الدرر المنثورة فى صفات الطائفة المنصورة ـــــ بقية الفصل الثالث

  الصفة الثالثة من صفات الطائفة المنصورة
      الثبات وعدم الالتفات إلى المخالفين
وهذا ما جاء نصا فى أكثر أحاديث الطائفة المنصورة
 روى مسلم قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ)
فقوله" لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ"يدل على عدة أمور :
الأمر الأول : أن الطائفة المنصورة لا تتأثر بمن خالفها أو طعن فيها لثباتها على الحق ،فالثبات على الحق طريق النصر والظهور ،لأن الباطل مهما ظهر وانتفش فإلى حين ثم سرعان ما يزول ويظهر ويبقى الحق صامدا مستمرا
الأمر الثانى : أن الطائفة المنصورة لا تتأثر بمن خذلها ولم يقف بجوارها ولم ينصرها
والأدلة الشرعية التى تدل على ذلك كثيرة ومتعددة منها :
قال تعالى " بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء : 18
وقال تعالى " وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء : 81
وقال تعالى " قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ : 49]
وقال تعالى " أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ [الرعد : 17
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –
" اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه، فقال تعالى: { أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } أي: مطرا، { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } أي: أخذ كل واد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيرا من الماء، وهذا صغير فوسع بقدره، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يسع علما كثيرا، ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها، { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا } أي: فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زَبَدٌ عال عليه، هذا مثل، وقوله: { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ } هذا هو المثل الثاني، وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة { ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ } أي: ليجعل حلية أو نحاسا أو حديدًا، فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه، كما يعلو ذلك  زبد منه. { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } أي: إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء، ولا مع الذهب ونحوه مما يسبك في النار، بل يذهب ويضمحل؛ ولهذا قال: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً } أي: لا ينتفع به، بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح. وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب، لا يرجع منه شيء، ولا يبقى إلا الماء وذلك الذهب ونحوه ينتفع به؛ ولهذا قال: { وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ } كما قال تعالى: { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43]."اهـ تفسير ابن كثير ج4ص447
وقال سيد قطب – رحمه الله –
" وإنزال الماء من السماء حتى تسيل به الوديان يتناسق مع جو البرق والرعد والسحاب الثقال في المشهد السابق؛ ويؤلف جانباً من المشهد الكوني العام ، الذي تجري في جوه قضايا السورة وموضوعاتها . وهو كذلك يشهد بقدرة الواحد القهار . . وأن تسيل هذه الأودية بقدرها ، كل بحسبه ، وكل بمقدار طاقته ومقدار حاجته يشهد بتدبير الخالق وتقديره لكل شيء . . وهي إحدى القضايا التي تعالجها السورة . . وليس هذا أو ذلك بعد إلا إطاراً للمثل الذي يريد الله ليضربه للناس من مشهود حياتهم الذي يمرون عليه دون انتباه .
إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية ، وهو يلم في طريقه غثاء ، فيطفو على وجهه في صورة الزبد حتى ليحجب الزبد الماء في بعض الأحيان . هذا الزبد نافش راب منتفخ . . ولكنه بعد غثاء . والماء من تحته سارب ساكن هادئ . . ولكنه هو الماء الذي يحمل الخير والحياة . . كذلك يقع في المعادن التي تذاب لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة ، أو آنية أو آلة نافعة للحياة كالحديد والرصاص ، فإن الخبث يطفو وقد يحجب المعدن الأصيل . ولكنه بعدُ خبثٌ يذهب ويبقى المعدن في نقاء . .
ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة . فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابياً طافياً ولكنه بعدُ زبد أو خبث ، ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحاً لا حقيقة له ولا تماسك فيه .
والحق يظل هادئاً ساكناً . وربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات . ولكنه هو الباقي في الأرض كالماء المحيي والمعدن الصريح ، ينفع الناس ، { كذلك يضرب الله الأمثال } وكذلك يقرر مصائر الدعوات ، ومصائر الاعتقادات . ومصائر الأعمال والأقوال . وهو الله الواحد القهار ، المدبر للكون والحياة ، العليم بالظاهر والباطن ، والحق والباطل والباقي والزائل ."اهـ الظلال ج4ص262
المخالفون للطائفة المنصورة :
الذين خالفوا الطائفة المنصورة وخذلولها أصناف من الناس
الصنف الأول :أهل الأهواء والبدع المخالفين لأهل السنة والجماعة فضلا عن مخالفتهم للطائفة المنصورة
فهذا الصنف من أصناف الناس تركوا الحق من جانب ومن جانب آخر كانوا من الصادين عن الحق ،فخذلوا الأمة بسبب تفرقهم وتشتتهم فأضعفوا الأمة وجعلوها شيعا وأحزابا ،علاوة على أن بعض هذه الفرق المناوئة للطائفة المنصورة قاموا بقتال أهل الحق كالخوارج والشيعة الروافض وغيرهم من فرق الشيعة الباطنية
مخالفة هذه الفرق للطائفة المنصورة فى مسائل الاعتقاد
واكتفى  بذكر إشارة واحدة فى مسألة من المسائل التى خالف فيها أهل الأهواء لأهل السنة وهى مسألة :مسمى الإيمان وحقيقته
وقد لخص ذلك الشيخ حافظ حكمى تلخيصا مختصرا بقوله
أقوال المخالفين لأهل السنة في الإيمان :
1- قال ابن الراوندي ومن وافقه من المعتزلة وغيرهم : إن الإيمان هو مجرد التصديق فقط ، وعلى هذا القول يكون اليهود الذين أقروا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - واستقينوها ولم يتبعوه مؤمنين بذلك ، وقد نفى الله الإيمان عنهم .
2- وقال جهم بن صفوان وأتباعه : هو المعرفة بالله فقط ، وعلى هذا القول ليس على وجه الأرض كافر بالكلية إذ لا يجهل الخالق سبحانه أحد .
3- وقالت المرجئة  والكرامية : الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب فيكون المنافقون على هذا مؤمنين ، وقد قال الله فيهم ? ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله - إلى قوله - وتزهق أنفسهم وهم كافرون ?
4- وقال آخرون  : التصديق بالجنان والإقرار باللسان ، وهذا القول مخرج لأركان الإسلام الظاهرة المذكورة في حديث جبريل عليه السلام وهو ظاهر البطلان .
5- وذهب الخوارج والعلاف ومن وافقهم إلى أنه الطاعة بأسرها فرضاً كانت أو نفلاً  وهذا القول مصادم لتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفود العرب السائلين عن الإسلام والإيمان ، كلما يقول له السائل في فريضة : هل عليّ غيرها ، قال : (لا إلا أن تطوع شيئاً )
6- وذهب الجبائي وأكثر المعتزلة البصرية إلى أنه الطاعات المفروضة من الأفعال والتروك  دون النوافل ، وهذا أيضاً يُدخل المنافقين في الإيمان وقد نفاه الله عنهم .
7- وقال الباقون من المعتزلة : العمل والنطق والاعتقاد . والفرق بين هذا وبين قول السلف أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطاً في الصحة بل جعلوا كثيراً منها شرطاً في الكمال . كما قال عمر بن عبدالعزيز فيها : من استكملها فقد استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان . والمعتزلة جعلوها كلها شرطاً في الصحة . والله أعلم ." اهـ مختصر المعارج ج1ص141
الصنف الثانى :من المخالفين للطائفة المنصورة : طائفة عريضة من أهل العلم والدعاة
ولا شك أن هذه الطائفة خطرها أشد على المسلمين من الناحية النظرية العلمية ومن الناحية العملية التطبيقية
مثال :طائفة من العلماء والدعاة أطلقوا ألسنتهم وسهامهم على الحاملين لراية الجهاد فى سبيل الله فى واقعنا المعاصرين الذين حملوا على عاتقهم الذب عن دين الله تعالى ونصرة المستضعفين من المسلمين فى أرض الله تعالى
فتجد هؤلاء الدعاة والعلماء بدلا من نصرة المجاهدين فى كل مكان قاموا بخذلانهم والتشهير بهم وتنفير الناس عنهم فوصفوهم بأنهم خوارج وأنهم من المتطرفين والإرهابيين والتكفريين إلى غير ذلك مع وقوفهم فى صف الحكام المجرمين المحاربين لشرع الله تعالى ،فكانوا للباطل مناصرين ولأهل الحق محاربين ،بل منهم من وصل به الأمر أن أبطل الجهاد القائم فى العراق ضد دول الكفر ،ومنهم من أبطل الجهاد ضد الأمريكان وغيرهم من المحاربين لدين الله تعالى
وأنا أسأل هؤلاء المنهزمين المتخاذلين ما هو موقفكم من الأمريكان الذين يتبولون على القرآن الكريم ويقومون بحرقه ،هل هم محاربون مستحقون للجهاد أم أنكم مازلتم فى انتظار الإمام الذى تجاهدون تحت رايته ؟
نقول لكم انتظروا فلسنا منتظرين بل نحن مقدمون على قتال أعداء الله ولا نبالى بكم ولا بأمثالكم ،وموعدنا بين يدى ربنا – جل وعلا –
مثال آخر :فى الوقت الذى يدعوا فيه أصحاب الطائفة المنصورة إلى الكفر بالعلمانية وربيبتها الديمقراطية وبيان أن الديمقراطية شرك برب البرية – جل وعلا – وبيان ذلك وتوضيحه للأمة تصحيحا لعقيدتها ولدينها
نجد قطاعا كبيرا من هؤلاء الدعاة يستعملون مصطلح الديمقراطية مقرين له وأنهم يعملون من خلاله للوصول إلى الحكم بالإسلام ،وأنه لا طريق أمامهم سوى ذلك ،ثم لبسوا على الناس بأن الجهاد الحقيقى فى واقعنا الآن يتمثل فى تجميع الناس وحشدهم أمام صناديق الاقتراع 
الصنف الثالث :من أصناف المتخاذلين عن نصرة الطائفة المنصورة وهم:الضعفاء  الذين لا صبر لهم  وهم أغلب الناس
ويكفى للتدليل على ذلك بقصة طالوت مع بنى إسرائيل
قال تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)البقرة
قال سيد قطب – رحمه الله –
" ألم تر؟ كأنها حادث واقع ومشهد منظور . . لقد اجتمع الملأ من بني إسرائيل ، من كبرائهم وأهل الرأي فيهم - إلى نبي لهم . ولم يرد في السياق ذكر اسمه ، لأنه ليس المقصود بالقصة ، وذكره هنا لا يزيد شيئاً في إيحاء القصة ، وقد كان لبني إسرائيل كثرة من الأنبياء يتتابعون في تاريخهم الطويل . . لقد اجتمعوا إلى نبي لهم ، وطلبوا إليه أن يعين لهم ملكاً يقاتلون تحت إمرته { في سبيل الله } . . وهذا التحديد منهم لطبيعة القتال ، وأنه في { سبيل الله } يشي بانتفاضة العقيدة في قلوبهم ، ويقظة الإيمان في نفوسهم ، وشعورهم بأنهم أهل دين وعقيدة وحق ، وأن أعداءهم على ضلالة وكفر وباطل؛ ووضوح الطريق أمامهم للجهاد في سبيل الله .
وهذا الوضوح وهذا الحسم هو نصف الطريق إلى النصر . فلا بد للمؤمن أن يتضح في حسه أنه على الحق وأن عدوه على الباطل؛ ولا بد أن يتجرد في حسه الهدف . . في سبيل الله . . فلا يغشيه الغبش الذي لا يدري معه إلى أين يسير .
وقد أراد نبيهم أن يستوثق من صدق عزيمتهم ، وثبات نيتهم ، وتصميمهم على النهوض بالتبعة الثقيلة ، وجدّهم فيما يعرضون عليه من الأمر :
{ قال : هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا! } . .
ألا ينتظر أن تنكلوا عن القتال إن فرض عليكم؟ فأنتم الآن في سعة من الأمر . فأما إذا استجبت لكم ، فتقرر القتال عليكم فتلك فريضة إذن مكتوبة؛ ولا سبيل بعدها إلى النكول عنها . . إنها الكلمة اللائقة بنبي ، والتأكد اللائق بنبي . فما يجوز أن تكون كلمات الأنبياء وأوامرهم موضع تردد أو عبث أو تراخ .
وهنا ارتفعت درجة الحماسة والفورة؛ وذكر الملأ أن هناك من الأسباب الحافزة للقتال في سبيل الله ما يجعل القتال هو الأمر المتعين الذي لا تردد فيه :
{ قالوا : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا؟ } . .
ونجد أن الأمر واضح في حسهم ، مقرر في نفوسهم . . إن أعداءهم أعداء الله ولدين الله . وقد أخرجوهم من ديارهم وسبوا أبناءهم . فقتالهم واجب؛ والطريق الواحدة التي أمامهم هي القتال؛ ولا ضرورة إلى المراجعة في هذه العزيمة أو الجدال .
ولكن هذه الحماسة الفائرة في ساعة الرخاء لم تدم .
ويعجل السياق بكشف الصفحة التالية :
{ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم } . .
وهنا نطلع على سمة خاصة من سمات إسرائيل في نقض العهد ، والنكث بالوعد ، والتفلت من الطاعة ، والنكوص عن التكليف ، وتفرق الكلمة ، والتولي عن الحق البين . . ولكن هذه كذلك سمة كل جماعة لا تنضج تربيتها الإيمانية؛ فهي سمة بشرية عامة لا تغير منها إلا التربية الإيمانية العالية الطويلة الأمد العميقة التأثير . وهي - من ثم - سمة ينبغي للقيادة أن تكون منها على حذر ، وأن تحسب حسابها في الطريق الوعر ، كي لا تفاجأ بها ، فيتعاظمها الأمر! فهي متوقعة من الجماعات البشرية التي لم تخلص من الأوشاب ، ولم تصهر ولم تطهر من هذه العقابيل .
والتعقيب على هذا التولي :
{ والله عليم بالظالمين } . .
وهو يشي بالاستنكار؛ ووصم الكثرة التي تولت عن هذه الفريضة - بعد طلبها - وقبل أن تواجه الجهاد مواجهة عملية . . وصمها بالظلم . فهي ظالمة لنفسها ، وظالمة لنبيها ، وظالمة للحق الذي خذلته وهي تعرف أنه الحق ، ثم تتخلى عنه للمبطلين!
إن الذي يعرف أنه على الحق ، وأن عدوه على الباطل - كما عرف الملأ من بني إسرائيل وهم يطلبون أن يبعث لهم نبيهم ملكاً ليقاتلوا { في سبيل الله } . . ثم يتولى بعد ذلك عن الجهاد ولا ينهض بتبعة الحق الذي عرفه في وجه الباطل الذي عرفه . . إنما هو من الظالمين المجزيين بظلمهم . . { والله عليم بالظالمين } . .
{ وقال لهم نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً . قالوا : أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ، ولم يؤت سعة من المال؟ قال : إن الله اصطفاه عليكم ، وزاده بسطة في العلم والجسم . والله يؤتي ملكه من يشاء . والله واسع عليم } . .
وفي هذه اللجاجة تتكشف سمة من سمات إسرائيل التي وردت الإشارات إليها كثيرة في هذه السورة . . لقد كان مطلبهم أن يكون لهم ملك يقاتلون تحت لوائه . ولقد قالوا : إنهم يريدون أن يقاتلوا { في سبيل الله } . فها هم أولاء ينغضون رؤوسهم ، ويلوون أعناقهم ، ويجادلون في اختيار الله لهم كما أخبرهم نبيهم؛ ويستنكرون أن يكون طالوت - الذي بعثه الله لهم - ملكاً عليهم . لماذا؟ لأنهم أحق بالملك منه بالوراثة . فلم يكن من نسل الملوك فيهم! ولأنه لم يؤت سعة من المال تبرر التغاضي عن أحقية الوراثة! . . وكل هذا غبش في التصور ، كما أنه من سمات بني إسرائيل المعروفة . .
ولقد كشف لهم نبيهم عن أحقيته الذاتية ، وعن حكمة الله في اختياره :
{ قال إن الله اصطفاه عليكم ، وزاده بسطة في العلم والجسم . والله يؤتي ملكه من يشاء . والله واسع عليم } . .
إنه رجل قد اختاره الله . . فهذه واحدة . . وزاده بسطة في العلم والجسم . . وهذه أخرى . . والله { يؤتي ملكه من يشاء } . . فهو ملكه ، وهو صاحب التصرف فيه ، وهو يختار من عباده من يشاء
. { والله واسع عليم } . . ليس لفضله خازن وليس لعطائه حد . وهو الذي يعلم الخير ، ويعلم كيف توضع الأمور في مواضعها . .
وهي أمور من شأنها أن تصحح التصور المشوش ، وأن تجلو عنه الغبش . . ولكن طبيعة إسرائيل - ونبيها يعرفها - لا تصلح لها هذه الحقائق العالية وحدها . وهم مقبلون على معركة . ولا بد لهم من خارقة ظاهرة تهز قلوبهم ، وتردها إلى الثقة واليقين :
{ وقال لهم نبيهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ، فيه سكينة من ربكم ، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة . إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } . .
وكان أعداؤهم الذين شردوهم من الأرض المقدسة - التي غلبوا عليها على يد نبيهم يوشع بعد فترة التيه ووفاة موسى - عليه السلام - قد سلبوا منهم مقدساتهم ممثلة في التابوت الذي يحفظون فيه مخلفات أنبيائهم من آل موسى وآل هارون وقيل : كانت فيه نسخة الألواح التي أعطاها الله لموسى على الطور . . فجعل لهم نبيهم علامة من الله ، أن تقع خارقة يشهدونها ، فيأتيهم التابوت بما فيه { تحمله الملائكة } فتفيض على قلوبهم السكينة . . وقال لهم : إن هذه الآية تكفي دلالة على صدق اختيار الله لطالوت ، إن كنتم حقاً مؤمنين . .
ويبدو من السياق أن هذه الخارقة قد وقعت ، فانتهى القوم منها إلى اليقين .
ثم أعد طالوت جيشه ممن لم يتولوا عن فريضة الجهاد ، ولم ينكصوا عن عهدهم مع نبيهم من أول الطريق . . والسياق القرآني على طريقته في سياقة القصص يترك هنا فجوة بين المشهدين . فيعرض المشهد التالي مباشرة وطالوت خارج بالجنود :
{ فلما فصل طالوت بالجنود قال : إن الله مبتليكم بنهر . فمن شرب منه فليس مني ، ومن لم يطعمه فإنه مني - إلا من اغترف غرفة بيده . فشربوا منه إلا قليلاً منهم } . .
هنا يتجلى لنا مصداق حكمة الله في اصطفاء هذا الرجل . . إنه مقدم على معركة؛ ومعه جيش من أمة مغلوبة ، عرفت الهزيمة والذل في تاريخها مرة بعد مرة . وهو يواجه جيش أمة غالبة فلا بد إذن من قوة كامنة في ضمير الجيش تقف به أمام القوة الظاهرة الغالبة . هذه القوة الكامنة لا تكون إلا في الإرادة . الإرداة التي تضبط الشهوات والنزوات ، وتصمد للحرمان والمشاق ، وتستعلي على الضرورات والحاجات ، وتؤثر الطاعة وتحتمل تكاليفها ، فتجتاز الابتلاء بعد الابتلاء . . فلا بد للقائد المختار إذن أن يبلو إرادة جيشه ، وصموده وصبره : صموده أولاً للرغبات والشهوات ، وصبره ثانياً على الحرمان والمتاعب . . واختار هذه التجربة وهم كما تقول الروايات عطاش . ليعلم من يصبر معه ممن ينقلب على عقبيه ، ويؤثر العافية . . وصحت فراسته :
{ فشربوا منه إلا قليلاً منهم } . .
شربوا وارتووا . فقد كان أباح لهم أن يغترف منهم من يريد غرفة بيده ، تبل الظمأ ولكنها لا تشي بالرغبة في التخلف! وانفصلوا عنه بمجرد استسلامهم ونكوصهم .
انفصلوا عنه لأنهم لا يصلحون للمهمة الملقاة على عاتقه وعاتقهم . وكان من الخير ومن الحزم أن ينفصلوا عن الجيش الزاحف ، لأنهم بذرة ضعف وخذلان وهزيمة . والجيوش ليست بالعدد الضخم ، ولكن بالقلب الصامد ، والإرادة الجازمة ، والإيمان الثابت المستقيم على الطريق .
ودلت هذه التجربة على أن النية الكامنة وحدها لا تكفي؛ ولا بد من التجربة العملية ، ومواجهة واقع الطريق إلى المعركة قبل الدخول فيها . ودلت كذلك على صلابة عود القائد المختار الذي لم يهزه تخلف الأكثرية من جنده عند التجربة الأولى . . بل مضى في طريقه .
وهنا كانت التجربة قد غربلت جيش طالوت - إلى حد - ولكن التجارب لم تكن قد انتهت بعد :
{ فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } . .
لقد صاروا قلة وهم يعلمون قوة عدوهم وكثرته : بقيادة جالوت . إنهم مؤمنون لم ينكصوا عن عهدهم مع نبيهم . ولكنهم هنا أمام الواقع الذي يرونه بأعينهم فيحسون أنهم أضعف من مواجهته . إنها التجربة الحاسمة . تجربة الاعتزاز بقوة أخرى أكبر من قوة الواقع المنظور . وهذه لا يصمد لها إلا من اكتمل إيمانهم ، فاتصلت بالله قلوبهم؛ وأصبحت لهم موازين جديدة يستمدونها من واقع إيمانهم ، غير الموازين التي يستمدها الناس من واقع حالهم!
وهنا برزت الفئة المؤمنة . الفئة القليلة المختارة . والفئة ذات الموازين الربانية :
{ قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله : كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله . والله مع الصابرين } . .
هكذا . . { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } . . بهذا التكثير . فهذه هي القاعدة في حس الذين يوقنون أنهم ملاقو الله . القاعدة : أن تكون الفئة المؤمنة قليلة لأنها هي التي ترتقي الدرج الشاق حتى تنتهي إلى مرتبة الاصطفاء والاختيار . ولكنها تكون الغالبة لأنها تتصل بمصدر القوى؛ ولأنها تمثل القوة الغالبة . قوة الله الغالب على أمره ، القاهر فوق عباده ، محطم الجبارين ، ومخزي الظالمين وقاهر المتكبرين .
وهم يكلون هذا النصر لله : { بإذن الله } . . ويعللونه بعلته الحقيقية : { والله مع الصابرين } . . فيدلون بهذا كله على أنهم المختارون من الله لمعركة الحق الفاصلة بين الحق والباطل . .
ونمضي مع القصة . فإذا الفئة القليلة الواثقة بلقاء الله ، التي تستمد صبرها كله من اليقين بهذا اللقاء ، وتستمد قوتها كلها من إذن الله ، وتستمد يقينها كله من الثقة في الله ، وأنه مع الصابرين . . إذا هذه الفئة القليلة الواثقة الصابرة ، الثابتة ، التي لم تزلزلها كثرة العدو وقوته ، مع ضعفها وقلتها . . إذا هذه الفئة هي التي تقرر مصير المعركة . بعد أن تجدد عهدها مع الله ، وتتجه بقلوبها إليه ، وتطلب النصر منه وحده ، وهي تواجه الهول الرعيب :
{ ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا : ربنا أفرغ علينا صبراً ، وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين .
فهزموهم بإذن الله ، وقتل داود جالوت ، وآتاه الله الملك والحكمة ، وعلمه مما يشاء } . .
هكذا . . { ربنا أفرغ علينا صبراً } . . وهو تعبير يصور مشهد الصبر فيضاً من الله يفرغه عليهم فيغمرهم ، وينسكب عليهم سكينة وطمأنينة واحتمالاً للهول والمشقة . { وثبت أقدامنا } . . فهي في يده - سبحانه - يثبتها فلا تتزحزح ولا تتزلزل ولا تميد . { وانصرنا على القوم الكافرين } . . فقد وضح الموقف . . إيمان تجاه كفر . وحق إزاء باطل . ودعوة إلى الله لينصر أولياءه المؤمنين على أعدائه الكافرين . فلا تلجلج في الضمير ، ولا غبش في التصور . ولا شك في سلامة القصد ووضوح الطريق .
وكانت النتيجة هي التي ترقبوها واستيقنوها : { فهزموهم بإذن الله } . . ويؤكد النص هذه الحقيقة : { بإذن الله } . . ليعلمها المؤمنون أو ليزدادوا بها علماً . وليتضح التصور الكامل لحقيقة ما يجري في هذا الكون ، ولطبيعة القوة التي تجريه . . إن المؤمنين ستار القدرة؛ يفعل الله بهم ما يريد ، وينفذ بهم ما يختار . . بإذنه . . ليس لهم من الأمر شيء ، ولا حول لهم ولا قوة ولكن الله يختارهم لتنفيذ مشيئته ، فيكون منهم ما يريده بإذنه . . وهي حقيقة خليقة بأن تملأ قلب المؤمن بالسلام والطمأنينة واليقين . . إنه عبد الله . اختاره الله لدوره . وهذه منة من الله وفضل . وهو يؤدي هذا الدور المختار ، ويحقق قدر الله النافذ . ثم يكرمه الله - بعد كرامة الاختيار - بفضل الثواب . . ولولا فضل الله ما فعل ، ولولا فضل الله ما أثيب . . ثم إنه مستيقن من نبل الغاية وطهارة القصد ونظافة الطريق . . فليس له في شيء من هذا كله أرب ذاتي ، إنما هو منفذ لمشيئة الله الخيرة قائم بما يريد . استحق هذا كله بالنية الطيبة والعزم على الطاعة والتوجه إلى الله في خلوص .
ويبرز السياق دور داود :
{ وقتل داود جالوت } . .
وداود كان فتى صغيراً من بني إسرائيل . وجالوت كان ملكاً قوياً وقائداً مخوفاً . . ولكن الله شاء أن يرى القوم وقتذاك أن الأمور لا تجري بظواهرها ، إنما تجري بحقائقها . وحقائقها يعلمها هو . ومقاديرها في يده وحده . فليس عليهم إلا أن ينهضوا هم بواجبهم ، ويفوا الله بعهدهم . ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده . وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبار الغشوم على يد هذا الفتى الصغير ، ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم . . وكانت هنالك حكمة أخرى مغيبة يريدها الله . فلقد قدر أن يكون داود هو الذي يتسلم الملك بعد طالوت ، ويرثه إبنه سليمان ، فيكون عهده هو العهد الذهبي لبني إسرائيل في تاريخهم الطويل؛ جزاء انتفاضة العقيدة في نفوسهم بعد الضلال والانتكاس والشرود :
{ وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } . .
وكان داود ملكاً نبياً ، وعلمه الله صناعة الزرد وعدة الحرب مما يفصله القرآن في مواضعه في سور أخرى .
. أما في هذا الموضع فإن السياق يتجه إلى هدف آخر من وراء القصة جميعاً . . وحين ينتهي إلى هذه الخاتمة ، ويعلن النصر الأخير للعقيدة الواثقة لا للقوة المادية ، وللإرادة المستعلية لا للكثرة العددية . . حينئذ يعلن عن الغاية العليا من اصطراع تلك القوى . . إنها ليست المغانم والأسلاب ، وليست الأمجاد والهالات . . إنما هو الصلاح في الأرض ، وإنما هو التمكين للخير بالكفاح مع الشر :
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض . ولكن الله ذو فضل على العالمين } . .
وهنا تتوارى الأشخاص والأحداث لتبرز من خلال النص القصير حكمة الله العليا في الأرض من اصطراع القوى وتنافس الطاقات وانطلاق السعي في تيار الحياة المتدفق الصاخب الموار . وهنا تتكشف على مد البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف تموج بالناس ، في تدافع وتسابق وزحام إلى الغايات . . ومن ورائها جميعاً تلك اليد الحكيمة المدبرة تمسك بالخيوط جميعاً ، وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق ، إلى الخير والصلاح والنماء ، في نهاية المطاف . .
لقد كانت الحياة كلها تأسن وتتعفن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض . ولولا أن في طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها أن تتعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرية القريبة ، لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم وتتغالب وتتدافع ، فتنفض عنها الكسل والخمول ، وتستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة ، وتظل أبداً يقظة عاملة ، مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة . . وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء . . يكون بقيام الجماعة الخيرة المهتدية المتجردة . تعرف الحق الذي بينه الله لها . وتعرف طريقها إليه واضحاً . وتعرف أنها مكلفة بدفع الباطل وإقرار الحق في الأرض . وتعرف أن لا نجاة لها من عذاب الله إلا أن تنهض بهذا الدور النبيل ، وإلا أن تحتمل في سبيله ما تحتمل في الأرض طاعة لله وابتغاء لرضاه . .
وهنا يمضي الله أمره ، وينفذ قدره ، ويجعل كلمة الحق والخير والصلاح هي العليا ، ويجعل حصيلة الصراع والتنافس والتدافع في يد القوة الخيرة البانية ، التي استجاش الصراع أنبل ما فيها وأكرمه . وأبلغها أقصى درجات الكمال المقدر لها في الحياة .
ومن هنا كانت الفئة القليلة المؤمنة الواثقة بالله تغلب في النهاية وتنتصر . ذلك أنها تمثل إرادة الله العليا في دفع الفساد عن الأرض ، وتمكين الصلاح في الحياة . إنها تنتصر لأنها تمثل غاية عليا تستحق الانتصار .
وفي النهاية يجيء التعقيب الأخير على القصة :
{ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ، وإنك لمن المرسلين } . .
تلك الآيات العالية المقام البعيدة الغايات { نتلوها عليك } . . الله - سبحانه وتعالى - هو الذي يتلوها وهو أمر هائل عظيم حين يتدبر الإنسان حقيقته العميقة الرهيبة . . { نتلوها عليك بالحق } . . تحمل معها الحق . ويتلوها من يملك حق تلاوتها وتنزيلها ، وجعلها دستوراً للعباد . وليس هذا الحق لغير الله سبحانه . فكل من يسن للعباد منهجاً غيره إنما هو مفتات على حق الله ، ظالم لنفسه وللعباد ، مدع ما لا يملك ، مبطل لا يستحق أن يطاع .
{ وإنك لمن المرسلين } . .
ومن ثم نتلو عليك هذه الآية؛ ونزودك بتجارب البشرية كلها في جميع أعصارها ; وتجارب الموكب الإيماني كله في جميع مراحله ، ونورثك ميراث المرسلين أجمعين . .
بهذا ينتهي هذا الدرس القيم الحافل بذخيرة التجارب . وبهذا ينتهي هذا الجزء الذي طوَّف بالجماعة المسلمة في شتى المجالات وشتى الاتجاهات؛ وهو يربيها ويعدها للدور الخطير ، الذي قدره الله لها في الأرض ، وجعلها قيمة عليه ، وجعلها أمة وسطاً تقوم على الناس بهذا المنهج الرباني - إلى آخر الزمان ."اهـ الظلال ج1ص248-254
الفوائد المستفادة من هذه الآيات
الفائدة الأولى :الحث والحض على الاعتبار بأحوال من سبقنا من الأمم ففى قصصهم العبرة والعظة لقوله تعالى " { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل }.
الفائدة الثانية :أن أكثر الناس يكرهون القتال فى سبيل الله وكأن ما وقع لبنى إسرائيل ينطبق علينا الآن فى واقعنا المرير
قال تعالى " فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" وصدق الله تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة : 216
فالآية فيها تحذير شديد للأمة  عن التولي عن القتال إذا كتب عليهم ،ولا شك أن القتال مفروض علينا
الفائدة الثالثة :أهمية القيادة بالنسبة للمقاتلين فى سبيل الله تعالى ،لقول بنى إسرائيل لنبيهم " { ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله }
الفائدة الرابعة :بيان الغاية من القتال لقوله " ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ" فالقتال لا يكون إلا فى سبيل الله
روى مسلم عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَىُّ ذَلِكَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ"
الفائدة الخامسة :أنه لا بد من التأكد والاستيثاق من أحوال الذين يريدون القتال حتى لا يتراجعوا فيفشل الجهاد أو يؤثر على عزيمة الآخرين لقوله " قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ"
الفائدة السادسة :بيان بعض الأسباب المبيحة للقتال ومنها وقوع الظلم على المستضعفين كما هو الواقع الآن ،فالمسلمون فى شتى بقاع الأرض يعيشون تحت وطأة الكافرين فى ذل ومهانة ،ودمائهم تجرى فى كل مكان بأيدى أعدائهم فى داخل بلاد المسلمين وخارجها فإن لم يجاهد المسلمون الآن فمتى يكون الجهاد ؟
قال تعالى " { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا }
الفائدة السابعة :القتال والجهاد من أسباب التمحيص والابتلاء
فكثير من الناس يسهل عليهم محبتهم للجهاد وأنهم على استعداد له ،ولكن إذا وقع المر تميز الصادق من الكاذب وتميز الشجاع من الجبان
قال تعالى " فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ"
الفائدة الثامنة :أن النكوص عن الجهاد بعد فرضه وتحتمه ظلم لذلك جاء الوعيد بذلك فى قوله " وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"
الفائدة التاسعة :أن ترك الواجب من الظلم؛ وأن الفاعلين للواجبات قلة خاصة الواجبات التى فيها مشقة كالجهاد فى سبيل الله لقوله تعالى: { تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين } أي المتولين الذين فرض عليهم القتال، ولم يقوموا به؛ فدل ذلك على أن الظلم ينقسم إلى قسمين: إما فعل محرم؛ وإما ترك واجب.
الفائدة العاشرة : إقناع المخاطَب بم يسلم به الجميع ، لقول نبيهم: { إن الله قد بعث لكم }؛ فإنه أبلغ في الإقناع، والتسليم من قوله: إني بعثت لكم.
وفى معناه يكون اختيار القائد أو الأمير حسب ما جاء فى الشرع لا حسب الاختيار المجرد
الفائدة الحادية عشرة :لا مانع من وجود بعض النقاشات والخلافات أو بعض الاعتراضات داخل الصف المسلم ،ولكن الغرض من وقوع ذلك الوصول للحق والوقوف مثلا على حكمة معينة ،دل على ذلك قول بنى إسرائيل " قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ"
الفائدة الثانية عشرة : أن المجيب يختار ما يكون به الإقناع بادئاً بالأهم فالأهم؛ لقول نبيهم في جوابه: { إن الله اصطفاه عليكم... } إلخ؛ فبدأ بذكر ما لا جدال فيه - وهو اصطفاء الله عليهم -؛ ثم ذكر بقية المؤهلات: وهي أن الله زاده بسطة في العلم، وتدبير الأمة، والحروب، وغير ذلك، وأن الله زاده بسطة في الجسم: ويشمل القوة، والطول...؛ وأن الله عزّ وجلّ هو الذي يؤتي ملكه من يشاء، وفعله هذا لابد وأن يكون مقروناً بالحكمة: فلولا أن الحكمة تقتضي أن يكون طالوت هو الملك ما أعطاه الله عزّ وجلّ الملك؛ وأن الله واسع عليم: فهو ذو الفضل الذي يمده إلى من يشاء من عباده؛ فله أن يتفضل على من يشاء؛ الله أعلم حيث يجعل رسالته؛ والله أعلم أيضاً حيث يجعل ولايته.
أما فى مثل واقعنا فيقدم من قدمه الله تعالى أو قدمه الرسول – صلى الله عليه وسلم – من خلال الصفات الشرعية التى يجب أن تتوفر فى القائد الذى يقود الجيوش
وعلى رأس هذه الصفات :العلم لقوله " { وزاده بسطة في العلم والجسم }
فالقائد لا يكون قائدا إلا إذا كان مسلحا بالعلم ،وليست القيادة تكون أو يرتقى إليها أكثر الناس تعصبا كما هو الحال عند كثير من أصحاب الجماعات الآن
الفائدة الثالثة عشرة :لا بد من وجود بعض العلامات والدلائل التى تدل على أحقية القائد بالقيادة لقوله " وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة : 248
الفائدة الرابعة عشرة :أن للسكينة تأثيراً على القلوب؛ لقوله تعالى: { فيه سكينة من ربكم }؛ وتأمل كيف أضافه إلى ربوبيته إشارة إلى أن في ذلك عناية خاصة لهؤلاء القوم؛ والسكينة إذا نزلت في القلب اطمأن الإنسان، وارتاح، وانشرح صدره لأوامر الشريعة، وقَبِلها قبولاً تاماً.
الفائدة الخامسة عشرة : أن الدلائل والعلامات ينتفع بها المؤمن دون غيره؛ فا]مان سبب فى الانتفاع بآيات الله تعالى  لقوله تعالى: { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين }.
الفائدة السادسة عشرة :ملازمة القائد لجنوده ووجوده بينهم لقوله تعالى " فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ"فلا بد من وجود القائد وسط جنده ليباشرهم عن قرب ويطلع على أحوالهم مباشرة دون واسطة بينه وبينهم
الفائدة السابعة عشرة :تعرض المجاهدين للفتنة والاختبار أمر وارد لقوله " قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ"وغالب الفتن التى يتعرض لها المجاهدون فى سبيل الله تتعلق بالصبر والثبات أم الإغراءات
الفائدة الثامنة عشرة :صلاحية القائد لمنع المفتونين الذين ظهر منهم الضعف والخور ،فله أن يبعدهم ويصرح لهم ولغيرهم بذلك لقوله " فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ"
الفائدة التاسعة عشرة : الامتحان تم للجنود فصاروا على ثلاثة أنواع
النوع الأول:الذين شربوا من النهر كثيراً؛ فهؤلاء تبرأ منهم طالوت .
النوع الثاني: من لم يشرب شيئاً؛ فهذا من طالوت - أي من جنوده المقربين -
النوع الثالث: الذين أخذوا غرفة واحدة فهؤلاء الصحيح أنهم من النوع الثانى
وهذا الابتلاء وقع لحكمة منها :
أولاً: ليعلم به من يصبر على المشقة ممن لا يصبر
ثانياً: ليعلم به من يمتثل أوامر القائد، ومن لا يمتثل،فإن السمع والطاعة فى الجنية أساس وأصل
الفائدة العشرون :أكثر الناس إلا من رحم الله – لا ينفذون أوامر الله تعالى لقوله " فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ"
الفائدة الواحدة والعشرون :أن الضعفاء هم الذين ينظرون فقط إلى الناحية المادية دون اعتبارات أخرى أساسية مثل الاعتماد عى قوة الله تعالى لذلك قال طائفة منهم لقائدهم  لقوله " فلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ"
وهذا يشبه قول الكثير الآن لا طاقة لنا بالصهاينة ،ولا طاقة لنا بالدول الأوربية ،ولا طاقة لنا بقتال أمريكا ،وهذه أقوال كذبها الواقع العملى فى أفغانستان وفى العراق وفى الصومال – إلى غير ذلك
الفائدة الثالثة والعشرون : إثبات ملاقاة الله؛ لقوله تعالى: { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ"، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق : 6     
الفائدة الرابعة والعشرون : الانتصار والغلبة لا ينظر إليه من ناحية القلة والكثرة ،فقد تغلب الفئة القليلة فئة كثيرة بإذن الله؛ وهذا قد وقع فيما سبق من الأمم، ووقع في هذه الأمة مثل غزوة «بدر»؛ وقد تُغلَب الفئة الكثيرة، وإن كان الحق معها، كما في غزوة «حنين»؛ لكن لسبب.
الفائدة الخامسة والعشرون : الدعاء من أعظم أسباب النصر فمن تمام العبودية أن يلجأ العبد إلى ربه- جل وعلا- عند الشدائد؛ لقوله تعالى: { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة : 250  
الفائدة السادسة والعشرون : أن النصر من عند الله تعالى مع وجوب الأخذ بالأسباب لقوله تعالى: { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ" [البقرة: 251] ؛ وأما اعتماد الإنسان على نفسه، واعتداده بها فسبب لخذلانه، كما قال تعالى: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة : 25 
هذا حدث للمسلمين وهم مع نبيهم – صلى الله عليه وسلم – ليكون للناس فى ذلك أكبر العبرة والعظة
الفائدة السابعة والعشرون : أن الثبات أيضا لا يكون إلا من عند الله لذلك توجه المسلمون فى دعائهم أن يثبتهم ربهم – جل وعلا – وهذا عام فى كل مواطن الثبات لقوله تعالى "{ وثبت أقدامنا}.
الفائدة الثامنة والعشرون : من أكبر أسباب القتال هو كفر الكافرين ، انصرنا عليهم من أجل كفرهم؛فليس مجرد القتال لأجل حمية أو عصبية،يعني ما طلبنا أن تنصرنا عليهم إلا لأنهم كافرون." وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة : 250  
الفائدة التاسعة والعشرون :حاجة الجماعة المسلمة إلى الأبطال والشجعان ،تمثل ذلك فى شجعاة داود – عليه السلام - حيث قتل جالوت حين برز لهم؛ والشجاعة عند المبارزة لها أهمية عظيمة؛ لأنه إذا قُتِل المبارِز أمام جنده فلا شك أنه سيجعل في قلوبهم الوهن، والرعب؛ ويجوز في هذه الحال أن يخدع الإنسان من بارزه؛ لأن المقام مقام حرب؛ وكل منهما يريد أن يقتل صاحبه؛ فلا حرج أن يخدعه؛ ويُذكر أن عمرو بن ودّ لما خرج لمبارزة علي بن أبي طالب صاح به عليّ، وقال: «ما خرجت لأبارز رجلين»؛ فظن عمرو أن أحداً قد لحقه، فالتفت، فضربه علي؛ هذه خدعة؛ ولكنها جائزة؛ لأن المقام مقام حرب؛ هو يريد أن يقتله بكل وسيلة.
الفائدة الثلاثون : النصر يعقبه دائما الخير العظيم للجماعة المسلمة بدليل أن الله تعالى أعطى داود – عليه السلام - بعد قتله لجالوت ونصر المؤمنين أعطاه الملك والحكمة علاوة على العلم لقوله " وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة : 251









الصفة الرابعة من صفات الطائفة المنصورة :
موالاة المؤمنين ومعادة الكافرين والمبتدعين
وهذه الصفة من الصفات الأساسية الملازمة للطائفة المنصورة ،لأن أكثر المسلمين إلا من رحم الله يفرط فى هذه الصفة خاصة فى واقعنا المعاصر وذلك لأسباب كثيرة منها :
1- عدم وجود الدولة الإسلامية التى يظهر فيها الولاء والبراء بصورته الحقيقية
2- تمييع قضية الولاء والبراء عند أكثر المسلمين بسبب تحالفات بعض الجماعات الدعوية مع الكفار الأصليين كالنصارى ،أو مع المرتدين كالأحزاب العلمانية المحارب للدين
3- تلبيس كثير من الدعاة والعلماء على الناس فى هذه القضية على وجه الخصوص ،فبدلا من البراءة من الكفار وأهل البدع نجد دعوات حوار الأديان ودعوات التقارب على غير ذلك
4- إهمال قضية الولاء والبراء من ناحية الاهتمام بها من جانب نشرها بين الناس من خلال تدريس هذه القضية للناس فى المساجد والجامعات والمدارس ،بل نجد العكس وهوتدريس مبادئ الأخوة بين المؤمنين والكافرين
5- نشر المصطلحات الحديثة التى تحتمل أكثر من استعمال مثل مصطلح الآخر وقبول الآخر والحوار مع الآخر ،أو مصطلح غير المسلمين ،أو مصطلح المواطنة ،أو مصطلح الوحدة الوطنية ،وهذا كله على حساب المصطلحات الشرعية التى لا تخرج عن مصطلحين
قال تعالى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن : 2
أما تفصيلا :فالكفار أصناف منهم المنافقين نفاقا أكبر ،ومنهم كفار أهل الكتاب من اليهود والنصارى ،ومنهم المشركين ومن لا دين لهم ،وهكذا
وكذلك المؤمنون أصناف ومراتب منهم الظالم لنفسه كالعصاة ،ومنهم المقتصدون ،ومنهم السابقون بالخيرات
قال تعالى "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر : 32
ولكن الطائفة المنصورة على مر العصور عندهم ثبات وتصور واضح لهذه القضية لا يحيدون عنه أبدا ولا يداهنون فيه مطلقا ،ولا يقدون فيه أدنى تنازلات ،وكيف يكون فى هذه القضية تنازلات ،والموالاة والمعادة من أصل الدين
ولقد ركز القرآن الكريم على هذه القضية تركيزا كبيرا فى غالب سور القرآن ،وهذا إن دل إنما يدل على أهمية وخطورة هذه المسألة
قال تعالى:] لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[المجادلة:22
دلت الآية بمفهومها على أن من والى الكافرين وإن كانوا من الأقربين فليسوا من المؤمنين
وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)التوبة
قال سيد قطب – رحمه الله –
" إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكاً؛ فإما تجرد لها ، وإما انسلاخ منها ، وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة؛ ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة . . كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب ، ويخلص لها الحب ، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة ، وهي المحركة والدافعة . فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة؛ على أن يكون مستعداً لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة .
ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع؛ وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض . فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة وبالزوج والعشيرة؛ ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن؛ ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق - في غير سرف ولا مخيلة - بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب ، باعتباره لوناً من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده ، وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب .
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء - إن استحبوا الكفر على الإيمان - }
وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب ، إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة . وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله . فلله الولاية الأولى ، وفيها ترتبط البشرية جميعاً ، فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك ، والحبل مقطوع والعروة منقوضة .
{ ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون } . .
و { الظالمون } هنا تعني المشركين . فولاية الأهل والقوم - إن استحبوا الكفر على الإيمان - شرك لا يتفق مع الإيمان .
ولا يكتفي السياق بتقرير المبدأ ، بل يأخذ في استعراض ألوان الوشائج والمطامع واللذائذ؛ ليضعها كلها في كفة ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الأخرى : الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة ( وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج ) والأموال والتجارة ( مطمع الفطرة ورغبتها ) والمساكن المريحة ( متاع الحياة ولذتها ) . . وفي الكفة الأخرى : حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله . الجهاد بكل مقتضياته وبكل مشقاته . الجهاد وما يتبعه من تعب ونصب ، وما يتبعه من تضييق وحرمان ، وما يتبعه من ألم وتضحية ، وما يتبعه من جراح واستشهاد . . وهو - بعد هذا كله - « الجهاد في سبيل الله » مجرداً من الصيت والذكر والظهور . مجرداً من المباهاة ، والفخر والخيلاء . مجرداً من إحساس أهل الأرض به وإشارتهم إليه وإشادتهم بصاحبه . وإلا فلا أجر عليه ولا ثواب . .
{ قل : إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها ، وتجارة تخشون كسادها ، ومساكن ترضونها ، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله . . فتربصوا حتى يأتي الله بأمره . . }
ألا إنها لشاقة . ألا وإنها لكبيرة ، ولكنها هي ذاك . . وإلا :
{ فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } . .
وإلا فتعرضوا لمصير الفاسقين :
{ والله لا يهدي القوم الفاسقين } . .
وهذا التجرد لا يطالب به الفرد وحده ، إنما تطالب به الجماعة المسلمة ، والدولة المسلمة . فما يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة يرتفع على مقتضيات العقيدة في الله ومقتضيات الجهاد في سبيل الله .
وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف ، إلا وهو يعلم أن فطرتها تطيقه - فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها- وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال؛ وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها . . لذة الشعور بالاتصال بالله ، ولذة الرجاء في رضوان الله ، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط ، والخلاص من ثقلة اللحم والدم ، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء . فإذا غلبتها ثقلة الأرض ففي التطلع إلى الأفق ما يجدد الرغبة الطامعة في الخلاص والفكاك ."اهـ الظلال ج3ص391-492
وقال تعالى ":]قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[الممتحنة: 4.

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –
" يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ } أي: وأتباعه الذين آمنوا معه { إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ } أي: تبرأنا منكم { وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ } أي: بدينكم وطريقكم، { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا } يعني: وقد شُرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدًا نتبرأ منكم ونبغضكم { حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } أي: إلى أن تُوحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأنداد والأوثان."اهـ تفسير ابن كثير ج8ص78
والآيات الدالة على ذلك كثيرة وقد خصها العلماء بمصنفات مستقلة فمن أراد المزيد فليرجع إلى هذه المصنفات  ومن أحسنها :رسالة الدلائل لسليمان بن عبد الله ،وسبيل النجاة والفكاك لحمد بن عتيق ،والولاء والبراء للقحطانى ،والموالاة والمعاداة لمحماس الجلعود – إلى غير ذلك

فائدة :
أكثر شئ يغيظ الكفار ويخيفهم هو التمسك بعقيدة الولاء والبراء لأن هذه العقيدة تؤدى إلى الفهم الصحيح لفريضة الجهاد فى سبيل الله
فالتخلى عن عقيدة الولاء والبراء وفريضة الجهاد فى سبيل الله هو الذى يرضى ملل الكفر كلها ،فهذا هو إسلام الوسطية عندهم ،وهذا الإسلام هو الذى يمكن أن يتعايش معه الكفار فى الشرق والغرب
نأخذ من ذلك أن الجماعة أو الطائفة التى تحظى بالقبول والرضا من أعداء الله تعالى هى الجماعة التى تخلت عن حقيقة الولاء والبراء والجهاد فى سبيل الله
والأمثلة فى واقعنا كثيرة ،فهناك من الجماعات التى تظهر بعض الشعائر العامة كالصلاة والصوم ،وحتى المظاهر الخارجية من إطلاق اللحية فلا حرج عليه ،المهم البعد عن قضية الولاء والبراء والجهاد فى سبيل الله
الجماعات والعلماء والدعاة الذين لا إهتمام عندهم بقضية الولاء والبراء والجهاد فى سبيل الله هم المقربون وهم أحق الناس بالصدارة والرياسة العلمية والشهرة عند الجماهير المسكينة ،هؤلاء هم الذين تفتح أمامهم القنوات الفضائية ووسائل الإعلام ،بل تفتح لهم بلاد الكفار لزيارتها ولعقد المؤتمرات بها ،أما الداعين لحقيقة الولاء والبراء وللجهاد فى سبيل الله فهؤلاء هم الذين يستحقون السجن والاعتقال والتضيق ،وأقرب مثال لذلك هو العالم الأزهرى المعتقل فى سجون أمريكا الدكتور عمر عبد الرحمن فك الله أسره ،وكذلك الكثير من علماء الدولة السعودية القابعين خلف الأسوار هناك           
أليس من العجيب أيها السادة العلماء والدعاة ،أليس من العجيب يا أصحاب الجماعات الإسلامية أن يسمح لكل الدول الكافرة أن تجاهد فى سبيل مصالحها وللحفاظ على كيانها من أجل الدنيا ،ويحرم على المسلمين أن يبغضوا أهل الكفر المحاربين للمسلمين فى كل مكان مع رؤيتنا للمستضعفين من المسلمين فى كل مكان وما يحل بهم ،ثم يحرم على المسلمين بعد ذلك الجهاد فى سبيل الله من أجل دينهم ،أين عقولكم ؟لماذا تصالحتم مع الجاهلية مع إعراضكم عن دين رب البرية ؟
ألا فاعلموا أيها الواهمون .. الذين يريدون أن يعيشوا الإسلام بعيداً عن عقيدة الولاء والبراء كما جاء بها الإسلام .. ومن دون أن يعيشوا فريضة الجهاد في سبيل الله .. ويتحملوا شيئاً من تبعاته .. ثم يحسبون أنفسهم على شيء أو أنهم يُحسنون صنعاً .. نقول لهم وبكل صراحة راجعوا دينكم وعقيدتكم وإلا فلستم على شئ حتى تقيموا ما أنزل الله تعالى
قال تعالى " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة : 68]
وهل يوجد دين بلا ولاء وبلا براء وبلا جهاد فى سبيل الله ؟          
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ إذ يقول:" فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوله وآخره وأسه ورأسه، شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها، وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوهم، وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم أو قال: ما علي منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، فقد كلفه الله بهم وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأولادهم، فالله الله، تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً،"اهـ مجموعة التوحيد ص111
صور مضيئة ونمادج طيبة من أحوال الصحابة حول قيامهم بأمر الدين من ولاء وبراء وجهاد فى سبيل الله تعالى
والصحابة – رضى الله عنهم - قد نذروا حياتهم لذلك ولننشير إلى مثالين أو ثلاثة
إجماع الصحابة على قتل وقتال المرتدين
روى البخارى ومسلم عن أبي أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال : « لمَّا تُوُفِّيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- واسْتُخْلِفَ أبو بكر بعدَه، وكَفر من كفر من العرب، قال : عمرُ بن الخطاب لأبي بكر: كيف تُقاتِل الناس، وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- : أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إِله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله ، عَصَمَ مني مالَه ونفسه إِلا بحَقِّه، وحِسَابُه على الله ؟ فقال أبو بكر : والله لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو مَنَعُوني عَنَاقا كانوا يُؤَدُّونها إِلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على منعها . قال عمر : فوالله ما هو إِلا أَن رَأَيتُ أَنَّ اللهَ شرحَ صَدْرَ أَبي بكرٍ لِلْقتال فعرفتُ أَنَّهُ الحَق».
وفي رواية : « عِقَالا كانوا يُؤَدُّونه».أخرجه الجماعة ، إِلا أن الموطأ لم يُخرِّج منه إلا طرَفا من قول أَبي بكر ، قال مالك : « بلغه أَن أبا بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - قال: لو مَنعونِي عِقالا لَجَاهَدْتُهُمْ عليه».لم يزد على هذا
قال ابن بطال فى شرح البخارى
" وكانت الردة على ثلاثة أنواع: قوم كفروا وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الأوثان، وقوم آمنوا بمسيلمة وهم أهل اليمامة، وطائفة منعوا الزكاة وقالوا: ما رجعنا عن ديننا، ولكن شححنا على أموالنا، فرأى أبو بكر، رضى الله عنه، قتال الجميع، ووافقه على ذلك جميع الصحابة بعد أن خالفه عمر فى ذلك، ثم بان له صواب قوله، فرجع إليه، فسبى أبو بكر، رضى اله عنه، نساءهم، وأموالهم اجتهادًا منه، فلما ولى عمر، رضى الله عنه، بعده، رأى أن يرد ذراريهم ونساءهم إلى عشائرهم، وفداهم، وأطلق سبيلهم، وذلك أيضًا بمحضر الصحابة من غير نكير، والذى رد منهم عمر لم يأب أحد منهم الإسلام، وعذر أبا بكر فى اجتهاده، وهذا أصل فى أن كل مجتهد مصيب.
وقال بعض العلماء: حكم أبو بكر فى أهل الردة بالسبى، وأخذ المال وجعلهم كالناقضين، وحكم فيهم عمر بحكم المرتدين، فرد النساء والصغار من الرق إلى عشائرهم كذرية من ارتد فله حكم الإسلام إلا من تمادى بعد بلوغه، والذين ردهم عمر لم يأب أحد منهم الإسلام، وعلى هذا الفقهاء، وبه قال ربيعة الرأى، وابن الماجشون، وابن القاسم، وذهب أصبغ بن الفرج إلى فعل أبى بكر، رضى الله عنه، أنهم كالناقضين، وتأويل أبى بكر مستنبط من قوله تعالى، فى الكفار: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5] فجعل من لم يلتزم ذلك كله كافرًا يحل دمه وأهله وماله، ولذلك قال:  « والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة » .
وقال أبو جعفر الداودى: قال أبو هريرة: والله الذى لا إله إلا هو، لولا أبو بكر ما عبد الله، قيل له: اتق الله يا أبا هريرة، فكرر اليمين، وقال: لما توفى رسول الله ارتدت العرب، وكثرت أطماع الناس فى المدينة وأرادته الصحابة على إمساكه بجيش أسامة، والكف عمن منع الزكاة، فقال: والله لو لم يتبعنى أحد لجاهدتهم بنفسى حتى يعز الله دينه أو تنفرد سالفتى. فاشتد عزم الصحابة حينئذ، وقمع الله أهل المطامع عما أرادوه.
قال المؤلف: وهذا كله يشهد لتقدم أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فى العلم ورسوخه فيه، وأن مكانه من العلم ونصرة الإسلام لا يوازيه فيه أحد، ألا ترى رجوع جماعة الصحابة إلى رأيه فى قتال أهل الردة، ولا يجوز عليهم اتباعه تقليدًا له دون تبيين الحق لهم، وذلك أنه احتج عليهم أن الزكاة قرينة الصلاة، وأنها من حق المال، وأن من جحد فريضة فقد كفر، ولم يعصم دمه ولا ماله، وأنه لا يعصم ذلك إلا بالوفاء بشرائع الإسلام، ولذلك قال عمر رضى الله عنه:  « فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق » ، أى عرفت أنه على الحق بما بينه أبو بكر من استدلاله على ذلك، فبان لعمر وللجماعة الحق فى قوله، فلذلك اتبعوه."اهـ شرح البخارى ج5ص431-432

والشاهد أن الصحابة – رضى الله عنهم – رغم قلتهم فى العدد والعتاد بالنسبة للمرتدين إلا أنهم جاهدوهم بما فى وسعهم معتمدين على ربهم فنصرهم الله تعالى لأنهم بحق هم أصحاب هذه الآية
قال تعالى فى صفة أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم - 
" مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح : 29
مثال آخر
قتل عليّ وحرقه لجماعة من الرافضة ألَّهوه وعبدوه
خرَّج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنتُ أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينه فاقتلوه"
وفى واقعنا كم من الطوائف يعبدون ويألهون غير الله تعالى وهو يعيشون على أرض الإسلام ،وبين المسلمين ،ولكن من لهم ؟والله المستعان
خرج علي يوماً من المسجد بالكوفة بباب كندة فإذا جماعة من الرافضة المخذولين سجدوا له، فقال لهم: ما هذا؟ قالوا له: أنت خالقنا ورازقنا؛ فقال لهم: سبحان الله إنما أنا بشر مثلكم إن شاء رحمني، وإن شاء عذبني؛ فاستتابهم عليٌّ ثلاثة أيام، وتهددهم إن لم يتوبوا بالإحراق بالنار، فلم يفد، فأمر بحفر الأخاديد وملأها بالحطب وأشعلها ناراً، ثم ألقاهم فيها، وقال مرتجزاً:
لما رأيتُ الأمر أمراً منكراً       أججت ناري ودعوتُ قنبرا

قال الإمام الصنعانى – رحمه الله –
" وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرق أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكانوا يقولون نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكنهم غلوا في علي رضي الله عنه واعتقدوا فيه ما يعتقد القبوريون وأشباههم، فعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحدا من العصاة، فإنه حفر لهم الحفائر وأجج لهم نارا وألقاهم فيها وقال :
لما رأيت الأمر أمرا ً منكراً              أججت ناري ودعوت قنبرا
وقال الشاعر في عصره :
لترم بي المنية حيث شاءت     إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا فيهم نارا         رأيت الموت نقدا غير دين
والقصة في فتح الباري وغيره من كتب الحديث والسير."اهـ تطهير الاعتقاد ص31
والأمثلة على ذلك كثيرة فى كتب التاريخ والسير
والطائفة المنصورة فى واقعنا خاصة الذين حملوا راية الجهاد فى سبيل الله تميزوا بعقيدتهم الصافية فى ولائهم وبرائهم فلم يركنوا إلى الظالمين فضلا عن مشاركتهم فى جاهليتهم فأعطوهم الشرعية المفقودة لهم بالشرع ،فهؤلاء الذين نحسبهم قائمين بدين الله تعالى الذين يحملون همّ هذه الأمة بالعمل وليس بمجرد الكلام والادعاء
فاللهم إنا نسألك أن نكون من خدامين هذه الطائفة المنصورة
تتمة لا بد منها :
براءة الطائفة المنصورة من جميع الولاءات الجاهلية
الطائفة المنصورة ولاؤها لحزب الله فقط الذى وصفه الله تعالى بقوله – جل وعلا
"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة 55: 56
وبالتالى فهم يتبرأون من كل صور ولاءات الجاهلية ،وأشير إلى بعض هذه الصور بإيجاز
الصورة الأولى :الولاء الحزبى ،بمعنى أن يكون الولاء والبراء على حسب الانتماء إلى الحزب ،فمن كان من أعضاء الحزب أو من أنصاره فهو المستحق للولاء والتقريب ،ومن لم يكن منتميا للحزب أو ليس من أنصاره فهو العدو وإن كان من الصالحين العاملين لدين الله
وتظهر هذه الصورة فى  مناصرة الحزب وتأييده في الحق والباطل، وعلى الخير والشر .. لكون هذه المواقف صادرة عن الحزب
فإذا ما ذُكر الحزب بشيء من النقد وإن كان حقاً سرعان ما تثور ثائرتهم .. ويشتد غضبهم وإنكارهم على من تجرأ فوجه ذلك النقد ،فالمقياس عنهم ليس الحق والباطل ،وإنما المقياس الحقيقى هو الانتماء
ومن المظاهر التى تدل على ذلك  الرضا عن كل ما يصدر عن الحزب من تعليمات وتوجيهات لكونها صادرة عن الحزب أو الجماعة .. بغض النظر هل هى حق أم باطل هذا ليس فى الحسبان ،هل هى موافقة للشرع أم لا ليس مهما ،وهكذا
ومن المظاهر الشركية المتعلقة بذلك تقديم منهج الحزب وأقواله وحكمه على قول الله ورسوله .. وهذا أخطر ما يوجد فى مثل الولاء الحزبى
توضيح ذلك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –
"وأما [ رأس الحزب ] فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أى تصير حزبًا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذى ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان .
وفي الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وفي الصحيحين عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا " وشبك بين أصابعه . وفي الصحيح عنه أنه قال : " المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله " وفي الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : " انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا " قيل : يا رسول الله أنصره مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا ؟ ! قال : " تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه " . وفي الصحيح عنه أنه قال : " خمس تجب للمسلم على المسلم : يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويشمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويشيعه إذا مات " . وفي الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : " والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه " .
فهذه الأحاديث وأمثالها فيها أمر الله ورسوله بما أمر به من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض " اهـ  مجموع الفتاوى ج11ص92-93
وقال شيخ الإسلام – أيضا
" ومن حالف شخصًا على أن يوإلى من والاه ويعادي من عاداه، كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعإلى ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء من عسكر الشيطان، ولكن يحسن أن يقول لتلميذه : علىك عهد الله وميثاقه أن توإلى من وإلى الله ورسوله، وتعادي من عادي الله ورسوله، وتعاون على البر والتقوي ولا تعاون على الإثم والعدوان . وإذا كان الحق معي، نصرت الحق، وإن كنت على الباطل، لم تنصر الباطل . فمن التزم هذا، كان من المجاهدين في سبيل الله تعإلى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا .
وفي الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يارسول الله، الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله "اهـ
الصورة الثانية : موالاة العالم أو الشيخ أو الداعية لذاته ،وهذه الصورة منتشرة فى واقع المسلمين بصورة كبيرة ،وأدت هذه الصورة إلى مفاسد كثيرة الله بها عليم ،والأخطر من ذلك إقرار هؤلاء العلماء والدعاة أتباعهم المقلدين لهم على ذلك ،أو أهون ذلك عدم انكارهم على من يفعل ذلك
وهذا معناه أن الولاء للشيخ أو للداعية ليس لله ولا لدينه وإنما لذات الشخص بغض النظر عن موافقة الحق أم لا 
وهذا يؤدى إلى التعصب لأقوال العالم أو الداعية مصيبا كان أم مخطئا ،ثم تدور المعارك بين أتباع العلماء والدعاة من أجل تعصبهم للأشخاص دون النظر إلى الحق والباطل  
فاستقر عند كثير من الشباب المتحمسين أن الحق لا يؤخذ إلا من الشيخ الفلانى لأنه أعلم من غيره وهكذا ،وهذه الصورة من الصور التى تؤدى إلى تأخر المسلمين ،فمن البديهى أن هذه الصورة تؤدى إلى هجر نصوص الكتاب والسنة وتقديم أقوال المشايخ ،فهل هناك تأخر وخذلان أكثر من ذلك
فمن الغريب أن يقبل هؤلاء الشباب نقد الصحابة فمن دونهم من العلماء الكبار ثم لا يقبلون مثل هذا النقد فى مشياخهم الذين لا يساوون شيئا بجانب علم الأولين
فلسان حالهم ولسان مقالهم يقول :شيخنا يؤخذ منه ولا يرد عليه ،شيخنا لا مرد لكلامه ،شيخنا أفهم لنصوص الكتاب والسنة من غيره ،شيخنا يُستدل بأقواله ولا يستدل لها ،شيخنا إذا أخطأ فمعذور ويتأول لكلامه أم غيره فلا 0
فاستقر عند هؤلاء الجهلة أن مجرد الرد على الشيخ الفلانى لبيان الحق وقوع فى عرضه ولحموم العلماء مسمومة
أليس هؤلاء أقرب الناس بقول الله تعالى " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة : 31
وقد ثبت فى حديث عدي بن حاتم، وكان قد قدم على النبي r وهو نصراني، فسمعه يقرأ هذه الآية:)اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يُشركون (قال: فقلت له إنا لسنا نعبدهم. قال r:" أليس يُحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويُحلون ما حرم الله فتُحلونه "؟ قال: قلت: بلى، قال:" فتلك عبادتهم "رواه الترمذى وأبو داود وغيرهما وصححه الشيخ الألبانى 
وكذلك قال أبو البحتري: أما إنهم لم يُصلوا لهم، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ـ بمعنى الركوع والسجود والتنسك ـ ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه، وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية !
وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: كيف كانت الربوبية في بني  إسرائيل ؟ قال: كانت الربوبية أنهم وجدوا في كتاب الله ما أمروا به ونهوا عنه، فقالوا: لن نسبق أحبارنا بشيء، فما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنه انتهينا لقولهم؛ فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم"اهـ انظر مجموع الفتاوى ج7ص67     
من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمة – حول هذه المسألة
قال رحمه الله :"وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزًا عن معرفة الحق على التفصيل، وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ، كما في القبلة . وأما إن قلد شخصًا دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه، من غير علم أن معه الحق فهذا من أهل الجاهلية، وإن كان متبوعه مصيبًا، لم يكن عمله صالحًا . وإن كان متبوعه مخطئًا، كان آثما، كمن قال في القرآن برأيه، فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار . وهؤلاء من جنس مانع الزكاة الذي تقدم فيه الوعيد، ومن جنس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، فإن ذلك لما أحب المال حبًا منعه عن عبادة اللّه وطاعته، صار عبدًا له . وكذلك هؤلاء، فيكون فيه شرك أصغر، ولهم من الوعيد بحسب ذلك"اهـ مجموع الفتاوى ج7ص71-72
وقال 28/19-20: كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد، فيوالي من يواليه، ويُعادي من يُعاديه مطلقاً، وهذا حرام ليس لأحد أن يأمر به أحداً، ولا يجيب عليه أحد بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة، يجمعهم فعل ما أمر الله به ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله.
وقال – رحمه الله –
"فإن هذه الأمور إنما ولدها كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد، فيوإلى من يوإليه، ويعادي من يعاديه مطلقًا . وهذا حرام، ليس لأحد أن يأمر به أحدًا، ولا يجيب عليه أحدًا، بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة . يجمعهم فعل ما أمر الله به، ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله، حتى يصير الناس أهل طاعة الله أو أهل معصية الله، فلا تكون العبادة إلا لله عز وجل ولا الطاعة المطلقة إلا له سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ."اهـ مجموع الفتاوى ج28ص19
وقال – رحمه الله
 " فإن فرعون وإبليس كل واحد منهما يطلب أن يعبد ويُطاع من دون الله، وهذا الذي في فرعون وإبليس غاية الظلم والجهل، وفي نفوس سائر الأنس والجن شعبة من هذا .. وذلك أن الإنسان يريد نفسه أن تطاع وتعلو بحسب الإمكان، والنفوس مشحونة بحب العلو والرئاسة بحسب إمكانها، فتجده يوالي من يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده، قال تعالى:)أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (الفرقان:43.
والناس عنده كما هم عند ملوك الكفار من الترك وغيرهم " يال، ياغي " أي صديقي وعدوي، فمن وافقهم كان ولياً وإن كان كافراً، ومن لم يوافقه كان عدواً وإن كان من  المتقين، وهذا حال فرعون.
والواحد من هؤلاء يريد أن يُطاع أمره بحسب إمكانه، لكنه لا يتمكن مما تمكن منه فرعون من دعوى الإلهية وجحود الصانع، وهؤلاء وإن أقروا بالصانع فإذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادة الله المتضمنة ترك طاعتهم عادوه، كما عاد فرعون موسى u، وكثير من الناس عنده عقل وإيمان لا يطلب هذا الحد، بل تطلب نفسه بما هو عنده، فإذا كان مطاعاً مسلماً طلب أن يُطاع في أغراضه وإن كان فيها ما هو ذنب ومعصية لله، ويكون من أطاعه أحب إليه وأعز عنده ممن أطاع الله وخالف هواه، وهذه شعبة من حال فرعون وسائر المكذبين للرسل."اهـ  مجموع الفتاوى ج8ص217
وقال – رحمه الله -
"وليس للمعلمين أن يُحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقى بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى:)وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة:2.    
وليس لأحدٍ منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريد، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يُعاديه، بل فعل هذا كان من جنس جنكزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقاً ولياً، ومن خالفهم عدواً باغي .. بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يُطيعوا الله ورسوله، ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله.
وإذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يُعين أحدهما حتى يعلم الحق، فلا يُعاونه بجهل ولا بهوى، بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره؛ وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله واتباع الحق ولقيام بالقسط.
قال الله تعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء:135.
ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه ـ فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله، والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع الحق على المبطل، فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله، والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يُرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء."اهـ ج28ص15-17
وقال رحمه الله -
"وليس لأحد أن يُعلق الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة، والصلاة واللعن بغير الأسماء التي علق الله بها ذلك: مثل أسماء القبائل، والمدائن، والمذاهب، والطرائق المضافة إلى الأئمة والمشايخ.
فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان "اهـ مجموع الفتاوى  ج28 ص227-228:
تعقيب وبيان
لا شك أن هناك فرق بين احترام العلماء وتوقيرهم وبين التعصب الأعمى لهم أصابوا أم أخطأوا ،فالشرع حثنا على احترامهم وأن نأخذ عنهم ونسألهم فيما غاب عنا ولم نعلمه ولكن كل هذا مقيد بإصابتهم للحق مع عدم التعصب لأشخاصهم ،لأن هذا التعصب يجعل الإنسان أسير لكلام هذا وذاك
الصورة الثالثة من صور الولاءات الباطلة :الولاء للوطن والأرض
والصورة المذمومة من هذا الولاء هو جعل هذا الولاء قاصر على محبة ونصرة البلد الذى يعيش فيه فقط ولا يتعدى ذلك إلى بيقية المسلمين الذين يعيشون فى البلدان الأخرى ،فإن هذا معناه أن الولاء ليس للدين والعقيدة ،وإنما الولاء لمن يعيشون معك فى حدود جغرافية محددة فهؤلاء هم الذين لهم مالهم من الحقوق والواجبات دون بقية المسلمين الذين يعيشون فى بقية أقطار الأرض وإن كان الناس يتعاطفون معهم ومع قضاياهم شأنهم فى ذلك شأن المتعاطفين من غير المسلمين
فالولاء للوطن بهذه الصورة بأن توالى فيه وتعادى فيه يجعله صورة من صور الشرك
يقول أحمد محرم المصري في حب وطنه مصر:
فإن يسألوا ما حُبَّ مصرَ فإنه                   دمي وفؤادي والجوانح والصدرُ
أخافُ وأرجو، وهي جَهدُ مخافتي              ومرمى رجائي، لا خفاءُ ولا نُكرُ
هي العيشُ والموتُ المبغَّضُ والغنى            لأبنائها والفقرُ والأمن والذُعـرُ
هي القدرُ الجاري هي السخطُ والرضى   هي الدينُ والدنيا هي الناس والدهرُ
بذلك آمنا، فيا من يلومنا                     لنا في الهوى إيماننا ولك الكـفرُ !!
       ويقول أحمد شوقي كذلك:
ويا وطني لقيتُكَ بعد يأسٍ ...     كأني لقيتُ بك الشبـابا
وكلُّ مسافرٍ سيئوبُ يوماً ...   إذا رُزقَ السلامة والإيابا
ولو أني دُعيتُ لكنتَ ديني ...  عليه أُقابلُ الحتمَ المُجابا
أدير إليك وجهي قبل البيتِ ..  إذا فُهتُ الشهادة والمتابا
وللأسف أصبحنا نعيش فى هذه الأيام هذا واقعا عمليا واضحا بعد الثورة المصرية ،فلا حديث للناس وعلى رأسهم غالب العلماء :حب مصر والحفاظ على هوية البلد خاصة المواطنة وأصبح علم مصر هو الذى يجمع الناس وليس الإسلام فالتحيز للإسلام عنصرية عندهم فانقلبت الموازين ،هذا تماما كالدعوة إلى الديمقراطية التى أصبحت من الثوابت عند الدعاة الآن - إلا من رحم الله - 
من أقوال الناس فى حب الوطن :
 أجاهد وأقاتل في سبيل الوطن .. أموت في سبيل الوطن .. أتبرع بمالي وأبنائي في سبيل الوطن .. أضحي بكل شيء في سبيل الوطن .. الوطن غالي يستحق منا كل غالٍ ونفيس .. فكل شيء في سبيل الوطن يرخص ويهون .. ويقصد من وطنه تلك الحدود الجغرافية للإقليم التي ينتمي إليها .. فإذا كان وطنه هذا بسلام .. فعلى بقية أوطان وأمصار الإسلام الأخرى السلام .. فهي لا تعني له بشيء .. المهم عنده
وطنه .. فوطنه حفظه الله وحماه .. وبقية أوطان المسلمين تذهب للجحيم
ويدخل تحت هذه الصورة : انعقاد الولاء والبراء على أساس الإنتماء للقبيلة أو العشيرة: حيث أن المعتبر في الولاء والبراء عند أبناء القبيلة أو العشيرة هو مجرد الانتماء إلى القبيلة ونظامها بغض النظر عن الدين والمعتقد؛ فكل من كان ينتمي إلى القبيلة أو العشيرة ويقر بنظامها وعاداتها يجب أن يعطى من الولاء والنصرة ـ وإن كان كافراً ـ مالا يعطاه ابن قبيلة أو عشيرة أخرى وإن كان من خيرة المسلمين المؤمنين.
الوطن الإسلامى الذى نحبه
الوطن الذى نحبه ونضحى من أجله هو الوطن الذي يخضع لسلطان الإسلام وأحكامه؛ فأيما وطن خضع لسلطان الإسلام وأحكامه وعقيدته  ـ يوماً من الأيام ـ فهو وطن الإسلام ،الوطن الذى يعلى راية التوحيد ويدافع عن الموحدين أينما كانوا وأينما حلوا هو الوطن الإسلامى
الوطن الذى يسعى لأن تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى هو الوطن الإسلام
هذا الوطن بهذه الصفة هو وطن المسلم الذى يحبه وينصر أهله ويضحى لأجلهم
هذا هو الوطن الذى يدافع عنه المسلم بكل غال ونفيس ،لأنه بذلك يكون محققا لجانب عظيم من جوانب أصل الدين وهو الولاء والبراء
تنبيه :
لا يدخل فيما ذكرنا الحب الطبيعى الفطرى للوطن الذى ولد فيه الإنسان وعاش فيه ،فهذا خارج نطاق البحث
ويستدل على ذلك بقول النبي r عن مكة لما أخرجه المشركون منها:" إنك لأحب أرض الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك لما خرجت ".هذا إن صح
الصورة الرابعة من صور الولاء الجاهلى :الولاء للحكام وأنظمتهم الفاسدة
وهذه الصورة من الصور الخطيرة المنتشرة فى بلدان المسلمين التى أدت إلى تدمير المجتمعات الإسلامية من تأليه الحكام وجعلهم بمنزلة الأرباب عن كثير من الناس ،فأصبحت صورة الولاء للحاكم ونظامه تتمثل فى طاعته الطاعة المطلقة ،وأصبح الكثير من الناس عند قيامه بأى عمل مخالف فى الشرع يقول"أنا عبد المأمور "
فهؤلاء ينطبق عليهم قول ربهم " يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا  * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب 66: 68
ومظهر هذا الولاء الأساسى يتمثل فى جند هؤلاء الحكام المنفذين لسياسته القائمة على البطش والتنكيل خاصة بالمسلمين الموحدين ثم على بقية المعارضين ،فعلى مدى أكثر من خمسين عاما الماضية على أيدى طواغيت مصر وزبانيتهم وهو يقومون بقتل واعتقال المسلمين والعلماء والدعاة ،مارسوا كل وسائل المحاربة لدين الله تعالى ،ولكن الله تعالى ناصر دينه ومعز أوليائه
" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة : 33
والخلاصة :
أن الطائفة المنصورة من كل صور الولاء الجاهلى براء فى لا توالى إلا فى الله ولا تعادى إلا فى الله ،وحسبها ذلك ،لأن الله تعالى لا يرضى إلا بذلك ،والطائفة المنصورة همها الرئيسى إرضاء ربهم – جل وعلا – قدر الاستطاعة

الصفة الخامسة من صفات الطائفة المنصورة
 استمرار وجود هذه الطائفة إلى آخر الزمان
والدليل على ثبوت هذه الصفة للطائفة المنصورة قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – فى الأحاديث التى أشرنا إليها ومن ذلك قوله  كما فى الصحيحين "عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-:« لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيَهم أمْرُ الله وهم ظاهرون ».
وفي رواية « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين... وذكره ».
وفي أخرى « لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس... وذكره ».
فقوله " لا تزال "تفيد الاستمرار والمداومة وعدم الانقطاع ،وآخر الحديث يبين ويوضح ذلك أيضا كما فى قوله "لا يضرُّهم مَن خَذَلهم حتى يأتيَ أمْرُ الله وهم كذلك » أخرجه مسلم
وفى رواية " يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة"
ودلالة الديث واضحة فى استمرار الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة مع ملازمتهم للجهاد فى سبيل الله تعالى
ففعل ( لا تزال ) في الحديثين يفيد الاستمراريَّة ، وفعل ( يقاتلون ) يفيد التجديد ، كما أفاد حديث عروة البارقي رضي الله عنه في البخاري عن عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ : الأَجْرُ وَالْمَغْنَم » .
وهذا المعنى استنبط منه البخاري رحمه الله هذا فقال : باب الجهاد ماض مع البر والفاجر"
الفائدة التى نستفيدها من وراء ذلك :
أولا : الطمأنينة وراحة القلوب عندما يعلمون أن هذا الدين سينتصر لا محالة عند ذلك يعمل ويضحى ويبذل وهو على يقين بأن المستقبل لهذا الدين فلا عليه إذن أن ذلك بعينيه أم يكون بعده ،وهذا ما حدث لكثير من الصحابة الذين كانوا على يقين بالنصر والتمكين وإن لم يروا ذلك بأعينهم لأنه حصل بعدهم وإن كانوا هم ممن بذل وضحى من أجل ذلك    
ثانيا :شفاء صدور المؤمنين لعلمهم أن الطواغين المحاربين لدين الله تعالى سوف يتم القضاء عليهم عاجلا أو آجلا ،والواقع يشهد بذلك  ،فقد سقط طاغوت تونس ومصر وليبيا واليمن والبشائر تدل على سقوط طاغوت سوريا وأشقاهم
ثالثا :أن هذه الطائفة المنصورة هى من صنع الله تعالى فشرف عظيم لمن كان من أهل هذه الطائفة
عن أَبَى عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ "لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ"رواه ابن ماجة وغيره وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألبانى
فائدة :
الطائفة المنصورة لا تخلوا من الجهاد أو الاعداد له
قال تعالى:] وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ[  التوبة:46.
فمن أراد أن يجاهد فى سبيل الله فإن الاعداد لا بد وأن يسبق ذلك
وقال تعالى:] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ[الأنفال:60.
ثم هذه الطائفة إنما تجاهد لغرض واحد وهو :لإعلاء كلمة الله تعالى ،فلا بد إذن من عنصر الإخلاص وأن يكون مداوما للمجاهد على الدوام
فالمجاهذون إنما يُجاهدون في سبيل الله تعالى وحده، لإعلاء كلمته في الأرض، لا يشوب جهادهم مقصد آخر.
يُجاهدون لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة وجنان الآخرة.
كما قال تعالى:] الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ[النساء:76.
والأحاديث الكثيرة تدل على ذلك :
عن أبي موسى الأشعري – رضى الله عنه - قال: جاء إعرابي إلى رسول الله r، فقال: الرجل يقاتل ليُذكر، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل " متفق عليه.
وعن أبي أمامة الباهلي، قال: جاء رجل إلى النبي r، فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس لأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله r:" لا شيء له " فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله r:" لا شيء له"، ثم قال:" إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه ". رواه النسائى بإسناد صحيح
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ لِمَ قَتَلْتَهُ فَيَقُولُ قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ فَيَقُولُ فَإِنَّهَا لِي وَيَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ لِمَ قَتَلْتَهُ فَيَقُولُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ "رواه النسائى وقال الشيخ الألبانى صحيح
فلا يجوز القتال تحت أى راية جاهلية وهى كل راية لا ترفع شعار الإسلام قولا وعملا ومنهجا
الخلاصة :
الطائفة المنصورة تميزت بصفات وخصائص وسمات من أبرزها :
1-  التمسك بالحق ،فهم لا يحيدون عن منهج القرآن والسنة وإن خالفهم أكثر الناس
2- يتميزون بالاتباع وترك الابتداع
3- يأخذون بشمولية الدين ،مع التزامهم بالوسطية
4- قيام الطائفة المنصورة بالجهاد فى سبيل الله ،وهذه الصفة من أخص خصائصهم
5- الاستمرارية والمداومة على الجهاد فى سبيل الله حتى آخر الزمان
6- قيام الطائفة المنصورة بحقيقة الولاء والبراء ،مع برائتهم من كل الولاءات الجاهلية
7- الطائفة المنصورة غايتها إعلاء كلمة الله


الفهرس
المقدمة                                                                                ص1
الفصل الأول
تواتر الأحاديث الدالة على وجود الطائفة المنصورة                     ص3
الفصل الثانى
الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة                                ص16
الفصل الثالث
صفات وأعمال الطائفة المنصورة                                              ص28












0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^