تذكير أهل الصلاح بمعنى الكفر البواح




المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران : 102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) الأحزاب
وبعد :
قال الله تعالى " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً [الكهف : 29]
قوله تعالى: "وَقُلِ " الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - أي :قلها معلنا " الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ " لا من غيره، فلا تطلبوا الحق من طريق غير طريق الله ، لأن الحق من عند الله.
" فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" والأمر في قوله: " فَلْيَكْفُرْ" للتهديد وليس للإباحة بل هو للتهديد كما يهدد الإنسان غيره فيقول: "إن كنت صادقاً فافعل كذا"، ويدل عليه قوله تعالى بعده: " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " يعني : من كفر فله النار قد أعدت، وقوله: " لِلظَّالِمِينَ " المراد به الكافرون، والدليل على هذا قوله: " فَلْيَكْفُرْ"، فإن قال قائل: "هل الكفر يسمى ظلماً؟
فالجواب: نعم، كما قال الله تعالى: "والكافرون هم الظالمون " [البقرة: 254] ، ولا أحد أظلم ممن كفر بالله أو جعل معه شريكاً، وهو الذي خلقه وأمده وأعده.
قال سيد قطب – رحمه الله –
{وقل : الحق من ربكم ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } 
بهذه العزة ، وبهذه الصراحة ، وبهذه الصرامة ، فالحق لا ينثني ولا ينحني ، إنما يسير في طريقه قيماً لا عوج فيه ، قوياً لا ضعف فيه ، صريحاً لا مداورة فيه . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . ومن لم يعجبه الحق فليذهب ، ومن لم يجعل هواه تبعاً لما جاء من عند الله فلا مجاملة على حساب العقيدة؛ ومن لم يحن هامته ويطامن من كبريائه أمام جلال الله فلا حاجة بالعقيدة إليه .
إن العقيدة ليست ملكاً لأحد حتى يجامل فيها . إنما هي ملك لله ، والله غني عن العالمين . والعقيدة لا تعتز ولا تنتصر بمن لا يريدونها لذاتها خالصة ، ولا يأخذونها كما هي بلا تحوير . والذي يترفع عن المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه لا يرجى منه خير للإسلام ولا المسلمين " اهـ الظلال ج5ص62
إذن لا بد من الصدع بالحق وبيانه وعدم كتمانه :
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: من الآية187]
 وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنـزلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ}[البقرة:159].
يقول ابن كثير- رحمه الله: (وفي هذا تَحْذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلكَ بهم مَسْلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئا، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: (من سُئِل عن عِلْم فكَتَمه ألْجِم يوم القيامة بِلجَامٍ من نار) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة، وابن حبّان والطبراني في الكبير، وهو صحيح " اهـ تفسير ابن كثير ج2ص181
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى: (فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب، ويلبسونها على الناس ولم تُبيّن للناس: فسد أمر الكتاب وبُدّل الدين؛ كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم يُنكر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سمّاعون للمنافقين: قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا؛ وهو مخالفٌ للكتاب وصاروا دعاةً إلى بدع المنافقين، كما قال تعالى:
{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة: من الآية47]
فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق؛ لكن قالوها ضانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين؛ ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها)اهـ مجموع الفتاوى 28/ 233.
وقال أيضاً رحمه الله: (وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكتّ أنت وسكتّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم. ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟. فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء)اهـ مجموع الفتاوى: 28/ 231
السبب فى كتابة هذه الرسالة :
السبب الأول : والرئيسى الذى دفعنى لكتابة هذه الرسالة هو : أننى سمعت كثيرا ، ولا أزال أسمع من بعض الدعاة وبعض العلماء عند تعرضهم لمسألة التكفير خاصة ما يتعلق بكفر الحكام المبدلين لشرع الله الحاكمين بالقانون الوضعى ، أنهم يقولون أنه لا يجوز الخروج على الحكام إلا بالكفر البواح كما جاء فى الحديث ، ثم لا يتعرضون لمعنى هذا الكفر البواح ويتركون الأمر ملتبسا على الناس ، على الرغم من أن العلماء قديما وحديثا بينوا هذا المعنى وضربوا له الأمثلة الكثيرة
السبب الثانى : الرد على أذناب المرجئة الذين يحكمون للطواغيت بالإسلام على الرغم من كفرهم البواح ، بل مع انعقاد الإجماع على ذلك 
1- السبب الثالث : أردت أن أضرب بعض الأمثلة الواقعية على وجود الكفر البواح من بعض طوائف المجتمع ، للتنبيه والإشارة وليس للحصر ، لأن حصر ذلك أمر يطول جدا
والله أسأل أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصا ، وأن ينفع به من قرأه ودعا لكاتبه 
       
الفصل الأول

الكفر البواح كما ثبت فى السنة المطهرة

دليل المسألة :
"عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، في العُسر واليُسر ، والمنْشَط ، والمكْرَه وعلى أثَرَةٍ علينا ، وعلى ألا نُنازع الأمر أهْلَهُ ، وعلى أن نقول بالحق أينما كُنّا لا نخافُ في الله لَوْمَةَ لائم" وفي رواية بمعناه ، وفيه « ولا نُنازع الأمرَ أهله »
قال: « إلا أن تَرَوْا كُفرًا بَواحًا ، عندكم فيه من الله برهان ».
وأخرجه البخاري ومسلم و« الموطأ » والنسائي.

معنى الكفر البواح
1- قال الإمام الخطابى – رحمه الله : 
« بواحًا »  يريد ظاهرًا باديًا، ومنه قوله: باح بالشىء يبوح به بوحًا وبئوحًا، إذا أذاعه وأظهره ومن رواه  « براحًا »  فالبراح بالشىء مثل البواح أو قريب منه، وأصل البراح الأرض القفر التى لا أنيس ولا بناء فيها، وقال غيره: البراح: البيان، يقال: برح الخفاء أى ظهر." شرح البخارى لابن بطال ج7ص231
2- قال الإمام القرطبى – رحمه الله  :
وقوله :" إلا أن تروا كفرًا بواحًا " ؛ كذا روايةُ هذه اللفظة بالواو عند كافة الرّواة ، وهي من : باح الرجل بالشيء ، يبوح به بوحًا وبواحًا : إذا أظهره . وقال ثابت : رواه النساني : " بُؤَاحًا ، أو بَؤُوحًا ". وهي بمعناه ، إلا ما زادت من معنى المبالغة . وقد رواها أبو جعفر : بَرَاحًا - بالراء - من قولهم : بَرِحَ الْخَفَاءُ ؛ أي : ظَهَرَ .
وقوله : " عندكم من الله فيه برهان " ؛ أي : حُجة بيّنة ، وأمرٌ لاشك فيه ، يحصل به اليقين أنه كفر ، فحينئذ يجب أن يخلع من عُقِدَتْ له البيعة على ما قدّمناه ." المفهم شرح مسلم ج5ص43 2
3- قال الإمام النووى – رحمه الله :
( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ بواحا بالواو وفي بعضها براحا والباء مفتوحة فيهما ومعناهما كفرا ظاهرا ،والمراد بالكفر هنا :المعاصي ،ومعنى عندكم من الله فيه برهان ، أي :تعلمونه من دين الله تعالى " شرح النووى على مسلم ج8ص342
4- قال الإمام العينى – رحمه الله - فى عمدة القارى "
قوله "إلا أن تروا كفرا "أي : بايعنا قائلا "إلا أن تروا" منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام إذ عند ذلك تجوز المنازعة بالإنكار عليهم 0
وقال النووي : المراد بالكفر هنا المعاصي ، وقال الكرماني : الظاهر أن الكفر على ظاهره ،والمراد من النزاع : القتال
قوله " بواحا" بفتح الباء الموحدة وتخفيف الواو وبالحاء المهملة أي : ظاهرا باديا من قولهم : باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره
وأنكر ثابت في الدلائل بواحا، وقال : إنما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم الباء والهمزة الممدودة
وقال النووي: هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء
وقال الخطابي: من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى ، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء ،وقيل البراح البيان ،يقال برح الخفاء إذا ظهر
ووقع في رواية حبان أبي النضر "إلا أن يكون معصية لله بوحا" ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث "كفرا صراحا" بضم الصاد المهملة ثم بالراء
قوله "برهان" أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل .... " اهـ عمدة القارى ج4ص543
5- قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله:
قوله "إلا أن تروا كفرا بواحا" بموحدة ومهملة ،قال الخطابي معنى قوله بواحا :يريد ظاهرا باديا ،من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره ،وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال: انما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة ،وقال الخطابي :من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى ،وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء
وقيل :البراح البيان ،يقال برح الخفاء إذا ظهر ،وقال النووي هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء
قلت :ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن بن وهب في هذا الحديث "كفرا صراحا" بصاد مهملة مضمومة ثم راء ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة "إلا أن يكون معصية لله بواحا" وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة :"ما لم يأمروك بإثم بواحا" وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة "سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله" وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه "سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة"
 قوله "عندكم من الله فيه برهان" أي: نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل " فتح البارى ج11ص435
6- قال ملا على القارى – رحمه الله  :
" كفرا بواحا" بفتح الموحدة بعدها واو كذا في جميع النسخ الموجودة عندنا للمشكاة وهو المذكور في المشارق والقاموس والنهاية
أي: كفرا ظاهرا صريحا ،فقوله "إلا أن تروا" حكاية قول رسول الله والقرائن السابقة معنى ما تلفظ به ،وقوله "عندكم" خبر مقدم ،وقوله "من الله" متعلق بالظرف أو حال من المستتر في الظرف "فيه" أي: في ظهور الكفر برهان أي : دليل وبيان من حديث أو قرآن .
قال الطيبي : أي : برهان حاصل عندكم كائنا من الله ،أي: من دين الله اهـ والمعنى :أنه حينئذ تجوز المنازعة بل يجب عدم المطاوعة ،
قال النووي :بواحا بالواو ،وفي أكثر النسخ وفي بعضها بالراء يقال باح الشيء إذ ظهر بواحا والبواح صفة مصدر محذوف تقديره أمرا بواحا وبراحا بمعناه من الأرض البراح وهي البارزة ،والمراد بالكفر هنا: المعاصي ،والمعنى: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقوموا بالحق حيثما كنتم "اهـ  مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا على القاري ج2 ص302 305
7- قال السيوطى – رحمه الله :
"  كفرا بواحا" أي :ظاهرا باديا" اهـ تنوير الحوالك ج1ص287
8- قال الشيخ عبد العزيز الراجحى :
ما تفسير الكفر البواح الذي قال عنه الرسول ـ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ -(إلا أن تروا كفراً بواحاً) ؟
الكفر البواح هو: الظاهر الغالب ، البواح :ما يجمع صفتين : الظهور والغلبة .
يعني :غلب وظهر إذا رُؤي كفراً ظاهراً غالباً فإنه هنا يصبح الخروج مأذوناً فيه " اهـ شرح الواسطية ص334-
9- فتوى :
رقم الفتوى 22137 معنى (الكفر البواح)
تاريخ الفتوى : 03 رجب 1423
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الكفر البواح ؟ والسلام عليكم
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت هذه الكلمة فيما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان."
والكفر البواح هو: الكفر الظاهر الواضح، قال الإمام ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: معنى قوله بواحاً: يريد ظاهراً بادياً، من قولهم: باح الشيء يبوح بوحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره. انتهى
وللتعرف على نواقض الإيمان راجع الفتوى رقم:
10765 ففيها إحالات كثيرة مفيدة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
خلاصة تعريف الكفر البواح :
أ‌-  هو:الصريح الذى لا يحتمل ، وهو الذى يكون بنص آية أو حديث ، كما جاء فى بعض الروايات ، والمراد: أن يحصل به اليقين أنه كفر0
ب‌-   وهو:الظاهر الواضح ، أي :ظاهرا باديا، يخرج عن ذلك الكفر الخفى ككفر المنافقين ، الذين لم يعلنوا نفاقهم ، فحكم الكفر إنما يتناول من أظهر الكفر ، كما أن حكم الإسلام إنما يتناول من أظهر الإسلام ، والقاعدة فى ذلك : الأحكام تجرى على مقتضى الظاهر والله يتول السرائر
ج- وهو : الكفر المعلن ، بمعنى : ذيوعه وانتشاره ، كما قال الإمام الخطابى فى معناه : إذا أذاعه وأظهره 0
ومن خلال هذه المعانى سوف نذكر بعض الحالات التى يكون فيها الكفر بواحا.





الفصل الثاني

دلالة الحديث على وجوب الخروج على الحاكم الكافر

قال الإمام النووى – رحمه الله :
ومعنى الحديث : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام ،فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم ،وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين ،وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ،وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل ،وحكى عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع
قال العلماء :وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه
قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل ،قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها ،
قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة ،قال: وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له لأنه متأول ،
قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب أمام عادل إن أمكنهم ذلك ،فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ،ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ،فإن تحققوا العجز لم يجب القيام ،وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه
قال :ولا تنعقد لفاسق ابتداء فلو طرأ على الخليفة فسق ، قال: بعضهم يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب
وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين :لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ،ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك
قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وبن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع بن الأشعث ،وتأول هذا القائل قوله " أن لا ننازع الأمر أهله" في أئمة العدل
وحجة الجمهور :أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر
قال القاضي :وقيل أن هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله اعلم
قوله ( بايعنا على السمع ) المراد :بالمبايعة المعاهدة وهي مأخوذة من البيع لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه وكذا هذه البيعة
شرح النووى على مسلم ج8ص342
2- قال ابن حجر – رحمه الله : ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل
قال النووي :المراد بالكفر هنا: المعصية ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فانكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم" انتهى
وقال غيره: المراد بالإثم هنا المعصية والكفر فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ومحل ذلك :إذا كان قادرا " والله أعلم
ونقل بن التين عن الداودي قال :الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر ،وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فان أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح: المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه " فتح البارى ج11ص435
3- قال الشيخ الراجحى :
" متى يجوز الخروج على ولاة الأمور؟ إذا حصل كفر بواح صريح كما في الحديث الآخر: ( إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ( كفر موصوف بهذه الأوصاف بواح، يعني: بَيِّن ظاهر صريح، لا لبس فيه:
( عندكم من الله فيه برهان) .
فإذا وجد الكفر جاز الخروج مع القدرة أيضًا بشرطين:
الشرط الأول: القدرة على ذلك.
والشرط الثاني: أن يُزَال هذا الكافر، أو الحكومة الكافرة ويُؤْتَى بدلها بحكومة مسلمة. لا بد من هذا. أما أن يزال كافر، ويأتي كافر مكانه ما حصل المقصود. لا بد أن يغلب على الظن أنه يزال هذا الكافر ويؤتى بدله مسلم، ويكون هذا مع القدرة، أما يكون ما عندك قدرة لا يكلف ،ووجد البديل وهو إمام مسلم يقيم حكم الله، ويحكم بشرع الله في أرض الله، فلا بأس، أما أن يزال كافر، ويؤتى بكافر فلا. واضح هذا.
فإذا ضممت هذا الحديث: ( إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)  وحديث: ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار، يجوز الخروج عليهم، فإذا ضممت هذا الحديث إلى هذا الحديث دل على أن ترك الصلاة كفر بواح.
وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر بواح،
الجمع بين الحديثين:
الحديث الأول: حديث عوف بن مالك: ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة
) يعني: لا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة، مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة أنهم كفار، يجوز الخروج عليهم.
والحديث الثاني: ( إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ) فلما أجاز النبي ( الخروج على ولاة الأمور إذا لم يقيموا الصلاة، ولم يُجِزْهُ في الحديث الآخر إلا إذا وجد الكفر البواح، دل على أن ترك الصلاة كفر بواح، وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر" اهـ شرح كتاب الرد على الزنادقة للراجحى ص71
وقال الراجحى أيضا :
قال العلماء: ولا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يقع منه كفر بواح، ومعنى كفر بواح يعني كفر واضح، لا لبس فيه كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الآخر (إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان)
موصوف بثلاثة أوصاف: كفر بواح عندكم من الله فيه برهان. إذا كان المسألة فيها لبس أو فيها شك أو فيه اختلاف، لا يجوز الخروج لا بد أن يكون كفر، واضح صريح، لا لبس فيه عندكم من الله فيه برهان، هذا الشرط الأول أن يفعل ولي الأمر كفرا بواحا صريحا واضحا عندنا من الله فيه برهان.
الشرط الثاني: أن يوجد البديل بأن يستطيع المسلمون أن يزيلوا ولي الأمر الكافر، ويولوا بدلا منه مسلما صالحا، أما إذا كان مثلا يزال كافر، ويؤتى بدله بكافر ما حصل المقصود، وكذلك -أيضا- بشرط القدرة يكون عندك قدرة على الخروج، أما إذا كان ما عندك قدرة، إذا خرجت تقتل، فلا حاجة إلى الخروج وكذلك إذا كان ما هناك ما يوجد بديل مثل الثورات الآن، ومثل الجمهوريات يحصل انقلاب من دولة كافرة، ويأتي دولة كافرة ما حصل المقصود، واضح هذا.
إذن لا يجوز الخروج على ولي الأمر المسلم بحال من الأحوال، ولو فعل الكبائر والمنكرات، لكن النصيحة مبذولة والدعاء له، يدعى له كما سمعنا إن دعونا بالسنة يدعى لهم بالصلاح والمعافاة، ادعوا لولاة الأمور بالصلاح والمعافاة، ولا يجوز خلعهم بحال إلا إذا كفر كفرا بواحا صريحا عندنا من الله فيه برهان، ووجدت القدرة ووجد البديل المسلم البديل، أما إذا لم يوجد قدرة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ما عند الناس قدرة على الخروج، تصبر حتى ولو كان كافرا، وتطالب بحقك، ولو كانت الدولة كافرة، والشرط الثاني: أن يوجد البديل المسلم أما إذا كان يزال كافر، ويؤتي بدله كافر ما حصل المقصود " اهـ شرح العقيدة الطحاوية فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي ص280
وقال كذلك "
أما إن كان الحكام كفاراً أو مرتدين أو علمانيين ، فإنه لم يقصدهم المصنف . وقد مر علينا أن الحاكم الكافر والعلماني يجب الخروج عليه مع القدرة على ذلك وعدم المفسدة إن وجد جيش يغلب على الظن الإطاحة به .
ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت قال : " بايعنا رسول اللَّه على السمع والطاعة ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً "
هذا منطوق الحديث ، ومفهوم المخالفة في الحديث أنه إذا رأينا كفراً بواحاً فلا سمع ولا طاعة ، بل ننازعهم على الأمر فهم ليسوا أهله .
وقد نقل القاضي عياض الإجماع على وجوب الخروج على الحاكم الكافر ولا سمع له ولا طاعة ، نقله أبو يعلى والماوردي في الأحكام السلطانية والنووي في شرح مسلم وابن حجر في فتح الباري .
ولذا المصنف قال ولأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين ، وذكره لهذين الوصفين يخرج الأئمة الكفار ، والعلمانيين والملاحدة وأمثالهم ، سواء كانوا كفاراً أصليين أو طرأ عليهم الكفر" اهـ الزناد فى شرح لمعة الاعتقاد للراجحى ص100
4- قال على الشحود صاحب موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين
ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: (بايعنا النبي - صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، قال: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان").
وقد قرر هذا علماؤنا وأئمتنا، ونصوا على أن الحاكم إذا كفر وجب الخروج عليه، وقد نقل النووي وابن حجر والقاضي عياض وغيرهم الإجماع على ذلك.
يقول ابن حجر عن الحاكم: (انه ينعزل بالكفر إجماعًا، فيجب على كل مسلم القيام بذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض) .
ويقول القاضي عياض: (أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى انه لو طرأ عليه الكفر انعزل...)، إلى أن قال: (فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة؛ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة؛ وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز؛ لم يجب القيام، وليهاجر المسلم من أرضه إلى غيرها ويفر بدينه) .
ولأجل أداء الفرض المتعين على المسلمين في زماننا هذا نتيجة لوجود موجبات الجهاد مجتمعة - كفر الحاكم، ظهور الطوائف الممتنعة، استيلاء الكفرة والمرتدين على أراضي المسلمين، امتلاء سجون الطواغيت بأسرى المسلمين، غياب الخلافة الإسلامية ؛ قامت الجماعات الجهادية في بعض الأقطار تقاتل من كفر بالله وبدل شرعه وحارب أوليائه واستهزأ بكتابه ورسوله، مقدمة الشهداء تلو الشهداء، ومتحملة الجراح واللأواء، لا يضيرها من خذلها أو خالفها، ويكفيها بشارة نبيها - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك) .
وعلى الجماجم والأشلاء سارت قافلة القوم، ترتل قول الله تعالى:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
ومن هذه الجماعات الجهادية التي قامت دفاعاً عن حياض هذا الدين وإقامة لشرع رب العالمين؛ الجماعة الإسلامية المقاتلة، بليبيا، والتي أخذت على نفسها العهد ألا تضع السلاح حتى يحكم الله بينها وبين نظام الردة والعمالة، وحتى تُطهر ليبيا من الكفر والطغيان وترفع عليها راية التوحيد.
يقول الشيخ أبو المنذر الساعدي: (إن النظام القائم في ليبيا نظام جاهلي كافر، ويجب على كل مسلم في ليبيا أن يساهم في خلعه وقتاله بكل ما يقدر عليه من قتال فعلي، أو إعانة للمقاتلين، وإن المتخلف عن هذا الفرض الرباني لغير عذر من مرض أو عمى أو عرج أو نحو ذلك، هو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، ومرتكب الكبيرة؛ فاسق)
وقال أيضاً حفظه الله: (وليحذر المسلمون في ليبيا من الوقوف في صف هذا الطاغوت، بسلاح أو قلم أو لسان، لأن الله تعالى يقول:
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} .
إن كفر الطاغوت أظهر من الشمس في رابعة النهار، حيث بان لكل مسلم موحد رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً؛ كُفْرُ القذافي، الذي لم يترك شيئاً يُعظمه المسلمون إلا واستهزأ به، وسخر منه، حتى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لم يسلموا من سبه وشتمه واستهزائه بهم.
وقد مَرّ معنا قول الإمام محمد بن سحنون رحمه الله: (أجمع العلماء أن شاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفر وعذابه؛ كفر) .
فليحذر كل مسلم لا زال يُضفي على القذافي وأمثاله وصف الإسلام من غضب الله وسخطه، وليتفكر فيما يقوله هذا الزنديق الذي كفر بالله جهارا نهاراً، وينظر حكمه وحكم من يدافع عنه من خلال كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع أهل العلم.
ويرحم الله الشيخ المجاهد عبد الله عزام، وهو يخاطب علماء المسلمين وأئمة هذا الدين، ليقفوا الموقف الشرعي تجاه كفر القذافي وردته، فيقول:
(... وعندما تقول للعلماء؛ ماذا تفتون في القذافي الذي ما ترك موحداً إلا وضعه في السجن، وهاجرت جميع الأدمغة من ليبيا؟ ماذا تقولون أيها السادة العلماء في هذا الرجل الذي كفر بالله جهاراً نهاراً وأنكر السنة صباحاً مساء؟ ماذا قالت فضيلتكم؟ أهو مسلم؟ أما الشباب الذين يدافعون عن أعراضهم يوم أن كانوا يفرضون على البنت في المدرسة أنها لا تدخل الثانوية إلا إذا حضرت المعسكرات الثورية الإشتراكية، والتي يختلط فيها الشباب والشابات، وتُنتهك فيها الأعراض باسم القانون... ماذا تقولون في هذا؟ ولا يحق لها أن تنتقل من المرحلة الثانوية على الجامعة إلا بهذا... وعندما وجد أن الأسر الليبية قد حافظت على بناتها وأخرجتها من المدارس؛ أخرج قراراً انه لا يجوز أن يُعقد عقد الزواج لأي بنت إلا إذا كانت معها شهادة المخيمات الثورية الإشتراكية... ماذا يقول السادة العلماء في هذا؟ هل الشباب متطرفون؟ لا أظن أن دينا من الأديان يقبل أن يستسلم الإنسان لمثل هذا الظلم، ومن استسلم لمثل هذا الظلم فهو آثم في الدنيا، وعقوبته العذاب في الآخرة) .
ويقول الشيخ عبد الله عزام في موضع آخر: (هذا كتاب الله يحكم بيننا، وهذه سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ناطقة شاهدة علينا، وهذا هدي أصحابه في فهمهم لأهمية الجهاد في هذا الدين، فهل لنا من تعقيب على هذه النصوص المتواترة المتوافرة الناصعة الجلية القاطعة؟ لقد وصل اللص إلى داخل خدور المؤمنات، فهل ندعه ينتهك الأعراض ويمسخ القيم ويجتث المبادئ؟!... إن الذي ينهى شاباً عن الجهاد لا يفرق عن الذي ينهاه عن الصلاة والصوم) .
فحي على جنات عدن فإنها               
                                 منازلنا الأولى وفيها المخيــم
ولكننا سبي العدو فهل تُرى               
                                 نعودُ إلى أوطاننا ونسلـــمُ
فيا بائع الغالي ببخس معجلٍ               
                                كأنك لا تدري ولا أنت تعلمُ
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ         
                                وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
والحمد لله رب العالمين " اهـ موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين ج4ص342
5- قول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله :
" أما أهل السنة والجماعة فقد ( وضع العلماء ضوابطاً وشروطاً يجب أن تكون متوفرة في الحاكم المراد الخروج عليه ، وهذه الشروط مأخوذة من قول النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) كما في حديث عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم -) على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفراً بواحاً ، عندكم من الله فيه برهان )
وقد بيَّن فضيلة الشيخ ابن عثيمين هذه الشروط في ( الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات : 
فقال : ( فليعلم أنَّ الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط :
الشرط الأول : ( أن تروا) بمعنى أن تعلموا علماً يقينياً بأنَّ السلطة ارتكبت كفراً .
الشرط الثاني : أن يكون الذي ارتكبته السلطة ( كفراً ) فأما الفسق فلا يجوز الخروج عليهم بسببه مهما عظم .
الشرط الثالث : ( بواحاً ) أي معلناً صريحاً لا يحتمل التأويل .
الشرط الرابع : ( عندكم فيه من الله برهان ) أي :مبني على برهان قاطع من دلالة الكتاب والسنة أو إجماع الأمة .
فهذه شروط أربعة .
الشرط الخامس : يؤخذ من الأصول العامة للدين الإسلامي وهو قدرة هؤلاء المعارضين على إسقاط السلطة ، لأنه إذا لم يكن لديهم القدرة انقلب الأمر عليهم لا لهم ، فصار الضرر أكبر بكثير من الضرر المترتب على السكوت على هذه الولاية ... )اهـ كيف نعالج واقعنا الأليم : 77
6- قول الشيخ ابن باز – رحمه الله  :
 سؤال رقم 9911- هل يجوز الخروج على الحاكم ؟
السؤال : هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد ، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة ، فما رأي سماحتكم ؟.
الجواب :
الحمد لله :
القاعدة الشرعية المجمع عليها : ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ) . أما درء الشر بشرٍ أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين ، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله بها ، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين ، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس ، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير ، واختلال الأمن ، وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الاغتيال ... إلى غير هذا من الفساد العظيم ، فهذا لا يجوز ، بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ، ومناصحة ولاة الأمور ، والدعوة لهم بالخير ، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير . هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك ؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة ، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير ، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر " اهـ كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله . ج/8ص / 202.
إذن :
 الحاكم الكافر والمرتد ، وفي حكمه تارك الصلاة ونحوه ، فهؤلاء يجب الخروج عليهم ولو بالسيف إذا كان غالب الظن القدرة عليهم ، عملاً بالأحاديث :
 « ... لا إلا أن تروا كفرًا بواحًا ... » و « لا ما أقاموا فيكم الصلاة ... » و « ... ما قادوكم بكتاب الله » . ونحوها من الآيات  الأحاديث الآمرة بمجاهدة الكفار والمنافقين لتكون كلمة الله هي العليا . أما إذا لم يكن هناك قدرة على الخروج عليه فعلى الأمة أن تسعى لإعداد القدرة والتخلص من شره .
7- قول الشيخ عبد الله الدميجى :
وبناء على ما سبق فإنه يمكننا أن نستنبط ضوابط لمشروعية العزل في النقاط التالية :
أ- قيام السبب المقتضي للعزل .
ب- رجحان المصلحة العامة على المضرة .
جـ- أن يصدر العزل عن أهل الحل والعقد في الأمة ، لأنهم هم الذين أبرموا العقد معه ، فلهم وحدهم حق حله إذا استوجب ذلك شرعًا .
يلاحظ تشديد السلف رضوان الله عليهم في النهي عن الخروج على أئمة الجور بالسيف والأمر بالصبر عليهم ، وذلك لما يلي :
أ- عملاً بالأحاديث الواردة في ذلك كما سبق .
ب- حرصًا على تجنب الفتن وتعرض الأمة لها ، وإراقة الدماء في غير محلها .
جـ- ومحافظة على هذا المنصب الجليل في الأمة الذي متى ضعف استهانت بهم أعداؤهم ، ومتى قوي خافتهم وهابتهم .
ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أنه الإجلال لأولئك العصاة واحترامهم ، ولا خوف منهم ، ولا الطمع فيما في أيديهم وكسب رضاهم ، يدل على ذلك سيرتهم معهم ، وما يلقونه بسببهم من المحن ، وهي مشهورة منشورة ، ومدونة في بطون الكتب . والله أعلم " اهـ الإمامة العظمى الدميجى ص497
8- قال سيد قطب – رحمه الله – رحمه الله :
" ثم يخطو يوسف عليه السلام خطوة أخرى في تفنيد عقائد الجاهلية وأوهامها الواهية :
{ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } . .
إن هذه الأرباب سواء كانت من البشر أم من غير البشر من الأرواح والشياطين والملائكة والقوى الكونية المسخرة بأمر الله ليست من الربوبية في شيء ، وليس لها من حقيقة الربوبية شيء . فالربوبية لا تكون إلا لله الواحد القهار؛ الذي يخلق ويقهر كل العباد . . ولكن البشر في الجاهليات المتعددة الأشكال والأوضاع يسمون من عند أنفسهم أسماء ، ويخلعون عليها صفات ، ويعطونها خصائص؛ وفي أول هذه الخصائص خاصية الحكم والسلطان . . والله لم يجعل لها سطاناً ولم ينزل بها من سلطان . .
وهنا يضرب يوسف عليه السلام ضربته الأخيرة الحاسمة فيبين : لمن ينبغي أن يكون السلطان! لمن ينبغي أن يكون الحكم! لمن ينبغي أن تكون الطاعة . . أو بمعنى آخر لمن ينبغي أن تكون « العبادة »!
{ إن الحكم إلا لله . أمر ألا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . .
إن الحكم لا يكون إلا لله . فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته . إذ الحاكمية من خصائص الألوهية . من ادعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته؛ سواء ادعى هذا الحق فرد ، أو طبقة ، أو حزب . أو هيئة ، أو أمة ، أو الناس جميعاً في صورة منظمة عالمية . ومن نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته وادعاها فقد كفر بالله كفراً بواحاً ، يصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة ، حتى بحكم هذا النص وحده!
وادعاء هذا الحق لا يكون بصورة واحدة هي التي تخرج المدعي من دائرة الدين القيم ، وتجعله منازعاً لله في أولى خصائص ألوهيته سبحانه فليس من الضروري أن يقول : ما علمت لكم من إله غيري؛ أو يقول : أنا ربكم الأعلى ، كما قالها فرعون جهرة .
ولكنه يدعي هذا الحق وينازع الله فيه بمجرد أن ينحي شريعة الله عن الحاكمية؛ ويستمد القوانين من مصدر آخر . وبمجرد أن يقرر أن الجهة التي تملك الحاكمية ، أي التي تكون هي مصدر السلطات ، جهة أخرى غير الله سبحانه . . ولو كان هو مجموع الأمة أو مجموع البشرية . والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله؛ ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته . إنما مصدر الحاكمية هو الله . و كثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة و بين مصدر السلطة . فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده . والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه ، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية ، وما أنزل الله به من سلطان "اهـ الظلال ج4ص310
يستفاد مما سبق :
1- انعقاد الإجماع على أمور منها : إجماع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر
2- إجماع العلماء على عدم إنعقاد الإمامة لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل
3- وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها
4-  تغيير الشرع ،قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع ،خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك
5- كفر العلمانيين من الحكام ، ووجوب الخروج عليهم لظهور كفرهم ، كما قال الشيخ الراجحى ، وسيأتي تفصيل لذلك
6- تارك الصلاة كافر ، وكفره بواح ، وإن كان حاكما وجب الخروج عليه ، بالضوابط الصحيحة





الفصل الثالث

الحالات التى يكون فيها الكفر بواحا صراحا

الحالة الأولى : الحكم بغير ما أنزل الله
كون الحكم بغير ما أنزل الله ، أو تغيير واستبدال بعض الشرع من الكفر البواح ، ثبت بالنص والإجماع
أما الكتاب : فالنصوص فى القرآن كثيرة منها :
1- قال تعالى: {فلا وربِّكَ لا يُؤمِنونَ حتى يُحكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بينهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أنفسهِم حَرَجاً مِمَّا قضَيتَ ويُسلّموا تَسليماً} [النساء: 65]
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى-في تفسير هذه الآية:
«يُقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكّم الرسول r في جميع الأمور فما حَكَمَ به فهو الحقّ الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً... أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكَمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيُسلمون لذلك تسليماً كُلّياً من غير مُمانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"»اهـ تفسير القرآن العظيم جـ1 صـ 532.
قلت : هذا الحديث قال عنه الإمام النووى – رحمه الله – فى الأربعين النووية " حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ "الْحُجَّةِ" بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ."
ولكن قال عنه الشيخ الألباني – رحمه الله " سنده ضعيف " كما فى مشكاة المصابيح ج1ص36
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله: «قال ابن جرير: قوله "فلا" ردٌ على ما تقدّم ذكره، تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك»
ثم قال الشوكاني: «والظاهر أن هذا شاملٌ لكل فرد في كل حكم».اهـ فتح القدير جـ1 صـ 483 
والشاهد:أن الآية دلت على أن الذى لا يتحاكم إلى شرع الله ، بل تحاكم إلى غيره لا يكون مؤمنا ، ونفى الإيمان دليل على إثبات الكفر، لأن الذى نفى عنهم الإيمان هو الله – جل وعلا – وإذا نفى الله – تعالى - الإيمان عن أحد فالمراد نفى الصحة ، كما هو معلوم 0 
قال الإمام الجصاص – رحمه الله : " وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو خارج من الإسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي - صلى الله عليه وسلم  - قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان " اهـ ج3 ص181
والشاهد : أن سبب الكفر قد يكون من باب الشك ، أو من باب ترك القبول والامتناع من التسليم ، لأن ترك القبول يناقض شروط كلمة التوحيد كما هو معلوم
ورحم الله سيد قطب عندما قال حول هذه الآية :
" ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحدّ الإسلام . يقرره الله سبحانه بنفسه . ويقسم عليه بذاته . فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام ، ولا تأويل لمؤول .
اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام . . وهي أن هذا القول مرهون بزمان ، وموقوف على طائفة من الناس! وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئاً؛ ولا يفقه من التعبير القرآني قليلاً ولا كثيراً . فهذه حقيقة كلية من حقائق الإسلام؛ جاءت في صورة قسم مؤكد؛ مطلقة من كل قيد . . وليس هناك مجال للوهم أو الإيهام بأن تحكيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو تحكيم شخصه . إنما هو تحكيم شريعته ومنهجه . وإلا لم يبق لشريعة الله وسنة رسوله مكان بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وذلك قول أشد المرتدين ارتداداً على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - وهو الذي قاتلهم عليه قتال المرتدين . بل قاتلهم على ما هو دونه بكثير . وهو مجرد عدم الطاعة لله ورسوله ، في حكم الزكاة؛ وعدم قبول حكم رسول الله فيها ، بعد الوفاة!
وإذا كان يكفي لإثبات « الإسلام » أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله . . فإنه لا يكفي في « الإيمان » هذا ، ما لم يصحبه الرضى النفسي ، والقبول القلبي ، وإسلام القلب والجنان ، في اطمئنان!
هذا هو الإسلام ،وهذا هو الإيمان . . فلتنظر نفس أين هي من الإسلام؛ وأين هي من الإيمان! قبل ادعاء الإسلام وادعاء الإيمان!" اهـ فى ظلال القرآن ج2ص171
2- قال تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 60]
قال ابن كثير رحمه الله: «هذا إنكارٌ من الله عز وجل على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله r وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله تعالى والى غير سنة رسوله r»،
ثم تكلم عن سبب نزول هذه الآية حتى انتهى قائلاً: «والآية أعمّ من ذلك كله فإنها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت»اهـ تفسير القرآن العظيم جـ1 صـ 531
يقول سيد قطب – رحمه الله -
" ألم تر إلى هذا العجب العاجب . . قوم . . يزعمون . . الإيمان . ثم يهدمون هذا الزعم في آن؟! قوم
{يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } . ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك؟ إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر ، وإلى منهج آخر ، وإلى حكم آخر . . يريدون أن يتحاكموا إلى . . الطاغوت . . الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . ولا ضابط له ولا ميزان ، مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . . ومن ثم فهو . . طاغوت . . طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية . وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضاً! وهم لا يفعلون هذا عن جهل ، ولا عن ظن . . إنما هم يعلمون يقيناً ويعرفون تماماً ، أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه : { وقد أمروا أن يكفروا به } . . فليس في الأمر جهالة ولا ظن . بل هو العمد والقصد . ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم . زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب . .
{ ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت . وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت! هذا هو الدافع يكشفه لهم . لعلهم يتنبهون فيرجعوا . ويكشفه للجماعة المسلمة ، لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك" اهـ الظلال ج2ص167
والشاهد : أن هذه الآية دلت بوضوح وجلاء على أن من تحاكم إلى غير حكم الله فقد آمن بالطاغوت الذى أمر أن يكفر به ، وكفر بالله الذى أمر أن يؤمن به ، وهذا هو الكفر البواح
3- قال تعالى " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة : 50]
قال الحافظ بن كثير عند  تفسير هذه الآية:
" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير" اهـ ج3ص131
قال العلامة أحمد شاكر – رحمه الله –
قال معلقاً على كلام الحافظ ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون} :
«أقول: أَفَيَجُوز في شرع الله تعالى أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيّرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أَوَافق شِرعة الإسلام أم خالفها؟ إن المسلمين لم يُبلوا بهذا قط -فيما نعلم من تاريخهم- إلاّ في ذلك العهد عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شِرعته، وزال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبما أن الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلّموه ولم يعلّموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره، أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير -في القرن الثامن- [الهجري] لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر الهجري؟ إلاّ في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمن سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً، وأشد ظلماً وظلاماً منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك "الياسق" الذي اصطنعه رجلٌ كافرٌ ظاهرُ الكفر، هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلّمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباءً وأبناء، ثم يجعلون مردّ أمرهم إلى معتنقي هذا "الياسق العصري" ويُحَقِّرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم "رجعياً" و "جامداً" إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة، بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى "ياسقهم" الجديد بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرّحون ولا يستحيون بأنهم يعملون على فصل الدولة من الدين! أفيجوز إذن - مع هذا- لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد؟ أَوَ يَجوز لرجل مسلم أن يليَ القضاء في ظل هذا "الياسق العصري" وأن يعمل به ويُعرِض عن شريعته البيّنة؟ ما أظنّ أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويُؤمن به جملة وتفصيلا ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم كتاباً مُحكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول r الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلاّ أن يجزم غير متردد ولا متأول، بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة، إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كُفرٌ بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عُذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائناً من كان- في العمل بها، أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكل امرئٍ حسيبُ نفسه».اهـ عمدة التفسير جـ4صـ 171-172
أقول : والآيات فى ذلك كثيرة سوف نذكرها فى بحث مستقل – إن شاء الله تعالى -
أما الإجماع :
فقد نقل الإجماع أكثر من عالم من علماء المسلمين، على أن من رد شيئا من كتاب الله تعالى ، أو غيّر حكما من أحكام الدين فهو كافر بلا ريب أوشك 
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في(الصارم المسلول ص 15)
وقال الإمام إسحاق بن راهوية أحد الأئمة الأعلام : أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله " اهـ
قلت : فإذا كان هذا حكم من دفع شيئا مما أنزل الله ، فكيف بمن يردون أكثر الدين ، بل مع فصلهم الدين عن الدنيا ، بل مع محاربة الملتزمين بالدين ...
2- قال الإمام أبو يعلى – رحمه الله:
«ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح، أو من رسوله r، أو أجمع المسلمون على تحريمه، فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله صلى الله عليه وسلم أو المسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر، كمن حرّم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل... ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين»اهـ المعتمد في أصول الدين ص271-272.
قلت : وأنظمة الحكم الآن قد أباحت ما حرم الله تعالى ، فقد أباحوا شرب الخمور وفتحوا المصانع التى تقوم بتصنيع هذه الخمور ، وأعطوا تراخيص بصدد ذلك لتداولها ، أضف إلى ذلك تحليل الربا إلى غير ذلك
3-       يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى:
«والإنسان متى حلَّل الحرام المجمع عليه وحرَّم الحلال المجمعُ عليه أو بدَّل الشرع المجمعُ عليه كان كافراً مرتداً باتّفاق الفقهاء». مجموع الفتاوى، جـ3 صـ267.
وقال شيخ الإسلام لما سئل عن قتال التتار:
 فقال: "كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة من هؤلاء القوم أو غيرهم؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه؛ كما قاتل أبو بكر والصحابة - رضي الله عنهم - مانعي الزكاة، وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم.
قال: فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، أو الأموال، أو الخمر أو الميسر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد ... فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء. قال: وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة، بل هم خارجون عن الإسلام"اهـ مجموع الفتاوى جـ28 صـ 503
وسئل : ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في رجل قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ولم يصل ولم يقم بشيء من الفرائض وأنه لم يضره ويدخل الجنة وأنه قد حرم جسمه على النار ؟ وفي رجل يقول : أطلب حاجتي من الله ومنك : فهل هذا باطل أم لا ؟ وهل يجوز هذا القول أم لا ؟
 أجاب : الحمد لله إن من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق ولا يحرم ما حرم الله ورسوله من الفواحش والظلم والشرك والإفك : فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل باتفاق أئمة المسلمين ولا يغني عنه التكلم بالشهادتين 0
 وإن قال : أنا أقر بوجوب ذلك علي وأعلم أنه فرض وأن من تركه كان مستحقا لذم الله وعقابه لكني لا أفعل ذلك : فهذا أيضا مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة باتفاق المسلمين ويجب أن يصلي الصلوات الخمس باتفاق العلماء وأكثر العلماء يقولون : يؤمر بالصلاة فإن لم يصل وإلا قتل فإذا أصر على الجحود حتى قتل كان كافرا باتفاق الأئمة لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين" اهـ الفتاوى الكبرى ج3ص478
4-      يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله –
فى كلام واضح وصريح حول حكم الخارجين عن الشريعة كالتتار وأمثالهم
يقول: "... فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين" ) اهـ البداية والنهاية 13 / 119
فالإمام - رحمه الله - اعتبر مجرد الترك، كفر وحكى الإجماع على ذلك
5-      قال العلامة الشنقيطى – رحمه الله :
" ومن هدي القرآن للتي هي أقْوَم - بيانه أن كل من اتبع تشريعاً غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه فإتباعه لذلك التشريع المخالف كفر بواح ، مخرج عن الملة الإسلامية .
ولما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم : الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ فقال لهم : « الله قتلها » فقالوا هل : ما ذبحتم بأيديكم حلال ، وما ذبحه الله بيده الكريمة تقولون إنه حرام! فأنتم إذن أحسن من الله!؟ - أنزل الله فيهم قوله تعالى :
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 121 ]
وحذف الفاء من قوله { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } يدل على قسم محذوف على حد قوله فى الخلاصة :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ...
                             جَواب ما أخرت فهو ملتزم
إذ لو كانت الجملة جواباً للشرك لاقترنت بالفاء على حد قوله في الخلاصة أيضاً :
واقرن بفا حتماً جواباً لو جعل ...
                          شرطاً لأن أو غيرها لم ينجعل
فهو قسم من الله جلَّ وعلا أقسم به على أن من اتبع الشيطان في تحليل الميتة أنه مشرك ، وهذا الشرك مخرج عن املة بإجماع المسلمين "اهـ أضواء البيان ج3ص130
6-      قال الشيخ محمود شاكر – رحمه الله :
قال: «اللهم إني ابرأ إليك من الضلالة وبعد: فإن أهل الريب والفتن ممن تصدّروا الكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله تعالى وفي القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير شريعة الله تعالى التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام... فهذا الفعل إعراض عن حكم الله تعالى ورغبة عن دينه، وإيثارٌ لأحكام أهل الكفر على حكمه سبحانه وتعالى، فهذا كفرٌ لا يشكُّ فيه أحد من أهل القبلة -على اختلافهم- في تكفير القائل به والداعي إليه، والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى عامّة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غيرُ حكمه في كتابه وسنة نبيه r وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله تعالى، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله تعالى المنزلة... فمن احتجّ بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصرّ على كفره معروف لأهل هذا الدين». عمدة التفسير جـ4 صـ 157.
6- قال عبد القادر عودة – رحمه الله -
وقال أيضاً: «ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر في عصرنا الحاضر الامتناع عن الحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً منها، والأصل في الإسلام أن الحكم بما أنزل الله واجب وأن الحكم بغير ما أنزل الله محرمٌ ونصوص القرآن صريحة وقاطعة في هذه المسألة... ومن المتفق عليه أن من رد شيئاً من أوامر الله أو أوامر رسوله r فهو خارج عن الإسلام سواء رده من جهة الشك أو من جهة ترك القبول أو الامتناع عن التسليم» اهـ الإسلام وأوضاعنا القانونية ص35
7- الإمام ابن حزم - رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {إنما النسيءُ زيادةٌ في الكفرِ} [التوبة: 37]:
«وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون ألبتة إلاّ منه لا من غيره، فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله» الفصل 3/245.
قال الشيخ الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في تعليقه على قول ابن حزم:
«وهؤلاء المشرّعون ما لم يأذن به الله تعالى، إنما وضعوا تلك الأحكام الطاغوتية لاعتقادهم أنها أصلح وأنفع للخلق وهذه ردة عن الإسلام، بل إن اعتبار شيء من تلك الأحكام ولو في أقل القليل [يعتبر] عدم رضا بحكم الله ورسوله r فهو كفر ناقل عن الملة، إضافة إلى أن هذا التشريع يُعدّ تجويزاً وتسويغاً للخروج على الشرع المنزّل، ومن سوّغ الخروج على هذه الشريعة فهو كافرٌ بالإجماع»اهـنواقض الإيمان القولية والعملية صـ 313.
8- قال الشيخ عبد عزام – رحمه الله -
«الذين يشرّعون بغير ما أنزل الله كفارٌ وإن صلّوا وصاموا وأقاموا الشعائر الدينية، والقانونُ الذي يحكم في الأعراض والدماء والأموال هو الذي يُحدد هوية الحاكم من حيث الكفر والإيمان...»اهـ مفهوم الحاكمية في فكر الشهيد عزام، صـ 3
ثم قال - رحمه الله تعالى :
«فالعبادة إذن قوانين وشرائع وتحريم وتحليل فإن كانت هذه القوانين والشرائع من عند الله فالعبودية لله وإن كانت هذه القوانين من عند البشر فالعبودية تقع للبشر ولو صام الناس وصلوا وقاموا بالشعائر الدينية الأخرى، فهي واضحة جدّ الوضوح وقضية حاسمة لا لَبَس فيها ولا غموض ولا لعثمة، وقد اتفق الفقهاء جميعاً على «أن من أحل الحرام فقد كفر ومن حرم الحلال فقد كفر» وليست القوانين الوضعية إلاّ التحليل والتحريم والإباحة والمنع " اهـ مفهوم الحاكمية في فكر الشهيد عزام، صـ10
9- قال عبد القادر عبد العزيز :
«...والذي يخرج به أن كفر الحكام الحاكمين بالقوانين الوضعية هو محل اتفاق بين أهل العلم، وقد تعاضدت النصوص مع الإجماع على بيان كفرهم ولا يخالف في هذا إلاّ أحد رجلين: جاهلٌ، أو صاحب هوى، وإن كان من المنتسبين إلى العلم الشرعي" اهـ الجامع في طلب العلم الشريف صـ 898
10- قال الشيخ يحيى الزهرانى :
ومن حق الله على عباده أن يتحاكموا إليه سبحانه ولا يقبلوا حكم غيره ، قال تعالى : [ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ] 
وقال تعالى :[ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ]
وقال تعالى : [ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ] " المائدة 44/45/47 " .
فلا يحكم الإنسان إلا بما أنزل الله عز وجل ، ومن حكم بغير ما أنزل الله واستحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كافر كفراً أكبر ، وظالم ظلماً أكبر ، وفاسق فسقاً أكبر ، فهو كافر عند جميع المسلمين " اهـ حق الله تعالى على عباده ص28
11- قال الشيخ ابن باز – رحمه الله -
" ويدخل في القسم الرابع : من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام ، أو أنها مساوية لها ، أو أنه يجوز التحاكم إليها ، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل ، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين ، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين ، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه ، دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى .
ويدخل في الرابع أيضا : من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر . ويدخل في ذلك أيضا : كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما ، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة ؛ لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرمه الله إجماعا ، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ؛ كالزنا ، والخمر ، والربا ، والحكم بغير شريعة الله - فهو كافر بإجماع المسلمين " اهـ نواقض الإسلام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص6
12- قال عبد الرحمن بن قاسم – رحمه الله -
" وقال شيخنا: " المرتضي بالسياسات والقوانين كافر يجب قتله، وإن المنافقين أشد من الكفار الخلص، ومن ظن أن حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه فهو كافر بإجماع المسلمين ،فالله المستعان "اهـ حاشية كتاب التوحيد ص56
13- تعليق الشيخ عبد الرحمن صالح المحمود على كلام للشاطبى – رحمه الله -
قال الشاطبى "ووجه ثان: أن البدع إذا تؤمل معقولها؛ وجدت رتبها متفاوتة: - فمنها ما هو كفر صراح؛ كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن؛ كقوله تعالى: "وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا [الأنعام:136]
وقوله تعالى: "وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ [الأنعام:139]
 وقوله تعالى: "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ" [المائدة:103]
 وكذلك بدعة المنافقين، حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال، وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح." اهـ الاعتصام ج2ص37
قال عبد الرحمن صالح المحمود :" فما الذى يدخل فى قوله " وما أشبه ذلك " ؟ لا شك أن القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله تدخل دخولا أوليا ، والسبب أن هذه القوانين مثل قوانين الجاهلية ، تشريع من دون الله ... " اهـ الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه ص177-178 
14- قال الشيخ صلاح الصاوى
قال: «إنّ هذا الذي ذكرناه من أنّ تحكيم الشريعة شرط في ثبوت عقد الإسلام، وأنه لا يتحقق الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد r نبياً ورسولاً إلاّ بالانقياد لشريعة الله والإقرار بجميع ما أنزل الله تصديقاً وانقياداً وأن من ترك شيئاً من ذلك فقد كفر، هو من الحقائق المعلومة بالضرورة من الدين وقد انعقد عليها إجماع المسلمين جيلاً بعد جيل، ولا يزال أهل العلم قديما وحديثاً ينصُّون عليها في عقائدهم، ويبيّنونها في مصنّفاتهم لا يُعرف في ذلك مخالف على مدى هذه القرون المتعاقبة" اهـ انظر كتابه: فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله، صـ68-69.
وقال كذلك في بحث آخر: «فمن امتنع عن التزام الحكم بشرائع الإسلام، وتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله، وشرع للناس من الأحكام ما لم يأذن به الله فإنّه يكون مستجيزاً مخالفة حكم الله، مستحلاًّ للحكم بغير ما أنزل الله، وتكفيره معلوم بالاضطرار من دين الإسلام.
ولا شكّ أنّ من أقدم على نقض أحكام الله وتبديل شرائعه، وأحلّ أهواء البشر محلّها طائعاً مختاراً، وسنّ للأمّة بذلك نظماً ثابتة، وألزمها بالحكم بها والتحاكم إليها فإنّه مشرك بالله العظيم كافر بربوبيّته وألوهيّته»" اهـ تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين" للصاوي ص31.
15- قال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان
قال: «إنّ كفر الحاكم بغير ما أنزل الله أخفّ من كفر من كفر بالله وملائكته.. ولا يعني هذا أنّ الحاكم مسلم وأنّ كفره كفر أصغر، كلاّ بل هو خارج عن الدين لتنحيته الشرع، وقد نقل ابن كثير الإجماع على هذا" فانظر البداية والنهاية 13/119»اهـ التبيان شرح نواقض الإسلام – هامش ص28
أقوال أخرى للعلماء
1- قال ابن حزم – رحمه الله -
«فإن كان يعتقد أن لأحد بعد موت النبي r أن يحرم شيئا كان حلالاً إلى حين موته r أو يحل شيئا كان حراماً إلى حين موته r أو يوجب حدا لم يكن واجباً إلى حين موته r أو يشرّع شريعة لم تكن في حياته r فهو كافر مشركٌ حلال الدم والمال حكمه حكم المرتد ولا فرق»اهـ الإحكام ج1/73.
وقال أيضا:
«وأما من ظن أن أحداً بعد موت رسول الله r ينسخ حديث النبي r ويحدث شريعة لم تكن في حياته r فقد كفر وأشرك وحل دمه وماله ولحق بعبدة الأوثان، لتكذيبه قول الله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، وقال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، فمن ادعى أن شيئا مما كان في عصره r على حكم ما ‎ثم بدل بعد موته فقد ابتغى غير الإسلام دينا لأن تلك العبادات والأحكام والمحرمات والمباحات والواجبات التي كانت على عهده r، هي الإسلام الذي رضيه الله تعالى لنا وليس الإسلام شيئا غيرها، فمن ترك شيئا منها فقد ترك الإسلام، ومن أحدث شيئا غيرها فقد أحدث غير الإسلام، ولا مرية في شيء أخبرنا الله تعالى به أنه قد أكمله، وكل حديث أو آية كانا بعد نزول هذه الآية‎ فإنما هي تفسير لما نزل قبلها وبيان لجملتها وتأكيد لأمر متقدم، وبالله تعالى التوفيق»اهـ الإحكام ج2/144،145
2- قال شيخ الإسلام – رحمه الله -
والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله وشرع ذلك دينا فقد جعل لله ندا ولرسوله نظيرا بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أندادا أو بمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب وهو ممن قيل فيه : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " اهـ مجموع الفتاوى ج5ص14
وقال أيضا :
فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر" اهـ مجموع الفتاوى جـ11، صـ262
3- قال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهى :
قال: «...فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلاّ بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدة وعبادة وأحكاماً وأخلاقا وسلوكاً ونظاماً، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله، هو حكم بأحكام طاغوتية... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة، فمن فرّق بينها في الحكم فهو ملحدٌ زنديقٌ كافرٌ بالله العظيم»اهـ السلسبيل (على حاشية زاد المستقنع) جـ2صـ384.
4- قال الشيخ عبد الله بن حميد :
قال: «ومَن أصدر تشريعاً عاماً مُلزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يَخرج من الملة [ويكون] كافراً» فمناط التكفير هو التشريع من دون الله تعالى" اهـ أهمية الجهاد لعلي العلياني، صـ 196.
وأقوال العلماء فى ذلك كثيرة جدا ليس هذا موضع تفصيلها وذكرها ، وقد نذكرها فى موضع آخر – إن شاء الله تعالى

الحالة الثانية من حالات الكفر البواح

العلمانية كفر بواح
أولا : المراد بالعلمانية :
"تعرف العلمانية بأنها محاولة فصل الدين عن أحكام الحياة"
يقول الشيخ محمد قطب: "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالدنيا وحدها" اهـ مظاهر التشبه بالكفار ج1ص182
والعلمانية ثلاثة معاني: 1- دنيوي 2- غير ديني
3- مدني
ويقول الشيخ محمد قطب: "وهي ترجمة مضللة لأنها توحي بأن لها صلة بالعلم, بينما هي في لغاتها الأصلية لا صلة لها بالعلم. بل المقصود بها في تلك اللغات هو إقامة الحياة بعيداً عن الدين, أو الفصل الكامل بين الدين والحياة"، فكان الأولى أن تكون الترجمة باسم: (اللادينية)" اهـ مظاهر التشبه بالكفار ج1ص186
ومن المعلوم أن العلاقة بين الإسلام والعلمانية علاقة تناقضية إذ فيه إثبات الإسلام ونفيه وهما لا يجتمعان في فرد، إذ إن العلمانية تعني اللادينية، وعليه فلا يصح أن يقول أحدهم: إنه علماني مسلم فهذا كأنه يقول: إنه كافر إسلامي! فهل تصح هذه العبارة؟!.
ثانيا : العلمانية نظام طاغوتي جاهلي كافر
وانطلاقاً من هذا المفهوم - الذي يعتبر في حقيقة الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة عند أهل السنة والجماعة- نستطيع أن نرى حكم الإسلام في العلمانية بسهولة ووضوح. ونستطيع أن نصل بالقضية إلى المستوى المطلوب من الحسم والوضوح في نفوس أهل السنة اللازمين لفضح العلمانية ومواجهتها.
إن العلمانية باختصار " نظام طاغوتي جاهلي كافر" يتنافى ويتعارض تماماً مع شهادة "لا إله إلا الله" من ناحيتين أساسيتين متلازمتين:
الأولى: من ناحية كونها - أي العلمانية - حكما بغير ما أنزل الله.
الثانية: من ناحية كونها شركاً في عبادة الله.
إن العلمانية تعني - بداهة- الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم غير شريعة الله وقبول الحكم والتشريع والطاعة والإتباع من طواغيت من دون الله. فهذا معنى قيام الحياة على غير الدين أو بعبارة أخرى فصل الدين عن الدولة، أو فصل الدين عن السياسة، ومن ثم فهي- بالبديهة أيضا- نظام جاهلي لا مكان لمعتقده ولا لنظامه ولا لشرائعه في دائرة الإسلام. بل هو نظام كافر بنص القرآن الكريم {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44].
سؤال :
لماذا التردد في الحكم على الأنظمة العلمانية بالكفر؟
إذا كان الأمر كذلك، فهل يبقى بعد هذا أي مجال للشك أو التردد في حسم هذه القضية في نفوس أهل السنة تجاه العلمانية؟
الحق أنه لا مجال لشيء من ذلك، ولكن الغياب المذهل لحقائق الإسلام من العقول والغبش الكثيف الذي أنتجته الأفكار المنحرفة، هما اللذان يجعلان كثيراً من الناس يثيرون شبهات متهافتة لم تكن لتستحق أدنى نظر لولا هذا الواقع المؤلم الذي يعتبر من أشد عوائق الانطلاقة الكبرى المرتقبة لأهل السنة والجماعة بمشيئة الله.
فمن هذه الشبهات:
 1- استصعاب بعض الناس إطلاق لفظ الكفر أو الجاهلية على من أطلقها الله تعالى عليه من الأنظمة والأوضاع والأفراد،
2- وبذريعة أن هذه الأنظمة - ولا سيما العلمانية الديمقراطية- لا تنكر وجود الله،
3- وبذريعة أن هذه الأنظمة العلمانية الديمقراطية لا تمانع في إقامة بعض شعائر التعبد،
4- وبحجة أن بعض قيادات الأنظمة العلمانية الديمقراطية يتلفظون بالشهادة ويقيمون الشعائر من صلاة وصيام أو حج وصدقة، ويظهرون احترامهم في المناسبات العامة لمن يسمون ب(رجال الدين)!! والمؤسسات الدينية.
وفي ظل هذه الشبهات المتهافتة المردودة، يستصعب بعض الناس، ومنهم - للأسف الشديد- بعض من يرفع راية الدعوة الإسلامية اليوم، القول بأن الأنظمة العلمانية الديمقراطية أنظمة جاهلية كافرة وأن المؤمنين بها المتبعين لها جاهليون كافرون.
ومن الواضح جدا أن الذين يلوكون هذه الشبهات، لا يعرفون معنى "لا إله إلا الله"، ولا مدلول "الإسلام". وإن جاز هذا في حق البعض على فرض حسن الظن بهم، فهو لا يجوز في حق كثير من المثقفين المطلعين على حقائق الأمور، وبالذات بعض من يرفعون راية الدعوة الإسلامية اليوم ويتعللون بهذه العلل الواهية.
ولا نملك إلا أن نذكر هؤلاء بأن تاريخ الدعوة الإسلامية وصراع أهل السنة والجماعة المرير عبر القرون، بل والقرآن الكريم كله من أوله إلى آخره ومثله السنة المطهرة لتقطع الطريق على هذه الشبهة وقائليها.
وهل تحمل الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه العنت والمشقة والحرب والجهاد ثلاثاً وعشرين متوالية، وهل نزل القرآن موجهاً وآمراً وناهياً طوال هذه السنين من أن أجل أن يقول الجاهلون باللسان فقط... " لا إله إلا الله"، ويقيموا الشعائر التي يمن دعاة العلمانية على الله أنهم يسمحون بها اليوم.
وما الفرق بين قول قريش.. يا محمد اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، وبين قول العلمانيين لفظاً وحالاً: نعبد الله في المسجد ونطيع غيره في المجالس التشريعية والبرلمان وفي القضاء والتجارة والسياسة!!
أهو شيء آخر غير أن قسمة أولئك زمنية، وقسمة هؤلاء مكانية أو موضوعية!!..
دستور التتار ودستور العلمانيين :
ويقول الشيخ ابن كثير - رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}
" ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم (جنكيز خان) الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيره، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد هواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير)اهـ [تفسير ابن كثير 2/70].
إذا تأملنا ذلك، ونظرنا إلى دستور العلمانيين وجدناه عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها (جنكيز خان العلمانيين) من شرائع شتى من الرومانية والفرنسية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في أتباع العلمانيين شرعاً متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-  وأصدروا قواعد تشريعية عامة بدلوا بها شرائع الإسلام لتكون لها السيادة في الأمة ولتصبح هي المرجع في الحكم عند التنازع. وأصبح التحاكم إلى القوانين الوضعية التي تحل الربا والزنا والفواحش هو دين العلمانيين وشريعتهم.
وأصبح هؤلاء العلمانيون وأتباعهم يتحاكمون إلى القوانين الديوثية التي لا تجيز للزوج أن يرفع دعوى ضد زوجته بتهمة الزنا إلا إذا فاجأها وهي تزني على فراش الزوجية! وحتى إذا ما أخذته دوافع الغيرة وحاول أن يقتل عشيق زوجته فسبقه العشيق وقتل الزوج. فإن عشيق الزوجة الزانية يمكنه بالقانون أن يثبت براءته تحت ظل عدالة وديمقراطية وسماحة القوانين الوضعية بحجة أنه كان في وضع "دفاع عن النفس"!!
أما الزوجة الزانية فلا يستطيع أحد أن يخدش حياءها ويوجه لها تهمة الزنا لأنه في ظل هذه القوانين العلمانية الديوثية لا يستطيع أحد أن يرفع دعوى بتهمة الزنا ضد الزوجة إلا زوجها. وقد مات الزوج!! إذن فهي بريئة!!
فما ظنكم بهؤلاء العلمانيين الذين يستعلنون بالفصل بين الدين والدولة وأن إدارة الكون شركة بينهم وبين الله، فلله حكم العقائد والعبادات ولهم ما وراء ذلك من جميع المعاملات؟.
وما ظنكم بهؤلاء الذين لا شارع لهم إلا البرلمان، ولا سيادة عندهم إلا للأمة، ولا قدسية لديهم إلا للقوانين الوضعية؟.
ما ظنكم بهؤلاء الذين يزعجهم - كما يزعج أسيادهم في الغرب والشرق- تنامي التيار الإسلامي ويرونه خطراً داهماً على سلطانهم؟
ألا ينطبق عليهم قول ابن كثير - رحمه الله: "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه، فمن فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين" اهـ [البداية والنهاية لابن كثير: 13/119].
وبذلك يتضح أن تلك الشبهة - شبهة تلفظ بعض العلمانيين بالشهادة وإقامة بعض الشعائر- لا وزن لها ولا اعتبار إلا عند البلهاء أو المنافقين والزنادقة.
سؤال :
لماذا تتمسح الأنظمة العلمانية بالدين وتدعي الإسلام؟
والسؤال الآن هو: لماذا تصر الأنظمة العلمانية على التمسح بالدين وادعاء الإسلام رغم أنها - على ما يبدو في الظاهر- تسيطر على مراكز القوة والحكم والتشريع؟
وللإجابة على ذلك، يجب أن نعلم أولاً أنه بعد أن نجحت الجاهلية- مؤقتا- في تنحية شرع الله من أن يحكم حياة المسلمين في ديارهم حاول أعداء الإسلام إخراج المسلمين عن أصل دينهم إلى المذاهب الإلحادية والمادية.
وبعد أن فشلوا في تنفيذ هذا المخطط وأصابهم اليأس من ذلك، لجأوا - بعد التفكير والتدبير - إلى ما هو أخبث وأخطر، لجأوا إلى اصطناع أنظمة تحكم بغير ما أنزل الله وفي الوقت نفسه هي تدعي الإسلام، وتظهر احترام العقيدة بوسائل مختلفة، فقتلوا إحساس الجماهير وضمنوا ولاءها وخدروا ضميرها، ثم انطلقوا يهدمون شريعة الله في مأمن من انتفاضتها.
ولذلك لا يجرؤ أرباب هذه الأنظمة العلمانية الديمقراطية على التصريح بأنهم ملحدون أو لا دينيون أو أنهم ضد شريعة الله. بينما يصرحون - مفتخرين- بنهم ديمقراطيون مثلا!!.
شعارات العلمانيين وراياتهم :
لذلك تبلورت شعارات العلمانيين وأفكارهم التي تعبر في جوهرها عن حقيقة الجاهلية ولكنها وبخبث شديد وتدبير محكم تحاول أن تنتسب إلى الدين بتبجح غريب ومكر وضيع، فأعلنوا شعار "تطوير الشريعة". ورفعوا راية "مرونة الشريعة لتلبية حاجات العصر". ثم نادوا بعد ذلك بشعار "تقنين الشريعة". وذلك حتى لا ينفر من هذه الأفكار جمهور المسلمين، فهم يريدون أن تسري العلمانية ببطء في عقول ونفوس جمهور المسلمين سريان السم البطيء الذي يودي بحياة صاحبه دون أن ينتبه له جسده.. وذلك بجرعات منتظمة تحت شعار " التدرج في تطبيق الشريعة"!!
والعلمانية الديمقراطية كما هو معروف تجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره، وتجعل الشريعة والتعامل لغير الله ووفق أمر غيره. وذلك معنى قولهم "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" أي "فصل الدين عن الدولة". وكما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن هذا هو عين الشرك في حقيقته وأصله.
ولكنهم يستميتون حتى لا تصل هذه الحقيقة إلى جماهير المسلمين ويلهون الناس بشعارات "المدرسة العقلانية" و"الإسلام المستنير" وشعار "حكم الشعب بالشعب"، وتحت شعار "الحرية الشخصية" تمارس جميع أنواع الشذوذ الجنسي والإباحية تحت سمع وبصر وحماية الشرطة ومباركة أجهزة الإعلام. وتحت شعار "الأمة مصدر السلطات" تصادر جميع السلطات إلا سلطة البطش والتنكيل بالمسلمين دون غيرهم. وتحت شعار "الاستنارة" يخرجون الناس من نور الإسلام إلى ظلمات الجاهلية. وتحت شعار "حرية الثقافة والفكر" تمارس جميع أنواع الفنون الساقطة ويفتح الباب أمام الزنادقة للتهجم على الإسلام حتى يصل بهم الأمر بالسخرية من بيت الله الحرام وعُمَّاره حيث يظهر نموذج للكعبة المشرفة في إحدى المسرحيات وإذا بها تفتح فجأة وتخرج من داخلها راقصة تتلوى أمام الجماهير التي تنتسب إلى الإسلام!! ولم لا... وقد أصبح للعاهرات عيد يسمونه "عين الفن"، تمنح فيه العطايا والمكافآت، وجوائز الدولة التقديرية، ومفتي الديار العلمانية يبارك ذلك بمزيد من الفتاوى اليومية فحلل الرقص وحلل الغناء وحلل الموسيقى والفن وأخيراً وليس آخراً.. حلل مفتي الديار العلمانية.. الربا!!
العلمانية خبث لا يخرج إلا نكداً :
يقول الله تعالى: {والذي خبث لا يخرج إلا نكداً} [الأعراف: 58].
ولأن العلمانية شجرة خبيثة فقد أثمرت بيننا اليوم - ممن يقولون إنهم مسلمون- من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق، وبخاصة أخلاق المعاملات.
وأثمرت بيننا اليوم حاصلين على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم يتساءلون في استنكار ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ وما للإسلام والعري على الشواطئ؟ وما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟ وما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأس سبيل؟ ما للإسلام وتناول كأس من الخمر لإصلاح المزاج؟ ما للإسلام وتعامل الناس بالربا في البنوك؟ ما للإسلام وهذا الذي يفعله "المتحضرون!!"؟ الذين يلهثون خلف راياتهم الخبيثة ويرددون بأن "الدين لله والوطن للجميع".. ولا عجب في ذلكن فهم طلائع مدرسة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"..!!
... فأي فرق بين هذا وبين سؤال أهل مدين: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا}
وهم يتساءلون كذلك، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد.. فما للدين والمعاملات الربوبية؟ وما للدين والمهارة في الغش والسرقة؟ وما للدين وتجارة الخمور والمخدرات ما لم يقع تحت طائلة القانون الوضعي؟ وما للدين والسياسة والحكم؟ لا .. بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا دخلت في الاقتصاد تفسده!! ولا غرابة في ذلك، فهم قد رضعوا وشبوا على شعارات "فصل الدين عن الدولة"، و "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"!!
فلا يذهبن بنا الترفع كثيراً على أهل مدين في تلك الجاهلية الأولى، ونحن اليوم في جاهلية أشد جهالة، ولكنها تدعي العلم والاستنارة والمعرفة والحضارة وتتهم الذين يربطون بين العقيدة في الله والسلوك الشخصي في الحياة والمعاملات المادية في السوق والسياسة والحكم... تتهمهم بالرجعية والتعصب والجمود!! وبعد أن استهلكت هذه الألفاظ أضافت الجاهلية العلمانية اليوم وصفهم بالتطرف!! ثم ألصقت بهم أخيراً صفة الإرهاب!!
أليس هذا بعينه ما يردده أدعياء الإسلام من العلمانيين أو غيرهم؟
مذهبهم عدم إظهار العداء السافر للإسلام :
إن من عادة المنافقين والزنادقة من المنتسبين لهذا الدين عدم الإنكار الصريح والواضح وعدم إظهار العداء السافر للإسلام وهم بهذا الأسلوب وتحت هذه العباءة يستطيعون - أو هكذا يظنون- تحقيق أهدافهم الخبيثة وتقديم خدماتهم لأصدقائهم من اليهود والنصارى الذين يتآمرون للقضاء على الأمة الإسلامية.
وهم يسعون لذلك بسلاح التلبيس والتمويه للالتفاف حول المسلمين لحين المعركة الفاصلة حين يفاجئوا المسلمين على حين غرة. هم حريصون غاية الحرص في عدم إيقاظ الوعي الإسلامي قبل الموعد المرتقب." اهـ موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية محمد عبد الهادى المصرى ص10-22
ثالثا : العلمانيون يعبدون أحبارهم المشرعين :
إننا نتوجه بهذا السؤال إلى هؤلاء العلمانيين.. إلى كل من يدعي الإسلام من هؤلاء.. فنقول: إذا أخرجنا - على سبيل التحكم- جزءاً من النشاط الإنساني في الحياة - إما السياسة وإما غيرها- عن دائرة الإسلام.. فمن أين نتلقى منهج وقيم وموازين وتشريعات هذا الجزء؟.
وأيا ما كان الجواب.. فإن نتيجته ومؤداه واحد لا ريب فيه: التلقي عن غير الله.. والطاعة والإتباع لغير الله.
والنتيجة... هي الشرك بالله... وهل هناك صورة من صور الاعتراف بالشرك أصرح من هذه؟ أعني شرك الطاعة والإتباع!!
إنه شرك في عبادة الله، وإن كان الذين يمارسونه قد يجهلون معنى عبادة الله وحده، وما ذلك بغريب على الجاهلين.
فإن عدي بن حاتم - رضي الله عنه- في الجاهلية لم يكن يتصور أن ذلك عبادة، فإنه لما دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم، تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، فقال عدي (وكان نصرانيا) يا رسول الله: لسنا نعبدهم. قال: "أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم "انظر رواياته في الدر المنثور: 3/230 وأصله في الترمذي - وحسنه شيخ الإسلام والشيخ الألبانى وغيرهم
قال ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على ذلك: " قد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم"اهـ فتح المجيد: 86 نقلاً عن الإيمان
إن العلمانية التي ولدت وترعرعت في أحضان الجاهلية لهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا التباس. ولكن الخفاء والمداورة والالتباس إنما يحدث عمداً من دعاة العلمانية أنفسهم، لأنهم يعلمون أنه لا حياة ولا امتداد لجاهليتهم وسلطانهم في بلاد المسلمين إلا من خلال هذا التخفي وهذه المداورة. ولا بقاء لهم إلا بالتلبيس على جماهير المسلمين وذلك من خلال راياتهم الزائفة التي تخفي حقيقة أمرهم وباطن دعوتهم عن المسلمين وتلبس على العامة أمر دينهم وعقيدتهم خاصة إذا ساندهم من نصبوه مفتياً للديار العلمانية في محاولة تجميل مكشوفة لم تزد وجوههم إلا قبحاً. بل هم يدعون عامة المسلمين ويحفزونهم ضد إخوانهم المسلمين الصادقين الواعين لحقيقة هذا الصراع وخلفياته والمنبهين إلى خطره الداهم على الدين وأهله."اهـ موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية محمد عبد الهادى المصرى ص10

رابعا : صور العلمانية :
للعلمانية صورتان كل صورة منهما أقبح من الأخرى:
الصورة الأولى:
العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كلية وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ولا تعترف بشيء من ذلك بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين فلا ينطلي بحمد الله أمرها على المسلمين ولا يقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يخرج عن دينه، وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين ضعيف وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب أو السجن أو القتل.
الصورة الثانية:
العلمانية غير الملحدة: وهي علمانية لا تنكر وجود الله وتؤمن به إيماناً نظرياً لكنها تنكر تدخل الدين في شئون الدنيا وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، وهذه الصورة أشد خطراً من الصورة السابقة من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين فعدم إنكارها لوجود الله وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم تحارب الدين حقيقة وتحارب الدعاة إلى الله وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين لأنها لم تظهر بالصورة الأولى وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين والله المستعان.
الخلاصة:
أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيه ولا ريب وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله وذلك لأن الإسلام دين شامل كامل فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} وقال تعالى مبيناً كفر من أخذ بعضاً من مناهج الإسلام ورفض البعض: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}اهـ موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين لعلى الشحود ج3ص175

خامسا : آثار العلمانية الخبيثة

وقد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمعات الإسلامية أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم.
وسوف أشير إلى بعض الآثار السيئة التي جنتها المجتمعات الإسلامية من تطبيق العلمانية:
1- رفض التحاكم إلى كتاب الله تعالى، وإقصاء الشريعة الإسلامية عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن ذلك بالقوانين الوضعية المقتبسة عن أنظمة الكفار، واعتبار الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية تخلفاً ورجعية.
2- جعل التعليم خادماً لنشر الفكر العلماني
وذلك من خلال الطرق التالية:
أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية.
ب- تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن، وتكون في آخر اليوم الدراسي وقد لا تؤثر في تقديرات الطلاب.
ج- منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم وتزييف ضلالاتهم.
د- تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل لا تعارضه.
3-إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد. فالمسلم والنصراني، واليهودي، والشيوعي، والمجوسي، وغيرهم يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني.
4- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية وذلك عن طريق:
أ- القوانين الوضعية التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها.
ب- وسائل الإعلام المختلفة التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ونشر الرذيلة.
ج- محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والمؤسسات.
5- الدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهى دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس، أو اللغة، أو التاريخ، أو المكان، أو المصالح، أو المعيشة المشتركة، أو وحدة الحياة الاقتصادية، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل الاجتماع ولمّ الصف، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعدُّ عاملاً من عوامل التفرق والشقاق" اهـ مجلة البيان عدد 195ص 42
ولا شك أَنَّ الفكرة القومية أو الوطنية وفدت إلى ديار المسلمين من الغرب، ولقد كان ظهور هذه الفكرة مصدر شر على جميع المسلمين.
6- الدعوة إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ حضارته دون وعي
ولا تمييز فقد قام بهذه الفكرة كثير من دعاة التضليل للأمة الإسلامية عند ضعف المسلمين وتفرقهم، حيث زعموا أن سبيل التقدم والنهضة، هو السير خلف ركاب الغربيين، والأخذ بمنهجهم وطريقتهم في كل شيء، حتى نكون مثلهم في الحضارة الحديثة، بخيرها وشرها، وما يحمد منها وما يُعاب.
ونتيجة لتلك الدعوات المغرضة من أدعياء الفكر، ذهب كثير من أبناء المسلمين إلى الدول الأوروبية، لإكمال تعليمهم، وغالباً ما يتأثر هؤلاء الطلاب بعادات الغرب وأفكاره مجلة البيان عدد 195ص42
7- الزعم بأن الشريعة الإسلامية لا تتوافق مع الحضارة الحديثة:
وهذا الزعم جاء نتيجة لاحتكاك أبناء الأمة الإسلامية بالحضارة الغربية الحديثة، فظنوا - جهلاً - أن الإسلام لا يتوافق مع الحياة العصرية، ولا ينسجم مع متطلبات الإنسان في هذا العصر بل قالوا إن الشريعة الإسلامية
هي السبب في التخلف والرجعية، وأن السبيل إلى التخلص من هذا الداء، والنهوض بالأمة إلى التقدم والحضارة هو نبذ الإسلام وتعاليمه
فهذه بعض الآثار والثمار السيئة والخبيثة التي انتجتها العلمانية في البلاد الإسلامية التي تبنت العلمانية.
"والعلمانيون في العالم الإسلامي يعرفون بالاستهانة بالدين، والتهكم والاستهزاء بالمتمسكين به، كما يعرفون بإثارة الشبهات، وإشاعة الفواحش (كالسكر، والتبرج، والاختلاط المحرم) ونشر الرذائل، ومحاربة الحشمة والفضيلة، والحدود الشرعية، والاستهانة بالسنن، كما يعرفون أيضاً بحب الفساق والكفار والإعجاب بمظاهر الحياة الغربية وتقليدها" اهـ موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين لعلى الشحود ج3ص49-51
أضف إلى ذلك :
8- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق:
أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية.
ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يبصرون الناس بحقيقة الدين.
9- مطاردة الدعاة إلى الله، ومحاربتهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكرياً ومتحجرة عقلياً، وأنهم رجعيون يحاربون كل مخترعات العلم الحديثة النافعة وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور بل يتمسكون بالقشور ويدعون الأصول.
10- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق السجن أو النفي.
11- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله، ومهاجمتها واعتبارها نوعاً من أنواع الهمجية وقطع الطريق. والقتال المشروع عندهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض
12- تحريف التاريخ الإسلامي وتزيفه: وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية على أنها عصور همجية تسودها الفوضى والمطامع الشخصية." اهـ موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين لعلى الشحود باختصار ج3ص176

فائدة :
أثر العلمانية في التحاكم إلى غير الله:-
"لقد كان من المقرر عند المسلمين ومن المسلمات البدهية لديهم ما للتحاكم إلى الشرع من منزلة عظيمة من الدين، فهو من أصول الدين التي لا تنفصل عن العقيدة الإسلامية بحال، ولم يحصل بين المسلمين اختلاف حول أهمية الحكم بالشرع الحنيف، وأنه لا بد وأن يحكم الحياة الدنيا بكامل فروعها، وأن الوحي هو المنهج المشرف لحياة المسلمين، ينظم حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم يزل هذا التصور لا يغادر أذهان المسلمين وأنماط حياتهم حتى ما قبل عصرنا الحاضر، فإن كان في التاريخ الإسلامي انحراف عن تطبيق الوحي فلا يعدو عن كونه مجاراة لأهواء النفوس الضعيفة, والتي لا تملك أن تؤصل لذلك الانحراف وأن تجعل منه عملاً شرعياً ومقبولاً لدى المسلمين، حتى بذرت بين المسلمين بذور العلمانية القادمة من أعماق الغرب المظلم.
…إن التحاكم إلى شرع الله يمثل روح هذا الدين؛ فإن دين الله الذي رضيه للناس _ حيث قال جل جلاله: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) _ لم ينزل ليظل معزولاً عن الحياة البشرية، إن دين الله نزل من عند الله ليكون شرعاً ومنهاج حياة، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فالحياة التي من أجل الله لا بد أن تكون على شرع الله.
…ولذلك جاءت الآيات مقررة لهذه المسألة، قال تعالى:
( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، فكما أن الخلق من خصائص الله وحده فكذلك الأمر له وحده، ومن ادعى أن للكون خالقاً غير الله فقد أشرك وكذلك من ادعى أن مع الله أحداً يحق له أن يأمر وينهى دون إذنه تعالى فقد أشرك كذلك، يقول د. صلاح الصاوي: "إن حقيقة الرضا بالله رباً تتمثل في الإقرار بالأمر بقسميه: الكوني والشرعي لله عز وجل وأن يقر له بالتفرد في كليهما فيرضى بشرعه كما يرضى يقدره ويسكن إلى تدبيره الشرعي كما يسكن إلى تدبير الكوني... ذلك أن الخلق والأمر من أخص خصائص الربوبية وأجمع صفاته, كما قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) , ولهذا أجاب بهما موسى عليه السلام في مقام المحاجة مع فرعون عندما ابتدره سائلاً: (فمن ربكما يا موسى) , فكان جواب الكليم عليه السلام: (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)،وقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسن تَأْوِيلاً).
…ولقد ذم الله الذين تركوا حكم الله إلى حكم غيره فقال جل جلاله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)، فسمى ما ذهبوا إليه وتركوا حكم الله من أجله: طاغوتاً، واتهمهم في إيمانهم . ونفى الله الإيمان عمن لم يسلِّم لحكم الله ورسوله، وأقسم على ذلك بنفسه، فقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
كما نفى الإيمان عن أهل الكتاب الذين تركوا العمل بحكم الله وأخذوا يتحاكمون إلى أهوائهم فقال: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) .
…ولما كان الحكم له سبحانه دون غيره كان الذي يأخذ أحكام الحلال والحرام من غير الله كمن اتخذه نداً لله؛ فإنه قد أشرك مع الله إلهاً آخر في الخصيصة الإلهية التي اختصها الله لنفسه ألا وهي التحليل والتحريم، ولذلك يقول تعالى عن اليهود والنصارى الذين أطاعوا علماءهم وقساوستهم في شؤون التحليل والتحريم، فصاروا يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وهنا وصف الله جل وعلا هؤلاء الرهبان والأحبار بأنهم صاروا بالنسبة لهؤلاء التابعين لهم: أرباباً من دون الله، وليس هذا الوصف لأنهم يعبدونهم فيسجدون لهم ويصلون، بل لأنهم أشركوهم مع الله في ما اختص به وحده من التشريع، ولذلك لما سمع عدي بن حاتم الطائي هذه الآية وقد كان في الجاهلية نصرانياً، قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه) .
ومظاهر التشريع البشري عند النصارى وقيامهم بتشريع ما لم يشرعه الله عز وجل قديمة قدم المجامع المسكونية والتي كان أولها المجمع الذي حرموا فيه الختان على غير اليهود، وأحلوا فيه أكل لحم الخنزير على خلاف شريعة موسى ?، حين اجتمعوا في أورشليم سنة: 105م.
فمن أدار ظهره للوحي وأخذ الحلال والحرام من غير شرع الله، فقد أضاف إلى كونه اتخذ مع الله نداً في جانب التشريع: أنه تشبه باليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم مشرعين لهم من دون الله.
…ووصف الله جل وعلا الذين يشرعون للناس ما هو بخلاف الدين الحق المنزل من عند الله بأنهم أضافوا إلى أنفسهم وصف الشراكة مع الله الذي لا شريك له في خلقه وأمره، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فمن اتبع من شرع له ما لم يأذن به الله فقد اتخذه شريكاً مع الله " مظاهر التشبه بالكفار ص177-182

العلمانية : كفر بواح ونظام طاغوتى
1- قال د. محمد محمد بدرى تحت عنوان "ونحن نرفض العلمانيّة لأنّها..": «كفر بواح: العلمانيّة -كما أوضحنا- هي قيام الحياة على غير الدين، أو فصل الدين عن الدولة، وهذا يعني -بداهة- الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعته سبحانه، وقبول الحكم والتشريع من غير الله..، ولذلك فالعلمانيّة (هجر لأحكام الله عامّة بلا استثناء وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنّة نبيّه، وتعطيل لكلّ ما في الشريعة، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزَّلة،.. وادّعاء المحتجّين لذلك بأنّ
أحكام الشريعة إنّما نزلت لزمانٍ ولعللٍ وأسباب انقضت فسقطت الأحكام كلّها بانقضائها... إنّ الأمر في هذه القوانين الوضعيّة واضح وضوح الشمس، وهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة). وليس هذا رأياً لنا نبديه، أو رأياً لعالم أو مفسّر أو مجتهد من الفقهاء ننقل عنه، إنّما هو النصّ الذي لا مجال فيه للتأويل، والحكم المعلوم من الدين بالضرورة.. قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
 فالعلمانية التي تحكم بغير ما أنزل الله ليست معصية، بل هي كفر بواح.. وقبول الكفر والرضا به كفر... ولذلك فلا بدّ لنا من رفض العلمانية لنبقى في دين الله، ونحقّق لأنفسنا صفة الإسلام" اهـ لماذا نرفض العلمانيّة، صـ105-115 بتصرّف.
2- قال محمد عبد الهادى المصرى : «إن العلمانية - باختصار- نظامٌ طاغوتي جاهلي كافر، يتنافى ويتعارض تماماً مع شهادة "لا إله إلاّ الله" سواءٌ على مستوى الجماعات أو الأفراد الذين يتبنون هذا المنهج، إن العلمانية تعني -بداهة- الحكم بغير ما أنزل الله تعالى وتحكيم غير شريعة الله تعالى وقبول الحكم والتشريع والطاعة والإتباع من طواغيت أخرى من دون الله تعالى، فهذا معنى قيام الحياة على غير الدين، ومن ثَمَّ فهي -بالبديهة أيضاً- نظامٌ جاهلي لا مكان لمعتقده ولا لنظامه ولا لشرائعه في دائرة الإسلام بل هو كافرٌ بنص القرآن الكريم قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الكافرون}» ثم قال: «إن العلمانية التي ولدت وترعرعت في أحضان الجاهلية لهي كفرٌ بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا التباس»انظر كتابه معلم الانطلاقة ص110
3- قال محمد شاكر الشريف :
قال في كتيبه "العلمانية" الذي قدّم له فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، قال بعد أن عرّف صور العلمانية:
«والخلاصة: أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفرٌ بَواح لا شكّ فيها ولا ارتياب، وأنّ من آمن بأي صورة منها وقَبِلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل... والأدلة الشرعية كثيرة جِداً في بيان كفر وضلال مَن رَفَضَ شيئاً محقّقاً معلوماً أنه من دين الإسلام، ولو كان هذا الشيء يسيراً جِداً، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا مثل العلمانيين؟ من فعل ذلك فلا شك في كفره»اهـ العلمانية وثمارها الخبيثة ص18-19
4- قال سلمان العودة :
«وقد تجتمع بعض الفرق على الكفر الصريح الواضح الذي لا شك فيه كاجتماع الأحزاب القومية والوطنية على أساس الرابطة القومية وإنكارها للأخوة الإيمانية ومنحها حق التشريع والسلطة للبشر من دون الله تعالى»اهـ صفة الغرباء ص64

من طواغيت العصر
القذافى
عينات من كفر القذافي وردته عن الدين
جرأة القذافي على الله سبحانه وتعالى:
1- يتكلم القذافي عن رب العالمين وكأنه يتكلم عن حزب سياسي معارض، أو حاكم من الحكام، وينسب الظلم له سبحانه وتعالى، وهو القائل في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) .
فيقول - فض الله فاه - في لقاء مع القيادات السياسية حول "النظرية العالمية الثالثة" بطرابلس، بتاريخ 9/أغسطس/1975م:
(إن الثورة ليست بالضرورة أن تكون بيضاء دائماً، ممكن تكون حمراء ضد أعدائها، والمعارضة لا بد أن تسحق، قلت لكم إن الأديان سحقت معارضيها، والله يسحق معارضيه، الذي خلقهم، وكل واحد يسحق معارضيه)، تعالى الله عما يقول هذا الزنديق علواً كبيراً.
2- ويجعل نفسه نداً لله ويساوي نفسه به، فيقول بإسلوب التحقير لله عز وجل: (... أنا أتحداكم زي - مثل - الذي قال لهم - يقصد الله - اصنعوا ذبابة بس - فقط - ... تحداهم الذين قالوا ما فيش الله، كويس - إذن - اصنعوا لنا ذبابة... اصنعوا لنا "بيبسي" أتحداكم) .
3- ويقارن بين البشر وبين الله الذي هو في السماء، ويقرر أن الشعب مثل الله، وأنه لا بد للشعب أن يكون إلهاً على الأرض: (الشعب مثل الله... الله في السماء والشعب في الأرض، ليس معه شريك، الله لو معه شريك، قال؛ لاتخذوا إلى ذي العرش سبيلا، لو كان معه آلهة كان واحد منهم يقول؛ أنا أريد أكون إلهاً، الذي بقى في العرش الآخرين يحاولوا أن يقوموا بانقلاب عليه... الشعب فوق الأرض لازم أن يكون هكذا، متأله فوق أرضه) .
ويعيد زندقته هذه في خطاب آخر بتاريخ؛ 27/12/1990، فيقول: (الشعب هو السيد فوق الأرض يقرر فيها ما يشاء، والله في السماء، ما فيش - لا يوجد - وسيط بيننا وبين الله).
4- وهذا الذي قاله القذافي هو عين ما يسعى إلى تحقيقه في الواقع، إذ أنه يؤكد تكراراً ومراراً أن لا علاقة للدين بالسياسة، ومن ثم فالشعب يمارس حياته وفق ما يريد هو، دون التقيد بشرع أو دين.
ولذا لم يكن غريباً أن يترحم القذافي على العلماني "كمال أتاتورك"، ويدافع عن موقفه من قضية فصل الدين عن الدولة، وهو الذي أبعد الإسلام عن شؤون الحكم، وساهم في فرنجة المجتمع التركي المسلم، فيقول: (و"أتاتورك" مظلوم... وأنا أقول ذلك للتاريخ، وذلك لأن الجهلة السذج المتعصبين هم الذين أجبروه على الكفر - يقصد علماء المسلمين الذين وقفوا ضد "أتاتورك" في محاولته فصل الدين عن الدولة - كان عليهم أن يقولوا؛ نعم، ويبقون مسلمين، لكنهم قالوا؛ لا حرام، من قال لكم؟ عصبوا رؤوسهم وقالوا؛ حرام، لا توجد فتوى على الإطلاق أن نبقى مسلمين لكن نفصل الدين عن الدولة؟ قالوا له؛ لا توجد فتوى) .
5- ويوغل القذافي في إقصاء الشريعة والدين الإسلامي عن حياة المسلمين، والتي من خلالها تنتظم شؤون الفرد والجماعة في كافة الأمور، فيقول محدداً دور خطبة الجمعة في المجتمع: (الأصل في خطبة الجمعة هو أن الناس يتركون مشاغل الدنيا والمشاكل خارج المسجد، ويأتون مدة من الوقت القصير للصلاة، يسمع فيها كلام الله عن الموت والحياة والجنة والنار والبعث والحساب والثواب، المشاكل الحياتية يجب مناقشتها خارج المسجد)
وواضح هنا أن الطاغوت القذافي لا يرى للمسجد أي دور سوى التذكير بالجنة والنار والموت والحياة فقط، أما أمور المسلمين الأخرى التي تمس حياتهم ودنياهم؛ فليس للمسجد أي علاقة بها على رأيه، وهذه هي حقيقة العلمانية.
ولكنه يبيح لنفسه أن يتكلم في السياسة كما يريد، وفي أعظم مسجد وأول بيت وضع للناس، وهو المسجد الحرام بمكة، حيث طاف به وهو يصرخ: (لا إله إلا الله، "مبارك" عدو الله)!

موقف القذافي من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم:

يتغيظ القذافي أيما تغيظ من ذكر نبينا - عليه الصلاة والسلام - ولذا لم يكن مستغرباً أن يُعلن على رؤوس الملأ إنكاره للسنة النبوية وإلغاءها، وإحراق دواوين السنة تحت باب إحراق "الكتب الصفراء"، والتشكيك الدائم والمستمر بالأصل الثاني من أصول الإسلام - السنة -
ولعل من الأمثلة الواضحة على بغضه لرسولنا - صلى الله عليه وسلم –
1- إلغاءه للتقويم الهجري، بحيث أصبح يؤرخ من وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس من الهجرة كما هو معروف.
ويبرر القذافي هذا العمل، فيقول: (فهناك أحداث تاريخية اعتقد أنها أهم من الهجرة... منها وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- وفاة الرسول هذه تماثل ميلاد عيسى - عليه السلام- كان يجب أن يكون التأريخ إذا أردنا أن نؤرخ بهذه الأحداث، كان الأفضل أن نؤرخ بوفاة الرسول، فمن الأحداث الهامة وفاة الرسول حتى نثبت التاريخ، أو نسجل للبشرية تاريخاً حتى بعد ملايين السنين؛ أن هناك رسولاً هو خاتم النبيين قد توفى منذ كذا، أو مرت على وفاته هذه السنون أو هذه القرون) .
ويقول: (... إذن عمر بن الخطاب الذي قال؛ هذا العام يسمى عاماً هجرياً، هذا رأيه، لكن نحن رأينا نحن... نحن نرى... نقدر أن نقول؛ أن الهجرة ليست مهمة لهذه الدرجة، وأن الأهم منها هو فتح مكة، وأهم منها وفاة الرسول) .
فانظر - أخي المسلم - متى كان الموت معجزة تماثل معجزة ميلاد عيسى - عليه السلام- ومن هو الذي يفرح لموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبتهج به ويجعله لتقويم تاريخي مبتدع؟ اللهم إلا من كان في قلبه غل وحقد وحسد على هذه الأمة المتمثلة في رسولها - صلى الله عليه وسلم- وهو الذي يقول في الحديث الصحيح: (يا أيها الناس! أيما أحدٌ من المؤمنين أُصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فان أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة أشد عليه من مصيبتي) رواه (ابن ماجه عن عائشة) أخرجه ابن ماجه (1/510 ، رقم 1599) قال البوصيرى (2/49) : فيه موسى بن عبيدة الربذى وهو ضعيف .
ولكن صححه الشيخ الألبانى فى صحيح ابن ماجه صحيح كنوز السنة النبوية ج1ص104
وانظر إلى أم أيمن - رضي الله عنها- عندما بكت على موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضور أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- فسألاها عن سر بكائها؟ فقال: (ما أبكي عليه، إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله - صلى الله عليه وسلم- ولكن ابكي أن الوحي قد انقطع من السماء)، فهيجتهما على البكاء" سنن بن ماجة هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين" انظر مصباح الزجاجة ج1ص250

واسمع لقول أنس - رضي الله عنه: (لما كان اليوم الذي قدم فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة؛ أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه؛ أظلم منها كل شيء)، قال: (وما نفضنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا القلوب) .
2- ويقول القذافي عن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم: (... لو قلت لكم؛ رسول الله، لقلتم كلكم؛ صلى الله عليه وسلم، ولو قلت لكم؛ الله، لما تكلم أحدٌ، وهذا نوع من الاستعباد والوثنية التي نسير فيها... الآن لو قلت ألف مرة؛ الله، فالأمر يمر عادياً، وعندما نقول؛ رسول الله، فكلنا نقول؛ صلى الله عليه وسلم، وكأن ذلك يعني أننا نخاف الرسول أكثر مما نخاف الله، أو أننا نرى أن الرسول أقرب إلينا من الله، وذلك تماماً مثل المسيحين الذين قالوا؛ إن عيسى أقرب من الله...
3- والقرآن الكريم لم يرد فيه نص يقول؛ إن النبي قال؛ عليكم أن تتبعوا كل الكلام الذي قلته، وإلا فأين الكلام الذي قاله لمدة أربعين عاماً قبل البعثة؟ خاصة وإنه من المؤكد أنه يتكلم قبل البعثة... والنبي لو كان يقول؛ اتبعوا حديثي، فمعنى ذلك أنه سيعمل بديلا للقرآن، ولكنه باستمرار يؤكد التمسك بالقرآن فقط، ولو أنه قدس حديثه وجعل له أهمية مثل القرآن لأوجد كتاباً آخر يحل محل القرآن) .
4- ويُنكر القذافي عموم دعوته - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة مخالفاً بذلك صريح القرآن والسنة وإجماع المسلمين قاطبة من لدن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى يومنا هذا، فيقول: (العرب جسدهم القومية العربية وروحهم الإسلام، لان محمد مرسل للعرب فقط!! والقرآن جاء من أجل العرب وبلغة عربية، موجه للعرب فقط، وأي واحد غير عربي اعتنق الإسلام هذا متطوع في الحقيقة، أمره عند الله لكنه غير معني) .
5- ويقول: (عندما تحول أصحاب رسول الله إلى حكام؛ ديس عليهم بالأقدام باعتبارهم حكاما مدنيين، عثمان قتل باعتباره رئيس جمهورية أو ملكاً، وعمر بعدالته تحول إلى أمير، وقلد الفرس والروم، وعلي قاتله المسلمون وانشقوا عليه من أقرب الناس إليه ومن أتباعه وأصحابه... لماذا؟ لأنه طمع في السلطة وأراد أن يكون رئيس جمهورية،
ولو - محمد صلى الله عليه وسلم - تحول إلى رئيس جمهورية لتخلت عنه الناس) .

القذافي والقرآن الكريم:

القذافي هو أول من تجرأ على تحريف القرآن وحذف كلمة {قُلْ} من القرآن محتجاً بان الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جوار ربه، فلم يعد هناك حاجة لقول {قُلْ}، وإنما يبتدئ القارئ للقرآن مثلاً بـ {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}.
وقد مر معنا إجماع العلماء والفقهاء على أن من حرف آية من كتاب الله أو جحد حرفاً منه فقد ارتد عن هذا الدين وخرج من ملة الإسلام.
6- ويَعتبر القذافي القرآن محصوراً على التذكير بالجنة والنار ويوم القيامة، وليس له علاقة بأحوال الناس والحكم فيما بينهم، فيقول: (القرآن جزء قليل منه نستطيع أن نحكم به في مجتمعنا الآن، أما الباقي فأشياء أغلبها يتعلق بيوم القيامة؛ كالإيمان بالله والإيمان بالحساب والعذاب والإيمان بالملائكة والرسل إلى آخره).
7- ويضيف: (فأنا لا أعرف كتاباً إلا القرآن، ونحن بصدد الحديث عن القرآن شريعة المجتمع، إذا تصفحناه لا نجده يتحدث عن المشاكل التي نحكم بها المجتمع... نحن كبشر نحكم أنفسنا، والقرآن لم يتحدث عن هذه القضايا، فجريمة فيها قطع اليد، وجريمة فيها الجلد... فالقليل من القرآن يتحدث عن الأشياء الدنيوية المتصلة بالحياة الدنيا فقط، ولا يوجد لها أثر في الآخرة) .

موقف القذافي من السنة النبوية:

1- لقد اشتهر عن القذافي إنكاره للسنة المطهرة، ومحاربته للأحاديث النبوية، والزعم بأنها مكذوبة، والطعن في بعض الرواة من الصحابة والاستهزاء بهم، كالصحابي الجليل راوية الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه، الذي وصفه ابن عمر رضي الله عنهما بأنه؛ "كان يحفظ على المسلمين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد تقدم حكم منكر السنة النبوية، وأن من أنكرها فهو كافر خارج عن ملة الإسلام.
2- يقول القذافي: (محمد نبي، ليس عنده حديث ولا شعر ولا فلسفة، بل لديه رسالة جاء يبلغها، وهي القرآن... ماذا القرآن؟ اذهبوا إلى بيوتكم وتصفحوا القرآن مع أولادكم وتقيدوا بما جاء فيه، فالقرآن عبارة عن أوامر ونواهٍ) .
3- ويمضي القذافي في زندقته وكفره؛ فيعتبر أن التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها يؤدي إلى عبادة الأصنام والأوثان، ويصف ذلك - أي التمسك بالسنة والعمل بها - بأنه انحراف خطير وشرك، فيقول - فض الله فاه - : (إذا أتى واحد وقال لنا؛ إن حديث النبي لا بد أن تقدسوه وتعملوا به مثل القرآن، فهذا شرك، وهذا كلام ربما يكون غريباً، والسبب أننا في هذه المرحلة ابتعدنا كثيراً عن الإسلام، ونحن في طريقنا إلى عبادة الأوثان والابتعاد عن القرآن وعن الله، ولا يوجد طريق يجعلنا نبتعد عن عبادة الأوثان وعن الانحراف الخطير إلا طريق التمسك بالقرآن وعبادة الله فقط) .
4- ويتطاول القذافي على الصحابة ويتهمهم من طرف خفي بوضع الأحاديث، بل ويقارن بينهم وبين بعض الكفار والمرتدين كأبي لهب ومسليمة، فيقول: (لا نستطيع مثلما تأتي لنا بحديث وتقول؛ هذا الحديث رواه النبي، لا نستطيع أن نعرف هل هذا الحديث اختلقه معاوية أم قاله النبي فعلا؟ أم اختلقه سجاح أم قاله أبو سفيان أم أبو لهب؟ لا نعلم، لأن هناك الآف الأحاديث عليها علامة استفهام، يا ترى أياً منها قاله النبي فعلاً) .
أما نحن فنعلم يقيناً انك يا معمر زنديق تسعى إلى هدم ركائز هذا الدين وتشكيك المسلمين في أقوال نبيهم صلى الله عليه وسلم، كما نعلم أن الأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي نقلها الأئمة والعلماء الثقات في كتبهم، يتعين على المسلم المنقاد للشرع أن يتأدب معها، وألا يقدم بين يدي الله ورسوله، وأن يقف عند دلالة النص، وما يأمر به أو ينهى عنه أو يوجه إليه.
5- ويقول القذافي عن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى): (هذا كذب... هذا حديث لم يقله النبي، هذا قاله يزيد لأنه يبغي - يريد - الناس ما تمشيش - ما تذهب - إلى الكعبة وتحج إلى القدس، لأن القدس تحت سيطرته) .
إلى آخر الهراء والكذب الصراح على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، ورغم أن الحديث في الصحيحين اللذين أجمعت الأمة على صحتهما وجلالتهما وعظم منزلتهما، إلا أن القذافي لا يقيم وزناً لمقدسات الأمة، ولا لما أجمعت عليه، والنقول في إنكاره للسنة كثيرة وكثيرة جداً وهي أشهر من نار على علم.
ونحن نرد على هذا الزنديق ومن تلقف منه هذا الكفر من المارقين؛ بكلمة واحدة من كتاب الله عز وجل ألا وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} ، فإن هذا الحق المعلوم وهو الزكاة لا يُعلم إلا من السنة، فإما التصديق بالسنة وإما التكذيب بهذه الكلمة القرآنية.
القذافي والشريعة الإسلامية:
1- يعتبر القذافي الشريعة الإسلامية المنزلة من لدن حكيم خبير عليم كباقي القوانين الوضعية الأرضية الجاهلية، ويقارن الشريعة الإسلامية بزبالات أفكار الكفار وأوساخ عقولهم القاصرة.
فيقول - قاتله الله - : (... لهذا تعتبر الشريعة الإسلامية مذهباً فقهياً وضعياً شأنه شأن القانون الروماني أو قانون نابليون، وكل القوانين الأخرى التي وضعها الفقهاء الفرنسيون أو الطليان أو المسلمون... فالذي يدرس القوانين الرومانية يعتبر أن علماء الإسلام يحملون قانوناً وضعياً يضاهي القانون الروماني، لكن لا تقول؛ هذا دين) .
2- والقذافي يحاول أن يشوه الشريعة الإسلامية بالكذب والتزييف والادعاء بأنها خليط من أفكار مختلفة واجتهادات متباينة، ولا ينسى أن يجمع زنادقة هذه الأمة - كابن سينا والفارابي - مع بعض من خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً - كالغزالي رحمه الله - على أساس أنهم هم الذين قاموا بوضع الشريعة الإسلامية.
3- فيقول: (إن ما يسمى بالشريعة الإسلامية؛ عبارة عن كتب وضعية واجتهادات وتأليفات قام بها بعض الناس، أمثال الغزالي وابن سينا والفارابي وأهل الصفا والمعتزلة، كل واحد منهم ألف، وجميعهم اخذوا من اليونانية) .
ويقول: (هذه الدروشة والوثنية السياسية؛ هي التي تحرق الدين، الدين؛ لا بد أن يرجع كما أنزل تماماً، دين بلا مذاهب، لا نعرف سنة ولا شيعة ولا مالكي ولا إباضي، هذه كلها ترهات جاءت بعد النبي، وليس للنبي علاقة بها... الله أنزل لك القرآن عن طريق محمد، وتؤمن بأن محمد نبي، وأن هذا القرآن من عند الله، وتطبق الكلام الموجود فيه فقط، وتمر نظيفاً أمام الله، وهذه المذاهب كلها كفر، وموجود آيات في القرآن تُكفر هذا التشيع والتحزب والتمزق في الإسلام... لا يأتي واحد ويستغفلكم؛ أنت مالكي، وأنت شافعي، قل له؛ هل هذه موجودة في القرآن؟ ما دامت ليست موجودة في القرآن لا نتبعها ولا تدخل دماغنا) .
القذافي وادعاؤه النبوة:
لا يفترُ القذافي عن تذكير سامعيه ومشاهديه بأنه قد أتى بأمور وخوارق يعجز عنها البشر، وبالتالي فهي من صفات الأنبياء.
1- وقد اعترف القذافي بأنه نبي، وذلك خلال لقائه بالصحفية الإيطالية "ميريلا بيانكو"، التي سألته: (يا رسول الله... أكنت راعي غنم؟)، فأجاب مسيلمة ليبيا الجديد: (بلى، فلم يكن هناك نبي لم يفعل ذلك) .
وقد تقدم حكم مدعي النبوة، وأنه كافر مرتد خارج من دين الإسلام، وذلك لما عُلم بالاضطرار من دين الإسلام؛ أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم النبيين.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه؛ أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كاذب افاك ضال مضل) .
2- ويقرر القذافي انه لا يُسئل عما يفعل: (أنا ما نيش – لست – مسئولاً أمام أحد، الذي قام بالثورة ليس مُعين، أنت لم تكلفه بالثورة، هو قام بها بنفسه وضحى بنفسه وتحمل مسؤوليته بنفسه، هذا مسؤوليته أمام ضميره وليس مسؤولاً أمام أحد آخر، الله مبدع، بديع السماوات والأرض، من الذي يحاسبه جاب – احضر – لنا زوابع، عواصف، غير الطقس، جاب – احضر – يوم القيامة، فجر الدنيا كلها، من يسأله؟... الآن ما فيش – لا يوجد – حد – أحد – عيّنه، قال له؛ أنت إله وما تعملش – ما تعمل – فيد دربكة – اضطراباً – لا يصح هذا لأنه سبحانه وتعالى هو الخالق المبدع، يقول للشيء كن فيكون، فعال لما يريد، رحمن رحيم، بديع السماوات والأرض، وبالتالي نحن الذين قمنا بالثورة مسؤولون أمام ضمائرنا) .
وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما قال واصفاً حال أمثال القذافي: (وما من أحد ادعى النبوة، إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشيطان عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز) .
القذافي والحكم بغير ما أنزل الله:
1- أقام القذافي نظامه على الفكر الاشتراكي الشيوعي، ومن ثم حارب الدين حرباً يعرفها الخاصة والعامة، وأبعد شرع الله تماماً عن شؤون الحكم والإدارة، وأقام مكانه نظريته الجاهلية وكتابه الأخضر.
ورغم الشعارات البراقة الباهتة التي رفعها القذافي، ومن ضمنها "القرآن شريعة المجتمع"، وإنشائه لبعض المؤسسات الجمعيات، كـ "جمعية الدعوة الإسلامية العالمية"، التي حاولت تلميع صورة القذافي وإظهاره انه قائد وحيد للمسلمين، والتي كانت الذراع اليمنى في تنفيذ كثير من مشاريع القذافي الجهنمية في الداخل والخارج، رغم كل ذلك فإن الحقيقة؛ أن الشرع الذي يحكم به في ليبيا هو "شرع معمر القذافي"، ولا أحد غيره، فالقوانين الوضعية الجاهلية تم إلغاؤها منذ خطاب "زوارة" عام 1973 م، وبقيت البلاد منذ ذلك الوقت تتقاذفها أهواء الطاغوت ونزواته وشهواته، فهو الذي يحكم البلاد ويتحكم في كل شؤونها الداخلية والخارجية ويدير دفة الأمور فيها بالكامل.
2- وتحت ما يُعرف بـ "الشرعية الثورية" مرر القذافي كافة مخططاته وبرامجه، وساس البلاد بسياسة الحديد والنار.
وقد نصت وثيقة "الشرعية الثورية" التي أصدرها ما يُعرف بـ "مؤتمر الشعب العام"، في مارس 1990 م، على أن التوجيهات التي تصدر عن القذافي ملزمة!! وأن الشرعية الثورية تستند إلى قانون الثورة الطبيعي، وهي بذلك حق مكتسب غير قابل للنقض والسحب!!
يقول القذافي: (أنا مش - لست - محتاج لتفويض السلطة منكم، لأن أنا عندي السلطة كلها بحكم الشرعية الثورية اللي أنا خديتها - أخذتها - بالقوة من الأمراء والوزراء والملوك في العهد البائد، ونح جلسنا في كراسيهم، وقعدنا نصدروا القرارات، والسلطة من تلك اللحظة انتقلت للثوار، وأنا موجود في المكان اللي وصلت له بالقوة، وما حدش - لا يوجد أحد - يأخذها مني إلا بالقوة، وأنا بحكم الشرعية الثورية غير مسؤول أمام أي جهة، لأنه ما فيش أي جهة أعطتني السلطة بيش - حتى - تحاسبني عليها، أنا عندي الشرعية الثورية، الشرعية الثورية غير مسؤولة إلا أمام الضمير) .
3- لقد حارب القذافي كل من دعا إلى تحكيم شرع الله، وقتل وسجن الكثير من المشايخ والعلماء وشباب الإسلام، وشن حرباً لا هوادة فيها على كل من دعا إلى أن تكون الحاكمية لله وليس للقذافي ولا لغيره، وأجبر المرأة المسلمة على دخول الكليات العسكرية ليُنتهك عِرضُها، وتبرز مفاتنها أمام الرجال، وأخذ أموال المسلمين ظلماً وعدواناً، وصادر ممتلكاتهم تحت شعار "قوى الثوار تداهم مواقع الاستغلال"، وأحل للغوغاء والرعاع من الناس أن يستولوا على بيوت المسلمين تحت شعار "البيت لساكنه" - وقد مر حكم من أحل الحرام أو حرم الحلال، وأنه كافر مرتد بالاتفاق –
4- وفرض كتابه الأخضر على المسلمين في ليبيا، والذي وصفه القذافي بأنه "إنجيل العصر الحديث"، وأنه في منزلة بشارة عيسى وألواح موسى - عليهما السلام-.
فهاهو يقول: (أقدم لكم أنا الإنسان البدوي البسيط الذي ركبت الحمار، ورعيت الغنم، ومشيت حافياً، وعشت عمري بين الناس العاديين البسطاء، أقدم لكم كتابي الأخضر بفصوله الثلاثة، الذي يشبه بشارة عيسى أو ألواح موسى، أو خطبة راكب الجمل القصيرة، الذي كتبته من داخل خيمتي التي يعرفها العالم، بعد أن هجمت عليها 170 طائرة وقصفتها بقصد حرق مسودة كتابي الأخضر التي هي بخط يدي، وجمعت المأثورات والحكم والبدهيات ودرست التاريخ، ووجدت أن البشرية قد ألفت الكتاب الأخضر، الذي هو دليل الانعتاق النهائي من العنف والاستغلال وصولاً إلى الحرية وتحقيقاً للساعدة، وجدت أن غاية الناس؛ السعادة، وان الجنة الموعودة أو المفقودة هي السعادة) .
وللعلم فالكتاب الأخضر بفصوله الثلاثة؛ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي أخرجه القذافي على غرار "الكتاب الأحمر" الذي أخرجه الشيوعي "ماوتسيتونغ" في الصين، يحوي حقائق خطيرة اكتشفها القذافي لأول مرة!!
فهاهو يقول في فصله الثالث، تحت عنوان "المرأة": (المرأة والرجل إنسان... والمرأة تأكل وتشرب كما يأكل الرجل ويشرب... والمرأة تحب وتكره كما يكره الرجل ويحب... المرأة أنثى والرجل ذكر... والمرأة طبقاً لذلك يقول طبيب أمراض النساء؛ أنها تحيض وتمرض كل شهر، والرجل لا يحيض لكونه ذكر)!!
5- ويقول القذافي عن نظريته التي اسماها "النظرية العالمية الثالثة": (هذه النظرية سوف تجعل لنا ديناً وتجعل لنا أخلاقاً وتجعل لنا علاقات جديدة نتعامل بها) .
ويقر القذافي أن كتابه الأخضر ليس كتباً دينياً أو أخلاقياً، فيقول: (فعندما تقول هذا الكتاب؛ كتاب ديني، ففي هذه الحالة من حقك أن تقف وتقارن بين الكتاب الأخضر وبين الدين، حتى تقول هذا لا يصح ككتاب ديني لأنه يخالف القرآن، لكن عندما آتي وأقول لك؛ إن هذا الكتاب ليس دينياً بل كتاب اقتصادي، فأنا عندي كتاب "آراء جديدة بالسوق والتعبئة ومبادئ الحرب" ولا يمكن مقارنة هذا الكتاب مع القرآن، إذ لا توجد علاقة بينه وبين القرآن إطلاقا...
ولقد قلت؛ إن الكتاب الأخضر يحل المشكل السياسي والمشكل الاقتصادي، ولم أقل؛ إنه كتاب ديني، حتى نقارن بينه وبين القرآن، إذ عندما تتم هذه المقارنة فإننا بذلك سنضر بالقرآن).
ولا ندري كيف سيضر بالقرآن؟! إلا إذا كان يرى أن كتابه أرفع وأسمي من كتاب الله، تعالى الله عن ذلك، لكن الأمر كما قال القائل:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
                          فلم يضرها وأوهى قرنه الوَعِلُ
ويضيف القذافي مهدداً من يقول؛ إن الكتاب الأخضر ضد الدين بأنه سيتعامل معه كما تعامل "أتاتورك" مع المسلمين الذين وقفوا في وجهه لما أراد فصل الدين عن الدولة وأنه سوف يطبق الشيوعية، فيقول: (الآن يأتي شخص ويقول لي؛ الكتاب الأخضر ضد الدين، فأتصرف كما تصرف "أتاتورك" واغتاظ وأقول لك؛ خذ مزق الكتاب الأخضر وضعه في النار، واحضر الكتاب الأحمر لأطبق الماركسية بكل ما فيها) .
ويعتبر القذافي "حركة اللجان الثورية" التي أنشأها لتدعيم حكمه وبث الرعب في قلوب المسلمين في ليبيا بسياسة الحديد والنار، يعتبر هذه الفرقة الكفرية هي نبي هذا العصر، فيقول: ("حركة اللجان الثورية"؛ هي نبي هذا العصر، عصر الجماهير، وهي بالفعل النبي، نبي عصر الجماهير؛ هو "حركة اللجان الثورية"، لكن من الصعب أن يصدقوها) .
وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} .


القذافي ومظاهرة أعداء الله:
لقد تحولت ليبيا في عهد القذافي إلى ملاذ آمن لكل الحركات الهدامة في العالم، والتي وجدت من القذافي التشجيع والدعم بكافة أشكاله.
1- يقول عبد السلام جلود - أحد أعضاء الانقلاب الأسود  : (إن الجماهيرية تنفق 22% من الدخل السنوي على حركات التحرر ومقاومة الإمبريالية والصهيونية)!!
فالقذافي هو المسؤول عن ظهور النصراني "جون قرنق" في جنوب السودان، حيث دعمه بالسلاح والعتاد والمال حتى أصبح قوة لا يُستهان بها.
والقذافي هو الذي دعم "منظمة الجيش الجمهوري" و "منظمة بادر منيهوف" و "الألوية الحمراء"، وهو الذي وقف مع الروس عند احتلالهم لأفغانستان ضد المسلمين الذين يقاتلون عن أعراضهم وينافحون عن دينهم، وهو...
2- وأخيراً - وليس آخراً - وفي أثناء حرب البلقان الدائرة بين المسلمين والصرب كان القذافي يزود الصرب بكافة احتياجاتهم من النفط الذي كان يتحول إلى رصاص يخترق صدور المسلمين وقذائف تُدَكّ بها مدنهم وقراهم.
3- لقد قام القذافي بإهدار ثروة الشعب المسلم في ليبيا بشكل رهيب، ويكفي أن نعرف - على سبيل المثال - إن دخل ليبيا السنوي من النفط لعام 1981م بلغ 25 مليار دولار، أنفقها القذافي في دعم التنظيمات الإجرامية بكافة أشكالها، وفي مشاريعه الفاشلة، كمشروع "النهر الصناعي" الذي كلف حتى الآن أكثر من 25 مليار دولار،
أما الشعب المسلم فليس له أي اعتبار في حس القائد الملهم! وليذهب إلى الجحيم.
وقد حكم الله في أمثال هؤلاء فقال: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} .

القذافي والحركات الإسلامية في ليبيا:

1- شن القذافي حرباً شرسة على الحركات الإسلامية، ووصفها بأوصاف يعرف هو بنفسه بعدها عن الحقيقة، ولكنه يسعى إلى التزييف والتشويه ليصد الناس عن سبيل الله ويضلهم عن الطريق الذي اختاره الله تعالى لهم.
والذي يتابع خطابات القذافي - خاصة في السنوات الأخيرة - يلاحظ أنها موجهة ضد الصحوة الإسلامية في ليبيا، والتي أحس بأنها العدو الأول الذي يهدد ملكه وحكمه بالزوال، ولذا سعى في خطوة جريئة إلى استباحة دماء المخالفين له، وذلك عبر تصريحاته المتكررة وخطاباته المتوالية على شاشة الجهاز المرئي وموجات الراديو وصفحات الجرائد، وإصدار قانون لمحاربة الصحوة الإسلامية، عرف بقانون "الزندقة"، خاصة بعدما عرف أن شباب الإسلام في ليبيا يحكمون عليه بالكفر، فجن جنونه وخرج في الجهاز المرئي وهو يرغي ويزبد ويهدد ويتوعد ويستنكر تكفيره، خاصة وأنه أصبح "إمام الأئمة" - على حد تعبيره -
إذ يقول: (ثم إني أنا كفروني، قالوا؛ والله معمر كافر، أنا يا أخي نصلي بأئمة المساجد... نصلي بملايين الناس في أفريقيا، ونصلي بالآلاف في ليبيا... يصلي ورائي رؤساء دول... أنا لا أرضى لنفسي أن يكفرني واحد وأنا إمام الناس... أصبحت إمام لأئمة الأئمة وصليت بهم) .
وقد مر بنا الإجماع على أن من استحل دماء المسلمين فقد كفر، فما بالك بالذي يقنن القوانين لمطاردة الموحدين، وتنفيذ أحكام الإعدام في شهر رمضان وعند وقت الإفطار، ويسمي كل ذلك "عبادة"!!
2- يقول القذافي: (شفتوا - رأيتم - الإعدامات زي - مثل - "السلام عليكم" في شهر رمضان، لا يهمني رمضان، لا حرام، لا شيء، ما فيهاش حرام... هذه كانت عبادة... والله العظيم إلا لما تفطس الأشكال هذه - أهلك هؤلاء الأشخاص - ... بدأوا يشنقوا فيهم في المؤتمرات بلا محاكمة، أنت كلب ضال... ضعه في المشنقة) .
3- وقد استحث الطاغوت القذافي أتباعه من غوغاء اللجان الثورية في خطاب ألقاه بمدينة بنغازي، بتاريخ 8/3/1979 استحثهم على ملاحقة كل من يقفون ضد نظامه، واستباحة دمائهم ومداهمة مواقعهم حتى ولو كان المكان المقصود مسجداً، وكان هذا الخطاب فتحاً لباب ما سُمي بـ "التصفية الجسدية في الداخل والخارج"، والذي صدر عن الملتقى الثالث للجان الثورية في فبراير عام 1980.
يقول القذافي في الخطاب المذكور: (من يريد أن يقف ضد الثورة فهذا أمر مفروغ منه، سنداهم هذا الموقع وندمره وحتى ولو كان مسجداً، وإذا كان في الخارج؛ علينا أن ننتقل إليه في الخارج فنهاجمه، وإذا حكمتم على شخص بالإعدام في أي مكان من العالم لأنه يستحق الإعدام... لأنه ضد الثورة، عليكم أن تعملوا من أجل أن يُنفذ هذا الحكم في أي مكان من العالم).
وهذا ما تم بالفعل، فقد قامت عناصر اللجان الشيطانية باقتحام بعض المساجد وانتهاك حرمتها بأرجلهم القذرة، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك؛ مسجد "القصر" الذي كان خطيبه محمد البشتي رحمه الله - أحد العلماء الصادعين بكلمة الحق - حيث تم اعتقاله وطائفة من تلاميذه، وذلك بعد عصر يوم الجمعة، بتاريخ 21/11/1980، كما قام رعاع اللجان الثورية بمطاردة وقتل الليبيين المعارضين للنظام بالداخل والخارج، الإسلاميين منهم والعلمانيين.
4- وفي هذا الباب قام المرتد القذافي بنشر مقال بدون توقيع، تحت عنوان "لتُنسف المقابر ثأراً لكبرياء الأرض"، وذلك في صحيفته المسماة بـ "الزحف الأخضر"، بتاريخ 28/4/1981، أعلن فيه بداية التصفية الجسدية لخصومه في الخارج، وهددهم بأن عائلاتهم لن تنال العطف والرحمة بل سوف ينكل بها.
يقول الطاغوت القذافي: (إن التصفية الجسدية لأعداء الثورة في الخارج قد بدأت، ولن تتوقف حتى تدمر كل المواقع والخنادق التي تستخدم لمهاجمة الشعب الليبي وتهديد حريته... وان الموت سيلاحق الأعداء في كل مكان وفي كل ساعة... وإن عائلات الأعداء وأسرهم وأطفالهم لن تنال العطف والرحمة التي كانت تلقاها في الماضي، بل سينكل بها تنكيلاً أكيداً، ويتحمل الأعداء الفارون مسؤولية ذلك).
ولا ندري بعد كل هذا؛ أي شعب يتكلم القذافي عن حريته؟!
لقد ركز القذافي في حملته ضد معارضيه على الإسلاميين، وذلك لعلمه بالخطر الذي يشكله هؤلاء على نظامه، وقد استأثر هؤلاء بمعظم خطاباته التي دعا فيها إلى قتل واستباحة دماء المسلمين الموحدين الرافضين لدينه الجاهلي وشرعه الكفري ومنهجه الشيطاني.
5- يقول القذافي: (أقول لكم؛ إنه يجب طرح هذا الموضوع على المؤتمرات الشعبية واستصدار قانون ضد الزندقة، بحيث تعتبر الحركات هذه زندقة ومهدمة للإسلام ومضادة للأمة العربية وخطيرة جداً على المجتمع العربي وعلى المجتمع الإسلامي وعلى الدين الإسلامي، ومن يعتنقها يجب أن يستباح دمه، وعلى كل عائلة ليبية أن تفهم؛ إذا قالوا لك؛ ابنها خش - دخل - في الحركة وأُدين فيها، الله غالب، مثلما يقولوا لك؛ فيه سرطان في المرحلة الثالثة أو الرابعة... كان قالوا لك؛ واحد من عائلتك لقيناه في هذه الحركة، احسبه قالوا لك؛ فيه مرض "الأيدز"... انتهى... لا يمكن تشفع فيه شفاعة الشافعين، وزنديق لا بد من سحقه... ومن الآن فصاعداً حكم القانون يصدر من المؤتمرات الشعبية، كل واحد ثبتت عليه الزندقة يُسحق فوراً) !!
6- وفي محاولة منه لهدم الحواجز بين سائر التيارات وتشويهاً للدعاة والمصلحين، يقول: (ومن ثم أي واحد تجدونه يقول؛ الدعوة أو الجهاد أو التكفير أو الإخوان، هذا تقطعوا رقبته وترمونه في الشارع، وكأنكم أمسكتم بذئب أو عقرب، لأن هذا سم، هذا شيطان، هذا زنديق، هذا بيخرب الإسلام) !!
ويقول المتعطش لسفك دماء المسلمين الموحدين: (... هناك اتفاق من كافة الأقطار العربية - سواء كانت رجعية أو ثورية - على أن تعامل الزندقة مثلما تعامل الكلاب المسعورة... في مصر الآن يقتلون بدون محاكمة...
إذا جاء أحد المتزندقين إلى الشارع يضرب بالرصاص كأنه كلب مسعور، لأنهم عندما يحققون معه يضعون أصابعهم في آذانهم ويرفضون أي تحقيق على الرغم من أن هذا التحقيق في صالحهم، إذن يقتل ويُرمى للكلاب ولا نستطيع دفنهم في مقابرنا، لأنهم هم معترضون على مقابر المسلمين، وقالوا؛ كلها غلط، ممنوع يدفن أي زنديق يُقتل في ليبيا أو في بلد آخر في مقبرة المسلمين ويُرمى للكلاب )
ويقول أيضاً: (... ولكن الواحد الصغير والصحيح عليه أن يقاتل... يخطب... يصفي الأعداء... إذا وجدت أحداً من الكلاب الضالة عليك أن تصفيه في الكعبة... في جبل عرفة... بين الصفا والمروة، لان دم المارقين الذين يحاربونكم، يحاربون الجماهيرية التي جسدت الإسلام... هؤلاء دمهم مهدور لأنهم عملاء أمريكا ويجب قتلهم في كل مكان) .
7- ونُذكر القارئ الكريم في نهاية هذه النقطة أن القذافي قد اتخذ من السابع من أبريل من كل عام مناسبة وفرصة لقتل وإرهاب معارضيه وخصومه، خصوصاً على الصعيد الطلابي في الجامعات والمعاهد العليا، وفي كل عام يقوم رعاع اللجان الثورية الشيطانية بتقديم القرابين لطاغيتهم الذي يعبدونه من دون الله، وينقادون لحكمه ويرتضون رأيه، وهذه القرابين تتمثل في كل معارض للقذافي، خصوصاً الإسلاميين منهم.
ويبقى السر في اختيار هذا التاريخ مرتبطاً بمعرفة أصل القذافي ومعرفة أخواله الذين لم يُظهرهم على مسرح الأحداث إلى هذه اللحظة... وعندها سينكشف السر، ويُرفع الغطاء، وتتضح الحقيقة، ويعلم الجميع أن ذلك التاريخ - 7 إبريل - له ارتباط بما يُعرف بقصة "الفطير التلمودي اليهودي"!!
ورحم الله الأستاذ سيد قطب عندما تحدث عن ديدن الطغاة مع الدعوات الصادقة، وكأنه يصف حال المسلمين الموحدين مع الطاغوت القذافي في ليبيا،
فيقول: (وهكذا لا يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون، وهل يجوز أن يُرى إلى جوار رأيهم وإلا فلم كانوا طغاة؟! ويصر الطاغوت على الباطل في وجه الحق، ويقاوم الدعوة إلى رب العالمين، ذلك أنه يعلم يقيناً أن هذه الدعوة بذاتها هي حرب عليه بإنكار شرعية قيامه من أساسه... وما يمكن أن يسمح الطاغوت بإعلان أن لا إله إلا الله أو أن الله رب العالمين إلا حين تفقد هذه الكلمات مدلولها الحقيقي وتصبح مجرد كلمات لا مدلول لها، وهي في مثل هذه الحالة لا تؤذيه لأنها لا تعنيه، فأما حين تأخذ عصبة من الناس هذه الكلمات جدا بمدلولها الحقيقي؛ فإن الطاغوت الذي يزاول الربوبية - بمزاولته الحاكية بغير شرع الله وتعبيد الناس بهذه الحاكمية وعدم إرسالهم لله - لا يطيق هذه العصبة) ."اهـ موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين لعلى الشحود ج3ص121-125
أقول :أنا لم أذكر هذا النقل بطوله عن حقيقة القذافى مع بيان ما هو عليه من كفر بواح  وزندقة وإلحاد ، إلا لغرض واحد وهو : أن أكثر دعاة السلفية – إلا من رحم الله – لا يُكفر القذافى وأمثاله ، والسبب فى ذلك : أنهم يحكمون على المقالة والمقالات والأفعال دون الحكم على القائل والفاعل – هكذا على الإطلاق ، وإن قالوا بل القذافى كافر لظهور كفره ، فيلزمهم أن يحكموا بالكفر على كل من ظهر وأظهر كفره ، وإلا فهو التناقض ، ثم نقول لهم : وما الفرق بين القذافى وبين بقية الحكام الذين بدلوا وغيروا الشرع الحنيف ، وأحلوا مكانه العلمانية والديمقراطية الكفرية ؟
إنه الإرجاء الذى يسير عليه القوم من الدعاة والعلماء – إلا من رحم الله – وإن كانوا من الناحية النظرية يقولون بقول أهل السنة فى تعريف الإيمان والكفر – ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى

الحالة الثالثة :القبورية كفر بواح
1- عباد القبور ليسوا من أهل القبلة
قال الشيخ عبد العزيز الراجحى فى شرح لمعة الاعتقاد :
المسألة الثانية : قول المصنف ( أهل القبلة ) ما المقصود بهم :
يقصد أهل القبلة طوائف :
أ - السابقون .
ب - المقتصدون .
وهذان القسمان هم أهل المدح والثناء وهم أهل الجنان ، قال تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر : 32]
وهؤلاء لا يكفرون.
جـ - الظالم لنفسه ، وهم أهل التوحيد الذي فعل شيء من المعاصي ومات عليها، أو مصراً عليها ، ويشترط في هؤلاء حتى يسموا أهل القبلة ، أن يأتوا بالتوحيد ، وأن لا يأتوا بناقض من نواقض الإسلام .
د - المبتدعة : أو الذين فيهم بدعة ، بشرط أن تكون بدعتهم غير مكفرة ، كالذين يحيون ليلة النصف من شعبان وكتقديم الخطبة على الصلاة في العيد ، وترك بعضهم للتكبير علناً ، وكتأخير الصلاة لآخر وقتها الضروري ، ومثل الكلابية ومثل متقدمي الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري والباقلاني ، ومثل الكرامية فإنهم مبتدعة ومثل الخوارج الأولى ويسمون المحكّمة ، فهؤلاء مبتدعة وليسوا كفاراً . ومثل مرجئة الفقهاء ، هذه الطوائف هي التي تسمى أهل القبلة .
المسألة الثالثة : أهل القبلة ينقسمون إلى قسمين :
أ - أهل القبلة بالحقيقة ، بمعنى أنه يجوز إطلاق هذا الاسم عليهم ، وهم الطوائف السابقة .
ب - أهل قبلة بالادعاء والانتساب أو لمجرد التعريف ، أو باعتبار ما قبل التكفير ، وهو كل من انتسب إلى القبلة وقد قام به مكفر ، فتسميته بأهل القبلة زور وبهتان . ولا يجوز إطلاق هذا الاسم عليه.
وهذا القسم لم يرده المصنف ، وهم طوائف يتسمون بأهل القبلة وهم كفار ، وهم كالتالي : الجهمية ، وغلاة المعتزلة : فهؤلاء على الصحيح كفار .
الرافضة : وهم ليسوا من أهل القبلة على الحقيقة وهم كفار ، علماؤهم وعوامهم
عباد القبور : وهؤلاء مشركون بالإجماع وليسوا بمسلمين ، نقل تكفيرهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، في نواقض الإسلام - الناقض الثاني - ، وقبله نقله ابن تيمية كما في كشاف القناع ، أن من جعل بينه وبين اللَّه وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً .
الصوفية الذين عندهم كفريات ، كالاستغاثة بالأولياء ونحو ذلك ، فهؤلاء مشركون وإن تسموا بأهل القبلة .
العلمانيين : بجميع أصنافهم ، فإنهم كفار وإن تسموا بالإسلام ، أو قالوا نحن دولة إسلامية وحكام مسلمين ، وهم في حقيقة الأمر علمانيون كفار .
وأصناف العلمانيين مثل : الحداثيين والديمقراطيين والبرلمانيين والبعثيين والقوميين ، والشيوعيين والاشتراكيين ، فهؤلاء كلهم كفار سواء كانوا كتّاباً أو صحفيين أو سياسيين أو إعلاميين أو مثقفين أو عسكريين ، أو اقتصاديين إلخ.
ومنهم من يتسمى بالإسلاميين وقد قام بهم مكفر كالإسلاميين الذين يبيحون التشريع لغير اللَّه أو الذين يتحالفون مع العلمانيين ، ويستلزم من تحالفهم مع العلمانيين أن يفعلوا كفرا عالمين به فهؤلاء كفار وإن ادعوا أنهم إسلاميون .
ومن هذه الطائفة صنف يسمى العصرانيين ، وهم الذين يدعون تطوير الشريعة لكي تواكب العصر ، أو تطوير أصول الفقه لكي يواكب العصر ، وأمثالهم ممن يفعل مكفرا من هؤلاء ." اهـ الزناد شرح لمعة الاعتقاد للراجحى ص87-88
2- من صفات أهل القبلة :
قال الشيخ عبد العزيز الراجحى :فى تعليقه على قول الإمام الطحاوى
أهل القبلة :
قال الطحاوى – رحمه الله "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين"
قال الشيخ الراجحى :
"نعم نؤمن بأهل القبلة بأهل القبلة، ونؤمن أنهم من أهل الإسلام، ولا نخرجهم من ملة الإسلام، من هم أهل القبلة؟ أهل القبلة هم :من يدعي الإسلام، وينتسب إلى الإسلام، ويستقبل القبلة في الصلاة وفي الذبح وفي الدعاء، وإن كان من أهل البدع ولو كان من أهل البدع، وإن كان من أهل البدع أو من أهل المعاصي ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنسميهم مسلمين ونسميهم مؤمنين، ما داموا معترفين ومقرين بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - مصدقين بأخباره وأقواله، ولم يكذبوا بشيء مما جاء به، هؤلاء نسميهم المسلمين إلا من فعل ناقضا من نواقض الإسلام، فارتد، أما إذا التزم بالإسلام، ونطق بالشهادتين، وكان يصلي ويستقبل القبلة، والتزم ظاهرا بالإسلام، هذا نسميه مسلما، ولا نكفره، ولو كان عنده بعض البدع، ولو كان عنده بعض المعاصي، إلا إذا ارتكب مكفرا، كأن أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، أو سب الله أو سب الرسول أو استهزأ بالله، كما سيأتي، أما إذا لم يفعل شيئا من ذلك؛ فنسميه مسلما ونسميه مؤمنا، ولا نكفره، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا) . نعم." اهـ شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عبدالعزيز الراجحي ص213
3- عباد القبور ليسوا من المسلمين الموحدين
قال الشيخ الجبرين " أهل التوحيد الذين يستقبلون القبلة ويتوجهون إليها ويعترفون بقبلة المسلمين وكل من كان من الأمة المحمدية الذين استجابوا لله تعالى لرسوله يسمون أهل القبلة، أي: أنهم في صلاتهم وذبائحهم يستقبلون القبلة، وأنهم يحنون إلى القبلة ويذهبون إليها حجاجاً وعماراً، فلذلك يسمون أهل القبلة، فهم يؤمنون بالله تعالى إلهاً ورباً وخالقاً، ويعبدونه ولا يعبدون غيره، ولا يصرفون شيئاً من عبادته ولا من حقه لمخلوق سواه، فهم أهل التوحيد، يقولون: (لا إله إلا الله) ويعملون بها.
فلا يدخل في ذلك الذين يعبدون القبور -ويسمون القبوريين- فإنهم ليسوا من أهل التوحيد؛ لأنهم شابهوا قوم نوح الذين عبدوا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وشابهوا قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون التماثيل ويعكفون لها، وكذلك الذين يعبدون الأشجار والأحجار، يتبركون بهذه الشجرة ويعتقدون فيها، أو يتبركون بهذا الغار أو بهذه الصخرة أو القبة أو العين أو ما أشبه ذلك ويعتقدون أنها تنفع وتشفع وتدفع وتفيدهم، فلأجل ذلك يتمسحون بها ويعكفون عندها ويأخذون تربتها، وربما أيضاً دعوها كدعاء المشركون العزى: يا عزى.يا عزى.
فمثل هؤلاء ليسوا من أهل القبلة ولو صلوا وصاموا، وليسوا من أهل التوحيد؛ فلا يدخلون في هذا الباب، إنما الكلام في المسلمين من أهل التوحيد، ومن أهل القبلة وارتكبوا الكبائر." اهـ  اعتقاد أهل السنة للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين ص10

قلت :عباد القبور ليسوا بمسلمين :
والسبب الأول فى ذلك :الشرك فى عبادة الله
والسبب الثانى : عدم البراءة من الشرك والمشركين
وقال الشيخ على الخضير :
" وقال ومسألتنا هذه وهي : عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة ، وهي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفي دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية : كالصرف والعطف ، وكيف يعرفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل " الجمع والتجريد ج1ص137

4- عباد القبور أهل شرك
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب " وأما أهل السنة فمذهبهم : أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك، ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك وأنت رجل من أجهل الناس تظن أن من صلى وادعى أنه مسلم لا يكفر، فإذا كنت تعتقد ذلك فما تقول في المنافقين الذين يصلون ويصومون ويجاهدون قال الله تعالى فيهم ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)وما تقول في الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أينما لقيتموهم فاقتلوهم ) أتظنهم ليسوا من أهل القبلة ؟ ما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره فأضرم لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل نارا فأحرقهم بها وأجمعت الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس أنكر تحريقهم بالنار، وقال يقتلون بالسيف أتظن هؤلاء ليسوا من أهل القبلة ؟ أم أنت تفهم الشرع وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفهمونه ؟ أرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قاتلوا من منع الزكاة، فلما أرادوا التوبة قال أبو بكر لا نقبل توبتكم حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار أتظن أن أبا بكر وأصحابه لا يفهمون ؟ وأنت وأبوك الذين تفهمون يا ويلك أيها الجاهل الجهل المركب إذا كنت تعتقد هذا، وأن من أم القبلة لا يكفر فما معنى هذه المسائل العظيمة الكثيرة التي ذكرها العلماء في باب حكم المرتد التي كثير منها في أناس أهل زهد وعبادة عظيمة، ومنها طوائف ذكر العلماء أن من شك في كفرهم فهو كافر، ولو كان الأمر على زعمك لبطل كلام العلماء في حكم المرتد إلا مسألة واحدة وهي الذي يصرح بتكذيب الرسول وينتقل يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ونحوهم هذا هو الكفر عندك يا ويلك ما تصنع بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " وكيف تقول هذا وأنت تقر أن من جعل الوسائط كفر ؟ فإذا كان أهل العلم في زمانهم حكموا على كثير من أهل زمانهم بالكفر والشرك أتظن أنكم صلحتم بعدهم يا ويلك" اهـ موسوعة مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب – الرسالة الرابعة ص8ص141-142
5- عباد القبور جمعوا بين الإسلام والشرك :
"عباد القبور المذكورون ينتسبون للإسلام ولكن ابن سحمان
وأئمة الدعوة قاطبة الحقوا بهم اسم الشرك وإن عبدوا القبور متأولين ظانين أنهم يتقربون إلى الله بعبادتهم إياها.(انظر كشف الشبهات)
وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن :(بل إن أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع ولا يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة )
تأمل في قوله(لا يسمون مسلمين بالإجماع) وقد تقدم قول أخيه الشيخ عبد اللطيف( الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان)فإذا لم يكن هؤلاء مسلمين كانوا مشركين لأنه لا بد من ثبوت أحد النقيضين(الإسلام أو الشرك) ،وقد تقدم أيضا قول شيخ الإسلام ابن تيمية:( وليس في بني آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك). تيسير العزيز الحميد شرح كتاب الحقائق في التوحيد لابو مارية ص32

6- عباد القبور كفار ظاهرا :
" قال الإمام الطحاوى "
ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى"
قال الشيخ الراجحى معلقا على ذلك :
كذلك -أيضا- المعين من أهل القبلة ما نشهد عليه بالكفر نقول: إنه كافر، ولا نشهد عليه بشرك نقول: مشرك، ولا نشهد عليه بنفاق أو بفسق، إلا إذا ظهر منه ما يدل على ذلك، إذا ظهر منه كفر شهدنا له بالكفر، ظهر منه شرك شهدنا له بالشرك، ظهر منه نفاق شهدنا له بالنفاق، ظهر منه فسق شهدنا له بالفسق أما إذا لم يظهر؛ فإننا نكل سريرته إلى الله نجريه على ظاهره وذلك؛ لأنا قد أمرنا بالحكم الظاهر، ونهينا عن الظن وإتباع ما ليس لنا به علم، وهذا من قواعد الشريعة العامة، وهو وجوب الحكم بالظاهر والأمر بأن تكل السرائر إلى الله تعالى؛ ولذلك نهى الله عن الظن.
ومن الأدلة على هذا قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ [الحجرات : 11]
ومن رمى أحدا بكفر، أو فسق، أو شرك، أو نفاق بغير دليل، فهو محقر له، ساخر منه، ومن الأدلة قول الله تعالى:     "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات : 12]
 ووجه الدلالة: أن من رمى إنسانا بكفر، أو فسق بدون شيء ظاهر منه، فهو ظن، والظن منهي عنه، ومن الأدلة قول الله تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء : 36] 
ومن رمى أحدا بكفر، أو فسق، أو نفاق، أو شرك بغير دليل، فقد قفا ما ليس له به علم. نعم." اهـ شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عبدالعزيز الراجحي ص275
7- عباد القبور شركهم يفوق شرك أهل الجاهلية :
ويقول صاحب "تيسير العزيز الحميد": بعد أن وصف ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى من الشرك وأنهم كانوا يشركون في الرخاء، فإذا كانوا في الشدة دعوا الله مخلصين { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65].
قال: فهذه حال المشركين الأولين. وأما عباد القبور اليوم فلا إله إلا الله، كم ذا بينهم وبين المشركين الأولين من التفاوت العظيم في الشرك، فإنهم إذا أصابتهم الشدائد برًا وبحرًا أخلصوا لآلهتهم وأوثانهم التي يدعونها من دون الله، وأكثرهم قد اتخذ ذكر إلهه وشيخه ديدنه وهجيراه، إن قام وإن قعد وإن عثر. هذا يقول: يا علي، وهذا يقول: يا عبد القادر، وهذا يقول: يا بن علوان، وهذا يدعو البدوي، وهذا يدعو العيدروس.
وبالجملة ففي كل بلد في الغالب أناس يدعونهم ويسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات بل بلغ الأمر إلى أن سألوهم مغفرة الذنوب، وترجيح الميزان، ودخول الجنة و النجاة من النار، والتثبيت عند الموت والسؤال، وغير ذلك من أنواع المطالب التي لا تطلب إلا من الله.
وقد يسألون ذلك من أناس يدعون الولاية، و ينصبون أنفسهم لهذه الأمور وغيرها من أنواع النفع والضر التي هي خواص الإلهية، ويلفقون لهم من الأكاذيب في ذلك عجائب منها أنهم يدعون أنهم يخلصون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم من النار والعذاب، فيقول أحدهم: إنه يقف عند النار، فلا يدع أحدًا ممن يرتجيه ويدعوه يدخلها أو نحو هذا، وقد قال تعالى لسيد المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} [الزمر: 19] فإذا كان النبي -لى الله عليه وسلم -  يقدر على تخليص أحد من النار، فكيف بغيره، بل كيف بمن يدعي نفسه أنه هو يفعل ذلك؟" اهـ  السديد فى وجوب الاهتمام بالتوحيد لإسلام دربالة ص54
8-       عباد القبور توحيدهم كتوحيد المشركين
قال صاحب المعارج :
تلازم أنواع التوحيد وفساده بفساد أحدها :
ما ذكرناه من أن عباد الأوثان مقرون لله بالربوبية وشاهدون بتفرد الله بذلك وأنهم إنما أشركوا بالله في الإلهية حيث عبدوا معه غيره فهذا في الظاهر ، وإلا فأنواع التوحيد متلازمة فمن صرف عبادة كالدعاء لوثن من الأوثان وطلب منه أن يختار له ما فيه مصلحته (يسافر أو لا يسافر ، يفعل هذا الأمر أو لا يفعله ، هل يضره ذلك الشيء أو لا يضره ، ... إلى آخره مما كان يفعله المشركون وينتظرون فيه الجواب من الآلهة المدعاة) فمن فعل ذلك فقد نسب للوثن القدرة وعلم الغيب وما لا يقدر عليه إلا الله ، وذلك من خصائص الربوبية ، لذا فشركهم هذا في العبادة يتضمن شركاً في الربوبية ، وهذا الأمر ظاهر كذلك في عبّاد القبور والأضرحة في كل مكان وزمان يطلبون من معبوداتهم أموراً لا يقدر عليها إلا الله فعبادتهم أو دعاؤهم لهم شرك في العبادة وكونهم يسألونهم أموراً لا يسألها إلا من له القدرة المطلقة وعلم الغيب والسمع الذي وسع الأصوات كلها شرك في الربوبية ." مختصر المعارج ص59
9- عباد القبور اتخذوا من دون الله أندادا
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن في بيان ذلك: "فكل من اتخذ نداً لله يدعوه من دون الله ويرغب إليه ويرجوه لما يؤمله منه من قضاء حاجاته وتفريج كرباته كحال عباد القبور والطواغيت والأصنام فلابد أن يعظموهم ويحبونهم لذلك، فإنهم أحبوهم مع الله وإن كانوا يحبون الله تعالى، ويقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، فقد أشركوا في المحبة بمحبة غيره وعبادة غيره، فاتخاذهم الأنداد يحبونهم كحب الله يبطل كل قول يقولونه وكل عمل يعملونه، لأن المشرك لا يقبل منه عمل، ولا يصح منه، وهؤلاء وإن قالوا لا إله إلا الله فقد تركوا كل قيد قيدت به هذه الكلمة"اهـ نواقض الإيمان الاعتقادية عند السلف ج1ص415
10- عباد القبور والفجور :
"يصف الشيخ عبد الرحمن الوكيل أحوال عبّاد القبور ـ من الصوفية وغيرهم ـ ويشير إلى جملة من صور الكفر والفجور في تلك المشاهد والموالد، فيقول: (وسلِ الآمّين تلك الموالد عن عربدة الشيطان في باحاتها، وعن الإثم المهتوك في حاناتها، وعن حمم الشهوات التي تتفجر تحت سود ليلاتها.. فما ينقضي في مصر أسبوع إلا وتحشد الصوفية أساطير شركها، وعبّاد أوثانها عند مقبرة يسبّحون بحمد جيفتها، ويسجدون أذلاء لرمتها، ويقترفون خطايا المجوسية في حمأتها، ويحتسون آثام الخمر و (الحشيش)، والأجساد التي طرحها الإثم على الإثم فجوراً ومعصية، ويسمونها موالد، أو مواسم عبر وذكريات خوالد...)اهـ انحرافات القبوريين ... الداء الدواء عبد العزيز عبد اللطيف ص27
11- عباد القبور وصرف عمل القلب لغير الله :
والتوكل على غير الله جل وعلا له حالان:
الحال الأولى: أن يكون شركا أكبر، وهو أن يتوكل على أحد من الخلق فيما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، يتوكل على المخلوق في مغفرة الذنب, يتوكل على المخلوق في تحصيل الخيرات الأخروية، أو يتوكل على المخلوق في تحصيل ولد له، أو تحصيل وظيفة له، يتوكل عليه بقلبه وهو لا يقدر على ذلك الشيء، وهذا يكثر عند عباد القبور وعُبّاد الأولياء فإنهم يتوجهون إلى الموتى بقلوبهم، يتوكلون عليهم؛ بمعنى يفوضون أمر صلاحهم فيما يريدون في الدنيا والآخرة على أولئك الموتى وعلى تلك الآلهة والأوثان التي لا تقدر من ذلك على شيء.
فهذا عبادة صرفت لغير الله جل وعلا وهو شرك أكبر بالله جل، مناف لأصل التوحيد " اهـ كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ صالح ص325
12- " وكحال عباد القبور؛ فإنهم يخافون أصحاب القبور من الصالحين، بل من الطواغيت كما يخافون الله، بل أشد؛ ولهذا إذا توجَّهَتْ على أحدهم اليمينُ بالله أعطاك ما شئت من الأيمان صادقاً أو كاذباً، فإن كانت اليمين بصاحب التربة لم يُقْدِم على اليمين إن كان كاذباً.
وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أخوف عنده من الله.
وكذا إذا أصاب أحداً منهم ظلمٌ لم يطلب كشفه إلا من المدفونين في التراب، وإذا أراد أحدهم أن يظلم أحداً فاستعاذ المظلوم بالله لم يُعذه، "ولو استعاذ بصاحب التربة أو بتربته لم يُقْدِمْ عليه بشيء، ولم يتعرض له بالأذى."اهـ  كلمات في المحبة والخوف والرجاء محمد الحمد ص 8
13- خوف "السر"، وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو ولي من الأولياء بعيدًا عنه أن يصيبه بمكروه وهذا الخوف هو الواقع بين عباد القبور والمتعلقين بالأولياء، قال تعالى عن قوم هود " قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54)
 فهم يتصورون أن الآلهة يُخاف منها لأنها قد تعتري الإنسان بسوء، ومعنى هذا في نظرهم أنها إذا كانت تنفع فإنه يتصور أنها تضر فهذا يطلق عليه خوف السر" اهـ حصول المأمول بشرح ثلاثة الاصول عبد الفوزان ص57
14- عباد القبور يُخوفون المسلمين بآلهتهم :
وكقوله تعالى : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ [الزمر : 36]
 ( وهذا الواقع من عباد القبور ونحوها من الأوثان, يخافونها ويخوّفون بها أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتها وأمروا بإخلاص العبادة لله, وهذا ينافي التوحيد ، فكما أنه إذا دعا غير الله, أو سأل غير الله, انتفى عنه الإيمان, فكذلك إذا خاف غير الله
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فمن سوى بين الخالق والمخلوق, في الحب له, أو الخوف منه, والرجاء له, فهو مشرك " اهـ  تيسير الوصول إلى الثلاثة الأصول عبد المحسن القاسم ص58
15- عباد القبور واعتقادهم فى تأثير الأرواح :
"والمسألة في حقيقتها: اعتقاد في تأثير (الأرواح)؛ (فإنهم قالوا: الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله ـ تعالى ـ لا يزال تأتيه الألطاف من الله ـ تعالى ـ وتفيض على روحه الخيرات؛ فإذا علق الزائر روحه به وأدناه منه: فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوهما على الجسم المقابل له).
ويقول الشيخ أخلاق حسين القاسمي، أحد أبناء طائفة الديوبندية الصوفية: (إن أرواح المؤمنين ـ وخاصة أرواح الأولياء والصالحين ـ قادرة على التصرف في هذا الكون بعد مفارقة الأجساد...).
وهذا ما يشهد به واقعهم: فأعراب شرق الأردن يسمّون المقام ولياً؛ لأن أرواح الصالحين تقطن في ذلك البناء، بل يزعمون (أن أرواح الأولياء تسكن في القبور حيث يرقد جثمانها، وهي كالبشر في جميع احتياجاتهم من أكل وشرب، فيدّعون أن الرياح والثلوج تؤثر بهم، والجوع يفنيهم).
وينقل الشيخ محمد رشيد رضا عن أحد دعاة القبورية قوله: (إن الدعاء والاستغاثة بالموتى وبالأحياء من هؤلاء الأحباب سواء؛ لأن الموتى منهم أحياء في قبورهم يفعلون أفعال الأحياء فيها وفي خارجها)، ويقول آخر: (إن تصرف الأولياء يزداد بعد وفاتهم).
فالقبوريون (أمام قبر الولي يركعون ويبكون ويتوسلون إليه، معتقدين أن الولي ينظر إليهم ويراهم، وأن روحه الطاهرة تحوم حولهم).
ومما يؤكد اعتقاد القبوريين في تأثير أرواح (الأولياء) بالتصرف أن كثيراً من هؤلاء المقبورين كانوا في معظم حياتهم (غير فعالين) في الخوارق، ووجد القبوريون فيهم ذلك بعد مماتهم؛ فالشيخ عبد الله في معان بالأردن عاش بالصلاح والتقوى وكان خطيباً ينذر القوم بالوعد والوعيد، فلم يجد في عشيرته من يعي كلامه ويحفظه، فلما استوفى أيامه أظهر الله كراماته بشفاء كثير على ما زعموا...
بل وصل الأمر إلى حد (أن الأكراد عظموا شريفاً صالحاً مر عليهم في سفره، ولحبهم فيه أرادوا قتله ليبنوا عليه قبة يتوسلون بها).
وهكذا هي في التراث الشعبي، فمن الأمثال الشعبية المصرية: (بعد ما راح المقبرة بقى سكّره) أي: أصبح مرغوباً فيه مثل السكر.. فما الفرق بين الحياة والممات إلا في انفصال (الروح) عن الجسد؟!.
والمسألة في حقيقتها: تعلق القلوب بالضريح وصاحبه والتوجه إليه بمشاعر الإجلال والمهابة..
هكذا يشهد حالهم: (فإن عباد القبور يعطونها من التعظيم والاحترام والخشوع ورقّة القلب والعكوف بالهمة على الموتى ما لا يفعلونه في المساجد، ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريب منه).
ولعل السبب في ذلك أن (غرّهم الشيطان، فقال: بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين، وكلما كنتم أشد لها تعظيماً، وأشد فيهم غلوّاً، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد).
وهذا ما يقرره أحد مشائخ القبوريين، الذي يقول: (إن صاحب هذا القبر شيخنا محمد إلياس يوزع النور الذي ينزل من السماء في قبره بين مريديه حسب قوة الارتباط والتعلق به)
فكلما توغل القبوري في غيّه كلما حرص على إبراز قوة الارتباط والتعلق بالضريح وشدة تعظيمه وغلوه فيه، وفي ذلك قال ابن الرومي في (شرح المختار): (قد قرر الشيطان في عقول الجهال أن الإقسام على الله بالولي والدعاء به أبلغ في تعظيمه، وأنجح لقضاء حوائجه، فأوقعهم بذلك في الشرك)، وعلى ذلك (فقد يقسم الأعرابي بالله دفعات متوالية على أنه يخشى أن يذكر اسم (شعيب) بالكذب مرة واحدة؛ لأنه (مظهر الأسرار وموضح الخفيّات)،
وعندما سئل أحد التجار: لماذا يقسم بصندوق ضريح القرية، ولا يقسم بالله عندما يحاسب زبائنه؟ أجاب: (إنهم هنا لا يرضون بقسم الله، ولا يرضون إلا بقسم صندوق نذور الضريح أو سور الضريح لسيدنا فلان).. فهل هذا إلا للتعظيم والإجلال والرهبة وتعلق القلب بالضريح وصاحبه؟" اهـ  انحرافات القبوريين ... الداء الدواء ص52-53
16- عباد القبور وتلاعب الشيطان بهم :
وقال القرطبي : ( وإنما صور أوائلهم الصور ليتأسوا بها و يتذكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدوا الله عند قبورهم ، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم فوسوس إليهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها )
وقال ابن القيم رحمه الله : ( وما زال الشيطان يوحي إلى عباد القبور ويلقي إليهم أن البناء والعكوف عليها من محبة أهل القبور من الأنبياء و الصالحين ، وأن الدعاء عندها مستجاب ، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها والإقسام على الله بها والله أعظم من أن يقسم عليه ويسأل بأحد من خلقه .
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعائها وعبادتها
وسؤالها الشفاعة من دون الله واتخاذها أوثاناً تضاء لها القناديل و تجعل عليها الستور ويطاف بها ويستلم ويقبل
ويحج إليها و يذبح
عندها .
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادتها واتخاذها عيداً ومنسكاً ، ورأوا أن ذلك أنفع لهم في دنياهم وأخراهم ، وكل هذا قد علموه بالاضطرار من دين الإسلام وأنه مضاد لما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تجريد التوحيد وأن لا يعبد إلا الله .
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من نهى عن ذلك تنقص أهل هذه الرتب العالية و حطهم عن منزلتهم و زعم أنه لا حرمة لهم و لا قدر ، فغضب المشركون و اشمأزت قلوبهم كما قال تعالى في سورة الزمر : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر : 45] وسرى ذلك في نفوس كثير من الجهال والطغاة وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين حتى عادوا أهل التوحيد ورموهم بالفظائع ونفروا الناس عنهم ووالوا أهل الشرك وعظموهم وزعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله ويأبى الله ذلك ، قال تعالى في سورة الأنفال : { َمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [الأنفال : 34] اهـ الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق محمد تقى الدين الهلالى ص12-13
17- فوائد من حديث ذات أنواط :
" عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، يُعَلِّقُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بنو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف : 138 ] ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ "رواه الترمذي وصححه ) .
قال محمد تقي الدين : تأمل أيها الموفق لاتباع كتاب الله و سنة رسوله،المحقق لتوحيد الله هذا الحديث تجد فيه مسائل :
الأولى : أن من قل علمه و لو من أهل القرون الأولى المصاحبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد يلتبس عليه الأمر وتخفى عليه بعض أنواع الشرك فلا يعصمه من الوقوع فيه إلا الاستنارة بأنوار السنة المحمدية
والرجوع إلى كتاب الله و بيان رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك فعل أبو واقد وأصحابه فإنهم حين ظنوا أن التبرك بشجرة يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بأس به ولا ينافي التوحيد ولا يتعارض مع قول ( لا إله إلا الله ) فأخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤكداً إخبارهم بالقسم ومكبراً ، استعظاماً لذلك الأمر : أن ما سألوه هو عين ما سأله قوم موسى ، وهو الشرك الأكبر الموجب للخلود في جهنم .
الثانية : أنه لا عبرة بالأسماء و إنما العبرة بالمسميات فإنهم لم يقولوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجعل لنا إلهاً نعبده من هذه الشجرة بتعليق أسلحتنا في أغصانها و التبرك بالجلوس عندها ، بل قالوا : اجعل لنا ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط ، فأخبرهم ، و أكد لهم أن ذلك اتخاذ لتلك الشجرة إلهاً .
الثالثة : أن العبادة غير منحصرة في السجود والركوع و الدعاء والاستغاثة والاستعاذة ، بل كل قول أو عمل عظم به غير الله تعالى رجاء النفع ، وإن كان من الأماكن التي مر بها نبي صالح ، هو عبادة لذلك المكان ، ولا ينفع عابده زعمه أنه يتبرك بمكان كان فيه نبي فضلاً عن غيره ، فتقبيل التوابيت والقبور والطواف بها والتمسح بها وأخذ ترابها للشفاء كل ذلك عبادة وشرك بالله تعالى .
الرابعة : فإن قيل : هل أشرك أبو واقد وأصحابه لما خطر ببالهم ذلك ؟ قلنا : لا ؛ لأن الله تعالى لا يؤاخذ على الخواطر وما وسوست به النفس ما لم يعتقده الإنسان أو يتكلم به أو يعمله ،
فإن قيل : لو أقدموا على ذلك ولم يسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كانوا يشركون ؟
فالجواب : أن ذلك مقتضى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى )
ولكنهم أجل - ولو كانوا حديثي عهد بكفر - من أن يقدموا على مثل ذلك أو أقل منه بلا دليل قاطع من كتاب الله
وسنة رسوله ، فليعتبر بذلك الذين يسمون أنفسهم علماء
ويبيحون اتخاذ المواسم والأعياد عند القبور والقباب ،
 ويحضرونها بأنفسهم ، ويأكلون من القرابين التي تذبح عندها ، وهي مما أهل لغير الله به ويشاركون العوام في الابتهال والتضرع للأوثان فبعدا للقوم الظالمين فما تركوا للجهال إذن !! .
الخامسة : من أعلام نبوته قوله ( إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم ) ، أي لتتبعن طريقهم في بدعهم ومعاصيهم وشركهم وكفرهم ، فتعوذ بالله من العصيان بعد الطاعة ،
ومن الخذلان وعمى البصيرة " اهـ الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق ص16-17
18- هل كل من تسمى بالإسلام يبقى على إسلامه؟
ونختم هذا المبحث بما ذكره العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي توضيحاً لمقصد الشيخ الإمام من إيراد باب (ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان) ضمن (كتاب التوحيد).
يقول السعدي رحمه الله:
(مقصود هذه الترجمة الحذر من الشرك والخوف منه، وأنه أمر واقع في هذه الأمة لا محالة، والرد على من زعم أن من قال: لا إله إلا الله وتسمى بالإسلام أنه يبقى على إسلامه ولو فعل ما ينافيه من الاستغاثة بالقبور ودعائهم.
فإن الوثن اسم جامع لكل ما عبد من دون الله، لا فرق بين الأشجار والأحجار والأبنية، ولا بين الأنبياء والصالحين والطالحين في هذا الموضع، وهو العبادة فإنها حق الله وحده فمن دعا غير الله، أو عبده، فقد اتخذه وثناً وخرج بذلك عن الدين، ولم ينفعه انتسابه إلى الإسلام، فكم انتسب إلى الإسلام من مشرك وملحد، وكافر، ومنافق.
والعبرة بروح الدين وحقيقته لا بمجرد الأسامي والألفاظ التي لا حقيقة لها)
19- هل مجرد الإتيان بالشهادة كاف فى الحكم بالإسلام ؟
قال رحمه الله ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلما؛ بل هو حجة على ابن آدم خلافا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار كالكرامية، ومجرد التصديق كالجهمية، وقد أكذب الله المنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشهادة، وسجل على كذبهم مع أنهم أتو بألفاظ، مؤكدة بأنواع من التأكيدات،
قال تعالى : {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون}
فأكَّدَوا بلفظ الشهادة و(إن) المؤكدة، واللام والجملة الاسمية فأكذبهم، وأكد تكذيبهم بمثل ما أكدوا به شهادتهم سواء بسواء، وزاد التصريح باللقب الشنيع، والعلم البشيع الفظيع، وبهذا تعلم أن مسمى الإيمان لابد فيه من الصدق والعمل .
ومن شهد أن لا إله إلا الله وعبد غيره فلا شهادة له، وإن صلى وزكى وصام وأتى بشيء من أعمال الإسلام،
قال تعالى لمن آمن ببعض الكتاب ورد بعضاً : {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} الآية وقال تعالى : {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} الآية وقال تعالى : {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنا حسابه عند ربه}الآية والكفر نوعان مطلق ومقيد فالمطلق أن يكفر بجميع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمقيد أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى أن بعض العلماء كفَّر من أنكر فرعا مجمعا عليه، كتوريث الجد أو الأخت وإن صلى وصام، فكيف بمن يدعوا الصالحين ويصرف لهم خالص العبادة ولبها، وهذا مذكور في المختصرات من كتب المذاهب الأربعة؛ بل كفَّروا ببعض الألفاظ التي تجري على الألسن بعض الجهال وإن صلى وصام من جرت على لسانه .
قال رحمه الله : والصحابة كفَّروا من منع الزكاة، وقاتلوهم مع إقرارهم بالشهادتين والإتيان بالصلاة والصوم والحج قال رحمه الله : واجتمعت الأمة على كفر بني عبيد القداح مع أنهم يتكلمون بالشهادتين، ويبنون المساجد في قاهرة مصر وغيرها، وذكر أن ابن الجوزي صنف كتاباً في وجوب غزوهم وقتالهم سماه (النصر على مصر)
قال : وهذا يعرفه من له أدنى إلمام بشيء من العلم والدين، فتسمية عباد القبور مسلمين لأنهم يصلون ويصومون، ويؤمنون بالبعث مجرد تعمية على العوام، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم وإيمانهم، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون. ..." اهـ الإبطال والرفض لعدوان من تجرأ على (كشف الشبهات)بالنقض ص56-57
20- : شبهة تنزيل آيات في المشركين على مسلمين
عرض ثم رد
" يفتعل الخصوم شبهة أخرى، هي في حقيقتها لا تختلف عن أختها السابقة، فيدعون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده، قد عمدوا إلى آيات من القرآن نزلت في المشركين، وخوطب بها الكفار - آنذاك - فحملها - أي الشيخ وأتباعه كما يدعون - على المسلمين، فجعلوا المسلمين مثل الكفار..
هذه هي شبهتهم، مع ملاحظة أنهم يقصدون بالمسلمين - هاهنا - من يستغيث بالأموات، ويذبح للجن، وينذر للأولياء … فهم مسلمون - على حد ظنهم - ماداموا يعترفون بأن الله هو المؤثر، والفاعل وبيده النفع والضر..، وهم مسلمون - أيضاً - لأنهم ينطقون بالشهادتين، ولو وقعوا في تلك الشركيات.
وسنورد شبهتهم في ذلك.. ثم نتبعها بالرد والبيان.
يشير سليمان بن عبد الوهاب إلى تلك الشبهة، فيقول - مخاطباً أنصار الدعوة السلفية -:
(ولكن ليس هذا بأعجب من استدلالكم بآيات نزلت في الذين (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) والذين يقال لهم (أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى)  والذين يقولون (أجعل الآلهة إلهاً واحداً) ، ومع هذا يستدلون بهذه الآيات، وتنزلونها على الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقولون ما لله من شريك، ويقولون ما أحد يستحق أن يعبد مع الله …)
ويورد علوي الحداد تلك الشبهة فيقول:
(وأما ما استدل به من الآيات الكريمة على تكفير المسلمين كقوله تعالى (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون)
وما بعدها من الآيات فهي إنما نزلت في حق الكفار المنكرين للقرآن والرسول فأي مناسبة بين المسلم والكافر)
ويدعي اللكنهوري تلك الدعوى فيقول:
(كما أن الخوارج طبقوا ما ورد في الكفّار والمشركين من الآيات على المسلمين المؤمنين، فكذلك هؤلاء الوهابيون يطبقون سائر تلك الآيات الواردة في المشركين على مسلمي العالم..)
ويزيد دحلان عن غيره - كعادته - الأكاذيب والشبهات، فيقول مستكثراً من تلك الشبهة:
(وعمدوا إلى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين فحملوها على المؤمنين..)
ويقول في موضع آخر:
(وحملوا الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على خواص المؤمنين وعوامهم. كقوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحدا)  وقوله تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) .. حيث حملوها على المؤمنين، وأدخلوهم في عموم هذه الآيات)
ويقول دحلان في موضع ثالث، أثناء ذكره معتقد الشيخ الإمام:
(وتمسك في تكفير المسلمين بآيات نزلت في المشركين، فحملها على الموحدين)
وتلقف الزهاوي تلك الشبهة فرددها - كغيره - قائلاً:
(وحمل الآيات التي نزلت في الكفّار من قريش على أتقياء الأمة) ثم قالها مرة أخرى: (فعمد إلى الآيات القرآنية النازلة في المشركين فجعلها شاملة لجميع المسلمين)
ويرددها ثالثة فيقول: (حملت الوهابية جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم..)
ويسوق محمد نجيب سوقية هذا الشبهة بأسلوبه المعتاد من بذاءة اللسان وكثافة الجهل وانعدام الورع.. فيقول عن الوهابية:
 (أما كفاها فجوراً فيما تدعيه، وتموه به على العامة من هذه الأمة بقولها أن جميع ما جاء في آي القرآن مما كان أنزل بحق المشركين والكافرين يحملونه على كافة المسلمين الموحدين، ليتني أدري عنهم هل وجدوا أحداً ينسب التأثير لشيء ما في الوجود إلا لله وحده لا شريك له … أو يعتقد أن يكون فاعلاً غير الله تعالى في هذا العالم …).
ويظهر في هذه الشبهة تلبيس الخصوم، وتمويههم على سواد الناس، حيث جعلوا عبّاد القبور مسلمين موحدين، لأنهم يعترفون بأن الله هو الفاعل دون غيره، ولذا فهم مسلمون - كما صرح بذلك (نجيبهم) سوقية !.
وقد أشار الشيخ عبد الله أبو بطين إلى خطر مقالة الخصوم، فقال رحمه الله:
(وأما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين، فلا تتناول من فعل فعلهم، فهذا كفر عظيم، مع أن هذا قول ما يقوله إلا ثور مرتكس في الجهل، فهل يقول أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا؟ فلا يحد الزاني اليوم، ولا تقطع يد السارق، ونحو ذلك، مع أن هذا قول يستحي من ذكره، أفيقول هذا أن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن ؟)
وقد تحدث الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن آثار هذه الشبهة فكان مما قاله رحمه الله:
(أن من منع تنزيل القرآن، وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل العموم اللفظي، فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن، وهجراً له وعزلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع، فنصوص القرآن وأحكامه عامة لا خاصة بخصوص السبب.
وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به. مع معرفته ؟)
ويذكر الشيخ عبد اللطيف أن تلك الشبهة قد وقع فيها داود بن جرجيس
فقال الشيخ عبد اللطيف:
(ومن شبهاته قوله في بعض الآيات هذه نزلت فيمن يعبد الأصنام، هذه نزلت في أبي جهل، هذه نزلت في فلان وفلان يريد - قاتله الله - تعطيل القرآن عن أن يتناول أمثالهم وأشباههم ممن يعبد غير الله، ويعدله بربه).
ويبين الشيخ عبد اللطيف أن هذه الشبهة من الأسباب المانعة عن فهم القرآن:
(ومن الأسباب المانعة عن فهم كتاب الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين، وما حكم عليهم ووصفهم به خاص بقوم مضوا، وأناس سلفوا، وانقرضوا، لم يعقبوا وارثاً.
وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين هذه نزلت في عبّاد الأصنام، هذه في النصارى …، فيظن الغر أن ذلك مختص بهم، وأن الحكم لا يتعداهم، وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة)
ويظهر الشيخ صالح بن محمد الشثري خطورة هذه الشبهة ومدى انحرافها فيقول - رداً على دحلان -:
(فيا سبحان الله كيف بلغ اتباع الهوى بصاحبه إلى هذا الجهل العظيم، والتناقض البين، وتحريف آيات الله المحكمات الدالة على السؤال والطلب، ويحتج بها على أنها وردت في المشركين وأن حكمها لا يتعداهم … مع أن أحكام القرآن متناولة لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة. قال تعالى (لأنذركم به ومن بلغ) وعلى قول هذا المبطل أن حكم القرآن لا يتعدى من نزل فيه، فيقال: قد خاطب الله الصحابة بشرائع الدين كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وبآيات المواريث، وبآيات الحدود، فيلزم على قول هذا المبطل أن حكمها لا يتعدى الصحابة. وهذا كفر وضلال، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب..)
ويوضح السهسواني - رحمه الله - صحة معتقد الشيخ الإمام في تلك المسألة، فقال:
 (نعم قد استدل الشيخ رحمه الله على كفر عباد القبور بعموم آيات نزلت في الكفّار، وهذا مما لا محذور فيه، إذ عبّاد القبور ليسوا بمؤمنين عند أحد من المسلمين …، وإنما تمسك الشيخ في تكفير الذين يسمّون أنفسهم مسلمين، وهم يرتكبون أموراً مكفرة بعموم آيات نزلت في المشركين، وقد ثبت في علم الأصول أن العبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص السبب، وهذا مما لا مجال فيه لأحد)
ومما كتبه الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين - رداً على دحلان وغيره ممن وقع في تلك الشبهة - قوله:
(إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فحمل آية نزلت في مشرك على مؤمن بتشبيه به شائع ذائع، ولأجل ذلك أجرى الفقهاء حكم الكفر بالتشبه بالكفر، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)
ويقول ابن سحمان:
(فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله، بصرف خالص حقّه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين، ودعاهم مع الله، واستغاث بهم كما يستغيث بالله، وطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون، وتكفيره، وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق، وتنزيل ما أنزله الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذا حذوهم فلا حيلة فيه)
ويكشف محمد رشيد رضا عن كثافة جهل أصحاب هذه الشبهة فيقول:
 (ومن عجائب جهل دحلان وأمثاله أنهم يظنون أن ما بيّنه القرآن من بطلان شرك المشركين خاص بهم لذواتهم، وليس بحجة على من يفعل مثل فعلهم كأن من ولد مسلماً يباح له الشرك لجنسيته الإسلامية، وإن أشرك بالله في كل ما عده كتاب الله شركاً، وعلى هذا لا يتصور وقوع الردة في الإسلام، لأن من سمي مسلماً يجب أن يسمى كفره وشركه إسلاماً، أو يعد مباحاً له أو حراماً على الأقل، وقد يعدونه مشروعاً بالتأويل)
ويرد الشيخ فوزان السابق تلك الدعوى، فيقول:
(وأما القول بأن الآيات التي نزلت بحق المشركين من العرب لا يجوز تطبيقها على من عمل عملهم ممن يتسمى بالإسلام لأنه يقول: لا إله إلا الله، فهو قول من أغواه الشيطان. فآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض لأن مجرد التلفظ بالشهادة مع مخالفة العمل بما دلت عليه لا تنفع قائلها. وما لم يقم بحق لا إله إلا الله نفياً وإثباتاً، وإلا كان قوله لغواً لا فائدة فيه.
فالمعترض يريد تعطيل أحكام الكتاب والسنة، وقصرهم على من نزلت فيهم، وهذا القول يقتضي رفع التكليف عن آخر هذه الأمة)
ونختم هذه الأجوبة، بما سطره القصيمي ردا على هذه الشبهة،
يقول:(وما زال المسلمون والعلماء والأئمة الأعلام، يستدلون بالآيات العامة النازلة في الكفار على ما يفتون به المسلمين … وما زالوا يأخذون من تلك العموميات الحجج والدلالات على معتقداتهم وإيمانهم، ولا خلاف عندهم أن القرآن إذا ما نهى اليهود، والنصارى، أو المجوس عن أمر من الأمور، أو أخبر أن ذلك كفر فيهم، أنهم هم أيضاً منهيون عن ذلك الأمر، وأنه كفر فيهم.
وقد عقد الإمام الشاطبي في أول كتابه (الاعتصام) فصلاً مبسوطاً رد به على البدع والمبتدعين، محتجاً بعموم الآيات النازلة في أهل الكتاب، وذكر فيه أقاويل كثيرة عن السلف من صحابة وتابعين ومن بعدهم قد احتجوا فيها بالآيات المطلقة النازلة أصلاً في طوائف الشرك، وأهل الكتاب على إثم البدعة، وخطأ المبتدعين من المسلمين) اهـ دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض ص277-279

21- فتاوى
الفتوى الأولى :
سؤال رقم 7867- تشييع جنازة عباد القبور
السؤال :
يقول الله تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) .
إن ظاهر الآية السابقة يمنع الاستغفار للمشركين ولو كانوا من ذوي القرابة ، والكثير منا نحن أعراب البادية من له والدان وأقرباء وقد اعتادوا الذبح عند القبور والتوسل بأهلها ، وتقديم النذور والاستعانة بتوسيط أهل القبور في فك الكربات ، وشفاء المرضى وقد ماتوا على ذلك ، ولم يصلهم من يعرفهم معنى التوحيد ومعنى لا إله إلا الله ، ولم يصلهم من يعلمهم أن النذور والدعاء عبادة لا يصح صرفها إلا لله وحده ، فهل يصح المشي في جنائزهم ، والصلاة عليهم ، والدعاء والاستغفار لهم وقضاء حجهم ، والتصدق عليهم ؟.
الجواب :
من مات على الحالة التي وصفت لا يجوز المشي في جنازته ، ولا الصلاة عليه ، ولا الدعاء ولا الاستغفار له ، ولا قضاء حجه ، ولا التصدق عنه ؛ لأن أعماله المذكورة أعمال شركية ، وقد قال سبحانه وتعالى ، في الآية السابقة : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) التوبة /113
 ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( استأذنت ربي في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي واستأذنته في زيارة قبرها فأذن لي ) أخرجه أحمد 2/441، 5/355، 359، ومسلم 2/671 برقم (976)، وأبو داود 3/557 برقم (3234)، والنسائي 4/90 برقم (2034)، وابن ماجه 1/501 برقم (1572)، وابن أبي شيبة 3/343، وابن حبان 7/440 برقم (3169)، والحاكم 1/375-376، 376، والبيهقي 4/76.
وليسوا معذورين بما يقال عنهم : أنهم لم يأتهم من يبين لهم أن هذه الأمور المذكورة التي يرتكبونها شرك ؛ لأن الأدلة عليها في القرآن الكريم واضحة ، وأهل العلم موجودون بين أظهرهم ، ففي إمكانهم السؤال عما هم عليه من الشرك لكنهم قد أعرضوا ورضوا بما هم عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة 9/12 .
الفتوى الثانية :
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 6371 )
س1: ما هو حكم من يصلي وراء عباد أهل القبور، وما هو موقف المسلم من الذي يصلي وراء عباد القبور حتى ولو كان الذي يصلي وراءهم لا يرتكب شركا ولا يقرأ رسائل التوحيد مطلقا، وذهب هذا المسلم ليسأل عن كتب التوحيد فقال له رجل: هذه الكتب بمثابة سكين في يد طفل يبقر من يراه؟
ج1: لا تصح الصلاة وراء عباد القبور وعلى المسلم أن يناصح أخاه الذي يجهل حكم الصلاة وراء عباد القبور، ويبين له الحكم بدليله لعل الله أن يهديه وليس كلام الذي يقول إن كتب التوحيد بمنزلة سكين في يد طفل.. الخ بصحيح بل هو باطل لأن كتب التوحيد تبين وجوب عبادة الله وحده والإخلاص له والتحذير من الشرك ووسائله وطرقه الموصلة إليه، وتبين تجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام معتمدة في ذلك على الكتاب والسنة الصحيحة وكلام السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فهذه الكتب هي الدواء الشافي والنور الهادئ في ظلم الجهل والشرك لما تشتمل عليه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مثل كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ورد عثمان بن سعيد الدارمي على الجهمية ومثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة بن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من الدعاة إلى الحق من أهل السنة والجماعة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج7ص355
الفتوى الثالثة :
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 17923 )
س 3 : مما لا شك فيه كفر عباد القبور والصالحين من الصحابة وغيرهم ، ومن يدعو غير الله تعالى ، لكن ما موقفي ممن ينتحل هذه النحلة ويماري فيها ويعترف باسم الفرقة التي من عقيدتها ما سبق ذكره . هل أسلم عليه ؟ وهل أرد عليه سلامه أم أتبرأ منه وأنابذه وأبين خطره للناس ؟ دلوني على الصواب في ذلك .
ج 3 : الواجب دعوة المذكورين إلى الله ، وأن تبين ما هم عليه من الضلال ، مع مناصحتهم لعل الله أن يهديهم ، فإن استجابوا فالحمد لله ، وإلا فاهجرهم ولا تبدأهم بالسلام ولا ترد عليهم ؛ لأن الله سبحانه قال : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج1ص446
وأخيرا :
 أنا ما أردت التفصيل والاستقراء لهذه المسألة لوضوحها وظهورها بحمد الله تعالى ، وإنما أردت ضرب بعض الأمثلة فقط على وجه العموم ، وبيان مسألة الكفر البواح للأنظمة العلمانية الذين يحكمون بغير ما أنزل الله تعالى ، والمسألة منصوص عليها فى الكتاب والسنة والإجماع ولكن الأمر كما قال العلامة الشنقيط – رحمه الله تعالى " ويفهم من هذه الآيات كقوله { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله .
وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر . كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنه ذبيحة الله :
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 121 ] فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم . وهذا الإشراك في الطاعة ، وإتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى - هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعبدوني هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ يس : 60-61 ] ،
وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم : { ياأبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيّاً } [ مريم : 44 ] ،
وقوله تعالى : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } [ النساء : 117 ]
أي : ما يعبدون إلا شيطاناً ، أي : وذلك بإتباع تشريعه . ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى : { وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } [ الأنعام : 137 ] الآية .
وقد بين النَّبي - صلى الله عليه وسلم - هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى : { اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله } [ التوبة : 31 ] الآية - فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله ، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك ، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أرباباً . ومن أصرح الأدلة في هذا : أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون ، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب . وذلك في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } [ النساء : 60 ] .
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور : أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله - جل وعلا - على ألسنة رسله - صلى الله عليهم وسلم - أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته ، وأعماه عن نور الوحي مثلهم " اهـ أضواء البيان ج3ص328 

والحمد لله رب العالمين












الفهرس
المقدمة                                               ص3
الفصل الأول الكفر البواحكما ثبت فى السنة
المطهرة                                              ص7
معنى الكفر البواح                                    ص7
خلاصة تعريف الكفر البواح                          ص12
الفصل الثانى :دلالة الحديث على وجوب الخروج على الحاكم الكافر                                                ص13
يستفاد مما سبق                                       ص28
الفصل الثالث : الحالات التى يكون فيها الكفر بواحا صراحا                                       ص29
الحالة الأولى : الحكم بغير ما أنزل الله               ص29
الحالة الثانية :العلمانية كفر بواح                     ص47
لماذا التردد فى الحكم على الأنظمة العلمانية بالكفر   ص49
صور العلمانية                                       ص59
آثار العلمانية الخبيثة                                 ص61
فائدة : أثر العلمانية فى التحاكن إلى غير الله         ص65
العلمانية كفر بواح ونظام طاغوتى                   ص68
القذافى من طواغيت العصر                         ص70
الحالة الثالثة : القبورية كفر بواح                    ص95
فتاوى تتعلق بالقبوريين                             ص125








0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^