رسالة الفتح المبين فى أسباب النصر والتمكين



الفتح المبين فى أسباب النصر والتمكين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
إن الله تعالى برحمته التى وسعت كل شئ جعل العاقبة للمتقين ، فدائما المآل يكون لعباد الله المحققين لتقوى الله العظيم
قال تعالى :
" تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود : 49
هذه الآية المباركة ذكرها الله تعالى تعقيبا على قصة نوح – عليه السلام – مع قومه – وكيف أهلك الله تعالى قوم نوح بالغرق ، ونجى نوحا – عليه السلام ومن معه – لأن العاقبة للمتقين
قال تعالى :
" قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [هود : 48
ثم قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم – تسلية له ولمن معه من المؤمنين وأن العاقبة لهم على المشركين كما كانت العاقبة لنوح – عليه السلام – ولمن معه على الكافرين "
" تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود : 49
وقال تعالى :" تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص : 83
وهذه الآية جاءت فى أواخر سورة القصص تعقيبا على ما كان من فرعون وعلوه فى الأرض وفساده وإفساده كما ذكر الله تعالى عنه فى أول السورة
قال تعالى :
" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص : 4
فكان جزاؤه ومن معه الغرق ونجا الله تعالى موسى – عليه السلام – ومن معه ،
قال تعالى :" فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ َوأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "
وكذلك جاءت الآية تعقيبا على قصة قارون الذى استكبر على الناس بماله ، وكفر بنعمة الله عليه وقال :
" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ " فكان جزاؤه الخسف ليكون عبرة لغيره
قال تعالى :
" فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ "
ورجع الذين كانوا يتمنون أن يكون لهم مثل ما كان لقارون لما وقفوا على عاقبته ونهايته – قال تعالى :
" وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ "
ثم كان هذا التعقيب "
" تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص : 83
يستفاد من ذلك : أن النصر والتمكين والعاقبة دائما لجند الله الموحدين
وقال تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) [الصافات/171-182] }
دوافع المسلم على العمل لدين الله تعالى يكمن فى عدة أمور :
الأمر الأول : أن العمل لدين الله تعالى فرض على كل مكلف كل على حسب استطاعته ، فتعبيد الناس لربهم مهمة هذه الأمة ، ولأجل هذه المهمة أرسل الله تعالى رسوله بالجهاد فى سبيل الله للقضاء على الشرك والمشركين – قال تعالى :
" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الأنفال : 39
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" رواه مسلم
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :(بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.) رواه أحمد وصححه ابن رجب والشيخ الألبانى
قال ابن رجب فى الحكم الجديرة
" والذي يظهر إن في القرآن أربعة سيوف :
1- سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا ، فأما منّاً بعد وإما فداء 2- وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة ، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب ، 3- وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ،
4- وسيف على أهل البغي ، وهو المذكور في سورة الحجرات . ولم يسل صلى الله عليه وسلم هذا السيف في حياته ، وإنما سله علي رضي الله عنه في خلافته . وكان يقول : " أنا الذي علمت الناس قتال أهل القبلة "
وله صلى الله عليه وسلم سيوف أخر ، منها :
1- سيفه على أهل الردة وهو الذي قال فيه : " من بدل دينه فاقتلوه " . وقد سله أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعده في خلافته على من ارتد من قبائل العرب .
2- ومنها سيفه على المارقين ، وهم أهل البدع كالخوارج . وقد ثبت عنه الأمر بقتالهم مع اختلاف العلماء في كفرهم . وقد قاتلهم علي رضي الله عنه في خلافته مع قوله : " إنهم ليسوا بكفار " .
وقد روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المارقين والناكثين والقاسطين . وقد حرق علي طائفة من الزنادقة ، فصوب ابن عباس قتلهم ، وأنكر تحريقهم بالنار . فقال علي : " ويح ابن عباس ، لبحاث عن الهنات "اهـ الحكم الجديرة ص3
الأمر الثانى : مبشرات النصر وهى كثيرة منها:
أ- البشارة بظهور الدين:
قال تعالى:
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[33]}[سورة التوبة].
وقال تعالى:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[105]}[سورة الأنبياء].
وقال تعالى:
{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[21]}[سورة المجادلة].
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ]رواه أحمد.
فهذه نصوص قاطعة بأن الغالب هو دين الله، والواعد بذلك هو الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ والله لا يخلف الميعاد؛ فإذا كان الميعاد نَصْر دينه، فمهما طال مُقامُ الكافر، ومهما استطال شرُّه وضرُّه، ومهما كِيْدَ بالمسلمين، ومهما نُّكِّلَ بهم؛ فإن الغلبة لدين الله، وَعْدَاً من الله حقاً وصدقاً.. وهذا سيحدث لا محالة، فلا نستعجلَّنَّ الأمور، ولا نسابق الأحداث
ب – البشارة بوجود الطائفة الظاهرة:
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ]رواه البخاري ومسلم.
فهذه الطائفة قائمة إلى قيام الساعة، والنصرة لهم، والتأييد الإلهي معهم، وهذه الفرقة المنصورة من بواعث الأمل في نصرة الدين، ومن بشائر الرفعة لدين الله، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أنها دائمة وموجودة إلى قيام الساعة .
ولكنه ضعف اليقين بموعود الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتعلُّق القلوب بالماديَّات والظواهر، وأساس ذلك كله ضعف الإيمان بالغيبيات التي هي أصل الإيمان.
فهل يجوز بعد هذا أن ييأس المسلمون من اكتناف نصر الله تعالى لعباده المؤمنين؟! وهل يجوز أن تُعَظَّمَ قوة الكفر وجبروته؟! وهل يجوز لنا أن نتخاذل عن البذل لدين الله.. ولو بأقلِّ القليل؟!
وهل يجوز أن نعتقد خطأً أن هذه الطائفة لن تقوم، أو أنها قامت ولن تعود؟! أسئلة تفتقر إلى أجوبة فعلية لا قولية .
ج – ومن البشارات :الوعد الإلهي الحق:
 قال تعالى:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[سورة النور].
وهذا الوعد قد تحقق في زمانه صلى الله عليه وسلم، وسيتحقق بعده حتى قيام الساعة،
فمتى توافرت الأوصاف التي ذكرها الله في هذه الآية في قوم؛ كانوا أحق بالتمكين من غيرهم مهما كانوا .
فحتى نظفر بالتمكين من الله لنعقد العزم على تطبيق شريعته في أحوال الناس اليومية، والسياسية، والاجتماعية .
عندها سننال النصر من الله بكل تأكيد ويقين، ولكن أكثر الناس لا يعلمون
د – البشارة بالفتوحات :
ومن ذلك : المدينتان المُنْتَظَرَتان:
قَالَ أَبُو قَبِيلٍ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَسُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا- يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ-] رواه أحمد والدارمي.
ومما يزيد في البشارة أن هذه المدينة قد فتحت على يد السلطان محمد الفاتح العثماني التركماني ؛ ولكن ليس هو الفتح المذكور في الأحاديث؛ لأن الفتح الذي في الأحاديث يكون بعد الملحمة الكبرى، وقبل خروج الدجال بيسير. [انظر: اتحاف الجماعة للتويجري [ 1/404 ]].
هـ - ومن ذلك  المعركة الفاصلة:
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ]رواه البخاري ومسلم.
 وهذه المعركة هي الفاصلة بين المسلمين واليهود، وهي التي يُظْهِر فيها الله عباده المؤمنين، وينصرهم على اليهود بعدما ذاقوا منهم الأذى والنكال . ولم تأتِ بعد هذه المعركة وإنا على انتظارها، وهي آتيةٌ لا محالة إن شاء الله .
ثالثا : العمل على إقامة الدين بتنصيب خليفة للمسلمين ، والحكم بما أنزل الله رب العالمين
قال تعالى :
" شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [الشورى : 13]
وسوف نتعرض لموضع النصر والتمكين من خلال عدة عناصر أساسية وهى :
الأول: أنواع التمكين
الثانى : شروط التمكين
الثالث : أسباب التمكين
الرابع : مراحل التمكين
الخامس : أهداف التمكين
العنصر الأول هو : أنواع التمكين
أولا : معنى التمكين فى اللغة :
التمكين هو : السلطان والملك ، والدليل على ذلك ما جاء فى قصة ذى القرنين – قال الله تعالى " إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً [الكهف : 84- أى صار ملكا وسلطانا
وكذلك قال الله تعالى فى شأن يوسف – عليه السلام " وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف : 56
ثانيا : أما معنى التمكين فى الاصطلاح "
هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل من أجل الإسلام ، فيدخل فى ذلك : الدعوة إلى الله بكل مراحها وأهدافها ووسائلها
أنواع التمكين :
التمكين للدين ينقسم إلى قسمين :
الأول : التمكين الجزئى :
وهو التمكين للدعاة بنشر الدعوة إلى الله تعالى ، استجاب الناس لهذه الدعوة أو لم يستجيبوا – الدليل على ذلك قوله تعالى " وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف : 21
الثانى : التمكين الكلى :
ويكون بالملك والسلطان – كما قال الله تعالى فى شأن يوسف عليه السلام " وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف : 56
أمثلة : تدل على التمكين للدعاة بتبليغ الدين واستجابة الخلق لهم
المثال الأول : أصحاب القرية المذكورة فى سورة يس
قال تعالى " وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ إني إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ "
إن أهل هذه القرية لم يستجيبوا لدعوة المرسلين ، ومضوا فى كفرهم وعنادهم غير مبالين ، وهددوا المرسلين بالرجم والعذاب الأليم ، ومع ذلك فقد تحقق النصر والتمكين للمرسلين ، وأصبح أصحاب القرية من المخذولين .
 ومظاهر النصر تظهر فى عدة حقائق وهى :
أولا :
تمكين الله تعالى للمرسلين بحيث استطاعوا تبليغ الدين ، وهذه هى المهمة الأولى للرسل " وما علينا إلا البلاغ المبين ، ومن أدى ما عليه فقد انتصر وفاز ونجح
ثانيا :
إن استجابة رجل من أهل القرية لهم ، وتأييده لدعوة التوحيد علانية يعد نصرا وانتصارا له ولهم ، ولذلك كان رد أهل القرية عنيفا تجاهه ، لأنهم شعروا بخذلانه لهم ، وخذلانهم نصر لأولئك الرسل
ثالثا :
إن استشهاد الرجل الذى جاء من أقصى المدينة نصر له ولدعوة التوحيد ، حيث استطاع أن يودع فى قلوب الناس من المعانى الكبيرة ، ويحفز الألوف إلى الأعمال العظيمة ، بخطبة مثل خطبته الخيرة التى كتبها بدمه ، فأصبحت حافزا ومحركا لأهل الإيمان على مر الزمان منذ نزول القرآن الكريم وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها
رابعا :
اجتهاد الرسل فى الدعوة إلى الله تعالى والدليل على ذلك وصول دعوتهم إلى أقصى المدينة " وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس : 20
فهذا يدل على المجهود العظيم الذى بذله المرسلون فى الدعوة والإخلاص فى ذلك
خامسا :
إن انتصارات هؤلاء الرسل وهذا الداعية الذى جاء من أقصى المدينة توجت بهلاك القوم الذين كذبوا بدعوة المرسلين
قال تعالى " وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ  إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ  يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ "
فائدة : تتعلق بالرجل المؤمن الذى نصر المرسلين فنصره الله تعالى وجعل مأواه الجنة
قوله تعالى " وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس : 20
نلاحظ أن الآية جاءت بتنكير " رجل "  والحكمة من ذلك : أولا : أن يكون ذلك تعظيما لشأنه ، أى رجل كامل فى الرجولة
ثانيا : أن يكون مفيد لظهور الحق من جانب المرسلين ، حيث آمن رجل من الرجال لا معرفة لهم به ، فلا يقال أنهم تواطئوا
والدعوة إلى الله تعالى إنما تحتاج إلى الرجال وليس مجرد الذكور ، لذلك مدح الله تعالى هذا الرجل – كما فى سورة القصص فى الرجل الذى جاء ناصحا لموسى – عليه السلام
قال تعالى " وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص : 20
وكذلك فى قصة مؤمن أل فرعون –
قال تعالى
" وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر : 28
وكذلك قال الله تعالى – فى شأن المجاهدين فى سبيله " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب : 23
وكذلك قال الله تعالى فى شأن الموحدين المحبين لإقامة الصلاة فى بيوت الله تعالى " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ  رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور : 37
وكذلك قال الله تعالى فى شأن التطهرين"  لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة : 108]
والشاهد : أن هذا الانتصار الذى حققه الرسل وهذا الرجل المؤمن انتصار لمنهج الله تعالى من جانب ، ومن جانب لآخر دخول الرجل المؤمن الجنة انتصار ونوعى من التمكين ، علاوة على استئصال الشرك والمشركين
المثال الثانى : أصحاب الأخدود
وقصتهم معروفة فى سورة البروج وثبت فيهم الحديث فى صحيح مسلم فى حديث طويل
والشاهد من هذه القصة أمور :
الأول :
أن المعركة بين المؤمنين وخصومهم  هى فى الحقيقة معركة عقيدة ، وليست شيئا آخر على الإطلاق – قال تعالى " وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج : 8
الثانى :
انتصار الغلام بعقيدته ومنهجه ، وكذلك الراهب الذى ثبت من أجل أن تبقى عقيدته فى مقابل أن تزهق روحه
أما الأعمى فقد انتصر مرتين :
 الأول : عندما تخلى عن مكانته عند الملك مع ما فى ذلك من جاه ومكانة.
 والثانى : أنه انتصر عندما تخلى عن حياته فى مقابل عقيدته
انظر إلى هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم حفاظا على عقيدتهم ، فى مقابل الذين يفرطون ويتنازلون عن ثوابت العقيدة حفاظا على مناصبهم أو شهرتهم أو مصالحهم وهم عند الناس من أهل العلم
الثالث : الانتصار المهيب الذى حققه الناس بإيمانهم برب الغلام وكفرهم بالطاغوت ، فقد انتصروا على الرغم من موتهم حرقا بالنيران على أيدى زبانية الطاغون ، انتصروا لأنهم ثبتوا على عقيدتهم ، وإن حرقوا بضع دقائق ، بعدها انتقلوا إلى جنات النعيم فى جوار رب العالمين ، هل يستوى هؤلاء مع الذين تمتعوا بأيام معدودة ثم مآلهم إلى النار وعذاب الحريق
وهل هناك مقارنة بين الحريق الأول وبين الحريق الثانى ، بين حريق الدنيا وحريق الآخرة ، إنه النصر والتمكين للدين وللمنهج القويم
المثال الثالث :التمكين لنبينا – صلى الله عليه وسلم – لتبليغ الرسالة فى مكة
بدأ الرسول – صلى الله عليه وسلم – دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين – كما قال تعالى "  وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء : 214
روى البخارى ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : قال : لما نزَلتْ : { وأنْذِرْ عشِيرتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ]
صَعِدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ، فجعل يُنادي : يا بني فِهْرٍ ، يا بني عدِيّ - لِبُطونِ قُريشٍ - حتى اجتمعوا. فجعل الرجلُ إذا لم يستْطِعْ أَن يخرجَ أرسل رسولا ، ليَنْظرَ ما هو ؟ فجاء أبو لهبٍ وقُريشٌ ، فقال : أرأيْتَكُم لو أخبَرْتُكم أن خَيْلا بالوادي ، تُريدُ أن تغير عليكم ، أَكُنْتمْ مُصدِّقيَّ ؟ قالوا : نعم ، ما جرَّبنا عليكَ إلا صِدقا ، قال : فإِنِّي نذيرٌ لكم بين يديْ عذاب شديدٍ ، فقال أبو لهب : تَبّا لك سائرَ اليومِ ، أَلهذا جمَعْتنَا ؟ فنزلت { تَبَّتْ يدَا أبي لهبٍ وتبَّ ، ما أغني عنه مالُه وما كَسَبَ }.( سورة المسد : الآية2)
ومن هذه اللحظة بدأ الصراع بين النبى – صلى الله عليه وسلم – وبين المشركين – وتناقل الناس ذلك فى كل مكان وهذا مكسب عظيم من مكاسب الدعوة ، وبسببه أسلم البعض وعلم الناس بحقيقة الدعوة إلى الإسلام ، فكان المشركون هم الوسيلة الإعلامية فى نشر الدعوة الإسلامية

التمكين للدعوة خارج مكة
وذلك فى حث النبى – الله عليه وسلم فى الهجرة إلى الحبشة   
 روى البيهقى فى الدلائل وفى سننه الصغرى "عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ : لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ وَأُوذِىَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفُتِنُوا وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلاَءِ وَالْفِتْنَةِ فِى دِينِهِمْ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَنْعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَعَمِّهِ لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ شَىْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مَمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ فَالْحَقُوا بِبِلاَدِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ». فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالاً حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِهَا فَنَزَلْنَا ِخَيْرِ دَارٍ إِلَى خَيْرِ جَارٍ أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَلَمْ نَخْشَ مِنْهُ ظُلْمًا. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
ثبات الصحابة على عقيدتهم فى الحبشة
عندما حاولت قريش استرجاع الصحابة من الحبشة بكل الحيل والمكر والخداع ، فأرادوا أن يوقعوا بين النجاشى وبين الصحابة ، فَقَالَ – عمرو بن العاص - لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ قَالَتْ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ قَالَتْ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ قَالُوا نَقُولُ وَاللَّهِ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ قَالَتْ فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ" قال شعيب الأرنؤط فى تحقيق المسند إسناده حسن
حماية الدعوة فى مكة
لقد قيد الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم – من يقوم على حماية الدعوة فى مكة وهو عمه أبو طالب على الرغم من شركه ، وهذا نصر لدين الله تعالى ، ومع ذلك لم يتنازل النبى – صلى الله عليه وسلم – عن أى شئ من ثوابت هذا الدين
وكذلك بعد رجوع النبى – صلى الله عليه وسلم - من رحلة الطائف دخل مكة فى جوار المطعم بن عدى ، وهو أيضا رجل كافر ، وقام – صلى الله عليه وسلم – بالدعوة مرة أخرى ، وهذا نصر للدعوة ونصر لتبليغ هذا الدين ومنهجه العظيم
فاستفاد النبى – صلى الله عليه وسلم – من قوانين الجاهلية فيما يخدم الدعوة الإسلامية ولكن دون التفريط فى أى شئ، ودون مداهنة أو مدارة لأحد ، بل هو الحق الذى يجب أن يعرض كما هو ، وغن أعرض عنه الناس –
قال تعالى " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً [الكهف : 29
والشاهد : ما كان عليه النبى – صلى الله عليه وسلم – فى مكة تمكين ونصر جزئى ، وهو انتصار الدعوة إلى الله بتبليغ هذا الدين فهذا نوع من التمكين

فالتمكين ينقسم إلى نوعين ، الأول : التمكين الجزئى ، وهو التمكين للرسل والأنبياء والدعاة إلى الله تعالى من القيام من إبلاغ هذا الدين إلى الناس سواء استجاب لهم الناس أو لم يستجيبوا ،بل قد يقتل بعض الرسل والأنبياء والدعاة بعد إبلاغهم هذا الدين ، فهذا نصر وتمكين لأنهم قاموا بما يجب عليهم
قال تعالى :
" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة : 87
وقال تعالى "  لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة : 70
وعلى الرغم من قتلهم فقد ترتب على قتلهم أمور
الأول :
أنهم انتصروا عندما بلغوا دين الله تعالى ، فالله تعالى لا يقبض رسله إلا بعد أن يقوموا بواجبهم
الثانى :
أن الله تعالى نصرهم بأن اصطفاهم واختارهم أن يكونوا فى عداد الشهداء
ومن الأمثلة على ذلك فى واقعنا ما وقع لشيخ المجاهدين أسامة ابن لادن من قيامه بواجب الدعوة والجهاد فى سبيل الله حتى قبضه الله تعالى شهيدا نحسبه كذلك والله حسيبه
وكذلك الشيخ أحمد ياسين والشيخ عبد الله عزام وخطاب والزرقاوى وغيرهم كثير
النوع الثانى من أنواع التمكين : التمكين الكلى :
ويتمثل هذا التمكين فى الملك والسلطان الذى به يتم إظهار الدين والحكم به وخضوع الخلق له 
المثال القرآنى على ذلك : التمكين لداود وسليمان – عليهما السلام
أولا - التمكين تفضل واختيار من الله تعالى لمن أراد من عباده
فكم من دولة وكم من جماعة أو طائفة كانت تسعى إلى التمكين ولم يمكن لها لأسباب كثيرة قد نشير إليها بعد ذلك ، ولكن من هذه الأسباب أن الله تعالى لم يرد أن يتفضل على هؤلاء بهذا الفضل الكبير
قال تعالى :
" وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ : 10
قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } .
ومن هذا الفضل الذى تفضل الله به على داود – عليه السلام
1- أن الله تفضل على داود عليه السلام بتمكينه من قتل جالوت –
قال تعالى :
{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } [ البقرة : 251 ]
فائدة :
التمكين لا يتم إلا بعد المواجهة مع أعداء الله تعالى
والشاهد على ذلك من قصة داود – عليه السلام – المواجهة التى تمت بين معسكر بنى إسرائيل بقيادة طالوت الذى اصطفاه الله تعالى على بنى إسرائيل وجعله ملكا عليه ، وكان داود – عليه السلام – من جنود طالوت
والمعسكر الثانى : معسكر الجبارين بقيادة جالوت ، وكان قويا عنيدا فطلب المبارزة فخرج له داود – عليه السلام – فتله داود – عليه السلام – فأعطاه الله تعالى الملك مع النبوة والرسالة "
{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } [ البقرة : 251 ]
عند ذلك أصبح داود – عليه السلام – هو الخليفة الممكن فى الأرض – كما قال تعالى
" يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [صـ : 26]
والمواجهة بين أولياء الله تعالى وبين أعداء الله إما أن تكون مواجهة دعوية ، أو مواجهة عسكرية
دليل المواجهة الدعوية – قوله تعالى :
" فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [الفرقان : 52
ذكر المفسرون عن ابن عباس – رضى الله عنهما – أن المراد بجهاد الكفار فى هذا الموضع هو جهادهم بالقرآن ، ومما يدل على أهمية الجهاد الدعوى أنه هو الأصل لذلك
قال تعالى :" وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً " فمواجهة أعداء الله تعالى بالحجة والبيان جهاد عظيم ويحتاج إلى جهد كبير ، خاصة إذا كان أصحاب الدعوة متمسكين بهذا الحق دون أدنى تنازلات ، عند ذلك لا بد من وقوع المواجهة بين الفريقين
أما المواجهة العسكرية القتالية التى يعقبها النصر والتمكين فهى حتمية لا يمكن التخلى عنها ، يستوى فى ذلك قتال العدو القريب أو العدو البعيد ، يستوى فى ذلك قتال الكفار الصليين او قتال الكفار المرتدين
قال تعالى – فى قتال العدو القريب " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة : 123
وقال فى قتال العدو البعيد " قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة : 29
وقال تعالى :" َقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة : 36
وقال تعالى فى قتال المرتدين " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة : 54
ولقد أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقتال جميع الكفار حتى يدخلوا فى دين الله تعالى أو يخضعوا لسلطان المسلمين – والأحاديث فى ذلك متواترة عن النبى – صلى الله عليه وسلم –
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أُمِرْتُ أن أقاتِل الناسَ حتى يَشهدُوا أن لا إله إلا الله ، أنَّ محمدًا رسولُ الله ، ويقيموا الصلاةَ ، ويُؤتوا الزكاةَ ، فإذا فَعَلوا ذلِكَ عَصمُوا مني دِمائهُمْ ، إلا بحقَّ الإسلام ، وحِسابُهُم على الله». أخرجه البخاري ومسلم ، إلا أن مسلمًا لم يذكر «إلا بحق الإسلام »
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :«أمِرْتُ أن أقاتِلَ الناسَ حتَّى يقولوا : لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله ، فإذا شَهِدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله ، واسْتَقْبَلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتَنا ، وصلَّوْا صلاتَنا ، حَرُمت علينا دماؤُهم وأموالُهم إلا بحقِّها ».
زاد في رواية : « وحسابُهم على الله ».
والذى يستفاد من ذلك :
أن الذين يظنون أو يعتقدون أن الدولة الإسلامية والحكم الإسلامى يقوم عن طريق إنشاء أحزاب إسلامية أو عن طريق المشاركة فى المجالس النيابية أو حتى عن طريق المشاركة فى الحكم فهم واهمون مجانبون للحق والصواب ، مخالفون للكتاب والسنة جاهلون بالحقيقة والواقع وبالتجارب التاريخية التى لا يجهلها أحد
حقيقة الصراع :
الصراع دائم ومستمر بين الحق والباطل ، بين الإيمان والكفر ، وبالتالى لا يمكن التقارب بينهما بحال من الأحوال فلا الوحدة الوطنية ولا القومية ولا الآلام ولا الآمال تربط بين المسلمين وغيرهم أو توح بينهم، فالصراع دائم والمدافعة مستمرة، وهو صراع ومدافعة بين الحق والباطل بدأ منذ آدم عليه السلام ومنذ عصيان إبليس لرب العالمين، صراع مستمر بين إبليس وأتباعه وذريته وبين الأمة الإسلامية؛ هذه هي حقيقة الصراع وإن اختلفت المصطلحات والمسميات، وهذه هي طريقة الإسلام في الحياة وتلك طريق الكفر. 
2- تفضل الله عليه بالحكمة والحكم الصحيح
قال تعالى : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحكمة وَفَصْلَ الخطاب } [ ص : 20 ]
3- تفضل الله عليه بالولد الصالح
قال تعالى : { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ ص : 30 ] .
4- تفضل الله عليه بمغفرة الذنوب وإعطائه المنزلة والمكانة قال تعالى { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ } [ ص : 25 ] .
5- تفضل الله عليه بأن جعله خليفة فى الأرض
قال تعالى { يا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض }ص : 26 6- تفضل الله عليه بنزول الزبور عليه
قال تعالى :{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }
[ الإسراء : 55 ] إلى غير ذلك من الآيات
ثانيا : صفات داود – عليه السلام – التى استحق لأجلها أن يكون خليفة فى الأرض وأن يمكن له
1- تسبيح – داود – عليه السلام – لله رب العالمين ، وتسخير الجبال والطير معه فى التسبيح
قال تعالى
" وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء : 79
وقال تعالى :
" إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ [صـ : 18وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ [صـ : 19
2- تحقيق العبودية ، فقد وصف الله تعالى داود بالعبودية ، فقال تعالى " اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صـ : 17
وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – إذا ذكر داود – عليه السلام – بين فضله واجتهاده فى العبادة
فى الصّحيحين: عن عبد الله بن عمرو- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: "أَحَبُّ الصّيام إِلى الله صِيامُ داوُدَ، كان يصوم يوما ويُفْطِرُ يوما، وأَحبُّ الصّلاة إِلى الله صَلاةُ داوُدَ، كان يَنام نصفَ اللَّيْل ويَقُوم ثُلُثَه، وَينام سُدُسَه"
3- القوة على أداء الطاعة مع الاحتراز عن المعاصى
لقوله تعالى اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صـ : 17فقد وصفه الله تعالى بالقوة فى الطاعة والعبادة مع وصفه بأنه رجاع إلى الله تعالى
4- وصفه الله تعالى بالصبر ، والذى يدل على ذلك أن الله تعالى أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بداود – عليه السلام"اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صـ : 17
5- وصفه الله تعالى بقوة الملك ، والحكمة " وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ [صـ : 20
6 – وصفه الله تعالى بحسن الفصل فى القضاء بين الناس
قال تعالى :
" وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ - إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ  - إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ - قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ"

النوع الثانى من أنواع التمكين : التمكين الكلى
ويتمثل هذا التمكين فى الملك والسلطان الذى به يتم إظهار الدين والحكم به وخضوع الخلق له ،والناس عند ذلك مع المسلمين الممكن لهم أصناف :
إما موادعين معاهدين ،وإما مستأمنين ،وإما أهل ذمة يلتزمون بالشروط المأخوذة عليهم ، وإما محاربين للجماعة المسلمة فهم يعيشون فى خوف وترقب من المسلمين .
الأمر الثانى الذى يتعلق بالنصر والتمكين : وهو : شروط التمكين
لقد وعد الله تعالى عباده بالنصر والتمكين والاستخلاف فى الأرض ، والله – جل وعلا – لا يخلف وعده –
قال تعالى :
" وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 6
ولكن الله تعالى يحقق وعده وفق الشروط التى اشترطها تعالى على عباده ، فإذا قاموا بهذه الشروط حقق الله تعالى وعده لهم ،فما هى هذه الشروط الربانية ؟
الشرط الأول : الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح :
قال تعالى :
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور : 55
آيات أخرى فى بيان شرطية الإيمان والعمل الصالح لتحقيق النصر والتمكين
الآية الأولى :
قال تعالى :
" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر : 51
هذه الآية دلت على أن الله تعالى ينصر رسله والمؤمنين فى الدارين فى الدنيا ، وفى الآخرة
الآية الثانية : 
قال تعالى :"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم : 47
هذه تسلية من الله لعبده ورسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه ، بأنه وإن كذبه كثير من قومه ومن الناس، فقد كُذّبت الرسل المتقدمون مع ما جاءوا أممهم به من الدلائل الواضحات، ولكن الله انتقم ممن كذبهم وخالفهم، وأنجى المؤمنين بهم، { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } ، هو حقّ أوجبه على نفسه الكريمة، تكرما وتفضلا كقوله تعالى:
{ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [الأنعام: 54].
الآية الثالثة
قال تعالى :
" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران : 123
والذين كانوا فى غزوة بدر هم الصحابة – رضى الله عنهم – ومعهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهم أفضل الأمة إيمانا ، ولقد امتن الله عليهم بنصره –
كما قال تعالى :
"  وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال : 26
الآية الرابعة :
" لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة : 25
والمراد بهذه الآية أيضا الصحابة – رضى الله عنهم – وهم كما سبق أفضل الأمة إيمانا .
 وقفات حول واقعنا المعاصر
لا بد لنا من وقفات حول واقعنا المعاصر خاصة فى مثل هذه الظروف التى نمر بها ، فالفتن الآن كثيرة وخطيرة خاصة التحول الكبير الذى انخرط فيه أكثر الدعاة والعلماء إلا من رحم الله ، فلا بد لنا أن نتلمس الحق من خلال الثوابت الإسلامية التى لا تتغير بتغير الأحوال ولا بتغير الأشخاص ، ولنا أن ندور مع الحق أينما كان بغض النظر عن الرجال ، فالرجال يعرفون بالحق وليس العكس
الوقفة الأولى :
 العمل لإقامة الخلافة الإسلامية بدأ مع بداية الدعوة الإسلامية فى الفترة المكية
بدليل ما جاء فى القرآن المكى من الإشارات المتعددة التى تتعلق بإقامة الدولة الإسلامية
قال تعالى :
" شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [الشورى : 13]
وقال تعالى :
"ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية : 18
وقال تعالى :
" يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [صـ : 26]
وقد جاء القصص القرآنى بكثرة فى القرآن المكى  ، وفيه بيان كيف صبر الرسل ومن معهم ولم يتعجلوا إقامة الدين
قال تعالى :
" وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص : 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص : 6
ولقد مكن الله تعالى لبنى إسرائيل لما صبروا ، وأهلك الله فرعون وقومه
قال تعالى :
" وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ [الأعراف : 137
الوقفة الثانية :
الانتخابات بوضعها الحالى انتخابات طاغوتية ، وذلك من عدة وجوه :
الوجه الأول :
 تقديم إرادة الشعب على إرادة الله ، وتقديم حكم الشعب على حكم الله
لأن الديمقراطية المزعومة الآن تعنى الأخذ برأى الأغلبية ، فلو أن الشعب رفض الشريعة ورفض إقامة دولة إسلامية وجب التسليم لذلك
والله جل وعلا – لم يقل : وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الشعب أو إلى الأغلبية 0
بل قال تعالى :
" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى : 10
وقال تعالى :
" فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء : 59]
بل أمرنا الله تعالى أن نكفر بكل حكم سوى حكم الله
قال تعالى :
" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 60
الوجه الثانى :
الخضوع والخنوع والرضوخ لقوانين الجاهلية :
والأصل هو البراءة من الجاهلية ومن قوانينها ،فمن المعلوم أن الديمقراطية شرك وكفر بواح ، فكيف نستعملها فى إقامة دولة الإسلام ، وهل نستعين بالكفر على إقامة الإيمان ، وهل يستعان بمعصية الله على طاعته 
قال تعالى :
" قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة : 4
الوجه الثالث :
التسوية بين الأصوات
ففى الانتخابات الديمقراطية لا فرق بين صوت المؤمن وصوت الكافر ، فلا فرق بين صوت شيخ الأزهر وبين صوت البابا ، ولا فرق بين صوت الرجل وبين صوت المرأة ، ولا فرق بين صوت الراقصة وصوت العالم الشرعى ، ولا فرق بين صوت الجاهل وصوت العالم
والله تعالى يقول :" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر : 9
والله تعالى يقول :
" أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم : 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم : 36
الوقفة الثالثة :
ما الواجب علينا عند تفرق الأمة ؟
أخبرنا النبى – صلى الله عليه وسلم – أن الأمة سوف تفترق فرقا متعددة ، ثم بيّن لنا وجوب لزوم جماعة بعينها وذكر لنا صفات هذه الجماعة
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن في النار إلا واحدة"،قالوا: وما تلك الفرقة؟ قال: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي".رواه الطبرانى فى معاجمه الثلاثة
فالجماعة الحق التى يجب لزومها هى الجماعة التى تتفق فى منهجها مع الجماعة الأولى علما وعملا ودعوة
وعن ثوبان : قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرُّهم مَن خَذَلهم حتى يأتيَ أمْرُ الله وهم كذلك » أخرجه مسلم.
ولا شك أن هذه الطائفة هى التى تمثل حزب الله تعالى بوصفهم الذى جاء فى القرآن الكريم
قال تعالى: 
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة : 54 إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة : 55 وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة : 56
وقال تعالى :
" لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة : 22

الوقفة الرابعة :
 تحالف السلفية مع الإخوان
وهذا التحالف تحالف باطل وضرر على الحركة الإسلامية ، يظهر ذلك من خلال عدة وجوه منها
الوجه الأول : أن السلفية دائما ما كانوا يقولون وقولهم حق فى ذلك : أن كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة ، أو توحيد الكلمة على كلمة التوحيد ، ولكن هذا التحالف قلب هذا المفهوم إلى المفهوم الإخوانى الذى يدعو إليه الإخوان من عشرات السنين ، وكأن الإخوان فهموا ما لم تفهمه السلفية من عشرات السنين
إذا أردت أن تعرف حقيقة الإخوان فى مسائل الاعتقاد ، فسألهم عن كلمة التوحيد ومعناها وعن شروطها ونواقضها تجدهم أقرب للمرجئة ، واسألهم عن منهجهم فى باب الصفات تجدهم أقرب لمنهج الأشاعرة – إلى غير ذلك
فأى تحالف يكون مع أمثال هؤلاء ؟
الوجه الثانى : حزب الإخوان الذى تحالف معه السلفية لا مانع عندهم من انضمام النصارى إليهم ، أى حزب الإخوان يكون من أعضاءه الكفار الأصليين، فأى حزب إسلامى هذا ؟
ومن المعلوم أن جماعة الإخوان منذ القديم وهم يقبلون النصارى فى صفوفهم ، حزب الإخوان لا مانع عنده من ترشيح بعض النصارى لرئاسة الجمهورية الإسلامية ، أبشروا يا أصحاب التحالف بتوحيد الكلمة حزب الإخوان لا مانع عنده من ترشيح إمرأة لرئاسة الدولة ، فأبشروا يا أصحاب التحالف سوف تحكمكم امرأة
الوجه الثالث : الإخوان لا يتحالفون مع التيارات الإسلامية   
الإخوان نعم يتحالفون ولكن مع الأحزاب العلمانية الشركية وليس مع الحركات الإسلامية المؤمنة  ، وتاريخ الإخوان خير شاهد على ذلك
التقارب الوحيد الذى قام به الإخوان كان مع الشيعة الكفار ، بل كان أحد مرشديهم دائما ما يصرح بقوله " نحن لا نضع أيدينا فى أيدى من يقولون بتكفير الحاكم "
ومع ذلك تجدهم وضعوا أيديهم فى أيدى الشياطين من الكفار الأصليين والمرتدين
والسؤال هنا لماذا رضى الإخوان بمثل هذا التحالف ؟
والجواب من خلال وجهين ك
الوجه الأول "لأن دعاة السلفية تنازعوا عن قولهم فى الإخوان أنهم منحرفون فى جوانب متعددة ، وقاموا بمدحهم وتذكيتهم حتى أنهم قالوا : إن الإخوان هم رجال المرحلة القادمة ، وبالتالى فقد قال الإخوان : نحن فهمنا ما لم تفهمه السلفية من عشرات السنيين 
الوجه الثانى : أن السلفية هى التى سعت إلى هذا التحالف وليس الإخوان
لا يمكن لنا أن نقوم بغسل الثياب بالنجاسات ، فالديمقراطية الشركية ليست طريقا لإقامة الدولة الإسلامي ، فالوسائل لها حكم المقاصد والنيات
والحمد لله رب العالمين


0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^