي من الشياطين )
3]- أو الطارق بالحصى وغيرهم ،ممن يتكلم في معرفة الأمور الغائبة ،كالدلالة علي المسروق ومكان الضالة ونحوها .
4]- أو المستقبلة كمجئ المطر أو رجوع الغائب أو هبوب الريح ونحو ذلك مما استأثر الله عز وجل بعلمه فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا عن طريق الوحي كما قال تعالي " عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) الجن
فمن ذا الذي يدعي علم ما استأثر الله بعلمه عن رسوله من الملائكة  والبشر ،كما قال تعالي عن نوح عليه السلام   وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ [هود : 31]
وقال تعالي  قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ [الأحقاف : 23]
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم  قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام : 50] وقال تعالي  قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 188]
وقال تعالي عن الملائكة  وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة : 31] قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة : 32] البقرة
وفي صحيح مسلم : أن حبراً من أحبار اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مسائل فأجابه صلي الله عليه وسلم وصدقه الحبر ثم انصرف فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به]
وقال تعالي  وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى : 52]
وقال تعالي  تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود : 49]  
وقال تعالي  قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [يونس : 16]
  وقال تعالي  وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء : 113]أهـ  باختصار من معارج القبول جـ3 صـ718-720
أسباب كفر الكاهن ووصفه بالطاغوت :-
[1]- الوجه الأول :أن الكاهن من أولياء الشيطان ، والشيطان لايوحي إلا لمن تولاه – قال تعالي  وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام : 121]
فالكاهن وصل إلي هذه المنزلة لنزول الشياطين إليه فأصبح ولياً لهم وخادماً لأغراضهم وأهدافهم
[2] – الوجه الثاني :-أن الشيطان لايتولي إلا الكفار ، والكفار أيضاً يتولون الشيطان – قال الله تعالي  َالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 257]
[3]- الوجه الثالث :- تسميته طاغوتاً – قال الله تعالي  يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 60]
نزلت هذه الآية من المتحاكمين في كاهن جهينة ففي أسباب النزول : أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضي بين اليهود فتنافر إليه ناس من المسلمين ،، وهو مرسل صحيح الإسناد
والشاهد:: أن الله تعالي  سمي الكاهن طاغوتا ،وهو عام في الطاغوت وفي غيره مما يتحاكم الناس إليه
[4]- الوجه الرابع :-وهو أعظم هذه الوجوه وأخطرها : تشبهه بالله عز وجل في صفاته ، ومنازعته له تعالي في ربوبيته ،فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله تعالي بها دون من سواه ، فلا سمي له ،ولا يُضاهي ولا يُشارك فى صفة من صفاته قال تعالي  وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام : 59]
وقوله تعالي  قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل : 65] 
[5] – الوجه الخامس :-الذي يدل علي كفر الكاهن : أن دعواه تلك  تتضمن التكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله .
[6] – الوجه السادس :-أن النصوص ثابتة في كفر من سأل الكاهن وصدقه بما يقول ،فكيف به هو فيما ادعاه
فقد روى الأربعة والحاكم وقال صحيح علي شرطها – وهو كما قالا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ من أتي عرافاً أو كاهناً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل علي محمد صلي الله عليه وسلم ]
وثبت عند البزار بإسناد جيد ، وذكره الهيثمي في مجموع الزوائد ،وأخرجه الطبراني في الأوسط .. والحديث صحيح بشواهد عن عمران بن حصين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :- [ ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له ،أو سحر أو سحر له ومن أتي كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل علي محمد صلي الله عليه وسلم ]
وروى مسلم عن بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم  أنه قال [من أتى عرافاً فسأله شئ لم يقبل له صلاة أربعين ليلة]
فهذا حكم من سأله مطلقاً ،والأول حكم من سـأله وصدقه بما قال والفرق بين الكاهن وبين من سـأله وصدقه ،كالفرق بيم الشيطان وبين من عبد الشيطان .








الرأس الخامس من رؤوس الطواغيت وهو:
 الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة
والدليل علي ذلك قوله جل وعلا  وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء : 29]
وهذا في حق الملائكة الأبرار ومن المعلوم أنهم معصومون من الذنوب والمعاصي فضلا عن الكفر والشرك
والمقصود :- أن ذلك علي سبيل الفرض لو وقع من الملائكة لكفروا وكانوا من أهل النار ،ففي حق غيرهم أولي .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله أي : مع الله فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} أي :كل من قال ذلك وهذا شرط والشرط لا يلزم وقوعه ،كقوله  قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } وقوله  لئن لأشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين } أ هـ تفسير ابن كثير جـ3 صـ 197 .
وسياق الآيات يدل علي أن المقصود بهذه المقالة هم الملائكة ،ثم بعد ذلك فهو عام في كل من يقول مثل هذه المقالة :-
قال تعالي  وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) الأنبياء
أصناف الناس حول هذه الرأس من رؤوس الطواغيت :-
هذا الرأس من رؤوس الطواغيت يعد من أوسع وأشمل هذه الرؤوس لأنه يدخل تحته أصناف كثيرة من الطواغيت ، وذلك لكثرة المعبودات الباطلة التي تعبد من دون الله تعالي ونشير إلي صنفين من الناس وذلك باختصار شديد .
[1]- الصنف الأول :- صنف المشرعين من البشر .
وهم الذين يضعون القوانين والأحكام المخالفة لحكم الله وشرعه ، يستوي في ذلك أن يكون المشرع حاكما أو لجنة من اللجان التي يقوم عليها مجموعة من الناس ، أو بعض رجال القانون الوضعي ، بل منهم من يصرح أن هذه  القوانين إنما يضعونها بإرادتهم وبرضاهم ، بل منهم من يصرح أن هذه القوانين هي الملائمة للعصر الحاضر ،فلا شك في طغيان هذا الصنف من الناس كما سبق بيانه .
[2]- الصنف الثاني : - وهم الذين يدعون إلي عبادة أنفسهم:
إما تصريحاً كالشيطان الذي جعل من نفسه نداً لله تعالي فدعا إلي عبادة نفسه ، أو عبادة غير الله تعالي ، وكذلك حال فرعون لعنه الله تعالي الذي نسب الألوهية إلي نفسه وكان يدعوا إلي عبادة نفسه ،وكذلك أرباب الطرق الصوفية القائلين بالحلول والاتحاد ، ومنهم من يصرح أنه يأخذ عن الله تعالي مباشرة ،فيقول حدثني قلبي عن ربي ،ويقول إنكم تأخذون علمكم عن ميت ، أما نحن فنأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت ،وكان بعضهم يوصي أصحابه ومريديه أنه إذا مات واحتاجوا إلي  شيء من جلب نفع أو دفع ضر أن يجيئوا إلي قبره ويستغيثوا به فيلبي لهم ما أرادوا.
وصنف منهم لاينكر علي من صرف إليه عبادة من العبادات بل ويقره علي ذلك ويظهر الرضا ، فهؤلاء وأشباههم لاشك أنهم من كبائر الطواغيت















الفصل الثالث
(أنواع الطواغيت)
هذه المسألة من مهمات المسائل التي تحتاج إلي فهم دقيق لما يترتب عليها بعد ذلك من معرفة كيفية الكفر بالطاغوت أو ما يسمي : صفة الكفر بالطاغوت
والطواغيت تنقسم من حيث وجودها إلي قسمين :
[1]- الأول :- الطواغيت العاقلة التي لها عقل .
[2]- الثاني :- الطواغيت غير العاقلة – التي لا عقل لها .
أولا :- النوع الأول : الطواغيت العاقلة .
والمقصود بهذا النوع : كل من عبد من دون الله تعالي وهو راض بالعبادة سواء كان من الجن أو الإنس ومن المعلوم أن العوالم العاقلة ثلاثة هي : -
1-عالم الملائكة    2- عالم الجن والشياطين  3- عالم الإنس
قيد وشرط ::-
ولابد في هذا الموضع من قيد واحتراز ينبه عليه العلماء دائما وهو ((راض بالعبادة)) ليخرج بذلك كل من عبد من دون الله  ولم يرض بالعبادة من دون الله تعالي كالملائكة والأنبياء والصالحين .
·       أمثلة :-
·       عبادة المشركين للملائكة .
كان فريق من المشركين يعبدون الملائكة ،ويقولون عنهم أنهم بنات الله – تعالي الله عن قولهم علوا كبيرا .
قال تعالي   وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مؤمنون (41)
فالملائكة لا تعرف ولا تعلم بعبادة المشركين لها – هذا من جانب – ومن جانب آخر – فإن الملائكة تتبرأ ممن عبدها من دون الله تعالي .
يقول الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية :-
" يخبر تعالى أنه يقرع المشركين يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيسأل الملائكة الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورة الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى، فيقول للملائكة: { أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } ؟ أي: أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ كما قال في سورة الفرقان: { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ } [الفرقان: 17] ، وكما يقول لعيسى: { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [المائدة: 116]. وهكذا تقول الملائكة: { سُبْحَانَكَ } أي: تعاليتَ وتقدست عن أن يكون معك إله { أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ } أي: نحن عبيدك ونبرأ إليك من هؤلاء، { بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } يعنون: الشياطين؛ لأنهم هم الذين  يزينون لهم عبادة الأوثان ويضلونهم ، { أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } ، كما قال تعالى: { إِنْ يَدْعُونَ (3) مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ (4) إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا } [النساء: 117]أهــ  تفسير ابن كثير جـ3 صـ259
2-المثال الثاني ::- عبادة فريق من المشركين للجن .
ذكر الله تعالي في القرآن الكريم أن فريقاً من المشركين كانوا يعبدون الجن علي الرغم من إسلام الجن بعد ذلك .
قال تعالي   أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء : 57]
سبب نزول الآية : -
روي البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان ناس من الإنس يعبدون ناس من الجن ، فأسلم الجنيون واستمسك الآخرون بعبادتهم – فأنزل الله تعالي  قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً (56) أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (57) الإسراء
وإن كانت هذه الآية لها سبب نزول إلا أنها عامه ، فالعبرة }بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب كما هو معلوم .
والشاهد من الآية وسبب نزولها :-  أن هؤلاء الجن الذين عبدهم الإنس أسلموا لله فهم يتقربون إلي الله تعالي لحاجتهم وفقرهم إلي ربهم وفي نفس الوقت فهم يتبرؤون ممن فعل ذلك .
وهذا ينطبق علي كل من دعي وهو داع كعيسي ابن مريم عليه السلام والملائكة والأولياء والصالحين – ويخرج عن ذلك المعبودات الأخرى مثل الأحجار والأشجار.
( فائدة )
حول قوله تعالي أولئك الذين يدعون} فقوله يدعون}يتضمن أمرين :-
الأول :- دعاء مسألة – كمن يدعوا علياً أو غيره من الصالحين عند الوقوع في الشدائد ، ومثل الذين يدعون النبي صلي الله عليه وسلم ، ويقول قائلهم ::-
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به               .:.   سواك عند حلول الحادث العمم
الثاني :- دعاء عبادة ، كمن يتذلل لهم بالتقرب ،والنذر ، والركوع والسجود وكلا النوعين وقع من أكثر الناس خاصة عباد القبور
3-المثال الثالث :  عبادة المشركين لبعض الأنبياء : -
وأقرب مثال علي ذلك :ما وقع من النصارى في حق عيسى عليه السلام فقد أخبر الله عز وجل عن عيسى السلام أنه يتبرأ ممن عبده يوم القيامة – قال تعالي  وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)المائدة
والشاهد : أن عيسى عليه السلام يتبرأ ممن عبده من دون الله تعالي وبين أنه ما أمرهم إلا بما أمر الله تعالي من توحيد المعبود جل وعلا .
والخلاصة :::-
أن الصالحين من الملائكة والأنبياء والأولياء ،إنما يأمرون بعبادة الله وحده ، وينهون عن الشرك بكل صورة وأشكاله ، ويتبرؤون من المشركين سواء كانوا يعبدونهم ، أو يعبدون غيرهم .
فإن الله تعالي يأمر بالإيمان والتوحيد ، وينهي عن الكفر والشرك قال تعالي  مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80)آل عمران 
فائدة ::::-
اجتماع العذاب علي العابد والمعبود :-
قد أخبر الله تعالي أن العابد والمعبود كلاهما وقود النار – إلا من استثناهم الله تعالي من الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين الذين لا يرضون أن يعبدون من دون الله تعالي
قال الله تعالي  إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)الأنبياء   
والمقصود : أن هذا حكم عام يتناول كل من عبد غير الله تعالي يكون مع عابده في النار ،ولكن يستثني من ذلك : الملائكة والأنبياء والصالحين – لذلك قال الله تعالي بعد ذلك بآيات :
  إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
توضيح المسألة للشيخ حافظ حكمي – رحمه الله
قال :- ثم اعلم أن ماعبد من دون الله إما عاقل أو غير عاقل ،فالعاقل كالآدمي والملائكة والجن ،وينقسمون إلي قسمين :
راض بالعبادة له ،وغير راض بها –
فالأول :- كفرعون وإبليس وغيرهما من الطواغيت ،وهؤلاء في النار مع عابديهم – كما قال الله عز وجل  إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ   وقال تعالي في شأن إبليس  لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ   وقال في شأن فرعون  يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود : 98] وقال تعالي   وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ  وقال تعالي  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ  أهـ معارج القبول ج2ص486
·       إذا فالعابد والمعبود جميعاً حكمهما واحد في الدنيا والآخرة :-
هذه الآيات المتقدمة وغيرها كثيرة تدل علي أن العابد والمعبود حكمهما واحد في الدنيا والآخرة ،فكما اجتمعوا علي الكفر والشرك في الدنيا ، فكذلك يجتمعون في النار ،ومن كان منهم مقدما في الكفر إماماً من أئمة الكفر فهو كذلك في النار يتقدمهم ، والجزاء من جنس العمل .
قال تعالي  sQoos وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
ففرعون وأتباعه جميعهم في النار ،ولكن فرعون يتقدمهم إلي النار وهم خلفه
، لكونه كان مقدماً عليهم في الكفر في الدنيا .
وهذا هو حال الدعاة الذين يدعون إلي الكفر ، فيصير لهم أتباع فيدخلون جميعاً النار ، مع تقدم الدعاة علي الأتباع ،فالدعاة هم الذين يقذفون أتباعهم إلي النار ،كما في حديث حذيفة الثابت في الصحيح ،((دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها))
وهذا ينطبق علي كل من يدعوا إلي الكفر والشرك من أمثال الأحزاب الكفرية المناوئة لحزب الله تعالي
*النوع الثاني الطواغيت غير العاقلة
يدخل في ذلك كل ماعبد من دون الله مما لا عقل له مثل الأحجار والأشجار وبعض الحيوانات – إلي غير ذلك وهذا الصنف يدخل تحت قوله تعالي  إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
فهذه الآية تشتمل على ذكر النوعين من الطواغيت  العاقلة والغير عاقلة.
·       تعذيب العابد بمعبوده في النار
/ - فمن عبد صليب عذب به ،كحال النصارى الضلال
ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد في الشفاعة بطوله ،وفيه [ينادي مناد ليذهب كل قوم إلي ماكانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ،وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ]
// - ومن عبد الحجارة عذب بها أيضاً قال تعالي   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم : 6  وقوله تعالي فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة : 24] 
قوله تعالي  وقودها الناس والحجارة  فيه قولان للعلماء :
الأول : المراد بالحجارة: حجارة الكبريت وهي أشد الأحجار حراً إذا حميت – أجارنا الله منها ..
الثاني :- المراد بها حجارة الأصنام والأنداد التى كانت تعبد من دون الله .
/// - ومن عبد الدرهم والدينار عذب به .
قال تعالي  وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
////- اجتماع الطواغيت مع أتباعهم في جهنم .
في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه – وفيه – (( يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول :من كان يعبد شيئاً فليتبعه ،فيتبع من كان يعبد الشمس -الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر – القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت –الطواغيت  ))الحديث
وفي حديث الصور الطويل عند البخاري [ ألا ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون من دون الله ، فلا يبقي أحد من دون الله إلا مثلث  له آلهته بين يديه ويجعل يومئذ ملك من الملائكة علي صورة عزير ويجعل ملك علي صورة عيسى بن مريم ، ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى ثم قادتهم آلهتهم إلي النار] وهذا الذي يقول تعالي  لو كان هؤلاء آلهة ماوردوها وكل فيها خالدون
قال الشيخ حافظ حكمي في معارج القبول :-
قلت :وقوله (( يمثل لهم أشباه ماكانوا يعبدون)) الخ ، هذا في مثل عيسى وعزير ،وأما عبدة الطاغوت فتقودهم طواغيتهم حقيقة لا أشباها ، كما صرح به الكتاب والسنة " أ هـ جـ3 صـ 607 طبعة حسن حلاق







الفصل الرابع
صفة الكفر بالطاغوت
قبل الحديث عن صفة الكفر بالطاغوت ،لابد من الإشارة إلي مقدمتين وكلا  المقدمتين تساعد علي فهم هذه المسألة
·       المقدمة الأولي :- الأمر بالكفر بالطاغوت :-
ورد الأمر بالكفر بالطاغوت في موضعين في القرآن الكريم .
1-  الموضع الأول : في سورة البقرة في قوله تعالي [فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256] 
الفوائد المتعلقة بهذه الآية :
الأولي :- شرط وجود الإسلام متوقف علي الكفر بالطاغوت والإيمان بالله – دل على ذلك ((من)) الشرطية في الآية وجواب الشرط في قوله تعالي  فقد استمسك بالعروة الوثقى   فالمستمسك بالعروة الوثقى هو الذي كفر بالطاغوت وآمن بالله تعالي .
الثانية :- الحكمة في تقديم الكفر بالطاغوت علي الإيمان بالله هو أن التخلية تكون قبل التحلية – فالطاغوت بشتى صوره وأشكاله ظلمات بعضها فوق بعض – والإيمان بالله تعالى نور علي نور فلكي يسكن هذا النور في قلب العبد لابد من إخراج هذه الظلمات قال تعالي في وصف كتابه العزيز الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم : 1] وكذلك بعثت الرسل من أجل إخراج الناس من الظلمات إلي النور، فقد بين الله تعالي سبب بعثة موسي عليه السلام بقوله تعالى  وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم : 5]    
وكذلك بين الله تعالي أنه أنزل الآيات البينات علي رسوله من أجل هذا الهدف ،فقال تعالي  هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحديد : 9] 
فلكي يتحلى المرء بالإيمان والتوحيد ،لابد أن يتخلي عن الكفر والشرك لأنهما يجتمعان أبداً في قلب إنسان ،فالمسلم الذي يريد أن يعيش الإسلام واقعا ،ويؤمن بالله تعالي حالاً ،لكي يصل إلي رضوان الله وجنته مآلاً ، لابد أن ينخلع أولاً من كل مظاهر الشرك والكفر وهذا هو حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين ،عندما أرادوا أن يؤمنوا بالله ، خلعوا ربقة الجاهلية علي عتبة الإسلام
الثالثة :- الكفر بالطاغوت يكون بالقول والفعل والاعتقاد كما أن الإيمان يكون بالقول والفعل والاعتقاد وسيأتي تفضيل ذلك عند الحديث عن صفة الكفر بالطاغوت .
الرابعة :- في تفسير العروة الوثقى
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله  في تفسيره :-
[*]- قال مجاهد : العروة الوثقى يعني : الإيمان
[**] وقال السدي :هو الإسلام    [***]- وقال سعيد بن جبير والضحاك : يعني لا اله إلا الله   [****] – وعن أنس بن مالك : العروة الوثقى : القرآن ،وكل هذه الأقوال صحيحة ،ولا تنافي بينهما ،، أهـ عمدة التفسير جـ1 صـ166
وذكر الإمام الآلوسي رحمه الله هذه الأقوال وزاد عليها قولان هما :-
1-الاعتقاد الحق    2- السبب الموصل إلي رضا الله تعالي   3- أو العهد .
الخامسة :- المسائل الاعتقادية في هذه الآية :-
[*]- إثبات أنواع التوحيد الثلاثة إجمالا في قوله تعالي { ويؤمن بالله} لأن الإيمان بالله تعالي يتضمن الإيمان به جل وعلا في الربوبية ، وفي الألوهية ،وفي الأسماء والصفات  .
[**]- إثبات بعض أسماء الله الحسني وبعض صفاته العليا ففيها إثبات اسم السميع والعليم ،ويشتق من هاتين الصفتين ،فعلين من أفعال الله تبارك وتعالي ،الفعل الأول يسمع ،والثاني يعلم
والقاعدة :- يشتق من أسماء الله تبارك وتعالي صفات وبابها واسع ويشتق من الصفات أفعال وبابها أوسع ولا يشتق من الصفات أسماء
[***] إثبات الولاء والبراء ،بالبراءة من كل الطواغيت {فمن يكفر بالطاغوت } والولاء لله عز وجل {ويؤمن بالله}
السادسة :- الكفر بالطاغوت ركن من أركان التوحيد ،فلا وجود للتوحيد إلا بركنيه  - الكفر بالطاغوت والإيمان بالله
كما في صحيح مسلم (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه علي الله عز وجل.)
الموضع الثاني::::-
في سورة النساء في قوله تبارك وتعالي أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 60] 
*- الفوائد المتعلقة بهذه الآية :-
*- الأولي :- أن المظهرين للإيمان ينقسمون إلي قسمين :
الأول : وهم المحققين للإيمان ظاهراً وباطناً ، يدل علي ذلك كل آية في القرآن أثبتت الإيمان للمؤمنين – مثل قوله تعالي  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)الأنفال
وقولهتعالي  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات : 15
القسم الثاني :- وهم الزاعمين للإيمان المدعين له ،دون القيام به وتحقيقه ،وهذا الصنف هم الذين ينفي ربنا تبارك وتعالي عنهم الإيمان  وما أولئك بالمؤمنين
 ألم ترى إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا  والله يشهد إن المنافقين لكاذبون  وهذا الصنف المعروف بصنف المنافقين ,يعاملوا في الدنيا معاملة المسلمين ،وفي الآخرة تحت الكافرين في الدرك الأسفل من النار
الفائدة الثانية :- التحاكم إلي الطاغوت يدل علي عدم وجود الإيمان الحقيقي ، بل لا يخرج عن كونه زعماً وادعاءاً لأن التحاكم إلي الطاغوت يتنافى مع الإيمان بالله رب العالمين .
الفائدة الثالثة :- الأمر بالكفر بالطاغوت  وقد أمروا أن يكفروا به   فالكفر بالطاغوت إذاً شرط صحة في وجود الإيمان .
الفائدة الرابعة :- أن الشيطان لعنه الله هو الذييسعى دائماً إلى ضلال وإضلال الناس "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً" .
اشتمال هذه الجملة علي ثلاثة أوصاف مهمة وهي :-
1-التحاكم إلي الطاغوت مما يريده الشيطان ويأمر به الناس
2-التحاكم إلى الطاغوت ضلال .
3-  التحاكم إلى الطاغوت وصف بأنه بعد عن سبيل الحق والهدى
· المقدمة الثانية : - الكفر بالطاغوت إجمالا وتفصيلاً :-
هذه المسألة من المسائل المهمة التي ينبغي فهمها فهماً صحيحاً  ، حتى لا يقع المسلم في الإفراط أوالتفريط .
·       ضابط المسألة :-
كما أن الإيمان يكون إجمالاً وتفصيلاً ،فكذلك أنه علي العبد أن يؤمن بالله تعالي إيمانا عاماً مجملاً ،فكذلك يجب عليه أن يكفر بالطاغوت علي سبيل الإجمال والعموم .
أولاً :- الكفر بالطاغوت علي سبيل الإجمال والعموم .
فالإيمان العام المجمل الذي يجعل العبد في عداد المؤمنين :- هو الإيمان بأركان الإيمان الستة إيمانا عاما مجملا :-
مثال : ركن الإيمان باليوم الأخر : - يجب علي المسلم أن يؤمن بيوم القيامة وبما فيه من الحساب ثم ما يعقب ذلك من الثواب والعقاب بدخول الجنة للطائعين ، ودخول النار للعاصين ،والجهل بصفة حشر الناس ،ومافي يوم القيامة من أهوال وشدائد –إلي غير ذلك – إنما ينقص من الإيمان مع عدم زواله ،لأنه لايستوى من كان هذا حاله مع العالم بتفاصيل مافي يوم القيامة ومافي الجنة والنار ولكن يجب علي المسلم أن يؤمن علي وجه التفصيل بكل ماجاء تفصيلاً وسمعه وثبت ثبوتا صحيحاً  .
مثال : ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن الموت يذبح يوم القيامة
روي البخاري ومسلم وأحمد في المسند واللفظ له .
عن أبي سعيد قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم [ إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ،يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ،فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال : فيقال :يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيؤمر به فيذبح ،قال :ويقال :يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ،، ثم قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم " وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [مريم : 39]  وأشار بيده ثم قال :وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون"
فمن وصله هذا الحديث وسمعه وجب الإيمان به علي وجه التفصيل وهكذا يقال في كل أركان الإيمان .
كذلك الكفر بالطاغوت: الأصل فيه أن تكفر بكل الطواغيت كفراً عاماً مجملاً ،بمعني :أن الطواغيت أينما كانت وأينما حلت فنحن نكفر بها – وهذا يكفي لإثبات صفة الإسلام للمسلم مع إيمانه بالله تعالي إيمانا عاماً مجملاً 
ثانياً : - الكفر بالطاغوت علي سبيل التفصيل :-
بمعني وجوب الكفر بكل من ثبت أنه طاغوت ،ولكن مع اعتبارين في غاية الأهمية
الاعتبار الأول :-
وهو الكفر بالطواغيت المعلومة لكل الناس العالم منهم والجاهل – كالشيطان ،وفرعون وغيرهم لأن إثبات طغيان هؤلاء من المعلوم من الدين بالضرورة عند كل أحد .
مثال :- مسيلمة الكذاب – أو الأسود العنسي .
فمن ثبت لديه طغيان هؤلاء وجب عليه الكفر بهما تفصيلا وإلا فالمسلم يكفر بهم فى الجملة .
مثال واقعي : طغيان سلمان رشدي
وسبب طغيانه أنه كتب كتاباً اشتهر باسم آيات شيطانية ،، تطاول فيه علي الرب جل وعلا وعلي كتابه وعلي نبيه صلي الله عليه وسلم ،فمن وصل إلي سمعه حال هذا الطاغوت وجب عليه أن يكفر به تعييناً ، ومن لم يصل إليه حال هذا الطاغوت ،لايضره ذلك لأنه يكفر به علي سبيل الإجمال والعموم .
كيفية الكفر بالطاغوت :-
أما صفة الكفر بالطاغوت فتنحصر في عدة نقاط رئيسية
الأولي :- اعتقاد بطلان العبادة التي تصرف لغير الله تعالي مع اجتناب المسلم لذلك مطلقاً
والسبب في ذلك : أن العبادة وضعت في غير موضعها ، فالعبادة حق خالص لله تعالي ،فإذا صرفت لغير الله تعالي كانت باطلة يستوي في ذلك أن تقدم العبادة لملك أو رسول أو صالح من الصالحين أو حجر من الأحجار – إلي غير ذلك .
الثانية :- تكفير هذا الطاغوت تعييناً إن كان معلوماً ،وإجمالا إن لم يكن معلوم :
مثال :علمنا أن القاضي الفلاني يباشر الحكم والفصل بين الناس بغير ما أنزل الله ،فهذا يكفر تعيينا علي من علمه ووقف علي حاله ، أما علي الجملة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله فهم طواغيت كفار ، وهذا مثال يقاس عليه غيره .
الثالثة : البراء من هذا الطاغوت – والتبرؤ بمعني التخلي  ،أي علي المسلم أن يتخلي تماما  عما يعبد من دون الله تعالي والبراءة تشتمل علي أمرين
1- البراءة من المعبود الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة
2-البراءة من العابد الذي صرف العبادة ووضعها في غير موضعها
مثال :- رجل أو طائفة من الناس اجتمعوا علي عبادة قبر من القبور فيترتب علي ذلك أمور :
1-اعتقاد بطلان العبادة  التي صرفت لغير الله
2-تكفير المعبود الذي يعبد من دون الله والبراءة منه إن كان راضياً بذلك
3-تكفير العابد أو العابدين لهذا القبر والبراءة منهم
الرابعة :- إظهار العداوة والبغضاء من المسلم للعابد والمعبود والعداوة تكون بالأفعال ،والبغضاء تكون بالقلوب .
ماسبق إنما هو في حق الطاغوت العاقل أما الطاغوت الذي لا يعقل ،فيقال فيه ماسبق باستثناء شيء واحد وهو عدم تكفيره لأن من المحال أن نقول عن الشجرة التي تعبد من دون الله أنها كافرة ، أو نكفر الشمس والقمر .
فالصنم الذي يعبد من دون الله ،إنما أطلق عليه أنه طاغوت ،ولكن لا يطلق عليه لفظ الكفر ،لأنه غير عاقل ،وهكذا يقال في كل ماعبد من دون الله من الأشياء غير العاقلة
الدليل علي ماذكرناه – قوله تعالي  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ  [الممتحنة : 4]
تنزيل على الواقع :
فائدة في ذكر بعض الأمثلة على الطواغيت المعاصرة:
المثال الأول: العلمانية،الكفر بها يكون بـ:
1- اعتقاد بطلان السير على هذا المنهج الكفري.
2- تركها.
3- بغض هذه الفكرة والجهر بعداوتها.
4- بغض العلمانيين.
5-تكفير العلمانيين.
المثال الثاني:الديمقراطية،الكفر بها يكون بـ:
1- اعتقاد بطلانها.
2- تركها (ترك الدخول في البرلمانات والمجالس التشريعية في الدول الديمقراطية الكافرة).
3- بغضها.
4- بغض الديمقراطيين.
5- تكفير الديمقراطيين
المثال لثالث :الحاكم بغير ما أنزل الله،الكفر به يكون بـ:
1-اعتقاد بطلان ولايته وطاعته.
2-ترك طاعته والخروج عليه.
3-بغضه.
4- تكفيره.
5- بغض وزراءه وجنده.
6- تكفير وزراءه وجنده." اهـ شرح الحقائق2 لأبى مارية القرشى ص9
الخلاصة : صور الكفر بالطاغوت :
1- تكفير الطاغوت وبيان كفره " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون : 1]
2- المفاصلة والتمايز عن منهج الطواغيت ودينهم " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" الكافرون (6)
3- معادتهم وبغضهم والتبرؤ منهم ومما يعبدون من دون الله " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة : 4]
قال ابن القيم – رحمه الله " لما نهى الله المؤمنين عن موالاة الكافرين اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان فى كل حال " بدائع الفوائد ج3ص97
4-  ويكون الكفر بالطاغوت أيضا :باجتنابهم واعتزالهم وعدم مخالطتهم " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ [الزمر : 17]
5-ويكون أيضا بالقسوة والغلظة فى التعامل والشدة والعداوة والبغضاء ، ولن يجدوا من مؤمن رحمة ولا رأفة
6- ومن لوازم الكفر بالطاغوت انتفاء موالاتهم ، أو الركون إليهم ، أو التعاون معهم – كما قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة : 1]
وقال تعالى " وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة : 81]
قال ابن عقيل – رحمه الله ( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفراً.. وعاشوا سنين ، وعظمت قبورهم ، واشتريت تصانيفهم ، وهذا يدل على برودة الدين في القلب ))اهـ الدرر السنية ج8ص238
7- ويكون أيضا : بجهادهم وقتالهم وتطهير الأرض منهم عند توفر القدرة – قال تعالى " الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء : 76]
والطواغيت أئمة الكفر وقد أمرنا الله بقتالهم " فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة : 12]
8- ومن لوازم الكفر بالطاغوت : ترك التحاكم إلى الطواغيت وعدم تحكيم قوانينهم الوضعية الكفرية والبراءة ممن شرعوها من دون الله من تحليل الحرام وتحريم الحلال ورفض ذلك كليا ، فلا إيمان لمن تحاكم إلى الطاغوت أو رضى بحكمه أو حكم به ، فإن الحكم لا يكون إلا لله " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف : 40]  
فلا يصح الإيمان إلا بالتحاكم لشرع الله وترك ما سواه " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 60]
قاعدة ::- الاستثناء في البراءة والتكفير :
هذه القاعدة من المسائل المهمة التي جاءت واضحة في القرآن الكريم ورغم وضوحها وظهورها قد يخطئ فيها البعض ولو بدون قصد
إن الله تعالي أمرنا في كتابه العزيز أن نتبرأ من المشركين ومن معبوداتهم وكذلك جاء الأمر بتكفير من يستحق التكفير ، ولكن مع الاستثناء والمقصود بالاستثناء في البراءة والتكفير هو استثناء المعبود بحق سبحانه وتعالي ، ذلك أن المشركين يعبدون الله تعالي ويعبدون معه غيره – فإذا أردنا أن نتبرأ من معبوداتهم وجب أن نستثني المعبود بحق – كما جاء ذلك في القرآن في مواضع مقيدا بهذا الاستثناء
قال الله تعالي  وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ الزخرف (27)
 فلم يتبرأ إبراهيم عليه السلام مما يعبده المشركون مطلقاً حتى لا يدخل المعبود بحق في ذلك ،فجاء الاستثناء إلا الذي فطرني
[2]- قال الله تعالي  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [الممتحنة : 4]
فانظر كيف تبرأ إبراهيم عليه السلام ومن كان معه من المؤمنين من المشركين ومن معبوداتهم – ثم استثني المعبود بحق فقال  ومما تعبدون من دون الله  وذلك لأنهم يعبدون الله لكنهم يشركون معه آلهة أخري .
[3]- وكذلك عند إظهار العداوة للمشركين وآلهتهم لابد من استثناء المعبود بحق من هذه العداوة
قال تعالي  فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [الشعراء : 77]
فتبرأ إبراهيم عليه السلام من المشركين ومن آلهتهم وأخبر أنهم عدو له ، ثماستثني الرب الجليل من ذلك ،لأنه المعبود بحق  أفرأيتم ما كنتم تعبدوه أنتم وآبائكم الأقدمون فإنهم  عدو لي إلا رب العالمين.
[4]- كذلك جاء هذا الاستثناء في اعتزال المشركين واعتزال معبوداتهم وذلك في أكثر من موضع في كتاب الله تعالي .
قال تعالي وهو يحدث عن فتية أصحاب الكهف وما كان منهم :-  قال تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً [الكهف : 16]   .
قام أهل الكهف باعتزال المشركين وما يعبدون ولكنهم استثنوا الله تعالي لأنه المعبود بحق ، الذي من أجله اعتزلوا المشركين واعتزلوا معبوداتهم الباطلة التي أشركوها مع الواحد الأحد
وهذا المعني جاء في موضع آخر ، عن إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام فقد قام باعتزال قومه المشركين واعتزال آلهتهم التي يعبدونها ،وإنه استثني من ذلك الإله الحق المبين سبحانه وتعالي


                                                       والحمد لله رب العالمين


0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^