بقية الرد السامى على ياسر برهامى

الباب الثانى
الجهل ليس عذرا على الإطلاق

   ياسر برهامى ذهب إلى القول بالعذر بالجهل في العقائد مطلقا ، بدليل استنباطه الذي ذهب إليه من خلال قصة يوسف – عليه السلام ، لأن أولاد يعقوب – عليه السلام – على حد زعم ياسر برهامى – وقعوا في الكفر الصراح المتعلق بأصل الدين ، وهو الحكم على أبيهم بالضلال المبين ، فقد جهلوا – على حد زعمه – ما يجوز في حق الأنبياء وما لا يجوز .
وفي الحقيقة لو جئنا بأجهل الناس من  المسلمين وقلنا له ما حكم من رمى نبيا بالضلال ؟ لسارع وقال : هذا من أكفر الكافرين ، لأن مثل ذلك لا يقع إلا من أعداء الله تعالى وأعداء الرسل ، وهل شتم نبي أو تضليله أو الاستخفاف به يجهله أحد حتى نقحمه في مسألة العذر بالجهل ، وإذا كان الإنسان يجهل مثل هذه الأمور القطعية بل البديهية ، فماذا يعلم ؟
وهنا سؤال وجيه وهو : لو أن إنسانا قال إن الشيخ ياسر برهامى يجهل ما يجوز في حق الأنبياء وما لا يجوز ، فما الرد عليه ؟
والجواب : هو المسارعة في إنكار ذلك ونفيه عن الشيخ ، وكيف لا وهو المتخصص في علم الاعتقاد ، وهو الذى أخذ العلم عن العلماء ،  فما القول إذن فيمن أخذ العلم عن النبي – عليه السلام – مشافهة وكان ملازما له ؟
ومن المعلوم أن ما يجوز وما لا يجوز من حقوق النبوة ، يدخل فيه مثلا : اعتقاد أمانته ، فما حكم من قال بخيانة وغدر نبي من الأنبياء ، ولو جهلا ، على فرض أن هناك من يجهل ذلك ؟
سؤال آخر : إذا كان الدكتور ياسر برهامى قد حكم على أولاد يعقوب – عليه السلام – بالكفر ولكنه عذرهم بجهلهم ، فهنالك من لا يعذر بالجهل وبالتالى يلزمه تكفير أولاد يعقوب – عليه السلام – فهل هذا يستقيم يا دكتور ؟ 
ومع ذلك فإطلاق القول بالعذر بالجهل مطلقا خطأ محض ، وهو خلاف الحق ، وخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة ، كما سوف نشير إلى ذلك إشارات سريعة تتناسب مع هذا الرد المختصر ، ولعل التفصيل له موضع ، إن شاء الله تعالى  .
المسألة الأولى المتعلقة بالعذر : تقسيم العلماء أنه لا عذر بالجهل في أمور ، وبالعذر في أمور .
مما يعنى أن العلماء لم يطلقوا مثل هذا الإطلاق الذى ذهب إليه ياسر برهامى من العذر بالجهل في العقيدة على الإطلاق .
1- قول ابن عباس – رضى الله عنهما :
" قال ابن جرير :  قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله .
قال ابن جرير: وقد روى نحوه في حديث في إسناده نظر :
عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله  قال: " أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام، لا يعذر أحد بالجهالة به. وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء. ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب " اهـ [ تفسير الطبري (1/ 75) ].
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى :
" والنظر الذي أشار إليه في إسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي ؛ فإنه متروك الحديث ؛ لكن قد يكون إنما وهم في رفعه. ولعله من كلام ابن عباس ، كما تقدم ، والله أعلم بالصواب  " اهـ [ ج1 - ص15 ].

قال صاحب مناهل العرفان :
" وأما ما لا يعذر أحد بجهله فهو ما تبادر إلى الأفهام معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى فهذا القسم لا يلتبس تأويله إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا الله " أنه لا شريك له في الألوهية وإن لم يعلم أن "لا" موضوعة في اللغة للنفي و" إلا " موضوعة للإثبات وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى  "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "  ونحوه طلب إيجاب المأمور به وإن لم يعلم أن صيغة أفعل للوجوب  " اهـ [  الزرقانى في مناهل العرفان ج1- ص21 ] .
وقال الشيخ حمد التويجرى  :
" النوع الثاني: وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ؛ كالمعاني الشرعية المتعلقة بما يجب على العبد؛ كإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصوم ، والحج ، والتوحيد، فهذا لا يعذر أحد أنه يجهله .
لا يمكن أن يقول إنسان : والله لا أفهم قول الله - عز وجل:   -                  -         [ الإخلاص: ١ ] ﭙﭚ ﭛ  ﭜﭝ [ الإخلاص: ٣] .
فهذه مفهومة لعامة المسلمين " اهـ [ حمد التويجرى في شرح الفتوى الحموية ص236 ] .
فهذا تفسير وبيان من ابن عباس –رضى الله عنهما – أن من الناس ما لا يعذر بجهله ، في مثل ما بيّنه العلماء كما ذكرنا وكما سيأتى
قلت : يؤخذ من ذلك أن من أطلق القول بالعذر بالجهل فهو مخطئ بلا شك .
2- قول الإمام أبى حنيفة – رحمه الله تعالى :
نقل الإمام الكاسانى – الحنفي – في كتابه " بدائع الصنائع " ج9 ص4378 "  وكذلك نقله الإمام ملا على القارى – الحنفي – في – شرح الفقه الأكبر ص7  :
قال الإمام أبى حنيفة – رحمه الله تعالى : " لا عذر لأحد في جهله معرفة خالقه ، لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب – سبحانه – وتوحيده – لما يرى من خلق السموات والأرض ، وخلق نفسه ، وسائر ما خلق الله تعالى ، فأما الفرائض فمن لم يعلمها ، ولم تبلغه ، فإن هذا لم تقم عليه الحجة الحكمية " اهـ 
والشاهد : أن الإمام أبى حنيفة – رحمه الله تعالى – قال بعدم العذر في أصل الدين المتمثل في معرفة الله تعالى بتوحيده ، ثم قال بالعذر في الفرائض لمن لم يعلمها ، وهذا دليل واضح من الإمام في التفريق بين الأصول والفروع ، وبين المسائل الظاهرة الجلية ، وبين المسائل الخفية .
وقد يقول قائل : إن المراد بالتوحيد الذى لا عذر فيه هو : توحيد الربوبية ، وهذا مردود ، لأن التوحيد عند إطلاقه يدخل فيه عموم التوحيد ، أي توحيد الله في ربوبيته وفي إلهيته – من حيث الإجمال .
فائدة :
الدليل على صحة التفريق بين أصل الدين وبين الشرائع والفرائض 
الدليل واضح في قصة زيد بن عمرو بن نفيل ، فإنه كان من الحنفاء ، وقد أخبر النبي  أنه من أهل الجنة على الرغم من كونه جاهل بكيفية عبادة الله تعالى ، فلا يعرف الشرائع ولا العبادات ، ولكنه لم يكن يقع في الشركيات المناقضة للتوحيد ، وهذا ثابت في السنة المباركة .
أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ النَّبِيَّ ( لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ( الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ ( سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ : إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلا آكُلُ إِلا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَ يَقُولُ : الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ ،ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ . إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ) .
وأخرج البخاري أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ : إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي؟ فَقَالَ : لا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ . قَالَ زَيْدٌ : مَا أَفِرُّ إِلا مِنْ غَضَبِ ، اللَّهِ وَلا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ : مَا أَعْلَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا ،قَالَ زَيْدٌ :وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ : دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلا يَعْبُدُ إِلا اللَّهَ ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ : لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ : مَا أَفِرُّ إِلا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ ،فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ ؟ قَالَ :مَا أَعْلَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا .قَالَ :وَمَا الْحَنِيفُ ؟قَالَ :دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلا يَعْبُدُ إِلا اللَّهَ ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلام، خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدكُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ .
وَقَالَ اللَّيْثُ :كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ : رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، يَقُولُ :يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي . وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ :لا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ ،قَالَ لابِيهَا :إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا ) .
وأخرج الإمام أحمد عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ ،عَنْ جَدِّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ S بِمَكَّةَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَمَرَّ بِهِمَا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَدَعَوَاهُ إِلَى سُفْرَةٍ لَهُمَا ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي لا آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ .قَالَ : فَمَا رُئِيَ النَّبِيُّ ( بَعْدَ ذَلِكَ أَكَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ ، وَلَوْ أَدْرَكَكَ لامَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ ،فَأسْتَغْفِرْ لَهُ: قَالَ « نَعَمْ » فَاَسْتَغْفِرُ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحِدَه ) .
وذكر ابن حجر في الإصابة أن الواقدي والفاكهي أخرجا بإسنادهما عن عامر بن ربيعة في حديث طويل ، وفيه أن النبي قال : « قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا » .
والشاهد : أن زيد بن عمرو مع جهله بطريق العبادة، إلا أن فطرته دلته على وجود الله ،وعقله هداه إلى توحيد الله ، فكان يعبد الله على حسب اجتهاده ، فهو مع ضلاله عن طريق العبادة الصحيحة، إلا أنه كان معذروا لذلك أدخله الجنة " .
أضف إلى ذلك أنه لم يقصر في الطلب والسؤال ، بل بذل جهده واستفرغ وسعه في الوصول إلى الحق فهداه الله تعالى إليه .
فهل يستوى هذا مع أهل الجاهلية المشركين المقلدين لآبائهم المقصرين المفرطين في طلب الحق ؟
مثال آخر :
قس بن ساعدة ، وكان من الحنفاء أيضا ، فعلى الرغم من كونه هو والأفراد القلائل من الحنفاء كانوا يعيشون في مجتمع جاهلى كافر يعج ويطفح بالشرك بشتى أنواعه وصوره وأشكاله ، إلا أنهم كانوا يوحدون الله تعالى ، مع جهلهم بكيفية العبادة ، فعذرهم الله تعالى في ذلك .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في رسائله ج1 ص4-7 :
"  ولهذا نجد أن الله_سبحانه وتعالى _ يحث كثيراً في كتابه على التعقل والتبصر؛ ولا أدل على ذلك من كثرة الآيات التي تُخْتَمُ بمثل قوله:   -    ؛ لأن الإنسان إذا تفكر تذكر، وعرف الحق ، وإذا تذكر خاف واتقى وانقاد. ولهذا نجد أن العقلاء الجادين الباحثين عن الحق_يصلون إليه، ويوفقون له، وليس أدل على ذلك من حال العقلاء في الجاهلية أمثال قُس بن ساعدة الإيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد وعم عمر بن الخطاب- فنحن نجد في ثنايا كلامهما الإقرار بوحدانية الله - عز وجل - مع أنهما يعيشان في مجتمع يعج بالجهل والشرك .
يقول قس في خطبته المشهورة التي ألقاها في سوق عكاظ : أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تُزهر، وبحار تزْخَر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبراً، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون ؟ أرضوا في المقام فأقاموا ؟ أم تركوا فناموا ؟
يقسم قُسٌّ بالله قسماً لا إثم فيه أن لله ديناً هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً، ثم أنشأ يقول:
      فــي الذاهبين الأوليــ            ـن من القرون بصائـــــــر
      لما رأيت مـــــــــوارداً           للقوم ليس لها مصــــــادر
      ورأيت قومي نحــوها           يمضي الأكابر والأصاغر
      لا يرجع الماضـــي إلـ             ـي ولا من الباقين غابـــــر
      أيقنت أني لا محــــا            له حيث صار القوم صائــر

ويقول زيد بن عمرو في شعره المشهور:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت     له الأرض تحمل عــذبا زلالا
دحاها فلما استوت شـدَّها      جميعا وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت      له المزن تحمل عــــذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلــــدةٍ       أطاعت فصبت عليها سجالا
ويقول:
أرباً واحداً أم ألف رب        أدين إن تقسمت الأمـــــور
هجرت اللات والعزى جميعاً
                                                       كذلك يفعل الجلد الصبـور
 " اهـ

    بل إن كثيراً من كبار المفكرين الغربيين اهتدوا إلى الحق بسبب إجالتِهم أفكارَهم وبحثهم عن الحق " اهـ
3- قال الإمام الشافعى – رحمه الله تعالى  :
" لو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيرا من العلم إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين :                 ﮈﮉ           [ النساء: ١٦٥] . "  اهـ  [ المنثور في القواعد الفقهية للزركشى ج2 - ص15 ].

قلت : وكلام الإمام الشافعى – رحمه الله - من أوضح ما يكون في خطأ من يقول بعذر الجاهل على الإطلاق ، وإلا فبعدا للعلم الذي يكون سببا في المؤاخذة ، ومرحبا بالجهل الذي يرفع الحكم عن الجاهل .
إن الذى يقول بالعذر بالجهل مطلقا يمدح الجهل من حيث لا يدرى ، وهل جاء الجهل إلا مذموما في الكتاب والسنة ؟
وهذا يذكرني بكتاب من الكتب التي تتحدث عن حكم تارك الصلاة حيث جعل المؤلف عنوان الكتاب " فتح من العزيز الغفار أن تارك الصلاة ليس من الكفار " أليس مثل هذا العنوان يجعل الناس يتهاونون في ترك الصلاة والتكاسل عنها ؟
كذلك إذا علم الجاهل أنه معذور بجهله على كل حال ، ما الذى يدفعه لتعلم العلم ، وسؤال العلماء ؟ لا والله ما يستقيم مثل هذا الكلام أبدا لا شرعا ولا عقلا .
4- قال الإمام الزركشى فيما نقله عنه الإمام السيوطى في الاتقان  :
"  وأما ما لا يعذر أحد بجهله فهو ما تبادر إلى الأفهام معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى فهذا القسم لا يلتبس تأويله إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى :                   [ محمد: ١٩] .
أنه لا شريك له في الألوهية وإن لم يعلم أن " لا " موضوعة في اللغة للنفي " وإلا" موضوعة للإثبات وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر .
ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " ونحوه طلب إيجاب المأمور به وإن لم يعلم أن صيغة "أفعل"  للوجوب  . فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدّعى الجهل بمعان ألفاظه لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة " [ الإتقان في علوم القرآن ج2 ص232-233 ] .
5- قال الإمام القرافي – رحمه الله – في بيان أنواع الجهل في كتابه الفروق ج2 ص149 :
" النَّوْعُ الثَّانِي جَهْلٌ لَمْ يَتَسَامَحْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهِ ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا لا يُتَعَذَّرُ الاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَلا يَشُقُّ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَهَذَا النَّوْعُ يَطَّرِدُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْفُرُوعِ ، أَمَّا أُصُولُ الدِّينِ فَلانَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا شَدَّدَ فِي جَمِيعِ الاعْتِقَادَاتِ تَشْدِيدًا عَظِيمًا بِحَيْثُ إنَّ الإنْسَانَ لَوْ بَذَلَ جَهْدَهُ ، وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الْجَهْلِ عَنْهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ أَوْ فِي شَيْءٍ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ الْجَهْلُ لَكَانَ بِتَرْكِ ذَلِكَ الاعْتِقَادِ آثِمًا كَافِرًا يَخْلُدُ فِي النِّيرَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذَاهِبِ " اهـ
6-قول القاضى عياض - رحمه الله تعالى - في كتابه الشفا ج2 438 :
" واعلم أنه قد اجتمعت الامة على أن الاستخفاف بنبينا وبأى نبى كان من الأنبياء كفر سواء فعله فاعل ذلك استحلالا أم فعله معتقدا بحرمته ليس من بين العلماء خلاف في ذلك والقصد للسب وعدم القصد سواء إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان إذا كان عقله في فطرته سليما ، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، وبهذا أفتى الأندلسيون على من نفي الزهد عنه  " اهـ
7- . قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" : (1 /43) :
( كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول يوم القيامة   ﭿ                [ الزخرف: ٣٨] .
فإن قيل : فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى : ﰆﰇ       [ الأعراف: ٣٠]  ؟
قيل : لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول S ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن إتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه، وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر .
والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه ) اهـ
وقال ابن القيم – رحمه الله  :
" والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله، وإتباعه فيما جاء به، فلما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد) اهـ [ طريق الهجرتين ص382 ] .
وقد زعم البعض أن كلام ابن القيم – رحمه الله – محمول على الكافر الأصلي دون غيره ، ولكن ظاهر الكلام يدل على غير ذلك ، فقوله " فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عنادا أو جهلا --- "
فهذا كلام واضح العموم في تعريف الكافر ، لا يختص بكافر أصلى ولا غيره  .


8- قال عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله تعالى :
" ولا ريب أن الله تعالى لم يعذر أهل الجاهلية الذين لا كتاب لهم بهذا الشرك الأكبر ، فكيف يعذر أمة كتاب الله بين أيديهم يقرأونه وهو حجة الله على عباده " اهـ [ فتاوى الأئمة النجدية ج3 -  ص226 ] .
9- قال سليمان بن سحمان – رحمه الله تعالى :
" إن الشرك الأكبر من عبادة غير الله وصرفها لمن أشركوا به مع الله من الأنبياء والأولياء والصالحين ، فإن هذا لا يعذر أحد في الجهل به ، بل معرفته والإيمان به من ضروريات الإسلام " اهـ [ فتاوى الأئمة النجدية ج3 ص231 ]
 10- قال الشيخ عبد العزيز الطريفي  :
" والجهل بدين الله أصل كل بلية وشر، فهو سبب الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها، والمعاصي سبب كل شر في الدنيا ومادته، فعاد كل شر فيها إلى الجهل، فهو إليه منتسب وعنه متفرع .
وكل صفة مدح فهي ثمرة العلم ونتيجته، وكل صفة ذم فهي ثمرة الجهل ونتيجته ، وكما قيل: "خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل ".
والجهل دركات ، وأصحابه متفاوتون فيما بينهم على أبعد مما بين السماء والأرض، وما كل جاهل معذور.
والجهل بأصول الدين والملِّة، وكليات الأمور الاعتقادية ، لا يُعْتبر عذراً، فإفراد الله بالعبادة ونبذ ما سواه من المعبودات الباطلة هو المقصود من الشهادتين، ولب دين الإسلام ، فالشارع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديداً عظيماً، والأصل في أصول الدين وأحكامه الظاهرة الجليَّة عدم العذر بالجهل ، ولو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم، كما قال الشافعي .
فلا تقبل دعوى الجهل فيما يفعله المشركون عند القبور والأضرحة والمزارات من دعاء الأموات ، والذبح لهم، والاستعانة بهم ، وسؤالهم المغفرة، وطلب الشفاء، فكل هذا مما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة أنه شرك أكبر - قال تعالى : ﯓﯔﯕﯖ                   ﯟﯠ                 [ الأنعام: ١٦٢ – ١٦٣] .
 وقال :                            ﯲﯳ               [ المؤمنون: ١١٧] " . اهـ [ الإعلام بتوضيح نواقض الإيمان ص51- 52 ] .
11- قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى :
" الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة. هذا فيه نظر، لأنه قوله -  : "لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" ليس بصريح أنه لو مات قبل العلم، بل ظاهره: "لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً"، أي: بعد أن علمت وأمرت بنزعها.
وهذه المسألة تحتاج إلى تفصيل، فنقول: الجهل نوعان:
جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشئاً عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم ، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي، وما كان ناشئاً عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه فإن كان منتسباً إلى الإسلام، لم يضره، وإن كان منتسباً إلى الكفر، فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح ، يمتحن، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.
فعلى هذا من نشأ ببادية بعيد ليس عنده علماء ولم يخطر ببالة أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب، فهذا يعذر، وله أمثلة:
منها: رجل بلغ وهو صغير وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئاً، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشر سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابه، فهذا لا نأمره بالقضاء لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم ولم يطرأ له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة وليس عندها من تسأل ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة، فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي .
وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة ، فهذا لا يعذر، لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفي عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة ، فهو مفرط ، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل " اهـ  [ القول المفيد لابن عثيمين ج1 ص123 ] .
12- قول الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – من خلال أسئلة توجهت إليه أثناء شرحه كتاب كشف الشبهات وهى :
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
س : الاختلاف في مسائل العذر بالجهل هل من المسائل الخلافية ؟
ج : مسألة عظيمة ، والأصل فيها أنه لا يعذر من كان بين المسلمين منبلغه القرآن والسنة ، ما يعذر.
الله جل وعلا قال :" وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ "، من بلغه القرآن والسنة غير معذور ، إنما أوتي من تساهله وعدم مبالاته .
س : لكن هل يقال هذه مسألة خلافية ؟
ج : ليست خلافية إلا في الدقائق التي قد تخفي مثل قصة الذي قال لأهله حرقوني . [ صـ 26 – 27 ] .
س : كثير من المنتسبين للسلفية يشترطون في إقامة الحجة أن يكون من العلماء فإذا وقع العامي على كلام كفر يقول ما نكفره ؟
ج : إقامة الدليل كل على حسب حاله .
س: هل يجب على العامي أن يكفر من قام كفره أو قام فيه الكفر ؟
ج: إذا ثبت عليه ما يوجب الكفر كفره ما المانع ؟!
إذا ثبت عنده ما يوجب الكفر كفره مثل ما نكفر أبا جهل وأبا طالب وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، والدليل على كفرهم أن الرسول S قاتلهم يوم بدر .
س: يا شيخ العامي يمنع من التكفير ؟
ج : العامي لا يكفِّر إلا بالدليل ، العامي ما عنده علم هذا المشكل ، لكن الذي عنده علم بشيء معين مثل من جحد تحريم الزنا هذا يكفر عند العامة والخاصة ، هذا ما فيه شبهة ، ولو قال واحد : إن الزنا حلال ، كفر عند الجميع هذا ما يحتاج أدلة ، أو قال : إن الشرك جائز يجيز للناس أن يعبدوا غير الله هل أحد يشك في هذا ؟! هذا ما يحتاج أدلة ، لو قال : إن الشرك جائز يجوز للناس أن يعبدوا الأصنام والنجوم والجن كفر .
التوقف يكون في الأشياء المشكلة التي قد تخفي على العامي.[  صـ 34 ] .
س : مايعرف أن الذبح عبادة والنذر عبادة !
ج : يعلَّم ، الذي لا يعرف يعلَّم ، والجاهل يعلَّم  .
س : هل يحكم عليه بالشرك ؟
ج : يحكم عليه بالشرك ، ويعلَّم أما سمعت الله يقول :            ﭗﭘ            ﭜﭝ          [ الفرقان: ٤٤] . قال جل وعلا :              ﭗﭘ                                ﭧﭨ               ﭭﭮ      ﭱﭲ [ الأعراف: ١٧٩] . ما وراء هذا تنديدا لهم ،نسأل الله العافية " [ صـ 42 ] .
س : من نشأ ببادية أو بيئة جاهلية ؟
ج : يعلَّم أن هذا شرك أكبر حتى يتوب ، يقال له هذا شرك أكبر عليك بالتوبة إلى الله  .
مثل ما كان المشركون يطوفون بالقبور ونصبوا عند الكعبة ثلاثمائة صنم وأرشدهم النبي S فالذي أجاب وهداه الله فالحمد لله والذي ما أجاب مشرك هذا وأغلبهم جهال ، خرجوا إلى بدر جهال ، وإلى أحد جهال ، تابعوا رؤساءهم .
قال الله جل وعلا : ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ      ﭗﭘ            ﭜﭝ        ﭡﭢ [ الفرقان: ٤٤] . مع هذا حكم عليهم بالكفر .[ صـ 55 – 56 ] .
س : يذكر العلماء في أهل البادية أن الأعرابي قد يعذر فما هي المسائل التي قد يعذر فيها صاحب البادية ؟ وهل هذا خاص بزمن النبي S عند بداية الإسلام ؟
ج : يعذر الأعرابي وغير الأعرابيبالشيء الذي يمكن جهله مثل بعض أركان الصلاة ، بعض أركان الزكاة ، بعض المفطرات  .
أما إذا جحد الصلاة رأسا وقال :لا أصلي ، أو جحد الصيام رأسا وقال لا أصوم رمضان ، ما يعذر لأن هذا الشيء معلوم من الدين بالضرورة كل مسلم يعرف هذا أو جحد شروط الحج أو أن عرفة من واجبات الحج ومن أعمال الحج لأنه قد يخفي عليه ، لكن يقر بالحج أنه فرض مثل هذه قد تخفي على العامي .
س : يذكر يا شيخأحسن الله إليك – عن بعضهم أنه ما يعرف الجنابة ، وأنه ما يغتسل منها ؟
ج : يعلَّم ، العامي قد لا يفهم خصوصا بعض النساء ، يعلَّم ولا يكفر .
س : من وصلته كتب منحرفة ليست فيها عقيدة ولا توحيد هل يعذر بالجهل ؟
ج : إذا كان بين المسلمين ما يعذر بالشرك أما الذي قد يخفي مثل بعض واجبات الحج أو واجبات العمرة أو واجبات الصيام أو الزكاة بعض أحكام البيع ، وبعض أمور الربا ، قد يعذر وتلتبس عليه الأمور.
 لكن أصل الدين كونه يقول أن الحج غير مشروع أو الصيام غير واجب أو الزكاة غير واجبة ، هذا لا يخفي على المسلمين ، هذا شيء معلوم من الدين بالضرورة .
س : لوقال لا بد أن تتوفر شروط فيمن أًريد تكفيره بعينه وتنتفي الموانع ؟
ج : مثل هذه الأمور الظاهرة ما يحتاج فيها شيء ، يكفر بمجرد وجودها ، لأن وجودها لا يخفي على المسلمين ، معلوم بالضرورة من الدين بخلاف الذي قد يخفي مثل شرط من شروط الصلاة ، بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة ، تجب أو لا تجب ، بعض شؤون الحج ، بعض شؤون الصيام ، بعض شؤون المعاملات ، بعض مسائل الربا"[ صـ 99 – 100 ] .
س : بعض الناس يقول : المعين لا يكفر.
ج : هذا من الجهل ، إذا أتى بمكفر يكفر [ صـ 117] .

س : يا شيخ جملة منالعاصرين ذكروا أن الكافر من قال الكفر أو عمل بالكفر فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة، ودرجوا عباد القبور في هذا ؟
ج : هذا من جهلهم عباد القبور كفار ،واليهود كفار والنصارى كفار ولكن عند القتل يستتابون ، فإن تابوا وإلاقتلوا .
س : يا شيخ مسألة قيام الحجة ؟
ج : بلغهم القرآن ،     [ إبراهيم : ٥٢] ، القرآن بلغهم وبين المسلمين:                ﭥﭦ [ الأنعام: ١٩] .     - ﭹ ﭺﭻ  [ المائدة: ٦٧] .  قد بلغ الرسول ، وجاء القرآن وهم بين أيدينا يسمعونه في الإذاعات ويسمعون في غيرها ، ولا يبالون ولا يلتفتون ، وإذا جاء أحد ينذرهم ينهاهم آذوه ، نسأل الله العافية .
س : حديث الرجل الذي قال إذا مت حرقوني ؟
ج : هذا جهل بعض السنن من الأمور الخفية من كمال القدرة ، جهلها فعذر حمله على ذلكخوف الله ، وجهل تمام القدرة فقال لأهله ما قال .
 س: سجود معاذ للنبي  ؟
ج : هذا إن صح في صحته نظر ، لكنمعاذ لو صح ظن أن هذا إذا جاز لكبار قادة المشركين هناك فالنبي أفضل ، هذا له شبهةفي أول الإسلام ، لكن استقر الدين وعرف أن السجود لله ،وإذا كان هذا أشكل على معاذفي أول الأمر لكن بعده ما يشكل على أحد . [ صـ 126 – 127] اهـ " [ من كتاب شرح كشف الشبهات للشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – طبعة مكتبة الهدي المحمديمصر ] .
والأقوال في ذلك كثيرة جدا لا يسع المجال لذكرها في هذا الموضع ، وإنما الغرض فقط الإشارة إلى أن إطلاق القول  بالعذر بالجهل مخالف للشرع والعقل  .
وخلاصة هذه المسألة :
أن الجهل الذي يمكن دفعه لا يعذر فيه المكلف لأنه جهل بسبب تفريطه وإعراضه .
والمقصودالجهل بتلك المسائل التي عليها مدار الإسلام كتوحيد الله تعالى،ونبوة سيدنا محمد  والصلوات الخمس ، وتعظيم أمرها ،وباقي مباني الإسلام إلى غير ذلك من أصول الدين وكليات الشريعة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل"ج1 ص27 :
" وبذلك يتبين أن الرسول عليه الصلاة والسلام نص على كل ما يعصم من المهالك نصاً قاطعاً للعذر ، وقال تعالى :                              ﮜﮝ [ التوبة: ١١٥] ، وقال الله :    ﭼﭽ    ﭿ ﮀ          ﮅﮆ [ المائدة: ٣] ، وقال تعالى :               ﮈﮉ  [ النساء: ١٦٥] . وقال تعالى :                   [ النور: ٥٤] ، وقال تعالى:               [ الإسراء: ٩ ] . وقال تعالى :                                                [ النساء: ٦٦ – ٦٨ ] . وقال تعالى :    ﭿ ﮀﮁ ﮂ                      [ المائدة: ١٥ – ١٦]  .
وقال أبو ذر: " لقد توفي رسول الله ( وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً " (964)، وفي صحيح مسلم: إن بعض المشركين قالوا لسلمان: " لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى القراءة " (965)، وقال  : [ تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " اهـ
ويقول الإمام الشافعي : " العلم علمان علم عامة لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوا، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنى، والقتل، والسرقة، والخمر، وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم ،وأن يكفوا عما حرم عليهم منه وهذا الصنف كله من العلم موجود نصا في كتاب الله وموجود عام عند أهل الإسلام ينقله عوامهم ممن مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله S ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم  " اهـ.[ الرسالة ص237 ] .

ويقول العلاء البخاري: وهو يعدد أنواع الجهل :
"  الجهل الباطل بلا شبهة لا يصلح أصلا عذراً في الآخرة مثال الكفر من الكافر لا يصلح عذراً لأنه مكابرة بعد وضوح الدليل لأن الآيات على وحدانية الصانع جل وعلا وكمال قدرته وعظمة وحدانيته وألوهيته لا تعد كثرة، ولا تخفي على من له أدنى لب، وكذلك الأدلة على صحة رسالة الرسل من المعجزات القاهرة والحجج الباهرة ظاهرة محسوسة في زمانهم بلا وجه إلى ردها وإنكارها، وقد نقلت تلك المعجزات بعد انقراض زمانهم بالتواتر قرناً قرناً إلى يومنا هذا فكان إنكارها بمنزلة إنكار المحسوس فلذلك لم يجعل عذراً بوجه" اهـ  [ كشف الاسرار ج2 - ص257 ] .
فتوى :
السؤال الخامس والثلاثون : نرجو التفصيل في مسألة العذر بالجهل ؟
الجواب : مسألة العذر بالجهل بيَّنها العلماء - رحمهم الله - وفصَّلها ابن القيِّم - رحمه الله - في طريق الهجرتين ، وفي (الكافية الشافية) وذكرها أئمة الدعوة كالشيخ عبد الله أبابطين وغيرهم وذكر ابن أبي العز شيئا منها في (شرح الطحاوية) وخلاصة القول في هذا : أن الجاهل فيه تفصيل : فالجاهل الذي يمكنه أن يسأل ويصل إلى العلم ليس بمعذور فلا بد أن يتعلم ولا بد أن يبحث ويسأل ، والجاهل الذي يريد الحق غير الجاهل الذي لا يريد الحق ، فالجاهل قسمان :
الأول : جاهل يريد الحق .
والثاني : جاهل لا يريد الحق ؛ فالذي لا يريد الحق غير معذور حتى ولو لم يستطع أن يصل إلى العلم ؛ لأنه لا يريد الحق ، أما الذي يريد أن يعلم الحق فهذا إذا بحث عن الحق ولم يصل إليه فهو معذور ، والمقصود أن الجاهل الذي يمكنه أن يسأل ولا يسأل أو يمكنه أن يتعلم ولا يتعلم فهو غير معذور؛ أما الجاهل الذي لا يمكنه أن يتعلم فهو على قسمين:
- جاهل لا يريد الحق فهو غير معذور .
- وجاهل يريد الحق ثم بحث عنه ولم يحصل عليه فهذا معذور ، والله أعلم  " اهـ [ أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر ص22 ] .
    وحاصل كلام العلماء في مالا يعذر الجهل به : الجهل بأصول الدين ،وكلياته الإعتقادية كجهل الكافر بالله وصفات كماله، ونبوة محمد S أو جهل ما عرف من الدين بالضرورة، ويندرج تحته كل الأحكام الشرعية مما هو معروف شائع في ديار الإسلام من الصلاة والصيام والزكاة والحج وحرمة القتل والخمر والسرقة.. الخ. فهذه المسائل التي لا عذر في جهلها لمن بلغه القرآن والحجة .




خلاصة هذا الباب
أولا: العلماء سلفا وخلفا لم يطلقوا القول بالعذر بالجهل أو عدمه وإنما فصلوا في المسألة ، وبالتالى أن من قال أن الجاهل معذور بكل حال فهو مخالف للكتاب والسنة ونصوص الأئمة .
ثانيا : أن إطلاق القول بالعذر بالجهل فيه تفضيل وتقديم للجهل على العلم ، وهذا مخالف للنص من الكتاب والسنة ، فإن الجهل لم يأت فيهما إلا مذموما ، بل إن الفطر السليمة تأبى ذلك ، أي إطلاق القول بالعذر .
ثالثا :إطلاق القول بالعذر ذريعة ووسيلة إلى ترك طلب العم وإهماله ، وهو من أوجب الواجبات ، لأن الجاهل إذا علم أنه معذور بكل حال ، وإن كان آثما لعدم طلبه العلم ، فإنه سيفضل الجهل الذى يصير به معذورا على العلم الذى يؤاخذ به ،  وهذا يذكرنى ببعض الكتب التى كتبها بعض الدعاة في بيان حكم تارك الصلاة فكان عنوان الكتاب " فتح من العزيز الغفار بأن تارك الصلاة ليس من الكفار "  وكأن الكتاب بطريقة غير مباشرة يسهل على الناس ترك الصلاة أو التكاسل عنها وإهمالها .
رابعا : أن الدكتور ياسر برهامى أخطأ خطأ فادحا في تفسيره لمعنى الضلال ، وخالف بذلك العلماء سلفا وخلفا  .
الباب الثالث
التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في مسألة العذر بالجهل
    والسبب في ذكر هذا الباب أن الشيخ ياسر برهامى جعل أخوة يوسف جهالا بما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وهو على حد زعمه : جهلهم ما يجوز وما لا يجوز في حق الأنبياء ، وبالتالى عذرهم بالجهل ، على الرغم أن مثل هذه المسألة لا يجهلها أحد فضلا عن أولاد الأنبياء الذين هم أعرف الناس  بحقوق النبوة ، ومع ذلك فالعلماء لم يسووا أبدا بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية فيما يتعلق بالعذر من عدمه  .
    هذه المسألة واضحة تماما في نصوص أهل العلم ، فهم يفرقون بين المسائل الجلية الظاهرة المعلومة من الدين بالضرورة ، التى لا يسع المسلم جهلها وبين المسائل الخفية التى اختلف حولها العلماء ، أو لخفاء الأدلة في هذه المسائل ، وكلام العلماء في ذلك كثير نشير إلى بعض كلامهم والتفصيل له موضع آخر  .
1- قال الإمام الشافعى – رحمه الله تعالى :
" العلم علمان: علم عامة لا يسع العاجز مغلوب على عقله جهله... مثل أن الصلوات خمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يفعلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفوا عنه مما حرم عليهم منه، وهذا الصنف كله من العلم موجود نصاً في كتاب الله عز وجل وموجود عاماً عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله ? ولا ينازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم، هذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل، ولا يجوز فيه التنازع " اهـ  [ الرسالة ص357 ] .
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في معرض حديثه عن ذم أهل الكلام  :
" ... وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: إنه فيها مخطيء ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل اليهود والنصارى يعلمون: أن محمداً   بعث بها، وكفر مخالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، وإيجابه لها وتعظيم شأنها، ومثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك ، ثم نجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين " اهـ [ مجموع الفتاوى ج4 - ص54 ] .
والشاهد :
أ - أن كلام شيخ الإسلام واضح تماما في التفريق بين المسائل الخفية والمسائل الظاهرة
ب- ففي المسائل الخفية من خالف فيه لجهله أو لتأويله فهو مخطئ ضال ، فلا يكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه
جـ - أما في المقالات الظاهرة المعلومة والمنتشرة بين المسلمين ، مثل إفراد الله بالعبادة وترك الشرك المنافي للتوحيد والصلاة وغير ذلك ، فإن المخالف في ذلك غير معذور ، وحجة الله عليه قائمة  .

3- قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – وهو يبين مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك  :
قال -  رحمه الله : " وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم قال رحمه الله تعالى : أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، أو تبديع ، أو تفسيق ، أو معصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى . انتهى كلامه .
وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة ، وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير ، أو تفسيق ، أو معصية .
وصرح رضي الله عنه أن كلامه في غير المسائل الظاهرة ، فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال : وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله ? بعث بها ، وكفر من خالفها ، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم ، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ، ومثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها ، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين .
وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في دين المشركين كما فعل أبو عبدالله الرازي ( يعني الفخر الرازي ) قال وهذه ردة صريحة باتفاق المسلمين . انتهى كلامه .
فتأمل هذا وتأمل ما فيه من تفصيل الشبهة التي يذكر أعداء الله ، لكن من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً " اهـ [  مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ص8 ] .
قلت : وقد كفانا تعليق الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن تعليقنا فلله الحمد والمنة .

فائدة :
هناك من يدعى على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – أنه يعذر بالجهل مطلقا حتى في الشرك الأكبر المخرج من الملة ، ويستدلون على ذلك ببعض كلام له ، على الرغم من تصريحه بعدم العذر في المسائل الظاهرة ، والذى يوضح ذلك بما لا يدع مجالا للشك في مذهب الشيخ أنه كتب في المسألة وأفردها بالتصنيف ، ومن ذلك :
أ -  كتاب مستقل متخصص في هذه المسألة وهو كتاب ( مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ) وتأمل نصه في عنوان الكتاب على تكفير تارك التوحيد الذي هو بالضرورة فاعل للشرك ، ففي العنوان تكفير المعين إذا أشرك ،وقد تهجم على من قال أن ابن تيمية لا يكفر المعين في باب الشرك .
ب - كتاب كشف الشبهات في مواضع منه التصريح بعدم العذر في الشرك الأكبر بالجهل .
ج - أيضا في رسالة النواقض العشر له رحمه الله ، لم يَعذر فيها بالجهل وذلك لما ذكر نواقض الإسلام العشر نص على استواء حكم الجاد والهازل والخائف حال الوقوع فيها إلا المكره ولم يستثني غير المكره مثل الجاهل أو المتأول أو المخطئ .

توضيح منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في مسألة العذر
    قال الشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف – في تعليقه على كشف الشبهات عند قول المصنف " وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل "
قال : " ظن بعضهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – لا يعذر بالجهل مطلقا لأجل هذه العبارة وما في معناها ، وقابلهم فريق آخر فادعوا أن الشيخ يرى الإعذار بالجهل مطلقا ، واحتجوا بقول الشيخ في إحدى رسائله " وأما ما ذكر الأعداء عنى أنى أكفر بالموالاة أو أكفر الجاهل التي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم " .
ولكي يزول الإشكال بين هذه العبارات ويتسنى الجمع بينها ، فيمكن أن يقال : إن الشخص يعذر بالجهل في المسائل الخفية ، دون المسائل الظاهرة الجلية ، كما حقق ذلك الشيخ المصنف بقوله " إن الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر ، فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض الناس ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله ، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفّر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة " اهـ [  الدرر السنية ج8 - ص244 ] .
ويقول أيضا : " إن الذى لم تقم عليه الحجة هو الذى حديث عهد بالإسلام ، والذى نشأ ببادية ، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف ، فلا يكفر حتى يعرّف .
وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن ، فمن بلغه فقد بلغته الحجة " اهـ [ مؤلفات الشيخ ج3 ص12 ] .
وجواب آخر : وهو أن يقال : إن الشخص لا يعذر بالجهل إذا كان مفرطا ومقصرا في التعلم ، فكل جهل يمكن للمكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل ، وأما من كان عاجزا فلم يقصر أو يفرط فإنه يعذر بالجهل حتى تقوم عليه الحجة ، كمن أسلم حديثا " اهـ [ تعليقات على كشف الشبهات ص34 – 36 ] .
4- توضيح المسألة للشيخ سليمان بن سحمان – رحمه الله تعالى :
" أما قوله نقول بأنَّ القول كفر ولا نحكم بكفر القائل ، فإطلاق هذا جهل صرف، لأن العبارة لا تنطبق إلا على المعين، ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولاً يكون القول به كفراً فيقال من قال بهذا القول فهو كافر لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء، فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل، وعدم العلم بنفس النص أو بدلالة السنة، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه في كثير من كتبه. وذكر أيضاً بكفر أناس من أعيان المكلفين بعد أن قرر المسألة . قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم التكفير وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله ) اهـ [ الإعلام بتوضيح نواقض الإيمان– عبد العزيز الطريفي ص61- 62 ] .
5– توضيح المسألة للشيخ عبد الله الغنيمان : " السؤال : نرجو منكم أن تبينوا لنا بياناً يشفي الصدر مسألة العذر بالجهل؟ الجواب: الجهل لا يعذر به مطلقاً، وإنما يعذر به في المفاهيم والأمور الذي ترجع إلى مفهوم النصوص، فالإنسان يعذر بها إذا جهل ذلك، أما عبادة الله مثل الصلاة مثل الصوم ومثل الحج والصدقة والأمور الواضحة والجلية فالإنسان لا يعذر بجهلها، بل يعاقب بهذا، فيجب أن يكون عارفاً بهذا الأمور، فلا عذر لمن تركها، ولهذا كل مقبور يسأل إذا قبر: من تعبد؟ ومن الذي جاءك بالعبادة؟ وهل تعرفه؟ وبأي شيء تعبد؟ فيسأل عن هذه المسائل: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ وهو مقبور، فإن أجاب قيل له: وما يدريك؟ فإنه إذا قال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، قيل له: وما يدريك -أي: ما الدليل؟- فإن أجاب قال: قرأت كتاب الله وآمنت بما فيه واتبعته .
فيقال له: قد علمنا، ولكن هذا اختبار لك .
أما إذا قال: هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً أو رأيت الناس يعملون شيئاً فعملت، قيل له: ما دريت ولا اهتديت .
ثم يعذب فيضرب بمطراق من نار فيلتهب عليه قبره ناراً وهذا لكل واحد، فهل عذر هذا بالجهل؟ إذا قال: أنا أعبد أحمد البدوي ، أو أعبد الدسوقي ، أو أعبد الحسين لأني ما أدري، فهل هذا عذر بالجهل؟ المقصود أن العذر بالجهل لا يعذر به مطلقاً، ولا كل جاهل يقال له: إنه غير معذور، والناس يختلفون، فقد يكون الإنسان في مكان بعيد ما يبلغه شيء عن الإسلام، فمثل هذا ليس كمثل من يكون في بلاد المسلمين " اهـ [ شرح كتاب التوحيد ج1 ص140 ] .


فتاوى
فتوى : " 1"  :
هل يعذر المسلم بجهله في الأمور الاعتقادية ؟
فتوى رقم ( 11043 ) :
س : عندنا تفشي ظاهرة عبادة القبور وفي نفس الوقت وجود من يدافع عن هؤلاء ويقول: إنهم مسلمون معذورون بجهلهم فلا مانع من أن يتزوجوا من فتياتنا وأن نصلي خلفهم وأن لهم كافة حقوق المسلم على المسلم ولا يكتفون ، بل يسمون من يقول بكفر هؤلاء: إنه صاحب بدعة يعامل معاملة المبتدعين، بل ويدعوا أن سماحتكم تعذرون عباد القبور بجهلهم حيث أقررتم مذكرة لشخص يدعى الغباشي يعذر فيها عباد القبور، لذلك أرجو من سماحتكم إرسال بحث شاف كاف تبين فيه الأمور التي فيها العذر بالجهل من الأمور التي لا عذر فيها، كذلك بيان المراجع التي يمكن الرجوع إليها في ذلك ، ولكم منا جزيل الشكر.
ج : يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحا وخفاء وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفا.
فمن استغاث بأصحاب القبور دفعا للضر أو كشفا للكرب بين له أن ذلك شرك، وأقيمت عليه الحجة؛ أداء لواجب البلاغ ، فإن أصر بعد البيان فهو مشرك يعامل في الدنيا معاملة الكافرين واستحق العذاب الأليم في الآخرة إذا مات على ذلك، قال الله تعالى:   ﭿ                   ﮈﮉ        ﮍ ﮎ[ النساء: ١٦٥ ] . وقال تعالى:   ﯩﯪ           [ الإسراء: ١٥] . وقوله تعالى:                 ﭥﭦ [ الأنعام: ١٩] . وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي  قال: « والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار » رواه مسلم إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب البيان وإقامة الحجة قبل المؤاخذة، ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر، ويشهد لذلك عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، كما يشهد له ما قصه الله تعالى من نبأ قوم موسى إذ أضلهم السامري فعبدوا العجل وقد استخلف فيهم أخاه هارون عند ذهابه لمناجاة الله، فلما أنكر عليهم عبادة العجل قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ، فاستجابوا لداعي الشرك، وأبوا أن يستجيبوا لداعي التوحيد، فلم يعذرهم الله في استجابتهم لدعوة الشرك والتلبيس عليهم فيها لوجود الدعوة للتوحيد إلى جانبها مع قرب العهد بدعوة موسى إلى التوحيد.
ويشهد لذلك أيضا ما قصه الله من نبأ نقاش الشيطان لأهل النار وتخليه عنهم وبراءته منهم ، قال الله تعالى:                            ﮗﮘ                                ﮣﮤ        ﮨﮩ             ﮯﮰ               ﯗﯘ               [ إبراهيم: ٢٢ ] . فلم يعذروا بتصديقهم وعد الشيطان مع مزيد تلبيسه وتزيينه الشرك وإتباعهم لما سول لهم من الشرك لوقوعه إلى جانب وعد الله الحق بالثواب الجزيل لمن صدق وعده فاستجاب لتشريعه واتبع صراطه السوي .
ومن نظر في البلاد التي انتشر فيها الإسلام وجد من يعيش فيها يتجاذبه فريقان فريق يدعو إلى البدع على اختلاف أنواعها شركية وغير شركية، ويلبس على الناس ويزين لهم بدعته بما استطاع من أحاديث لا تصح وقصص عجيبة غريبة يوردها بأسلوب شيق جذاب ، وفريق يدعو إلى الحق والهدى، ويقيم على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ويبين بطلان ما دعا إليه الفريق الآخر وما فيه من زيف، فكان في بلاغ هذا الفريق وبيانه الكفاية في إقامة الحجة وإن قل عددهم، فإن العبرة ببيان الحق بدليله لا بكثرة العدد فمن كان عاقلا وعاش في مثل هذه البلاد واستطاع أن يعرف الحق من أهله إذا جد في طلبه وسلم من الهوى والعصبية ، ولم يغتر بغنى الأغنياء ولا بسيادة الزعماء ولا بوجاهة الوجهاء ولا اختل ميزان تفكيره، وألغى عقله، وكان من الذين قال الله فيهم :                          ﭭﭮ                                             ﭿ                                                      [ الأحزاب: ٦٤ – ٦٨ ] .
أما من عاش في بلاد غير إسلامية ولم يسمع عن النبي S ولا عن القرآن والإسلام فهذا - على تقدير وجوده - حكمه حكم أهل الفترة يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولا وفروعا إقامة للحجة وإعذارا إليه، ويوم القيامة يعامل معاملة من لم يكلف في الدنيا لجنونه أو بلهه أو صغره وعدم تكليفه، وأما ما يخفي من أحكام الشريعة من جهة الدلالة أو لتقابل الأدلة وتجاذبها فلا يقال لمن خالف فيه: آمن وكفر ولكن يقال: أصاب وأخطأ، فيعذر فيه من أخطأ ويؤجر فيه من أصاب الحق باجتهاده أجرين، وهذا النوع مما يتفاوت فيه الناس باختلاف مداركهم ومعرفتهم باللغة العربية وترجمتها وسعة إطلاعهم على نصوص الشريعة كتابا وسنة ومعرفة صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها ونحو ذلك .
وبذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون
كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأن توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم، والله ولي التوفيق، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن القول على الله سبحانه وعلى رسوله S  بغير علم، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس  :  عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
نائب لرئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي .
فتوى : " 2"
" السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 17749 ) :
س 3 : اختلفنا نحن جماعة من الطلبة ، في مسألة إقامة الحجة على المخالف ، في مسألة أصول الدين . فقال بعضنا : إنه يعذر بالجهل كل إنسان جاهل ، وفي كل المسائل لا نفرق بين الأصول والفروع الظاهر والخفي . وقالت طائفة : بأنه يعذر بالجهل ، ولكن في الأمور الخفية ، أما أن نعذر بالجهل في الأصول فلا ، إذ إنه لا عذر لمن أشرك بالله تبارك وتعالى وعبد غيره من القبور والأحجار والشجر ، إذ لا يسع مسلما الجهل بهذا ، وأنه إذا فعل ليس بمسلم ، أما الأمور الخفية فنعم فيها العذر بالجهل ، حتى تقام الحجة الرسالية . فما هو الحق والصواب في المسألة ؟ أفتونا جزاكم الله خيرا .
ج 3 : الصواب أنه لا يعذر أحد في عدم معرفة أصول الإسلام وقواعده ممن بلغه القرآن وبعث الرسول S لقول الله عز وجل :                  ﭥﭦ  [ الأنعام: ١٩] . وقوله سبحانه :          [ إبراهيم: ٥٢ ] . وما جاء في معناهما من الآيات ، أما المسائل الفرعية التي قد يخفي حكمها ، فهذه يعذر فيها بالجهل حتى تقام عليه الحجة ؛ لأحاديث كثيرة وردت في ذلك .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الشيخ : بكر أبو زيد ... ..........عضو
الشيخ : عبد العزيز آل الشيخ ... عضو
الشيخ  : صالح الفوزان ..............عضو
فتوى : " 3" :
ضابط العذر بالجهل :
هل يُفَرَّق في العذر بالجهل بين الأمر الواضح الجلي وبين الأمر الخفي؟ وما ضابط العذر بالجهل؟ وبم تقوم الحجة على الشخص؟
نعم يُفَرَّق بين الواضح وبين الخفي، فالإنسان الذي يعيش بين المسلمين لا يعذر بالشيء الواضح، لو إنسان شرب الخمر وقال: أنا أجهل أن الخمر حرام، ما أدري أنها حرام، أو تعامل بالربا وقال: ما أدري أن الربا حرام، أو أكل مال اليتيم وقال: أنا ما أدري. ما يقبل هذا، هذا شيء واضح، لكن الشيء الخفي الدقيق نعم قد يعذر فيه .
الشيء الواضح ، ويعيش بين المسلمين ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، ما يقبل منه، إنسان ما يصلي وقال: أنا ما أدري أن الصلاة واجبة، وهو بين المسلمين ما يقبل من هذا، لكن الذي يُعذر به إنما هو الأمور الخفية الدقيقة "  اهـ [ 28 ]
فتوى : " 4" :
هل يعذر من سب الدين ؟ 
حكم من سب الدين أو سب الرب :
السؤال: فضيلة الشيخ! مسألة العذر بالجهل هل تدخل فيها مسألة سب الدين وسب الرب؟
الجواب: هل أحد يجهل أن الرب يجب تعظيمه؟ قل: نعم، أو: لا؟ السائل: لا. الشيخ: لا أحد يجهل أن الرب له من التعظيم والإجلال ما لا يمكن أن يسبه أحد، وكذلك الشرع فهذه مسألة فرضية في الذهن لا وجود لها في الواقع. وعلى كل حال: كل من سب الله فهو كافر مرتد، حتى وإن كان يمزح، فيجب أن يقتل، ويجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر، ولا تبرأ الذمة إلا بذلك، ثم إن تاب وأناب وصلحت حاله وصار يسبح الله ويعظمه ويقوم بعبادته، فقال بعض أهل العلم: إن توبته لا تقبل، وإنه يقتل كافراً، قالوا : وذلك لعظم ذنبه وردته، فيقتل، وفي الآخرة أمره إلى الله لكن في الدنيا نقتله على أنه كافر، فلا نغسله ولا نكفنه ولا نصلي عليه ولا ندفنه مع المسلمين ولا ندعو له بالرحمة، هذا هو مذهب الحنابلة المشهور عند الحنابلة الآن، والذي يُعمل به. وقال بعض أهل العلم: إذا تاب وصلحت حاله وعرفنا أنه استقام وندم، فإنها تقبل توبته ويرفع عنه القتل، وإذا مات فشأنه شأن المسلمين ، لأن هذا حق لله ، وقد بين الله بكتابه أنه يغفر الذنوب جميعاً فقال : ﮣ ﮤ                      ﮮﮯ           ﯔ ﯕ[ الزمر: ٥٣] . وهذا القول هو الراجح: أننا إذا علمنا صدق توبته وحسن حاله فهو مسلم، لا يحل قتله. أما من سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتل بكل حال كافراً مرتداً، ولا تقبل توبته أيضاً عند الحنابلة رحمهم الله لعظم ذنبه، ولكن لو تاب وحسنت حاله ورأينا منه تعظيم الرسول S وتعظيم شريعته فهل نقبل توبته ونرفع عنه القتل، أم نقبل توبته ولا نرفع عنه القتل ؟
هذا القول الثاني هو الصحيح ، أننا نقبل توبته ونقول: أنت الآن مسلم، ولكن لابد أن نقتله. فإن قال الإنسان : كيف تقول: لابد أن نقتله، وأنت تذكر أن سب الرب عز وجل: إذا تاب منه الإنسان فإنه لا يقتل؟ هل حق الرسول أعظم من حق الله؟
الجواب: لا، حق الله أعظم بلا شك، ولكن الله أخبر عن نفسه بأنه يتوب على من تاب إليه والحق لله، إذا تاب الله على هذا العبد وعفا عن حقه فالأمر له، لكن رسوله عليه الصلاة والسلام إذا سبه الساب فقد انتقصه شخصياً والحق لمن؟ للرسول S ونحن الآن لا نعلم هل الرسول عفا أم لا، لأنه ميت، فيجب علينا أن نأخذ بالثأر ونقتله، وإذا علمنا أنه تائب حقيقة قلنا: هو مسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
ويدل لهذا: أن النبي S عفا عن أقوامٍ سبوه بعد أن أسلموا، عفا عنهم وسقط عنهم القتل .
 السائل: وسب الدين؟ الشيخ: سب الدين كسب الرب عز وجل" اهـ [  لقاءات الباب المفتوح ج3 ص9 ] .
فتوى : " 5 "  :
" حكم العذر بالجهل في العقيدة :
من برنامج نور على الدرب ، شريط رقم9 .
س : ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل ، وخاصة في أمر العقيدة ، وضحوا لنا هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟
ج : العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب ، وحقيقتها : الإيمان
 بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة ، والشهادة له بذلك وهي شهادة أن لا إله إلا الله يشهد المؤمن بأنه لا معبود حق إلا الله سبحانه وتعالى ، والشهادة بأن محمدا رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس وهو خاتم الأنبياء كل هذا لا بد منه ، وهذا من صلب العقيدة ، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعا ، وهو أساس الدين وأساس الملة ، كما يجب الإيمان بما أخبر الله به ورسوله من أمر القيامة ، والجنة والنار ، والحساب والجزاء ، ونشر الصحف ، وأخذها باليمين أو الشمال ، ووزن الأعمال . . . إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
فالجهل بهذا لا يكون عذرا بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه ، ولا يعذر بقوله إني جاهل بمثل هذه الأمور ، وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وهذا يسمى معرضا ، ويسمى غافلا ومتجاهلا لهذا الأمر العظيم ، فلا يعذر ، كما قال الله سبحانه :             ﭗﭘ            ﭜﭝ            [ الفرقان: ٤٤]  وقال سبحانه :              ﭗﭘ                                ﭧﭨ           ﭭﭮ        [ الأعراف: ١٧٩] .  وقال تعالى في أمثالهم : ﯿ                        [ الأعراف: ٣٠] . إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم ، أما من كان بعيدا عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن والسنة - فهذا معذور ، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة الذين يمتحنون يوم القيامة ، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة ومن عصا دخل النار  .
أما المسائل التي قد تخفي في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج ، هذه قد يعذر فيها بالجهل .
ولا حرج في ذلك ; لأنها تخفي على كثير من الناس وليس كل واحد يستطيع الفقه فيها ، فأمر هذه المسائل أسهل . والواجب على المؤمن أن يتعلم ويتفقه في الدين ويسأل أهل العلم ، كما قال الله سبحانه :                ﭠﭡ [ النحل: ٤٣] . ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم : رواه أبو داود في الطهارة برقم 284 . ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال
وقال عليه الصلاة والسلام : رواه البخاري في العلم برقم 69 ، ومسلم في الزكاة برقم 1719 . " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .
فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين ; والسؤال عما أشكل عليهم ، وعدم السكوت على الجهل ، وعدم الإعراض ، وعدم الغفلة ; لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم ، والعلم لا يحصل بالغفلة والإعراض ; بل لا بد من طلب للعلم ، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل " اهـ  [ مجموع فتاوى ابن باز ج10 ص58- 60 ] .
فتوى : " 6 "  :
" السؤال السادس والثلاثون :
هل هناك فرق بين المسائل التي تخفي في العادة وبين التي لا تخفي كمسائل التوحيد ؟
الجواب : نعم ، الجهل الذي يعذر فيه الجاهل لا يعذر في الأشياء الواضحة ؛ إنما الجاهل الذي يُعذر ، يُعذر في الأشياء التي تخفي على مثله ؛ فلو كان هناك إنسان يعيش بين المسلمين ثم فعل الزنا فلما عوقب قال : إني جاهل ؛ فلا يقبل منه لأن هذا أمرٌ واضح ؛ أو تعامل بالربا وهو يعيش بين المسلمين لا يقبل منه أو عبد الصنم وهو يعيش بين المسلمين في مجتمع موحِّد لا يقبل منه ؛ لأن هذا أمر واضح ، لكن لو أسلم كافر في مجتمع يتعامل بالربا ويرى الناس يتعاملون بالمعاملات الربوية ثم تعامل بالربا وقال إنه جاهل ؛ فهذا مثله يجهل هذا الشيء ، أو نشأ في بلاد بعيدة ولم يسمع بالإسلام وليس عنده وسائل هذا معذور ، أما الإنسان الذي يفعل أمرا معلوما واضحا وهو بين المسلمين فهذا لا يُعذر ، فلا بد أن تكون المسألة التي يُعذر فيها دقيقة خفية تخفي على مثله ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه وجمع أهله حينما حضرته الوفاة وقد كان مسرفا على نفسه فجمع أولاده عند وفاته وقال : أي أبٍ كنت لكم ؟ فأثنوا خيرا ، فقال لهم : إنه لم يفعل خيرا قط وإن الله إن بعثه ليعذبنه عذابا شديدا فأخذ المواثيق على بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروه في البر ؛ وفي بعض الروايات يذرُّوا نصفه في البر ونصفه في البحر وقال : لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابا شديدا ففعلوا به ذلك ؛ وفي الحديث أن الله أمر كلا من البر والبحر أن يجمع ما فيه وقال الله له : قم فإذا هو إنسانٌ قائم فقال له : ما حملك على ذلك ؟ قال : خشيتك يا رب ؛ فرحمه الله .
وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم فبعض العلماء يقول : هذا في شرع من قبلنا ، وأُجيب بأجوبة ولكن أصح ما قيل فيه ما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية : أن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل وأنه ظن أنه يفوت الله إذا وصل لهذه الحالة ، فالرجل غير منكر للبعث وغير منكر لقدرة الله وهو يعلم أنه لو تُرِك ولم يُحرق ولم يُسحق فإن الله يبعثه ؛ يعتقد هذا ، لكنه أنكر كمال تفاصيل القدرة وظن أنه إذا وصل لهذه الحالة وأُحرق وسُحق وذُرّ أنه يفوت على الله ولا يدخل تحت القدرة ، والذي حمله على ذلك ليس هو العناد ولا التكذيب وإنما الجهل مع الخوف العظيم فغفر الله له ، فلو كان عالما ولم يكن جاهلا لم يُعذر ولو كان معاندا لم يُعذر ولكنه ليس معاندا ولا عالما فاجتمع فيه الجهل والخوف العظيم ؛ فرحمه الله وغفر له ؛ فهذه مسألة خفية دقيقة بالنسبة إليه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " اهـ [ أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر عبد العزيز الراجحى ص23 ] .
فتوى : " 7 " :
وسئل الشيخ الراجحى أيضا :
" سائل يقول: ما الجهل الذي يعذر الإنسان به ؟
الجهل الذي يعذر الإنسان به هو الجهل الذي مثله يجهله إذا كان أمرا دقيقا خفيا مثله يجهله، فإنه يكون معذورا أما إذا كان أمر واضح، وهو يعيش بين المسلمين فلا يعذر، لكن إذا كان في أمر دقيق خفي مثله يجهل هذا الشيء في مسألة دقيقة خفية هذا يعذر فيه، وكذلك الجاهل لا بد أن يسأل، فإذا كان يستطيع السؤال، ولم يسأل فلا يكون معذورا، لا بد أن يسأل لا بد أن يسأل، ويكون هذا الجهل الذي جهله في أمر مثله يخفي عليه.
أما إذا كان في أمر واضح، مثل ما جاء في الحديث في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه، ويذروه في البحر قال: ? فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا ? هذا أنكر كمال تفاصيل القدرة، وظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة أحرق وسحق وذر في البر، وفي البحر فات على الله والذي حمله على ذلك ليس العناد، وإنما هو الجهل مع الخوف العظيم ، يثبت البعض، ويظن أنه لو تُرِكَ، ولم يُحْرَقْ بعثه الله، لكن ظن أنه إذا أحرق وسحق وذر في البر يكون فات على الله من شدة خوفه فغفر الله له، يعني أمر مسألة دقيقة خفيت عليه، نعم. " [ فتاوى الشيخ الراجحى ج2 - ص8 ] .

فتوى : " 8 "  :
من هو الذي يعذر بالجهل في العقيدة والأمور الفقهية
س : الأخ : م . ص من جمهورية مصر العربية يقول في سؤاله : من هم الذين يعذرون بالجهل ؟ وهل يعذر الإنسان بجهله في الأمور الفقهية ؟ أم في أمور العقيدة والتوحيد ؟ وما هو واجب العلماء نحو هذا الأمر ؟
ج : دعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل ، وليس كل واحد يعذر بالجهل ، فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول S للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل ، ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين . فإن الله عز وجل بعث نبيهS ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها وشرح لها كل شيء وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، وفي كتاب الله الهدى والنور فإذا ادعى بعض الناس الجهل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وقد انتشر بين المسلمين ، كدعوى الجهل بالشرك وعبادة غير الله عز وجل ، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة ، أو أن صيام رمضان غير واجب أو أن الزكاة غير واجبة ، أو أن الحج مع الاستطاعة غير واجب فهذا وأمثاله لا تقبل فيه دعوى الجهل ممن هو بين المسلمين لأنها أمور معلومة بين المسلمين . وقد علمت بالضرورة من دين الإسلام وانتشرت بين المسلمين فلا تقبل دعوى الجهل في ذلك ، وهكذا إذا ادعى أحد بأنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم ، أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار ، أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء . . فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك كبير ، وقد أوضح الله ذلك في كتابه الكريم وأوضحه رسوله S وبقي ثلاث عشرة سنة في مكة وهو ينذر الناس هذا الشرك وهكذا في المدينة عشر سنين ، يوضح لهم وجوب إخلاص العبادة لله وحده ويتلو عليهم كتاب الله مثل  قوله تعالى :             [ الإسراء: ٢٣] .
وقوله سبحانه :   ﭣ ﭤ ﭥﭦ[ الفاتحة: ٥ ] . وقوله عز وجل :                    [ البينة: ٥] .
وقوله سبحانه :                    ﮉﮊ  [ الزمر: ٢ – ٣] .
وقوله سبحانه : ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ                 ﯟﯠ             [ الأنعام: ١٦٢ – ١٦٣] . وبقوله سبحانه مخاطبا الرسول S : ﮆ ﮇ          ﮌﮍ [ الكوثر: ١ – ٢] .
 وبقوله سبحانه وتعالى :                  ﭿ  [ الجن: ١٨] . وبقوله سبحانه وتعالى :                               ﯲﯳ  ﯴ ﯵ        [ المؤمنون: ١١٧] .
 وهكذا الاستهزاء بالدين والطعن فيه والسخرية به والسب كل هذا من الكفر الأكبر ومما لا يعذر فيه أحد بدعوى الجهل ، لأنه معلوم من الدين بالضرورة أن سب الدين أو سب الرسول S من الكفر الأكبر وهكذا الاستهزاء والسخرية
قال تعالى : ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ  ﮏﮐﮑ             ﮗﮘ  [ التوبة: ٦٥ – ٦٦] .
    فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس وأن يظهروه حتى لا يبقى للعامة عذر وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم ، وحتى يتركوا التعلق بالأموات والاستعانة بهم في أي مكان في مصر أو الشام أو العراق أو في المدينة عند قبر النبي أو في مكة أو غير ذلك وحتى ينتبه الحجيج وينتبه الناس ويعلموا شرع الله ودينه ، فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم ، فيجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس دين الله وأن يعلموهم توحيد الله وأنواع الشرك بالله حتى يدعوا الشرك على بصيرة وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة وهكذا ما يقع عند قبر البدوي أو الحسين رضي الله عنه أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني أو عند قبر النبي S في المدينة أو عند غيرهم يجب التنبيه على هذا الأمر وأن يعلم الناس أن العبادة حق لله وحده ليس لأحد فيها حق كما قال الله عز وجل :                   [ البينة: ٥ ] . وقال سبحانه :                    ﮉﮊ  [ الزمر: ٢ – ٣ ] . وقال سبحانه :             [ الإسراء: ٢٣ ] .يعنى أمر ربك ، فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية وفي مناطق الأقليات الإسلامية وفي كل مكان أن يعلموا الناس توحيد الله وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله وأن يحذروهم من الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم الذنوب وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه وأمرهم بذلك . لقوله سبحانه : ﭳ ﭴ             [ الذاريات: ٥٦] .
وعبادته هي : طاعته وطاعة رسوله S وإخلاص العبادة له وتوجيه القلوب إليه ، قال تعالى :                          [ البقرة: ٢١] .
أما المسائل التي قد تخفي مثل بعض مسائل المعاملات وبعض شئون الصلاة وبعض شئون الصيام فقد يعذر فيها الجاهل ؟ عذر النبي S علي الذي أحرم في جبة وتلطخ بالطيب فقال له النبي  : صحيح البخاري الحج (1697)،صحيح مسلم الحج (1180)،سنن الترمذي الحج (835)،سنن النسائي مناسك الحج (2668)،سنن أبو داود المناسك (1819)،مسند أحمد بن حنبل (4/222)،موطأ مالك الحج (728).
" اخلع عنك الجبة واغسل عنك هذا الطيب واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك "، ولم يأمره بفدية لجهله ، وهكذا بعض المسائل التي قد تخفي يعلم فيها الجاهل ويبصر فيها .
أما أصول العقيدة وأركان الإسلام والمحرمات الظاهرة فلا يقبل في ذلك دعوى الجهل من أي أحد بين المسلمين فلو قال أحد ، وهو بين المسلمين : إنني ما أعرف أن الزنى حرام فلا يعذر ، أو قال : ما أعرف أن عقوق الوالدين حرام فلا يعذر بل يضرب ويؤدب ، أو قال : ما أعرف أن اللواط حرام فلا يعذر ، لأن هذه أمور ظاهرة معروفة بين المسلمين في الإسلام .
لكن لو كان في بعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي لا يوجد حولها مسلمون قد يقبل منه دعوى الجهل وإذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله ويكون حكمه حكم أهل الفترة والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة ، فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار ، أما الذي بين المسلمين ويقوم بأعمال الكفر بالله ويترك الواجبات المعلومة ، فهذا لا يعذر ; لأن الأمر واضح والمسلمون بحمد الله موجودون ، ويصومون ويحجون ويعرفون أن الزنى حرام وأن الخمر حرام وأن العقوق حرام وكل هذا معروف بين المسلمين وفاش بينهم فدعوى الجهل في ذلك دعوى باطلة والله المستعان  " اهـ [ مجموع فتاوى ابن باز ج7 ص351 – 353 ] .

خلاصة هذا الباب :
1- التفريق بين المسائل الظاهرة الجلية وبين المسائل الخفية فيما يعذر به الإنسان ، أو لا يعذر  .
2- هذا التفريق ثابت عن العلماء سلفا وخلفا بما لا يدع مجالا للشك ، وقبل ذلك ثبوت هذا التفريق بمقتضى الكتاب والسنة .
3- تعبيرات العلماء حول هذا التفريق متنوعة وإن كان معناها واحد ، فمن هذه التعبيرات :
أ- مسائل ظاهرة ومسائل خفية كما هو تعبير الإمامين
 ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب – رحمها الله تعالى .
ب – علم العامة وعلم الخاصة ، كما هو تعبير الإمام الشافعى – رحمه الله .
ج – مسائل يسع المكلف جهلها ، ومسائل لا يسع المكلف جهلها ، وهو تعبير الإمام الشافعى أيضا  .
د – مسائل الجهل فيها يصلح عذرا للمكلف ، ومسائل الجهل بها لا يصلح عذرا ، كما هو تعبير الشيخ محمد أبو زهرة ، كما في كتابه أصول الفقه  .
ر- مسائل قطعية معلومة من الدين بالضرورة ، ومسائل غير معلومة من الدين بالضرورة ، وهذا تعبير الشيخ محمد رشيد رضا .
ز- مسائل واضحة لا رخصة لأحد في جهلها ، وجهل في مواضع الاجتهاد في المسائل الغير مشهورة ، وهذا تعبير الشيخ عبد الكريم زيدان  .
إلى غير ذلك من التعبيرات التي تؤدى إلى معنى واحد .
فائدة :
أمثلة فيما يدخل تحت المسائل الظاهرة والمسائل الخفية :
1- أما المسائل الظاهرة : يدخل تحتها .
أ- توحيد العبادة " توحيد الألوهية " وهو الذى لأجله خلق الله تعالى الخلق ، ولأجله أرسل الله الرسل وأنزل عليهم الكتب ، فهذا التوحيد هو أصل الدين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى .
قال : " وعبادة الله وحده لا شريك له هي أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ، قال تعالى :                      ﭾﭿ  [ النحل: ٣٦] .
وقال تعالى :                                     ﭟ ﭠ [ الأنبياء: ٢٥ ] "  اهـ [ مجموع الفتاوى ج3 ص397 ] .

    كما أن أعظم أصول الإيمان: الاعتراف بانفراد الله بالوحدانية والألوهية، وعبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص الدين لله، والقيام بشرائع الإسلام الظاهرة، وحقائقه الباطنة كل هذا من أصول الإيمان ولهذا رتب الله على الإيمان دخول الجنة والنجاة من النار، ورتب عليه رضوانه والفلاح والسعادة. ولا يكون ذلك إلا بما ذكرنا: من شموله للعقائد وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، لأنه متى فات شيء من ذلك ، حصل من النقص وفوات الثواب، وحصول العقاب- بحسبه " اهـ [الوسطية في القرآن الكريم ج1 ص43 ] .
ولا شك أن توحيد الربوبية يدخل دخولا أوليا في المسائل الظاهرة  .
ب – يدخل في المسائل الظاهرة ما يناقض أصل توحيد الألوهية ، وهو : الشرك الأكبر المخرج من الملة
قال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت "
فالإنسان لا يكون موحدا عابدا لله إلا إذا كان مجتنبا وتاركا لعبادة غيره .
ج – يدخل في المسائل الظاهرة أيضا المعلوم من الدين بالضرورة ، أو ما تُسمى عند العلماء بالشرائع الظاهرة المتواترة مثل : الصلوات الخمس ، والزكاة والحج والصيام ، وتحريم الفواحش مثل الزنا والربا والخمر – إلى غير ذلك – وهذا لا عذر فيه بالجهل إلا لمن كان حديث عهد بالإسلام ، أو من نشأ ببادية بعيدة ، فيعذر لعدم البلاغ وعدم إمكانية التعلم ، ليس لمجرد الجهل ، لأن الجهل مع إمكانية التعلم ليس بعذر في هذه المسائل .
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله :
" إذَا زَنَا مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الإسْلامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ؛ لانَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ " اهـ [ القواعد ص323 ] .
وقال الإمام النووى – رحمه الله :
"  فإن قيل كيف تأولت أمر الطائفة التى منعت الزكاة على الوجه الذى ذهبت إليه وجعلتهم أهل بغى وهل اذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغى قلنا لا فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرا بإجماع المسلمين والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان منها قرب العهد بزمان الشريعة الذى كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ ومنها أن القوم كانوا جهالا بأمور الدين وكان عهدهم بالإسلام قريبا فدخلتهم الشبهة فعذروا فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام واشترك فيه العالم والجاهل فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنى والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجلا حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده فإنه إذا أنكر شيئا منها جهلا به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه فأما ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها وأن القاتل عمدا لا يرث وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة " اهـ [ شرح مسلم ج1 ص205 ] .
وقال الإمام الشوكانى – رحمه الله  :
" وقد صح عن معلم الشرائع أنه لم يكن بين العبد وبين
الكفر إلا ترك الصلاة ؛ فالتارك للصلاة من الرعايا كافر ، وفي حكمه من فعلها وهو لا يحسن من أذكارها و أركانها ما لا تتم إلا به ؛ لأنه أخل بفرض عليه من أهم الفروض ، وواجب من آكد الواجبات ، وهو لا يعلم ما لا تصلح الصلاة إلا به مع إمكانه ووجود من يعرفه بهذه الصلاة ، وهي أهم أركان الإسلام الخمسة وآكدها ، وقد صار الأمر فيها عند الرعايا هكذا .
ثم يتلوها الصيام وغالب الرعايا لا يصومون ، وإن صاموا ففي النادر من الأوقات ، وفي بعض الأحوال ؛ فربما لا يكمل شهر رمضان صوماً إلا القليل ، ولا شك أن تارك الصيام على الوجه الذي يتركونه كافر . وكم يعد العاد من واجبات يخلّون بها ، وفرائض لا يقيمونها ، ومنكرات لا يجتنبونها ، وكثيراً ما يأتي هؤلاء الرعايا بألفاظ كفرية : فيقول هو يهودي ليفعلن كذا وليفعل كذا . ومرتد تارة بالقول وتارة بالفعل وهو لا يشعر . ويطلق امرأته حتى تبين منه بألفاظ يديم التكلم بها :
كقوله : امرأته طالق ما فعل كذا أو لقد فعل كذا . وكثير منهم يستغيث بغير الله تعالى من نبي أو رجل من الأموات أو صحابي ونحو ذلك . ومع هذه البلايا التي تصدر منهم والرزايا التي هم مصرون عليها لا يجدون من ينهاهم عن منكر ولا يأمرهم بمعروف " اهـ [ الرسائل الذهبية في إحياء سنة خير البرية ص29 ].
1- أما المسائل الخفية : فيدخل فيها :
أ - مسائل الأسماء والصفات ، وفي هذا يقول الإمام الشافعى – رحمه الله تعالى .
"لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفي عن نفسه فقال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " اهـ [  العلو للعلى الغفار للذهبى ص177 ] .
تنبيه : المراد بالصفات التى تدخل تحت المسائل الخفية هى الصفات التى وقع فيها النزاع بين أهل السنة وغيرهم من أهل البدع مثل مسألة الرؤية والعلو والاستواء ، وغير ذلك . أما الصفات المتعلقة بالربوبية فهى تدخل تحت المسائل الظاهرة مثل القدرة والعلم والإرادة ، وغير ذلك .
ب- من المسائل الخفية التى تحتاج إلى إقامة الحجة : بعض المعتقدات الباطلة التى اعتقدها أهل البدع ، ومن تأثر بهم من أهل السنة ، مثل مسألة الإرجاء ، والقدر ، ومسمى الإيمان ، وتأويل الصفات ، وغير ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله :
" والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفراً كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة، ولكن قد يخفي على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهو كافر ،  ومن قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه ، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح: في الذي قال إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين . وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرقوه " اهـ [  الإيمان الأوسط ص161 ] .
وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى :
" وأما أهل البدع الموافقون أهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم، فهؤلاء أقسام :
أحدهما: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ، ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفوراً رحيماً .
القسم الثاني : المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالاً بدنياه ورئاسته ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته .
القسم الثالث : أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى، ويتركه تقليداً أو تعصباً، أو بغضاً ومعاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقاً، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل " اهـ [ ذكره القاسمى في تفسيره ج5 ص1309 وذكره صاحب كتاب نواقض الإيمان الاعتقادية ج1 ص283 ] .
ج- يدخل في المسائل الخفية مسائل الفروع التي لم تشتهر بين العامة  .
قال الإمام النووى – رحمه الله :
"  وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده فإنه إذا أنكر شيئاً منها جهلاً به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه، فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها و أن القاتل عمداً لا يرث، و أن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة ) اهـ [ شرح مسلم ج1 ص205 ] .

الباب الرابع
جواز تكفير المعين

    ذهب ياسر برهامى في كلامه الذى أوردناه في أول البحث إلى أن أولاد يعقوب – عليه السلام _ كفروا لما صدر عنهم في حق أبيهم ، ولكن لم تجرى عليهم أحكام الكفر لأمرين :
الأول : أنهم كانوا جهالا فعذروا بالجهل ، وقد ذكرنا فيما سبق من أبواب خطأ هذا الاستنباط ، وأنه لم يسبق إليه ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر : أنه أخطأ في إطلاق القول بالعذر بالجهل .
الثانى : أنهم لم يخرجوا من الملة لأن المعين لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه .
وإطلاق هذا خطأ أيضا ، لأن هذا معناه تعطيل حكم الردة على المرتد مهما كان كفره ، وإن كان في أعظم المسائل ظهورا ، فهل عذر الله تعالى المستهزئين حتى تقام عليه الحجة ؟ وهل عذرهم النبي S ؟
وهل عذر الصحابة المرتدين بعد وفاة النبي S ؟
نعم المعين لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة ولكن ليس في كل المسائل كما وضح وبين أهل العلم ، وهذا ما سوف نشير إليه في هذا الباب بشئ من الاختصار ، والتفصيل له موضع آخر  .
1- المرتدون بعد وفاة النبى  كفروا بأعينهم بشهادة الصحابة الكرام ، ولم يتوقف في كفرهم أحد حتى تقام عليهم الحجة .
قال شيخ الإسلام بن تيمية فيما نقله عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب – عليهما من الله الرحمة :" وقال أبو العباس أيضاً : في الكلام على كفر مانعي الزكاة والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها ، وهذا لم يعهد عنه الخلفاء والصحابة ، بل قال الصديق لعمر رضي الله عنهما : ( والله لو منعوني عقالاً ـ أو عناقاً ـ كانوا يؤدونها إلى رسول الله ? لقاتلتهم على منعه ) فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب . وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها ، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ، والشاهدة على قتلاهم بالنار وسموهم جميعهم أهل الردة . وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه عندهم أن ثبته الله على قتالهم ولم يتوقف كما يتوقف غيره فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله . وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة ، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم . انتهى
    فتأمل كلامه رحمه الله في تكفير المعين والشهادة عليه إذا قتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة  فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين .
قال رحمه الله : بعد ذلك وكفر هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة . انتهى كلامه " [ مفيد المستفيد ص17 ] .
ومن كلام شيخ الإسلام أيضا :
" وقال أبو العباس رحمه الله تعالى في كتاب ( إقتضاء الصراط المستقيم ) في الكلام على قوله تعالى : ( وما أهل به لغير الله ) ظاهره أن ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه ، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله ، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور ، والعبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم وإن قال فيه باسم الله ، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة ، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبائحهم بحال ، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ، وهذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح للجن . انتهى كلام الشيخ وهو الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين أنه لا يكفر المعين ، فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة ، وتصريحه أن المنافق يصير مرتداً بذلك ، وهذا في المعين إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين  " اهـ [  مفيد المستفيد ص4 ] .
2- شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يوضح منهج شيخ الإسلام بن تيمية في تكفير المعين
" وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم قال رحمه الله تعالى : أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، أو تبديع ، أو تفسيق ، أو معصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى " انتهى كلامه .
وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة ، وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير ، أو تفسيق ، أو معصية .
وصرح رضي الله عنه أن كلامه في غير المسائل الظاهرة ، فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال : وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله ? بعث بها ، وكفر من خالفها ، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم ، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ، ومثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها ، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين .
وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في دين المشركين كما فعل أبو عبد الله الرازي ( يعني الفخر الرازي ) قال وهذه ردة صريحة باتفاق المسلمين . انتهى كلامه .فتأمل هذا وتأمل ما فيه من تفصيل الشبهة التي يذكر أعداء الله ، لكن من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً " اهـ [ مفيد المستفيد ص8 ] .

توضيح مسألة كفر المعين لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب :
قال - رحمه الله تعالى : " وقال أبو العباس رحمه الله حدثني ابن الخضيري عن والده الشيخ الخضيري إمام الحنفية في زمانه قال : كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا كان كافرا ذكياً ، فهذا إمام الحنفية في زمنه حكى عن فقهاء بخاري جملة كفر ابن سينا وهو رجل معين منصف يتظاهر بالإسلام .
وأما كلام المالكية في هذا أكثر من أن يحصر وقد أشتهر عن فقهائهم سرعة الفتوى والقضاء بقتل الرجل عند الكلمة التي لا يفطن لها أكثر الناس ، وقد ذكر القاضي عياض في آخر كتاب الشفاء من ذلك طرفاً ، ومما ذكر أن من حلف بغير الله على وجه التعظيم كفر ، وكل هذا دون ما نحن فيه بما لا نسبة بينه وبينه .
وأما كلام الشافعية ، فقال صاحب الروضة رحمه الله أن المسلم في الكلام إذا ذبح للنبي ? كفر . وقال أيضاً : من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر . وكل هذا دون ما نحن فيه .
وقال ابن حجر في شرح الأربعين على حديث ابن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله ) وما معناه إن من دعا غير الله فهو كافر . وصنف في هذا النوع كتابا مستقلا سماه ( الإعلام بقواطع الإسلام ) ذكر فيه أنواعا كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يخرج من الإسلام ويكفر به المعين وغالبه لا يساوي عشير معشار ما نحن فيه ، وتمام الكلام في هذا أن يقال الكلام هنا في مسألتين :
الأولى : أن يقال هذا الذي يفعله كثير من العوام عند قبور الصالحين ومع كثير من الأحياء والأموات والجن من التوجه إليهم ودعائهم لكشف الضر والنذر لهم لأجل ذلك هل هو الشرك الأكبر الذي فعله قوم نوح ومن بعدهم إلى أن انتهى الأمر إلى قوم خاتم الرسل قريش وغيرهم .
فبعث الله الرسل وأنزل الكتب ينكر عليهم ذلك ويكفرهم ويأمر بقتالهم حتى يكون الدين كله لله ، أم هذا شرك أصغر وشرك المتقدمين غير هذا ، فاعلم أن الكلام في هذه المسألة سهل على من يسره الله عليه بسبب أن علماء المشركين اليوم يقرون أنه الشرك الأكبر ولا ينكرونه إلا ما كان من مسيلمة الكذاب وأصحابه كابن إسماعيل وابن خالد مع تناقضهم في ذلك واضطرابهم ، فأكثر أحوالهم يقرون أنه الشرك الأكبر ولكن يعتذرون بأن أهله لم تبلغهم الدعوة .
وتارة يقولون لا يكفر إلا من كان في زمن النبي ? ، وتارة يقولون إنه شرك أصغر وينسبونه لابن القيم رحمه الله في المدارج كما تقدم ، وتارة لا يذكرون شيئاً من ذلك بل يعظمون أهله وطريقتهم في الجملة ، وأنهم خير أمة أخرجت للناس ، وأنهم العلماء الذين يجب رد الأمر عند التنازع إليهم وغير ذلك من الأقاويل المضطربة ، وجواب هؤلاء كثير في الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
ومن أصرح ما يجاوبون به إقرارهم في غالب الأوقات أن هذا هو الشرك الأكبر ، وأيضاً إقرار غيرهم من علماء الأقطار ، مع أن أكثرهم قد دخل في الشرك وجاهد أهل التوحيد ، لكن لم يجدوا بداً من الإقرار به لوضوحه .
المسألة الثانية : الإقرار بأن هذا هو الشرك الأكبر ولكن لا يكفر به إلا من أنكر الإسلام جملة ، وكذب الرسول والقرآن واتبع اليهودية أو النصرانية أو غيرهما ، وهذا هو الذي يجادل به أهل الشرك والعناد في هذه الأوقات ، وإلا المسألة الأولى قلَّ الجدال فيها ولله الحمد لما وقع من إقرار علماء الشرك بها . فاعلم أن تصور هذه المسألة تصوراً حسناً يكفي في إبطالها من غير دليل خاص لوجهين :
الأول : أن مقتضى قولهم أن الشرك بالله وعبادة الأصنام لا تأثير لها في التكفير لأن الإنسان إن انتقل عن الملة إلى غيرها وكذب الرسول والقرآن فهو كافر وإن لم يعبد الأوثان كاليهود ، فإذا كان من انتسب إلى الإسلام لا يكفر إذا أشرك الشرك الأكبر لأنه مسلم يقول لا إله إلا الله ويصلي ويفعل كذاو كذا لم يكن للشرك وعبادة الأوثان تأثير بل يكون ذلك كالسواد في الخلقة أو العمى أو العرج ، فان كان صاحبها يدعي الإسلام فهو مسلم ، وإن ادعى ملة غيرها فهو كافر ، وهذه فضيحة عظيمة كافية في رد هذا القول الفظيع .
الوجه الثاني : أن معصية الرسول ? في الشرك وعبادة الأوثان بعد بلوغ العلم كفر صريح بالفطر والعقول والعلوم الضرورية ، فلا يتصور أنك تقول لرجل ولو من أجهل الناس أو أبلدهم ، ما تقول فيمن عصى الرسو ل ? ولم ينقد له في ترك عبادة الأوثان والشرك ، مع أنه يدعي أنه مسلم متبع إلا ويبادر بالفطرة الضرورية إلى القول بأن هذا كافر من غير نظر في الأدلة أو سؤال أحد من العلماء .
ولكن لغلبة الجهل وغربة العلم وكثرة من يتكلم بهذه المسألة من الملحدين أشتبه الأمر فيها على بعض العوام من المسلمين الذين يحبون الحق ، فلا تحقرها وأمعن النظر في الأدلة التفصيلية لعل الله أن يمن عليك بالإيمان الثابت ويجعلك من الأئمة الذين يهدون بأمره .
فمن أحسن ما يزيل الإشكال فيها ويزيد المؤمن يقيناً ما جرى من النبي ? وأصحابه والعلماء بعدهم فيمن انتسب إلى الإسلام ، كما ذكر أنه ? بعث البراء ومعه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله .
ومثل همه بغزو بني المصطلق لما قيل أنهم منعوا الزكاة . ومثل قتال الصديق وأصحابه لمانع الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين .
ومثل إجماع الصحابة في زمن عمر تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا لما فهموا من قوله تعالى :                          [ المائدة: ٩٣] . حل الخمر لبعض الخواص .
ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان في تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه ، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم . ومثل تحريق علي رضي الله عنه أصحابه لما غلوا فيه .
ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن اتبعه ، مع أنه يدعي أنه يطلب بدم الحسين وأهل البيت . ومثل إجماع التابعين ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم وهو مشهور بالعلم والدين وهلم جرا ، ومن وقائع لا تعد ولا تحصى .
ولم يقل أحد من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره كيف تقاتل بنى حنيفة وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ، ويزكون . وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا وهلم جرا .
إلى زمن عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام وصلاة الجمعة والجماعة ونصب القضاة والمفتين لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم ولم يتوقفوا فيه وهم في زمن ابن الجوزي ، والموفق ، وصنف ابن الجوزي كتاباً لما أخذت مصر منهم سماه ( النصر على مصر ) .
ولم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحدا أنكر شيئا من ذلك أو استشكله لأجل ادعائهم الملة ، أو لأجل قول لا إله إلا الله ، أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام ، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذه الأزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك ، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم لأجله أنه لا يكفر لأنه يقول لا إله إلا الله أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة ، ويستدلون بأن النبي ? سماها الإسلام ، هذا لم يسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين ، فإن ظفروا بحرف واحد عن أهل العلم أو أحد منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه ، ولكن الأمر كما قال اليمني في قصيدته :
أقاويل لا تعزى إلى عالم فلا تساوي فلساً إن رجعت إلى نقد .
… ولنختم الكلام في هذا النوع بما ذكره البخاري في صحيحه حيث قال : ( باب يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان ) . ثم ذكر بإسناده قوله ? : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة ) وذو الخلصة صنم لدوس يعبدونه فقال ? لجرير بن عبد الله : ( ألا تريحني من ذي الخلصة ) فركب إليه بمن معه فأحرقه وهدمه ثم أتى النبي ? فأخبره قال فبرك على خيل أحمس ورجالها خمساً . …وعادة البخاري رحمه الله إذا لم يكن الحديث على شرطه ذكره في الترجمة ، ثم أتى بما  يدل على معناه مما هو على شرطه ، ولفظ الترجمة وهو قوله : ( يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان ) لفظ حديث أخرجه غيره من الأئمة والله سبحانه وتعالى أعلم  " اهـ [  ص21- 25 ] .
3- قول ابن القيم – رحمه الله  :
" وقال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) في إنكار تعظيم القبور : وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين أن صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه ( مناسك المشاهد ) ولا يخفي أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام . انتهى .
وهذا الذي ذكره ابن القيم ، رجل من المصنفين يقال له ابن المفيد ، فقد رأيت ما قال فيه بعينه ، فكيف ينكر تكفير المعين ؟ " اهـ [ مفيد المستفيد ص20 ] .
4- قول الشيخ أبا بطين – رحمه الله :
" وقال الشيخ أبا بطين في مجموعة الرسائل والمسائل ، 1 /   657:( في رسالة له في تكفير المعين - الذي أشرك بالله ولو جاهلا ) قال : فالأمر الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أن مثل الشرك بعبادة الله غيره سبحانه كفر فمن ارتكب شيئا من هذا النوع أو حسنه فهذا لا شك في كفره ولا بأس بمن تحققت منه أشياء من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل ويبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدا كافرا ويستفتحون هذا الباب بقولهم : من أشرك بالله فقد كفر وحكمه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، والاستتابة إنما تكون مع معين " [ الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد لعلى الخضير ج1 ص130 ] .
ومن أقواله أيضا :
" وكلام العلماء في تكفير المعين كثير وأعظم أنواع هذا الشرك عبادة غير الله وهو كفر بإجماع المسلمين ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك لأن من زنا قيل فلان زان ومن رابا قيل فلان رابا " اهـ [ وانظر مجموعة المسائل 1/657 ] .
وقال الشيخ أبا بطين في الدرر10/401 :
قال : " نقول في تكفير المعين ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهورالعلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) وقال تعالى :  ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وهذا عام في كل واحد من المشركين ، وجميع العلماء في كتب الفقه يذكرون حكم المرتد وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة الشرك فقالوا : إن من أشرك بالله كفر ولم يستثنوا الجاهل ، ومن زعم لله صاحبه أو ولدا كفر ولم يستثنوا الجاهل ، ومن قذف عائشة كفر ، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه كفر إجماعا لقوله تعالى :           [ التوبة: ٦٦] . ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها ولم يفرقوا بين المعين وغيره ثم يقولون : فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة ، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته ، فالاستتابة بعد الحكم بالردة والاستتابة إنما تكون لمعين ويذكرون في هذا الباب حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس أو استحل شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير ونحو ذلك أو شك فيه يكفر إذا كان مثله لا يجهله ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل ولا فرقوا بين المعين وغيره وكما ذكرنا أن الاستتابة إنما تكون لمعين ، وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال إن لله صاحبة أو ولدا أو إن جبريل غلط في الرسالة أو ينكر البعث بعد الموت أو ينكر أحدا من الأنبياء ؟ وهل يفرق مسلم بين المعين وغيره في ذلك ونحوه وقد قال S: من بدل دينه فاقتلوه ، وهذا يعم المعين وغيره " اهـ
5- من أقوال العلامة عبد اللطيف – رحمه الله  :
" قال الشيخ عبد اللطيف في الدرر السنية ( 12 / 260 ، 264 ) قال : وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه Sوقد رأى كفرا بواحا كالشرك بالله وعبادة ما سواه والاستهزاء به تعالى أو آياته أو رسله أو تكذيبهم أو كراهية ما أنزل الله من الهدى ودين الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك ، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور مطيع لله ورسوله .. إلى أن قال : والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام ... وقال : وما نقله القاضي عن مالك من حمله الحديث عن الخوارج موافق لإحدى الروايتين عن أحمد في تكفير الخوارج واختارها طائفة من الأصحاب وغيرهم لأنهم كفروا كثيرا من الصحابة واستحلوا دمائهم وأموالهم متقربين بذلك إلى الله فلم يعذروهم بالتأويل الباطل لكن أكثر الفقهاء على عدم كفرهم لتأويلهم وقالوا : من استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر وإن كان استحلالهم ذلك بتأويل كالخوارج لم يكفر .
وقال الشيخ عبد اللطيف في منهاج التأسيس ص 315 : إن كلام الشيخين ( ابن تيمية وابن القيم ) في كل موضع فيه البيان الشافي أن نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها فيما يخفي دليله ولم تقم الحجة على فاعله وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة وأن نفي التكفير مخصوص بمسائل النزاع بين الأمة وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه أو الحكم بأنه من الشرك الأكبر وتقدم عن الشيخ ( بن تيمية ) أن فاعله يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وقال الشيخ عبد اللطيف في المنهاج ( ص 320 ) قال : وكيف لا يحكم الشيخان ( ابن تيمية وابن القيم ) على أحد بالكفر أو الشرك وقد حكم به الله ورسوله وكافة أهل العلم وهذان الشيخان يحكمان أن من ارتكب ما يوجب الكفر والردة والشرك يحكم عليه بمقتضى ذلك وبموجب ما اقترف كفرا أو شركا أو فسقا إلا أن يقوم مانع شرعي يمنع من الإطلاق وهذا له صور مخصوصة لا يدخل فيها من عبد صنما أو قبرا أو بشرا أو مدرا لظهور البرهان وقيام الحجة بالرسل " اهـ [ الجمع والتجريد ج1 ص134- 136 ] .
6- من أقوال العلامة ابن سحمان – رحمه الله تعالى :
وقال في كشف الشبهتين ص 93-94 :
" أما مسألة توحيد الله وإخلاص العبادة له فلم ينازع في وجوبها أحد من أهل الإسلام ولا أهل الأهواء ولا غيرهم ، وهي معلومة من الدين بالضرورة ، كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه ، وكذلك الجهمية الذين أخرجهم أكثر السلف من الثنتين والسبعين فرقة .. إلى أن قال : فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات دين الإسلام مثل : عبادة غير الله سبحانه وتعالى ومثل جحد علو الله على خلقه ونفي صفات كماله ونعوت جلاله الذاتية والفعلية ومسألة علمه بالحوادث والكائنات قبل كونها ، فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى  " اهـ
وقال في كشف الشبهتين أيضا ص 95  : "  إن كلام شيخ الإسلام إنما يعرفه ويدريه من مارس كلامه وعرف أصوله ، فإنه قد صرح في غير موضع أن الخطأ قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة إذا اتقى الله ما استطاع واجتهد بحسب طاقته ، وأين التقوى وأين الاجتهاد الذي يدعيه عباد القبور والداعون للموتى والغائبين والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه ونفي أسمائه وصفاته ونعوت جلاله " اهـ
" وقال الشيخ ابن سحمان في كشف الشبهتين ص 79 -80 - في ذكر مذهب ابن تيمية في عدم التكفير في المسائل الخفية حتى تقوم الحجة وأما المسائل الظاهرة الجلية المعلومة من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله " [  الجمع ج1 ص144 ] .
فائدة : " تاريخ شبهة العذر "  :
مسالة في تاريخ هذه الشبهة : لم تظهر هذه الشبهة قبل عصر ابن تيمية لأن كل من ادعى العذر فإن أقدم ما يستدل به من الأقوال كلام ابن تيمية أنه يعذر ، ثم ظهرت هذه الشبهة في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب على محورين :
1 ـ أناس ضلال أثاروها فرد عليهم في مفيد المستفيد .
 2 ـ أخف لأنها ظهرت في أناس من باب الاشتباه وكانوا يطلبون الحق ،أمثال بعض طلابه في الدرعية ، وفي الاحساء ثم خمدت فيما بعد .
ثم ظهرت في الجيل الثاني في زمن الحفيد عبد الرحمن بن حسن ،تبناها داود بن جرجيس وعثمان بن منصور فتصدى لها الشيخ عبد الرحمن وساعده ابنه عبد اللطيف في مصنفات معروفة ،وساعدهم أيضا الشيخ ابابطين ، ثم ظهرت في الجيل الثالث فتصدى لها الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن والشيخ ابن سحمان في مصنفات وفتاوى وساعد على ذلك أبناء الشيخ عبد اللطيف وهما عبد الله وإبراهيم ، ولازالت موجودة وتتجدد كل عصر.
و هناك في العصر الحاضر من أظهر أن مسألة العذر بالجهل فيها خلاف ، ثم يحكي الخلاف على قولين ، وهذا موجود في بعض الكتب المعاصرة ، مع أنه إذا ذكر الخلاف لاينسبه إلى أحد ، وإنما نسبة مطلقة ، ومنشأ هذا الفهم هو ظنهم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب له قولان في المسألة حيث نظروا إلى بعض نصوص الشيخ محمد ففهموا منها العذر بالجهل .
وهو مبني على توهم وظن وفهم خاطئ ، وهذا تكلمنا عليه في فصول سابقة وأجبنا عمن فهم هذه النصوص وذكرنا الفهم الصحيح لذلك  .

والخلاصة :
أن حكاية الخلاف في مسالة العذر بالجهل محدث لم يظهر إلا في العصر هذا ، أما العصور السابقة فإنها تذكر على أنها اجتهاد لا يُساق فيه خلاف ، وهذه مثل مسألة من قال إن تكفير الجهمية فيه خلاف على قولين ثم يحكي الخلاف ولا ينسبه إلى أحد إنما هو ظن خاطئ مبني على فهم خاطئ لبعض كلام ابن تيمية ، وهذه ظهرت في عصر الشيخ سليمان بن سحمان فرد عليهم أن المسالة وفاقية في تكفير الجهمية وليس فيها خلاف كما في كتابه رفع الالتباس وكتاب كشف الشبهتين ، وقد نقلنا نصوصه في ذلك في الفصول السابقة ، وأيضا تصدى لذلك عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف ، قالوا:( وأما دعاء الصالحين والاستغاثة بهم وقصدهم في الملمات والشدائد فهذا لا ينازع مسلم في تحريمه والحكم بأنه من الشرك الأكبر فليس في تكفيرهم وتكفير الجهمية قولان ) اهـ [ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/66 ] . والله اعلم  " اهـ [  الجمع والتجريد ج1ص146-147 ] .

فتاوى حول هذه المسألة :

فتوى العلامة أبا بطين – رحمه الله :
" الشيخ عبد الله بن عبد الرَّحمن أبابطين : ما سألت عنه ، من أنَّه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر، إذا ارتكب شيئاً من المكفِّرات ، فالأمر الذي دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة وإجماع العلماء على أنَّه كفرٌ ، مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه ، فمن ارتكب شيئاً من هذا النَّوع أو جنسه ، فهذا لا شكَّ في كفره .ولا بأس بمن تحقَّقت منه شيئاً من ذلك ، أنْ تقول : كفر فلان بهذا الفعل ، يبيِّن هذا : أنَّ الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتدِّ أشياء كثيرة، يصير بها المسلم كافراً ، ويفتتحون هذا الباب بقولهم : من أشرك بالله كفر ، وحكمه أَنَّه يُستتاب فإِنْ تاب وإلاَّ قتل ، والاستتابةُ إنَّما تكون مع معيَّن .
ولمَّا قال بعض أهل البدع عند الشافعيّ : إنَّ القرآن مخلوقٌ ، قال : كفرْتَ بالله العظيم ، وكلام العلماء في تكفير المعيَّن كثيرٌ، وأعظم أنواع الكفر : الشرك ، بعبادة غير الله ، وهو كفر بإجماع المسلمين ، ولا مانعَ من تكفير من اتَّصف بذلك ، كما أنَّ من زنى قيل فلان زانٍ ، ومن ربى قيل فلان مرابٍ )
(وسئل أيضاً : عن قول الصنعانيّ : إِنَّه لا ينفع قولُ من فعلَ الشرك ، أنا لا أشرك بالله .. الخ ؟
فأجاب ، يعني : أَنَّه إذا فعل الشِّرك فهو مشركٌ ، وإنْ سمَّاه بغيرِ اسمه ، ونفاه عن نفسه.
وقوله : وقد صرَّح الفقهاء في كتبهم ، بأَنَّ من تكلَّم بكلمة الكفرِ، يكفرُ ، وإنْ لم يقصدْ معناها ، فمرادهم بذلك : أنَّ من يتكلَّم بكلام كفرٍ ، مازحاً أو هازلاً ، وهو عبارة كثير منهم ، في قولهم: من أتى بقولٍ ، أو فعلٍ صريح في الاستهزاء بالدِّين ، وإِنْ كان مازحاً ، لقوله تعالى : ﮃﮄ ﮅ        ﮉﮊ                         ﮐﮑ ﮒ            ﮗﮘ [ التوبة: ٦٥ – ٦٦ ] .
وقال رحمه الله :
( ويقال لمن قال إنَّ من أتى بالشَّهادتين لا يُتَصوَّرُ كفرُه ، ما معنى الباب الَّذي يذكره الفقهاءُ في كتب الفقه وهو (باب حكم المرتدِّ) والمرتدُّ هو الذي يكفر بعدَ إسلامه بكلامٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شكٍّ وهو قبل ذلك يتلفَّظ بالشَّهادتين ويصلي ويصوم ، فإذا أتى بشيءٍ مما ذكروه صار مرتدَّاً مع كونه يتكلَّم بالشَّهادتين ويصلي ويصوم ولا يمنعه تكلُّمه بالشَّهادتين وصلاته وصومه عن الحكم عليه بالرِّدَّة ، وهذا ظاهرٌ بالأدلَّة من الكتابِ والسُّنَّة والإجماع .
وأوَّل ما يذكرون في هذا الباب الشِّرك بالله فمن أشركَ بالله فهو مرتدٌّ ، والشِّرْك عبادةُ غير الله فمن جعل شيئاً من العبادة لغير الله فهو مُشركٌ ، وإنْ كان يصوم النهارَ ويقوم اللَّيلَ فعمله حابطٌ ) اهـ [ مجموعة الرسائل والمسائل ج1 ص659] .

الشيخ عبد العزيز الراجحى معلقا على قول الإمام الطحاوى  - رحمه الله :
"  ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى "
قال " كذلك -أيضا- المعين من أهل القبلة ما نشهد عليه بالكفر نقول: إنه كافر، ولا نشهد عليه بشرك نقول: مشرك، ولا نشهد عليه بنفاق أو بفسق، إلا إذا ظهر منه ما يدل على ذلك، إذا ظهر منه كفر شهدنا له بالكفر، ظهر منه شرك شهدنا له بالشرك ، ظهر منه نفاق شهدنا له بالنفاق، ظهر منه فسق شهدنا له بالفسق أما إذا لم يظهر؛ فإننا نكل سريرته إلى الله نجريه على ظاهره وذلك؛ لأنا قد أمرنا بالحكم الظاهر، ونهينا عن الظن وإتباع ما ليس لنا به علم، وهذا من قواعد الشريعة العامة، وهو وجوب الحكم بالظاهر والأمر بأن تكل السرائر إلى الله تعالى؛ ولذلك نهى الله عن الظن .
ومن الأدلة على هذا قول الله تعالى:                    [ الحجرات: ١١] . ومن رمى أحدا بكفر، أو فسق، أو شرك ، أو نفاق بغير دليل ، فهو محقر له، ساخر منه ،  ومن الأدلة قول الله تعالى:                             ﭛﭜ [ الحجرات: ١٢] .
ووجه الدلالة أن من رمى إنسانا بكفر، أو فسق بدون شيء ظاهر منه، فهو ظن، والظن منهي عنه،
ومن الأدلة قول الله تعالى:             ﯵﯶ            ﯻ ﯼ        ﯿ  [ الإسراء: ٣٦] .
ومن رمى أحدا بكفر، أو فسق، أو نفاق، أو شرك بغير دليل، فقد قفا ما ليس له به علم. نعم " [ الراجحى شرح الطحاوية ص275 ] .
فتوى للشيخ عبد العزيز الراجحى  :
" السؤال الثاني والثلاثون :
ما حكم من يقول : (ليس هناك تكفير للمعين مطلقا؟
الجواب : هذا ليس بصحيح ؛ المُعيَّن يُكفَّر ، نحن نكفِّر اليهودي بعينه والنصراني بعينه ومن قامت عليه الحجة يكفر بعينه ، لأن معنى هذا الكلام وهو عدم تكفير المُعيَّن أنه لا يكون هناك كافر ؛ ومن قامت عليه الحجة ممن فعل الكفر والنصراني واليهودي والوثني يكفَّرون ومن كانت عنده شبهة فإنها تزال الشبهة " [ أسئلة وأجوبة في الكفر والإيمان – الراجحى ص17 ] .
فتوى للشيخ على الخضير  :
"  س: نختم هذا الباب بهذه المسألة:
من الذي يحق له فقط تكفير المعين ؟ وهل يجوز للإنسان العادي أن يكفر معينا وقع منه الكفر البواح خاصة إذا كان مدركا لأحكام التكفير وموانعه المعتبرة ؟ أم يقال له ؛ لا تفعل ذلك ودع ذلك للقاضي أو المفتي أو العالم المتبوع ؟ نرجو التوضيح فقد كثر اللغط في هذا الأمر .
فأجاب الشيخ علي الخضير فك الله أسره: كما ذكرتَ ؛ فالإنسان العادي المدرك لأحكام التكفير وموانعه المعتبرة ؛ فله أن يكفر.وهذا الذي جرى عليه العمل منذ عهد النبي Sإلى وقتنا الحاضر.أما من لا يعرف ذلك فلا يجوز له الإقدام على ذلك لحديث : ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما)، وليس التكفير من خصائص القاضي أو المفتي أو العالم المتبوع، فهذا من الخطأ " اهـ [ شرح كتاب الحقائق في التوحيد أبى مارية القرشى ج1 ص72 ] .
خلاصة هذا الباب :
1- دلت الأدلة الشرعية على جواز تكفير المعين ، كما في كفر المستهزئين وغيرهم .
2- تطبيق الصحابة لهذا المفهوم في تكفيرهم للمرتدين على الرغم من وجود المتأولين والجاهلين فيهم .
3- كذلك أقوال أهل العلم التي أشرنا إلى بعضها تدل على هذا المفهوم أيضا .
4- أما إقامة الحجة إنما تكون في المسائل الخفية كما أشرنا قبل ذلك ، ومن كان حديث عهد بالإسلام ، ومن نشأ في بادية بعيدة ، أو نشأ بادر الحرب  .
يقول العلامة محمد بن إبراهيم – رحمه الله تعالى :
" الجحود أقسام ، لا تكفير إلا بعد قيام الحجة ووضوح الدليل " .
تنقسم الأشياء التي يرتد بها إلى ثلاث أقسام :
قسم يجحد ما علم أن الرسول جاء به وخالف ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به ؛ فهذا يكفر بمجرد ذلك ، سواء في الأصول أو الفروع ، ولا يحتاج إلى تعريف ما لم يكن حديث عهد بالإسلام .
والقسم الثاني : ما يخفي دليله ؛ فهذا لا يكفر حتى تقام عليه الحجة من حيث الثبوت ومن حيث الدلالة ، وبعدما تقام عليه الحجة يكفر سواء فهم أو قال ما فهمت أو فهم ووضحت له الحجة بالبيان الكافي ؛ ليس كفر الكفار كله عن عناد ؛ بل العناد قسم من أقسامه ، والقسم الآخر أو الأقسام ليست عناداً ، والحكم الذي بينه وبين الله لا يدخل فيه العلماء .
والقسم الثالث : أشياء تكون غامضة فهذه لا يكفر الشخص ولو بعد ما أقيمت عليه الدلالة ، وسواء كانت في الفروع أو في الأصول .
ومن أمثله ذلك الرجل الذي أوصي أهله إذا مات أن يحرقوه
فهذا شخص خاف الله واتقاه حمله الخوف على أن، أوصي أهله بهذه الوصية وهو مؤمن بقدرة الله لكن شيء من القدرة خفي عليه وهو أنه إذا كان رماداً وفرقته الرياح في اليم لا يقدر عليه ؛ فغفر له بمخافته من الله " اهـ [ فتاوى محمد بن ابراهيم ج12 ص174 – 173 ] .


الخاتمة
أهم نتائج هذا الرد

أولا : " بيان الأخطاء التي وقعت من ياسر برهامى :
1- تفسير الضلال في الموضعين من  سورة يوسف بغير ما فسره المفسرون ، بل انفرد عن جميعهم بذلك .
 2- حكمه على أخوة يوسف بالكفر فيه تعدى وظلم ، لأن التكفير حكم شرعي ، لا بد من وروده في الكتاب والسنة ، أو ثبت فيه إجماع صحيح ، والأخ ياسر برهامى خالف في ذلك كله ، فلم يأت في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك من قريب ولا بعيد .
3- استنباطه الباطل من الآيتين فى الموضعين على صحة ما ذهب إليه من القول بالعذر بالجهل ، وهو استنباط عجيب وغريب لم يسبق إليه ، وما بنى على باطل فهو باطل ، لأنه حكم أولا على أخوة يوسف بالكفر ثم عذرهم ثانيا ، ومن المعلوم أنهم لم يقعوا فى الكفر حتى نبحث لهم عن مخرج بعذرهم بالجهل  ، ولا أدرى لماذا يقحم دعاة السلفية قضية العذر بالجهل بهذه الصورة ، ووضعها في غير موضعها 
4- أن الشيخ ياسر برهامى يضع الأدلة في غير موضعها التي وضعت له ، فاستدلاله بالآيتين على العذر بالجهل لا وجود له أصلا لا من ناحية منطوق الآيتين ولا من ناحية المفهوم ، لذلك لم نجد أحدا من أهل العلم المعتبرين استدل على العذر بالجهل بمثل هذا الاستدلال  وأين نجد ذلك ، فليس هناك أي دلالة أو قرينة تدل على ذلك . 
ثانيا : لوازم القول بتكفير أخوة يوسف وعذرهم بالجهل:
1- القدح فى نبى الله يعقوب - عليه السلام -  أنه لم يحسن تربية أولاده لا من الناحية الإيمانية الاعتقادية ، ولا من الناحية التربوية الأخلاقية ، فهل يتصور أن يعقوب – عليه السلام – لم يعلم أولاده ما يجوز وما لا يجوز فى حق الأنبياء ؟ فإذا كان الذين يعيشون فى بيت النبوة يجهلون ذلك ، فما بال بقية الناس ، هل نعلم نحن ما غاب عن أولاد النبي – عليه السلام ؟
2- القدح في نبي الله يعقوب - عليه السلام - أيضا من ناحية أنه لم ينكر على أولاده الكفر الذي صدر منهم – على حد زعم ياسر برهامى -  فهل وسع يعقوب النبي - عليه السلام – أن يسكت أو يتغاضى عن الكفر ، وإذا كان قد أنكر عليهم ، فأين نجد ذلك ؟ أم أن شيئا من ذلك لم يقع أصلا حتى ينكره يعقوب  - عليه السلام - كما هو ظاهر  .
3- على القول بأن أخوة يوسف - عليه السلام - هم الأسباط – وأنهم صاروا أنبياء ، أن الله تعالى يختار لنبوته من تلبس بالكفر قبل النبوة ، والمسألة خلافية بين أهل العلم ، أي مسألة نبوة أخوة يوسف - عليه السلام - ورجح الحافظ بن كثير  -  رحمه الله -  عدم نبوتهم  .
ثالثا : بيان التفصيل في مسألة العذر بالجهل ، ومسألة تكفير المعين ، مع بيان الفرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية ، والله المستعان  .

تنبيه

لم أفصل القول في قضية العذر بالجهل من خلال ما جاء في الكتاب والسنة ، لأن هذا يحتاج لبحث ، ولكن ما ذكرته يتناسب فقط مع هذا الرد .
والله أسأل أن يوفق علماء ودعاة الأمة إلى الحق الواضح المبين وأن يجعلهم هداة مهديين
أهم المراجع
1- تفسير ابن جرير الطبرى  .
2- تفسر ابن الجوزى  .
3-  تفسير ابن كثير  .
4- تفسير الفخر الرازى  .
5- تفسير النيسابورى  .
6- تفسير الماوردى  .
7- تفسير الشوكانى  .
8- تفسير الشنقيطى  .
9- تفسير ابن عاشور  .
10- مجموع فتاوى ابن تيمية .
11- مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب  .
12- مجموعة الرسائل والمسائل النجدية  .
13- الدرر السنية فى الأجوبة النجدية .
14- فتاوى محمد بن إبراهيم .
15- مفيد المستفيد فى حكم جاهل التوحيد .
16- مفتاح دار السعادة لابن القيم  .
17- فتاوى اللجنة الدائمة  .
18- كشف الشبهتين لابن سحمان .
19- الجمع والتجريد على الخضير  .
20- أسئلة وأجوبة للراجحى .
الفهرس
المقدمة ..............................................................................2
مسألة العذر بالجهل  : ........................................................7
مسألة الحاكمية  : ..........................................................9
ترجيح القول بأن الأصل عدم العذر ...................................16
مسألة : هل يعذر المسلم  بجهله في بعض أصول الدين ؟  ...17
أقوال العلماء في أن الأصل هو عدم العذر :
1- قال الإمام النووى – رحمه الله تعالى : .......................... 20
2- قول شيخ الإسلام - رحمه الله : ......................................20
3- قول الإمام الخطابى – رحمه الله تعالى .........................21
4- قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله.....22
5- قال الشيخ ابن جبرين ...................................................24
مدخل : نص كلام الشيخ ياسر برهامى ..........................38
الباب الأول  : أقوال المفسرين والعلماء في معنى الضلال ..... 41
أقوال أهل العلم في معنى الضلال ؟ ................................... 43
أولا : قال ابن فارس في مقاييس اللغة  :   ...........................43
ثانيا : قال الراغب في غريب القرآن : ..................................44
ثالثا : قال صاحب كتاب " أسرار التكرار في القرآن " : .................. 50
من أقوال المفسرين : ..........................................................51
1- قول الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى : ..................51
 2- قول العلامة الشنقيطى – رحمه الله : ........................ 52
3- قول الإمام ابن جرير الطبرى – رحمه الله تعالى : ..........55
4- قول الإمام القرطبى – رحمه الله تعالى : .......................57
5- قول الإمام البغوى – رحمه الله تعالى : ..........................58
6- قول الإمام الماوردى – رحمه الله تعالى :..........................58
7- قول الإمام أبو السعود – رحمه الله تعالى :.....................59
8- قول الإمام ابن الجوزى – رحمه الله تعالى : ...................60
9- قول الإمام الشنقيطى – رحمه الله تعالى : ....................60
10- قول الإمام النيسابورى – رحمه الله تعالى : .................61
11- قول الإمام النسفي – رحمه الله تعالى : ......................62
12- قول ابن كثير – رحمه الله تعالى : ............................62
13- قول العلامة ابن عاشور في تفسيره :............................62
فائدة : ما المراد بقول الله تعالى في سورة الشعراء : :              [ الشعراء: ٢٠]  . .......................................... 63
فائدة أخرى : ما المراد بقول الله تعالى:        [ الضحى: ٧ ]  ....................................................................... 67
الباب الثانى : الجهل ليس عذرا على الإطلاق ......................73
أقوال العلماء في أن  الجهل ليس عذرا على الإطلاق :..........74
1- قول ابن عباس – رضى الله عنهما : ................................74
2- قول الإمام أبى حنيفة – رحمه الله تعالى : .................. 76
فائدة : الدليل على صحة التفريق بين أصل الدين وبين الشرائع والفرائض  ........................................................... 77
3- قال الإمام الشافعى – رحمه الله تعالى  : .......................82
4- قال الإمام الزركشى فيما نقله عنه الإمام السيوطى في الاتقان  :...........................................................................83
5- قال الإمام القرافي – رحمه الله – في بيان أنواع الجهل: ...84
6-قول القاضى عياض - رحمه الله تعالى - في كتابه الشفا :........................................................................................84
7- . قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" : ..........................85
8- قال عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله تعالى : ............86
9- قال سليمان بن سحمان – رحمه الله تعالى :..................86
10- قال الشيخ عبد العزيز الطريفي  :...............................86
11- قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى : ................88
12- قول الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – من خلال أسئلة توجهت إليه أثناء شرحه كتاب كشف الشبهات  ............89
خلاصة هذه المسألة : .......................................................95
فتوى : السؤال الخامس والثلاثون : نرجو التفصيل في مسألة العذر بالجهل ؟ ..................................................................98
خلاصة هذا الباب : ..........................................................99
الباب الثالث : التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في مسألة العذر بالجهل .................................................101
أقوال العلماء حول هذا الباب :
1- قال الإمام الشافعى – رحمه الله تعالى : ......................101
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في معرض حديثه عن ذم أهل الكلام  :..............................102
3- قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – وهو يبين مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك  ............103
توضيح منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في مسألة العذر :.................................................................105
4- توضيح المسألة للشيخ سليمان بن سحمان – رحمه الله تعالى : ..........................................................................107
5– توضيح المسألة للشيخ عبد الله الغنيمان :.................108
فتاوى أجابت عنها اللجنة الدائمة  وبعض العلماء :
فتوى : " 1"  : هل يعذر المسلم بجهله في الأمور الاعتقادية ؟ ...................................................................................... 109
فتوى : " 2" :  " السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 17749 )...... 114
فتوى : " 3" : ضابط العذر بالجهل : ...................................116
فتوى : " 4" : هل يعذر من سب الدين ؟  ............................ 116
فتوى : " 5 "  : " حكم العذر بالجهل في العقيدة : ............118
فتوى : " 6 "  : " السؤال السادس والثلاثون : هل هناك فرق بين المسائل التي تخفي في العادة وبين التي لا تخفي كمسائل التوحيد ؟ ...................................................................... 121
فتوى : " 7 " : وسئل الشيخ الراجحى أيضا : " سائل يقول: ما الجهل الذي يعذر الإنسان به ؟ ........................................ 123
فتوى : " 8 "  : من هو الذي يعذر بالجهل في العقيدة والأمور الفقهية .........................................................................124
خلاصة هذا الباب : ........................................................130
فائدة : أمثلة فيما يدخل تحت المسائل الظاهرة والمسائل الخفية :.........................................................................131
تنبيه : ...........................................................................136
الباب الرابع : جواز تكفير المعين ....................................139
توضيح مسألة كفر المعين لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : .........................................................................143
فائدة : " تاريخ شبهة العذر "  : .........................................154
فتاوى حول هذه المسألة :
فتوى العلامة أبا بطين – رحمه الله : ............................. 156
فتوى للشيخ عبد العزيز الراجحى  :................................160
فتوى للشيخ على الخضير  :............................................160
خلاصة هذا الباب : ........................................................161
الخاتمة : أهم نتائج هذا الرد ...........................................163



















0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^