تخبط المجلس العسكرى
تخبط المجلس العسكرى
كان لافتًا للنظر فى أعقاب موقعة العباسية الثانية، التى أعقبت المذبحة التى راح ضحيتها أكثر من عشرة قتلى ومئات المصابين، حدث أن قام المشير طنطاوى وقيادات بالعسكرى بزيارة المصابين من الجنود فى المستشفيات العسكرية، ويبدو أن الاستعجال لم يجعل من رتبوا الزيارة يتداركون خطورة أن يظهر بعض الجنود المصابين فى المستشفى أثناء زيارة المشير، وهم بلحى تشبه لحى الجماعات السلفية، ثم لم يحفل من رتبوا زيارة المشير أن يرتبوا زيارة رمزية أخرى للمصابين من أبناء الشعب المصرى فى المستشفيات الأخرى القريبة من الميدان، وهم ضحايا الأحداث، على الأقل لكى يفهم الناس أن المجلس العسكرى يرعى الشعب المصرى كله، وليس فقط يرعى الجنود والضباط والقوات المسلحة، غير أن الإشارة الأكثر غرابة هى حرص المشير طنطاوى والفريق سامى عنان على حضور جنازة مجند الصاعقة الشاب، الذى استشهد فى تلك الأحداث المؤسفة، وهذه أول مرة يحضر فيها المشير طنطاوى جنازة مجند مصرى منذ توليه المسؤولية خلال الفترة الانتقالية، ولم يحضر المشير طنطاوى والفريق عنان أى جنازة لجنود القوات المسلحة، الذين استشهدوا على الحدود أمام الكيان الصهيونى فى أحداث عديدة جرت فى الأشهر السابقة، فكان السؤال المنطقى: على أى أساس تمت التفرقة بين من استشهدوا على الحدود أمام "العدو"، وبين من استشهدوا فى مواجهات مع متظاهرين من "إخوانهم" أبناء وطنهم، حيث بدت الرسالة شديدة السلبية إذا فهمت على وجهها المباشر.
وقد حاول المجلس العسكرى، أمس وأول أمس، احتواء فضائح من العيار الثقيل تمثلت فى أشرطة الفيديو التى انتشرت على نطاق واسع تكشف عن وجود مجهولين بثياب مدنية يستخدمون سيارات الجيش، وينزلون منها ومشاهد بلطجية على أسطح أماكن عدة بحماية جنود وضباط وشهادات شهود عن توزيع أسلحة وقنابل مسيلة للدموع على بلطجية، أمام بعض أقسام الشرطة القريبة من العباسية، واعترافات "البلطجية" الذين أوقفهم المعتصمون بأن شخصيات رسمية سلمتهم المال والأقراص المخدرة لكى يقوموا "بغزوة الاعتصام" الشهيرة بمذبحة الجمل الثانية، فبذل المجلس العسكرى جهدًا كبيرًا واضحًا بتوزيع أشرطة بالمقابل على قنوات فضائية تكشف عن عنف من قبل المتظاهرين ضد رجال الشرطة العسكرية "المسالمين"، كما تم تجييش الإعلام الرسمى بما فيه التليفزيون بقنواته وفضائياته والصحف القومية وبعض قنوات الفلول من أجل تشويه الاحتجاجات السلمية فى نسخة نمطية مما كان يحدث فى نهايات عصر مبارك.
والحقيقة أن أسوأ ما أنتجه سلوك المجلس العسكرى طوال الفترة الانتقالية يتمثل فى إهانة صورة المؤسسة العسكرية فى ضمير المواطنين، وجعل الجيش فى صورة الجلاد أمام قطاع واسع من الشعب، لم ينظر المصريون طوال تاريخهم الحديث إلى الجيش الوطنى بوصفه أداة قمع، إلا على يد المجلس العسكرى الحالى، طوال تاريخ مصر الحديث ولجيشنا الوطنى هيبة وحرمة وقدسية فى المشاعر والضمير، فأتت الممارسات السياسية الخاطئة والمتوالية للمجلس العسكرى طوال الفترة الانتقالية لتخدش هذه الهيبة، عندما استنزفوا القوات المسلحة والشرطة العسكرية بشكل أخص فى تصفية حسابات سياسية مع القوى الوطنية، التى تمارس احتجاجات سلمية هنا أو هناك، المجلس العسكرى ظل ينفق من رصيد القوات المسلحة واحترام الشعب لها وهيبتها فى النفوس حتى وصلت الأمور إلى حد أن ينظر ملايين المصريين الآن إلى المؤسسة العسكرية بنظرة شديدة السلبية ولا أقول عدائية، ومن لطف الله بمصر أن الفترة الانتقالية قاربت على الانتهاء، حيث يأمل المصريون فى انتقال السلطة إلى قيادة مدنية تمارس دورها فى إدارة شؤون الوطن بعقل سياسى قادر على الحوار والإبداع والاحتواء السياسى، ويعود الجيش إلى ثكناته، ويغيب المجلس العسكرى عن واجهة الأحداث، وتتوقف تداعيات الانهيار الخطير فى علاقة الجيش بالشعب، والتى ستحتاج وقتًا لترميمها فى المستقبل.
almesryoongamal@gmail.com
0 comments:
welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^