المستفاد فى شرح الاعتقاد



: المستفاد
فى شرح الاعتقاد
مقدمة عن سهولة ويسر العقيدة
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد
إن الله تعالى خلق الخلق من غير احتياج منه إليهم فما تعزز بهم من ذلة ولا تكثر بخلقهم من قلة – فالله - جل وعلا - هو الغنى والعباد جميعا هم الفقراء إليه –
قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر : 15
فلو أن الناس جميعا انسهم وجنهم مؤمنهم وكافره على أفجر قلب رجل منهم وليكن هذا القلب هو قلب إبليس ما نقص ذلك من ملك الله شيئا
ولو أن الناس جميعا انسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم كانوا على اتقى قلب رجل منهم وليكن هذا القلب هو قلب نبينا – صلى الله عليه وسلم – ما زاد ذلك فى ملك الله شيئا
قال تعالى :
" َإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً [النساء : 131]
وقال سبحانه :
" إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر : 7
وقال تعالى :
" وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم : 8
فالله – جل وعلا – لا ينتفع بطاعة الطائعين كما أنه – جل وعلا – لا يتضرر بمعصية العاصين ،
إذن : العبد هو الذى ينتفع بطاعته لله تعالى ، كما أن العبد هو الذى يتضرر بمعصيته لله 0
وإذا كان الأمر كذلك فإن الله تعالى خلقنا لغاية وهدف محدد ، أخبرنا الله تعالى عن هذه الغاية على سبيل الحصر والقصر فقال تعالى :
"  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]
ولأجل هذه العبادة : أرسل الله تعالى – رسله إلى جميع الأمم دون استثناء
قال تعالى :
" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل : 36
وقال تعالى :
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25
وقال تعالى :
"إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 92
ولأجل هذه العبادة : أنزل الله تعالى كتبه على رسله –
قال تعالى :" الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود : 1أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود : 2
وقال تعالى :" تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر : 1 إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [الزمر : 2
فالواجب إذن على العباد أن يعبدوا الله وحده لا شريك له فيوحدونه فى ربوبيته وفى إلهيته وفى أسمائه وصفاته – وهذا هو موضوع العقيدة الإسلامية
أولا : العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة وميسرة
لأنها صادرة عن الرب – جل وعلا – أى أنها مأخوذة عن الله – جل فى علاه – فلا بد أن تكون سهلة وميسرة ، فقد أخبرنا الله تعالى أنه يسر هذا القرآن للناس ، والعقيدة الإسلامية مستفادة من هذا القرآن الكريم
قال تعالى :
" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر : 17]
وقال تعالى :
" فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدخان : 58]
وقال تعالى :
" فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً [مريم : 97
ومع تيسير الله تعالى على عباده فقد رفع عنهم الحرج فى الدين فلم يكلفهم إلا بما فى استطاعتهم ووسعهم
قال تعالى :
" وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج : 78
وقال تعالى :
" يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة : 185
وقد أمرنا الله تعالى بتدبر كتابه مما يعنى أنه بوسع المكلف أن يفهم خطاب الله تعالى له بالأمر والنهى –
فقال تعالى :
" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء : 82
وقال جل وعلا –
" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد : 24
وقال تعالى " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [صـ : 29
ثانيا : العقيدة الإسلامية سهلة وميسرة
لأنها موافقة للفطرة التي فطر الله الناس عليها –

قال تعالى :
" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف : 172
لَمَّا خَلَقَ الله آدَم مَسَحَ ظَهْرَهُ فاستخرج َ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فقال لهم ألست بربكم فأقروا جميعا بربوبيته واستحقاقه للعبادة
وفى الحديث الذى رواه البخارى  عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ قَالَ فَيَقُولُ نَعَمْ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي "
فجميع بنى آدم شهدوا لله تعالى بالوحدانية مما يدل على أن العقيدة الإسلامية فى متناول الجميع ،
ومع هذا الميثاق نجد أن الله تعالى قد فطر الناس جميعا على توحيده – كما قال تعالى :
" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30
وفى الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما مِن مولودٍ إلا يُولَدُ على الفِطْرةِ » فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ، أوْ يُنَصِّرانِهِ ، أوْ يُمجِّسانِهِ ، كما تُنْتَجُ البَهيمَةُ بهيمةً جَمْعاءَ ، هلْ تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ ، ثم يقولُ أبو هريرة : اقرؤوا عن شئتم{ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ }.
وفي أخرى لمسلم :« ما من مولودٍ إلا يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يهودانه وينصِّرانه ، ويشرِّكانه ».
وهذا يدل على مدى تأثير الأبوين على إسلام أو كفر الأولاد والذرية .
وفى الحديث عن عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال ذاتَ يوم في خطبته: «أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أن أُعَلِّمَكمْ مَا جَهِلْتُمْ مما عَلَّمني يومي هذا. كُلّ مال نَحَلْتُه عبدا حلال،وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم.وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم.وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم.وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا.
بل إن الله تعالى لم يكتف بهذا بل أرسل رسله إلى الناس جميعا لدعوتهم إلى الله تعالى وتذكيرا لهم بالميثاق الأول ومن باب إقامة الحجة عليهم
قال تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25

وقال تعالى :
" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ"
وقال تعالى :
" رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء : 165
وقال صاحب المعارج :
أخرج فيما قد مضى من ظهـر        آدم ذريته كالــــــــــــــذر
وأخذ العهد عليهم أنــــــــــه          لا رب معبود بحق غيـره
وبعد هذا رسله قد أرســـــــلا        لهم وبالحق الكتاب أنزلا
لكي بذا العهد يذكروهـــــــــم         وينذروهم ويبشروهـــــم
كي لا يكون حجة للناس بـل         لله أعلى حجة عز و جـــل
ثالثا : العقيدة الإسلامية سهلة وميسرة :
لأن الله تعالى خاطب بها جميع الناس على تفاوت أفهامهم وعقولهم ،مما يدل أن الناس جميعا فى متناولهم أن يفهموا هذه العقيدة الإسلامية 
فلقد خاطب الله تعالى الناس جميعا بهذا القرآن ، العربى منهم والأعجمى ، الكبير منهم والصغير ، لأن ما فيه من عقيدة فى متناول فهم الجميع
قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 21
وقال تعالى :
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء : 23
وقال تعالى
" وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء : 36
ولقد خاطب الله تعالى الناس جميعا بالإيمان –
فقال تعالى –  " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء : 170
وقال تعالى مخاطبا أهل الكتاب بقوله :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً [النساء : 47
وخاطب الله تعالى المؤمنين بالإيمان فقال
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136]
مثال :
النبى – صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصبيان العقيدة الإسلامية بطريقة سهلة وميسرة – والدليل على ذلك –
عن ابن عباس – رضى الله عنهما -   قال : « كنتُ خَلْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوما ، فقال لي : يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إِذا سألتَ فاسأل الله ، وإِذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إِلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إِلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفِعَتِ الأقلام ، وجَفَّتِ الصُّحف » رواه الترمذى وغيره وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألبانى 
والسؤال هنا : هل النبى – صلى الله عليه وسلم – يضع العلم فى غير موضعه ؟
والجواب : أن هذا محال فى حق النبى – صلى الله عليه وسلم – لأنه لا ينطق عن الهوى ، وأن الذى علمه هو ربه جل وعلا ، فهذا إن دل إنما يدل على أن هذه العقيدة الإسلامية فى متناول الجميع ليسرها وسهولتها ، وما ذكر فى هذا الحديث هو مجمل العقيدة الإسلامية
1- فعلى العبد أن يحافظ على حدود الله وأن يحافظ على فرائضه التى فرضها على عباده   
2- كذلك يتعرف العبد على ربه فيعرفه بأسمائه وصفاته وأفعاله " تعرف على الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة "
3- ثم روح العقيدة الإسلامية التى تتمثل فى التوجه إلى الله وحده ، فالسؤال لا يكون إلا إلى الله " إذا سألت فاسأل الله " وكذلك طلب العون لا يكون إلى من الله " وإذا استعنت فاستعن بالله " لا بقبور ولا بأولياء ، بل ولا بنبى من الأنبياء ، ولا بملك من الملائكة
4- ثم علمه مسألة القضاء والقدر فى أبسط عبارة فالأمة جميعا وإن اجتمعت لا تملك لأحد نفعا ولا ضرا إلا إذا شاء الله تعالى ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
2- كذلك يتعرف العبد على ربه فيعرفه بأسمائه وصفاته وأفعاله " تعرف على الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة "
3- ثم روح العقيدة الإسلامية التى تتمثل فى التوجه إلى الله وحده ، فالسؤال لا يكون إلا إلى الله " إذا سألت فاسأل الله " وكذلك طلب العون لا يكون إلى من الله " وإذا استعنت فاستعن بالله " لا بقبور ولا بأولياء ، بل ولا بنبى من الأنبياء ، ولا بملك من الملائكة
4- ثم علمه مسألة القضاء والقدر فى أبسط عبارة فالأمة جميعا وإن اجتمعت لا تملك لأحد نفعا ولا ضرا إلا إذا شاء الله تعالى ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن

المقدمة الثانية
 (2)
والعقيدة الإسلامية : هى أصل دين الله تعالى ، فلا إسلام ولا إيمان لمن لا عقيدة له ، فجميع الأعمال تبنى على صحة وسلامة هذه العقيدة ، فلا بد من السلامة من الشرك والكفر والنفاق حتى تقبل أعمال العبد
فبعد أن ذكر الله تعالى عددا من أنبيائه ورسله فى سورة الأنعام
قال تعالى :" ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام : 88
بل قال الله تعالى لنبيه – صلى الله عليه وسلم –
" وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر : 65
وقال تعالى فى حق الذين يتلبسون بالكفر مع قيامهم ببعض الأعمال الصالحة
" وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان : 23
وقال تعالى : " إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء : 48
وقال تعالى :
" إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة : 72
وقال – صلى الله عليه وسلم – " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعودٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?:( مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار- وَقُلْتُ أَنَا :مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وعَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: ( مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ) صحيح مسلم
والشرك الذى يحبط الأعمال ليس قاصرا على عبادة الأحجار والأوثان ، والقبور والمشاهد والأضرحة ، بل قد يعبد الإنسان نفسه
قال تعالى : " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان : 43
وقال تعالى : " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية : 23
بل قد يعبد الإنسان الدرهم والدينار
ففي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (: "تَعِسَ عبدُ الدّينارِ تَعِسَ عبدُ الدّرهمِ تَعِسَ عبدُ الخَميصةِ تَعِسَ عبدُ الخميلة: إن أعطِيَ رضيَ وإن لم يُعْطَ سَخِطَ, تَعِسَ وانتَكَسَ, وإذا شِيكَ فلا انتُقِشَ. طَوبى لعَبدٍ آخِذ بعِنانِ فرَسهِ في سبيلِ اللهِ, أشعثٍ رأسُهُ مغبرةٍ قدماهُ, إن كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ, وإن كان في الساقة كان في الساقة. إنِ استأذَنَ لم يؤذَنْ له, وإن شَفَعَ لم يُشَفّعْ".
وسائل تلقين النبى – صلى الله عليه وسلم – أصول العقيدة للصحابة – رضى الله عنهم – متنوعة منها :
الوسيلة الأولى : تلقينه هذه العقيدة للصحابة عن طريق السؤال والجواب
يؤخذ من هذا الحديث : 
1- تواضع النبى – صلى الله عليه وسلم – حيث إنه كان يركب الحمار مثل كل الناس ، ويردف خلفه أيضا من شاء من أصحابه ككل الناس ، فلم يكن مترفعا أو متكبرا ، على الرغم من أنه لو شاء لركب أجود الخيل فى وقته ، ولكنه يعلم الناس التواضع
2- دل الحديث أيضا : على أن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان يستغل أى فرصة لتعليم أصحابه أصول الدين ، وكذلك كان حال الصحابة مع بعضهم إذا تقابلوا أو اجتمعوا تدارسوا العلم ، ونصح بعضهم بعضا ، وكانوا يتفقدون أحوالهم
مثال على ذلك :
روى مسلم عن حنظلة بن الربيع الأسيدي - رضي الله عنه - وكان من كُتَّاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لَقيَنِي أبو بكر ، فقال : كيف أنتَ يا حنظَلَةُ ؟ قال : قُلتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ قالَ : سبحان الله ! ما تَقُولُ ؟ قال : قُلْتُ : نكونُ عند رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يُذكِّرُنا بالنَّار والجنَّةِ [ حتَّى ] كأنَّا رأيَ عَيْنٍ ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عافَسْنا الأزْواج والأولاد ، والضَّيْعات ، ونسينا كثيرًا ، قال أبو بكر - رضي الله عنه - : فوالله إنَّا لَنَلْقَي مثل هذا ، فانطَلَقْتُ أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : نَافَقَ حنظلَةُ يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « وما ذاك؟» قلتُ : يا رسول الله نكون عندك تُذكِّرُنا بالنار والجنة [ حتى ] كأنَّا رأيَ عَيْنٍ ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعاتِ ، ونَسينا كثيرًا. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : « والذي نفسي بيده ، لو تَدومُونَ على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكرِ ، لصافَحَتْكم الملائكة على فُرُشِكُم ، وفي طُرُقِكم ، ولكن يا حنظلةُ ساعَةً وساعَةً - ثلاث مِرار - ».
هذا هو حال الصحابة الكرام مع مكانتهم وكمال إيمانهم وجهادهم ، فما هو حالنا نحن ؟
 هذا عمر بن الخطاب خاف على نفسه النفاق فقال لحذيفة بن اليمان الذي أسر إليه النبي بأسماء المنافقين فقال له عمر : أنشدك الله هل سماني لك رسول الله (صلي الله عليه وسلم) مع من سمى من المنافقين ؟ فقال حذيفة :لا .. ولا أزكى أحداً بعدك
وقال البخارى فى صحيحه
باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر
وقال إبراهيم التيمي: "ما عرضت قولي على علمي إلا خشيت أن أكون مكذّباً".
وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي '، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل".
وورد عن بعض السلف أنه قال في النفاق: ما أمنه إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن.
3- دل الحديث على أن الله تعالى له حق على عباده ، وهذا الحق مستحق لله تعالى لأنه الرب وما دونه مربوب ، ولأنه المعبود وما دونه عابد ، ولأنه الخالق وما دونه مخلوق ، ولأنه الرزاق وما دونه مرزوق ، ولأنه القوى وما دونه ضعيف ، ولأنه الغنى الحميد وما دونه فقير محتاج
وحقه – جل وعلا – أن يعبد وحده لا يشرك به شيئا
فالعبادة لا تكون صحيحة إلا إذا خلت من الشرك
قال تعالى : " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [النساء : 36
وقال تعالى :" قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ [الرعد : 36
وقال تعالى :" قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [يونس : 104
وقال تعالى :" قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام : 19
فحق الله أن يعبد وحده ولا يشرك به شيئا ، العبادة المطلقة فى جميع المجالات ، وهذا ما فهمه الصحابة ومن بعدهم من السلف وغيرهم ، لا فرق فى ذلك بين سياسة أو اقتصاد أو معاملات أو أخلاق،فديننا سياسة وسياستنا دين ،وديننا اقتصاد واقتصادنا دين ، وديننا عقيدة وعقيدتنا دين ،وديننا أخلاق وأخلاقنا دين ، وديننا معاملات ومعاملتنا دين 0
أما أكثر الناس إلا من رحم الله جعلوا القرآن عضين ،
قال تعالى :"وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ  كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ "
فمن آمن ببعض القرآن ولم يؤمن بالبعض الآخر ، فقد فرق بين الكتاب
وقد قال الله تعالى :"أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة : 85
2- الحديث الثانى  عن أبى أيوب الأنصارى – رضى الله عنه -  « أن أعرابيّا عَرَض للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم- وهو في سفر ، فأخذ بخِطام ناقتِهِ - أو بزمامِها - ثم قال : يا رسولَ الله - أو يا محمد - أخبرني بما يُقَرِّبني من الجنة ، ويُباعدُني من النار ، قال : فكفَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ، ثم نظر في أصحابه ، ثم قال : لقد وُفِّقَ - أو لقد هُدِيَ - قال: كيف قلتَ ؟ قال : فأعاد ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- : تعبدُ الله لا تُشْرك به شيئا ، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ ، وتَصِلُ الرَّحِمَ ، وقال في آخره : دع الناقة ». أخرجه البخاري ومسلم.
والشاهد : أن المسلم لا ينجو فى الدنيا ولا فى الآخرة إلا بقيامه بعبادة الله وحده لا شريك له وترك الإشراك به – جل وعلا
3- الحديث الثالث  وعن معاذ - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَعَثَنِي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : ( إنَّكَ تَأتِي قَوْماً مِنْ أهلِ الكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله ، وَأنِّي رسولُ الله ، فَإنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ ؛ فإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
والشاهد : أن الدعوة إلى التوحيد هى أول دعوة الرسل ، لأن التوحيد هو أصل دين الله تعالى
الفرق بين الجن والإنس فى سرعة الاستجابة لدعوة الله تعالى :
نجد أن الجن سارعوا إلى الإيمان بالنبى – صلى الله عليه وسلم – وبما جاء به من القرآن وما فيه ، فى الوقت الذى أعرض فيه أكثر الإنس عن الإيمان بالله تعالى وبنبيه – صلى الله عليه وسلم –
ففى حق الجن –
قال تعالى :"قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً  يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً"
فالجن سارعوا إلى الإيمان بالنبى – صلى الله عليه وسلم - وعلموا أن هذا القرآن جاء بالتوحيد والنهى عن الشرك
وقال تعالى :" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ  قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ "
أما فى حق الإنس فقد أعرضوا وصدوا عن سبيل الله وعن دينه وشرعه
فقال تعالى عن المشركين :" إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ   وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ [الصافات : 36
وقال تعالى عنهم لما دعاهم الرسول – صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد الخالص :
"أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [صـ : 5
دعوة النبى – صلى الله عليه وسلم – دعوة عالمية – لجميع الإنس والجن
قال الله تعالى :" قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف : 158
وقال تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ : 28
وقال تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء : 107
فقام النبى – صلى الله عليه وسلم – بدعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فقال تعالى لنبيه – صلى الله عليه وسلم
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64
يستفاد من الآية :
1- أن النبى – صلى الله عليه وسلم – مبعوث لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، كما هو مبعوث إلى جميع الخلق ، وهذا من خصائصه – صلى الله عليه وسلم – كما هو معلوم ، وسوف يأتى التفصيل فى ذلك  إن شاء الله تعالى
فالله تعالى أمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام بقوله " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ"
2- ما أرسل به النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى أهل الكتاب وإلى الناس أجمعين يتمثل فى أمرين أساسيين وهما : إفراد الله تعالى بالعبادة ، والنهى عن الإشراك به ، فقال تعالى لأهل الكتاب :
" تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً" والكلمة السواء هى كلمة التوحيد – لا إله إلا الله - المشتملة على إفراد الله بالعبادة والنهى عن عبادة ما سواه ،
يفهم من هذا : أن أهل الكتاب مشركين ليسوا لله من الموحدين ، وإلا فما الفائدة فى دعوتهم إلى التوحيد إذا كانوا من أهل التوحيد
3- نهى أهل الكتاب عن اتخاذ الأرباب من دون الله تعالى ، فلا يعطوا حق الرب تعالى إلى المربوب – فقال لهم رب العالمين " وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ"
وأهل الكتاب لم يكونوا يصلون ويصمون لأحبارهم ورهبانهم بل أعطوهم حق التحليل والتحريم وحق التشريع وسن القوانين – كما قال تعالى عنهم :
" اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة : 31
4- أن ما ذكره الله تعالى فى هذه الآية هو مجمل دين الإسلام فمن جاء به فهو المسلم ومن انحرف عن ذلك فليس بمسلم – قال تعالى :
" فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"
ولقد راسل النبى – صلى الله عليه وسلم – ملوك العرب والعجم بهذه الآية
وكان أهل الكتاب يعلمون حقيقة دعوة النبى – صلى الله عليه وسلم –
- واكتفى بإشارة واحدة فيما جاء فى بعض حديث رواه البخارى
روى البخارى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – فى سؤال هرقل لأبى سفيان - قَالَ فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ قَالَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ --- وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ ---- "
فهذا دين الله تعالى المتمثل فى هذه العقيدة السهلة الميسرة ،
أصول وأركان الإيمان:
 التى لا بد للإنسان من الإيمان بها حتى يصير فى عباد الله تعالى الفائزين فى الدنيا والآخرة تنحصر فى ستة أصول وهى :الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره 
أما الأصل الأول وهو : الإيمان بالله تعالى
- معنى الإيمان بالله عز وجل:هو التصديق الجازم بوجود الله تعالى، والإقرار بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
فتضمن الإيمان بالله عز وجل أربعة أمور :
الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى .
الإيمان بربوبية الله تعالى .
الإيمان بألوهية الله تعالى .
الإيمان بأسماء الله وصفاته .


الركن الأول من أركان العقيدة : الإيمان بالله
أولا: وجود الله
(3)
إن الإنسان لا يصبح فى عداد المسلمين الموحدين إلا إذا كان للتوحيد من المحققين وللعقيدة الإسلامية من المطبقين العاملين
وأصل دين الله تعالى ذكره الله جل وعلا  فى كتابه العزيز وذكره النبى – صلى الله عليه وسلم – فى سنته المطهرة ، وذلك إجمالا وتفصيلا
وأصل الدين هو أركان الإيمان الستة : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره
قال الله تعالى :
" لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة : 177
ففى هذه الآية ذكر الله تعالى خمسة أركان من أركان الإيمان  وهى :  الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
أما الإيمان بالقدر ففى
 قوله تعالى :" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر : 49
وقال تعالى :" وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان : 2
وفى الحديث الثابت فى الصحيحين عن ابن عمر – رضى الله عنهما – فى حديث جبريل الطويل عندما سأل النبى – صلى الله عليه وسلم – عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلامات الساعة ، قال فى الإيمان " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه"
وسوف نقوم بشرح هذه الأركان الستة بشئ من التفصيل
الركن الأول " الإيمان بالله "
ومعنى الإيمان بالله : الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو رب كل شئ ومليكه المتصف بصفات الربوبية الحقة ، المستحق للعبادة وحده – جل وعلا –
دل على ذلك قوله تعالى :
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات : 15
والإنسان لا يكون مؤمنا بالله تعالى إلا إذا آمن بأربعة أمور وهى : 1- الإيمان بوجود الله تعالى     2- الإيمان بربوبيته – جل وعلا         3- الإيمان بألوهية الله – جل وعلا –
4- الإيمان بأسماء الله وصفاته 
وتفصيل ذلك : أولا : الإيمان بوجود الله تعالى
الفائدة من ذكر الإيمان بوجود الله تعالى أمور :
1- زيادة الإيمان بالله تعالى ، فالمسلم كلما تعرف على دليل من الأدلة الدالة على وجود الله تعالى ازداد بذلك إيمانا
قال تعالى :" وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة : 124
2- زيادة اليقين والاطمئنان فى القلب برؤية الآيات الدالة على قدرة الخالق جل وعلا – قال تعالى " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة : 260]
3- من الناحية العملية أن المسلم كلما تعرف على الله تعالى ازداد له حبا وتعظيما وانقيادا وإذعانا
4- ثبات المؤمن على إيمانه – كما
قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136]
أى : اثبتوا على إيمانكم واستمروا عليه
قال ابن الجوزى فى تفسيره ك
" وفي المشار إليهم بقوله "يا أيها الذين آمنوا" ثلاثة أقوال:
 أحدها : أنهم المسلمون قاله الحسن فيكون المعنى يا أيها الذين آمنوا بمحمد والقرآن اثبتوا على إيمانكم
 والثاني: اليهود والنصارى قاله الضحاك فيكون المعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وبعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن
 والثالث: المنافقون قاله مجاهد فيكون المعنى يا أيها الذين آمنوا في الظاهر بألسنتهم آمنوا بقلوبكم " اهـ زاد المسير ج2ص224
والقول الأول هو الراجح لأن أهل الكتاب كفار فكيف يناديهم الله تعالى بالإيمان؟ ، وكذلك المنافقون كفار فكيف يناديهم الله تعالى بالإيمان ؟
الدلائل الدالة على وجود الله تعالى :
 1_العقل. 2_ الفطرة. 3_ الشرع  4_الحس. 5_الاستدلال بأسماء الله وصفاته.
أما الاستدلال العقلى :
أما دلالة العقل على وحدانية الله فلأن المخلوقاتِ جميعَها لابد لها من مُوجِد وخالق؛ فما من موجود إلا وله واجد ، وما من مخلوق إلا وله خالق فهذه المخلوقات لا يمكن أن توجِد نفسَها بنفسِها، ولا يمكن أن توجَدَ صدفة؛
وقد دل القرآن الكريم على هذا الدليل العقلى –
فى قوله تعالى :" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور : 35
يعني أنهم لم يُخلقوا من غير خالقٍ، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله_تبارك وتعالى
عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال : « سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأُ في المغرب بـ{ الطُّورِ } ». زاد في رواية « فلما بلغ هذه الآية : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ ؟ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوتِ والأَرْضَ ؟ بَلْ لا يُوقِنُونَ ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبّكَ ، أمْ هُمْ المُسَيْطِرُونَ ؟}
[ الطور : 35 ، 37] كاد قلبي أن يطيرَ »
ولهذا نجد أن الله_سبحانه وتعالى_يحث كثيراً في كتابه على التعقل والتبصر؛ ولا أدل على ذلك من كثرة الآيات التي تُخْتَمُ بمثل قوله: [أّفّلا تّعًقٌلٍونّ] [لّعّلَّكٍمً تّعًقٌلٍون]؛لأن الإنسان إذا تفكر تذكر، وعرف الحق، وإذا تذكر خاف واتقى وانقاد.
قال تعالى :" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة : 164
وقال تعالى :"وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم : 24- والآيات فى ذلك كثيرة
وقد نقل عن الأئمة أنهم استدلوا على وجود الله تعالى بأشياء بسيطة يراها الإنسان باستمرار ، ولكنها الغفلة ، ومن ذلك :
ما نقل عن الإمام أبى حنيفة – رحمه الله –
عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -  أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى - فقال لهم : دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لى  أن سفينة في البحر فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتي تخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد فقالوا هذا شيء لا يقوله عاقل ،فقال :ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع فبهت القوم ورجعوا إلي الحق وأسلموا علي يديه
ما نقل عن الإمام مالك – رحمه الله –
" عن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - أن الرشيد سأله عن استدلاله على وجود الله ، فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات :
قال تعالى :
" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [الروم : 22
فلغات العالم لا يحصيها إلا الله تعالى ، وكذلك ألوان الناس وأشكالهم ، تجد الإنسان مثلا صورته واحدة من ناحية أن لكل إنسان أذنان وعينان وأنف وفم ، ومع ذلك لا تجد إنسانا يشبه الآخر فى كل شئ بل لا بد أن يفارقه ويختلف عنه فى أشياء – فسبحان الخلاق العظيم
ما نقل عن الإمام الشافعى – رحمه الله –
عن الشافعي - رحمه الله تعالي - أنه سئل عن وجود الخالق عز وجل فقال : هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الحرير ، وتأكله النحل فيخرج منه العسل ، وتأكله الشاء والبقر والأنعام فتلقيه بعرا وروثا ،وتأكله الظباء فيخرج منه المسك وهو شيء واحد
ما نقل عن الإمام أحمد – رحمه الله -
عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه سئل عن ذلك فقال ههنا حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب ،فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح – يقصد البيضة
ما نقل عن بعض الأعراب :
وسئل بعض الأعراب عن هذا: ما الدليل على وجود الرب تعالي ؟فقال : يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير وإن أثر الأقدام ليدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير
هل أنكر أحد وجود الله تعالى  ؟
لم ينكرْ وجود الله تعالى  أحدٌ من البشر، إلا طائفة من الشذاذ، المكابرين، المعاندين، المنكرين لما هو متقرر في فطرهم؛ فإنكارهم إنما كان بألسنتهم مع اعترافهم بذلك في قرارة أنفسهم.
ومن أشهر من عرف بذلك فرعون؛ الذي قال لقومه_كما أخبر الله عنه_: [أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى] (النازعات: 24)، وقال:[مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي](القصص: 38).
وكلامه هذا مجرد دعوى لم يَقُمْ عليها بينةٌ، ولا دليلٌ، بل كان هو نفسُه غير مؤمن بما يقول.
قال - سبحانه وتعالى - على لسان موسى - عليه السلام : [لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً] (الإسراء:102).
وأخبر_عز وجل_وهو العليم بذات الصدور_أن كلام فرعون ودعواه لم يكن عن عقيدة ويقين، وإنما هو مكابرة وعناد، قال_تعالى_:
[وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً](النمل: 14).
حوار موسى – عليه السلام – مع فرعون – لعنه الله –
" قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ "
فهذا الحوار يدل على أن فرعون لا يقوى على معارضة الدليل العقلى القائل بوجود الله تعالى ، بدليل اعترافه أنه بشر ككل البشر – قال تعالى "  فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون : 47
وممن أنكر ذلك_أيضاً_الشيوعيون، فلقد أنكروا ربوبية الله، بل أنكروا وجوده_سبحانه وتعالى_بناءً على عقيدتهم الخبيثة الفاجرة التي تقوم على الكفر بالغيب، والإيمان بالمادة وحدها.
وهم في الحقيقة لم يزيدوا على أن سموا الله بغير اسمه، بحيث ألَّهوا الطبيعة، ونعتوها بنعوت الكمال التي لا تليق بأحد إلا الله_عز وجل_، فقالوا: الطبيعة حكيمة، الطبيعة تخلق، إلى غير ذلك.
وكلامهم هذا باطل متهافت، بل إن أصحاب هذا المبدأ انشقوا على أنفسهم، ولعن بعضُهم بعضاً، وكَفَرَ بعضُهم ببعض.
والخلاصة : أن العقل يدل على وجود الرب – جل وعلا –
وله في كل شئ آية                      تدل على أنه الواحد.
إن انتظام هذا الكون بسمائه وأرضه ونجومه وأشجاره يدل دلالة قطعية على أن لهذا الكون خالقاً موحداً وهو الله سبحانه وتعالى : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) (67) .
فهذه الكواكب والنجوم - مثلاً - تسير على نظام ثابت لا يختل ، وكل كوكب يسير في مجال لا يتعداه ولا يتجاوزه .
يقول تعالى : ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (68)

الدلالة الفطرية على وجود الله
(4)

وقلنا أن الدلائل والوسائل التى تدل على وجود الرب – جل وعلا – أربعة وهى : دلالة العقل -  دلالة الفطرة - دلالة
فالعاقل يعلم أن الوجود ينقسم إلى قسمين : خالق ومخلوق ، فما دون الله فمخلوق ولا خالق له إلا الله
قال تعالى :
" اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر : 62
وقال تعالى :
" ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الأنعام : 102]
وقال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر : 3
وقعت مناظرة بين ملحد ومؤمن
قال الملحد للمؤمن : أنت تؤمن بوجود الله تعالى ، قال نعم ولا شك ولا ريب ، قال :هل رأيته ، قال: لا ، قال هل سمعته ؟ قال : لا ، قال: هل لمسته أو شممته ؟ قال : لا ، قال : فكيف تؤمن به
قال المؤمن للملحد : هل رأيت عقلك ؟ قال : لا قال : هل سمعته ؟ قال : لا ، قال : هل لمسته أو شممته ؟ قال : لا ، قال : كيف تزعم أنك عاقل – فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين "
قال الشاعر :
وكيف يصح فى الأذهان شئ      إذا احتاج النهار إلى دليل
وقال آخر :
وله فى كل شئ آية                    تدل على أنه واحد
: دلالة الفطرة :
ومعنى الفطرة : هي الجبلة والخلقة القابلة لدين الحق ، ودين الحق هو : اٍلإسلام ، وهذا المعنى بينه النبى – صلى الله عليه وسلم –
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه – صلى الله عليه وسلم – " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ،ثم اضطجع على شقك الأيمن ،ثم قل : اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك ،وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك ،لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ،آمنت بكتابك الذي أنزلت ،وبنبيك الذي أرسلت ،فإن مت من ليلتك مت على الفطرة " .
( رواه البخاري جـ1صـ96 ،ومسلم جـ4صـ2081 ) .
من فوائد هذا الحديث :
أولا: الشاهد من الحديث : أن النبى – صلى الله عليه وسلم – فسر الفطرة بالإسلام فى قوله " فإن مت من ليلتك مت على الفطرة " أى : مت على الدين الحق الذى هو الإسلام
ثانيا : دل الحديث دلالة واضحة على أن الإنسان ما خلق إلا لعبادة الله وحده لا شريك له ، وهذه العبادة تستغرق حياة العبد ، والذى يدل على ذلك : أن المسلم يبدأ يومه بالوضوء وصلاة الفجر ، أول ما يصنعه المسلم يبدأ يومه بالعبادة والطاعة لله رب العالمين بالوقوف بين يديه راكعا ساجدا ،
ثم إن المسلم يختم يومه كذلك بالوضوء مع التوجه لله تعالى بالدعاء الذى ملئ فى كل كلماته بالتوحيد والاستسلام لله رب العالمين
فإذا كان المسلم يبدأ يومه ويختمه بالعبادة والطاعة فعليه ألا يعصى الله فيما بين ذلك
ثالثا : كيف نختم نحن يومنا فى هذه الأيام ؟ الكثير منا عافنا الله وإياكم ، وتاب علينا وعلى المسلمين أجمعين ، يظلون ليلهم أمام الفضائيات يشاهدون ما حرم الله تعالى ، ثم ينامون على حالهم دون توبة وندم
وفريق آخر من الناس يظلون ليلهم أمام هذه الأفراح التى زينها الشيطان للناس وفيها ما فيها من المنكرات المحرمة ، ثم ينامون على حالهم وبالتالى لا يقومون لصلاة الفجر ، فيبدأون يومهم بالمعصية كما ختموه قبل ذلك بالمعاصى
هذا الإنسان الذى نام على معصية الله قد ينام ولا يقوم إلا إلى قبره ومن قبره إلى ربه ، فيقف بين يديه ليس بينه وبين الله تعالى ترجمان فيقول الله تعالى له : يا عبدى أتذكر يوم كذا وقد فعلت فيه كذا وكذا فكيف يكون الجواب بل كيف يكون الخلاص
إذا كنا لا نستحى من الله تعالى ، ألا نخاف منه ومن يوم كان شره مستطيرا
قال تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج : 1 يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج : 2]
كيف يكون حالنا إذا قال الله تعالى : يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ ؟ فَيَقُولُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ شَابَ الْمَوْلُودُ ، وَوَضَعَتْ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيد "
حديث آخر يدل على أن الإسلام هو الفطرة
وذلك فى كلمات الآذان
روى مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال :كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - إنما يُغِيرُ إذا طَلَعَ الفَجْرُ، وكان يستمِعُ الأذان ، فإنْ سمع أذانا أَمْسكَ ، وإلا أغارَ ، فسمع رجلا يقولُ: الله أكبر ، الله أكبر،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « على الفِطْرَةِ » ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خَرَجْتَ من النار » ، فَنَظَرُوا فإذا هو رَاعي مِعْزى.
يؤخذ من هذا الحديث :
أولا : لماذا كان تكبير الله تعالى دليل على الفطرة السليمة ؟
لأن المسلم متى كان مقدما طاعة الله تعالى على أى شئ آخر ، دل على تكبيره وتعظيمه لربه جل وعلا ، فمن قدم ما قدمه الله تعالى كان مكبرا معظما لربه – جل وعلا –
فهذا الراعى لم ينشغل بأغنامه عن العبادة التى دخل وقتها لتكبيره وتعظيمه لشعائر الله تعالى
قال تعالى :
" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت : 45
ثانيا : تكبير الله تعالى دليل على الرضا بالله – جل وعلا – ربا –
فالذين يرضون بحكم الله تعالى وشرعه هم الذين يكبرون ربهم ويعظمونه ،أما الذين يرفضون حكم الله تعالى ويصدون عن دينه وشرعه فهؤلاء ليسوا مكبرين لله الكبير المتعال ، بل إنهم بمثابة من قدموا غير الله على الله تعالى
قال تعالى :
" وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة : 50
وقال تعالى :
" أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [الأنعام : 114
ثالثا : الذين يدعون إلى الوطنية والديمقراطية أو العلمانية هؤلاء لم يكبروا الله تعالى ، لأنهم لو كبروا الله تعالى لقدموا منهاجه على كل المناهج
* الأمر بلزوم الفطرة :
أمر الله تعالى عباده بلزوم الفطرة ، التى هى الدين الحق
قال تعالى :
" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30] 
والفطرة التى أمر الله تعالى بلزومها هى : التوحيد الخالص
وبذلك أخذ الله تعالى العهد والميثاق على جميع الخلق وهم فى ظهور الآباء
قال تعالى :
" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) الأعراف
وقال تعالى :
"وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [المائدة : 7]
 وقال تعالى :
" أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يس : 60]
وقوله تعالى :
" وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الحديد : 8]  
دلت الآيات السابقة على أن الله تعالى جعل لكل إنسان فطرة تنزعه إلى الحق وقبوله ،ولولا ذلك لما كان لأخذ العهد من فائدة .
وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن كل إنسان يولد على الفطرة – أى على الدين الحق الذى هو الإسلام
1- التصريح بأن كل مولود يولد على الفطرة
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال " ما من مولود إلا يولد على الفطرة ،فأبواه يهودانه أو ينصرانه ،أو يمجسانه ،كما تنتج البهيمة بهيمة
جمعاء ،هل تحسون فيها من جدعاء " ثم يقول أبو هريرة – رضي الله عنه –
" فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30]
وهذا الحديث له عدة طرق أخرجها البخاري في صحيحه ،ومسلم ،وغيرهما .
2- الأحاديث الواردة في ذكر الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ،قال : فيقول : نعم ،فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ،قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي "
(رواه مسلم جـ4صـ2160 ،وأحمد واللفظ له ،حديث رقم 12289) .
وجه الدلالة من هذا الحديث وما جاء في معناه ،أن جمعا من أهل العلم فسر الفطرة بالميثاق .
3- دلالة السنة على أن الخلق خلقوا مفطورين على التوحيد " على الفطرة "
عن عياض بن حمار المجاشعي – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ذات يوم في خطبته – " ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا ،كل مال نحلته عبدا حلال ،وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ،وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ،وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا " (رواه مسلم حديث رقم 2865- جـ4صـ2196)


الدلالة الفطرية على وجود الله

(5)

هناك فائدتان تتعلقان بالدلالة الفطرية لا بد من الإشارة إليهما حتى تكتمل الفائدة
ولكن قبل الإشارة إلى هاتين الفائدتين أشير إلى فائدة أخرى فى غاية الأهمية وهى :
غفلة الإنسان عما خلق له: أكثر الناس إلا من رحم الله اهتمامهم الأول هو التمتع بالشهوات من الطعام والشراب والنساء ،وهذا هو اهتمام الكافرين الذين لا يعرفون ربهم – جل وعلا –
قال تعالى " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ [محمد : 12
وهذا هو اهتمام المجرمين من الناس الذين لا يؤمنون بالثواب والعقاب عند الله تعالى
قال تعالى " كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ [المرسلات : 46]
وهذا هو اهتمام التاركين للصلاة – كما قال تعالى :
" فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم : 59
والعجيب مع غفلة الإنسان عن غايته وهدفه نجد أن الحيوانات تعرف وتعلم لماذا خلقها الله تعالى

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهذَا؛ إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهذَا، أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "رواه البخارى ومسلم
فهذه البقرة أنكرت على هذا الرجل الذى ركبها وضربها أنها لم تخلق لمثل ذلك إنما خلقت للحرث وهى تريد أن تقوم بغايتها ، وكم من الناس يظلمون هذه الحيونات بضربها وسبها بل وتحميلها ما لا تطيق
روى أبو داود فى سننه والإمام أحمد فى مسنده بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ "أى تتعبه وتحمله ما لا يطيق
وانظر عباد الله كيف كانت تحن الحيوانات إلى نبينا – صلى الله عليه وسلم – بل والجمادات كانت تحن إلى نبينا – صلى الله عليه وسلم –
روى البخارى والنسائى عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما « أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أَلا أجْعَلُ لك شيئا تَقْعُدُ عليه ؟ فإن لي غلاما نجارا ، قال : إن شئتِ ، قال: فَعَمِلَتْ له المنبر ، فلما كان يومُ الجمعة قعد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على المنبر الذي صُنِع له فصاحت النَّخلةُ التي كان يخطب عندها ، حتى كادت تنشق - وفي أخرى : فصاحت النخلة صياح الصبيْ - فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذها فضمها إِليه ، فجعلت تَئِنُّ أنين الصبيِّ الذي يُسَكَّتُ،حتى استقرت ». قال:بكت على ما كانت تسمع من الذكر. أخرجه البخاري.
والناس لا يحنون إلى نبيهم ولا يشتاقون إليه مثل حنين وشوق هذا الجذع
بل والأعجب أن بعض الحيوانات يدعون إلى الإيمان برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإلى الاستماع إليه وإلى أحاديثه
روى الترمذى فى سننه والإمام أحمد فى مسنده بسند صحيح عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِى فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، فَقَالَ: أَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّى رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَىَّ، فَقَالَ: يَا عَجَبِى ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِى كَلاَمَ الإِنْسِ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِى يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُودِىَ بالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ للأَعْرَابِىُّ: أَخْبِرْهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ وَالَّذِى نَفْسِ مُحَمد بِيَدِهِ 00000 "
الذئب يدل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أما المسلمون اليوم يدل بعضهم بعضا على الفساد والشهوات ، يدل بعضهم بعضا عما يكون سببا فى البعد عن طريق النبى – صلى الله عليه وسلم – وعن هديه وشرعه
إن الجن سارعوا إلى الإيمان بالنبى – صلى الله عليه وسلم – بمجرد سماعهم إلى القرآن الكريم ، بل وانقبلوا دعاة يدعون أقوامهم إلى الإيمان
ففى أول سورة الجن قال تعالى " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً [الجن : 1 يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً [الجن : 2
وفى أواخر سورة الأحقاف قال الله تعالى " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ [الأحقاف : 29 قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف : 30  يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف : 31] وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الأحقاف : 32
فإذا كان الأمر كذلك فغايتنا – أيها المسلمون – أن نحيا عبادا لله فى جميع أمورنا
قال تعالى " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام : 162 لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام : 163

الدلالة الفطرية على وجود الله
(6)

فائدتان تتعلقان بالفطرة :
الفائدة الأولى: أسباب المحافظة على سلامة الفطرة :
خلق الله تعالى الخلق وفطرهم وجبلهم على توحيده كما قال تعالى " فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30
وقال – صلى الله عليه وسلم – " ما مِن مولودٍ إلا يُولَدُ على الفِطْرةِ » فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ، أوْ يُنَصِّرانِهِ ، أوْ يُمجِّسانِهِ ، كما تُنْتَجُ البَهيمَةُ بهيمةً جَمْعاءَ ، هلْ تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ ، ثم يقولُ أبو هريرة : { فِطرةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ }رواه البخارى
وفى الحديث القدسى الذى رواه مسلم فى صحيحه " وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم.وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم.وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم.وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا.
فإذا كان الأمر كذلك فما هى أسباب المحافظة على هذه الفطرة بصورة مجملة ؟
1 – السبب الأول : النظر والتأمل في ملكوت الله تعالى
أما دلالة الأفاق :
فمن خلال التأمل والتدبر في مخلوقات الله تعالى ،وفي كون الله الفسيح يقف الإنسان على دلائل عظمة الرب – جل وعلا – وعلى مظاهر قدرته ووحدانيته ،فإن ذلك من أعظم الأسباب التي تحرك الفطرة إلى الحق والتمسك به
قال تعالى" أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 185
وقال تعالى " أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ - وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ - تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [قـ 6-8
وقوله سبحانه " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ"رواه البخارى
فهذه دلائله سبحانه في الأفاق
من العجائب :  ما ذكره الإمام الرازى رحمه الله فى تفسيره حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال كنت ضيفاً لبعض القوم فقدم المائدة ، فنزل غراب وسلب رغيفاً ، فاتبعته تعجباً ، فنزل في بعض التلال ، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه .
وروى ذي النون أنه قال : كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي ، وصرت بحيث ما ملكت نفسي ، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل ، فرأيت عقرباً قوياً يعدو فتبعته فوصل إلى طرف النيل فرأيت ضفدعاً واقفاً على طرف الوادي ، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب ، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل ، ونزل العقرب من ظهره ، وأخذ يعدو فتبعته ، فرأيت شاباً نائماً تحت شجرة ، ورأيت أفعى يقصده فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى فوثب العقرب على الأفعى فلدغه ، والأفعى أيضاً لدغ العقرب ، فماتا معاً ، وسلم ذلك الإنسان منهما "
وأما دلالة الأنفس "
فالنفس آيةٌ كبيرةٌ من آيات الله الدالة على ربوبيته، ولو أمعن الإنسان النظر في نفسه وما فيها من العجائب لعلم أن وراء ذلك رباً حكيماً خالقاً قديراً.
قال تعالى:[وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ](التغابن: 3)
وقال تعالى :"هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران : 6
ففى قوله تعالى " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق : 5] 
وقوله سبحانه "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات : 21]  
يكفيك مثلا أن تتأمل فى المراحل التى يمر بها الإنسان من خلال قوله تعالى :
" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم : 54
أي بدأكم وأنشأكم على ضعف وقيل من ماء ذي ضعف وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان كان جنيناً ثم طفلاً مولوداً ومفطوماً فهذه أحوال الضعف { ثم جعل من بعد ضعف قوة } يعني من بعض ضعف الصغر شباباً وهو وقت القوة { ثم جعل من بعد قوة ضعفاً } يعني هرماً { وشيبة } وهو تمام النقصان { يخلق ما يشاء } أي من الضعف والقوة والشباب والشيبة وليس ذلك من أفعال الطبيعة بل بمشيئة الله وقدرته { وهو العليم } بتدبير خلقه { القدير } على ما يشاء .
وقد جمع الله تعالى بين دلالتي الأنفس والأفاق – في قوله تعالى –
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت : 53] 
والدليل على أن الفطرة تتأثر بالتفكر والتدبر– أمران
الأول: ثناء الله تعالى ومدحهم لمن تفكر وتتدبر في آيات الله
قال تعالى" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران : 191] 
الأمر الثاني : أن الله جل وعلا ذم المعرضين عن التدبر والتفكر
قال تعالى" سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف : 146] 
وقال جل وعلا " وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف : 105] وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف : 106]
وقال سبحانه "  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج : 46]
وقد ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله – إن التأمل والتدبر من أسباب صلاح الفطرة ،وخروج بها عن الغفلة التي قد تتعرض لها
وضوح الحق لأنه نزل من عند الحق بالحق
فالآيات الكونية خلقها الله بالحق مما يدل على ظهورها على عظمة الرب جل وعلا وعى وجوب إفراده بالعبادة وحده سبحانه
قال تعالى :
"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر : 85
وقال تعالى : " أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم : 8
أما الذين كفروا هم الذين يعتقدون ويظنون أن الباطل فى خلق الله تعالى
قال تعالى
" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [صـ : 27]
وكذلك أنزل الله كتابه وشرعه بالحق الواضح المبين
قال تعالى
"وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً [الإسراء : 105
وقال تعالى :
" إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [الزمر : 2
وقال تعالى :"إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ [الزمر : 41
إذن الذين ينحرفون إنما ينحرفون على علم ليس لأجل جهلهم بالحق وإنما أكثر الناس إلا من رحم الله تعالى يكرهون الحق وهذا هو الإجرام – كما قال تعالى
" إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ *َمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ *وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ *لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف 74: 78
وقال تعالى " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ [سبأ : 31 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ [سبأ : 32 وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ : 33
وقال تعالى" وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر : 71
 المنافقون هم الذين يبغضون ويكرهون ما أنزل الله تعالى على رسوله
قال تعالى
"ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 9
2 – السبب الثاني : إرسال الرسل وإنزال الكتب
من أسباب سلامة الفطرة والمحافظة عليها : إرسال الرسل وإنزال الكتب ،لأن الفطرة مركوز فيها معرفة الله تعالى ومحبته والإخلاص له والإقرار بشرعه ،وإيثاره على غيره ،فهي تعرف ذلك على وجه الإجمال وبعض التفصيل ،فكانت وظيفة الرسل هي التذكير والتنبيه عليها مع التفصيل والبيان اللازم لذلك ،وفي المقابل بيان موانع المحافظة على الفطرة ،فإن جميع الشرائع إنما جاءت على لسان الرسل لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وإباحة الطيب وتحريم الخبيث ،والأمر بالعدل والنهي عن الظلم ،وهذا كله مركوز في الفطرة السليمة ،أما كمال تفصيله وتوضيحه موقوف على الرسل
ولأجل ذلك أخبر الله تعالى في آيات كثيرة في القرآن الكريم أن كتابه ورسوله مذكر وذكرى وتذكرة
قال تعالى " فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى : 9]  
وقال سبحانه " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر : 17] 
وقال سبحانه" فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [قـ : 45]  
وقال جل وعلا" وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات : 55
إلى غير ذلك من الآيات . 
فإتباع الرسل وما جاءوا به دليل على سلامة الفطرة والمحافظة عليها ،كما أن الإعراض عما جاءت به الرسل هو الانحراف والفساد لهذه الفطرة .
وهل الإعراض عن إفراد الله تعالى بالعبادة ،وعبادة غيره – جل وعلا – إلا فساد وانحراف للفطرة .
وهلالإعراض عن شرع الله وحكم الله ،إلى حكم وشرع وقوانين البشر إلا انحراف وفساد للفطرة السوية
وهل الإعراض عن منهج الله تعالى إلى مناهج البشر إلا انحراف للفطرة .
وهل الإعراض عن العفة والحياء إلى الدعوة إلى الزنا والشذوذ إلا فساد للفطرة .
3 – السبب الثالث : نزول البلاء بالناس من المصائب والكوارث وما يتبع ذلك من خوف وضر
هذا السبب من الأسباب التي توقظ الفطرة وتجليها ،وتخرجها من الجحود والضلال الذي قد يغطيها لفترة ،ثم يزول بمثل هذا السبب ،فتلجأ إلى الله وتعود إليه ،وحال المشركين بربهم جل وعلا اكبر دليل على ذلك ،فكانوا مع شركهم وكفرهم بالله يرجعون إليه وقت الشدائد والمحن
قال تعالى " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس : 22]
وقال تعالى " وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر : 8] 
فإن لجوء الكفار والمشركين إلى الله تعالى حال الشدة والكرب والبلاء دليل واضح على ما يوجد في الفطرة من معرفة بالله تعالى ،ووجوب الإخلاص له وحده لا شريك له .
وقال تعالى :
" قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأنعام : 40 بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام : 41
وقال تعالى :
" وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً [الإسراء : 67
وقال تعالى :
" فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت : 65 لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [العنكبوت : 66
وقد ذكر محمد بن إسحاق، عن عكرمة بن أبي جهل: أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارًّا منها، فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة، اضطربت بهم السفينة، فقال أهلها: يا قوم، أخلصوا لربكم الدعاء، فإنه لا ينجي هاهنا إلا هو. فقال عكرمة: والله إن كان لا ينجي في البحر غيره، فإنه لا يُنَجّي غيره في البر أيضا، اللهم لك عليَّ عهد لئن خرجتُ لأذهبن فلأضعَنّ يدي في يد محمد فلأجدنه رؤوفًا رحيما، وكان  كذلك."تفسير ابن كثير  ج6ص295
فإذا كان هذا حال مشركي العرب وغيرهم قبل الإسلام ،فما هو القول في أناس ينتسبون إلى الإسلام يلجأون وقت الشدة قبل الرخاء إلى غير الله تعالى ،لا شك أن فطرتهم قد فسدت فسادا كبيرا .
4– السبب الرابع : تقوى الله العظيم .
وحقيقة التقوى هي : امتثال ما أمر الله تعالى به ،مع اجتناب ما نهى عنه – جل وعلا – فإذا امتثل العبد ما أمر الله به فإنه بذلك يحافظ على سلامة فطرته من كل ما يشوبها ويكدر صفائها ونقائها .
ولأهمية التقوى في حفظ الفطرة السليمة نقية تجد أن الله تعالى أمر عباده في كثير من المواضع بهذه التقوى
بل هي التقوى هي وصية الله تعالى للناس أجمعين الأولين منهم والآخرين
قال تعالى " وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً [النساء : 131] 
ومن الملاحظ أن الله تعالى يقرن كثيرا بين التقوى ومسائل وقضايا التشريع الإسلامي ،وذلك لاستمرار المحافظة على الفطرة
قال تعالى " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة : 231] 
هذا فيما يتعلق بأحكام الطلاق وفيما يتعلق بالأسرة والمحافظة على الأولاد فيما يتعلق بالرضاع وغيره
قال تعالى " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة : 233]   
وهكذا في معظم قضايا التشريع
وكذلك نجد أن الآيات التي تحدثت عن اليوم الأخر وأهواله لا تكاد تخلو من الأمر بالتقوى ،لأن التقوى هي السياج القوي الذي يحافظ على الفطرة من الرذائل والآثام ،ومن ذلك :
قوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)  
وقوله تعالى" وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة : 281] 
فإن المتقين سرعان ما يرجعون إلى الله تعالى إذا تعرضوا إلى ما يكون سببا في المعصية ،فبمجرد أن يذكر يتذكروا ،كما قال تعالى :
" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف : 201] 
بل إن الله تعالى جعل التقوى هي المقياس الحقيقي عنده لهذا الإنسان
لقوله تعالى" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13]

أسباب فساد الفطرة
(أ)


أما الفائدة الثانية : وهى أسباب فساد الفطرة
ما هى العوامل التى تكون سببا فى فساد الفطرة وانحرافها وتغييرها؟
يمكن تلخيص ذلك فى عدة أسباب رئيسية وهى :
السبب الأول : الشيطان الرجيم عليه لعنات رب العالمين
الشيطان هو العدو الأول لبنى آدم وهو العدو المبين الظاهر بعداوته للإنسان ، لذلك حذرنا الله تعالى من هذا العدو وأخبرنا بعداوته لنا فى مواضع كثيرة فى القرآن الكريم
قال تعالى" إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر : 6]
فقد أخبرنا الله تعالى بعداوة الشيطان لنا فالواجب علينا أن نناصبه العداء وإلا فنحن علمناه عدوا ولم نناصبه العداء
وقال تعالى "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{[سورة البقرة: 208].
وقد ذكرنا الله تعالى وحذرنا أيضا بما فعله الشيطان مع الأبوين ، آدم وحواء ، فقال تعالى "{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ{[سورة الأعراف: 27].
ولم يقتصر البيان القرآني الكريم على هذا بل قد كشف للناس المخطط الشيطاني، حتى يبصر كل ذي عينين ويتفكر أولوا الألباب فقال تعالى عن إبليس:" {وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {119} يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا{[سورة النساء: 118 - 120] .
ثم يذكر الله للناس مشهداً من مشاهد يوم القيامة حين يندم أولياء الشيطان ولات ساعة مندم فيقول سبحانه: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ {59} أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {60}وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{ [سورة يس: 59 - 61].
ومشهد آخر لإبليس حين يتبرأ من أتباعه:
قال تعالى {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [سورة إبراهيم: 22].
إذن هناك حرب دائرة ومستمرة بين حزبين لا ثالث لهما ، حرب بين حزب الله من جانب وبين حزب الشيطان من جانب آخر
فأما حزب الله تعالى فقائم على الولاء والنصرة والمحبة لله تعالى ولدينه ولعباد الله المؤمنين ، مع بغضهم وعداوتهم لأعداء الله تعالى وإن كانوا أقرب قريب
قال تعالى " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة : 22]
حزب الله قائم أيضا نصرة دين الله تعالى بالجهاد فى سبيل الله وعدم الخوف إلا من الله تعالى مع إقامتهم لشعائر الله تعالى
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة : 54] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة : 55] وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة : 56]
أما حزب الشيطان فقائم على النفاق والكفر وموالاة بعضهم بعضا ومعادة وبغض حزب الله تعالى
قال تعالى " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة : 22]
وقال تعالى " كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر : 16] فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ [الحشر : 17]
فائدة :الفرق بين الحزبين
صفة تميز حزب الله تعالى من حزب الشيطان ، وهى صفة أيضا دائمة مستمرة بين أولياء الله وبين أولياء الشيطان ، وهذه الصفة تتعلق بالقرآن الكريم ، فحزب الله وأولياؤه يحبون القرآن ويعملون بما فيه ويحبون تطبيق هذا القرآن فى أرض الله ولأجل ذلك يبذلون أرواحهم وأموالهم
قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر : 29]
أما الشيطان وحزبه فينفرون من سماع القرآن ويكرهون سماعه ويكرهون العمل بما فيه
قال تعالى "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت : 26]
بل نجد حزب الشيطان من العلمانيين والديمقراطيين عندما يتلى عليهم القرآن بما فيه من أحكام ووجوب تطبيقه تجدهم يتلونون ويظهر ذلك على وجوههم وأقوالهم وأفعالهم
قال تعالى " {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفأنبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ [سورة الحج: 72].
إنهم لا يناهضون الحجة بالحجة ، ولا يقرعون الدليل بالدليل إنما هم يلجأون إلى العنف والبطش عندما تعوزهم الحجة ويخذلهم الدليل . وذلك شأن الطغاة دائماَ يشتجر في نفوسهم العتو ، وتهيج فيهم روح البطش ، ولا يستمعون إلى كلمة الحق لأنهم يدركون أن ليس لهم ما يدفعون به هذه الكلمة إلا العنف الغليظ!
حزب الشيطان لا يريد هذا القرآن بل هم فى سعى دائم إلى تغييره من واقع الناس أو تبديله ، هذا الطلب الذى يطلبه المشركون اليوم هو نفس الطلب الذى طلبه المشركون من النبى – صلى الله عليه وسلم –
قال تعالى " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{15} يونس
من الأدلة النبوية التى تدل على أن الشيطان يفسد فطرة بنى آدم – روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حَمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مِمَّا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ، وَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنَّ كُلَّ مَا لِي نَحَلْتُهُ عِبَادِي ، فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا"
الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ، أى أنه ملازم له على الدوام ولا يفارقه إلا بمفارقة روح الإنسان له
روى البخارى ومسلم  عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها قَالَتْ : ( كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَكِفًا . فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً . فَحَدَّثْتُهُ , ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ , فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي - وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : عَلَى رِسْلِكُمَا . إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ . فَقَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ . وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً- أَوْ قَالَ شَيْئاً )
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «ما منكم من أحد إِلا وقد وُكِّلَ به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة، قالوا: وإِيّاك يا رسول الله؟ قال: وإِيايَ ، إِلا أَنَّ الله أعانني عليه فأَسْلَمَ ، فلا يأمرني إِلا بخير». أخرجه مسلم.
بل إن الشيطان لعنه الله يبدأ رحلته مع الإنسان بمجرد ولادته
عَن عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ صحيح البخاري
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ صحيح البخاري.
فالشيطان المريد له طرق متعددة فى إضلال العبيد ، كما أخبرنا ربنا العظيم الحميد حكاية عن الشيطان الرجيم
قال تعالى " قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف 14: 18]
فالشيطان لعنه الله يقعد للإنسان بكل الطرق والسبل ليصده ويبعده عن طريق الله المستقيم
روى النسائى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ"
ولا شك أن الشيطان لعنه الله ظفر بكثير مما كان يرجوه من إضلال الناس ، كما قال تعالى " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ : 20] وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ : 21]
أما طرق الشيطان التى يسلكها مع بنى آدم فهى باختصار :
المسلك الأول : مسلك الكفر والشرك ومعادة الله ورسله ، ومتى ظفر الشيطان بذلك من ابن آدم استراح منه وصار من جنوده وأعوانه
وكان أول شرك وكفر وقع فى الأرض فى قوم نوح – عليه السلام بسبب الشيطان الرجيم
عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال "كَانَ بَيْنَ آدَمَ، وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْهُدَى، وَعَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا، وَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ "
والدليل قول الله تعالى : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } [ نوح : 23 ] . قال ابن عباس رضي الله عنهما : « أسماء رجال صالحين من نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلم عُبِدَتْ »رواه البخاري في صحيحه ( كتاب التفسير باب : ( ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ) برقم : 4920 ).
ومن صور هذا المسلك :
أ- التشكيك فى وجود الله تعالى
روى ابن حبان فى صحيحه والبخارى فى صحيحه ومسلم كذلك عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ ، فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ؟ فَيَقُولُ : اللَّهُ ، فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ ؟ فَيَقُولُ : اللَّهُ ، فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ، فَلْيَقُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ"
ب- ومن صور التشكيك أيضا التشكيك فى اختصاص الله تعالى بالتحليل والتحريم
وهذا واقع فى عصرنا تماما كما وقع لليهود والنصارى
قال تعالى " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة : 31]
فالتحليل والتحريم من أخص خصائص الرب جل وعلا
قال تعالى "قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [الأنعام : 151]
وقال تعالى "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف : 33]
وقال تعالى "قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ [يونس : 59]
وقال سبحانه"وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [النحل : 116]
ج- التشكيك فى بعض العقائد الصحيحة
فقد شكك الشيطان لعنه الله طوائف من الناس فى أمر البعث والنشور والوقوف بين يدى الجبار – جل فى علاه –
قال تعالى "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سبأ : 3]
وقال تعالى"بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً [الفرقان : 11]
وقال تعالى "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن : 7]
د- التشكيك فى الصلاة عن طريق الوسوسة
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ حَالَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي ،يُلَبِّسُهَا عليَّ فَقَالَ : ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ : خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذَ مِنْهُ ، وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثًا ففعلتُ ذلك فأذْهَبَهُ اللهُ عني"رواه مسلم وأحمد
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَيَلْبِسُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصحيح سنن الترمذي
السبب الثانى من هذه الأسباب هو : البيئة الفاسدة
والمراد بالبيئة الفاسدة :كل ما يؤثر فى الإنسان ويتسبب فى تغيير سلوكه الذى وجد عليه  سواء كان هذ المغير سببا ماديا أو بشريا أو معنويا ، ولا شك أن الإنسان يتأثر بمن حوله كما أنه يؤثر فيمن حوله
أول المؤثرات البيئية التى تؤثر على الفطرة هى : الأسرة  ويدخل فى ذلك دخولا أوليا : الأبوين ، والدليل على ذلك :
ما ثبت فى الصحيحين عن أبى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ - ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "فطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ "
فالحديث يدل على عدة أمور :
الأمر الأول : أن كل مولود يولد على الإسلام لأن هذا هو الأصل بدليل ما جاء فى الحديث أن النبى – صلى الله عليه وسلم -  أخبر أن الأبوين يتسببان فى تغيير فطرة الإنسان إما إلى اليهودية أو إلى النصرانية أو إلى المجوسية أو إلى الشرك ، ولم يذكر النبى – صلى الله عليه وسلم – أن هذا التغيير يكون إلى الإسلام ، فلم يقل أو يسلمانه ,لأنه على الإسلام ولد
الأمر الثانى : الدلالة على أن الوالدين لهما دخل كبير فى التأثير على ديانة الأولاد ،لقول النبى – صلى الله عليه وسلم – فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه ، فأسند النبى – صلى الله عليه وسلم – الفعل إلى الأبوين لشدة تأثيرهما على الذرية
الأمر الثالث : أن هذا الحديث فيه الدلالة الكافية فى بيان نعمة الله علينا جميعا أن خلقنا الله تعالى من أبوين مسلمين وجعلنا من الموحدين له – جل وعلا – دون عناء أو مشقة منا فى الوقت الذى نرى فيه أكثر الناس على الشرك والضلال –
قال تعالى " يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات : 17]
وقال تعالى " وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء : 83]
وقال تعالى " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور : 21]
فى الوقت الذى نجد فيه أن الله تعالى وصف أكثر الخلق بالضلال والكفران قال تعالى " وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ [الأنعام : 116]
وقال تعالى " وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف : 103]
وفى التعقيب على القصص القرآنى المذكور فى سورة الشعراء يقول تعالى " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ [الشعراء : 67]
وقال تعالى " وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ [الأعراف : 102]
لأجل سلامة التوحيد والمحافظة عليه نجد أن الله تعالى نهى عن طاعة الوالدين فى المعاصى وعلى رأس المعاصى الإشراك بالله تعالى
قال تعالى " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت : 8]
وقال تعالى " وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان : 15]
روى مسلم وغيره نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقَّاص لما أسلم ، وكان بارًّا بأمه ، فقالت أمه : ما هذا الدين ! والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنتَ عليه ، أو أموت ، فمكثت كذلك أيَّامًا ، فجاءها سعد فقال : يَا أمَّاه لو أن لك مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني ، فكلي إن شئتِ ، أو اتركي ، فلما أيست منه أَكَلَت وشَرِبَت ، فأنزل الله هذه الآية : " وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ، فنهى تعالى عن طاعتهما في المعصية وأمر ببرهما ، لما قال في الآية الأُخرى : " وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً " [ لقمان (15) ] .
وقد أخبرنا الله تعالى أن من أسباب الضلال والانحراف عن الفطرة التمسك بالضلال الذى كان عليه الأباء والأجداد
قال تعالى " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة : 170
وقال تعالى " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [لقمان : 21
بل أخبرنا الله تعالى أن المشركين يرفضون ما أنزله جل وعلا – لكونهم اكتفوا بما كان عليه الأباء
وقال تعالى "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة : 104]
بل إنهم يرفضون الهدى والحق طالما أنه لم يأت عن طريق آبائهم وأجدادهم
وقال تعالى " بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف 22: 24
والشاهد :
أن الأولاد يدينون غالبا بما يجدون عليه الأبوين فهذا صار نصرانيا لأنه ولد من أبوين نصرانيين ، وهذا صار يهوديا لأنه ولد من أبوين يهوديين ، وهذا صار مبتدعا لأنه ولد من أبوين مبتدعين ، وهذا صار علمانيا لأنه ولد من أبوين علمانيين ، وهكذا
الثانى من هذه المؤثرات البيئية التى تؤثر على الفطرة : الأصحاب والأقران
ومما يدل على ذلك قصة عم النبى – صلى الله عليه وسلم –عند وفاته
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَنَزَلَتْ
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة : 113
وَنَزَلَتْ :
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص : 56
لذلك حث وحض النبى – صلى الله عليه وسلم – على مجالسة الصالحين وحذر من مصاحبة الأشرار والفاسقين
عَنْ أَبِي مُوْسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً." رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
فالصحبة دليل وبرهان على الحال ، بمعنى أن الإنسان يحكم عليه بالصلاح والفساد من خلال أقرانه وأصحابه ، والشاهد على ذلك ما جاء فى الحديث
 روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذى عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ ،وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِلُ " قال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد
فالمسلم لا يجالس أهل الفساد وأهل الخوض فى الدين بالباطل قال تعالى " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام : 68]
فالجلوس مع أإهل الباطل يؤدى لا محالة إلى الوقوع فى الإثم الكبير – كما قال تعالى " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام : 68]

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
                                           فكل قرين بالمقارن يقتدي
النجاة من مثل ذلك يتمثل فى حسن الصحبة والاختيار كما أمر الله تعالى نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يحبس نفسه مع المؤمنين الصالحين وإن كانوا من الضعفاء الفقراء
قال تعالى "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف : 28]
الثالث من هذه المؤثرات التى تؤثر على الفطرة :المؤسسات التربوية والتعليمية ووسائل الإعلام
أما وسائل الإعلام فنسأل الله السلامة والعافية فأمرها ظاهر ومعلوم فهدفها الأول هدم القيم والأخلاق ونشر الفواحش بين الناس ، وأظن أنهم نجحوا فى ذلك نجاحا كبيرا
وأما وسائل التربية والتعليم فحدث ولا حرج ، فهم يعملون على إفساد فطر الناس من المراحل الأولى فى التعليم
مثال : فى كتاب التربية الدينية للصف الثانى الإبتدائى وفى الدرس الأول من الكتاب : بعنوان الله موجود   
قالت : أختى : وأين الله يا أبى ؟ قال الله موجود فى كل مكان "
فهذه عقيدة خاطئة مصادمة للفطرة التى فطر الله تعالى الناس عليها " فالله تعالى يقول " الرحمن على العرش استوى " ويقول "  أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك : 16]
وفى صحيح مسلم أن النبى – صلى الله عليه وسلم – سأل جارية : أين الله ؟ فقالت فى السماء ، قال : ومن أنا قالت : رسول الله ، قال : اعتقها فإنها مؤمنة "
ويكفى أن نعلم أن مادة الدين ليست مادة أساسية تضاف إلى المجموع ودائما ما يجعلون هذه المادة فى آخر اليوم الدراسى أو يأتى المدرس ويخرجهم إى حوش المدرسة لكى يلعبوا 
فلا بد إذن من الاهتمام بتربية الأولاد وتعليمهم أمور الدين بعيد عن مناهج التعليم فى المدارس والجامعات
والذى نستخلصه من هذا السبب الذى يؤدى إلى فساد الفطرة عن طريق البيئة الفاسدة :
1- حين الاختيار عند الزواج
2- يترتب على ذلك حسن تربية الأولاد
3 الاهتمام بالأولاد ومتابعتهم وإبعادهم عن قرناء السوء
الدلالة الحسية على وجود الله
المراد بالدلالة الحسية هو ما يعلم ويثبت بالمحسوس وبالملموس عن طريق الحواس التى خلقها الله تعالى لإنسان ،كالسمع والبصر
أولا :نعرف الله تعالى وأنه موجود عن طريق إحياءه للموتى، والأمثلة على ذلك فى القرآن كثيرة ومتعددة
فمن ذلك: أن قوم موسى – عليه السلام - حين قالوا له : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فأماتهم الله تعالى ، ثم أحياهم
وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ* ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
مثال آخر : في قصة الذي مر على قرية ميتة فاستبعد أن يحييها الله تعالى فأماته الله مائة عام ثم أحياه
قال تعالى "أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
مثال ثالث : فى قصة إبراهيم – عليه السلام وإحياء الله تعالى له الطيور التى ذبحها وفرقها
قال تعالى "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة : 260]
ثانيا :نعرف الله تعالى وأنه موجود عن طريق إجابته لدعاء الداعين
فكم من إنسان مكروب أو مهموم دعا ربه فاستجاب له ،حتى أن الله تعالى استجاب لشر الخلق على الإطلاق وهو إبليس – لعنه الله –
قال تعالى " قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ & قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ & إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر 36: 38
فمن أعظم العبادات التى تعبدنا الله بها وتدل على وجود الرب جل وعلا – عبادة الدعاء ، لذلك نجد أن الأنبياء والرسل كانوا دائما متضرعين إلى ربهم بالدعاء
قال تعالى عن نوح – عليه السلام – " كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ & فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ& فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ& وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ & وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ & تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ& وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ& فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر 9: 16
وكذلك دعا موسى – عليه السلام – على فرعون وقومه فأهلكهم الله تعالى
قال تعالى " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ  & قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ & وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ  & آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ  & فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس 88: 92
وفرعون موسى – عليه السلام - يوجد الآن بجسده دون روحه ، والفرعون الحالى يوجد بجسده وروحه – فسبحان رب العرش العظيم
وكذلك دعا لوط – عليه السلام – على قومه لما وجدهم مصرين على الكفر وفعل الفواحش فأهلكهم الله تعالى
قال تعالى " وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ & أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ & فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ & فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ & وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ [النمل 54: 58
وفى موضع آخر من سورة هود – قال تعالى " فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ & مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود 82: 83
وكذلك كان الأنبياء يضعون حاجاتهم بين يدى ربهم جل وعلا فلا يلجأون إلا إليه
قال تعالى عن أيوب – عليه السلام " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ & فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء 83: 84
وكذلك دعا يونس – عليه السلام – ربه لما وقع فى الكرب والبلاء – قال تعالى " وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ & فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء 87: 88
وكذلك حال النبى – صلى الله عليه وسلم والصحابة
مثال على ذلك: من غزوة برد الكبرى "
قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال : 9
وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم - فَبَيْنَا النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا . فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَمَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ ?فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ ، وَمِنَ الْغَدِ ، وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِى يَلِيهِ ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى ، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِىُّ - أَوْ قَالَ غَيْرُهُ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا . فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ، وَلاَ عَلَيْنَا » . فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ ، وَسَالَ الْوَادِى قَنَاةُ شَهْراً ، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ"
وكذلك حال المؤمنين دائما أنهم يتضرعون إلى ربهم فى جميع الحالات قال تعالى " أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل : 62
قال ابن كثير فى تفسيره عند تفسير هذه الآية " وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل -حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدّينَوَري، المعروف بالدّقّيِّ الصوفي -قال هذا الرجل  : كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزّبَدَاني، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على بعض الطريق، على طريق غير مسلوكة، فقال لي: خذ في هذه، فإنها أقرب. فقلت: لا خبرَةَ لي فيها، فقال: بل هي أقرب. فسلكناها فانتهينا إلى مكان وَعْر وواد عميق، وفيه قتلى كثير، فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل. فنزل وتشمر، وجمع عليه ثيابه، وسل سكينا معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله وقلت: خذ البغل بما عليه. فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك. فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين؟ فقال: [صل] وعجل. فقمت أصلي فَأرْتِج عليَّ القرآن فلم يَحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول: هيه. افرُغ. فأجرى الله على لساني قوله تعالى: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } ، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربة، فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده، فخر صريعًا، فتعلقت بالفارس وقلت: بالله مَنْ أنت؟ فقال: أنا رسول[الله] الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء. قال:فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما"اهـ         ج6ص205-206
ثالثا :من طرق معرفة الخالق عن طريق الحس هداية المخلوقات
قال تعالى " قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى & قَالَ رَبُّنَا الَّذِي َأعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه 49: 50
وهِدايةُ الله تعالى للإِنسان على أَربعةِ أَضرب:
الأَوّل:الهِداية التى عَمَّ بها كُلَّ مكلَّفٍ من العَقْل والفِطْنَة والمَعارف الضروريّة، بل عمّ بها كلَّ شىءٍ حَسَبَ احتمالِه، كما قال تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.
الثانى:الهِداية التى جُعلت للنَّاسِ بدُعائه إِيّاهم على أَلْسِنَةِ الأَنبياءِ وإِنْزالِ القرآن ونحوِ ذلك، وهو المقصودُ بقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}.
الثالث: التَّوفيقُ الذى يختصّبه من اهْتَدى، وهو المعنِىُّ بقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى}، وقوله: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.
الرّابع:الهدايَةُ فى الآخرة إِلى الجنَّة، وهو المعنىُّ بقوله: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذا}.
تجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، فالطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه، وانظر إلى أدنى الحشرات النمل مثلاً لا تصنع بيوتها إلا في مكان مرتفع على ربوة من الأرض تخشى من السيول تدخل بيوتها فتفسدها، وإذا جاء المطر وكان في جحورها، أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة لئلا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهد مجرب من الذي هداها لذلك؟ إنه الله عز وجل، وهذه هداية كونية أي: أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه.
رابعا :نعرف الله تعالى بنعمه وآلائه العظيمة
قال تعالى " وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل : 18
وقال تعالى " وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل : 53
من العجيب أننا لا نعرف قيمة الشئ وقيمة النعم إلا بعد فقدها فهذه الشمس وهذا الهواء الذى لا يعيش الإنسان بدونه ، انظر إلى الليل والنهار وما فيما من العجائ التى تدل على الرب جل وعلا
قال تعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [الإسراء : 12
وقال تعالى " وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت : 37


























0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^