رسالة الدر والياقوت فى معرفة الطاغوت


المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
                          آل عمران: ١٠٢                                                                             النساء: ١
                                                     الأحزاب: ٧٠ - ٧١
                                                                        الحج: ١ - ٢
أما بعد :
من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله تعالى افترض على جميع خلقه الكفر بالطاغوت والإيمان بالله , فهما ركنا التوحيد , فمن آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت , لا يسمى موحدا ً ومن كفر بالطاغوت ولم يعبدالله , لا يسمى موحدا ً , إنما الموحد من جمع بين ركنى التوحيد وهما كما قال الله تعالى :                                     البقرة: ٢٥٦   
وهذا معنى (لا إله إلا الله )
كيف يكون معنى لا إله إلا ّ الله ؟ ( لا إله ) هذا هو الكفر بالطاغوت , لأنه ينفى العبادة عن كل معبود , وقوله: ( إلا ّ الله ) إثبات لجميع أنواع العبادة لله وحده , وهذا هو الإيمان بالله عز وجل , إذ المراد :  بمعنى ( لا إله إلا َّ الله ) أى : ما تضمنته هذه الآية من حصول الإيمان , وذلك بترتيب الإستمساك بالعروة الوثقى على هذين الأمرين : الكفر بالطاغوت والإيمان بالله .
والكفر بالطاغوت والإيمان بالله هو : أول دعوة الرسل كما قال تعالى :                      ﭿ                                               النحل: ٣٦
فلا يكون عابداً لله من لم يجتنب الطاغوت , ومن هنا تأتى أهمية العلم بالطواغيت وكيفية الكفر بهم
* الأسباب الداعية لكتابة هذا البحث : ــــ
1 ـ بيان أهم مسألة من مسائل أصول الدين
2ـ قلة المتحدثين فى هذه المسألة
3 ـ كثرة الطواغيت الحديثة , والحكم لهم بالإسلام من قبل علماء السوء , ودعاة المرجئة
4ـ كثرة التابعين لهؤلاء الطواغيت بجهل أو بقصد
5 ـ غربة الموحدين المستمسكين بدينهم , مع ظهور كثرة المنسلخين والمنحرفين  عن هذا الدين
6 ـ النصيحة التى أوجبها الله تعالى على المؤمنين , ومن أعظم النصائح بيان الحق  والدعوة إليه
7 ـ ربط النصوص الشرعية فى هذه المسألة بالواقع العملى .

                            هذا البحث يتضمن
1 ـ معنى الطاغوت
2 ـ رؤوس الطواغيت
3 ـ صفة الكفر بالطاغوت
4 ـ أنواع الطواغيت














                         الفصل الأول

أولا ً معنى الطاغوت
1 ـ المواضع التى ذكر فيها الطاغوت فى القرآن : ــ
وهى ثمانية
أ ـــ  فى سورة البقرة موضعين
قال تعالى :                                     البقرة: ٢٥٦  
وقوله تعالى :                                                              البقرة: ٢٥٧
ب ــ فى سورة النساء ذكر الطاغوت فيها فى ثلاثة مواضع
قال تعالى :                      ﯿ                             النساء: ٥١ وقال تعالى :                                                                             النساء: ٦٠
وقال تعالى :                                        ﭿ                             النساء: ٧٦
جـ ــ وفى سورة المائدة فى موضع واحد
قال تعالى :                        ﭿ                                       المائدة: ٦٠
د ــ فى سورة النحل فى موضع واحد
قال تعالى :                      ﭿ                                               النحل: ٣٦
هـ ـــ وفى سورة الزمر فى موضع واحد
قال تعالى :                               
الزمر: ١٧
2 ـــ معنى الطاغوت
 أ معنى الطاغوت فى اللغة
1 ـــ جاء فى لسان العرب فى جزء 19صــــ231
" طغى يطغى طغيانا ً ويطغو طغيانا ً: جاوز القدر وارتفع وعلا , وأطغاه المال جعله طاغيا ً " أ هـ
2 ـــ وجاء فى مفردات الراغب الأصفهانى صــ304
" أطغاه كذا : حملة  على الطغيان , وكذلك تجاوز الحد فى العصيان وقوله تعالى ( أنا لما طغا الماء )استعير الطغيان فيه لتجاوز الماء الحد " أ هـ
3 ــ وجاء فى المعجم الوسيط جـ2 صــــ565
" وطغى فلان : غلا فى العصيان , طغى فلان : تجبر وأسرف فى الظلم "
ب معنى الطاغوت فى الشرع :
يراد به تجاوز الإنسان حده وقدره , وحد الإنسان هو ما حده الله له من حدود ى يتجاوزها , وقدر الإنسان هو قدره باعتباره عبدا ًلله فيلزمه طاعة سيدع ومولاه وبقاؤه فى نطاق العبودية له وتجاوز ذلك يوقعه فى التمرد على اللله تعالى
قال تعالى :                                 هود: ١١٢
قال الألوسى : (ولا تطغوا ) أى لا تنحرفوا عما حد لكم بإفراط أو تفريط " أ هـ تفسير الألوسى جـ12 صــ153
أقوال أهل العلم :
  القول الأول : قال القرطبى ـ رحمه الله ـ
" اختلف أهل التأويل فى تأويل الجبت والطاغوت فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية : الجبت الساحر والطاغوت الكاهن .
وقال الفاروق عمرــ رضى الله عنه ــ الجبت السحر والطاغوت الشيطان  . وقال ابن مسعود : الجبت والطاغوت هاهنا كعب ابن الأشرف  وحيى ابن أخطب .
وقال عكرمة : الجبت حيى بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف , دليله قوله تعالى :                                                                              النساء: ٦٠
قال قتادة :  الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن
وروى ابن وهب عن مالك بن أنس : الطاغوت ما عبد من دون الله .
قال وسمعت من يقول إن الجبت الشيطان , ذكره النحاس .
وقيل : هما كل معبود من دون الله , أو مطاع فى معصية الله  وهذا حسن .
وأصل الجبت : الجبس وهو الذى لا خير فيه فأبدلت التاء من السين , قاله قطرب .
وقيل  : الجبت : إبليس والطاغوت أولياؤه .
وقول مالك فى هذا الباب حسن , يدل عليه قوله تعالى :            ﭿ      النحل: ٣٦" أهـ تفسير القرطبى جـ5 صــ249
وقال القرطبى أيضا ً :
" الطاغوت : الكاهن والسطان وكل رأس فى الضلال " أهـ تفسير القرطبى جـ 2 صــــ257.
القول الثانى :قال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـالطاغوت الشيطان ـ رواه البخارى معلقا ً .
القول الثالث : قال جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنه ـ : الطواغيت كهان كانت تتنزل عليهم الشياطين . رواه البخارى معلقا ً
القول الرابع : قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ الطاغوت كل ما يعبد من دون . رواه ابن أبى حاتم فى التفسير
القول الخامس : قال الإمام ابن جرير الطبرى :
" قال أبو جعفر : والصواب من القول عندى فى " الطاغوت  " أنه كل ذى طغيان على الله فعبد من دونه , إما بقهر منه لمن عبده و‘ما بطاعة ممن عبده له , وإنسانا كان ذلك المعبود , أو شيطانا ً أو وثنا ً أو صنما , أو كائنا ً من ما كان من شئ " أ هـ جـ3 صــ21

القول السادس : قال الإمام العز بن عبد السلام – رحمه الله – " الشيطان ، أو الساحر ، أو الكاهن ، أو الأصنام ، أو مردة الإنس والجن ، أو كل ذي طغيان على الله تعالى عبده مَنْ دُونه بقهر منه أو بطاعة  إنساناً كان أو صنماً" اهـ تفسير ابن عبد السلام ج1ص215
القول السابع : قال ابن الأثير – رحمه الله – " [ لا تَحْلِفُوا بآبائكم ولا بالطَّواغي ]
 - وفي حديث آخر [ ولا بالطَّواغِيت ] فالطَّواغي جمع طَاغِية وهي ما كانوا يَعْبُدُونه من الأصْنام وغيرها
 - ومنه الحديث [ هذه طاغيةُ دَوْس وخَثْعَم ] أي صنَمْهم ومَعْبُوُدهم ويجوز أن يكون أراد بالطَّواغي مَن طغَى في الكُفْر وجاوَزَ القَدْر في الشَّرِّ وهم عُظماؤهم ورُؤسَاؤهم . وأما الطواغِيتُ فجمع طَاغوتٍ وهو الشيطان أو ما يُزَيِّن لهم أن يَعْبُدوه من الأصنام . ويقال للصَّنم طاغُوت . والطاغُوت يكون واحدا وجمعاً " اهـ النهاية فى غريب الحديث ص564
القول الثامن : قال ابن قتيبة – رحمه الله – " الطاغوت : كل معبود من حجر أو صورة أو شيطان فهو جبت وطاغوت " اهـ تفسير غريب القرآن ص158
القول الثامن :قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله - : الطاغوت اسم للذين يكونون بين يدي الأصنام يعبرون عنها ليضلوا الناس . زاد المسير جـ2 صـ17 إسناده إلي ابن عباس
القول التاسع : قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – " الطاغوت : كل معظم ومتعظم بغير طاعة الله ورسوله ، إنسان أو شيطان أو شئ من الأوثان " اهـ جامع الرسائل ج2ص373
وقال أيضا " الطاغوت اسم جنس يدخل فيه الشيطان والوثن والكهان والدرهم والدينار " اهـ مجموع الفتاوى ج16ص565-566
القول العاشر : قال ابن القيم – رحمه الله – " الطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع ،أو مطاع  * فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعوه علي غير بصيرة من الله ،أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم ،إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها ، رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله تعالي إلي عبادة الطاغوت ، وعن طاعة الله ورسوله إلي طاعة الطاغوت ومتابعته ،، أ هـ  إعلام الموقعين جـ1 صـ50
القول الحادي عشر : قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -  : الطاغوت :الشيطان وما زينه من عبادة غير الله" اهـ فتح المجيد
القول الثاني عشر: قال العلامة الشنقيطي – رحمه الله - : واعلم أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ماسوا ه " اهـ أضواء البيان جـ 3 صـ245
القول الثالث عشر : قال شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب – رحمه الله – " الطاغوت عام ، فكل ما عبد من دون الله ورضى بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع فى غير – طاعة – الله ورسوله فهو طاغوت ، والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة 0000 " اهـ  فتاوى الأئمة النجدية ج1ص334-335 
القول الرابع عشر : قال الأستاذ سيد قطب - رحمه الله – الطاغوت :هو كل شرع لم يأذن  به الله وكل حكم ليس له من شريعة الله سند " اهـ  الظلال جـ 2 صـ681
القول الخامس عشر : قال المودودي- رحمه الله  : الطاغوت :كل دولة أو سلطة وكل إمامة أو قيادة تبغي علي الله وتتمرد ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده علي طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد "اهـ  المصطلحات الأربعة صـ 101
القول السادس عشر : قال الأستاذ محمد قطب " الطاغوت : كل حكم غير حكم الله فهو طاغوت. ولفظ الطاغوت يطلق فى القرآن على كل شىء يتبعه الناس ويعبدونه غير الله، فالأصنام طواغيت، وحكم غير الله طاغوت"اهـ ركائز الإيمان لمحمد قطب ص426 
القول السابع عشر: قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - و«الطاغوت» فسره ابن القيم بأنه كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع؛ مشتق من «الطغيان»؛ وهو تجاوز الحد: قال تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} [الحاقة: 11]  لأن الماء الذي أغرق الله به الكفار – من قوم - نوح تجاوز الحد حتى وصل إلى ما فوق قمم الجبال؛
فالمعبود كالأصنام طاغوت؛ لأن الإنسان تجاوز بها حده في العبادة؛ والمتبوع كالأحبار، والرهبان الضالين طاغوت؛ لأن الإنسان تجاوز بهم الحد في تحليل ما حرم الله عز وجل، أو تحريم ما أحل الله عز وجل؛ والمطاع كالأمراء ذوي الجور والضلال الذين يأمرون بسلطتهم التنفيذية - لا التشريعية - طاغوت؛ إذاً
{ فمن يكفر بالطاغوت } من كفر بالأصنام؛ ومن كفر بأحبار، ورهبان السوء؛ ومن كفر بأمراء السوء الذين يأمرون بمعصية الله، ويلزمون بخلاف شرع الله عز وجل "اهـ تفسير ابن عثيمين ج3ص208
وقال الشيخ ابن ابن عثيمين أيضا :
" واصطلاحاً أحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - أنه - أي الطاغوت-: "كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع ، أو مطاع" . ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين ، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا - أو اتبعوا - أو اتبعوا - أو أطيعوا فالأصنام التي تعبد من دون الله طواغيت ، وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر ، أو يدعون إلى البدع، أو إلى تحليل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله طواغيت ، والذين يزنون لولاة الأمر الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي طواغيت ، لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم ، فإن حد العالم أن يكون متبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لأن العلماء حقيقة ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علماً وعملاً ، وأخلاقاً ، ودعوة وتعليماً ، فإذا تجاوزوا هذا الحد وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت ؛ لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة." اهـ شرح ثلاثة الأصول ص113
القول الثامن عشر : قال الشيخ صالح آل الشيخ :
" والطاغوت : مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فالطاغية هو الذي تجاوز الحد في أمر الدين بأن جعل ما لله له.
ولهذا يعرِّف ابن القيم رحمه الله الطاغوت بأنه: كل ما تجاوز به العبد حده، من معبود أو متبوع أو مطاع.
فإذا (تجاوز به العبد حده)؛ يعني حد ذلك الشيء الذي توجهوا إليه -الذي أُذِن به شرعا له- تجاوزا الحد به, فتوجهوا إليه بالعبادة، اعتقدوا فيه بعض خصائص الإلهية من أنه يغيثهم كيف ما شاء، ومن أنه يملك غَوْثهم, ويملك الاستشفاع لهم، ويملك أن يغفر لهم، وأن يعطيهم، ويملك أن يقربهم إلى الله جل وعلا ونحو ذلك مما لا يملكه المعبودون، فإن ذلك مجاوزة بذلك عن الحد الذي جُعل له في الشرع، مجاوزة الحد في المعبودين أو المتبوعين، (ما تجاوز العبد حده من معبود أو متبوع)، (أو متبوع) مثل العلماء أو القادة في أمر الدين، إذا تجاوز الناس بهم حدهم فصاروا يتبعونهم في كل ما قالوا وإن أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال أو جعلوا لهم السنة بدعة أو البدعة سنة وهم يعلمون أصل الدين ولكنهم خالفوا لأجل ما قال فلان فإن هذا قد تُجُوِّز به حدّه، فإن حد المتبوع في الدين أن يكون آمرا بما أمر به الشرع، ناهيا عن ما نهى عنه الشرع، فإذا أحل الحرام أو حرّم الحلال فإنه يُعتبر طاغوتا، ومن اتبعه فإنه يكون قد تجاوز به حده وقد أقرّ بأنه طاغوت واتخذه كذلك، (أو مطاع) يطاع كذلك من الأمراء والملوك والحكام والرؤساء الذين يأمرون بالحرام فيطاعون ويأمرون بتحريم الحلال فيطاعون في ذلك، مع علم المطيع بما أمر الله جل وعلا به، فهؤلاء اتخذوهم طواغيت لأنهم جاوزوا بهم حدهم.
قال (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) فيدخل في الطاغوت كل هذه الأنواع الذين عبدوا والذين اتبعوا والذين أطيعوا." اهـ كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ صالح ج1ص247
القول التاسع عشر : قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – "  والطاغوت : كل ما عُبد من دون الله من الإنس والجن والملائكة ، وغير ذلك من الجمادات ، ما لم يكن يكره ذلك ولا يرضى به والمقصود : أن الطاغوت : كل ما عبد من دون الله من الجمادات وغيرها ، ممن يرضى بذلك ، أما من لا يرضى بذلك ؛ كالملائكة ، والأنبياء ، والصالحين فالطاغوت : هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم ، وزينها للناس .
فالرسل والأنبياء والملائكة ، وكل صالح لا يرضى أن يعبد من دون الله أبدًا ، بل ينكر ذلك ويحاربه ، فليس بطاغوت ، وإنما الطاغوت : كل ما عبد من دون الله ممن يرضى بذلك كفرعون ، وإبليس وأشباههما ممن يدعو إلى ذلك ، أو يرضى به . وهكذا الجمادات من الأشجار والأحجار والأصنام المعبودة من دون الله ، كلها تسمى : طاغوتا ؛ بسبب عبادتها من دون الله " اهـ بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعا وبعث به خاتمهم محمدا ص42
القول العشرون : قال الشيخ على الشحود " إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله , وكل حكم لا يقوم على شريعة الله , وكل عدوان يتجاوز الحق . . والعدوان على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا , وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى " اهـ لماذا يمزق القرآن الكريم ص66
قلت : ولو تتبعنا ما جاء عن العلماء فى ذلك لطال البحث ، والقول الجامع فى ذلك ما قاله العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ، فمعظم الأقوال مردها إلى هذا القول
قضية معاصرة :وجوب الاهتمام بمسألة الكفر بالطاغوت :
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب كما في الدرر 2 / 119"  فالله، الله، إخواني: تمسكوا بأصل دينكم أوله وآخره، اسه ورأسه، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله؛ واعرفوا: معناها؛ وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين؛ واكفروا بالطواغيت، وعادوهم، وابغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم، أو قال ما عليّ منهم، أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله، وافترى؛ بل: كلفه الله بهم، وفرض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم؛ ولو كانوا: إخوانه، وأولاده؛ فالله، الله، تمسكوا بأصل دينكم، لعلكم تلقون ربكم، لا تشركون به شيئا؛ اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين اهـ
وقال الشيخ على الخضير :" وهي مسألة عظيمة خصوصا في وقتنا الحاضر أن يُهتم بركن الكفر بالطاغوت والبراءة منه ومعاداته وبغضه وتكفيره وأهله ، فيوجد دول طاغوتية وحكومات طاغوتية ومذاهب وأحزاب وصحف ومحاكم وأنظمة وأشخاص وقاده ومنظرين ومفكرين ووسائل إعلام .. كلها يطلق عليها طاغوت ، لا بد من البراءة منها وبغضها ومعاداتها واعتقاد بطلانها وتكفير أهلها ويأتي إن شاء الله مزيد إيضاح في بابه "اهـ  كتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد لعلي الخضيرج1ص17
وقال أيضا :
قضية معاصرة :
" لما عرفنا أهمية التوحيد ومكانته وعظم شأنه وركنيته ،فيجب على العلماء وطلبة العلم والدعاة والكتّاب والصحف الإسلامية وعلى الجماعات والتيارات الإسلامية ، وكذلك الدول الإسلامية أن يجعلوا أهم أولوياتهم هي قضية التوحيد وأول ما يبدأ به ويهتم به هو التوحيد وليس التوحيد فقط بل يظم إليه مسألة الكفر بالطاغوت والبراءة منه ومعاداته وبغضه وأهله كما أشرنا إلى ذلك في آية ( واجتبوا الطاغوت ) .
ومن الملاحظ في بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة أو التيارات المعاصرة أنهم لا يجعلون التوحيد من أول أولوياتهم أو برامجهم إنما يجعلونها مهم لكنه ليس الأهم ،وبعضهم لا يُعير له أي اهتمام ، وكذلك بعض العلماء في حلقات دروسهم أن يجعلوا للتوحيد مكان الصدارة ولا يخلوا حلقاتهم منه خصوصا كتاب التوحيد حيث إنه شامل في هذا الباب وعليهم أن يهتموا أيضا برسائل أئمة الدعوة رحمهم الله نظرا لأهميتها في شرح توحيد الألوهية ، وأيضا يُهتم بما يتعلق بأصول معتقد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات والإيمان واليوم الآخر والقدر والوعد والوعيد وأسماء الدين وأحكامه وغيره من أصول أهل السنة والجماعة أما المذاهب المنحرفة اليوم ومنها مذهب العصرانيين فلا يهتمون بالتوحيد ولا العقيدة ،ومثله الصوفية المعاصرة ،والطوائف البدعية المعاصرة " اهـ كتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد لعلي الخضيرج1ص25
مسألة :
"وهى قريبة مما سبق وقد تختلط بها وهى مسألة استغلال الحرية المتاحة للدعوة دون تنازلات ولا شركيات ولا كفريات ولا معاصي ،فيما لو قام الحكام العلمانيون بالسماح بشيء من الحرية من أجل إظهار مصداقية لهم وشعبية ، فهنا لابأس من استغلال ذلك بشرط عدم الشرك أو التحالف معهم أو مدحهم ونحوه بل تستغل هذه مع التصريح بالبراءة من الطاغوت ونقد الشركيات والكفريات الرسمية والبراءة من النظام الكافر والمحاكم الطاغوتية وهذا يشبه الحرية التي أتيحت للمسلمين بعد صلح الحديبية فاستغلها المسلمون حتى إنه أسلم في وقت الصلح والهدنة أضعاف مضاعفة كما قال الزهري وقبل ذلك كما سماه الله فتحا "اهـ كتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد لعلي الخضيرج1ص169
وهذه أمور تتعلق بالطاغوت :
وهناك أمور تتعلق بأهل الطاغوت من عدم بغضهم ومعاداتهم والبراءة منهم وتكفيرهم ونحوه ويأتي ذكرها إن شاء الله فيما بعد ،
وفي هذا قضية معاصرة وهى أنه لابد من الكفر بالطواغيت ارة مثل المحاكم القانونية سواء أكانت إقليمية أو محلية أو عالمية ومثل الحكومات الطاغوتية ،ومثل الحكام المشركين والبراءة منهم ومعاداتهم ، والمجالس التشريعية البرلمانية وأمثالها ،ومثل وسائل الإعلام الطاغوتية ومثل الكتب والأحزاب والنوادي الطاغوتية ،
ونحو ذلك كما أشرنا إليه سابقا ولا يمكن أن تُسمى دعوة سلفية أو سنية أو منتسبة إلى أهل السنة والجماعة أو الحديث وهى لا تهتم بمسألة الكفر بالطاغوت اهتماما عظيما وتحرر هذه المسالة وتكررها دائما وأبدا ،ليلا ونهارا سرا وعلانية بل لم ترسل الرسل إلا من أجلها وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ  (النحل 36)  
وما حورب وأبغض الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلّا لما أظهر قضية التوحيد والكفر بالطاغوت وتكفيرهم وجهادهم مع القدرة ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " كتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد لعلي الخضيرج1ص199
                     الفصل الثاني  
رؤوس الطواغيت :
وهى خمسة :
وهذا لا يعني حصر الطواغيت في هذه الرؤوس الخمسة ، فإنها كثيرة جدا بحيث يصعب حصرها كما سيأتي ، ولكن غاية ما في الأمر ، أن هذه الرؤوس الخمسة
من أكبر وأظهر الطواغيت المشاهدة لدي اغلب الناس .

الرأس الأول
الشيطان الداعي إلي عبادة غير الله تعالي .
والدليل قوله تعالي :   أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)يس
الشاهد من الآية :أن الله عز وجل نهي عباده عن عبادة الشيطان لأنه عدو للإنسان ، وأمر تعالي بعبادته وحده لا شريك له .
وكل عبادة تقدم لغير الله تعالي فهي عبادة للشيطان ،لأنه لعنه الله هو الذي يأمر ويزين ذلك للناس – فمن عبد الأصنام والأوثان كان عابدا للشيطان ،ومن عبد الأحجار والأشجار ، كان عابدا للشيطان ، ومن عبد الأحبار والرهبان ،كان عابدا للشيطان ومن عبد القبور والمشاهد والأضرحة كان عابدا للشيطان ،لأنه أي الشيطان – الداعي إلي ذلك .قال تعالي إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (116) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121)النساء
كما اخبر الله تعالي أن الذين يعبدون الملائكة إنما هم في الحقيقة يعبدون الشيطان الرجيم قال تعالي :   وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ (41)
فعبادة الشيطان تكون بطاعته وإتباعه فيما يزينه للناس من الكفر والشرك والنفاق قال تعالي  "يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً [مريم : 44]   
لا تطع الشيطان وتتبعه في عبادة الأصنام .
والشيطان هو أكبر رؤوس الطواغيت , بل هو قدوة لبقية الطواغيت وهذا دليل علي تفاوت الطواغيت في طغيانهم ، وإن كان الكل في النهاية طواغيت ومن هنا نستطيع القول [بأن كل طاغوت كافر ،وليس كل كافر طاغوت ] ففرق كبير بين من يعبد الطاغوت ،وبين الطاغوت ذاته.
أمثلة علي ذلك :
1- تفاوت الطواغيت فى طغيانهم
أولا : لا يستوي طغيان الشيطان الرجيم وموقفة من رب العالمين مع طغيان الكهان التي تنزل عليهم الشياطين
ثانيا : لا يستوي طغيان فرعون الذي ادعي الروبية والألوهية – مع طغيان الفراعنة الذين بدلوا وغيروا شرع الله تعالي  .
ثالثـا: لا يستوي بوش وطغيانه مع طغيان عبد الناصر وإن كان كلاهما محارب للإسلام والمسلمين .
إذن : فكما أن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم ،وأن الإيمان يزيد وينقص فكذلك الكفار يتفاوتون في كفرهم ،وأن الكفر يزيد وينقص وكذلك : الطواغيت يتفاوتون في طغيانهم زيادة ونقصا .
2- [قاعدة ] كل طاغوت كافر ،وليس كل كافر طاغوت
وكذلك (كل فرعون كافر وليس كل كافر فرعون)
ضوابط القاعدة : الطاغوت إنما سُمي طاغوتا لكونه يتجاوز حده مع ربه جل وعلا ،فالتجاوز في الحد يكون مع الرب ، وليس مع العبد ،هذا من جانب ،ومن جانب أخر يكون هذا التجاوز فيما يتعلق بخصائص الرب تعالي ،بان بجعل نفسه ندا لله تعالي .
ففرق كبير بين الطاغوت وبين من يعبد الطاغوت ،فكلاهما كافر ،وإن لم يكن كلاهما طاغوت والأمثلة علي ذلك كثيرة .
المثال الأول :-
 الشيطان لعنة الله ،جعل من نفسه ندا لله تعالي فدعا إلي عبادة نفسه  وإلي عبادة غير الله تعالي ، فصار بذلك رأس من رؤوس الطواغيت ،أما إتباع الشيطان ممن استجابوا له فعبدوه ،أو عبدوا غيره فصاروا كافرين ،وإن لم يكونوا طواغيت
قال تعالى " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم : 22]
المثال الثاني :-
الأحبار والرهبان جعلوا من أنفسهم  أندادا لله تعالي لأنهم جعلوا لأنفسهم بعض خصائص الربوبية  مثل التحليل والتحريم والتشريع ،فصاروا بذلك طواغيت ،أما من اتبعهم علي علم في تحليل الحرام وتحريم الحلال صاروا بذلك كافرين مشركين ،وإن لم يصيروا طواغيت .
قال تعالى " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة : 31]
المثال الثالث :-
الكهان الذين يدعون علم الغيب ،فجعلوا من أنفسهم أندادا لله تعالي ،فصاروا بذلك طواغيت ،أما من ذهب إليهم مصدقا لهم ،فهم كفار وان لم يكونوا طواغيت
لأن علم الغيب من خصائص الرب – جل وعلا –
قال تعالى " قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل : 65]
وقال تعالى " عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) الجن
3- مسألة هل يقع من المسلم طغيان ؟
بداية لا يجوز أن نطلق علي المسلم أنه طاغوت وإن كان طاغيا .لان الطاغوت بإطلاق لا يطلق إلا علي الكافر الذي تجاوز حده مع الله جل وعلا ،ولكن يقع من المسلم الطغيان ،بسبب جاهه أو سلطانه أو ماله .الخ
وهذا معروف وثابت كما كان يقع الطغيان من الأمراء والسلاطين والحكام المسلمين في دولة الأمويين والعباسيين وغيرهم ،وإن لم يكفروا بذلك فالجور والظلم والبغي يقع من المسلم حاكما أو محكوما ، كما يقع من المسلم بعض أمور الجاهلية ،فيكون بذلك مسلما وان كان فيه شيء من أمور الجاهلية ، وكذلك كما يقع من المسلم بعض الشركيات أي - الشرك الأصغر- وهو مسلم ، وكذلك يكون في المسلم بعض شعب النفاق ،فكما أن الإيمان له اصل وشعب ،وشعب الإيمان تسمي إيمانا فكذلك الكفر له أصل وشعب ،وشعب الكفر تسمي كفرا ،وكذلك الطغيان له أصل وشعب ،وشعب الطغيان تسمي طغيانا .
وكذلك يقال لكل فرعون كافر ،وليس كل كافر فرعون لذلك كان فرعون لقبا لكل من يحكم مصر ويعمل علي إذلال الناس واستعبادهم .
فائدة مهمة :
هل يجوز تسمية المشرك أو الطاغوت مسلما أو موحدا؟؟
 قال تعالى (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ [الحج : 78] 
اسم الإسلام اسم شرعي لا يجوز إطلاقه إلاّ على من قامت فيه حقيقة الإسلام.
وقال تعالى (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة : 229] 
 فمن سمّى المشرك أو الطاغوت مسلماً فقد تعدى حدود الله .
وقال تعالى (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة : 97] 
بين الله كفرهم ونفاقهم ففضحهم وما سمّاهم مسلمين وإن انتسبوا إلى الإسلام
وقال ابن تيمية رحمه الله (ولهذا كان كل من لم يعبد الله فلا بد أن يكون عابدا لغيره 000وليس في ابن آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل والنصارى ومن أشبههم من الضلال المنتسبين إلى الإسلام )الفتاوى 14/284,282
وقال الشيخ عبد الرحمن في رسالة أصل دين الإسلام وابنه عبد اللطيف في المنهاج ص 12
قالا ( من فعل الشرك فقد ترك التوحيد فإنهما ضدان لا يجتمعان ونقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ) اهـ شرح الحقائق2ص139
المهم أن الشيطان صار طاغوتا لكونه تجاوز حده مع ربه جل وعلا ويتمثل ذلك في عدة أمور :
الأمر الأول  :-
اعتراضه علي ربه جل وعلا ،لما أمره الله تعالي بالسجود لأدم عليه السلام  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء : 61]
قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ [الحجر : 33]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف : 12]  
الأمر الثاني :-
وقوفه موقف العند والند من ربه جل وعلا ،وهذا من اخطر أنواع تجاوز الحد مع الرب جل وعلا ،  قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)  الأعراف
 قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر : 39]
الأمر الثالث :-
الذي يدل علي تجاوز الشيطان حده مع الله جل وعلا أنه جعل لنفسه دعوة يدعوا إليها مصادمة ومناهضة لدعوة الله تعالي كما حكي الله تعالي ذلك عنه إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر : 6]  وعندما يتبرأ من أتباعه يوم القيامة يخبرهم أنه لم يكن له سلطان عليهم   " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم : 22]
والشيطان استجاب لدعوته الكثير من البشر حتى آل بهم الأمر أن يكونوا من أصحاب السعير كما ظن إبليس لعنه الله تعالي ،قال الله تعالي " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) سبأ
والمعني :-علي ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير جـ1 صـ450
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه)
1-      قوله (صدق ) بتشديد الدال ،فالمعني : حقق ما ظنه فيهم بما فعل بهم
2-      ومن قرأ بالتخفيف (صدق ) فالمعني صدق عليهم في ظنه بهم ، أهـ
وقوله تعالي وما كان عليهم من سلطان
قال الحسن : والله ما ضربهم بعصا ولا قهرهم علي شيء إلا أنه دعاهم إلي الأماني والغرور" أهـ
والمقصود :أن إبليس له دعوه مناوئة لدعوة الله تعالي ، ودعوته تؤدي إلي دخول السعير ودعاوى المناوئين لدين الله رب العالمين كالعلمانية وغيرها تدخل تحت ذلك مع التفصيل .
والله جل وعلا له دعوة ولكنها دعوة الحق ،كما قال تعالي  لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ [الرعد : 14]
وهذه الدعوة من استجاب لها دخل الجنة ، جنة الله تعالي .
قال تعالي  وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة : 221] 
الأمر الرابع : 
الذي يدل علي تجاوز الشيطان حده مع الله تعالي أنه يدعو إلي عبادة غير الله تعالي ،ومن اجل ذلك يرسل رسله ويبث سراياه في كل مكان  ليحقق هذا الهدف والغرض الخبيث ،كل ذلك في مقابل دعوة اله تعالي القائمة علي توحيد الرب جل وعلا ، ومن أجل ذلك أرسل الله تعالي رسله وأنزل كتبه ،فالشيطان أول من عمل علي نشر الشرك في الأرض مقابل التوحيد الذي كان عليه الناس كما في قوله  تعالي وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً (24)  نوح
قال ابن الجوزي : "أن هذه أسماء قوم صالحين ،كانوا بين آدم ونوح ونشأ قوم بعدهم يأخذون  بأخذهم في العبادة ، فقال لهم إبليس  لو صورتم صورهم كان أنشط لكم ، وأشوق للعبادة ، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم ،فقال لهم إبليس : إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت " أهـ زاد المسير جـ8 صـ373
وعلي العموم فالشيطان لعنه الله تعالي لا يترك شركا ولا كفرا إلا وزينه للناس حتى جعلهم يؤلهون غير الله تعالي صراحة كما فعل بالنصارى الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم
فهو لعنه الله تعالي يأمر الناس بالشرك ،ويجعلهم يقولون علي الله بدون علم :
قال تعالي " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَايَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ   (169) البقرة .
والحديث عن الشيطان حديث طويل نكتفي بما ذكرناه في هذا الموضع
**شياطين الإنس من الطواغيت :-
وذكر شيطان الجن لا ينسينا أن نشير إلي شيطان من شياطين الإنس الذين هم أداة لتنفيذ رغبات شياطين الجن فكلاهما يقوم بمهمة واحدة وغاية واحدة .
قال تعالي {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام : 112] 
والله تعالي ذكر في القران الكريم أنواعا من الطواغيت وسبب طغيانهم فمن ذلك
1= طاغوت المال وفيه قصة قارون
2= طاغوت الهوى المشار إليه في قوله تعالي {أفرأيت من يتخذ إلهه هواه"
3= طاغوت السلطة – أو الحكم
طاغوت السلطة أو الحكم
ونختار من ذلك نوعا واحدا نشير إليه إشارة مجملة – تكفي للغرض وهذا النوع هو الثالث (طاغوت السلطة أو الحكم )ويتمثل في الدرجة الأولي في فرعون لعنه الله تعالي ،وهو كما وصفه الله تعالي في قوله "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص : 4]  
وعلي الرغم من فساد فرعون في كفره وطغيانه ،واستعباده لبني إسرائيل وكانوا في هذا الوقت من خيار أهل الأرض ،ومع إذلالهم بقتل الذكور واستحياء النساء ،كان يدعي  لعنه الله أنه من المصلحين ،أما موسي عليه السلام فقد جاء بالفساد وإضلال الناس ،هكذا قال فرعون لعنه الله تعالي فيما حكاه الله تعالي عنه
" وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [غافر : 37]
" وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر : 26] 
ودائما الفراعنة يعملون علي تشويه صورة الحق فيصفونهم بالأوصاف المنفرة ،فهو يقول لهم  :إن دينكم الذي أنتم عليه هو الحق وفيه الصلاح وموسي جاء ليغير ويبدل دينكم ،وهذا شأن المفسدين
إن العلمانية هي الدين الحق فيها الصلاح والفلاح ، وما جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم -  من كون الدين شامل لكل نواحي الحياة هو الفساد كما يقولون ويزعمون ،عليهم من الله ما يستحقون .
وعلي ذلك كان زعيمهم إبليس لعنه الله ، كما في الحديث : [عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ] رواه أحمد ، والنسائى ، والبغوى ، وابن قانع ، وابن حبان ، وأبو يعلى ، والطبرانى ، والبيهقى فى شعب الإيمان
وشأن حاشية فرعون من السادة والأشراف هو شأن فرعون لأن هدفهم واحد ،ـ لذلك تجدهم يقولون نفس مقالة فرعون " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف : 127
"  هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)البروج 
أى أنه لا فرق بين فرعون وجنده
وكان من أسباب إرسال موسي عليه السلام إلي فرعون أنه طغي
والمعنى : انه طغي علي الخالق بأنه كفر به ،وطغي علي الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم .
ومن طغيان السلطة : ادعاء الربوبية إما حالا أو مقالا ففرعون موسي قال كما حكي الله عنه " فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى"  
فهذا بلسان المقال أيضا " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر : 29] 
أما لسان الحال ،فهو كحال الذين يسيرون في طريقهم علي وفق طريق فرعون وإن لم يقولوا كقولهم ،وان لم يصرحوا كتصريحهم .
نهاية الطغيان سنة ربانية :-
قال تعالي " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) الفجر
هذه نهاية لابد منها وفق سنن الرب التي لا تتخلف ولا تتبدل قال تعالي{ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت : 40]
  ولكن من يعتبر بسنة الله تعالي في الطغاة { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (26) النازعات
{ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ [إبراهيم : 45]   
ومن شياطين الإنس أيضا الذين يأخذون حكم الطواغيت :
1-  العلماء الذين يزينون للناس الشرك والكفر وإن سموه بغير اسمه لأنهم يقومون بنفس مهمة طاغوت الجن كحال الأحبار والرهبان عند اليهود والنصارى الذين أحلوا الحرام وحرموا الحلال وشرعوا من الدين مالم يأذن به الله ،فهم  بذلك تجاوزوا حدهم مع الله جل وعلا ،
ويدخل في ذلك بعض العلماء الذين يعطون الشرعية للطواغيت ،دون الإنكار عليهم وكذلك بعض العلماء الذين لا يرون فرقا بين الأديان السماوية ،وينادون بالإخاء والمساواة بين الناس بغض النظر عن الانتماء للدين .
2- ومن الذين تجاوزوا حدهم مع الله تعالي ،وصاروا من شر الطواغيت غلاة الصوفية ،من دعاتهم ورؤسائهم الذين يدعون إلي عبادة أنفسهم أو عبادة غير الله تعالي ،من أمثال الذين يقولون : (من اعتقد في حجر نفعه) – وقول من يقول : (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور  ) أو قولهم (عبدي اطعني تكن عبدا ربانيا تقول للشيء كن فيكون) وأمثال هؤلاء.
3- طواغيت الفن فهم أولا : الذين يدعون إلي الفاحشة والرذيلة ،أولئك يدعون إلي النار والله عز وجل يقول أيضا { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}النور19
ثانيا :-أهل الفن يعملون علي إخراج الناس من الإسلام ودخولهم إلي الشرك والكفر ، والله تعالي أرسل رسله لإخراج الناس من الظلمات إلي النور ،ومن الكفر إلي الإيمان .
ثالثا :-أهل الفن يسمون ما هم عليه من فسق وضلال رسالة ،مضاهاة لرسالة الرسل الذين أرسلهم الله تعالي  والأمثلة علي ذلك كثيرة
أ‌- اختيار أسماء براقة لأهل الفن مضاهاة بالأشياء الإسلامية ذات المكانة فمن ذلك يسمون المرأة البارعة في التمثيل والإغراء النجمة  وكذلك الرجل النجم وكذلك يسمون بعض المجلات والصحف التي تتحدث بلسانهم وأخبار أهل الفن مجلة الكواكب ومجلة النجوم إلي غير ذلك ، أو يسمونهم بالبطل والبطلة  وغير ذلك
ب‌-   تأثر الناس بأهل الفن لدرجة التضحية بالحياة فهناك الكثير من النساء والفتيات من انتحرت يوم هلاك المغني المشهور وتهافت النساء علي الممثل الهندي عابد البقر ،إلى غير ذلك

               الرأس الثاني من رؤوس الطواغيت
الحاكم الجائر المغير المستبدل لأحكام الله تعالي
سبق أن اشرنا إلي أن الإنسان يصير طاغوتا بسبب أمرين  :-
الأول :- أن يتجاوز العبد حده مع ربه جل وعلا.
ثانيا :- أن يكون هذا التجاوز فيما يتعلق بخصائص الرب جلا وعلا ،من صفاته وأفعاله
ولا شك أن الحاكم المستبدل لأحكام الله تعالي قد توفر فيه الأمرين فيتجاوز حده مع ربه جل وعلا من جانب ،ومن جانب آخر جعل من نفسه نداً للخالق جل وعلا
والسؤال :- كيف يتجاوز الحاكم الجائر حده مع الله ،وجعل من نفسه نداً لله ؟
والجواب :- يظهر ذلك من خلال أمرين هما باختصار :-
[1] – الأمر الأول: - تشريع مالم يأذن به الله تعالي :-
وسواء قام هذا الحاكم بالتشريع المخالف لتشريع الله تعالي بمباشرة ذلك بنفسه ،أو شرع له فارتضي ذلك وأقره ، أو جاء حاكم مكان حاكم آخر واستمر علي هذا التشريع المخالف فالحكم في الجميع سواء أنهم طواغيت
والسبب في ذلك واضح وهو : أنهم جعلوا من أنفسهم أندادا لله رب العالمين – لأن التشريع حق خالص للرب جل وعلا 
وهذه بديهية من البديهيات الواضحة في حس المسلم وتصوره ،ذلك أن هذه الأرض التي نعيش عليها جزء من مملكة الله في كونه الواسع ،والعباد الذي يدبون فوقها من صنعه وتكوينه وخلقه فهو ربهم وإلههم وسيدهم ومن حقه أن يشرع لهم ،فهم عبيده ومماليكه .
ومن ناحية أخري ،فإن  تشريعه هو التشريع الذي يصلح عبادة ،ذلك أنه تشريع محكم كامل ،لأنه من العليم الخبير الحكيم قال تعالي { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك : 14] 
وقال تعالي { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة : 50] 
وهذا علي سبيل  التنزيل في الخطاب ،بمعني إذا كان للبشر أن يحكموا والله تعالي أن يحكم ،فمن أحسن حكما ،وحكم من نختار؟
بعض الآيات التي تدل علي أن التشريع حق لله تعالي :-
[1]- قال تعالي {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومِنْهَاجاً} [المائدة : 48]
قال ابن الجوزى – رحمه الله –
" وللمفسرين في معنى الكلام قولان : أحدهما :لكل ملة جعلنا شرعة ومنهاجا فلأهل التوراة شريعة ولأهل الإنجيل شريعة ولأهل القرآن شريعة هذا قول الأكثرين
قال قتادة :الخطاب للأمم الثلاث أمة موسى وعيسى وأمة محمد فللتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء بلاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل
 والثاني: أن المعنى لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا ،هذا قول مجاهد" أهـ زاد الميسرصـ372&373
والشاهد من الآية: أن الله تعالي هو الذي شرع الشرائع
[2]- قال تعالي{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية : 18]
قال الشوكاني – رحمه الله : فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله تعالي لعباده من الدين والجمع شرائع ،أي جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلي الحق" أ هـــ  فتح القدير جـ5 صـــ7
[3]- قال تعالي{ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}الاعراف 3
قال القرطبي – رحمه الله : قوله تعالي { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } يعني الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
وقالت فرقة: هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
والظاهر أنه أمر لجميع الناس دونه.
أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه.
ودلت الآية على ترك إتباع الآراء مع وجود النص  "أهــ تفسير القرطبي جـ4 صـ162
**المشرعون وضعوا أنفسهم في منزلة الأرباب :-
قال تعالي : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة : 31]   إنما صار الأحبار والرهبان إلي هذه  المنزلة ،لكونهم أحلوا الحرام وحرموا الحلال ،وشرعوا من الدين مالم يأذن به الله .
قال الحافظ بن كثير- رحمه الله :-
روي الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم "..... فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرأ هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ...}  قال ،قلت إنهم لم يعبدوهم فقال: بلي إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم
قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} أي : الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام وما حلله فهو الحلال وما شرعه اتبع وما حكم به نفذ({ لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي: تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه" أهــ  تفسير بن كثير جـ2 صـ 79
قال سيد قطب – رحمه الله –
" وقال الألوسي في التفسير :
« الأكثرون من المفسرين قالوا : ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم . بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم » . .
ومن النص القرآني الواضح الدلالة؛ ومن تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فصل الخطاب ، ثم من مفهومات المفسرين الأوائل والمتأخرين ، تخلص لنا حقائق في العقيدة والدين ذات أهمية بالغة نشير إليها هنا بغاية الاختصار .
* أن العبادة هي الإتباع في الشرائع بنص القرآن وتفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم أو تقديم الشعائر التعبدية إليهم . . ومع هذا فقد حكم الله - سبحانه - عليهم بالشرك في هذه الآية - وبالكفر في آية تالية في السياق - لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها . . فهذا وحده - دون الاعتقاد والشعائر - يكفي لاعتبار من يفعله مشركاً بالله ، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين .
* أن النص القرآني يسوي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله ، بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوه واتبعوه ، وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقاداً وقدموا إليه الشعائر في العبادة . فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركاً بالله ، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين . .
* أن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده؛ ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته؛ ولا تقديم الشعائر التعبدية له . كما هو واضح من الفقرة السابقة . . ولكنا إنما نزيدها هنا بياناً!
وهذه الحقائق - وإن كان المقصود الأول بها في السياق هو مواجهة الملابسات التي كانت قائمة في المجتمع المسلم يوم ذاك من التردد والتهيب للمعركة مع الروم ، وجلاء شبهة أنهم مؤمنون بالله لأنهم أهل كتاب - هي كذلك حقائق مطلقة تفيدنا في تقرير « حقيقة الدين » عامة . .
إن دين الحق الذي لا يقبل الله من الناس كلهم ديناً غيره هو « الإسلام » . . والإسلام لا يقوم إلا بإتباع الله وحده في الشريعة - بعد الاعتقاد بألوهيته وحده وتقديم الشعائر التعبدية له وحده - فإذا اتبع الناس شريعة غير شريعة الله صح فيهم ما صح في اليهود والنصارى من أنهم مشركون لا يؤمنون بالله - مهما كانت دعواهم في الإيمان - لأن هذا الوصف يلحقهم بمجرد اتباعهم لتشريع العباد لهم من دون الله ، بغير إنكار منهم يثبت منه أنهم لا يتبعون إلا عن إكراه واقع بهم ، لا طاقة لهم بدفعه ، وأنهم لا يقرون هذا الافتئات على الله . .
إن مصطلح « الدين » قد انحسر في نفوس الناس اليوم ، حتى باتوا يحسبونه عقيدة في الضمير ، وشعائر تعبدية تقام! وهذا ما كان عليه اليهود الذين يقرر هذا النص المحكم - ويقرر تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنهم لم يكونوا يؤمنون بالله ، وأنهم أشركوا به ، وأنهم خالفوا عن أمره بألا يعبدوا إلا إلهاً واحداً ، وأنهم اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله .
إن المعنى الأول للدين هو الدينونة - أي الخضوع والاستسلام والإتباع - وهذا يتجلى في إتباع الشرائع كما يتجلى في تقديم الشعائر . والأمر جد لا يقبل هذا التميع في اعتبار من يتبعون شرائع غير الله - دون إنكار منهم يثبتون به عدم الرضا عن الافتئات على سلطان الله - مؤمنين بالله ، مسلمين ، لمجرد أنهم يعتقدون بألوهية الله سبحانه ويقدمون له وحده الشعائر . . وهذا التميع هو أخطر ما يعانيه هذا الدين في هذه الحقبة من التاريخ؛ وهو أفتك الأسلحة التي يحاربه بها أعداؤه؛ الذين يحرصون على تثبيت لافتة « الإسلام » على أوضاع ، وعلى أشخاص ، يقرر الله سبحانه في أمثالهم أنهم مشركون لا يدينون دين الحق ، وأنهم يتخذون أرباباً من دون الله . . وإذا كان أعداء هذا الدين يحرصون على تثبيت لافتة الإسلام على تلك الأوضاع وهؤلاء الأشخاص؛ فواجب حماة هذا الدين أن ينزعوا هذه اللافتات الخادعة؛ وأن يكشفوا ما تحتها من شرك وكفر واتخاذ أرباب من دون الله . . { وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون }اهـ الظلال ج4ص19-21
فائدة :-
النبي – صلى الله عليه وسلم - بين حكم الأتباع ولم بتعرض لحكم الأحبار والرهبان لكون أن الله تعالي حسم هذا الحكم بأن وصفهم وجعلهم في حكم الأرباب ومن وضع نفسه في هذه المنزلة ،فلا ريب في وضوح حكمه وأنه طاغوت لا يخفي هذا الحكم علي عاقل .
أما جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان عن استفسار عدي بن حاتم حول موقف الأتباع ( فقال لسنا نعبدهم ) فبين له :  أن إتباع الأحبار والرهبان  في التحليل والتحريم والتشريع من العبادة (فذلك عبادتهم إياهم)
يؤخذ من ذلك أمرين :-
[1]- أن الأحبار والرهبان وكل من أحل الحرام وحرم الحلال ،وشرع من الدين مالم يأذن به الله فهو طاغوت كافر ، وهذا حكم لا ريب فيه ولا شك.
[2]- أن من اتبع هؤلاء وأمثالهم علي علم صار بذلك مشركاً كافراً بنص الآية {سبحانه عما يشركون } وبنص كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من أطاعهم في ذلك واتبعهم كان عابدا لهم .
طاعة المشركين شرك بالله ولو في حكم تشريعي واحد :-
قال تعالي : {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام : 121]
 قال الشنقيطي - رحمه الله - في أضوء البيان جـ3 صـ400- 401
" ومن هدي القرآن للتي هي أقْوَم بيانه أن كل من اتبع تشريعاً غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه ، فإتباعه لذلك التشريع المخالف كفر بواح ، مخرج عن الملة الإسلامية . ولما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم : الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ فقال لهم : « الله قتلها » فقالوا هل : ما ذبحتم بأيديكم حلال ، وما ذبحه الله بيده الكريمة تقولون إنه حرام! فأنتم إذن أحسن من الله!؟ - أنزل الله فيهم قوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 121 ] وحذف الفاء من قوله { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } يدل على قسم محذوف على حد قوله الخلاصة :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ... جَواب ما أخرت فهو ملتزم
إذ لو كانت الجملة جواباً للشرك لاقترنت بالفاء على حد قوله في الخلاصة أيضاً :
واقرن ببفا حتماً جواباً لو جعل                 ... شرطاً لأن أو غيرها لم ينجعل
فهو قسم من الله جلَّ وعلا أقسم به على أن من اتبع الشيطان في تحليل الميتة أنه مشرك ، وهذا الشرك مخرج عن الملة بإجماع المسلمين ، وسيوبخ الله مرتكبه يوم القيامة بقوله : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ يس : 60 ] لأن طاعته في تشريعه المخالف للوحي هي عبادته ،
وقال تعالى : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً }
[ النساء : 117 ] أي ما يعبدون إلا شيطاناً ، وذلك بإتباعهم تشريعه . وقال :
{ وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } [ الأنعام : 137 ] الآية ، فسماهم شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى . وقال عن خليله
{ يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان } [ مريم : 44 ] الآية ، أي بطاعته في الكفر والمعاصي . ولما سأل عدي بن حاتم النَّبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى
{ اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً } [ التوبة : 31 ] الآية ، بين له أن معنى ذلك أنهم أطاعوهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم . والآيات بمثل هذا كثيرة .
العجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام . كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } [ النساء : 60 ] ، وقال : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون } [ المائدة : 44 ] . وقال : { أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب مُفَصَّلاً والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بالحق فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين } [ الأنعام : 114" اهـ      
يؤخذ من ذلك :-
[1]-أن التشريع المخالف لتشريع الله تعالي هو في الحقيقة من وحي الشيطان إلي أوليائه {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ...}
[2]- فرق كبير بين أمرين :
 الأول :  أن يأكل المسلم مما لم يذكر اسم الله عليه عالماً بذلك ،فمن فعل ذلك كان عاصياً آثماً
الثاني :   أن يصير الأكل من الميتة تشريعا عاماً وقانوناً متبعاً فهذا هو الشرك الأكبر 
[2]- الأمر الثاني :- الحكم بهذه التشريعات المخالفة لتشريع الله عز وجل
المخالف فقد يشرع الإنسان تشريعات مخالفة لتشريع الله وحكمه ،ولا يحكم بها فلا شك في كفر وطغيان من فعل ذلك ، لان مجرد التشريع كفر وإن لم يحكم به ، وهذا هو حال السلطة التشريعية وفقهاء القانون كما يسمونهم .
وكذلك حال الذي يستحل ما حرم الله تعالي وإن لم يفعل ،بمعني :- أن من قال أن الخمر حلال فهو كافر وإن لم يشربها ، أو قال إن الزنا حلال فهو كافر وإن لم يزني
فكذلك من يشرع وإن لم يحكم بهذا التشريع فهو طاغوت كافر ، لان التشريع كفر بذاته أما الحكم  بهذا التشريع لحكم الله وشرعه فهو كفر وذلك لسببين عظيمين  وهما :-
السبب الأول  :- الحكم من خصائص الرب - جل وعلا :-
(1)- قال تعالي {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلآَّ إِيَّاهُ} [يوسف : 40]
(2)- {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف : 67]
(3)-
{ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص : 88] 
(4)- قال سبحانه { وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص : 70]  
قال ابن الجوزي رحمه الله {إن الحكم إلا لله }أي :ما القضاء والأمر والنهي إلا لله " أهــ   زاد المسير جـ4 صـ 226
(5)- وقال تعالي { َولَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً [الكهف : 26]  
وعلي هذه القراءة يكون المعني :ولا يشرك الله عز وجل أحدا في حكمه – بل الحكم لله وحده لا حكم لغيره ألبته ، فالحلال ما أحله الله تعالي ،والحرام ما حرمه الله تعالي ،والدين ما شرعه الله ،والقضاء ما قضاه فهو علي هذه القراءة خبر أما القراءة الأخرى {ولا تشرك في حكمه أحدا }وهذه صفة  نهي ،أي لا تشرك يا نبي الله صلى الله عليه وسلم،أو لا تشرك أيها المخاطب  في حكم الله جل وعلا أحدا ،فمن أشرك في حكم الله أحدا صار مشركاً .      

السبب الثاني :- إن التحاكم إلي غير شرع الله وحكم الله تحاكم إلي الطاغوت

قال تعالي : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدً} [النساء : 60]
قالالحافظ ابن كثير- رحمه الله -عند تفسير هذه الآية
(هذا إنكار من الله عز وجل علي من يدعي الإيمان بما انزل الله علي رسوله وعلي الأنبياء الأقدمين ،وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلي غير كتاب الله وسنة رسوله – ثم ذكر سبب النزول – ثم قال والآية أعم من ذلك كله ، فإنها عامه لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلي ماسوا هما من الباطل ، وهو المراد بالطاغوت هنا ،ولهذا قال{ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ }أ هــ   عمدة التفسير جـ2 صـ209
فائدة :
لابد من التفريق بين ثلاثة أصناف من الناس :
(1)- الصنف الأول : صنف المشرعين للقوانين الوضعية ،فهؤلاء لا يرتاب في كفرهم أحد ،إلا من طمس الله علي بصيرته .
(2)- الصنف الثاني : صف الحكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية وهؤلاء أيضا لاشك في كفرهم .
(3)- الصنف الثالث : صنف المتحاكمين إلي القوانين الوضعية ولا شك أن من تحاكم إلي هذه القوانين بكامل رضاه وعلي علم فهو كافر أيضا .
وسيأتي بعض التفصيل والضوابط  لمسألة التحاكم خاصة مع غياب حكم الشرع
في واقع الناس ،كما هو الحال في الواقع المعاصر .

** الإجماع منعقد علي كفر من حكّم القوانين الوضعية
[1]- قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله من مجموع الفتاوى جـ3 صـ267
قال ( والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه – أو حرم الحلال المجمع عليه – أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتفاق الفقهاء ) أهـ
وقال رحمه الله – في مجموع الفتاوى جـ8 صـ106
(معلوم أن من اسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى )أ هـ
[2]- قول الإمام ابن القيم – رحمه الله  :-
قال رحمه الله في كتابه ((أحكام أهل الذمة )) جـ1 صـ159
(وقد جاء القرآن وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين قبله ،وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ،ولم يتبع القرآن فهو كافر )أ هـ
[3]- قول بن كثير- رحمه الله  :-
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله - في البداية والنهاية جـ13 صـ119
( من ترك الشرع المحكم المنزل علي محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ،وتحاكم إلي غيره من الشرائع المنسوخة كفر،فكيف بمن تحاكم إلي الياسق وقدمها عليه ،ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين  ) أ هـ
·       - سؤال وجوابه :-
أما السؤال :- فقد يقول قائل :ولماذا لم يأتي في هذه المسألة إجماع للسلف الصالح ؟؟
والجواب : أن الأمة لم تعرف تغييرا للشرع وحكمًا بالقوانين قبل مجيء التتار بقانونهم ,,الياسق ،، الذي جعلوه قانوناً يتحاكمون إليه مع ملاحظة أنهم لم يلزموا بقية الأمة الإسلامية بالتحاكم إليه ،بل بقيت الأقطار الإسلامية في زمنهملا تحكم إلا بالشرع المطهر – هذه هي الحالة الأولي
 أما الحالة الثانية : فبعد سقوط الخلافة الإسلامية ،ومع ضعف الدولة الإسلامية وتفرقها ، وهجوم النصارى وغيرهم علي بلاد المسلمين ،تصدي لهم علماء الأمة في ذلك الوقت أمثال الشيخ احمد شاكر ،والشيخ محمد حامد الفقي وغيرهما كما تصدي للتتار ومن على شاكلتهم  شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير والعز بن عبد السلام ،وغيرهما وكثير من العلماء في هذا العصر.

أقوال العلماء في حُكم من حكم بالقوانين الوضعية :::-
[1]- قول شيخ الإسلام ابن تيمية قال رحمه الله
( و لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله علي رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه عدلا من غير إتباع لما انزل الله فهو كافر – أهـ منهاج السنة النبوية صـ412
[2]- قول العلامة ابن القيم – رحمه الله :-
قال - رحمه الله - عند قول الله تعالي { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" } وَمِنْهَا : أَنَّهُ جَعَلَ هَذَا الرَّدَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ ، فَإِذَا انْتَفَى هَذَا الرَّدُّ انْتَفَى الْإِيمَانُ ؛ ضَرُورَةُ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ ، وَلَا سِيَّمَا التَّلَازُمُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ
أَنَّ هَذَا الرَّدَّ خَيْرٌ لَهُمْ ، وَأَنَّ عَاقِبَتَهُ أَحْسَنُ عَاقِبَةً ، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ ، وَالطَّاغُوتُ : كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ ؛ فَطَاغُوتُ كُلِّ قَوْمٍ مِنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَى غَيْرِ
بَصِيرَةٍ مِنْ اللَّهِ ، أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ ؛ فَهَذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ إذَا تَأَمَّلْتَهَا وَتَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ النَّاسِ مَعَهَا رَأَيْت أَكْثَرَهُمْ [ عَدَلُوا ] مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إلَىعِبَادَةِ الطَّاغُوتِ ، وَعَنْ التَّحَاكُمِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ إلَى التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ ،
وَعَنْ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِهِ إلَى طَاعَةِ الطَّاغُوتِ وَمُتَابَعَتِهِ" (أهـ إعلام الموقعين صـ49-50 جـ1
فوائــــــــد حول هذه الآية :-
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء : 59] 
الأولي :- إثبات الطاعة المطلقة لله وللرسول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أما طاعة أولي الأمر فمقيدة بأمرين (طاعتهم لله وللرسول ) و(طاعتهم في الطاعة دون المعصية ) .
الثانية :- أن أولي الأمر يشترط فيهم الإسلام لقوله تعالي (منكم ) أي من المؤمنين فالكافر الأصلي لا يكون حاكماً علي المسلمين وإن كان يحكم بينهم بما انزل الله وكذلك لا يكون قد طرأ عليه الكفر والشرك ،أما الحاكم المسلم الظالم الفاسق فوقع فيه خلاف ،والصحيح الذي عليه الجمهور صحة إمامته وعدم الخروج عليه .
الثالثة :- وقوع النزاع بين الراعي والرعية ، بين الحاكم والمحكوم ، أمر وارد ،فعند ذلك وجب رد النزاع إلي الله والرسول .
الرابعة :- أن وقوع النزاع بين المسلمين من الأمور الطبيعية التي لابد من حدوثها ووقوعها (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ ) .
الخامسة :- أن هذا النزاع قد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً ،سواء كان هذا النزاع في القضايا والحدود ،أو النزاع في مسائل أصول الدين من أمور الاعتقاد وغيرها يدل على ذلك العموم المستنبط من كلمة ( شيء ) لأنها تفيد العموم
السادسة :- الرد يكون إلي الكتاب والسنة {فردوه إلي الله والرسول }
السابعة :- أن الرد إلي الكتاب والسنة مقتضي الإيمان ،والإعراض عن الكتاب والسنة دليل علي النفاق {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }
[3]- قول ابن كثير – رحمه الله  :
قال رحمه الله في التفسير جـ2 صـ 59 عند تفسير قوله تعالي { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة : 50
" ينكر الله تعالي علي من خرج عن حكم الله تعالي المحكم المشتمل علي كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلي ما سواه من الآراء  والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية ،يحكمون به من الضلالات والجاهلات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ،وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان ،الذي وضع لهم ( الياسق ) وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتي من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ،وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ،فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه علي الحكم بالكتاب والسنة ،فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلي حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ،،،  أهــ
ومعني قول ابن كثير (( وعدل إلي ما سواه من الآراء ............ )) 
العدل : هو مساواة الشيء بآخر ، عدلت بالشيء إذا جعلته مساويا له ومنهقوله تعالي { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } أي مع علمهم وإقرارهم بالربوبية عدلوا عن عبادة الأصنام وكأنهم يستوي عندهم عبادة الله مع عبادة الأصنام .
فكذلك من ترك الحكم بما انزل الله ، وحكم بالقوانين الوضعية يكون بذلك قد سوي بين حكم الله ،وحكم غيره ،وان لم يتلفظ بذلك .
[4]- قول العلامة احمد شاكر – رحمه  الله ..
قال :"إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا عذر لأحد فهمن ينتسب للإسلام – كائنا من كان –في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها ،فليحذر كل امرؤ لنفسه ،وكل امرؤ حسيب نفسه "أ هــ                                              عمدة التفسير جـ2 صـ172 : 174
فائدة :
** الفرق بين المحدث الفقيه ،وبين المحدث الذي لا فقه له
ليس الغرض فقه المحدث العلم بمسائل الفقه لا ولكن المقصود بذلك أن يكون عالما بفقه الحديث وما يدل عليه ، وما يستنبط منه وهذا هو المقصود بقول النبي صلي الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ،،  لذلك نجد العلامة أحمد شاكر رحمه الله محدث عصره وكان قاضيا شرعيا وقف موقفا مشرفا في قضية استبدال القوانين الشرعية بأخرى غير شرعية ، وبين الحق في هذه المسألة بوضوح وجلاء ،في الوقت الذي نجد فيه كبري الحركات الإسلامية ،كما يحلو لها أن تضع نفسها بذلك داهنت الملك وعبد الناصر ،ويرجع ذلك لعدم علمهم وعدم اهتمامهم بهذه القضية الإعتقادية
مثال آخر :- الإمام أحمد بن حنبل ،فهو أمير المؤمنين في الحديث  ليس فقط ولكن كان فقيها في الدين ، وهذا الذي جعله يقف موقفه العظيم من نصر الدين والسنة في قضية خلق القرآن وإن أدي ذلك به إلي السجن والتعذيب  ،وإن أغلب العلماء في عصره وسعهم السكوت أو التقية إلي غير ذلك ،
[5]- قول العلامة محمد إبراهيم آل الشيخ :-
" إن من الكفر الأكبر المستبين ،تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمد صلي الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ،في الحكم به بين العالمين ،والرد إليه عند تنازع المتنازعين ،مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل { فان تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
وقد نفى  الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم ،نفيا مؤكدا ،بتكرار أداة  النفي وبالقسم قال تعالي { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ ... } أهـ من شرح رسالة تحكيم القوانين
قال د. سفر الحوالي فى هذه الآية
أكد الله سبحانه نفى الإيمان بأمرين : - بتكرار أداة النفي وهي ( لا ) في قوله {فلا} وقوله {لآ يؤمنون } وبالقسم وهو قوله { وربك } أ هـ شرح رسالة تحكيم القوانين صـ 10،9

((أحوال وأصناف الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله )) 
الصنف الأول:-
أن يجحد الحاكم بغير ما انزل الله أحقية حكم الله ورسوله بمعني :- أن يقول الحاكم :أنه لا يجب علي الناس أن يتحاكموا إلي ما أنزل الله تعالي ، وهذا هو جحد الوجوب ، ولا شك في كفر من قال ذلك أو اعتقده ،لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وجحد أمراً قطعياً في كتاب الله تعالي ، ومتواتراً في سنة وسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم .
ومن ألفاظ المرتدين حول هذه المسألة :
[1] – قول من يقول : إن الحكم بما أنزل الله تعالي غير واجب ،وإنما كان واجبا في حق الرسول صلي الله عليه وسلم فقط .
ذهب فريق من العلمانيين المعاندين إلي أن الحكم بما أنزل الله كان واجبا في حق الرسول صلي الله عليه وسلم فقط مستدلين ببعض الآيات مثل { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة : 49]
وقوله تعالي { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً [النساء : 105]
والرد علي ذلك من عدة أوجه:-
الأول : أن الخطاب للنبي صلي الله عليه وسلم خطاب للأمة مالم يرد تخصيص . والدليل قوله تعالي { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد : 19] 
فهل يقول العاقل أن العلم بالتوحيد من خصائص النبي صلي الله عليه وسلم.
الثاني :- أن الله تعالي أخبر أن من أعظم مقاصد القرآن الكريم الحكم والتحاكم إليه قال تعالي { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة : 213] 
الثالث : - أن الله تعالي أمر المؤمنين أن يحكموا بالعدل قال تعالي{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء : 58]  
[2]- قول من يقول إن العصر قد تغير ،وان الزمان قد اختلف ،وإن الحكم بما أنزل الله إنما كان واجبا في زمن كانت الإنسانية فيه بدائية ،أما الآن فعصر الحضارة والتقدم والمدنية .
[3]- الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة،ولسان حالهم لا يري وجوب الحكم بما انزل الله تعالي  .
[4]- وأخطر من ذلك الذين يعتقدون أن أحكام الله غليظة منفرة.
الصنف الثاني:-
أن لا يجحد الحاكم بغير ما انزل الله كون حكم الله ورسوله حقا ،ولكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلي الله عليه وسلم أحسن من حكمه ،وأتم واشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع ،إما مطلقا أو بالنسبة إلي ما استجد من الحوادث التي تنشأ من تطور الزمان وتغير الأحوال
# الفرق بين هذا الصنف والذي قبله #
1-الصنف الأول : يقول أن الحكم بما أنزل الله لا يصلح أصلا
2-الصنف الثاني : يقول نعم الحكم بما أنزل الله حق وخير ولكن حكم غيره أفضل وأحسن ،وهذا لاشك أيضا في كفره الكفر الأكبر.
فائدة :
يستوي في ذلك من قال بعموم أن حكم غيره أحسن من حكم الله ،أو قال ذلك وجعله في بعض الأحكام دون بعض

الصنف الثالث: -
أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله لكن اعتقد أنه مثله، وهذا يعني تسوية حكم الله وحكم غيره فيقول حكم الله وشرعه طيب وكذلك ما جاء في القوانين الوضعية فهو طيب لأن هذه القوانين أعطت البشر حقهم .
وهذا يعني : تسوية الخالق بالمخلوق ، وهذا هو الضلال المبين ، كما في قول رب العالمين في أهل النار "تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الشعراء : 97]
وليس المقصود بتسوية المخلوق بالخالق في أمر الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير وغير ذلك ، ولكن التسوية أيضا تكون في المحبة والإجلال والتعظيم وإتباع الآمر والحكم ،قال تعالي {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام : 1]
والعدل هو: التسوية في المحبة وغير ذلك كما قال تعالي {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة : 165]
قال العلامة عبد العزيز بن باز- رحمه الله .
س : ما رأيكم في المسلمين الذين يحتكمون إلى القوانين الوضعية مع وجود القرآن الكريم والسنة المطهرة بين أظهرهم ؟
ج: رأيي في هذا الصنف من الناس الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين, في الوقت الذي يتحاكمون فيه إلى غير ما أنزل الله, ويرون شريعة الله غير كافية ولا صالحة للحكم في هذا العصر - هو ما قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم حيث يقول سبحانه وتعالى: سورة النساء الآية 65 "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" ويقول سبحانه وتعالى: سورة المائدة الآية 44 "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" سورة المائدة الآية 45 "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ سورة المائدة الآية 47 "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
إذا فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله, ويرون أن ذلك جائز لهم, أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام, ويكونون بذلك كفارا ظالمين فاسقين, كما جاء في الآيات السابقة وغيرها, وقوله عز وجل: سورة المائدة الآية 50 "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"أ هـ  مجموع الفتاوى وبعض من مقالات متنوعة للشيخ ابن باز جـ1 صـ275
الصنف الرابع :-
أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله ، فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه ، لكن اعتقد جواز الحكم بما خالف حكم الله ورسوله... )) والسبب في ذلك اعتقاد جواز ما حرم الله تعالي مما هو معلوم بالنصوص الصريحة القاطعة بذلك .
وهذا الصنف عليه غالب الناس إلا من رحم الله ، فيقولون : نحن لا نقول حكم القوانين مثل حكم الله ،فالإسلام أفضل ،وأحكام الشرع فوق أي حكم آخر ، ولكن يجوز أن نتحاكم للقوانين الوضعية .
والعلة في ذلك عندهم : أن الظروف الحالية لا تسمح بتطبيق شرع الله  لأن ذلك سوف يغضب علينا الغرب ، ويقطعون المعونات والقروض وهذا القول في الحقيقة يدل علي الجهل بتوحيد الله تعالي .
الصنف الخامس :-
وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلا، وتفرعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً، ومراجع ومستندات. فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع، هي: القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة" 
يقول العلامة احمد شاكر – رحمه الله :-
(( ما احتج به مبتدعة زماننا ، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام وإصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلي حكم غير حكم الله في كتابه وعلي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم ، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ، ورغبة عن دينه ، وإيثار لأحكام أهل الكفر علي حكم الله تعالي . وهذا كفر لا يشك أحد من أهل ألقبله – علي اختلافهم – في تكفير القائل به والداعي إليه ))اهـ تعليق أحمد شاكر علي تفسير الطبري جـ2 صـ348

** سبب خطورة هذا النوع علي بقية الأنواع الأخرى السابقة :-
[1]- أن الأنواع الأولي قد تفعل علي سبيل الاعتقاد
[2]- أن الأنواع الأولي تقع من الأفراد وليس الجماعة فيعتقد فرد في نفسه أن الحكم بغير ما أنزل الله جائر ، أو أحسن وأفضل في نفسه فهذا يكفر في نفسه
[3]- أن هذا النوع الخامس يكون عاماً للأمة  ، وهذا واضح فلا تحاكم  إلا إلي المحاكم التي وضعتها الدولة وبالقانون الملفق الذي اختاروه

* لماذا كان هذا الصنف أظهر كفراً من بقية الأصناف ؟
أولاً  : أن هذا الصنف يباشر ما هو حق خالص لله تعالى وهو التشريع
ثانياً  : أن القانون الوضعي فيه مشاقة الله ورسوله لأن أصحاب القانون الوضعي جعلوا أنفسهم في شق وجانب ،مضاد  لشق الله جانبه .
ثالثاً  : أن القانون الوضعي خروج عن سبيل المؤمنين الذين يسلمون لحكم الله وشرعه
رابعا  : إلزام الأمة وإجبارها علي الحكم والتحاكم إلي القوانين الوضعية في الوقت الذي يحاربون فيه من ينادون بتطبيق حكم الله وشرعه
ماذا يعني القانون الوضعي ؟
القانون الوضعي يعني أمرين خطيرين كلاهما كفر وضلال :
الأول  :- أن تحكيم القوانين الوضعية  تعني رفض شريعة الله تعالي إذ لو لم يرفضها  لما استبدل بها غيرها
الثاني  :- التعدي علي حق  من حقوق الله ، وهو حق الحكم والتشريع
الصنف السادس:-
ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم  من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها ,, سلومهم ,, يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحضون علي التحاكم إليه عند النزاع بقاء علي أحكام الجاهلية ، وإعراضا ورغبة عن حكم الله ورسوله ،،
وهذا الصنف معروف منذ القدم ، وهو ما كانت عليه الجاهلية الجهلاء من تحكيم العادات والتقاليد ، والسادة والكبراء ، وهو معروف بقانون العشيرة والقبيلة ، وهذا موجود الآن بصور شتي تختلف من دولة إلي أخري ، وأكثر ما ينتشر ذلك في البوادي والقرى .
فالأصناف السابقة كلها حكمها أنهم يكفرون كفراً أكبر مخرج من الملة
الصنف السابع :-
وهو الحاكم الذي يكفر كفراً اصغر ، وهو أن تحمله شهوته وهواه علي الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق ، واعترافه علي نفسه بالخطأ ومجانبة الهدي .
·       ضوابط مهمة حول هذا الصنف :-
الأول : أن تكون السيادة للشريعة الإسلامية ،وأصل التحاكم مبنياً علي الكتاب والسنة
الثاني : أن يكون الحاكم أو القاضي ، حاكماً مسلماً الأصل عنده الحكم والانقياد لحكم الله وشرعه.
الثالث  : من حكم في قضية بغير ما انزل الله ، يجب أن يكون في حوادث الأعيان ، وليس في الأمور العامة التي تفرض علي جميع الناس ،بحيث تصبح قانوناً عاماً .
الرابع  : أن يقر هذا الحاكم ، بأن حكم الله هو الحق ، وأنه لا يجوز التحاكم إلي غيره
الخامس : أن يعلم أنه بفعله هذا قد ارتكب محرماً وأنه بذلك يكون عاصياً لله مستحق للوعيد ، إن لم يتب إلي ربه .
 (فائدة )
هل اختلف السلف في حكم الحاكم  المستبدل لشرع الله ؟
الحقيقة أن السلف رضوان الله عليهم لم يختلفوا حول هذه المسألة مطلقاً لأن استبدال الدين والشرع لم يخطر علي أحد من السلف الصالح وإنما اختلفوا حولصورة محددة وهي إذا جنح الحاكم المسلم  سواء كان علي قمة الحكم أو في محكمة جزئية إلي مخالفة حكم الله في أمر من الأمور لهوي في نفسه أو لرشوة قدمت له ، أو مراعاة لقرابة – الخ    
وهو في ذلك كله آثم لم يكن ليستحل لنفسه مخالفة حكم الله بل يعلم في قرارة نفسه أنه آثم عاص لله ، هذه هي الصورة التي اختلف السلف حولها أيكفر من فعل هذا كفراً مخرجاً من الملة عملاً بظاهر الآية { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } فذهب السلف إلي أنه كفر دون كفر ،وكان سبب ذلك كما هو معلوم أن الخوارج أرادوا تكفير حكام بني أمية لجورهم وظلمهم وانحرافهم عن حكم الله تعالي في بعض القضايا ، أما أن تكون المخالفة هي التآمر علي شرع الله بإصدار القوانين التي تكون بديلة عن شرع الله وحكمه في أي مجال من المجالات ، ، فهذه حالة لا يمكن أن يشك فيها إنسان أن من فعل ذلك أو رضي بذلك أنه كافر مرتد .
الجلسات العرفية :-
 روي أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه  والحاكم وصححه ((عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : اثْنَانِ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ } رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
ويبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول " إذا كان الحاكم ديناً ولكنه حكم بغير علم كان من أهل النار وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي لا يعلمه كان من أهل النار ، وإذا حكم  بلا عدل ولا علم كان أولي أن يكون من أهل الناس وهذا حكم في قضية معينه لشخص معين " أ هـ مجموع الفتاوى جـ35 صـ388
متى يجوز التحاكم إلي القوانين الوضعية ؟ :-
 أولا  :- اعتقاد أن حكم الله تعالي هو الحق وماعداه فهو الباطل وأنه لا يجوز التحاكم إلي غير حكم الله .
ثانيا :-  البحث عن الحل الإسلامي أولا ببذل الجهد في الوصول إلي حكم الله تعالي عن طريق أهل العلم ، أو من خلال من يطبق حكم الله
ثالثا :- لا يجوز التحاكم إلي القوانين الوضعية إلا بسبب الضرورة وهذه الضرورة تقدر بقدرها .
رابعاً :- سبب آخر يجيز التحاكم للقوانين الوضيعة وهو الإكراه
خامساً :- أن يكون هذا التحاكم في غياب دولة الإسلام  والحكم الإسلامي أما في الدولة الإسلامية ، وفي ظل الحكم الإسلامي فلا يعذر أحد بالتحاكم إلي القوانين الجاهلية .
سادساً : اعتقاد بطلان هذه القوانين  والكفر بها لأنها حكم الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ،
سابعاً :- اعتقاد كفر المشرعين لهذه القوانين المتحاكمين إليها لأنهم أيضا طواغيت
ثامنا : إذا حُكم له بأكثر من حقه فلا يأخذ ما زاد على حقه
 # مسألة :- طاغوت مع إيقاف التنفيذ
هناك مقولة مشهورة علي ألسنة البعض من أبناء الحركة الإسلامية هذه المقولة صارت عندهم أصل من الأصول ،وبسببها ميعوا الكثير من قضايا الأحكام الشرعية – وهذه المقولة هي (أمرنا الله تعالي بالكفر بالطاغوت وليس تكفيره ) واستدلوا علي ذلك بقوله تعالي { يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } وهذا يعني عندهم أن  نكفر بالعبادة التي تقدم للطاغوت الذي يعبد من دون الله  دون أن نكفر ونعين هذا الطاغوت بالكفر،فهو إذن طاغوت مسلم ،كالذي قال عن عبد الناصر إنه فرعون ، ولكنه فرعون مسلم .
ولكي تتضح هذه المسألة لابد من التفريق بين حالتين :
1-  الحالة الأولي :- المسلم الذي يقع منه طغيان ،مثل الجور والظلم والفسق وغير ذلك فهو مسلم ،وإن كان من أصحاب الذنوب والكبائر ، فله حكمه المعروف 
2-الحالة الثانية :- الإنسان الذي تجاوز حده مع ربه ،وجعل من نفسه نداُ لله جل وعلا ،فهذا طاغوت وإن انتسب إلي الإسلام
من لوازم هذه المقولة الغاسدة:
أولا :- أن نكفر بالعبادة التي تقدم للشيطان ولا نكفره
ثانيا  :- الذي قال أنا ربكم الأعلى ؟ فرعون فنقول له هذا كفر ولكنك لا تكفر ولست طاغوتاً
ثالثاً :-  نقول بكفر القوانين الوضعية ولكن لا نكفر من وضعها ، وهكذا
،فالتكفير حكم شرعي نطلقه علي من أطلقه الله عليه فالكافر من كفره الله ورسوله
حسم المسألة في آية الممتحنة :-
قال تعالي { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة : 4]  
فالآية دلت علي أنه لابد من 1- البراءة من المشركين ....{ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ }
2-  والبراءة من العبادات التي قدمت لغير الله ....{ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ }
3- تكفير المشركين ....{ كَفَرْنَا بِكُمْ }
ولم نذهب بعيداً والله تعالي يأمر نبيه ، وهو أمر لكل أتباع النبي صلي الله عليه وسلم بقوله جل وعلا ... {قل يا أيها الكافرون }
سؤال وجوابه *
السؤال : قد يقول قائل : أن هذا الحاكم المستبدل لشرع الله لم تقام عليه الحجة ؟
الجواب  : من وجهين :
الوجه الأول:-أن كفر الحاكم المستبدل لشرع الله ، الحاكم بالقانون الوضعي كفره كفر إعراض ، ولقد نفى الله جل وعلا الإيمان عمن تولي عن طاعة الله ورسوله،
قال تعالي {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور : 47]  
والحاكم يصرح دائما باحترام سيادة القانون وشرعية القانون والشرعية الدولية وليس عنده استعداد أن يسمع لمن يدعوه إلي تطبيق شرع الله ، بل الواقع يشهد أنه وجنده من المحاربين لشرع الله ،ولكل من تسول له نفسه أن يدعوا الناس إلي تطبيق حكم الله تعالي .
الوجه الثاني:-أن الذين يضعون هذه التشريعات إنما يضعونها عن علم وقصد ،بل إنهم ينظرون في الشريعة الإسلامية ويأخذون منها ما شاءوا مما يوافق أهوائهم
فمثلاً : القاضي الذي يحكم بين الناس في المحاكم تجده إما قد تخرج في كلية الشريعة والقانون أوفي كلية الحقوق وكلا الكليتين  يدرسون فيها العلوم الشرعية كعلم أصول الفقه ويدرسون فيه :الحكم التكليفي والحكم الوضعي ، والحاكم والمحكوم عليه – إلي غير ذلك .
فالقاضي عندما يحكم في قضية يحكم فيها بالقانون الوضعي الذي ارتضته الدولة مع علمه بالحكم في الكتاب والسنة ، وقل مثل ذلك في وكلاء النيابة .
توضيح وبيان  :-
لابد من التفريق بين أمرين حتى تضح المسألة :-
الأمر الأول :-  أن هناك بعض مظاهر الشرك والكفر تقع من بعض الناس أو الجماعات ، لا يكفرون بها ، إلا إذا توافرت في حقهم الشروط وانتفت الموانع ، فمن ذلك  مثلاً :
1- المسائل الخفية التي تخفي علي كثير من الناس من أمور الاعتقاد
مثال : اعتقاد أكثر الناس أن الله موجود  في كل مكان ،فهذا كفر لاشك فيه ، ولكن من اعتقد ذلك لا يكفر ،إلا بتوافر شروط وانتفاء موانع ،
يقول الإمام الشافعي ( من أنكر أن الله تعالي في السماء بعد علمه كفر)
2-تأويل بعض النصوص تأويلا خاطئاً ، كتأويل بعض الصحابة لقوله تعالي {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة : 93]
 فشرب بعض الصحابة الخمر متأولا أنه لا جناح عليه مع إيمانه وتقواه ولم يكونوا مستحلين لشربها لأن استحلال المحرمات كفر.
3- إنكار ماهر معلوم من الدين بالضرورة  بسبب كونه حديث عهد بالإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، أو نشأ في دار الحرب والكفر ،فمثل هذا لابد من إقامة الحجة عليه أولا  ، وقس علي ذلك بقية الأمور مثل ما وقع بين الفرق بعضها البعض وبين أهل السنة والجماعة وبين الفرق أيضا
الأمر الثاني :- أما الكفر البواح الظاهر فهذا لا يشترط فيه إقامة الحجة ،لأن الحجة في ذلك بالرسل ، وبإمكانية العلم ، أو مظنة توفر العلم .
أمثلة  :::--
الأول : الذين يستهزئون بالله ورسوله وبالدين والشرع فهل نقول لهم هذا الاستهزاء كفر وشرك وزندقة ، ولكنكم لا تكفرون حتى تقام عليكم الحجة ،قال تعالي {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة : 66]
ما قال أحد من أهل العلم أن الرسول صلي الله عليه وسلم توقف في كفر هؤلاء حتى تقام عليهم الحجة ، بل هم جاءوا معتذرين ولم يقبل الله منهم ولم يقبل النبي صلي الله عليه وسلم
الثاني : لو أن إنسانا سب الله تعالي وسب رسول الله صلي الله عليه وسلم فهل نقول هذا السب كفر ولكن الساب لايكفر إلا بعد إقامة الحجة .
الثالث : عندما تأتي امرأة وترد نصوص القرآن وتصرح إنها تعترض علي أن تكون شهادة الرجل باثنتين من النساء فهل نقول لها هذا كفر ولكن لا تكفرين حتى تقام عليك الحجة .
الرابع : الذين غلوا في علي بن أبي طالب فحرقهم بالنار هل نقول في حقهم أن غلوهم هذا كفر ولكنهم لا يكفرون حتى تقام عليهم الحجة ،وإن كان الأصل عند أهل السنة والجماعة استتابة المرتدين،ولكن هناك فرق في استتابتهم لكي يعودوا إلي الإسلام أو تضرب أعناقهم وبين  إن حكمهم هو الكفر.
الخامس : عندما يأتي البعض ويصرح بقوله إن هذه الشريعة لا تصلح للناس الآن لأنها غير مناسبة للواقع ، وإنما الذى يتناسب مع الناس الآن  القانون الوضعي ،فمثل هذا كفر واضح
السادس : عندما يأتي إنسان ويمزق المصحف ويلقيه علي الأرض ويطأه بقدمه النجسة – فهذا كافر كفر بواح ،والأمثلة علي ذلك كثيرة
فهناك إذن أنواع من الكفر لا يكفر بسببها الإنسان حتى تقام عليه الحجة وأنواع أخري يكفر الإنسان بمجرد  التلبس بها ،
لذلك - فرقنا بين  المشرع والحاكم  بالقانون الوضعي فكلاهما كافر بلاشك في ذلك ،وبين المتحاكمين ،فالمتحاكم قد يكون له عذر من جهل أو تأويل أو إكراه أو ضرورة إلي غير ذلك ، فالتحاكم كفر ولكن المتحاكم لا يكفر إلا بشروط وانتفاء موانع .

0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^