التفسير المبين لقول رب العالمين ( لا اكراه فى الدين ) ــــ الفصل الثالث والرابع
الفصل الثالث
الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية إكراه الكافرين على الدخول في الإسلام والخضوع لأحكامه
الدليل الأول : قوله تعالى : ) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا( . [ الفتح : 16 ] .
قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله – في تفسيره ( زاد المسير ) :
( .... وفي هؤلاء القوم ستة أقوال :
أحدها : أنهم فارس ــ رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس , وبه قال عطاء ابن أبي رباح وعطاء الخراساني وابن أبي ليلى وابن جريج في آخرين .
والثاني : فارس والروم ــ قاله الحسن ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثالث : أنهم أهل الأوثان ــ رواه ليث عن مجاهد.
والرابع : أنهم الروم ــ قاله كعب .
والخامس : أنهم هوازن وغطفان وذلك يوم حنين ــ قاله سعيد بن جبير وقتادة .
والسادس : بنو حنيفة يوم اليمامة وهم أصحاب مسيلمة الكذاب ــ قاله الزهري وابن السائب ومقاتل ، قال مقاتل: خلافة أبي بكر في هذه بينة مؤكدة .
وقال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعي أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم .
وقال بعض أهل العلم لا يجوز أن تكون هذه الآية إلا في العرب لقوله : )تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ( وفارس والروم إنما يقاتلون حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية ) . اهـ من ( زاد المسير – ج7 – ص431 –432 ) .
قلت : واضح من تفسير الآية أنه لا بد من قتال الكفار سواء كانوا من أهل الكتاب أو من أهل الأوثان , ولكن الفرق بينهما أن أهل الكتاب يقاتلوا لكي يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .
أما أهل الأوثان فيقاتلوا أبداً ولا يقبل منهم إلا الإسلام , ولا فرق في ذلك بين من دخل الإسلام مكرهاً , أو دخل الإسلام طواعية .
وقال الإمام أبو بكر ابن العربي في ( أحكام القرآن ) :
المسألة الثالثة : أن الذي تعين عليه القتال حتى يسلم من غير قبول جزية هم العرب في أصح الأقوال والمرتدون , فأما فارس والروم فلا يقاتلون حتى يسلموا , بل إن بذلوا الجزية قبلت منهم ) . اهـ ( جـ 4 – ص 1705) .
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :
الثالثة : قوله تعالى : ) تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (
هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية , وهو معطوف على (تُقَاتِلُونَهُم ) أي يكون أحد الأمرين : إما المقاتلة , وإما الإسلام لا ثالث لهما , وفي حرف أبي ( أَوْ يُسْلِمُونَ ) بمعنى : حتى يسلموا.
وقال الزجاج : قال ( َأوْ يُسْلِمُونَ ) لأن المعنى : أو هم يسلمون من غير قتال وهذا في قتال المشركين لا في أهل الكتاب ) . اهـ ( تفسير القرطبي – جـ 16 – ص272 , 273 ) .
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :
قوله تعالى : ) تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (
يعني : شرع لكم جهادهم وقتالهم فلا يزال ذلك مستمراً عليهم ولكم النصرة عليهم أو يسلمون فيدخلون في دينكم بلا قتال بل باختيار ) اهـ ( ج4 –ص227 ) .
قلت :واضح من كلام المفسرين لهذه الآية : أن الجهاد في سبيل الله شرع لإجبار الناس على الدخول في الإسلام أو بذل الجزية لأهل الإسلام , وغالباً ما كان الناس يدخلون الإسلام إلا باختيارهم باستثناء بعض الطوائف التي سوف نشير إلى بعضها كالمنافقين .
والآية فيها رد واضح جلي على أصحاب : حرية الاعتقاد وحرية الرأي , أو زمالة الأديان , فلماذا أمر الله بقتال أهل الكتاب وغيرهم وهم يدينون بدين , أو بعقائد لماذا لم يتركهم بما يدينون لأنه ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ( ؟
الدليل الثاني : قوله تعالى : ) قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ( . [ التوبة : 29 ] .
وقال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله في ( أحكام القرآن ) :
المسألة الأولى : أمر بمقاتلة جميع الكفار , فإنهم كلهم قد أطبق على هذا الوصف من الكفر بالله , وباليوم الآخر , وقد قال في أول السورة : )فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ( وقد قدمنا القول فيه , وقال تعالى : ) جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ( , وقال سبحانه : ) قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ( .
والكفر وإن كان أنواعاً متعددة مذكورة في القرآن والسنة بألفاظ متفرقة , فإن اسم الكفر يجمعها , قال الله سبحانه : ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ([ الحج : 17 ] .
وخص النبي صلى الله عليه وسلم المعنى المقصود بالبيان فقال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) . الحديث في الصحيحين
وهو المقصود الأعظم والغاية القصوى ) . اهـ ( جـ 2 – ص917 ) .
ثم قال في المسألة الثانية : ( )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة : 123]
نص في تحقيق الكفر , وذلك أن نقول : الكفر والإيمان أصلان في ترتيب الأحكام عليهما في الدين , وهما في وضع اللغة معلومان ..... ) . (جـ 2 – ص917 ) .
وقال في المسألة الثالثة : ) مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب َ(
وفي ذكرهم ها هنا ثلاثة أقوال :
الأول : أنهم كانوا أمروا بقتال المشركين , فأمروا أيضاً بقتال أهل الكتاب مع المشركين لما فيه من الحق من ذكر الرسول وغيره , وكان تخصيصاً لما تناوله اللفظ العام على معنى التأكيد
الثاني : أن قوله : ) مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب َ( تأكيد للحجة , فإن المشركين من عبدة الأوثان لم تكن عندهم مقدمة عن التوحيد والنبوة وشريعة الإسلام , فجاءهم الأمر كله فجأة على جهالة فأما أهل الكتاب فقد كانوا عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل , وخصوصاً ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وملته وأمته , فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة وعظمت منهم الجريمة , فنبه على محلهم بذلك .
الثالث : أن تخصيصهم بالذكر إنما كان لأجل قوله تعالى بعد ذلك : ) حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ َ( , والذين يختصون بفرض الجزية عليهم هم أهل الكتاب دون غيرهم من صنف الكفار , وهذا صحيح على أحد الأقوال على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ) . ( جـ2 – ص919 ,920 ) .
وقال في المسألة السابعة : في محل الجزية أربعة أقوال :
الأول : أنها تقبل من أهل الكتاب عرباً كانوا أو غيرهم .
الثاني : قال ابن القاسم : إذا رضيت الأمم كلها بالجزية قبلت منهم .
الثالث : قال ابن الماجشون : لا تقبل .
الرابع : قال ابن وهب : لا تقبل من مجوس العرب , وتقبل من غيرهم .
وجه من قال : أنها تقبل من أهل الكتاب عرباً كانوا أو غيرهم , تخصيص الله بذكر أهل الكتاب .
وأما من قال : أنها تقبل من الأمم كلها , فللحديث الصحيح في كتاب مسلم وغيره .
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا : وقال : " اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتهم ما أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم أنهم إذا فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا واختاروا ديارهم فأعلموهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يغزوا مع المسلمين ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم " .
وذكرنا في الحديث في البخاري وغيره من الصحاح أن عمر رضى الله عنه توقف في أخذ الجزية من المجوس حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر .
ووجه قول ابن وهب : أنه ليس في العرب مجوس , لأن جميعهم أسلم , فمن وجد منهم بخلاف الإسلام فهو مرتد , يقتل بكل حال إن لم يسلم , ولا يقبل منه جزية , والصحيح قبولها من كل أمة وفي كل حال عند الدعاء إليها والإجابة بها ) . اهـ ( جـ2 – ص921 , 922 ) .
قلت : وما رجحه ابن العربي – رحمه الله – تبعاً للإمام مالك ليس هو الراجح كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى .
وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية
( فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف.
قال أبو الوفاء بن عقيل : إن قوله " قاتلوا " أمر بالعقوبة , ثم قال الذين " لا يؤمنون بالله " فبين الذنب الذي توجبه العقوبة ، ثم قال " ولا باليوم الآخر" فأكد الذنب في جانب الاعتقاد ، ثم قال " ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله " فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال , ثم قال : " ولا يدينون دين الحق " فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام , ثم قال : " من الذين أوتوا الكتاب " تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل , ثم قال : " حتى يعطوا الجزية " فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة ) .اهـ
ثم قال الإمام الشوكاني :
( وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب .
وقال الأوزاعي ومالك : إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان .
ويدخل في أهل الكتاب على القول الأول المجوس قال ابن المنذر لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم . ) اهـ ( جـ2 – ص350 , 351 ) .
قلت: والراجح هو قول الجمهور القائل أن الجزية إنما تؤخذ من أهل الكتاب لا من غيرهم بدليل النصوصية المذكورة في الآية ) مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب َ( , وبدليل قوله تعالى : )تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (,ففريق يقاتل أبداً أو يدخلوا في الإسلام , والفريق الآخر وهم أهل الكتاب إن بذلوا الجزية لا يقاتلوا ولا يكرهوا على الإسلام , بل نقرهم على دينهم الباطل .
الآية الثالثة :
قوله تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ َ( . [ البقرة : 193 ] .
قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :
) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ َ( قال ابن عباس والحسن
ومجاهد وقتادة في آخرين : الفتنة هاهنا الشرك.
قوله تعالى : ) وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ َ( قال ابن عباس : أي يخلص له التوحيد , والعدوان : الظلم , وأريد به هاهنا الجزاء فسمي الجزاء عدوانا مقابلة للشيء بمثله , كقوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه " والظالمون هاهنا المشركون قاله عكرمة و قتادة في آخرين ) . اهـ ( زاد المسير – جـ1 – ص200 ) .
وقال الإمام صديق حسن خان عند تفسير هذه الآية :
) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ َ(
قال : ( فيه الأمر بمقاتلة المشركين ولو في الحرم وإن لم يبتدئوكم بالقتال فيه إلى غاية هي أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين لله : وهو الدخول في الإسلام والخروج عن سائر الأديان المخالفة له , فمن دخل الإسلام وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله .
قيل : المراد بالفتنة هنا : الشرك , والظاهر أنها الفتنة في الدين – على العموم – كما سلف .
والمراد لا تعتدوا إلا على من ظلم وهو من لم ينته عن الفتنة ولم يدخل في الإسلام , وإنما سمى جزاء الظالمين عدواناً مشاكلة , كقوله تعالى : " وجزاء سيئة سيئة مثلها " , وقوله :) فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ َ( . اهـ من ( نيل المرام من تفسير آيات الأحكام ) . ص42
قول الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله – في تفسير هذه الآية :
) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ َ(
قال : ( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم , حتى لا تكون فتنة يعني : حتى لا يكون شرك بالله , وحتى لا يعبد دونه أحد وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد , وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان .................
قال ابن زيد في قوله : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ َ( قال : حتى لا يكون كفر , وقرأ )تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ( .
قال ابن جرير : وأما الدين الذي ذكره الله في هذا الموضع فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه .....
عن الربيع : ) وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ َ( يقول : حتى لا يعبد إلا الله وذلك لا إله إلا الله عليه قاتل النبي e وإليه دعا .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " .رواه البخاري ومسلم
ثم قال : القول في تأويل قوله تعالى : )فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ َ(يعني تعالى ذكره بقوله : " فَإِنِ انْتَهَوْا " فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم , ودخلوا في ملتكم وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان , فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم فإنه لا ينبغي أن يعتدى إلا على الظالمين وهم المشركون بالله , والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم ) . اهـ ( تفسير ابن جرير الطبري – جـ 2 – ص194 ) .
والآيات التي تدل على قتال الكفار حتى يدخلوا في الإسلام كثيرة , نكتفي بهذه المواضع التي ذكرناها , وقبل أن نذكر بعض الدلائل من سنة النبي e وسيرة أصحابه من بعده , نذكر أمرين مهمين من هذه الأمور التي تدل على إكراه المشركين حتى يدخلوا في هذا الدين .
الأمر الأول : ما يتعلق بالمنافقين .
فإن المنافقين إنما دخلوا في الإسلام ظاهراً مع كفرهم في الباطن لأجل أن يحقنوا دمائهم ويحفظوا أموالهم , ولو كان يسعهم أن يظلوا على كفرهم وشركهم وعقيدتهم الباطلة مع عصمة أموالهم ودمائهم لما دخلوا في الإسلام , ولكنهم دخلوا مكرهين لعلمهم أنهم إن لم يدخلوا في الإسلام فسوف يقاتلون ويصبحوا مباحو الدم والمال , فهؤلاء المنافقين خضعوا لأحكام الإسلام ظاهراً , مكرهين حتى لا يؤخذوا بسيف الجهاد في سبيل الله . بل إن الله تعالى أمر بقتال المنافقين إذا أظهروا نفاقهم .
قال تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ َ( .[ التوبة : 73 ] .
وهذه الآية الكريمة لم تفرق بين جهاد الكفار وجهاد المنافقين فدل ذلك على أن المنافقين إذا عرفوا يجاهدوا بالسيف كالكفار وهذا هو قول بعض الصحابة ؛ منهم : عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وعلى بن أبي طالب رضى الله عنه .
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :
( وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود من أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره به من جهاد المشركين ) . اهـ ( تفسير الطبري – جـ6 – ص127 ) .
وقال الحافظ بن كثير - رحمه الله - عند تفسير هذه الآية :
) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ َ( .[ التوبة : 73 ]
( أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف سيف للمشركين : فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ، وسيف لكفار أهل الكتاب : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وسيف للمنافقين : جاهد الكفار والمنافقين . وسيف للبغاة : فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ، وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق وهو اختيار ابن جرير.. )
وذهب ابن عباس إلى أن جهاد المنافقين يكون باللسان , وذهب الضحاك إلى أن جهاد المنافقين الإغلاظ لهم في الكلام , وذهب الحسن وقتادة على أن مجاهدة المنافقين بإقامة الحدود عليهم , وقال الحافظ ابن كثير تعقيباً على هذه الأقوال : (وقد يقال أنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذ بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال ) . اهـ ( تفسير ابن كثير – جـ4- ص 119 ) .
فائدة
لماذا لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين مع علمه ببعضهم ؟
اختلف العلماء – رحمهم الله – حول السبب الذي لأجله ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاد المنافقين في عهده بالسيف :
ذكر الإمام القرطبي – رحمه الله – في ذلك أربعة أقوال :
الأول : قال بعض العلماء إنما لم يقتلهم لأنه لم يعلم حالهم أحد سواه وقد اتفق العلماء على بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه وإنما اختلفوا في سائر الأحكام .
الثاني : قال أصحاب الشافعي إنما لم يقتلهم لأن الزنديق وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإيمان يستتاب ولا يقتل .
قال ابن العربي : وهذا وهم فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستتبهم ولا نقل ذلك أحد .
الثالث : إنما لم يقتلهم مصلحة لتأليف القلوب عليه لئلا تنفر عنه . قال القرطبي : ( وهذا هو قول علمائنا وغيرهم ) .
قال ابن عطية : وهي طريقة أصحاب مالك رحمه الله في كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنافقين .......... )
قال مالك رحمه الله : ( النفاق في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الزندقة فينا اليوم فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة وهو أحد قولي الشافعي ) .
قال مالك : ( وإنما كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه إذ لم يشهد على المنافقين ...... ) .
وقال الشافعي - رحمه الله : محتجا للقول الآخر ( السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد وأعلن بالإيمان وتبرأ من كل دين سوى الإسلام أن ذلك يمنع من إراقة دمه) وبه قال أصحاب الرأي وأحمد والطبري وغيرهم ) .
قال الشافعي وأصحابه : وإنما منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله ...
الرابع : وهو أن الله تعالى كان قد حفظ أصحاب نبيه - عليه السلام بكونه ثبتهم أن يفسدهم المنافقون أو يفسدوا دينه فلم يكن في تبقيتهم ضرر وليس كذلك اليوم لأنا لا نأمن من الزنادقة أن يفسدوا عامتنا وجهالنا ) . . اهـ ( تفسير القرطبي – جـ1 – ص198- 200 ) .
قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في هذه المسألة :
قال رحمه الله : ( فإن قيل فلم لم يقتلهم النبي مع علمه بنفاق بعضهم وقبل علانيتهم ؟
قلنا إنما ذاك لوجهين :
أحدهما :أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة بل كانوا يظهرون الإسلام ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن فينقلها إلى النبي فيحلفون بالله أنهم ما قالوها أو لا يحلفون وتارة بما يظهر من تأخرهم عن الصلاة والجهاد واستثقالهم للزكاة وظهور الكراهية منهم لكثير من أحكام الله وعامتهم يعرفون في لحن القول .........
ثم جميع هؤلاء المنافقين يظهرون الإسلام ويحلفون أنهم مسلمون وقد اتخذوا إيمانهم جنة وإذا كانت هذه حالهم فالنبي لم يكن يقيم الحدود بعلمه ولا بخبر الواحد ولا بمجرد الوحي ولا بالدلائل والشواهد حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار .....
فكان ترك قتلهم مع كونهم كفارا لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعيةويدل على هذا أنه لم يستتبهم على التعيين ومن المعلوم أن أحسن حال من ثبت نفاقه وزندقته أن يستتاب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل ولم يبلغنا أنه استتاب واحدا بعينه منهم فعلم أن الكفر والردة لم تثبت على واحد بعينه ثبوتا يوجب أن يقتل كالمرتد ولهذا كان يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله ..... والزنديق والمنافق إنما يقتل إذا تكلم بكلمة الكفر وقامت عليه بذلك بينة وهذا حكم بالظاهر لا بالباطن وبهذا الجواب يظهر فقه المسألة .
الوجه الثاني : أنه عليه الصلاة والسلام كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم وقد بين ذلك حيث قال : " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "وقال : إذاَ ترعد له أنف كثيرة بيثرب ، فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظآن أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد وإنما قصده الاستعانة بهم على الملك كما قال : " أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم " وأن يخاف من يريد الدخول في الإسلام أن يقتل مع إظهاره الإسلام كما قتل غيره ........ ) اهـ من ( الصارم المسلول – ص355- 385 ) .
فائدة أخرى
بعض الكتاب المعاصرين أراد أن يصرف الكفر الظاهر عن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله , وعن العلمانيين الذين ينشرون أفكارهم , وعن الطاعنين في أركان الإسلام , بأن حكم هؤلاء هو النفاق , فيجب معاملتهم في الدنيا بمقتضى الإسلام الذي يظهرونه , وإنما أرادوا من وراء ذلك أمرين :
الأول : عدم تكفيرهم . الثاني : ما يترتب علي ذلك من الخروج عليهم وجهادهم عند القدرة والاستطاعة .
وهذا كلام باطل وتلبيس وضلال على ضلال .
فهل يستوي الذين يسرون نفاقهم مع الذين يعلنون به ؟ وهل يستوي الذين يظهرون التوبة من النفاق مع الذين يصرون عليه ويقيمون عليه ؟ وهل يستوي المنافقين الذي يحاربون الإسلام وأهله حرباً علنية بكل الأساليب والطرق مع الذين يحاربون الإسلام في الخفاء ؟
وهل قال الله تعالى : ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم المنافقون َ( , أم قال ) فأولئك هم الكافرون َ(.
وهل الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله , مع تنحيتهم شرع الله تعالى . مع إجبار الناس على التحاكم إلى شرعهم ونبذ شرع الله تعالى , يكونوا بذلك منافقين أم كافرين مشركين , ولقد سمى الله تعالى المشرعين للقوانين المخالفة لشرع الله مشركين ولم يصفهم بالنفاق .
قال تعالى : ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ َ( [ الشورى : 20 ] .
قال تعالى : ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونََ( [ التوبة : 31 ] .
فالأمر واضح وبيّن أن هؤلاء الكُتّاب المعاصرين قالوا بما لم يقله العلماء سلفاً وخلفاً , ولو قلنا أن هؤلاء الحكام والعلمانيين منافقون , قلنا نعم ولكنهم أظهروا كفرهم فيؤخذوا بحسب الظاهر .
الأمر الثاني : ما يتعلق بالمرتدين :
المرتد : هو الذي يخرج من الإسلام إلى دين آخر كدين النصارى أو اليهود , أو إلى دين من الأديان الوضعية كالبوذية , أو الخروج إلى غير دين كالملاحدة , أو يخرج من الإسلام بناقض من نواقض الإسلام , فكل من تلبس بنوع من أنواع الشرك والكفر بعد دخوله الإسلام , فإنه يكفر ويجاهد بالسيف بعد قيام الحجة الرسالية عليه ....
أمثلة من أنواع الشرك والكفر , ونواقض الإسلام :
أما أنواع الشرك فمثل :
1- شرك الدعاء – أو شرك الدعوة , أو شرك النسك .
2- شرك النية والإرادة والقصد .
3- شرك الطاعة والإتباع .
4- شرك المحبة .
أما أنواع الكفر فمثل :
1- كفر الإباء والاستكبار .
2- كفر التكذيب .
3- كفر الشك – " وهو كفر الظن " .
4- كفر الإعراض .
5- كفر النفاق – " على التفصيل السابق " .
6- كفر إنكار المعلوم من الدين بالضرورة , مثل إنكار الصلاة أو الزكاة , أو عدم تحريم ما حرم الله ورسوله , كتحريم الخمر والزنا ......
فإن هذا كفر بالإجماع , ومن أمثال هؤلاء – الدرزية , والنصرية , والباطنية , وغلاة الصوفية..
7- كفر التشريع من دون الله بما يخالف حكم الله تعالى .
أما نواقض الإسلام فمن أشهرها :
1- الشرك في عبادة الله وحده .
2- من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً .
3- من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً .
4- من اعتقد أن غير هدي النبي e أكمل من هديه , أو أن حكم غيره أحسن من حكمه – كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكم الله – فهذا كافر .
5- من أبغض شئ مما جاء به الرسول e ولو عمل به كفر إجماعاً .
6- من استهزئ بشيء من دين الله تعالى أو ثوابه أو عقابه – كفر .
7- السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر – وهو الراجح لظاهر الآية .
8- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين .
9- من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد e , كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى u فهو كافر .
10- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به .
وإنما ذكرت أنواع الشرك والكفر ونواقض الإسلام مجملة لبيان حال من يستحقون الجهاد , وعلى رأسهم المرتدين .
مسألة : وجوب تقديم جهاد المرتدين على جهاد الكفار الأصليين .
جهاد المرتدين أولى وأوجب من جهاد الكفار الأصليين بدليل تقديم جهاد المرتدين في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه على جهاد الكفار الأصليين .
الأدلة :
1- روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من بدل دينه فاقتلوه " .
أما على قول من يقول من الزنادقة بحرية الاعتقاد , وحرية الأديان فلا سلطان لأحد على المرتد لأنه حر فيما يعتقد وفيما يدين به .
مثال من الواقع :
ذكر صاحب كتاب " أهمية الجهاد " – ص211-212 :
قوله : ( ولقد أطلعت على كتاب بعنوان : " حرية الاعتقاد في الإسلام " – تأليف " جمال البنا " ينكر مؤلفه حكم الردة ويستدل بأقوال عبد المتعال الصعيدي في كتابه " حرية الفكر فى الإسلام" , ومن شبهه أن حكم الردة لم يأت في القرآن ....... وهناك شبهه كلها أغرب من هذه الشبهة .
وقد غضب حضرة المؤلف – جمال البنا – عندما قرأ في جريدة الأهرام اليومية الصادرة في : 6 / 8 / 1977م " خبراً مفاده أنه قدم إلى مجلس الدولة في مصر مشروع قانون بإعدام المرتد , فقال ناصحاً لمجلس الدولة : " إن هذا القانون أمر لا يكاد يصدق , ما هذا أيها السادة هل أصابتكم جنة ؟ أجماعة تكفير جديدة ؟ هل تريدون أن تنصبوا محرقة أو أن تدخلوا في الإسلام السمح محكمة بابوية يضع قضاتها العمائم ؟ أو تريدون أن تهدوا من أضل الله , ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ..... إن هذا القانون ردة تشريعية حقيقية لعلاج ردة إسلامية وهمية ) . اهـ ( حرية الاعتقاد في الإسلام – للكاتب جمال البنا – ص67 ) .
ويعقب صاحب كتاب ( أهمية الجهاد ) بقوله :
( يا سبحان الله مقلب القلوب والأبصار , كون مجلس الدولة يشرع تشريعاً تعارض القرآن صراحة كإسقاط حد الزنا والسرقة لا يغضب المؤلف الذي يدافع عن الإسلام , ويعتبره ردة وهمية , أما أن يشرع المجلس إعدام المرتد عن الإسلام فهذه هي الردة الحقيقية على رأي المؤلف .
ويسخر المؤلف – أي جمال البنا – من ابن حزم لما قال : " ولو أن امرأ قال لا نأخذ إلا ما وجدناه في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة "
فيقول : أي جمال البنا - : " فهذا لا ينكر وجود الله ولا رسالة محمد e ولا اليوم الآخر , ويمكن أن يكون معصوم الدم والمال ما دام يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله بنص حديث الرسول e ومع هذا فإن التخريج الفقهي يخرجه من الحياة ويجعله حلال الدم والمال " اهـ ( حرية الاعتقاد في الإسلام – لجمال البنا ) ص70
قلت : وهذا المجرم إنما يستدل بما يظن أنه يساعده على فهمه الضال , ونسي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عصمة المال والدم لمن آمن بكل ما جاء به .
ففي صحيح مسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ) .
قلت : ولكن جمال البنا وأمثاله من الزنادقة يرون أن الكفر حق لكل من أراد أن يعيش عليه , كما أن الإسلام حق لكل من أراد أن يعيش عليه , فالأمر كله يرجع إلى محض الحرية , دون أن يتعرض فريق للآخر , ودون أن ينكر فريق على الآخر .
وهذا هو عين الكفر الذي يناقض قول العبد" لا إله إلا الله " , فكيف يتحقق إذن : الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ؟
وكيف تتحقق الموالاة في الله , والمعاداة في الله؟
وكيف يتحقق قول الله تعالى : " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلاَم " ؟
2- روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه, قال : ( لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله .
فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال , والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه .
فقال عمر بن الخطاب : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق ) ورواه مسلم أيضاً .
قلت : وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على وجوب قتال المرتدين لكفرهم , ولا يقبل منهم إلا الإسلام , كما سوف يأتي وهذا دليل على إكراه الكافر على الدخول في الإسلام .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري :
( وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك , لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما .
الراجح :لا , بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: " إلا بحق الإسلام "
قال البغوي :الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقر بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام
وأما من كان مقرا بالوحدانية منكراً للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول : محمد رسول الله , فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق , فإن كان كفر بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده ومقتضى قوله : يجبر أنه إذا لم يلتزم تجري عليه أحكام المرتد وبه صرح القفال ) . اهـ ( فتح الباري – جـ 12 – ص247 ) .
الأدلة من السنة :
الأدلة من السنة المطهرة على أن المشرك حلال الدم والمال , طالما استمر على شركه , فيقاتل أبداً حتى يدخل في الإسلام , لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق عصمة المال والدم على من جاء بالتوحيد وألتزم أحكام الإسلام , ونكتفي بذكر ثلاثة أحاديث تدل على هذا المعنى .
الحديث الأول : روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ) .
الحديث الثاني : روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) .
الحديث الثالث : روى مسلم في صحيحه عن أبي مالك عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) .
قلت : وهذه الأحاديث وغيرها حكمها يجرى على الكفار الأصليين وكذلك المرتدين .
أمثلة للمرتدين الذين يجب قتالهم :
المثال الأول : عباد القبور الذين يزعمون أن عبادتهم للقبور ليست كفراً , فإن ادعائهم الإسلام لا ينفعهم , وإنما تقام عليهم الحجة ثم يقاتلوا كما فعل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وسبب قتال عباد القبور أنهم مرتدون عن أصل الدين , لأنهم لم يكفروا بكل ما عبد من دون الله تعالى , كما في الأحاديث السابقة .
المثال الثاني : الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله , وإن زعم أصحاب التشريعات الباطلة أن تشريعاتهم ليست كفراً , فهذا الزعم والادعاء لا يغني عنهم شيئاً .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :
( قوله : " من قال لا اله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله "
(اعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث علق عصمة المال والدم بأمرين :
الأول : قول لا اله إلا الله ، الثاني : الكفر فيمن يعبد من دون الله ، فلم يكتف بالفظ المجرد عن المعني بل لا بد من قولها والعمل بها .
قال المصنف – أي محمد بن عبد الوهاب - وهذا من أعظم ما يبين معنى لا اله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع التلفظ بها , بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه فيا لها من مسألة ما أجلها وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع .
قلت – أي : الشيخ سليمان بن عبد الله - وقد أجمع العلماء على معنى ذلك فلا بد في العصمة من الإتيان بالتوحيد والتزام أحكامه وترك الشرك كما قال تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلهُ لِلَّهِ َ( والفتنة هنا : الشرك فدل على أنه إذا وجد الشرك فالقتال باق بحاله كما قال تعالى : )وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةَ(فأمر بقتالهم على فعل التوحيد وترك الشرك وإقامة شعائر الدين الظاهرة فإذا فعلوها خلي سبيلهم ومتى أبوا عن فعلها أو فعل شيء منها فالقتال باق بحاله إجماعا ولو قالوا لا إله إلا الله .......
وقال شيخ الإسلام لما سئل عن قتال التتار مع التمسك بالشهادتين ولما زعموا من إتباع أصل الإسلام – فقال :
( ...... فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء أو الأموال أو الخمر أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء ، قال : وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة بل هم خارجون عن الإسلام بمنزلة ما نعي الزكاة ) . اهـ ( تيسير العزيز الحميد – ص118 –122 ) .
ولا أريد أن أطيل الكلام حول هذه المسألة أكثر من ذلك , فهي أوضح من شمس النهار , فالشرع الإسلامي حسم هذه القضية التي هي من المسلمات عندهم وأما أهل الإلحاد الذين يزعمون أن الناس أحرار في عقائدهم , بحجة أنه لا إكراه في الدين , قد ضلوا ضلالاً بعيداً , وخسروا خسراناً مبيناً .
الفصل الرابع
مسألة " لماذا الجهاد في سبيل الله " ؟
إذا كان المعنى ما ذهب إليه المنحرفون في عصرنا أنه لا إكراه في الدين ولكل إنسان أن يعتقد ما يشاء ويدين بما شاء , فلماذا جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة بقتال المشركين والكافرين من أجل شركهم وكفرهم ؟
هذه المسألة تدعونا إلى الحديث عن أهداف وغايات الجهاد في سبيل الله على وجه الاختصار حتى تتبين المسألة .
الهدف الأول : العمل على تعبيد الناس لربهم وحده لا شريك له , هذا هو الأصل وهذا هو الأساس التي كانت عليه البشرية , أما الشرك والكفر فشئ عارض وطارئ على الفطرة البشرية
ففي صحيح مسلم في الحديث القدسي : ( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا .... ) فهدف الجهاد الإسلامي الأكبر هو : إرجاع البشر إلى الأصل وهو الملة الحنيفية التي تخضعهم لله رب العالمين , وتجعلهم يستمدون منهج حياتهم منه – جل وعلا – ويعبدونه سبحانه كما أمر ,
" إن لا إله إلا الله " تعني : في معناها القريب : إفراد الله سبحانه بالألوهية وعدم إشراك أحد من خلقه معه في خاصية واحدة من خصائصها .
ومن أولى خصائص الألوهية :
1- حق الحاكمية المطلقة , فلا حكم إلا لله تعالى .
2- حق التشريع المطلق ،فلا شرع إلا ما شرعه الله
3- حق وضع المناهج لحياتهم ، وذلك لا يكون إلا لله رب العالمين
الأدلة على أن هدف الجهاد : تعبيد الناس لله وحده
1- قال تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( [ الأنفال : 39 ] .
قل الحافظ بن كثير – رحمه الله : ( ثم أمر الله بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة : أي شرك - قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم ،ويكون الدين لله أي : يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان ) . اهـ ( تفسير ابن كثير – جـ1- ص 329) .
وقال ابن الجوزي – رحمه الله : ( ويكون الدين لله , قال ابن عباس : أي يخلص له التوحيد ) . اهـ ( زاد المسير – جـ1 – ص200 ) .
2- في مسند أحمد – رحمه الله – بسند صحيح من حديث ابن عمر – رضى الله عنهما – قال , قال رسول الله e: ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ) .
ومن فقه الصحابة لهذا المعنى
1- روى البخاري عن جبير بن حية قال : ( فندبنا عمر t واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال : ليكلمني رجل منكم . فقال المغيرة : سل عما شئت, قال : ما أنتم ؟ قال : نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع , ونلبس الوبر والشعر , ونعبد الشجر والحجر , فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات والأرضيين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول ربنا e أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية , وأخبرنا نبينا e عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ومن بقى منا ملك رقابكم ) .
3- وذكر الحافظ ابن كثير – رحمه الله – قصة ربعي بن عامر – وفيها : ( .... فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي الحرير ، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة ،
والزينة العظيمة ، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة ، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد ،وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه . فقالوا له : ضع سلاحك . فقال : إني لم آتكم ، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت . فقال رستم : ائذنوا له ، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها ، فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ،
ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ، ومن أبي قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله . قالوا : وما موعود الله ؟ قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى ، والظفرلمن بقى .... ) اهـ ( البداية والنهاية – ج7 – ص39 ) .
لقد اتفق العلماء – رحمهم الله – على هذا الهدف السامي – ألا وهو : تعبيد الناس لربهم جل وعلا وخضوعهم لسلطانه تبارك وتعالى , لأن ذلك يتضمن إعلاء كلمة الله تعالى فتكون هي العيا , وجعل كلمة الذين كفروا السفلى , وهذا لا يتحقق إلا بتنحية الشرك عن الأرض وإذلال أهله , وإزالة رؤوس الكفر من الطواغيت الذين يحولون بين الناس وبين عبادة ربهم أو أنهم يعبدونهم لغير ربهم - جل وعلا .
ومن أقوال العلماء في ذلك :
1- قال الإمام الشافعي – رحمه الله - : ( والآخر : أن يجاهد من المسلمين من فى جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان أو يعطى أهل الكتاب الجزية ) . اهـ ( الأم للشافعي – جـ4 – ص167 ) .
2- وقال الإمام محمد بن الحسن – رحمه الله - : ( فريضة القتال المقصود منها : إعزاز الدين وقهر المشركين ) . اهـ ( السير الكبير – جـ1 – ص188 ) .
3- وقال الإمام ابن عبد البر المالكي – رحمه الله - : ( يقاتل جميع أهل الكفر من أهل الكتاب وغيرهم من القبط والترك والحبشة والفزارية والصقالبة والبربر والمجوس وسائر الكفار من العرب والعجم يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . اهـ ( الكافي في فقه أهل المدينة – ص466 ) .
4- وقال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( والمقصود من الجهاد إنما هو أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله .... فإن من كون الدين كله لله إذلال الكفر وأهله وصغاره وضرب الجزية على رؤوس أهله والرق على رقابهم فهذا من دين الله ولا يناقض هذا إلا ترك الكفار على عزهم وإقامة دينهم كما يحبون بحيث تكون لهم الشوكة والكلمة ) . اهـ ( أحكام أهل الذمة – جـ1 –ص18 ) .
5- وقال الأستاذ سيد قطب رحمه الله : ( ......إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان فى الأرض من العبودية للعباد ، ومن العبودية لهواه أيضاَ وهى من العبودية للعباد ، وذلك بإعلان ألوهية الله وحده سبحانه وربوبيته للعالمين 0
إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر فى كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع فى أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور ، أو بتعبير آخر مرادف الألوهية فيه للبشر فى صورة من الصور ، ذلك أن الحكم الذى مرد الأمر فيه إلى البشر ومصدر السلطات فيه هم البشر هو تأليه للبشر ، يجعل بعضهم لبعض أرباباَ من دون الله ...الأمر الذى جاء به هذا الدين ليلغيه ويعلن تحرير الإنسان فى الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان بالبيان والحركة مجتمعين وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التى تعبد الناس لغير الله ، أى : تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه ، والتى تحول بينهم وبين الإستماع إلى البيان ، واعتناق العقيدة بحرية لا يتعرض لها السلطان ، ثم لكى يقيم نظاماَ اجتماعياَ واقتصادياَ وسياسياَ يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلى بعد إزالة القوة المسيطرة سواء كانت سياسية بحتة أو متلبسة بالعنصرية أو الطبقية داخل العنصر الواحد ) اهـ فى ظلال القرآن جـ3 ص1433ــ 1435.
الهدف الثاني : إزالة الفتنة عن الناس
أنواع الفتنة : الفتنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يمارسه الكفار من أشكال التعذيب والتضييق على المسلمين ليرتدوا عن دينهم , وقد ندب الله المسلمين للجهاد لإنقاذ المستضعفين , قال تعالى : ) وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا َ( َ[ النساء : 75 ] .
ومن أساليب الفتنة التي يقوم بها الكفار قديماً وحديثاً :
1- استعمال الأساليب الوحشية في التنكيل والتعذيب لطائفة الموحدين , كما فعل المشركون قديماً ببلال وصهيب وغيرهما من المستضعفين , وكما يفعل الآن المشركون مع الموحدين في السجون والمعتقلات , باستخدام أبشع أنواع التعذيب الحسي والمعنوي .
2- استعمال الإعلام الفاسد لفتنة الناس عن دينهم بشتى أنواعها , بل إنهم تواجدوا في كل بيت عن طريق هذه الوسائل الإعلامية كما هو معلوم .
3- التضيق الذي يمارس على طائفة الموحدين في أرزاقهم بحيث ينشغل الموحدون بطلب الرزق فيبتعدوا عن العمل لأجل الله تعالى .
القسم الثاني من الفتنة : وجود الأنظمة الشركية ( العلمانية ) وما ينتج من فساد في شتى مجالات الحياة , فهذه الأوضاع من شأنها أن تفتن المسلم عن دينه .
يكفي أن نعلم أن من الفتن العظيمة التي ابتلى بها المسلمون في هذا الزمان بسبب وجود هذه الأنظمة الشركية السماح للنصارى وغيرهم بالدعوة إلى دينهم عن طريق المبشرين والمستشرقين , مع إظهارهم لشعائر كفرهم , مع السماح لهم بإنشاء المدارس الخاصة بهم , أو السماح لهم ببعض الصحف والمجلات التي تتحدث بلسانهم إلى غير ذلك .
القسم الثالث من الفتنة : فتنة الكفار أنفسهم وصدهم عن استماع الحق وقبوله , وذلك أن الأنظمة والحكومات الشركية تقيم حاجزاً بين الناس واستماع الحق أو قبوله , لأنها تسببت في فتنة المسلمين أولاً حتى ظهروا بغير المظهر الإسلامي الصحيح عقائدياً أو أخلاقياً , فإن هذا شأنه أن ينفر الناس عن الدخول في الدين , وكذلك تعمد الحكومات الشركية إلى تشويه صورة الإسلام الحقيقية أمام الكفار الأصليين مما يكون سبباً في صدهم عن الدخول في الدين , لذلك كان من الواجبات الإسلامية إزالة الفتنة عن الكافرين حتى يستمعوا إلى الإسلام الحق ويرونه في صورته الحقيقة .
الهدف الثالث من أهداف الجهاد : حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار .
الأدلة على ذلك كثير ة منها :
1- أمر رسول الله eبقتل رؤوس الكفر الذين يألبون الناس عليه , أو يستعدون لقتال المؤمنين .
ومن ذلك أمر الرسول eبقتل كعب بن الأشرف اليهودي وسلام ابن أبي الحقيق , وغيرهما , لخطورتهما على الدولة الإسلامية .
2- حض الرسول eعلى الرباط وحراسة المسلمين , وهو المعروف بالمرابطة في الثغور على حدود الدولة الإسلامية فى مقابلة أعداء الله تعالى .
روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي t عنه أن رسول الله eقال : ( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ..... ) .
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله :
( وحقيقة أن حماية دار الإسلام حماية للعقيدة والمنهج والمجتمع الذى يسود فيه المنهج ، ولكنها هى ليست الهدف النهائى وليست حمايتها هى الغاية الأخيرة لحركة الجهاد الإسلامى ، إنما حمايتها هى الوسيلة لقيام مملكة الله فيها ثم لاتخاذها قاعدة انطلاق إلى الأرض كلها وإلى النوع الإنسانى بجملته ، فالنوع الإنسانى هو موضوع هذا الدين ، والأرض هى مجاله الكبير ) اهـ ( في ظلال القرآن – جـ 3 – ص1441 ) .
الهدف الرابع من أهداف الجهاد : استئصال الكافرين وإبادتهم
إن من أعظم أهداف الجهاد في سبيل الله : قتل الكافرين ومحقهم , وذلك أن الكفر كالسرطان بل أشد , فإذا لم يسلم الكافر أو يخضع للحكم الإسلامي فلا بد من استئصاله , حتى لا يفسد المجتمع الذي يوجد فيه .
يقول رب العزة سبحانه : ) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( [ محمد : 4 ] .
ويقول تعالى ذكره : ) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ( [ التوبة : 14 ] . إلى غير ذلك من الآيات .
وقد رغب النبي eفي قتل الكفار , ففي سنن أبي داود قال e : ( لا يجتمع كافر وقاتله أبداً ) .
الهدف الخامس من أهداف الجهاد : إرهاب الكفار وإذلالهم .
قال تعالى : ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ( [ الأنفال : 60 ]
فإرهاب الأعداء مقصد عظيم من مقاصد هذا الدين وحتى يظلوا على رعب وخوف من جماعة المسلمين .
أما وصف المسلمين الموحدين بالإرهاب , والتطرف من قبل المرتدين العلمانيين وأسيادهم من الكفار , لتشويه صورة الإسلام , فالغرض من ذلك الصد عن سبيل الله من جانب والعمل على القضاء على الموحدين من جانب آخر , ولكن هيهات هيهات , فإن الله ناصر دينه ومعز أولياءه , ولو كره الكافرون ، ثم جهاد المسلمين للكافرين فيه إخزاء للكافرين , وشفاء لصدور المؤمنين , وإضعاف لشوكة الشرك والمشركين .
قال تعالى : ) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ( [ الأنفال : 18 ] .
الهدف السادس من أهداف الجهاد : تعرية المنافقين وكشفهم .
فأكبر كاشف للمنافقين هو الجهاد , لأن في الجهاد بذلاً لأغلى ما يملك الإنسان غير عقيدته وهو روحه , والمنافق ما نافق إلا ليحفظ روحه وليوفر لنفسه ملذاتها , فإذا دعا داعي الجهاد الذي قد يعرضه لفقد روحه انكشف نفاقه للناس .
قال تعالى : ) مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (.
وقال تعالى : ) فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ( [ محمد : 20 ] .
ومعرفة المؤمنين للمنافقين فيها فوائد لا تحصى لكثرتها , فإنهم العدو الداخلي , وخطرهم يفوق خطر العدو الخارجي أحياناً , قال تعالى عنهم : ( هم العدو فاحذرهم ) .
ولذلك أمر الله تعالى بجهادهم : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( [ التحريم : 9 ] .
الهدف السابع من أهداف الجهاد : تمحيص المؤمنين من ذنوبهم .
فإن المجاهد في سبيل الله إذا أخلص النية لله إذا حضر المعركة فقتل الكفار نال ثواباً عظيماً كما جاء في الحديث : ( لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً ) . رواه أبو داود .
وإذا قتله الكفار فقد نال الشهادة , وهي الفوز العظيم , وصدق من قال :
ركضاً إلى الله بغير زاد
إلا التقى وعمل الميعاد
الصبر في الله علـــــى
الجهاد وكل زاد عرضه النفاد
غير التقى والبر والرشاد
الهدف الثامن من أهداف الجهاد : الحصول على الغنائم والسبي .
فالجهاد في سبيل الله تعالى من الأسباب التي يطلب بها الرزق كما في الحديث : ( وجعل رزقي تحت ظل رمحي , وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ) . رواه أحمد وصححه الألباني
وقال eحين خروجه من المدينة قاصداً التعرض لعير قريش : ( اللهم إنهم حفاة فاحملهم , اللهم إنهم عراة فاكسهم , اللهم إنهم جياع فأشبعهم ) . السلسلة الصحيحة للألباني .
تنبيه
نحن لسنا بصدد الحديث عن الجهاد في سبيل الله تعالى وحكمه وأحكامه , وأهدافه بالتفصيل , فإن هذا الأمر وضع فيه أهل العلم مصنفات مستقلة .
ولكن الغرض الأساسي من ذكرنا لبعض أمور الجهاد في سبيل الله تعالى هو بيان زيغ الزائغين ورد فرية الكذابين , الذين أرادوا أن يعطلوا هذه الفريضة , أو يجعلوها قاصرة على جهاد الدفع , فلا نقاتل إلا من قاتلنا , وبالتالي لا يتعرض أهل التوحيد للكفرة والمشركين بجهادهم حتى يكون الدين كله لله , وحتى تعلوا كلمة الله تعالى , وكذلك الحديث عن الجهاد وبيان أهدافه يبين لنا بوضوح وجلاء خطأ المأجورين من الدعاة , أو من علماء السوء , الذين يدعون إلى حرية الاعتقاد والفكر استدلالاً بقوله تعالى : " لا إكراه في الدين " .
مسألة:
هل الجهاد في سبيل الله دائم ومستمر أم له نهاية ؟
إن الغاية التي يتوقف عندها الجهاد في سبيل الله تعالى هي إسلام المشركين كافة من أهل الأرض , بأن يدينوا بعقيدة التوحيد ، بخلاف أهل الكتاب ومن جرى على سنتهم كالمجوس
فإذا ما دفعوا الجزية والتزموا بالخضوع لأحكام الإسلام حال كونهم في ذل وصغار , فإن المسلمين عند ذلك لا يجاهدونهم بل يكفون عنهم ويحمونهم ويدافعون عنهم .
وممن المعلوم أن سنة الله تعالى في خلقه التي لا تتبدل ولا تتغير هي استمرار الصراع بين الحق وبالباطل , وبالتالي سوف يستمر الجهاد في سبيل الله تعالى إلى يوم القيامة , وذلك بنص حديث النبي e الثابت في الصحيحين ورواه أحمد في المسند أيضاً , قال e : ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين , ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة ) .
وروي الإمام أحمد في مسنده عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى النبي e فقال : إني سئمت الخيل وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها قلت لا قتال , فقال النبي e : الآن جاء القتال , لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يرفع الله قلوب أقوام فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك , ألا إن عقر دار المؤمنين الشام والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ) .
وهذه الروايات وغيرها تبين بوضوح وجلاء أن الجهاد باق ومستمر إلى قيام الساعة , وأنه لا ينتهي جهاد الكفار إلا إذا أسلموا أو خضعوا لحكم الإسلام , إن كانوا من غير أهل الكتاب , أما أهل الكتاب فيقاتلوا أيضاً إذا لم يلتزموا بدفع الجزية , فإذا ما ارتضوا دفع الجزية فإن المسلمين يكفون عنهم كما سبق .
فائدة
ما الحكمة في إبقاء أهل الكتاب على دينهم دون غيرهم إذا دفعوا الجزية ؟
1- الحكمة من ذلك واضحة جلية وهي أن أهل الكتاب ليسوا كغيرهم من المشركين عباد الأصنام والأوثان وغير ذلك , لأن أهل الكتاب عندهم إيمان بالمعاد والنبوات , وغير ذلك .
2- كذلك بقاء أهل الكتاب تحت حكم المسلمين أقل خطراً من المشركين ولأن أهل الكتاب يحرمون الفواحش كالزنا واللواط والسرقة ونحو ذلك , ولذلك يكون بقاؤهم في دار الإسلام مع بذلهم الجزية فيه مصلحة لهم وهي توقع إسلامهم ومصلحة للمسلمين للاستفادة من جزيتهم .
تنبيه
الأصل أن أهل الكتاب الذين يعيشون في دار الإسلام مع التزامهم بالشروط المأخوذة عليهم , وهي المعروفة بأحكام أهل الذمة وهذه الشروط مذكورة في كتب الفقه , وقد كتبها وصنف فيها الإمام ابن القيم – رحمه الله- كتاباً مستقلاً هو العمدة في ذلك سماه " أحكام أهل الذمة " .
فأهل الذمة يعيشون في دار الإسلام مع ضرب الذل والصغار عليهم , بهذا يأمن المسلمون شرهم من جانب , ويأمن المسلمون أيضاً نشر أهل الكتاب للكفر والفواحش من جانب آخر , لأنه لو ترك الحبل على الغارب لأهل الكتاب لكان ضررهم وشرهم يفوق ضرر وشر المشركين الذين لا دين لهم , والواقع خير شاهد على ذلك .
فأهل الكتاب الآن في بلاد المسلمين يعيشون في عزة ورفعة فوق ما كان يحلم به أهل الكتاب , بل إن المسلمين المستضعفين من أهل التوحيد يتمنون في هذا الواقع أن يستووا مع أهل الكتاب في الحقوق والحرية والمكاسب .
ولكن هيهات هيهات , فإن المسلمين المستضعفين في شتى بقاع الأرض سواء كانوا في بلاد المسلمين , أو بلاد المشركين هم الذين يعيشون في ذل وصغار , هم الذين ينكل بهم , هم الذين يقتلون في كل مكان ويضيق عليهم في كل مكان , والعجب العجاب من طائفة تنتسب إلى العلم والدعوة في بلاد المسلمين يزعمون زوراً وبهتاناً أن النصارى في مصر وغيرها من بلاد المسلمين أهل ذمة , فدمائهم معصومة , وأموالهم مصونة , ومن ظلمهم فإن الجنة عليه حرام , إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة .
هذا الكلام الخطير إنما يقال إرضاء للنصارى في مصر من جانب , وإرضاء للأمريكان من جانب آخر , وإرضاء للحكام العلمانيين من جانب ثالث .
ونحن لا نقول بقتل النصارى أو غيرهم في بلاد المسلمين الآن , لأنه سوف يترتب على ذلك مفاسد كبيرة وخطيرة , ثم إن المسلمين في حالة استضعاف الآن , فلا شوكة لهم ولا منعة , ولكن هذا لا يعني مداهنتهم وإرضاءهم على حساب دين الله تعالى , فهذه انهزامية وخذلان للمسلمين في شتى بقاع الأرض , فالآن لا دولة للمسلمين قائمة , وبالتالي لا وجود لأهل الذمة من الأساس وعند وجود دولة الإسلام وقيامها بأحكام الله تعالى , فإن هذه الأوضاع سوف تتغير وتتبدل , ويسير المسلمون على نهج نبيهم e ونهج أصحابه والسلف , فيكون المسلمون هم أصحاب العزة والرفعة والمكانة , ولا بقاء لكافر على أرضهم من أهل الكتاب , إلا إذا التزم بأحكام أهل الذمة مع ضرب الذلة والصغار عليهم .
فهذه السقطات التي يسقط فيها بعض الدعاة والعلماء , سوف تظل عاراً عليهم والتاريخ لن ينسى لهم أبداً .
ابن القيم يذكر بعض الحكم لإبقاء أهل الكتاب في دار الإسلام :
يقول رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة " :
( قال "المخصصون بالجزية لأهل الكتاب المراد من إرسال الرسل وإنزال الكتب إعدام الكفر والشرك من الأرض وأن يكون الدين كله لله كما قال تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ( وفي الآية الأخرى : ) وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ( ومقتضى هذا: ألا يقر كافر على كفره ولكن جاء النص بإقرار أهل الكتاب إذا أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فاقتصرنا بها عليهم وأخذنا في عموم الكفار بالنصوص الدالة على قتالهم إلى أن يكون الدين كله لله .
قالوا ولا يصح إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب لأن كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الكتاب فإن أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عباد الأصنام .
وعبدة الأصنام حرب لجميع الرسل وأممهم من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ولهذا أثر هذا التفاوت الذي بين الفرقين في حل الذبائح وجواز المناكحة من أهل الكتاب دون عباد الأصنام....
قالوا : ولله تعالى حكم في إبقاء أهل الكتابين بين أظهرنا فإنهم مع كفرهم شاهدون بأصل النبوات والتوحيد واليوم الآخر والجنة والنار , وفي كتبهم من البشارات بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر نعوته وصفاته وصفات أمته ما هو من آيات نبوته وبراهين رسالته وما يشهد بصدق الأول والآخر , وهذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد وقد قال تعالى لمنكري ذلك: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ....... ) . اهـ باختصار من كتاب ( أحكام أهل الذمة –جـ1 – ص9-12 ) .
وبعد:
فقد بات واضحاً المعنى الصحيح المراد من قوله تعالى: ) لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (وأن المتأثرين بالمنهج الغربي العلماني هم الذين يتأولون الآية على غير معناها لكي تتناسب مع الدعوات الهدامة التي ينادي بها الكافرون في كل مكان , وغرضهم وهدفهم الخبيث واضح لا يخفى إلا على جاهل أو على من طمس الله على بصيرته , هم يريدون إفساد العقيدة الإسلامية الراسخة القائمة على محبة الله تعالى , ومحبة ما يحبه الله ويرضاه , ومحبة الرسول e , ومحبة ما يحبه الرسول e ومحبة المؤمنين وموالاتهم , وأن أخوة الإيمان هي الأخوة الحقيقة التي يحبها الله ويرضاها .
وفي المقابل أن المسلمين يبغضون الكفر والكافرين , والشرك والمشركين ولو كانوا أولي قربى , والمسلمون يعادونهم أبداً ولا يلتقون معهم لا في أول الطريق , ولا في آخره , ولا في وسطه , ولا في نهايته , فالقضية محسومة وصريحة .
" وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " , فلا بد إذن من المفاصلة الكاملة بين المؤمنين والكافرين والاستعداد التام دائماً لقتالهم وجهاهم في سبيل الله عند القدرة والاستطاعة , ويجب على المسلمين إن لم يكونوا في جهاد في سبيل الله فهم على الأقل يستعدون لذلك .
وهذا ما أراد الكفار أن يقتلوه في روح وعزيمة المؤمنين بهذه الدعوات الخبيثة ,لأن أخشى ما يخشاه الكفار هو قيام المسلمين بواجب الجهاد في سبيل الله خاصة ممن صلحت عقيدتهم , وها هم الكفار يشعرون بذلك , لقيام المسلمين المجاهدين في الشيشان بقتال الروس الملحدين , ولقد أذاقوا الروس الويلات , وكذلك فعل الأفغان من المسلمين بالروس , وكذلك يفعل المسلمين المجاهدون في العراق بالأمريكان , على الرغم من قلة المجاهدين في عدتهم وعدادهم , ولكن معهم ما هو أعظم من ذلك ؛ معهم الاعتقاد الحق الذي يقاتلون من أجله ومن أجل نشره .
فعلى المسلمين أن يفيقوا وأن يرجعوا إلى عقيدتهم الصحيحة حتى يعيشوا في عزة ونصر وتمكين على وجه هذه الأرض , ولكي يذلوا أعداء الله من الكافرين والمشركين بقتالهم وجهادهم حتى يكون الدين كله لله , ولكي يضرب الذل والصغار على الكفار .
وبهذه العقيدة يفوز المسلم عند لقاء ربه تبارك وتعالى لأنه لا يدخل جنة الله تعالى إلا من حقق التوحيد , ولا يتحقق إلا ببغض الكافرين وحب المؤمنين .
وعلى الرغم من الحملة الشرسة التي يقودها الكفار وعملائهم داخل بلاد المسلمين , إلا أن بشائر النصر تظهر وتقترب مع سماعنا للقيام بالجهاد في سبيل الله في كثير من البلدان وأنهم يحققون الانتصار بفضل الله تعالى .
وكذلك نرى الكثير من المسلمين بدأ يعود إلى ربه تبارك وتعالى يلتمس الطريق الصحيح الذي كان عليه الرسول eوأصحابه الكرام .
أما علماء السوء ودعاة السوء فيا ويلهم من ربهم تبارك وتعالى فهم يخذلون المسلمين وهم أحوج ما يحتاجون إلى من ينصرهم , ويا ويلهم من التاريخ الذي لا يرحم , وهنيئاً لعلماء الأمة العاملين ولدعاتها المجاهدين فإن لهم عند الله تعالى من الأجر الجزيل ما لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى , وكذلك فإن التاريخ سوف يذكرهم دائماً بفضائلهم ويصبحون قدوة للأجيال .
والحمد لله رب العالمين .
خاتمة البحث
اختم هذا البحث بذكر بعض النتائج المهمة التي تستخلص منه , وأهم هذه النتائج :
أولاً :أن إكراه الكافرين والمشركين ممن لا دين لهم من عباد الأوثان وغيرهم جاء فيه آيات كثيرة , فهو أمر مشروع .
قال تعالى : ) تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ( , وقوله تعالى : )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ( , أي شرك , وقال e : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " . رواه البخاري وغيره
ثانياً : عدم إكراه الكافرين على الدخول في الإسلام مخصوص بأهل الكتاب بشرط بذل الجزية عن يد وهم صاغرون , مع خضوعهم لأحكام الإسلام , والتزامهم بأحكام أهل الذمة .
ثالثاً : ممن يكره على الدخول في الإسلام المرتدون , سواء كانت ردتهم إلى دين من الأديان المنسوخة , أو كانت ردتهم بسبب ارتكابهم لشيء من نواقض الإسلام والإصرار على ذلك .
رابعاً: إن القول بأن الكفار لا يكرهون على الدخول في الإسلام يُعد تنازلاً عن العقيدة الصحيحة , وفي نفس الوقت يكون تشويهاً لمنهج الإسلام القويم , فإن الإسلام إنما جاء ليعبد الناس لربهم , وترك الناس وما يدينون يخالف ذلك .
خامساً :انتشار العقائد الباطلة وانتشارها سببه المباشر ترك المسلمين للجهاد في سبيل الله تعالى والدعوة إلى دينه .
سادساً :من أعظم أهداف الجهاد في سبيل الله تعالى العمل على نشر دين الله تعالى , وإبطال العقائد المخالفة للإسلام .
سابعاً :إن من أسباب تقبل المسلمين للغزو الفكري الداعي إلى حرية الاعتقاد وحرية الأديان , وغير ذلك – هو الجهل بكتاب الله تعالى وسنة النبي e .
ثامناً :من أسباب ضعف المسلمين في عقيدتهم انتشار علماء السوء , ودعاة الباطل , من علماء السلطة , وأصحاب المدارس المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة .
تاسعاً : من أسباب الدعوة على التعايش السلمي , والدعوة إلى الإخاء الإنساني , خوف الكفار من قيام المسلمين بواجب الجهاد في سبيل الله .
عاشراً : من أسباب تأخر المسلمين وانحرافهم عن عقيدتهم البعد عن مصدر التلقي الصحيح , وهو الأخذ من الكتاب والسنة , والإقبال على وسائل الإعلام التي تضلل الناس وتلبس عليهم , وكذلك التجمع تحت رايات متعددة بعيدة عن الراية الصحيحة ؛ راية التوحيد ( لا إله إلا الله ) .
أهم المراجع
1- تفسير الطبرى
2ــ تفسير القرطبى
3ــ تفسير ابن كثير
4ــ عمدة التفسير لابن كثير اختصار أحمد شاكر
5ــ تفسير زاد المسير لابن الجوزى
6ــ تفسير فتح القدير للشوكانى
7ــ أضواء البيان للشنقيطى
8ــ تفسير السعدى
9ــ فى ظلال القرآن لسيد قطب
10ــ نيل المرام من تفسير آيات الأحكام لصديق حسن خان
11ــ أحكام القرآن لابن العربى
12ــ صحيح البخارى ومعه فتح البارى لابن حجر
13ــ صحيح مسلم بشرح النووى
14ــ السلسلة الصحيحة للألبانى
15ــ مجموع الفتاوى لابن تيمية
16ــ الصارم المسلول لابن تيمية
17ــ أحكام أهل الذمة لابن القيم
18ــ سلسلة شرح المسائل لصالح الفوزان
19ــ أهمية الجهاد للعليانى
20ــ الولاء والبراء للقحطانى
21ــ البداية والنهاية لابن كثير
22ــ تيسيرالعزيزالحميد لسليمان ابن عبد الله
23ــ مجلة الأزهر الجزء الرابع لسنة ــ78ــ عدد ربيع الآخر 1426هـ ،مايو /يونيو2005م
24ــ قافلة الإخوان لعباس السيسى
25ــ من هنا نعلم للغزالى
26ــ الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية لتوفيق الواعى
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^