الأصول الثمانية للفرقة الناجية ـــ الأصل الخامس والسادس والسابع والثامن
خامسا : الأصل الخامس :
وجوب الرد والتحاكم إلى الله ورسوله عند التنازع والاختلاف
أولا : هذا الأصل من الأصول المتفق عليها عند جميع أهل السنة والجماعة ، لأن هذا هو مقتضى النصوص الشرعية في الكتاب والسنة ، وإنما خالف في ذلك أهل البدع ، الذين يردون عند التنازع والاختلاف إلى غير الكتاب والسنة
1 ـ فمنهم من يرد التنازع إلى أئمتهم لكونهم يعتقدون أن أئمتهم معصومين ، وهذا ما تذهب إليه الشيعة الضلاّل ،
وسار على طريقة الشيعة : الصوفية ، فالدين عندهم يؤخذ من مشايخ الطرق الضالة
وقريب منهم : جماعة الإخوان المسلمين ، فغالبا ما يقدمون أقوال مشايخهم ودعاتهم على نصوص الكتاب والسنة ، وهذا يعرفه كل من خالطهم أو قرأ منهجهم أو كان معهم وتركهم ،
فهم مثلا : يدعون إلى الديمقراطية ، لأن مشايخهم يرون ذلك ، ويدعون إلى الدخول إلى المجالس التشريعية الشركية ، لأن دعاتهم يرون ذلك ، ويدعون إلى التقارب بين السنة والشيعة لأن مشايخهم يرون ذلك ، ويرون الصلاة في المساجد التي بها قبور لأن مشايخهم يرون ذلك ، وهكذا ، وكل مثل ذلك وأشد عن الجماعة الإسلامية أصحاب التقلبات المنهجية والفكرية
2 ـ ومنهم من يرد التنازع إلى العقول والآراء ، كما هو حال المتكلمين عامة والمعتزلة على وجه الخصوص
3 ـ ومنهم من يرد التنازع والاختلاف إلى الأصول الفاسدة المخالفة لأصول أهل السنة والجماعة ، ويأتي على رأس هؤلاء المعتزلة والجهمية
قلت : والضابط في ذلك : هو منهج التلقي ، فمن كان منهجه التلقي من الكتاب والسنة فإليهما يرد كل نزاع أو خلاف ، ومن كان منهجه التلقي من غير الكتاب والسنة فإليهما يرد كل نزاع أو اختلاف
ثانيا : هذا الأصل مبنى على الأصل الرابع ، لأن من تمام الانقياد والإذعان عند حدوث تنازع واختلاف أن يُرد ذلك إلى الكتاب والسنة
فالأصل في ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (24)
فإذا وقع نزاع واختلاف فمقتضى الاستجابة لله وللرسول : هو الرجوع إلى الله والرسول ـ صلى الله عليه وسلم
ثالثا : الأدلة على صحة هذا الأصل :
1 ـ قال تعالى ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (10)
يعنى : أن الذي نتوكل عليه وإليه نرجع ـ هو الموصوف بالربوبية ، فله وحده أن يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، فقوله سبحانه " ذلكم الله ربى " تعليل لسبب قصر الحكم عليه ، أي : لأنه هو الرب فمقتضى ولازم ذلك أن يكون هو سبحانه هو الحكم بين عباده ، ومن أراد المزيد والتوسع فليرجع إلى تفسير هذه الآية في تفسير أضواء البيان للإمام الشنقيطى ، فإنه ذكر في هذا الموضع صفات من له الحكم
2ـ قال تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (64)
الآية فيها دليل واضح : أن من أغراض ومقاصد نزول القران الكريم على النبي صلى الله عليه ـ قيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببيان ما اختلف الناس فيه
3 ـ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (59)
يستفاد من هذه الآية أمور :
الأول : أن الاختلاف واقع لا محالة بين الأمة الإسلامية ، كما في هذه الآيات " وما اختلفتم فيه من شئ " "فان تنازعتم في شئ "
وقد بين الله تعالى أن الاختلاف سنة جارية بين خلقه فقال ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
وبذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " 00 فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا 000 " رواه احمد وغيره وهو حديث صحيح
وكذلك إخباره بتفرق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وإنما جاء هذا البيان في الكتاب والسنة قطعا للعذر وإقامة للحجة " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة"
الثاني : تقسيم الطاعة إلى قسمين : طاعة مطلقة ، وطاعة مقيدة
فالطاعة المطلقة : لا تكون إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما هو معلوم وكما هو ظاهر من سياق الآية المباركة
والطاعة المقيدة فهي : طاعة أولى الأمر ، سواء كانوا الأمراء أو العلماء ، وهذه الطاعة مقيدة بثلاثة قيود :
القيد الأول : أن يكون ولاة الأمر من المسلمين ، لقوله تعالى " وأولى الأمر منكم " يعنى من المسلمين ،
يؤخذ من ذلك : وجوب العلم بأحوال الحكام الذين يحكمون الناس لما يترتب على ذلك من التبعات
القيد الثاني : أن طاعتهم تكون في المعروف " إنما الطاعة في المعروف " " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " وإن كان ولاة الأمر من المسلمين يأمرون بطاعة ومعصية : فيجب طاعتهم في المعروف فقط ، أما المعصية فلا ،
فهذا المأمون : أمير المؤمنين ـ أخذ بقول المعتزلة في مسالة : خلق القران ، ودعا الناس إلى ذلك ، وأمرهم بذلك ، بل كان يعاقب من قال بخلاف ما ذهب إليه ، بالضرب أو بالسجن أو بالقتل ، فقام الإمام أحمد بعصيانه في ذلك ، ولم يرى له طاعة في ذلك ، لأن ذلك خلاف الحق الثابت في الكتاب والسنة
القيد الثالث : مطلق النزاع يُرد إلى الكتاب والسنة ، لقوله تعالى " فإن تنازعتم في شئ "
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ " فإن تنازعتم في شئ " نكرة في سياق الشرط ـ تعمّ كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله ، جليه وخفيه 000 " اهـ أعلام الموقعين ج1 ص49
كثير من الناس يفهم من هذه الآية : أنه يجب عليهم ردّ النزاع والاختلاف إلى الله والرسول في الخصومات والحقوق ، وما شابه ذلك ـ فقط ـ بل هذا جانب من الجوانب التي جاء الشرع ببيانها وتفصيلها ، ولكن الأمر أوسع من ذلك فيجب ردّ النزاع إلى الله ورسوله في مسائل أصول الدين والاعتقاد ، وهكذا
الرابع : المراد بردّ النزاع إلى الله والرسول :
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " 000 ومنها أن الناس أجمعوا أن الردّ إلى الله ـ سبحانه ـ هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ـ هو الرد إليه نفسه في حياته ـ والرد إلى سنته بعد وفاته " اهـ أعلام الموقعين ج1 ص49
الخامس : لماذا الرد إلى الكتاب والسنة دون غيرهما ؟
لأن حكم ما تنازع الناس فيه لا يوجد إلا في الكتاب والسنة ، وإلا فما فائدة الرد اليهما إن لم يوجد فيهما البيان الفصل
السادس : تلازم الظاهر والباطن :
يؤخذ ذلك من قوله تعالى " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"
والمعنى : إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر : فسوف تردون النزاع إلى الله ورسوله ، وهذا يعنى أن من لم يرد النزاع إلى الله ورسوله لا يكون مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر ، وهذا دليل واضح على قاعدة تلازم الظاهر والباطن ، كقوله تعالى " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "
أي: أنهم اتخذوهم أولياء لعدم إيمانهم بالله والنبي ، لأن الإيمان الصحيح يمنع صاحبه من موالاة الكافرين ،
لأجل ذلك استنبط العلماء قاعدة مهمة بصدد ذلك وهى : الاستدلال بعمل الإنسان على عقيدته
الأمور المستفادة من هذا الأصل :
1ـ يؤخذ من هذاالأصل : أن الشريعة الإسلامية حاكمة لا محكوم عليها
وهذه قوتُها وحجيتُها ، وهذا يعنى : أن الشريعة الإسلامية حاكمة على أقوال وأفعال ومعتقدات الناس بالصحة أو البطلان ، وإنما كانت الشريعة حاكمة لأجل إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، ويدخل في نطاق هذا كل اختلاف ونزاع وقع ، أو سوف يقع ، فالرد فيه إلى حكم الشريعة 0
من الانحراف والضلال قديما وحديثا حول هذا الجانب :
أ ـ المتعصبينمن أهل المذاهب الفقهية ، وكذلك المتعصبين للمذاهب الاعتقادية من أهل الأهواء ، جعلوا النصوص وما جاء في الشريعة محكوما عليها بأقوالهم وأقوال أئمتهم
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " وأما المتعصبون فإنهم عكسوا القضية ، ونظروا في السنة ، فما وافق أقوالهم منها قبلوه ، وما خالفها تحيّلوا في رده أو رد دلالته " اهـ أعلام الموقعين ج1ص76
ومن الأقوال القبيحة في ذلك : قول أبى الحسن الكرخى ـ من أئمة الأحناف ، كانت وفاته في عام 340 هـ يعنى في القرن الرابع الهجري
قال " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة ، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ " اهـ كتاب الحديث حجة بنفسي ص88 نقلا عن كتاب الدر المختار ج1 ص45
ب ـ الاستفتاء على الشريعةـ في عصرنا من أقبح صور الحكم على الشريعة ، ولها عدة صور ـ فأحيانا يكون الاستفتاء عن طريق الشعب مباشرة ـ وأحيانا : يكون عن طريق نواب الشعب في المجالس النيابية ـ هل نطبق شرع الله أم لا ـ وهذا كله يتم باسم الديمقراطية ـ
ومن أخطر هذه الصور وأشدها قبحا وتلبيسا : ما يفعله طارق السويدان في قناة الرسالة ـ في برنامجه " الوسطية " فانه يأتى بفريقين من الناس سواء من المسلمين ، أو من المتأسلمين من أصحاب المذاهب الكفرية ، ويقوم هذا الرجل ـ بطرح قضية من قضايا الشرع الحنيف على الفريقين ، وكل فريق يقول ما يراه صوابا ، ولم يكتف بذلك بل يأخذ رأى الجمهور عن طريق المناقشة أحيانا ، وعن طريق الاستفتاء أحيانا ، ثم يأتى هو في نهاية الحلقة بتلبيسات وضلالات حول القضية المطروحة ويزيدها تلبيسا على الناس 0
ماذا يعنى ذلك ؟
يعنى : أـ أن الشريعة محكوم عليها وليست حاكمة
ب ـ أن تطبيق الشريعة الإسلامية رهن بإرادة المخلوقين ، وأنهم مخيرون في السماح بتطبيقها أو عدمه ، وهذا هو الكفر الصراح
ج ـ أن الله تعالى ليس حاكما بل محكوم عليه وعلى شريعته ـ عياذا بالله ـ
قال شارح الطحاوية " فإنه إن اعتقد أن الحكم بما انزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو إستهان به مع مع تيقنه أنه حكم الله ، فهذا كفر اكبر " اهـ شرح العقيد الطحاوية ص323
من ثمرات الاستخفاف بحكم الله وشرعه :
أصبح أهل المجون والفسق من أهل الفن ومن على شاكلتهم هم الذين يناقشون مسائل الشريعة ، بل إنهم يخصصون لذلك بعض الأفلام والمسرحيات ، التي لا تخلو من الاستهزاء بشرع الله 0
2ـ يؤخذ من هذا الأصل : لا عصمة لأحد بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم
وهذا واضح من خلال الأمر بالرد إلى الله ـ عز وجل ـ ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ، لأن نصوص الشريعة معصومة ، وفى نفس الوقت لم يأمر بالرد إلى رأى فلان أو قول فلان ، مهما كان علمه ، فيؤخذ من ذلك : انه لا عصمة لقول أحد بعد قول الله وقول رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
يستفاد من ذلك : إبطال ما عليه الشيعة من القول بعصمة ألائمة ، وكذلك : الإنكار على متعصبي المذاهب من المقلدة وغيرهم ، على الرغم من أن الأئمة الكبار جميعهم نهوا أتباعهم عن التقليد وأخبروهم أن كل احد يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم
مسالة : هل هناك رد إلى العلماء ؟
نعم هناك رد إلى العلماء العاملين بالكتاب والسنة ، فليس كل أحد يستطيع أن يرجع بمفرده إلى نصوص الكتاب والسنة في كل مسالة من المسائل
قال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )(43)"
وقال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (83)
الحذر من صنفين من العلماء :
الصنف الأول :العلماء الذين لا صلة لهم بالواقع ، وإنما علمهم لا يتعدى العلم النظري بحفظ النصوص وتدريسه لطلبة العلم ، مع البعد عن تطبيق هذه النصوص على الواقع ، أو بفهم الواقع فهما خاطئا
وفى زماننا هذا من هذا الصنف الكثير من العلماء ، خاصة المنتسبين للسلفية
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " ولا يتمكن المفتى ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه ، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما
والنوع الثاني :فهم الواجب في الواقع وهو : فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر " اهـ أعلام الموقعين ج1 ص 87ـ 88
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ أيضا ـ " ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتابه في : الخلع ـ عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ " لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال ،
أولها :أن تكون له نية ، فان لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور ،
والثانية :أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة
الثالثة :أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته
الرابعة :الكفاية وإلا مضغه الناس
الخامسة :معرفة الناس
ثم قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " وأما قوله :الخامسة : معرفة الناس " فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتى والحاكم فان لم يكن فقيها فيه ، فقيها في الأمر والنهى ثم يطبق أحدهما على الآخر ، وإلا كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح ، فانه إذا لم يكن فقيها في الأمر ، له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه ، والمُحق بصورة المبُطل وعكسه ، وراج عليه المكر والخداع والإحتيال ، وتصور له الزنديق في صورة الصديق ، والكاذب في صورة الصادق ، ولبس كل مبطل ثوب زور والكذب والفجور ، وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا ، بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم ، فان الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال ، وذلك كله من دين الله كما تقدم بيانه ، وبالله التوفيق " اهـ أعلام الموقعين ج4 ص199 ـ 205 باختصار
الصنف الثاني :يجب الحذر من علماء الدنيا ، الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ، فما أرادوا إلا المنصب أو الجاه ، أو المال ، ونحو ذلك ، فهؤلاء غالبا يدورون حيث دار السلطان مع إعراضهم عن هدى القران والسنة
قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " رواه الإمام احمد عن كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وقد شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة مستقلة
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ، فلا بد أن يقول على الله في فتواه وحكمه ، في خبره وإلزامه ، لأن أحكام الرب ـ جل وعلا ـ كثيرا ما تأتى على خلاف أغراض الناس ولا سيما أهل الرياسة ، والذين يتبعون الشهوات ، فإنهم لا تتم لهم أغراض إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا ، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما بضاده من الحق " اهـ الفوائد ص100
قال عبد الله بن المبارك ـ رحمه الله ـ
وهل افسد الدين إلا الملوك وأحبار سؤ ورهبانها
فوجب الحذر من هذين الصنفين من أهل العلم ، من انقطعت صلته بالواقع ، ومن اثر الدنيا ، خاصة في المسائل المتعلقة بالجهاد ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وكل ما فيه مساس بما يتعلق بالطواغيت ، كالحكم عليهم ، والخروج عليهم ، وكذلك مسائل التكفير التي تتعلق بالمجاهرين بالكفر ـ إلى غير ذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
" والواجب : أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون أهل الدنيا الذي يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين ، فلا يؤخذ برأيهم ، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا " اهـ الاختيارات الفقهية ص311
سادسا : الأصل السادس :
كل ما خالف الشريعة فهو باطل ووجب رده
وهذا الأصل مبنى على الأصل الخامس ـ وهو : رد النزاع والخلاف إلى نصوص الوحي من الكتاب والسنة ، فما وافق الكتاب والسنة فهو الحق الذي وجب قبوله والعمل به ، وما خالف الكتاب والسنة فهو مردود وباطل ووجب إنكاره وعدم العمل به ، ولا يترتب عليه أي أثر
دليل هذا الأصل :ما ثبت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفى رواية لمسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
ولا شك أن هذا الأصل شرط من شروط قبول العمل ، والشرط الثاني : هو الإخلاص ، قال تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (2)
وقوله (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (110)
الأمور المترتبة على هذا الأصل :
أـ رد جميع البدع إجمالا وتفصيلا :ذلك أن كل بدعة في الدين ضلالة ، كما ثبت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ وهذا أمر متفق عليه عند أهل السنة ، أن جميع أصناف البدع محرمة ، ولكن مع الفارق بين البدع المكفرة وغير المكفرة ،
والضرورة في هذا الواقع أصبحت ملحّة في الوقوف على أنواع البدع ، وحكم أصاحبها ، والأحكام المتعلقة بأهل البدع ، وغير ذلك
وقد اهتم العلماء بذلك فوضعوا الكثير من الكتب الخاصة بذلك ، منها : كتاب " الاعتصام " للشاطبى ، وهو من أهم الكتب في هذا الباب ، وكتاب " السنن والمبتدعات " للشقيرى ، وكتاب " الإبداع في مضار الابتداع " لعلى محفوظ ، مع الرجوع لكتب المقالات التي كتبها أهل السنة
ب ـ وجوب رد فتاوى المفتين المخالفة للكتاب والسنة وإن كانت صادرة عن المجتهدين
وعلى هذه المسالة بوب الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ فقال : " باب إذا اجتهد العامل ـ أو الحاكم ـ فاخطأ ، خلاف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير علم فحكمه مردود لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " اهـ فتح الباري ج13 ص317
وهذا الباب ذكره الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتاب الاعتصام من صحيحه مما يدل على الفقه الكبير للإمام البخاري ، لأن من اعتصم بنصوص الوحي من الكتاب والسنة وجب عليه أن يرد كل ما خالفهما ، وإن كان ذلك صادر من حاكم أو قاضى ، أو مفتى ، أو مجتهد
ويجب التفريق بين أمرين : الأول : رد كل ما خالف الكتاب والسنة ، وإن كان صادر عن أعلم الناس ،
الثاني : أن المجتهد مأجور على اجتهاده على الرغم من خطأه ، لما ثبت في ذلك ، فقد روى الإمام البخاري من حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله أجر
ج ـ رد الأقوال المرجوحة التي لا دليل عليها
سواء كان ذلك في بعض مسائل الاعتقاد الخفية التي وقع فيها نزاع بين أهل العلم ، أو في مسائل الفقه العملية
لذلك قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأى ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "
وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي ، وبعد موتى
وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ أيضا ـ " إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقولوا بسنة رسول الله ـ ودعوا ما قلت "
والأقوال في ذلك كثيرة منقولة عن السلف ، ذكرها ابن القيم ـ رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين ، وغيره من العلماء
وفى هذا رد كاف على أهل التعصب المذهبي ، وعلى من يقولون بوجوب تقليد إمام بعينه في كل ما قاله ، فإن هذا القول خلاف ما جاء في الكتاب والسنة ، والله المستعان
تنبيه وبيان
إذن : فمن باب أولى إذا كانت الأقوال المرجوحة المخالفة للكتاب والسنة مردودة وباطلة ، وكذلك فتوى المفتى مردودة إذا كانت مخالفة للنصوص ، وإن كانت صادرة عن اجتهاد ، إذا كان الأمر كذلك فمن باب أولى فإن أحكام القضاة في البلدان العلمانية التي تحكم بالقوانين الوضعية مردودة وباطلة من الأصل ، لأن هؤلاء لم يجتهدوا في أحكام الشريعة أصلا ، بل هم يحكمون في الأصل بغير شريعة الله ، ولا يحل لإنسان مسلم أن يأخذ حقا ليس له بمقتضى القانون الوضعي ، أو عن طريق التحايل ، والخداع
روى البخاري عن أم سلمة ، رضي الله عنها ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلىّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما اسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " وفى رواية " فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها "
هذا الحديث ذكره البخاري ـ رحمه الله في كتاب " الأحكام " من صحيحه : باب : من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلا لا "
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ " وفيه أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ، ويحكم له به ، انه لا يحل تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم " اهـ فتح الباري ج13 ص174
وقال الحافظ أيضا " فإنما أقطع له قطعة من النار " أي : إن أخذها مع علم بأنها حرام عليه دخل النار " فتح الباري ج13 ص393،
سابعا : الأصل السابع :
سد ذرائع الإحداث في الدين
والدليل على ذلك :تحذير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الإحداث في الدين ، كما في حديث العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا " 000 وإياكم ومحدثات الأمور 0000 " رواه الإمام احمد وغيره وصححه الشيخ الالبانى
والإحداث في الدين يتحقق إما بالزيادة فيه وإما بالنقص منه ، أو بتبديله ، أو تحريفه ، والإحداث في الدين لا شك في تحريمه ، وصاحبه إما أن يفسق وإما أن يُبدع وإما أن يُكّفر
روى البخاري عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه ـ " أنا فرطكم على الحوض ، ليُرفعن إلىّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أى رب أصحابى ، فيقول : لا تدرى ما أحدثوا بعدك "
ورواه البخاري عن ابى سعيد ـ رضي الله عنه ـ بلفظ " إنك لا تدرى ما بدّلوا بعدك ، فأقول سحقا سحقا لمن بدّل بعدى "
ورواه عن ابن عباس مرفوعا بلفظ " ألا انه يجاء برجال من أمتى فُيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يارب أصيحابى ، فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " فيقال :إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم "
وقوله " أصيحابى " هكذا لأكثر الرواة بصيغة التصغير ، إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك وهم بعض جفاة الأعراب
أورد الإمام البخاري هذا الحديث في أول كتاب الفتن من صحيحه ، إشارة منه على عادته في تراجمه ـ إلى أن الإحداث في الدين والتبديل فيه من أعظم أسباب الفتن والردة ، بل هو أصلها ، وهو كذلك قديما وحديثا ـ
قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63)
ضوابط سد ذرائع الإحداث في الدين
أ ـ النهى عن البدع والتحذير منها :
روى الترمذي وأحمد وغيرهما من حديث العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا " 0000 وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " فكل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة
قال الشيخ حافظ حكمي ـ رحمه الله ـ " ثم اعلم أن البدع كلها مردودة ليس فيها شئ مقبول ، وكلها قبيحة ليس فيها حسن ، وكلها ضلال ليس فيها هدى ، وكلها أوزار ليس فيها أجر ، وكلها باطل ليس فيها حق " اهـ معارج القبول ج2 ص616
ولقد قسّم الإمام العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ البدعة إلى الأحكام الخمسة : الواجب ، والمندوب ، والمباح ، والحرام ، والمكروه ، وهذا التقسيم لا أصل له ، فكيف يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " كل بدعة ضلالة " ويأتى عالم مهما كان علمه ويقول إن هناك بدعة واجبة
لذلك قال الإمام الشاطبى ـ رحمه الله ـ " إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي " اهـ الاعتصام ج1 ص191
وكل من أحدث حدثا من بدعة ، أو تبديل للدين فعليه وزره ووزر من عمل به ، وفى هذا وعيد شديد لسد ذريعة هذا الفساد
روى مسلم عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا " من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شئيا"
وروى مسلم عن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا " ومن سن في الإسلام سنة سيئة 00000 " الحديث
ومن الوعيد الثابت في ذلك : ما رواه مسلم عن على ـ رضي الله عنه ـ قال " حدثني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأربع كلمات " لعن الله من ذبح لغير الله ، لعن الله من لعن والديه ، لعن الله من أوى محدثا ، لعن الله من غيّر منا الأرض "
ب ـ التحذير من ترئيس الجُهال
فجاهل الدين وأحكام الشرع ، لا يؤخذ بقوله ، ولا يصلح أن يتصدر الدعوة ، فضلا عن الفتوى ، فإن ذلك من أعظم أسباب الفساد والضلال
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " " إن الله لا ينزع العلم بعد أن اعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يُستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويُضلون "
وفى رواية متفق عليها عنه ، مرفوعا " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "
وفى هذا الزمان أصبح أكثر المتصدرين للدعوة يحملون عقائد فاسدة أو يغلب عليهم ذلك ، أضف إلى ذلك المتعالمين من أصحاب الشهادات العلمية الذين يأكلون فقط من خلال وظائفهم هذه
ج ـ الحض والحث على قيام العلماء بواجبهم
الأصل أن العلماء يجب عليهم أن يقوموا بواجبهم الذي كلفهم الله به من البيان ونشر العلم ، ودعوة الناس إلى الحق ، وإلا فلماذا أمر الله الناس بالرجوع إلى العلماء في قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (43)
ولقد توعد الله تعالى أهل العلم الكاتمين للحق بوعيد شديد ـ في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )(160)
وقد بيّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن من الفتن الخطيرة أن يُوسدّ الأمر لغير أهله ـ كما في حديث البخاري ـ عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا " 000 إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قيل : وكيف إضاعتها ؟ قال : إذا وُسدّ الأمر لغير أهله "
د ـ ذم القياس الفاسد وكذلك الرأي الفاسد
فأول من قاس قياسا فاسدا هو إبليس ـ لعنه الله ـ كما في قول الله تعالى " قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "
فعارض ـ لعنه الله ـ الأمر الإلهى بالسجود لآدم ـ عليه السلام ـ بالقياس الفاسد ، وكذلك كل من فعل ذلك وقاس قياسا فاسدا فهو من أتباع إبليس ـ لعنه الله ـ
والقياس الفاسد ، والرأى الفاسد ، ما كان على خلاف النص الشرعي ، وهذا النوع من القياس الفاسد كان سببا في ردّ الكثير من النصوص الشرعية ، سواء في مسائل الاعتقاد ، أو في مسائل الأحكام ، كما وقع من أصحاب الفرق الضالة في مسائل أسماء الله وصفاته ،
ولقد حذر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من هذا المسلك البدعى
روى البيهقى عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال " ليس عام إلا الذي بعده شر منه ، لا أقول عام خير من عام ، ولا أمير خير من أمير ، ولكن ذهاب العلم ، ثم يَحدُثُ قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام " اهـ فتح الباري ج13 ص283
وروى البخاري عن سهل بن حنيف ـ رضي الله عنه ـ قال " ياايها الناس اتهموا رأيكم على دينكم ، فقد رأيتُنى يوم أبى جندل ، ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرددته " ويوم أبى جندل : أى يوم الحديبية
وروى اللالكائى بسنده عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال " إياكم وأصحاب الرأى ، فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأى فضلوا وأضلوا " اهـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة ج1 ص123
هـ النهى عن الغلو والتشدد في الدين
روى مسلم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " هلك المتنطعون ـ قالها ثلاثا "
قال الإمام الخطابي ـ رحمه الله ـ " المتنطع : المتعمق في الشئ الخائض فيما لا تبلغه العقول "
كالذين يخوضون في حقيقة صفات الرب جل وعلا ـ والذين يخوضون في حقيقة ذات الرب ـ سبحانه
وكذلك من التنطع السؤال عن المتشابه كما فعل أهل البدع ، وكذلك السؤال عن ما لا ينبني عليه عمل
روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعا " إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " وصححه ابن خزيمة وابن حبان
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " وهذا عام في أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال " انظر فتح المجيد ص228
* الغلو هو سبب كفر النصارى ، قال تعالى ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْإِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) (171)
والآية تدل على أن من قال على الله بغير حق فهو من أهل الغلو ، فإن ثمرة الغلو : القول على الله بغير حق
فالنصارى غلو في عيسى ـ علية السلام ـ حتى جعلوه إلها ـ قال تعالى عن حال طائفة من النصارى ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(17)
* الغلو في الدين سبب شرك المشركين بعبادة غير رب العالمين
قال شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ " في كتاب التوحيد " باب ما جاء أن سبب كفر بنى أدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين " وذكر فيه حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى ( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )(23) اهـ فتح المجيد 218
· الغلو في الدين جعل بعض فرق الشيعة يقولون بعصمة أئمتهم ، بل منهم من يرفعون أئمتهم إلى منزلة الألوهية
· ومن الغلو أيضا : تعظيم المقبورين من الصالحين وغيرهم ـ حتى أفضى ذلك إلى عبادة المقبورين من دون الله تعالى ، كما يفعل عبّاد القبور ، وكما يفعل بعض فرق الشيعة ،
والسبب في ذلك ، أنهم رفعوا هؤلاء المقبورين فوق منزلتهم ومكانتهم
· ومن الغلو في الدين : تقديم أقوال بعض العلماء على النصوص الشرعية ، لأن هؤلاء العلماء لهم منزلة ومكانة عند هؤلاء فتعصبوا لهم أكثر من تعصبهم للنصوص
و ـ النهى عن الجدال والمراء والاختلاف
قال البخاري رحمه الله " في كتاب الاعتصام " باب : كراهية الاختلاف " ثم ذكر حديث " إقرأوا القران ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه " اهـ فتح الباري ج13 ص235
وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله ابن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن نفرا من الصحابة ذكروا آية من القران ، فتماروا فيها حتى إذا ارتفعت أصواتهم ، فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مغضبا ، قد احمر وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول " مهلا يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القران لم ينزل يكذب بعضه بعضا ، بل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه " صححه الشيخ الألبانى في شرح العقيدة الطحاوية
أما سبب الجدال والاختلاف غالبا ما يكون بسبب :
1 ـ الجهل من المختلفين ، أو جهل أحدهم
2 ـ كذلك البغي ـ أن يبغى بعضهم على بعض
3 ـ والهوى وإتباعه دون حجة أو برهان
4 ـ الكبر عن إتباع الحق
5 ـ التعنت وعدم رد النزاع إلى الكتاب والسنة ومن عنده علم فيهما
قال تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
والبغي يدخل تحته : الهوى والحسد والكبر ، وغير ذلك
ز ـ النهى عن التشبه بأهل الكتاب أو المشركين أو الأخذ عنهم
الآيات كثيرة جدا في النهى عن التشبه بالمشركين والكفار وعدم طاعتهم في شئ لما يؤدى إليه ذلك التشبه بهم في الوقوع في الشرك أو البدعة أو الفسق
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ) (100)
وفريق عريض من المتأسلمين الآن يطيعون الكفار ، ويدعون إلى نفس دعوة الكفار من الدعوة إلى العلمانية ، أو الديمقراطية ، أو الاشتراكية ، أو الدعوة إلى تقارب الأديان ، أو الدعوة إلى الإخاء الإنساني ، والتعايش السلمي ، وإلغاء الفوارق الدينية ، وتشريع بند المواطنة ، إلى غير ذلك
على الرغم من التحذير الشديد الصادر من رب العالمين لطائفة المسلمين : إن المشركين والكفار لا يردون الخير بالمسلمين ، بل لا يريدون إلا انحرافهم وتركهم لدينهم
قال تعالى (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا )(89)
من أجل ذلك يحاربون المسلمين في كل مكان
قال تعالى ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(217)
وأخبر الله تعالى أن الكفار لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا في حالة واحدة وهى : أن يكون المسلمون على ما هم عليه
قال تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (120)
ولقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من إتباع سنن الأمم الهالكة السابقة
ففي الحديث المتفق عليه عن أبى سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ " لتتبعُن سنَنَ من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن " ؟
ولقد وقع ذلك تصديقا لخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأصبح أكثر المنتسبين إلى الإسلام يتشبهون باليهود والنصارى في أشياء كثيرة ، حتى وقع ذلك لمن يقوم بالدعوة إلى الله تعالى ، فيتزى بزيهم ، ولم يكتف بذلك بل آل الأمر ببعضهم أن يدعوا إلى هدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو حالق لحيته وشاربه ، وكأنه يقول بلسان حاله : إنه لا قيمة لهذا الهدى الظاهر الذي كان عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة ـ رضي الله عنهم
أما في النهى عن سؤالهم أو عن الأخذ عنهم :
فقد روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال " كيف تسالون أهل الكتاب عن شئ ، وكتابكم الذي أنزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدث ، تقرءونه محضا لم يشب ، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيروه ، وكتبوا بأيدهم الكتاب ، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم " وفى رواية له " أو لا ينهاكم " رواه البخاري في كتاب الاعتصام ـ باب : قول النبي " لتتبعُن سنن من كان قبلكم " وباب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ " انظر فتح الباري ج13 ص300 ـ333
مسالة : هل وقع مصداق ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ؟
لاشك أن ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقع ، وهذا ظاهر لا ينكره إلا أعمى البصر والبصيرة ، وهاك بعض الأمثلة :
1 ـ عقيدة الحلول التي كانت عند النصارى انتقلت إلى فريق عريض من غلاة الصوفية ، كما عند طائفة ابن عربي ، والحلاج ، وغيرهما
2 ـ الغلو في الصالحين وعبادة المقبورين من دون الله تعالى ، كما وقع من أكثر المتصوفة من عبّاد القبور
3 ـ وقوع التفرق والاختلاف ، وظهور المذاهب الاعتقادية الباطلة ، وهذا ظهر في أواخر عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بظهور الفرق الضالة ، ولا زال أمرهم ظاهر وواضح في الأمة في معظم أقطارها
4 ـ كتمان الحق والتلبيس على الناس ، وقع ذلك من أكثر علماء المسلمين خاصة في العصور المتأخرة ، وهم بذلك يتشبهون بعلماء أهل الكتاب
5 ـ عبادة الأشخاص من دون الله ، كما وقع لليهود والنصارى ، من اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فهناك المشرعين من دون الله الذين اتبعهم الناس سواء كانوا من العلماء أو بعض الهيئات التي تقوم بتحليل الحرام ، وتحريم الحلال
6 ـ الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ، كما هو الحال عند أمم الكفر باسم الدعوة إلى الديمقراطية لعصبيات الجاهلية ، فجعلوا هذه الدعوات قائمة مكان الدعوة إلى الدين ، فأصبح الأصل عند الدول الاجتماع العرقي أو الاجتماع القومي أو الوطني ، وهكذا حتى أصبح هذا المذهب هو السائد عند معظم الدول
7 ـ الدعوة إلى القوميات والعصبيات الجاهلية ، فجعلوا هذه الدعوات قائمة مكان الدعوة إلى الدين ، فأصبح الأصل عند الدول الاجتماع العرقي أو الاجتماع القومي أو الوطني ، وهكذا
8 ـ متابعة الأمم الكفرية في أنظمتها ومناهج حياتها ، فقد تابعت الأمة الآن ، أمم الكفر في تحكيم القوانين الوضعية المأخوذة عن أهل الكفر والشرك
9 ـ تقليد الكفار في الفسق والفجور فيما يسمى بالفنون والملاهي والمسارح والسينمات وغيرها من وسائل الفساد والإفساد
10 ـ تطبيق مناهج المشركين على المسلمين في أهم الأمور كالتربية والتعليم
11 ـ وهو من العجب العجاب وهو : أن الكثير من علماء الأزهر خاصة الذين يتبوؤن المناصب يأخذون شهاداتهم العلمية من الجامعات الكفرية الأجنبية
فهذا الشيخ " محمد البهي " حصل على إجازته العلمية من ألمانيا ، وهو الذي قام بما يسمى بتنفيذ قانون تطوير الأزهر الشريف
والشيخ " محمود شلتوت " وهو شيخ من شيوخ الأزهر حصل هو وغيره على درجاتهم العلمية من جامعات النصارى مثل جامعة : السوربون الفرنسية
وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أخبر به من إتباع الناس لسنن اليهود والنصارى حتى آل الأمر إلى مشاركتهم في أعيادهم الدينية
ومن أراد التوسع في هذه المسالة فعليه بكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية " اقتضاء الصراط المستقيم "
فائدة : ما هو الواجب على المسلم حيال الأصول السبعة السابقة ؟
الأصول السبعة السابقة أشارت إلى سبيل الحق من جانب ، وسبل الإضلال من جانب آخر ، فوجب على المسلم أن يعرف الأولى فيلتزمها ويوالى أتباعها ، وليحذر من سبل الضلالة ويعادى من سلكها
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ
" قال الله ـ تعالى ـ (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )(55)
وقال ـ سبحانه ـ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (115)
والله قد بيّن في كتابه سبيل المؤمنين مفصلة وسبيل المجرمين مفصلة ، وعاقبة هؤلاء مفصلة ، وعاقبة هؤلاء مفصلة ، وأعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء ، وأولياء هؤلاء وأولياء هؤلاء ، وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء، والأسباب التي وفق بها هؤلاء ، والأسباب التي خذل بها هؤلاء ، وجلّى ـ سبحانه ـ الأمرين في كتابه وكشفهما وأوضحهما وبينهما غاية البيان ،
فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية فاستبانت لهم السبيلان ، فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم ، وهم الأدلاّء الهداة ، وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة ، فإنهم نشأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصلة ، ثم جاءهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم ، ، فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام ، ومن الشرك إلى التوحيد ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الغي إلى الرشاد ، فعرفوا مقدار ما نالوه فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه ، ونفرة وبغضا لما انتقلوا عنه ، وكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام ، وأبغض الناس في ضده عالمين بالسبيل على التفصيل 0
وأما من جاء بعد الصحابة ، فمنهم من نشا في الإسلام غير عالم تفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين ، فان اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما ، كما قال عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية "
هذا من كمال علم عمر ـ رضي الله عنه ـ فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها ، وهو : كل ما خالف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو من الجهل ، فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تَسَتبن له أو شك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين ، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين ، ودعا إليها وكّفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله ، كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض ، وأشباههم ـ إلى أن قال رحمه الله :
والمقصود : أن الله سبحانه يُحب أن تعرف سبيل أعداءه لتُجتنب وتبغض ، كما يحب أن تعرف سبيل أوليائه لتُحب وتُسلك وفى هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله " اهـ الفوائد لابن القيم
باختصار ص108 ـ 111
ثامنا : الأصل الثامن :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
هذا هو الأصل الثامن والأخير من أصول الاعتصام بالكتاب والسنة ،
وهذا الأصل من أهم الأصول لكونه بمثابة الحافظ لبقية الأصول التي ذكرناها آنفا ، لذلك قرن الله ـ سبحانه ـ بين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبين حفظ الدين ، في قوله تعالى (الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(112)
فالأمر الثاني متعلق بالأول ، أي أنه لا يمكن القيام بحفظ الدين إلا من خلال القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
والأمر والنهى من واجبات الدين ، لقوله تعالى( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104)
وفى الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبى سعيد الخدرى ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان "
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرح صحيح مسلم ج2 ص22 ـ 24
" وأما قوله " فليغيره " فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النصيحة التىهى من الدين " ا هـ
وقال أيضا في حكم وجوبه " ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ،
ثم إنه قد يتعين : كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو ، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو ، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف
قال العلماء ـ رضي الله عنهم ـ ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فان الذكرى تنفع المؤمنين ، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهى ، لا القبول "
وقال في عدم اشتراط الولاية لمن يأمر وينهى : قال العلماء : ولا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولايات ، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين ،
قال إمام الحرمين : والدليل عليه إجماع المسلمين ، فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من غير ولاية ، والله اعلم "
وقال في عدم اشتراط كمال العدالة فيمن يأمر وينهى " قال العلماء : ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه ، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به ، والنهى وان كان متلبسا بما ينهى عنه ،فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ، ويأمر غيره وينهاه،فإذا أخلّ بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر "
وقال في اشتراط العلم فيمن يأمر وينهى " ثم إنه يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه ، وذلك يختلف باختلاف الشئ ، فإذا كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة ، كالصلاة والصيام ، والزنا والخمر ، ونحوها ، فكل المسلمين علماء بها ، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ، ولا لهم إنكاره ، بل ذلك للعلماء ، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه ، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه 000000 إلى أن قال 00000 لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن " اهـ
تعليق :كلام الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في عدم الإنكار في المختلف فيه ـ ليس على إطلاقه ، فلا بد من التفريق بين أنواع الاختلاف ، فهناك النوع الأول المتعلق باختلاف التضاد سواء في الأصول أو في الفروع ، فهذا يجب فيه الإنكار ،
والنوع الثاني : المتعلق باختلاف التنوع فهذا فيع سعة وفيه تفصيل ، والاختلاف المذموم هو الذي يكون فيه الرأى مقابل النص ، فهذا لا بد من إنكاره ، حتى وان كان من باب اختلاف التنوع
ثم قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ
" واعلم أن هذا الباب ، أعنى : باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قد ضُيّع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا ، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه ، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح ، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم "
فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله ـ عز وجل ـ أن يعتني بهذا الباب ، فان نفعه عظيم لاسيما وقد ذهب معظمه ، ويُخلص نيته ، ولا يهابنّ من يُنكر عليه لارتفاع مرتبته ، فإن الله تعالى يقول " ولينصرن الله من ينصره " اهـ ج2 ص22 ـ 24
فائدة
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يُعد فرقانا بين الإيمان والنفاق
قال تعالى ) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(67) "
قال الإمام القرطبى ـ رحمه الله ـ بعد ذكر هاتين الآيتين
" فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين ، فدلّ على أن أخصّ أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه " اهـ تفسير القرطبى ج4 ص47
بعض صور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
من صور الحفاظ على الدين والاعتصام بالكتاب والسنة ، وكلها متعلقة بالأمر والنهى ، ومنها :
أ ـ الجهاد في سبيل الله
ويكون بقتال الكفار والمرتدين المحاربين لله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعتدين على دين رب العالمين ، فهذا من أعظم أسباب حفظ الدين ، قال تعالى ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )(251)
وقال تعالى( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (40) والجهاد في سبيل الله تعالى هو رأس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ذلك لأن الجهاد سبب من أسباب زوال الشرك والمشركين ، ونشر التوحيد بين الناس
ب ـ الجرح والتعديل
وهو علم من العلوم الخاصة بالمسلمين ، وبه تُحفظ سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحفظ السنة يُعد حفظا للشريعة
ومعظم علماء أئمة الجرح والتعديل يفتتحون كتبهم بقول الني صلى الله عليه وسلم ـ ط يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " صححه الإمام أحمد بن حنبل
والغرض من ذكر ذلك في هذا الموضع : بيان أن العلماء يبينون حال رواة الأحاديث نصحا للأمة وإظهارا للحق
ج ـ القيام على أهل البدع
يتفاوت القيام على أهل البدع بما يستحقونه وذلك على حسب ما يأتونه من البدع ، ذلك أن البدعة في الشرع لم يأت له حذّ لا يزاد عليه أو ينقص منه ، كما جاء في غير ذلك من المعاصي التي جاء فيها حذّ معلوم كالسرقة والحرابة والقتل والقذف والخمر ، وغير ذلك
فالمجتهدين من أمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نظروا في هذه البدع حسب نوعها فاجتهدوا في ذلك قياسا على ما جاء في الخوارج من الأثر بقتلهم ، أو ما فعله عمر ، رضي الله عنه ـ بصبيغ العراقي
أنواع معاملة أهل البدع : كما ذكرها الإمام الشاطبى
الأول :الإرشاد والتعليم وإقامة الحجة ، كمسألة ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حين ذهب إلى الخوارج فكلمهم حتى رجع منهم ألفان أو ثلاثة ألاف
والثاني : الهجران وترك الكلام والسلام حسبما تقدم عن جملة من السلف في هجرانهم لمن تلبس ببدعة ، وما جاء عن عمر ـ رضي الله عنه ـ من قصة صبيغ العراقي
والثالث : كما غرّب عمر ـ رضي الله عنه ـ صبيغا ، ويجرى مجراه السجن ، وهو :
الرابع : كما سجنوا الحلاج قبل قتله سنين عديدة
والخامس : ذكرهم بما هم عليه وإشاعة بدعتهم كي يحذروا ، ولئلا يغتر بكلامهم ، كما جاء عن السلف
والسادس: القتال إذا ناصبوا المسلمين وخرجوا عليهم ، كما قاتل على ـ رضي الله عنه الخوارج وغيره من خلفاء السنة
والسابع : القتل إن لم يرجعوا مع الاستتابة وهو قد أظهربدعته ، وأما من أسرّها وكانت كفرا أو ما يرجع إليه فالقتل بلا استتابة ، وهو :
الثامن : لأنه من باب النفاق كالزنادقة
والتاسع : تكفير من دلّ الدليل على كفره ، كما إذا كانت البدعة صريحة في الكفر ، كالإباحية والقائلين بالحلول كالباطنية
الوجه العاشر : وذلك لأنه لا يرثهم ورثتهم من المسلمين ولا يرثون أحدا منهم ، ولا يغسلون إذا ماتوا ، ولا يصلى عليهم ، ولا يدفنون في مقابر المسلمين ، ما لم يكن المستتر ، فإن المستتر يُحكم له بحكم الظاهر ، وورثته أعرف بالنسبة إلى الميراث
والحادي عشر : الأمر بأن لا يُناكحوا ، وهو من ناحية والثاني عشر :تجريحهم على الجملة ، فلا تُقبل شهادتهم ولا الهجران ، وعدم المواصلة
روايتهم ، ولا يكونون ولاة ولا قضاة ، ولا ينصبون في منصب العدالة من إمامة أو خطابة
والثالث عشر : ترك عيادة مرضاهم ، وهو من باب الزجر والعقوبة
والرابع عشر : ترك شهود جنائزهم كذلك
والخامس عشر : الضرب ، كما ضرب عمر ـ رضي الله عنه ـ صبيغا
وروى عن مالك ـ رحمه الله ـ في القائل بالمخلوق ،أنه يُوجع ضربا ويُسجن حتى الموت ،
ورأيت في بعض تواريخ بغداد عن الشافعي أنه قال : حُكمى في أصحاب الكلام أن يُضربوا بالجريد ، ويُحملوا على الإبل ، ويطاف بهم في العشائر ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، وأخذ في الكلام يعنى : أهل البدع " اهـ من كتاب الاعتصام ج1 ص174 ـ 177 باختصار
فائدة
هل هذه الأحكام تستوي في ظل دولة الإسلام وغيابها
أما في ظل الدولة الإسلامية فالأمر واضح ، وقد كان متحققا بالصورة الكاملة ،
أما في ظل غياب الدولة الإسلامية ، كما هو الواقع الآن فالأمر يختلف ،
فالذي في وسع المسلمين الآن هو النصح والإرشاد لأهل البدع ، فان لم يرجعوا فوجب هجرانهم ، وتبديعهم مع تجريحهم وتحذير الناس منهم ،
قال تعالى( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(22)
من الكتب التي اهتمت بهذا الموضوع " الاعتصام للشاطبى ، والشريعة للآجرى ، وغيرهما
يؤخذ مما سبق : أن الفساد الذي يهدد هذا الدين يأتي عن طريقين "
الطريق الأول : الفساد الخارجي : وهذا يتم دفعه بالجهاد فيسبيل الله
الطريق الثاني : الفساد الداخلي : أي من المنتسبين لهذا الدين ، وهذا يتم دفعه بالجرح والتعديل ،ويدفع أيضا بالقيام على أهل البدع على تفصيل في ذلك
قال تعالى( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )(251)
الخلاصة :
أن أصول الاعتصام بالكتاب والسنة تنقسم إلى ثمانية أصول وهى :
الأصل الأول : أن هذه الشريعة هي دين الله الحق الذي ارتضاه لجميع خلقه إلى يوم القيامة 0
وهذا يدل على عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ـ وبقاء الشريعة إلى يوم القيامة
قال تعالى( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85)
الأصل الثاني : اعتقاد اكتمال الشريعة واستغناؤها عما عداها
قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (3)
الأصل الثالث : تحريم التقديم بين يدي الله ورسوله
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (1)
فلا يجوز تقديم العقل على النقل ، ولا يجوز تقديم دليل شرعي على آخر أقوى منه ، ولا يلتفت إلى ما ليس بدليل شرعي إلا في الأمور الاجتهادية
الأصل الرابع : تحقيق الانقياد والإذعان للوحي
قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )(36)
وقال سبحانه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )(65)
الأصل الخامس : وجوب رد المتنازع فيه إلى الله ورسوله
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (59)
فالشريعة حاكمة على أقوال الناس وأعمالهم بالصحة أو البطلان
الأصل السادس : رد وإبطال كل ما خالف الشريعة الإسلامية من قول أو فعل أو حكم
لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها
الأصل السابع : سد ذرائع الإحداث في الدين
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " 0000 وإياكم ومحدثات الأمور 000 " رواه الترمذي وصححه الشيخ الالبانى وغيره
الأصل الثامن : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
خاصة ما يتعلق بالاعتصام بالكتاب والسنة ، وهو الجرح والتعديل ، والقيام على أهل البدع ، والجهاد في سبيل الله
تم بحمد الله تعالى وله المنة والشكر
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^