رسالة الدرر المنثورة فى صفات الطائفة المنصورة ــــالفصل الأول والثانى



الدرر المنثورة في صفات الطائفة المنصورة

المقدمة
إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران:102.
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب:70-71.
أمّا بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد r، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد
بعد الثورات العربية التى وقعت فى بلاد المسلمين وقبل ذلك وأكثر الناس لا يعرف حقيقة الطائفة المنصورة كما وصفها رب العالمين وكما بين معالمها نبينا – صلى الله عليه وسلم – لذلك غالب التيارات الإسلامية يزعمون أنهم على منهج الطائفة المنصورة ،أو على الأقل هى أقرب التيارات لهذه الطائفة ،يقولون ذلك بغض النظر عما جاء فى صفات هذه الطائفة فى النصوص الشرعية
ففى واقعنا تجد بعض التيارات التى كانت تفاصل الجاهلية مفاصلة كاملة ،إذا بها تسارع لمشاركة الجاهلية فى بعض جاهليتها لأن الضرورة والواقع يفرضان عليها ذلك
وما درى هؤلاء المساكين أن الإسلام والجاهلية ضدان ونقيضان لا يجتمعان أبدا ،فالإسلام منهج لا يقبل الجاهلية ،والجاهلية منهج ولكنه يقبل من يذوب فيه حتى يصبغ بالصبغة الجاهلية بعد ذلك مع مرور الوقت
وهناك بعض التيارات الأخرى التى كانت وما زالت ترفع شعار السلفية منهجا فإذا بها لا تلتفت إلى منهج السلف فى التغيير ،حتى وصل بهم الحال إلى مجارة الجاهلية فى مصطلحاتها التى تصطدم مع المصطلحات الشرعية من أجل المصلحة وكسب الشارع وجمهور الناس ،فأصبح من المألوف التقاء السلفى الليبرالى ،والسلفى العلمانى ،وإلى الله وحده المشتكى
وهناك بعض التيارات المحسوبة على التيارات الإسلامية وهى أبعد ما تكون عن المنهج الإسلامى إلا أنها ظهرت على حقيقتها فى الأونة الأخيرة ،فهى فى الحقيقة أقرب للعلمانية من الإسلامية ،وإن شئت فانظر إلى غالب تصرفاتها وتصريحاتها ،والله المستعان
ففى وسط هذا الخضم الهائل من الغثاء يبحث المسلم الذى يريد النجاة فى الدنيا والآخرة عن هذه الطائفة المنصورة التى يجب أن يلزمها المسلم ويكون مناصرا لها ولمنهجها ولأفرادها ،هذه الطائفة التى لا يخلو منها زمان كما جاء فى النصوص الشرعية
فكانت هذه الرسالة التى تعرف تعريفا سريعا بأهم صفات وخصائص وأعمال هذه الطائفة المنصورة ،التى أسأل الله تعالى أن يجعلنى من أهلها
وهذه الرسالة اعتمدت فيها على كثرة النقول من النصوص الشرعية لأن هذا هو الأصل ،مع بعض النقولات الواردة عن المحققين من أهل العلم
واعترف أن هذه المسألة تحتاج إلى جهد أكبر يتناسب مع موضوع الرسالة ،فلعل بعض العلماء والدعاة إلى الله يهتم بذلك نصيحة لهذه الأمة حتى يجتمعوا تحت راية واحدة هى راية الطائفة المنصورة التى تتمسك بعقيدة اهل السنة الصافية قولا وعملا
والله أسأل أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصا


الفصل الأول
تواتر الأحاديث الدالة على وجود الطائفة المنصورة
أذكر طائفة من الأحاديث الثابتة عن النبى – صلى الله عليه وسلم – للوقوف على وجود هذه الطائفة واستمرار بقائها حتى قرب قيام الساعة
1- روى البخارى ومسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ )
2- وفى الصحيحين عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )
3- عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا ) صحيح سنن ابن ماجة
4- روى الإمام أحمد فى المسند عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ بِنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ ) قال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
5- روى أبو داود بإسناد صحيح عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ)
6- روى أحمد فى المسند عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام )"قال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
7- روى مسلم قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ)
8- روى مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ )وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ وَهُمْ كَذَلِكَ"
9- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ( إِنِّي سَئِمْتُ الْخَيْلَ وَأَلْقَيْتُ السِّلَاحَ وَوَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا قُلْتُ لَا قِتَالَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ يَرْفَعُ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فَيُقَاتِلُونَهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ اللَّهُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) قال الشيخ الألباني : صحيح كما فى تحقيق سنن النسائى ، وقال شعيب الأرنؤوط :فى تحقيق المسند  إسناده حسن
10- قال مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ ) رواه أحمد فى المسند - قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح
11- روى الترمذى عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ فَقَالَ عَلِيٌّ هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ" قال الشيخ الألباني : صحيح
12- عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ( لَا يَزَالُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِصَابَةٌ عَلَى الْحَقِّ وَلَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ) رواه أحمد فى المسند أحمد تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي
دلت الأحاديث على عدة أمور :
الأمر الأول : كثرة الأحاديث الصحيحة الواردة فى ذكر الطائفة المنصورة مما يدل على وجودها وأنه لا مطعن فيها بأى وجه من الوجوه 
الأمر الثانى :دلت الأحاديث على أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة ، بدليل وجود هذه الطائفة المنصورة واستمرارها
الأمر الثالث :هذه الأحاديث فيها بشرى عظيمة للمستضعفين فى الأرض وأنه مهما طال ابتلاؤهم فإن النصر آت لا ريب فيه والتمكين لأهل الإسلام هو موعود الله تعالى
الأمر الرابع : هذه الأحاديث دلت على أن المحاربين لدين الله من الطواغيت وأذنابهم مهما طال وجودهم فإلى زوال وإلى هلاك وإلى مزبلة التاريخ يذهبون وينتصر أهل الحق على رغم أنف الكافرين من العلمانيين ومن على شاكلتهم
قال تعالى
" يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف 8: 9
وقال تعالى
" يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة 32: 33
الأمر الخامس : أن هذه الأحاديث تنادى على المنتسبين إلى الإسلام  وخاصة أصحاب الاتجاهات الإسلامية المتعددة أن يتعرفوا على هذه الطائفة المنصورة ليكونوا من أهلها المناصرين للدين حقا وصدقا
الأمر السادس: هذه الأحاديث عامل من عوامل الثبات على الحق لأهل هذه الطائفة المجاهدة المنتشرة فى بلدان العامل ولن يضرها أبدا خلاف من خالفها أو خذلها أو نفّر الناس عنها
مسألة :
من هم أصحاب الطائفة المنصورة إجمالا:؟
والمراد من هذه المسألة بيان من هم الذين ينطبق عليهم وصف الطائفة المنصورة سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين
أولاً : الطائفة المنصورة :هم الصحابة رضى الله عنهم جميعا - فهم أهل الحق وهم الفرقة الناجية وهم أهل السنة الذين علموها ، ووعوها وعملوا بها ، ونقلوها ، وحملوها ، رواية ودراية ، ومنهجاً ، فهم أجدر من يستحق التسمي بأهل السنة لسبقهم إلى السنة علماً وعملاً وزمناً .
ويكفى فى بيان ذلك أن الله تعالى أثنى على الصحابة ومدحهم فى آيات كثيرة ، وكذلك مدحهم النبى – صلى الله عليه وسلم
قال تعالى " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 100]
وقال تعالى " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 18
وقال تعالى " لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر : 8
هذا عن المهاجرين
وقال تعالى عن الأنصار " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر : 9
والأحاديث الثابتة فى ثناء النبى – صلى الله عليه وسلم – على الصحابة كثيرة جدا
عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - :قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : ( لا تَسُبُّوا أصحابي فلو أن أحدا أَنفَقَ مثلَ أُحُد ذَهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيِفَهُ).
وفي رواية قال : « كان بينَ خالدِ بنِ الوليد وبينَ عبد الرحمن بنِ عوف شيء ، فسبّه خالد ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : لا تسبُّوا أصحابي، فإِن أحدَكم لو أنفق... »وذكر الحديث. أخرجه البخاري، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي،
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس خير؟ قال : (القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث) .
ثانياً :يدخل فى الطائفة المنصورة :التابعون ومن بعدهم من تابعى التابعين
وهؤلاء ورد فى حقهم النص الذى يبين مكانتهم ومنزلتهم فقد زكاهم النبى – صلى الله عليه وسلم – فى أحاديثه الصحيحة
روى مسلم وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ)
قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) .
فهذه "الخيرية" التي شهد النبي صلى الله عليه وسلم بها لهذه القرون الثلاثة تدل على تفضيلهم وسبقهم وجلالة قدرهم وسعة علمهم بشرع الله، وشدة تمسكهم بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحدة لا شريك له وطاعة رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقًا عامًّا إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة انتصارًا مطلقًا عامًّا إلا للصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فإن الهدي يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل ما قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليست مسلما إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم.
ولابد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول، قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع، ويمتنع أن يكون هؤلاء جاءوا بحق يخالف ما جاء به الرسول، فإن كل ما خالف الرسول فهو باطل، ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة، فلابد أن يكون قوله- إن كان حقا- مأخوذًا عما جاء به الرسول، موجودًا فيمن قبله، وكل قول قيل في دين الإسلام، مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون، لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه، فإنه قول باطل"اهـ منهاج السنة 5/262-263
ثالثاً :الطائفة المنصورة :هم أهل السنة والجماعة
وهم السلف الصالح الذين يعملون بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المتبعون لآثار الصحابة والتابعين وأئمة الهدى ، المقتدى بهم في الدين ، الذين لم يبتدعوا ولم يبدلوا،ولم يحدثوا في دين الله ما ليس منه .
رابعاً :الطائفة المنصورة : هم الفرقة الناجية من بين الفرق التى تشعبت وخرجت عن منهج أهل الحق ،وهى الطائفة التى زكاها النبى – صلى الله عليه وسلم -
روى البخارى ومسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ )
وفى الصحيحين عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)

خامساً :الطائفة المنصورة : هم الغرباء إذا كثرت الأهواء والضلالات والبدع ، وفسد الزمان 
وهذا ثابت فى الأحاديث الصحيحة
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - : قال : إِنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «بَدَأَ الإِسلامُ غريبًا ، وسَيَعُودُ غريبًا كما بدَأَ ، فطُوبَى للغرباءِ ». أَخرجه مسلم.
وروى مسلم أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا )
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه و سلم :( ذات يوم ونحن عنده طوبى للغرباء فقيل من الغرباء يا رسول الله قال أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) قال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره
سادساً : الطائفة المنصورة: هم أصحاب الحديث رواية ودراية علماً وعملاً ودعوة
لذلك نجد أن أئمة السلف فسروا الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ، بأنهم : ( أصحاب الحديث ) فقد روي ذلك عن ابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، وابن المديني ، وأحمد بن سنان ،وغيرهم
قال الإمام أحمد في الطائفة المنصورة : ( إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ، قال القاضي عياض:( إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث) اهـ أصول الإيمان لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ص185
قلت : وعامة المسلمين الذين على الفطرة والسلامة ولم يسلكوا مسالك أهل الأهواء والبدع ، هم على السنة ، وهم تبع لعلمائهم بالاهتداء والاقتداء .
ويقال أيضا : التخصيص بأنهم أهل الحديث فى زمن الإمام أحمد لأنهم كانوا هم القائمين بنصرة الدين والمنافحة عن الاعتقاد الصحيح والرد على المخالفين من أهل البدع الذين أدخلوا في الإسلام ما ليس منه ، الذين راموا تحريف الكلم عن مواضعه
قال الخطيب البغدادي في كتابه (شرف أصحاب الحديث بأسانيدها إلى من قالها) وهذا هو الذي اشتهر عند العلماء بل عُدَّ إجماعاً أن المعنِيَ بالجماعة وبالفرقة الناجية أنهم هم أهل الحديث والأثر يعني في زمن الإمام أحمد وما قاربه لأنهم هم الذين نفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهم الذين نصروا السنة ونصروا العقيدة الحقة وبينوها وردوا على من خالفها وأعلوا عليه النكير من كل جهة ."اهـ ج1ص123
مسألة:
قال بعض السلف: إن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث، فما مدى صحة هذا القول؟
الجواب: هذا ليس بصحيح على إطلاقه، بل لا بد من التفصيل، فإن أريد بذلك أهل الحديث المصطلح عليه، الذين يأخذون الحديث رواية ودراية وأخرج منهم الفقهاء وعلماء التفسير وما أشبه ذلك، فهذا ليس بصحيح، لأن علماء التفسير والفقهاء الذين يتحرون البناء على الدليل هم في الحقيقة من أهل الحديث، ولا يختص بأهل الحديث صناعة، لأن العلوم الشرعية تفسير، وحديث، وفقه... إلخ.
فالمقصود: إن كل من تحاكم إلى الكتاب والسنة، فهو من أهل الحديث بالمعنى العام.
وأهل الحديث هم: كل من يتحرى العمل بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيشمل الفقهاء الذين يتحرون العمل بالسنة، وإن لم يكونوا من أهل الحديث اصطلاحاً.
فشيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً لا يعتبر اصطلاحاً، من المحدثين، ومع ذلك، فهو رافع لراية الحديث.
والإمام أحمد رحمه الله تنازعه طائفتان: أهل الفقه قالوا: إنه فقيه، وأهل الحديث قالوا: إنه محدث.
وهو إمام في الفقه والحديث والتفسير، ولا شك أن أقرب الناس تمسكاً بالحديث هم الذين يعتنون به.
ويخشى من التعبير بأن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث أن يظن أنهم أهل الحديث الذين يعتنون به اصطلاحاً، فيخرج غيرهم.
فإذا قيل: أهل الحديث بالمعنى الأعم الذين يأخذون بالحديث، سواء انتسبوا إليه اصطلاحاً واعتنوا به أو لم يعتنوا، لكنهم أخذوا به، فيحنئذ يكون صحيحاً."اهـ القول المفيد ج1ص359
تعليق مفيد للشيخ الغنيمان حول حديث الطائفة المنصورة :
قال الشارح: [ قوله : (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم) قال يزيد بن هارون و أحمد بن حنبل : إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ].
أهل الحديث ليس هم الذين ينقلون الحديث ويحفظونه فقط، بل هم الذين يعملون به، ويفقهونه ويتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يحفظوا، فكل من عمل به واتبعه وسار على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من أهل الحديث، يعني من أهل السنة.
[ قال ابن المبارك و علي بن المديني و أحمد بن سنان و البخاري وغيرهم: إنهم أهل الحديث، وعن ابن المديني رواية: هم العرب، واستدل برواية من روى: هم أهل الغرب، وفسر الغرب بالدلو العظيمة؛ لأن العرب هم الذين يستقون بها.
قال النووي : يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين: ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض دون بعض منه، ويجوز إخلاء الأرض من بعضهم أولاً بأول إلى ألا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله.
انتهى ملخصاً مع زيادة فيه قاله الحافظ .
قال القرطبي : وفيه دليل على أن الإجماع حجة؛ لأن الأمة إذا اجتمعت فقد دخل فيهم الطائفة المنصورة.
قال المصنف رحمه الله : وفيه الآية العظيمة : أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وفيه البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية.
قلت:واحتج به الإمام أحمد على أن الاجتهاد لا ينقطع ما دامت هذه الطائفة موجودة.
قوله : (حتى يأتي أمر الله) الظاهر أن المراد به ما روي من قبض من بقي من المؤمنين بالريح الطيبة ووقوع الآيات العظام، ثم لا يبقى إلا شرار الناس، كما روى الحاكم أن عبد الله بن عمرو قال : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر أهل الجاهلية، فقال عقبة بن عامر لـ عبد الله : اعلم ما تقول، وأما أنا فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك، قال عبد الله : ويبعث الله ريحاً ريحها المسك، ومسها مس الحرير، فلا تترك أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة )، وفي صحيح مسلم : ( لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله ) .
المقصود في قوله: حتى لا يقال في الأرض: الله الله.
يعني: أنه لا يذكر الله ولا يعبد، بل يصبحون لا يعرفون الله، وليس معنى ذلك أن هذه الكلمة مشروعة، أي: الذكر بالاسم المفرد؛ لأن هذا من الباطل ومن البدع، فيجب أن يعرف مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الشارح: [ وعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة وما أشبهه: (حتى تأتيهم الساعة) ساعتهم، وهي وقت موتهم بهبوب الريح ذكره الحافظ .
وقد اختلف في محل هذه الطائفة فقال ابن بطال : إنها تكون في بيت المقدس كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة ( قيل : يا رسول الله! أين هم ؟ قال : في بيت المقدس )، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : هم بالشام.
وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة.
قلت:ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام وأهل بيت المقدس، فإنهم من أزمنة طويلة لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن، فإنهم كانوا في زمانهم على الحق يدعون إليه ويناظرون عليه ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير ].
قوله: (حتى لا يقال في الأرض: الله الله) هذا لا يدل على أن اللفظ المفرد يشرع الذكر به؛ لأنه ليس هذا المقصود، وإنما المقصود أنه لا يكون في الأرض من يعرف الله، إنما يبقى أناس يتهارجون تهارج الحمر، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، أما الذكر بالاسم المفرد مثل الله سواء كان مظهراً أم مضمراً، مظهراً مثل: الله، الرحمن أو مضمراً مثل هو وما أشبه ذلك، فهذا غير مشروع.
إذاً: الذكر يجب أن يكون بجملة مفيدة، وهذا غير مفيد، والواجب التقيد بما جاء به الشرع مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للإنسان أن يخترع شيئاً من عنده سواء وجد عليه طائفة من الناس أو لم يجد عليه.
وقوله: الظاهر أن المراد به ما روي من قبض من بقي من المؤمنين بالريح الطيبة، هذا جمع بين الأدلة؛ لأن في الحديث أنهم لا يزالون على ذلك حتى تقوم الساعة، وفي الحديث الآخر حتى تهب الريح التي تأتي من قبل اليمن، وتأخذ كل من كان في قلبه إيمان، ويبقى الناس الذين لا إيمان فيهم، فتكون الساعة ساعتهم يعني موتهم الذي قضى الله جل وعلا أنهم يموتون بسبب هذه الريح، فتكون الأدلة مجتمعة بذلك.
وأما مكان هذه الطائفة فكما قال الإمام النووي رحمه الله: يجوز أن تكون في مكان دون آخر، ويجوز أن يكونون متفرقين في أماكن متعددة، ولا يجب أن يكونوا على طريقة واحدة يعني: عمل واحد، ويجوز أن يكون منهم العلماء ومنهم المجاهدون، ومنهم الدعاة إلى الله، ومنهم الصالحون العباد وغير ذلك، ثم إن كلمة (طائفة) لا يلزم أن يكونوا بكثرة، حيث يكون لهم قوة واستقلال، ما يلزم هذا؛ لأن الطائفة قد تطلق على الواحد، وقد تطلق على الثلاثة، وقد تطلق على الكثرة، فيجوز أنهم يكثرون في وقت، ويقلون في وقت آخر، ويجوز أن يكونوا متنقلين في وقت دون آخر.
أما الآثار التي جاءت إنهم في الشام أو في بيت المقدس فهذا يكون في وقت دون آخر، ولا يلزم أن يكون ذلك دائماً، وبهذا تجتمع النصوص ويصبح ليس بينها خلاف، وهذا الذي اختاره المحققون وهو الظاهر.
[ومما يؤيد هذا أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة، وتوافر العلماء في ذلك الزمان، وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار: في الشام منهم أئمة، وفي الحجاز، وفي مصر، وفي العراق، وفي اليمن، وكلهم على الحق يناضلون ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلاماً لأهل السنة، وحجةً على كل مبتدع ].
هذا إذا قصد بالطائفة أنها طائفة منصورة يعني: ظاهرة، فالنصر قد يكون بالحجة والبيان، وقد يكون بالقوة، يعني: السيف والسنان، فأهل البيان والحجة هم العلماء، وأما أهل السيف والسنان فهم الأمراء والولاة، وإذا اجتمع هؤلاء وهؤلاء على الحق يأتي النصر بإذن الله، وينصرهم الله نصراً متكاملاً، وإلا ستبقى منصورة وقائمة بنوع من الأنواع، ولو أن الإنسان مثلاً قام على الحق وثبت عليه فإنه منصور في نفسه وإن قتل عليه؛ لأن الله جل وعلا أخبرنا أنه ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } [غافر:51].
ومن المعلوم أن الله جل وعلا وعده حق، لا يخلف وعده تعالى وتقدس، وإذا أخبر بذلك فلابد منه، وقد علم أن بعض الأنبياء قتل، فهل يكون هذا المقتول مخذولاً؟ كلا، بل هو منصور؛ لأنه تمسك بالحق ومات عليه، فكل من كان متمسكاً بالحق ومات عليه فهو منصور.
ولا يلزم من النصر -كما يتصور بعض الناس- أن يكون له قوة تقهر الآخرين، لا، هذا ليس لازماً.
قال الشارح: [ فعلى هذا: فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تتفرق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره، فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ : لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها.
وكل جملة من هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فإن كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وقع كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم."اهـ شرح كتاب التوحيد للغنيمان ج2ص431
سابعا : الطائفة المنصورة هم أهل الجهاد والحرب والنزال
والدلالة على ذلك ما جاء فى الحديث بقول النبى – صلى الله عليه وسلم – " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"
ويؤيده ما رواه أبو أمامة مرفوعا "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قيل يا رسول الله وأين هم قال هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" أخرجه أيضًا : أحمد (5/269 ، رقم 22374) ، والطبرانى (8/145 ، رقم 7643) .
وسيأتى مزيد بيان وتفصيل لأهل الجهاد وأن هذه الطائفة جمعت غالب الصفات الأخرى للطائفة المنصورة
                    الفصل الثانى
الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة
هل هما اسمان لطائفة واحدة أم بينهما تغاير فالطائفة المنصورة شئ والفرقة الناجية شئ آخر
قال الشيخ صالح أل الشيخ :
هذه الطائفة المنصورة هي التي قال فيها عليه الصلاة والسلام في حديث آخر "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ"، وهي التي قال فيها عليه الصلاة والسلام "وَسَتَفْتَرِقُ هذه الأمَّة عَلَى ثلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. كُلّهَا فِي النّارِ, إِلاّ وَاحِدَةً. وَهِيَ الْجَمَاعَةُ" فالطائفة المنصورة هي الفرقة الناجية وهي الجماعة بجمع أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وسميت منصورة لأن الله جل وعلا نصرها على من ناوأها بالحجة والبيان، نَصْرُها الذي وعدت به ليس نصرا بالسنان ولكنه نصر بالحجة والبيان، فهم وإن هزموا في بعض المعارك أو أُدينت دولتهم في بعض الأحيان فهم الظاهرون على من سواهم بالحجة والبيان، وهم المنصورون بما أعطاهم الله جل وعلا من الحجة والنصوص والصواب والحق على من سواهم فهم على الحق وسواهم على الباطل.
هذان اللفظان فرقة ناجية وطائفة منصورة اسمان لشيء واحد وإنما هو من باب تنوع الصفات،
فقال عنها الطائفة المنصورة هنا (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي عَلَى الْحَقّ منصورة) لأنها موعودة بالنصر
كما قال جل وعلا: "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر : 51--- فهم منصورون
كما قال تعالى "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172)وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات : 173
فقولهم هو المنصور وهو الظاهر وحجتهم هي الظاهرة، وقد يكون من النصر والتمكين في أرض الله ما أعطاهم الله جل وعلا من ذلك، وهم أيضا الفرقة الناجية التي جاءت في حديث الافتراق، ناجية يعني موعودة بالنجاة من النار، فهم موصوفون بالنصر وموصوفون بالنجاة من النار، وموصوفون بالنصر على عدوهم بالحجة والبيان، وقد يكون مع ذلك نصر بالسيف والسنان ونحو ذلك " اهـ  كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ صالح ج1ص256
وسئل الشيخ الغنيمان :
السؤال:
 هل يوجد فرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟
الجواب:
 الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة، ولكن قد تكون ناجية بلا نصر، يعني: تنجو وإن كانت مقتولة، ولا يستلزم أن يكون لها نصر؛ لأن الإنسان قد يثبت على حق فيقتل فيكون ناجياً، ولا يلزم أن يكون منصوراً على الكفار، فالنصر في الواقع هو الثبات على الدين.
فكون الإنسان يثبت على دينه حتى يلاقي ربه فهذا هو النصر.
والفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
الجواب:أن أهل السنة والجماعة لا يفرقون بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية؛ بل الفرقة الناجية عندهم هي الطائفة المنصورة والطائفة المنصورة عندهم هي الفرقة الناجية، وذلك أن الأحاديث التي جاءت فيها أوصاف الطائفة المنصورة من مثل «لاَ تَزَالُ مِنْ أُمّتِي طَائِفَةٌ عَلَى الْحَقّ لاَ يَضُرّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وهم كذلك» ومن مثل قوله عليه الصلاة والسلام« لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ » وفي الرواية الأخرى «يقاتلونهم» ونحو ذلك، هذه كلها أوصاف للطائفة المنصورة، وهذه الطائفة المنصورة عندهم هي الفرقة الناجية، وحُكي الإجماع على ذلك من أهل السنة والجماعة، والفرقة الناجية لم تأتي في حديث بهذا الاسم بخلاف الطائفة المنصورة، فإن الطائفة المنصورة ذكرت هذه اللفظة أو ما يدل عليها أما الفرقة الناجية فإنما فهمت فهما من حديث الافتراق «وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «الجماعة». فعلى هذا سموا الفرقة هذه التي هي الأولى يعني التي لم تخرج سموها الفرقة الناجية، وبيان ذلك أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية كلٌّ من اللفظين فيه نعت ليس في الأخرى، الطائفة المنصورة يعني أنها منصورة في الدنيا والفرقة الناجية يعني أنها ناجية في الآخرة، فأحد الوصفين ليس معارضا للآخر، فأحد الطائفتين وصف دنيوي وهو أنها منصورة في الدنيا كما قال تعالى"وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171)إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ(172)وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ?[الصافات:171-173]
الطائفة المنصورة في الدنيا، والفرقة الناجية فهي التي تنجو من عذاب الله في الآخرة، تنجو من عذاب النار في الآخرة فالفرقة الناجية في الآخرة هي الجماعة الحق وهي الطائفة المنصورة في الدنيا، هكذا نعلم من فهم أئمة أهل السنة والجماعة في ذلك.
مما سبق اتضح لنا أن حقيقة انتصار الداعية تتمثل فيما يلي:
1- التجرد لله والإخلاص له (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163]. وقال سبحاله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [سورة البينة، الآية: 5].
والعمل الذي لا يصاحبه الإخلاص حري بالرد وعدم القبول.
2- سلامة المنهج،وهو أن يكون وفق ما كان عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة، وهو منهج الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، قال -سبحانه-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)
 وقال صلى الله عليه وسلم " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " وقال: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي ". رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني في صحيح الجامع رقمه 2937.

3- الالتزام التام بما يدعو إليه والثبات على الطريق حتى يلقى الله،
قال -سبحانه-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الزخرف، الآية: 43].
وقال: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [سورة لقمان، الآية: 22].
وقال: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [سورة البقرة، الآيتان: 44، 45]. فالثبات على الطريق، من أقوى عوامل النصر وعلاماته.
بل إن صاحب الباطل إذا ثبت على باطله فغالبا ما ينتصر  فكيف بمن هو على الحق المبين؟.
4- الصدع بالحق، وعدم المداهنة أو الخوف من غير الله
قال- تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) [سورة الحجر، الآيتان: 94، 95]. وقال: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [سورة الكهف، الآية: 29]. وقال -سبحانه- (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [سورة المائدة، الآية: 67]. وقال: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [سورة آل عمران، الآية:187]. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) [سورة المائدة، الآية: 8]. إلى غير ذلك من الآيات التي توجب الصدع بالحق والدعوة إليه.
5- الصبر وعدم اليأس والإيقان الجازم بوعد الله ونصره لعباده  قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [سورة الصافات، الآيات: 171، 172، 173].
وقال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [سورة غافر، الآية: 51]. وقال: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)(9) [سورة يونس، الآية: 110].
وقال: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [سورة يوسف، الآية: 87].
وقال: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) [سورة الأحقاف، الآية: 35].
وقال: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) [سورة القلم، الآية: 48].
وقال: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) [سورة الروم، الآية: 60]. وقال: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [سورة السجدة، الآية: 24].
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة آل عمران، الآية: 200].
فإذا تحققت هذه المقومات، جاء النصر، فوعد الله لا يتخلف أبدا، بل إن تحقق هذه الأركان في فرد أو جماعة نصر عظيم، وما يأتي بعد ذلك من نصر هو أثر من آثار هذا الانتصار."اهـ شرح العقيدة الواسطية للغنيمان ج1ص351
والذى يظهر لى والله أعلم :
أن بين الاسمين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية عموم وخصوص ،فالطائفة المنصورة أخص من الفرقة الناجية بمعنى أن الطائفة المنصورة داخلة لا محالة فى الفرقة الناجية ، وليس العكس ، فأهل السنة جميعا كلهم ناجون كما فى الأحاديث ، ولكن ليس جميعهم ظاهرين على الحق ، بدليل الأحاديث التى خصت طائفة بعينها بالظهور والنصر
دليل من القرآن على ذلك
قال تعالى " لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً "النساء:95.
نجد أن الله تعالى فرق بين القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر الذين يدخلون في الفرقة الناجية، وبين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم الذين يدخلون في الطائفة المنصورة الظاهرة؛ فالفرق بينهما واضح من الناحية العملية ومن الناحية النظرية وإن كانا يشتركان فى الآخرة بالنجاة من العذاب بدليل قوله تعالى:) وكلاً وعد اللهُ الحسنى ( ولكن ) فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً (.
وقد تقدم معنا فى الأحاديث ما يدل على ذلك كما فى حديث" لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق .. ". " لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس  " "لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين ..". " لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم .. " وغيرها من النصوص.
فقوله – صلى الله عليه وسلم -" من أمتي .. عصابة من المسلمين" تفيد التبعيض؛ أى ليس جميع الأمة على هذه الصفة بل بعضها . والله تعالى أعلم
مسألة :
هل للطائفة المنصورة مكان محدد ؟
القول الأول : أنهم بالشام
المراد بالشام: الشام الكبرى؛ وتضم سورية، وفلسطين، ولبنان، والأردن، حتى تبوك من أراضي الجزيرة العربية
فقد جاء في الروايات أنها في الشام : فقد ورد في صحيح البخاري في حديث معاوية أن معاذ بن جبل قال : هم بالشام . صحيح البخاري مع الفتح 13/547 .
وورد أنهم أهل الغرب ففي صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) .
قال الإمام النووي :[ قوله :( لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة )
قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب العرب ، والمراد بالغرب الدلو الكبير لا ختصاصهم بها غالباً .
وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض ، وقال معاذ :هم بالشام . وجاء في حديث آخر هم ببيت المقدس ، وقيل : هم أهل الشام وما وراء ذلك قال القاضي : وقيل : المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد ، وغرب كل شيء حده ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/60.
القول الثانى :أنهم فى بيت المقدس
ورد أيضا أنها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقد ورد في حديث أبي أمامة عند الطبراني قوله - صلى الله عليه وسلم - :( هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ) .
القول الثالث : أنهم بدمشق
ورد أيضا أنها في دمشق وبيت المقدس فعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم إلى يوم القيامة ) رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عبّاد وهو مجهول كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/288 .
قال الشيخ حمود التويجري :[ وقد اختلف في محل هذه الطائفة : فقال ابن بطال :[ إنها تكون في بيت المقدس كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة - رضي الله عنهم - :
( قيل : يا رسول الله أين هم ؟ قال بيت المقدس ) وقال معاذ - رضي الله عنهم - : هم بالشام .
وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً ، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة . فعلى هذا فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها.
قلت :الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجة وفيه:
( فقالت أم شريك : يا رسول الله ! فأين العرب يومئذ ؟ قال : هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح ...
فأما في زماننا وما قبله فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم وتكثر في بعض الأماكن أحياناً ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين ] إتحاف الجماعة 1/332-334 .
قال الإمام النووي :[ . ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين ، منهم شجعان مقاتلون ، ومنهم فقهاء ، ومنهم محدثون ، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/58-59.
كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -
"أَمَّا الطَّائِفَةُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهِمَا فَهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُقَاتِلُونَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَهُمْ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ دُخُولًا فِي الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ }
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ } .
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ بِمَدِينَتِهِ النَّبَوِيَّةِ ، فَغَرْبُهُ مَا يَغْرُبُ عَنْهَا ، وَشَرْقُهُ مَا يَشْرُقُ عَنْهَا ، فَإِنَّ التَّشْرِيقَ وَالتَّغْرِيبَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ ، إذْ كُلُّ بَلَدٍ لَهُ شَرْقٌ وَغَرْبٌ ، وَلِهَذَا إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة مِنْ الْغَرْبِ يَقُولُونَ : سَافَرَ إلَى الشَّرْقِ ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ أَهْلَ الشَّامِ أَهْلَ الْغَرْبِ ، وَيُسَمُّونَ أَهْلَ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ أَهَلَ الشَّرْقِ ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا .
وَفِي رِوَايَةٍ : { مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ } .
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : أَهْلُ الْغَرْبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ .
يَعْنِي هُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ كَمَا أَنَّ نَجْدًا وَالْعِرَاقِ أَوَّلُ الشَّرْقِ ، وَكُلُّ مَا يَشْرُقُ عَنْهَا فَهُوَ مِنْ الشَّرْقِ ، وَكُلّ مَا يَغْرُبُ عَنْ الشَّامِ مِنْ مِصْرَ وَغَيْرِهَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغَرْبِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ فِي الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ ، وَهُمْ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا أَصْلُ الْمَغْرِبِ ، وَهُمْ فَتَحُوا سَائِرَ الْمَغْرِبِ : كَمِصْرِ ، وَالْقَيْرَوَانِ ، وَالْأَنْدَلُسِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ غَرْبُ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ مَا يَقْرُبُ عَنْهَا فَالنَّيِّرَةُ وَنَحْوُهَا عَلَى مُسَامَتَةِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا أَنَّ حَرَّانَ وَالرَّقَّةَ وسمنصاط وَنَحْوَهَا عَلَى مُسَامَتَةِ مَكَّةَ ، فَمَا يَغْرُبُ عَنْ النَّيِّرَةِ فَهُوَ مِنْ الْغَرْبِ الَّذِينَ وَعَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي صِفَةِ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ أَنَّهُمْ بِأَكْنَافِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ هِيَ الَّتِي بِأَكْنَافِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ الْيَوْمَ وَمَنْ يَدَّبَّرُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ هِيَ أَقْوَمُ الطَّوَائِفِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَجِهَادًا عَنْ شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا ، فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الشَّوْكَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَمَغَازِيهِمْ مَعَ النَّصَارَى ، وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ ، وَمَعَ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الدَّاخِلِينَ فِي الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ : كَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ ، وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ ، مَعْرُوفَةٌ مَعْلُومَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَالْعِزُّ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا هُوَ بِعِزِّهِمْ وَلِهَذَا لَمَّا هُزِمُوا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ الذُّلِّ وَالْمُصِيبَةِ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَالْحِكَايَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ سُكَّانَ الْيَمَنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ضِعَافٌ عَاجِزُونَ عَنْ الْجِهَادِ أَوْ مُضَيِّعُونَ لَهُ ، وَهُمْ مُطِيعُونَ لِمَنْ مَلَكَ هَذِهِ الْبِلَادَ حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِهَؤُلَاءِ ، وَمَلِكُ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا جَاءَ إلَى حَلَبَ جَرَى بِهَا مِنْ الْقَتْلِ مَا جَرَى .
وَأَمَّا سُكَّانُ الْحِجَازِ فَأَكْثَرُهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ خَارِجُونَ عَنْ الشَّرِيعَةِ ، وَفِيهِمْ مِنْ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالْفُجُورِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفُونَ عَاجِزُونَ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لَهُمْ الْقُوَّةُ وَالْعِزَّةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِغَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْبِلَادِ ، فَلَوْ ذَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْحِجَازِ مِنْ أَذَلِّ النَّاسِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ غَلَبَ فِيهِمْ الرَّفْضُ ، وَمَلَكَ هَؤُلَاءِ التَّتَارُ الْمُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْآنَ مَرْفُوضُونَ فَلَوْ غَلَبُوا لَفَسَدَ الْحِجَازُ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَأَمَّا بِلَادُ إفْرِيقِيَّةَ فَأَعْرَابُهَا غَالِبُونَ عَلَيْهَا ، وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ بَلْ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلْجِهَادِ وَالْغَزْوِ .
وَأَمَّا الْغَرْبُ الْأَقْصَى فَمَعَ اسْتِيلَاءِ الْإِفْرِنْجِ عَلَى أَكْثَرِ بِلَادِهِمْ لَا يَقُومُونَ بِجِهَادِ النَّصَارَى الَّذِينَ هُنَاكَ بَلْ فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ النَّصَارَى الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الصُّلْبَانَ خَلْقٌ عَظِيمٌ لَوْ اسْتَوْلَى التَّتَارُ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ لَكَانَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ مَعَهُمْ مِنْ أَذَلِّ النَّاسِ لَا سِيَّمَا وَالنَّصَارَى تَدْخُلُ مَعَ التَّتَارِ فَيَصِيرُونَ حِزْبًا عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ ، فَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْعِصَابَةَ الَّتِي بِالشَّامِ وَمِصْرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ هُمْ كَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ ، وَعِزُّهُمْ عِزُّ الْإِسْلَامِ ، وَذُلُّهُمْ ذُلُّ الْإِسْلَامِ ، فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ التَّتَارُ لَمْ يَبْقَ لِلْإِسْلَامِ عِزٌّ وَلَا كَلِمَةٌ عَالِيَةٌ ، وَلَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ عَالِيَةٌ يَخَافُهَا أَهْلُ الْأَرْضِ تُقَاتِلُ عَنْهُ ، فَمَنْ قَفَزَ عَنْهُمْ إلَى التَّتَارِ كَانَ أَحَقَّ بِالْقِتَالِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّتَارِ ، فَإِنَّ التَّتَارَ فِيهِمْ الْمُكْرَهُ وَغَيْرُ الْمُكْرَهِ ."اهـ الفتاوى الكبرى ج5ص253-254
والذى يتعين أن هذه الطائفة المنصورة ليس لها مكان محدد لا تتجاوزه إلى غيره، فحيثما يتواجد من يحملون المنهج الحق فهم الطائفة المنصورة أينما كانوا وأينما حلوا فتجدهم الآن فى أفغانستان وتجدهم فى الشيشان وتجدهم فى الصومال وتجدهم فى اليمن ومصر .
وهذه الأحاديث فيها بشارة طيبة لجميع المسلمين وبخاصة منهم أهل الشام: بأن الشام ـ مهما طال فيها زمن الظلمة والفساد وعربد فيها الطواغيت ـ لا بد وأنه سيعود إليها مجدها ودورها في قيادة الأمة نحو النصر والتمكين .. وتحرير الشعوب من ربقة عبادة العبيد إلى عبادة الله الواحد الأحد. وما ذلك ببعيد إن شاء الله ،وها نحن نرى ذلك أو بداية ذلك فى خروج الشعب السورى على النظام الكفرى هناك وقريبا سوف يتحررون إن شاء الله تعالى وبعدها يكون النصر والتمكين للطائفة المنصورة
فائدة
هل يلزم أن تكون الطائفة المنصورة مجتمعين في جماعة واحدة
لا شك أن الأصل أن تكون الطائفة المنصورة فى جماعة واحدة لأن من صفات هذه الطائفة الاجتماع وليس التفرق كما كانت جماعة النبى – صلى الله عليه وسلم – وجماعة الصحابة – رضى الله عنهم – وهذا يكون فى دولة الإسلام دولة الخلافة الذين يجتمعون على الإمام الحق
ولكن مع عدم وجود الجماعة التى لها إمام حق فتوجد الطائفة المنصورة فى غير جماعة واحدة بل تجدهم متفرقين فى الأقطار وإن كان يجمعهم منهج واحد
وعلى ذلك لو أن جماعة بعينها ادعت أنها وحدها هى الطائفة المنصورة تكون بذلك أخطأت وخالفت الحق الواضح المبين
قال النووي رحمه الله: يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين فى أقطار الأرض " اهـ شرح صحيح مسلم:ج13ص67
والدليل على تفرق الطائفة المنصورة فى الأقطار أن أهل العلم قالوا أقولا متتعدة فى بيان هذه الطائفة مما يدل على وجودهم وإن لم يكونوا مجتمعين
وهذه بعض أقوال العلماء في بيان هذه الطائفة الظاهرة :
1- قال الإمام البخاري : [ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم ] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 13/358.
2- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : [ وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد : إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ؟ ] فتح الباري 13/359 .
3- وقال عبد الله بن المبارك : [ هم عندي أصحاب الحديث ]
4- وقال أحمد بن سنان الثقة الحافظ : [ هم أهل العلم وأصحاب الآثار ] سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/3/136-137 .
5- وقال القاضي عياض : [ إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث ] إتحاف الجماعة 1/330 .
6- وقال الإمام النووي : [ وأما هذه الطائفة فقال البخاري :هم أهل العلم , وقال أحمد بن حنبل :إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم . قال القاضي عياض :إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ،ومن يعتقد مذهب أهل الحديث .قلت : ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين ، منهم شجعان مقاتلون ، ومنهم فقهاء ، ومنهم محدثون ، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/58-59 .
7- وقال الإمام ابن العربي المالكي : [ وأما الطائفة المنصورة فقيل هم أصحاب الحديث وقيل هم العباد وقيل هم المناضلون على الحق بألسنتهم وقيل هم المجاهدون في الثغور بأسنتهم ] عارضة الأحوذي 5/34 . وانظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/763 .

 

0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^