القول المفيد فى معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله "


 المقدمة

قال الله تعالى : ) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْملائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ُ( . [ آل عمران : 18 ] .
[1] كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " أعظم كلمة نطقت بها الألسن , وأقرت بها العقول , واطمأنت بها القلوب , كلمة شهد الله تعالى بها لنفسه الكريمة , فأقام الحجج والبراهين القاطعة التي تدل على توحيده واستحقاقه وحده للعبادة . فلا إله غيره , ولا معبود بحق سواه . 
وقد نوّع الله تعالى الأدلة الدالة على توحيده فمن ذلك :
أ – العهد والميثاق الأول الذي أخذه الله جل وعلا على جميع الخلق وهم في ظهور الأباء : ) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ( . [ الأعراف : 172 ] .
ب – الفطرة التي فطر الله تعالى جميع الخلق عليها : ) فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( . [ الروم : 29 ] .
جـ - ما بثه الله في الآفاق والأنفس من الدلائل الدالة على وحدانيته : ) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( . [ فصلت : 53 ] .
د – ومن أعظم دلائل التوحيد شاهد الحال المشهور والمعلوم لكل أحد بنصر أهل التوحيد على أهل الشرك .
[2] كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " شهدت بها الملائكة لله جل وعلا فأقروا وأعلنوا وانقادوا لله تعالى بما علموه من الوحدانية : ) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( . [ النحل : 50 ] .
[3] كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " كلمة شهد بها أهل العلم لله رب العالمين فالأنبياء والرسل عليهم السلام من أولهم إلى أخرهم قد اتفقوا على التوحيد ودعوا الخلق إلى ذلك , وبينوا للناس الطرق الموصلة إليه جل وعلا .
D ولا شك أن أشرف العلوم على الإطلاق – علم التوحيد – لأن الله تعالى استشهد به لنفسه , وأشهد عليه خواص خلقه , وإذا كان الإنسان لا يكون شاهداً بالحق إلا إذا كانت شهادته عن علم ويقين , وجب على كل مسلم أن يتعرف على معنى : كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " خاصة وأنّ الناس في مثل هذه العصور المتأخرة تجدهم – إلا من رحم الله – قد دان بمذهب المرجئة في التوحيد والإيمان , سواء بقصد أو بغير قصد , وكذلك : فإن الفهم الخاطئ لكلمة التوحيد ترتب عليه من المفاسد ما الله له عليم , فأصبح كثير من الناس يدين بالمذاهب الكفرية العصرية وهم يحسبون أنهم مسلمون طالماً أنهم يقولون " لا إله إلا الله " , وآخرون : أصبحوا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله , وهم يحسبون أنهم في عداد المسلمين لكونهم يقولون " لا إله إلا الله " , وآخرون : أصبحوا يحكمون ويتحاكمون إلى زبالة أفكار البشر من القوانين الوضعية , ومع ذلك يظنون أنفسهم مسلمين طالما أنهم يقولون " لا إله إلا الله " .
من أجل ذلك وغيره أصبح المسلمون أثراً بعد عين , وليس لهم دولة ولا كيان ولا شوكة ولا منعة , بل مباحوا الدم في كل مكان لتسلط الأعداء عليهم , وأصبحوا أذلة بعد أن كانوا أعزة , كل ذلك لأن الناس ابتعدوا عن حقيقة هذه الكلمة العظيمة " لا إله إلا الله " .
ولا عز ولا نصر ولا تمكين ولا أمن ولا أمان لمن ينتسبون إلى الإسلام إلا بعد أن يعودوا إلى التوحيد الحق ويتجمعوا حوله , فكلمة التوحيد دائماً وأبداً قبل توحيد الكلمة , فالناس لو تجمعوا على هذا التوحيد لنصرهم الله تعالى وأعزهم . ) وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( [ الحج : 40 ]  , ) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ( . [ المنافقون : 8 ] .
D ولما كنت من المحبين للتوحيد ونشره وتيسيره لإخواني المسلمين رأيت أن أكتب رسالة مختصرة في معنى كلمة التوحيد , وهي رسالة جامعة لأقوال العلماء في معنى هذه الكلمة المباركة وقد أشرت في هذه الرسالة إلى بعض مقتضيات ولوازم هذه الكلمة العظيمة – من استحقاق الرب جل وعلا للعبادة وحده لا شريك له , وأن الكفر بالطاغوت شرط في قبول هذه الكلمة , ولازم ذلك من الولاء والبراء , واثبات صفة الحكم لله وحده .
وكل ما ذكرته عن أهل العلم أحلت فيه إلى المراجع ليتسنى لمن أراد أن يرجع إليه. وكذلك كل ما ذكرته في هذه الرسالة من أحاديث فهي صحيحة أو حسنه , وقد ذكرت حكم العلماء على هذه الأحاديث .
وأسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصاً وأن ينفعني الله به , وأن ينفع به كل من قرأه أو اطلع عليه أو نشره أو أعان على نشره .

Curved Up Ribbon: مدخلالقول المفيد في معنى كلمة                                                   التوحيد ( لا إله إلا الله )


1- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده , وأجل منّة منَّ الله تعالى بها على خلقه , قال تعالى : ) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ( [ النحل : 53 ]  , وقال تعالى : ) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإِيمَانِ([ الحجرات : 17 ] .
2- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي أصل الدين وأساسه , وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها , متشعبة منها , مكملات لها , قال تعالى :)  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ( [ البقرة : 256 ]  , ( والعروة الوثقى : هي لا إله إلا الله ) .
3- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي التي أخذ الميثاق عليها رب العالمين من الناس أجمعين , قال تعالى ) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ( [ الأعراف : 172 ] . 
4- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي التي لأجلها خلق الله تعالى الإنس والجن , قال تعالى : ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُون ِ( [ الذاريات : 56 ]  , أي : إلا ليوحدون .
5- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي التي لأجلها أرسل الله تعالى جميع الرسل , قال تعالى :   )  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ( [ الأنبياء : 25 ]  , وقال تعالى : ) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّّّّ اللَّهَ ( [ فصلت : 14 ] .
6- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي التي لأجلها شرع الجهاد والقتال في سبيل الله , قال تعالى : ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه ِ ( [ البقرة : 193 ]  , وفي الصحيحين قال e : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللهU  ) .
7- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي التي يسأل الناس عنها يوم الحساب , قال تعالى :  )فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ([ الحجر : 92 / 93 ]  , وقال تعالى : ) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (  [ الأعراف : 6 ] , وقال تعالى : ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ( [ القصص : 65 ] .
D قال العلامة ابن القيم – رحمه الله– في زاد المعاد ( ج 1- ص 34 ) :
( وعنها يسأل الأولون والآخرون , فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين , ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟
فجواب الأولى : بتحقيق “ لا إله إلا الله “ معرفة وإقرارا , وعملا . وجواب الثانية : بتحقيق [ أن محمد رسول الله ] معرفة وإقرارا , وانقيادا , وطاعة ) . انتهى
8- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي القول الثابت , يثبت الله تعالى أهل هذه الكلمة في الدنيا والآخرة , روى البخاري عن البراء بن عازب t أن رسول الله  e قال : ( المسلم إذا سئل في القبر , شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , فذلك قوله) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ ( [ إبراهيم : 27 ] )  ورواه مسلم أيضا .
9- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي كلمة التقوى , قال تعالى : ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ( [ الفتح : 26 ] .
وروى الإمام عبد الله بن أحمد , والترمذي في سننه عن أُبيّ بن كعب t أنه سمع رسول الله  tيقول ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) قال “ لا إله إلا الله “ . ( الحديث صحيح ذكره الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ) .
10- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي الكلمة الطيبة , قال تعالى : ) ألم تر كيف ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ِ( [ إبراهيم : 24 ] .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره ( ج 4 – ص 282 ) :

( قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس tقوله[ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً ] : شهادة أن “ لا إله إلا الله “ , [ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ] :وهو المؤمن , [ أَصْلُهَا ثَابِت ٌ] يقول : [ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ في قلب المؤمن ] , [ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ] يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء ) .
وهكذا قال الضحاك ,  وسعيد بن جبير , وعكرمة , ومجاهد وغير واحد . انتهى
11- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي أحسن الحسنات , قال تعالى :  )مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا(  [ الأنعام : 160 ] .
روى الترمذي وأحمد في مسند والدارمي في سننه وابن ماجة في سننه ( قال أبو ذر : قلت يا رسول الله علمني عملا يقربني من الجنة ويباعدني عن النار , قال (( إذا عملت سيئة فاعمل حسنه , فإنها عشر أمثالها )) قلت يا رسول الله - لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ -  من الحسنات , قال : هي أحسن الحسنات ) . ( والحديث صحيح بمجموع طرقه ) .
12- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي كلمة الحق , قال تعالى : ) إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (
D قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره ( زاد المسير ) – ( ج 7- ص 334 ) :
( إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ) : وهو أن يشهد أن لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ , ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) : بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم . وهذا مذهب الأكثرين , ومنهم قتادة . انتهى
13-  كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي كلمة الصدق , قال تعالى :  ) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( [ الزمر : 33 ] .
D قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره ( زاد المسير ) ( ج 7 – ص182 ) :
( ثم في الصدق الذي جاء به قولان : أحدهما : ( أنه لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس , وبه قال سعيد بن جبير , والثاني : أنه القرآن , قاله قتاده ). انتهى
D فلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كلمة الصدق , وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها .
روى النسائي والترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال العبد لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه وقال : لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الله : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي وإذا قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد قال الله : لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال : لا إله إلا اله ولا حول ولا قوة إلا بي قال الله : لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلى بي ) . والحديث إسناده صحيح .
14-  كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي العاصمة في الدنيا والآخرة , أما في الدنيا : فلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ سبب في عصمة المال والدم , كما في الصحيح  ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأن محمداً رسول الله  ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللهU  ) .
وأما في الآخرة : كما في صحيح مسلم أن النبي e سمع مؤذناً يقول ( أشهد أن لا إله إلا الله ) فقال e : خرجت من النار ) .
15- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي الفارقة والفاصلة بين الإيمان والكفر , بين المؤمنين والكافرين , قال تعالى : )  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ([ الممتحنة : 4 ]  , وقال تعالى :) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ( [ التوبة : 11 ] .
16- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ أثقل شئ في الميزان . روى الترمذي والنسائي والإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله e : ( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول لا يا رب فيقول : أفلك عذر ؟ فيقول : لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول : أحضر وزنك فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفه والبطاقة في كفه فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء ). ( والحديث صحيح جامع الترمذي – الألباني – برقم 2639 , وكذلك في صحيح الأحاديث القدسية – للشيخ مصطفى العدوي – ص26, 27 ) .
17- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ هي الفاتحة , أي : سبب في فتح أبواب الجنة , كما روى مسلم عن عمر بن الخطاب t عن النبي  eقال : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) .
18- كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ المنجية والمخلصة من عذاب الله تعالى , كما ثبت في الصحيحين عن أنس t عن النبي e : يقول الله : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) .
وبعد :
D فليس غرضي من هذا المدخل عمل استقراء وتتبع لما ورد في فضل كلمة التوحيد وما ثبت في عظم شأنها , لأن هذا يطول , والثابت في هذه المسألة شئ كثير , ولكن غرضي الأساسي هو مجرد التنبيه والإشارة فقط إلى أهمية هذه الكلمة وما ورد في شأن الآثار المترتبة على الإتيان بها , لأن غالب الناس إلا من رحم الله تعالى ظن واعتقد أن هذا الفضل الثابت في حق المتلفظ بهذه الكلمة وإن لم يكن عالما بمعناها وإن لم يكن عاملاً بمقتضاها , وهذا محض الجهل بمعنى هذه الكلمة على وجه الخصوص , والجهل بمعنى الإيمان على وجه العموم .
 Dفإن هذه الكلمة لا إله إلا الله “ لأجلها خلق الله المخلوقات من سماوات وأرضيين , وجميع الخلق أجمعين , بل إن موكب الرسل الطويل منذ بداية البشرية إلى آخر رسول ما أُرسلوا إلاّ من أجل هذه الكلمة العظيمة .
فهل يظن ظان أن هذا الكم الكبير من الرسل إنما أُرسلوا من أجل كلمة يتلفظ بها الناس دون أن يكون لها معنى ؟
!وهل يظن ظان أن هؤلاء الرسل الكرام الذين تحملوا المتاعب والمشاق , وصبروا على أذى الناس , وظلوا يدعون الناس سراً وجهراً , ليلاً ونهاراً , من أجل كلمة يتلفظ بها الناس ؟
وهل يظن ظان أن الناس انقسموا في الدنيا والآخرة إلى مؤمنين وكافرين , سُعداء وأشقياء , من أجل مجرد التلفظ بهذه الكلمة ؟
!ثم هل يظن ظان أنّ الجنة أعدها الله تعالى لمن تلفظ بهذه الكلمة , دون أن يعرف معناها ويعمل بمقتضاها ؟
!وهل يُجاور الرحمن في جنته إلا من كان عالماً بربه تبارك وتعالى خاضعاً مستسلماً له ؟
بل إنّ هذه الكلمة هي منهج حياة . إنّ  “ لا إله إلا الله “ تقتضي صياغة الحياة كلها وفق شريعة الله U .
D إنّ “ لا إله إلا الله “ تقتضي ألاّ يتوجه العبد – بصلاته أو زكاته أو نسكه إلى غير الله جل وعلا , قال تعالى : )  قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ( [ الأنعام : 162 – 163 ] .
!وبالتالي فمن قال “ لا إله إلا الله “ثم دعا نبياً من الأنبياء أو صالحاً من الصالحين , أو ولياً من الأولياء , أو استغاث بهم , ونحو ذلك  - فقد نقض تلفظه بهذه الكلمة الطيبة .
Dإنّ “ لا إله إلا الله “ تقتضي صياغة نظم الحكم وفق شريعة الرب جل وعلا , فلا نؤخذ الأحكام والتشريعات والنظم من غير كتاب الله والسنة المطهرة , ومن فعل غير ذلك فقد نقض تلفظه بهذه الكلمة العظيمة .
Dإنّ “ لا إله إلا الله “ تقضي أن التحليل والتحريم ملك لله وحده , فهو جل وعلا وحده : يُحل ما شاء ويُحرم ما شاء , ويُشرع من الدين ما شاء , فالباطل ما أبطله الله جل وعلا , والصالح ما أصلحه الله جل وعلا. لذلك كان الحكم بما أنزل الله تعالى جزء من كلمة التوحيد” لا إله إلا الله “
 Dمن أجل ذلك وغيره رأيت أن أتعرض لمعنى هذه الكلمة العظيمة “ لا إله إلا الله “ في سطور قليلة , نصيحة لنفسي وأهل بيتي ولجميع المسلمين , وذلك من خلال ما سطره العلماء العاملين في معنى هذه الكلمة العظيمة .

    
والله تعالى الموفق
فصل


من أصول أهل السنة الثابتة عندهم سلفاً وخلفاً , الجمع بين أطراف الأدلة في المسالة الواحدة بحيث تصير شيئاً واحداً , وذلك في جميع المسائل سواء ما يتعلق بأصول الدين أو فروعه , بخلاف ما عليه أهل البدع  سلفاً وخلفاً , أنهم غالباً وفي كل المسائل يأخذون بطرف واحد من الأدلة .
D فالخوارجمثلا : أخذوا بآيات وأحاديث الوعيد مع إهمالهم لآيات وأحاديث الوعد .
D والمرجئة  : على النقيض من ذلك , فتجدهم أخذوا بآيات وأحاديث الوعد مع تركهم لآيات وأحاديث الوعيد .
 D فهدى الله تعالى أهل السنة إلى الوسطية , فأخذوا بجميع الأدلة مع الجمع بين أطراف هذه الأدلة , وبذلك هداهم الله تعالى إلى الحق الذي ضل فيه غيرهم من أهل البدع . 
! وهذه المسألة التي نحن بصددها , ضلت فيها المرجئة ضلالاً بعيداً , وكذلك كل من سار على طريقتهم في هذه المسألة من المعاصرين من العلماء وطلبة العلم .
! فذهبوا إلى ظواهر بعض الأحاديث الواردة في فضل الشهادتين , أن الإنسان الذي يتلفظ بالشهادتين يُحكم له بالإسلام , ولا يخرج منه إلا بالجحود والاستحلال , وبالتالي فهو من أهل الجنة حتى وإن كان تاركاً للفرائض , مرتكباً للكبائر , لأن العمل عندهم إما شرط في الكمال , فالإيمان موجود بدونه , أو أن العمل خارج عن مسمى الإيمان , وبالتالي فهموا بعض الأحاديث الواردة في فضل الشهادتين أن مجرد التصديق والإقرار القلبي , وكذلك الإذعان القلبي مع النطق بالشهادتين كافٍ في نجاة العبد يوم القيامة من الخلود من النار , ولو أنهم جمعوا بين أطراف الأدلة لوصلوا إلى الحق والصواب .
أصول لا بد من ذكرها :
وقبل أن نذكر مذهب أهل السنة في الجمع بين أطراف الأدلة الثابتة في الشهادتين , نذكر بعض الأصول المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة , من شأنها إظهار الحق في أحسن وأوضح صورة .
القاعدة الأولى : وهي مُجمع عليها عند أهل السنة والجماعة : أن الإيمان قول وعمل واعتقاد .
 ! وهذا الأصل يقتضي بالضرورة أن الالتزام بالعمل شرط لدخول الجنة والنجاة من الخلود النار , وذلك أنه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الجنة لا يدخلها إلاّ نفس المؤمن .
القاعدة الثانية : عدم تحقق الإيمان بمجرد الإقرار بالشهادتين.
بمعنى أنه لا وجود للإيمان الصحيح إلاّ بالالتزام بمقتضى هذا الإقرار ظاهراً وباطناً , وبالتالي من لم يلتزم بالعمل لم يكن حقق الإيمان , فلا يكون من أهل الجنة .
القاعدة الثالثة : من قال بدخول الجنة لمن أقرّ بالشهادتين ولم يلتزم العمل الظاهر – مع عدم العذر – يلزمه إخراج العمل من مسمى الإيمان . ومن قال بذلك , كان موافقاً للمرجئة في هذه المسألة . ( وهذا هو الفرق بين أهل السنة والمرجئة ) .
! يقول سفيان بن عُيينة – رحمه الله - : إن أهل السنة يقولون : أن الإيمان قول وعمل , وأن دخول الحنة لا يكون إلاّ بالعمل مع القول . وأما المرجئة : فيُوجِِِبُون الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض .
القاعدة الرابعة : استفاض عند أهل السنة اشتراط العمل لدخول الجنة , وأن تارك جنس العمل كافر , لأنه بذلك يكون تاركاً لتوحيد الألوهية الذي هو التوحيد العملى  
القاعدة الخامسة : الكفر عند أهل السنة قد يكون بالأقوال أو الأفعال الظاهرة , دون اشتراط الاستحلال , بل أهل السنة يفرقون بين ما هو كفرٌ لذاته -  فلا يشترط الاستحلال في ذلك -  وبين ما هو معصية يشترط في التكفير بها استحلالها .



  أقسام الناس فى زمن السلف

! لم يكن الإقرار بالشهادتين , وترك العمل بشرائع الإسلام أمراً معروفاً ولا معهوداً في الصحابة , ولهذا  لم يجد المنافقون بُداً من إظهار العمل والتدين به . وقد كان الناس على زمن النبوة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : 
1-    مؤمن مظهر للإسلام مبطن للإسلام والإيمان .
2-    كافر مظهر للكفر مبطن للكفر .
3-    منافق مظهر للإسلام مبطن للكفر .
! ولوفهم المنافقون ما فهمه المرجئة لتركوا العمل , ولكنّ المنافقين كانوا أفهم للإسلام من المرجئة , وإن كان المنافقون شر من المرجئة بلا شك .
فما هي طريقة أهل السنة في الجمع بين أطراف الأدلة ؟
! كثير من العلماء تعرض لهذه المسألة سلفاً وخلفاً  , فنجد الإمام ابن عبد البر توسع في هذه المسألة في كتابه ( التمهيد ) وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية كما في( مجموع الفتوى ) وكذلك ابن القيم في كتابه ( مدارج السالكين ) وكذلكالحافظ ابن رجب في رسالته ( تحقيق كلمة الإخلاص ) , وغيرهم .
وسوف نكتفي بذكر ملخص ما ذكره  الحافظ ابن رجب – رحمه الله – مع ذكر الراجح الذي رجحه ابن القيم رحمه الله .
! بعد أن ذكر الحافظ ابن رجب – رحمه الله – عدة الأحاديث في فضل الشهادتين , قال : وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة يطول ذكرها وأحاديث هذا الباب نوعان :
أحدهما : ما فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة , ولم يُحجب عنها , وهذا ظاهر , فإن النار لا يُخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص , وقد يدخل الجنة ولا يُحجب عنها إذا طهُر من ذنوبه بالنار .
وحديث أبي ذر معناه : أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد , وهذا حق لا مرية فيه , وليس فيه أنه لا يُعذب عليهما مع التوحيد .
وفي مسند البزار عن أبي هريرة tمرفوعاً : ( من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يُصيبه قبل ذلك ما أصابه ) , ( الحديث : رجاله ثقات ورجح الدار قطني الوقف )وصححه الالبانى فى صحيح الجامع الصغير 
 ! ورجح محقق رسالة  ابن رجب الرفع , حيث قال : والذي يظهر لي أن رفعه أصح كما قال البزار , والله تعالى أعلم .
والثاني : ما فيه أنه يحرم على النار , وقد حمله بعضهم على الخلود فيها , أو على ما يخلد فيها أهلها , وهي ماعدا الدرك الأعلى , فإن الدرك الأعلى يدخله كثير من الموحدين من عصاتهم بذنوبهم , ثم يخرجون بشافعة الشافعين , وبرحمة أرحم الراحمين .
! وفي الصحيحين أن الله تعالى يقول ( وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال “ لا إله إلا الله “ . هذا لفظ مسلم من حديث أنس بن مالك t .
وقالت طائفة من العلماء : المراد من هذه الأحاديث أن “ لا إله إلا الله “ سبب في دخول الجنة والنجاة من النار ومقتضٍ لذلك , ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه , فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه , أو لوجود مانع , وهذا قول الحسن ووهب بن منبه – وهو الأظهر .
! وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته :  ( ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة ) .
قال الحسن : نعم العدة , لكن “ لا إله إلا الله “ لها شروط , فإياك وقذف المحصنات ) . ( هذا الأثر إسناده حسن – ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ( ج 4 – ص 584 ) .
! وقيل للحسن ( إن ناساً يقولون : من قال “ لا إله إلا الله “  دخل الجنة , فقال : من قال “ لا إله إلا الله “ فأدى حقها و فرضها دخل الجنة ) .
! وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس مفتاح الجنة” لا إله إلا الله “ ؟ قال : بلى , ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان , فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لم يُفتح لك ). ( الأثر –  ذكره البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة التمريض ) .
! قال الحافظ ابن رجب : ( ويدل على هذا كون النبي e  رتّب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص , كما في الصحيحين أن رجلاً قال : يا رسول الله , أخبرني بعمل يدخلني الجنة , قالe  : ( تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتُقيم الصلاة , وتُوتي الزكاة وتصل الرحم ) .
! وعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن أعرابيا أتى النبيe   فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال : ( تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان  قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم  من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )  رواه البخاري ومسلم .
! وقال الحافظ بن رجب تعليقاً على حديث النبي e : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ........................ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) , على أن الأخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد , فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد .
 ! ولما قرر أبو بكر t هذا للصحابة رجعوا إلي قوله ورأوه صواباً , فإذا عُلم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً , بل يُعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام , فكذلك عقوبة الآخرة .
1-  وقد ذهب طائفة أن هذه الأحاديث المذكورة أولاً وما في معناها كانت قبل نزول الفرائض والحدود , ومنهم الزهري والثوري , وغيرهما .
! وهذا بعيد جداً , فإن كثيراً منها كانت بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود , وفي بعضها كان في غزوة تبوك , وهي آخر حياة النبي e .
2-  وهؤلاء منهم من يقول : هذه الأحاديث منسوخة , ومنهم من يقول : هي مُحكمة , ولكن ضُم إليها شرائط , ويلتفت هذا إلى أن الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا ؟  والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور , وقد صرح الثوريوغيره بأنها منسوخة , وأنه نُسختها الفرائض والحدود , وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح , فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيراً , ويكون مرادهم أن آيات الفرائض والحدود تبين بها توقف دخول الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض واجتناب المحارم , فصارت تلك النصوص منسوخة , أي : مبينة مفسرة , ونصوص الحدود والفرائض ناسخة , أي : مفسرة لمعنى تلك موضحة لها .
3-  وقالت طائفة : تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة في أحاديث أًُخر , ففي بعضها (من قال لا إله إلا الله مخلصاً ) , وفي بعضها ( مستيقناً ) , وفي بعضها : ( مصدقاً بها قلبه ولسانه ) , وفي بعضها ( يقولها حقاً من قلبه ) ....................
D وهذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين , فتحققه بمعنى شهادة أن لا إله إلا الله , أن لا يأله قلبه غير الله حباً ورجاء , وخوفاً وطمعاً , وتوكلاً و, واستعانة , وخضوعاً , وإنابة , وطلباً , وتحققه بأن محمداً رسول الله , ألاّ يُعبد الله بغير ما شرعه على لسان نبيه محمد  e , وهذا المعنى جاء مرفوعاً إلى النبي  eأنه قال : ( من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل ما إخلاصها يا رسول الله قال أن تحجزك عما حرم الله عليك ) . وهذا يُروى من حديث أنس بن مالك , وزيد بن أرقم , ولكن إسنادهما لا يصح , وجاء أيضاً من مراسل الحسن نحوه .
ولكن محقق رسالة الحافظ ابن رجب, صحح إسناد هذا الحديث .
( ولكن قال الشيخ الألباني – ضعيف – برقم 21 – كتاب العلم ) .
D قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - :
( وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه , أن قول العبد “ لا إله إلا الله “ , يقتضي أن لا إله له غير الله ,والإله : هو الذي يُطاع فلا يُعصى هيبة له وإجلالاً , ومحبةً وخوفاً ورجاءً , وتوكلاً عليه , وسؤلاً ودعاءً له , ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل , فمن أشرك مخلوق في شئ من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول “ لا إله إلا الله “ ونقصاً في توحيده , وكان  فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك ..................... ) . ( انتهى  - تحقيق كلمة الإخلاص – ص 13-30 ) 
ترجيح العلامة ابن القيم حول هذه المسألة    
 ترجيح العلامة ابن القيم لهذه المسألة
D يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ( مدارج السالكين ) :
( ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه : لا خالق إلا الله , وأن الله رب كل شئ ومليكه , كما كان عُبّاد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون , بل التوحيد يتضمن من محبة الله , والخضوع له , والذل له , وكمال الانقياد لطاعته , وإخلاص العبادة له , وارادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال , والمنع والعطاء , والحب والبغض , ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها , ومن عرف هذا عرف قول النبي  e : ( إن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) . رواه مسلم , وقوله ( لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله ) رواه مسلم .وما جاء على هذا الضرب من الأحاديث , التي أشكلت على كثير من الناس , حتى ظنها بعضهم منسوخة , وظنها بعضهم قيلت قبل ورود الأوامر والنواهي واستقرار الشرع , وحملها بعضهم عل نار المشركين والكفار , وأوّلَ بعضهم الدخول بالخلود , وقال : المعنى لا يدخلها خالداً , ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة .
D فإن الشارع  صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلاً بمجرد قول اللسان فقط , فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام , لأن المنافقين يقولونها بألسنتهم وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار .

بل لا بد من قول القلب واللسان . وقول القلب : يتضمن من معرفتها والتصديق بها , ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي والإثبات , ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله , المختصة به , التي يستحيل ثبوتها لغيره , وقيام هذا المعنى بالقلب علماً ومعرفة ويقيناً وحالاً : ما يُوجب قائلها على النار .
D وتأمل حديث البطاقة التي تُوضع في كفة , ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً , كل سجل منها مد البصر , فتثقل البطاقة وتطيش السجلات , فلا يُعذب صاحبها . ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة , ولكن السر الذي ثقّل بطاقة ذلك الرجل هو أنه حصل له ما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات .
D وتأمل أيضاً ما قد قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية , فجعل ينوء بصدره , ويعالج سكرات الموت , لأن ذلك كان أمراً أخر , وإيماناً أخر , ولذلك ألحق بأهل القرية الصالحة , وقريب من هذا ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش , يأكل الثرى – فقام بقلبها ذلك الوقت – مع عدم الألهة , وعدم المعين , وعدم من ترائيه بعملها : وملء الماء في خفها , ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقى من البئر , ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاءً ولا شُكوراً , فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء فغفر لها ) . انتهى ( نقلا من كتاب الولاء والبراء ص46- 47 ).
D نخلص من هذا إلى القول بأن كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ ليست مجرد كلمة تقال باللسان , بل إن هذه الكلمة لا تُنجي صاحبها من الكفر في الدنيا , ولا من النجاة من النار في الآخرة , إلا إذا علم الإنسان معناها وعمل بمقتضاها .
 D ونختم الحديث حول هذه المسألة بكلام نفيس للعلامة الشوكاني , قال رحمه الله كما في ( الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني ) : (( قلت : لا شك أن من قال لا إله إلا الله , ولم يتبين من أفعاله ما يخالف معنى التوحيد فهو مسلم محقون الدم والمال , إذا جاء بأركان الإسلام المذكورة في حديث ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله , ويقيموا الصلاة , ويُؤتوا الزكاة , ويحجوا البيت , ويصوموا رمضان ) . الحديث في الصحيحين وله طرق .
D وهكذا من قال : “ لا إله إلا الله “ متشهداً بها شهادة الإسلام , ولم يكن قد مضى عليه من الوقت ما يجب فيه شئ من أركان الإسلام , فالواجب حمله على الإسلام , عملاً بما أقرّ به لسانه , وأخبر به من أراد قتاله , ولهذا قال e لأسامة بن زيد ما قال .
D وأما من تكلم بكلمة التوحيد , وفعل أفعالاً تُخالف التوحيد , كاعتقاد هؤلاء المعتقدين في الأموات , فلا ريب أنه قد تبين من حالهم خلاف ما حكته ألسنتهم من إقرارهم بالتوحيد .
D ولو كان مجرد التكلم بكلمة التوحيد مُوجباً للدخول في الإسلام , والخروج من الكفر , سواء فعل المتكلم بها ما يطابق التوحيد أو يُخالفه لكانت نافعة لليهود , مع أنهم يقولون : عزير بن الله , وللنصارى مع أنهم يقولون : المسيح بن الله , وللمنافقين مع أنهم يكذبون بالدين , ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم , وجميع هذه الطوائف الثلاث يتكلمون بكلمة التوحيد , بل لم تنفع الخوارج , فإنهم من أكمل الناس توحيداً , وأكثرهم عبادةً , وهم كلاب النار )) . انتهى ( ج 1 – ص 347 – 350 ) .

فصل


معنى كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )      معنى كلمة لا إله إلا الله   
   
مقدمات أساسية :
قبل الحديث عن معنى ( لإله إلا الله ) لا بد من الإشارة إلى بعض المقدمات الأساسية التي تعين  على فهم المعنى الصحيح لكلمة التوحيد .
المقدمة الأولى : أنواع الأحاديث الواردة في الشهادتين :
D الأحاديث الواردة في الشهادتين غالباً ما تكون على ضربين :
الأول : أحاديث تأتى بلفظ ( الشهادة ) .
الثاني : أحاديث تأتي بلفظ ( القول ) .
D الأحاديث الواردة بلفظ الشهادة
1-  في الصحيحين - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن e قال : ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء ) .  رواه البخاري واللفظ له ومسلم  وفي رواية لمسلم والترمذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار )
2-  روى مسلم عن أبي هريرة tأن رسول الله e قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ) .
D الأحاديث الواردة بلفظ القول :
1-  عن جابرt  قال : قال رسول اللهe  : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ثم قرأ [ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر ٍ] ) . ( أخرجه مسلم والترمذي والحاكم وأحمد ) .
2-  عن أبي مالك عن أبيه قال : سمعت رسول الله e يقول : (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل ) . رواه مسلم     
المقدمة الثانية : في معنى ( الشهادة , والقول ) :
D لأنه بالوقوف على معنى ( الشهادة ) , ومعنى ( القول ) نصل إلى المعنى الصحيح لكلمة التوحيد .
أولا : معنى الشهادة :
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره ( ج 4 – ص 42 ) :
( شهد الله ) أي : بيّن وأعلم , كما يقال : شهد فلان عند القاضي , إذا بيّن وأعلم لمن الحق ) . انتهى
وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في تفسيره ( ج 1 – ص325 ) :
( قوله ( شهد الله ) أي : بيّن وأعلم – قال الزجاج : الشاهد هو : الذي يعلم الشيء ويبينه , فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبيّن ) . انتهى
وقال العلامة بن القيم – رحمه الله – في الرسالة التبوكية ( ص31) :
( الشاهد : هو المخبر , فإن أخبر بحق فهو شاهد عدل مقبول , وإن أخبر بباطل فهو شاهد زور ) . انتهى
D ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في القول المفيد ( ج 1 – ص 51 /52 ) :
( قوله : ( من شهد أن لا إله إلا الله ) الشهادة لا تكون إلا عن علم سابق , قال تعالى : ) إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون َ( [ الزخرف : 86 ]  , وهذا العلم قد يكون مكتسباً وقد يكون غريزياً . فالعلم أنه لا إله إلا الله غريزي , - قال e : ( كل مولود يولد على الفطرة ) رواه البخاري ومسلم .
وقد يكون مكتسباً وذلك بتدبر آيات الله , والتفكر فيها , ولا بد أن يوجد العلم بلا إله إلا الله ثم الشهادة بها ) . انتهى
أركان الشهادة :
 D قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في القول المفيد ( ج 1 -  ص 55 ) :
 ( والشهادة : هي الاعتراف باللسان , والاعتقاد بالقلب , والتصديق بالجوارح , ولهذا قال المنافقون للرسول e ( نشهد إنك لرسول الله ) وهذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات : ( الشهادة , وإن , واللام ) , وكذّبهم الله تعالى بقوله : ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون َ( [ المنافقون : 1 ] .
فلم ينفعهم هذا الإقرار باللسان , لأنه خالٍ من الاعتقاد بالقلب , وخالٍ من التصديق بالعمل , فلم ينفع , فلا تتحقق الشهادة إلا بعقيدةٍ  في القلب , واعتراف باللسان , وتصديق بالعمل ) . انتهى
والخلاصة : أن الشهادة يراد بها : العلم , والبيان , وأركانها ثلاثة : اعتقاد بالقلب , وقول باللسان , وعمل بالجوارح .
إذن : شهادة أن لا إله إلا الله , لا تكون شهادة نافعة مقبولة إلا إذا كانت على علم ويقين وصدق , وأما مع الجهل والشك فلا تعتبر ولا تنفع صاحبها , فيكون الشاهد الجاهل كاذباً لأجل جهله بمعنى الذي شهد به .
ثانياً : معنى القول :
القول يطلق ويراد به أكثر من معنى , فمن ذلك :
Dالمعنى الأول للقول : العلم والاعتقاد بما يقول الإنسان :
قال في لسان العرب : معنى : قول – فأما تجوزهم في تسمي الاعتقادات والآراء قولاً , فلأن الاعتقاد يخفى فلا يُعرف إلا بالقول , أو بما يقوم مقام القول من شاهد الحال , فلما كانت لا تظهر إلا في القول , سميت قولاً , إذ كانت سبباً له , وكان القول دليلاً عليها , كما يسمى الشيء باسم غيره إذا كان ملابساً له القول , وكان القول دليلاً عليه .
قال شمر : تقول ( قوّلني ) فلان , حتى قلت : أي : علمني وأمرني أن أقول . قال : قولتني وأقولتني , أي : علمتني ما أقول وأنطقتني وحملتني على القول .
Dوفي حديث سعيد بن المسيب حين قيل له : ما تقول في عثمان وعلي , فقال : أقول فيهما ما قوّلني الله تعالى , ثم قرأ قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِْيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( [ الحشر : 19 ] .
D إذن فالقول يطلق ويراد به العلم بما يقول الإنسان ويعتقده , ومن هنا سميت كتب الفرق وما فيها من معتقدات ( كتب المقالات ) . فيقال : قول الخوارج في الإيمان كذا , أي : معتقد الخوارج , وقول المرجئة في الإيمان كذا , أي : معتقد المرجئة , وكذلك يقال : قول أهل السنة في الإيمان كذا , أي معتقدهم.
Dقال الشيخ صالح الفوزان في تعليقه على العقيدة الطحاوية  ( ص28 ) : ( نقول في توحيد الله ) نقول , أي : نعتقد في توحيد الله تعالى ) . انتهى
المعنى الثاني من معاني القول : يراد به : الفعل والعمل .
والشاهد على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عمار بن ياسرt  قال :( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا , ثم ضرب بيده على الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين , وظاهر كفيه ووجهه ) .
D والشاهد من الحديث : قوله ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ) , أي تعمل وتفعل مثل فعلي هذا , فهذا دليل واضح على أن القول يراد به الفعل والعمل .
Dويستفاد من ذلك : أن قول لا إله إلا الله , يعني : العلم بأنه لا إله إلا الله , والاعتقاد بأنه لا إله إلا الله .
المقدمة الثالثة : في معنى ( الإله ) و ( الله )
أولا : معنى ( الإله ) :
Dأهمية التعرف على معنى ( الإله ) : 
قال الشيخ عبد الرحيم السلمي , في كتابه ( حقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين ) – ( ص 349 ) : ( قال : يعتبر تحرير معنى ( الإله ) في غاية الأهمية , ذلك لأن التوحيد هو : التأله لله عز وجل , والشرك : اتخاذ غير الله إلهاً , فإذا عُرف مفهوم الإله عُرف بالتالي مفهوم التوحيد , ومفهوم الشرك , كما أن ( الإله ) هو أساس كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ إذ أن بقية أجزاء هذه الكلمة معروفة ) . انتهى
معنى ( الإله ) في اللغة :
Dقال الزمخشري : ( الإله ) من أسماء الأجناس , كالرجل والفرس , يقع على كل معبود بحق أو بباطل , ثم غلب على المعبود بحق ) . انتهى ( فتح المجيد -  ص 49 )
Dوقال الزجاج في كتابه : ( اشتقاق أسماء الله ) – ( ص 24 ) : ( إله ) فعال , بمعنى : مفعول , كأنه : مألوه – أي : معبود مستحق للعبادة , يعبده الخلق ويؤلهونه ) . انتهى


معنى ( الإله ) في الاستعمال الشرعي     



( الإله ) : هو المعبود , قال تعالى : ) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ٌ (, وهذا المعنى ثابت بالكتاب والسنة وأقوال الأئمة .
أولا : الكتاب العزيز :
D قال تعالى :  )وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً ( [ يس : 22 ]
D قال تعالى :)  أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ ( [ الزخرف : 45 ] .
D قال تعالى :)  وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ( [ المائدة : 116 ] .
فهذه الآيات وغيرها كثير تدل على أن معنى ( الإله ) هو المعبود .
ثانياً : السنة :
1-  ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب في قصة سؤال جبريل للرسول e أنه قال : (  أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) الحديث , وفي رواية البخاري من حديث أبي هريرة( قال : ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ) الحديث
D قال الحافظ بن حجر في الفتح ( ج 1 – ص 119 ) : ( ولما عبر بالعبادة احتاج إلى أن يوضحها بقوله : ( ولا تشرك به شيئاً ) ولم يحتج إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك ) . انتهى
D وهذا الحديث وغيره مما جاء في معناه , يدل على أن الإنسان لا يكون مسلماً إلا إذا عبدَ الله وحده لا شريك له مع اجتناب للشرك . وفي هذا رد على المرجئة وغلاتهم الذين جعلوا الإيمان مجرد القول , أو مجرد المعرفة والتصديق والقول .
D وفي هذا الحديث أيضاً رد واضح على الذين يقولون بأن تارك جنس العمل ليس كافراً . وإلا فتارك جنس العمل – أي : جميع الأعمال – لا يمكن أن يكون عابداً لله تعالى .
2-  وفي الصحيحين من حديث بن عباس في قصة وفد عبد القيس –  وفيه : ( آمركم بالإيمان بالله وحده , قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) . الحديث , وفي رواية لمسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة : ( آمركم بأربع : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) . الحديث
3-  ثبت في البخاري ومسلم من حديث بن عمر عن النبي e : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده  ورسول ) . الحديث , وفي رواية مسلم : ( بني الإسلام على خمس : على أن يُعبد الله ويُكفر بما دونه ) . الحديث
D والجمع : أن رواية بن عمر الثانية تفسير للرواية الأولى .
4-  في الصحيحين من حديث معاذ : ( ............. فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) . الحديث , وفي رواية عند مسلم : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه : عبادة الله عز وجل ) .
D والجمع بين الروايتين واضح : فالرواية الثانية تفسير للأولى
ثالثاً : أقوال أهل العلم في معنى ( الإله )
D وأقوال أهل العلم في معنى ( الإله ) كثيرة فنقتصر على ذكر بعضها , لأنها جميعاً ترجع إلى معنى واحد .
1- قال شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله - :
( الإله : هو المعبود المطاع , فإن الإله هو المألوه , والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد , وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب , المخضوع له غاية الخضوع ) . انتهى
2- قال العلامة بن القيم – رحمه الله - :
( الإله : هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة وإكراماً وتعظيما وذلا , وخضوعا , وخوفا ورجاءً وتوكلاً ) . انتهى 
3- قال الحافظ بن حجر – رحمه الله - :
( الإله : هو الذي يُطاع فلا يُعصى , هيبة ً له وإجلالاً ومحبةً , وخوفاً ورجاءً , وتوكلاً عليه , وسؤلاً منه , ودعاءً له , ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل , فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية , كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول “ لا إله إلا الله “ , وكان فيه من عبودية المخلوق بحب ما فيه من ذلك ) . انتهى  ( وهذه الأقوال الثلاثة السابقة من فتح المجيد ص 49 : 52 -  باختصار ) .
4- قال الشيخ سُليمان بن عبد الله في ( تيسير العزيز الحميد ) – ( ص 76 – 77 ) :
( وهذا كثير في كلام العلماء , واجماع منهم – أن (الإله ) هو : المعبود خلافاً لما يعتقده عبّاد القبور , وجهلة المتكلمين – من أن معناه : هو الخالق , والقادر على الاختراع , ونحو ذلك . ويظنون أنهم إذا قالوها فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى , ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله , كدعوة الأموات , والاستغاثة بهم في الكُربات والنذر لهم في الملمات – إلى غير ذلك – من أنواع العبادات , وما شعروا أن مشركي العرب وغيرهم يشاركونهم في الإقرار بهذا المعنى , ويعتقدون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع , كما قل تعالى : ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ( [ الزخرف : 87 ] .  انتهى
5- قال الإمام صديق حسن خان في ( الدين الخالص ) ( ج 1 – ص 190 ) :
( واعلم أن معنى ( الإله ) : هو المعبود , هذا تفسير هذه اللفظة المباركة بإجماع أهل العلم , سلفاً وخلفاً .
ومعناها : أن من عبد شيئاً فقد أتخذه إلهاً من دون الله ) . انتهى
وقال أيضاً في نفس المصدر ( ج 1 – ص 59 ) : ( والإله : هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة , وليس هو الإله بمعنى القادر على الخلق ) . انتهى
6- قال الشيخ صالح الفوزان – في معنى ( الإله ) :
( الإله : معناه المألوه بالعبادة , وهو الذي تألهه القلوب وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضر ) . انتهى  ( مجموعة رسائل في التوحيد – ص 108 ) .
فائدة
في الرد على من فسر الإله بمعنى : القادر على الاختراع , ونحو هذه العبارة

D قال في تيسير العزيز الحميد :
( والرد على من فسر الإله بمعنى القادر على الاختراع , ونحو هذه العبارة :
قيل : الجواب من وجهين :
أحدهما : أن هذا القول مبتدع , لا يُعرف أحدٌ قاله من العلماء , ولا من أئمة اللغة , وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا , كما تقدم فيكون هذا القول باطلاً .
الثاني : على تقدير تسليمه , فهوتفسير باللازم للإله الحق , فإن اللازم أن يكون خالفاً , قادراً على الاختراع , ومتى لم يكن كذلك فليس بإله حق , وإن سُمي إلهاً , وليس مراده أنّ من عرف أن الإله هو القادر على الاختراع فقد دخل في الإسلام , وأتى بتحقيق المرام من مفتاح دار السلام , فإن هذا لا يقوله أحدٌ , لأنه يستلزم أن يكون كفار العرب مسلمين . ولوا قُدّر أن بعض المتأخرين أراد ذلك فهو مخطئ يُردُ عليه بالدلائل السمعية والعقلية ) . انتهى ( مجموعة رسائل في التوحيد – ص82 ) .


فائدة
 




D في الجمع بين قوله تعالى : )  فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ( [ هود : 101 ] , وبين قوله تعالى حكايةً عن المشركين : ) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ( [ ص : 5 ] .
قال الشيخ بن عثيمين – رحمه الله – في القول المفيد ( ج 1 –  ص 52 :53 ) :
( وجه الجمع : أما قوله : )  فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ  ([ هود : 101 ]  , فهذا التأله باطل , لأنه بغير حق , فهو منفي شرعاً , وإذا انتفى شرعاً فهو كالمنتفي وقوعاً , فلا قرار . ) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ( [ إبراهيم : 26 ] .
D  وبهذا يحصل الجمع بين قوله تعالى :  )فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ( [ هود : 101 ] , وقوله تعالى : )  أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ( [ ص : 5 ] .
فهذه الآلهة مجرد أسماء لا معاني لها ولا حقيقة , إذ هي باطلة شرعاً لا تستحق أن تسمى آلهة , لأنها لاتنفع ولا تضر , ولا تخلق ولا ترزق , كما قال تعالى :  ) إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ( [ النجم : 23 ] . انتهى
ثانياً : معنى ( الله )
D قال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي في كتابه : ( عقيدة المسلمين ) :
( الله : هو الإله الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة وتوكلاً ومحبة وتعظيماً وإجلالا واشتياقا وطمعاً , وخوفاً , ورجاءً وعاءً وإنابة ً ) . انتهى ( ج 1 – ص87 )
وقال أيضاً ( الله ) : هو أكثر أسماء الله تعالى ذكراً في القرآن , فقد ذكر في ( 2621 ) موضعاً , و ( الله ) : علم على الذات المقدسة , وهو اسم لم يتسم به غيره تعالى . انتهى ( ج1 – ص93 ) .


الله : اسم الله الأعظم  



D ذهب إلى ذلك جمع من العلماء , ورجحوا ذلك لعدة أسباب :
الأول : أن هذا الاسم ما أُطلق على غير الله , فإن العرب كانوا يسمون الأوثان آلهة , إلا هذا الاسم , فإنهم ما كانوا يُطلقونه على غير الله تعالى , والدليل قوله تعالى : ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ([ العنكبوت : 61 ]  . فكلمة ( الله ) تعني عندهم خالق السموات والأرض .
D وما سُمي أحد على وجه الأرض بهذا الاسم حتى ولا آلهة المشركين التي زُعمت من دون من دون الله , لم تُسم بهذا الاسم أبداً , قال تعالى : ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ([ مريم : 65 ] , يعني هل هناك من يُسمى بهذا الاسم ؟
الثاني : أن هذا الاسم هو الأصل في أسماء الله سبحانه وتعالى , بينما سائر الأسماء : الرحمن , الرحيم , الملك , القدوس , ................
وجميع الأسماء مضافة إليه . قال تعالى : ) وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون(  َ [ الأعراف : 180 ] .
) D وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( : أي أن الأسماء الحسنى أُضيفت إلى الله سبحانه وتعالى . ( الرحمن . الرحيم . الملك . القدوس ), كلها من أسماء الله تعالى , ولا يقال : الله اسم الرحمن الرحيم , بل الرحمن الرحيم اسم الله , فدل هذا على أن اسم الله هو الأصل .


فائدة
 




D الكافر يدخل الإسلام بقوله “ لا إله إلا الله “ , ولو قالوا ( لا إله إلا هو ) , لا يصح إسلامه . لأنه إذا قال ( لا إله إلا هو ) , قد يُضمر معبوده الوثني , فيجب أن يقول “ لا إله إلا الله “ لأنه علم على ذات الرب جل وعلا , والله تعالى يقول : ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ(  [ محمد : 19 ]  , لم يقل ( فاعلم أنه لا إله إلا هو ) . وفي الصحيح عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى ) . فقال : ( حتى يقولوا لا إله إلا الله ) , وليس ( لا إله إلا هو ) .
الثالث : والسبب الثالث الذي يدل على أن كلمة ( الله ) اسم الله الأعظم – قوله تعالى : ) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلاَ آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون َ( [ الأنعام : 91 ] .
 Dوالشاهد : أن الله تعالى أمر رسوله e بالإعراض عن كل ما سوى الله والإقبال بالكلية على عبادته وحده , بأن ذكر هذا الاسم ) اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ(  , فدل على أن هذا الاسم هو أشرف الأسماء كلها .

فائدة 



D من خصائص هذا الاسم الكريم ( الله ) الذي هو علم على الذات , أن كل اسم إذا دخل عليه النداء أُسقطت عنه الألف واللام , تقول مثلا : ( يا رحمن , يا رحيم ) وهكذا , ولا تقول : ( يا الرحمن , يا الرحيم ) , إلا اسم الله العظيم , تقول : ( يا الله ) , فالألف واللام في الاسم صار كالجزء الذاتي فيه , فلا جرم أنه لا يسقط حالة النداء . وفيه إشارة لطيفة , وذلك أن الألف واللام للتعريف فعدم  سقوطهما عن هذا الاسم يدل على أن هذا التعريف لا يزول عنه أبداً .
الرابع : اسم ( الله ) تعالى هو أول الأسماء , وأخر الأسماء ذكراً في القرآن الكريم .
D إن أول آية في القرآن الكريم قوله تعالى :) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( , على قول العلماء بعض العلماء , وعلى قول الباقين هي قوله تعالى : ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َ( [ الفاتحة : 2 ] , وهذا الاسم العظيم مذكور في هاتين الآيتين اللتين تُعدان أول آيتين في كتاب الله . وكذلك هذا الاسم العظيم هو آخر الأسماء ذكراً في القرآن , قال تعالى : )  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ(  [ الناس : 1 :3 ] ,  ) إِلَهِ النَّاسِ(  : هو الله رب العالمين , قال الله تعالى : ) إِنَّمَا الله إِلَهٌ وَاحِدٌ(  [ النحل : 51 ]  , وقال تعالى : ) وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاّ اللَّهُ ( [ آل عمران : 62 ] , إلي غير ذلك .
الله في الخلق والأمر والحكم                                     




D من تدبر القرآن الكريم وجد أن لفظ الجلالة ( الله ) يُذكر دائماً في بيان أعظم الأمور وأكبرها , لأن هذا هو الذي يتناسب مع اسم الله تعالى , وكذلك لاستحضار عظمة هذا الاسم .
مثال :
1-    قال تعالى : ) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ( [ الزمر : 62 ] .
2-  قال تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ( [ فاطر : 41 ] .
مثال :عظمة الله في أمره .
1-    قال تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ( [ النحل : 90 ] .
2-    قال تعالى : )  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا(  [ النساء : 58 ] .
مثال : الحكم ومرده إلى الله وحده .
1-    قال تعالى : ) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ( [ الشورى : 10 ] .
2-    قال تعالى : ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ ( [ يوسف : 40 ] . وهكذا
لطيفه عن سيبويه                    


D يُذكر عن سيبويه : أنه رُؤي بعد وفاته , فسُل عن حاله , فأخبر أن الله غفر له بقوله ( الله ) , هو أعرف المعارف ,أي : أعرف من كل اسم وضع لكل مُسمى .
D وقال الإمام القرطبي في قوله ( الله ) , هذا الاسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها , حتى قال بعض العلماء : أنه : اسم الله الأعظم , ولم يتسم به غيره , ولذلك لم يثن ولم يُجمع ...... وهو أحد تأويل قوله تعالى : ) هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ( [ مريم : 65 ] , أي : من تَسمى باسمه الذي هو الله ) . ( ج1 – ص102 ) . انتهى
D ونقل القرطبي عن الضحاك أنه قال : إنما سُمي ( الله ) إلهاً لأن الخلق يتألهون إليه في حوائجهم ويتضرعون إليه في شدائدهم .

عجيبة من العجائب السيئة 


D قال العلامة محمد حامد الفقي – رحمه الله – في هامش فتح المجيد ( ص366 ). تحت باب ( التسمي يقاضي القضاة ونحوه ) :
( قال : ومن العجائب التي لا تخطر بالبال ما نقله ابن بُريزة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية الشاعر المعروف – كان له ابنتان – سمى إحداهما ( الله ) , وسمى الأخرى ( الرحمن ) . وهذا من أعظم القبائح , وأشد الجرائم والفضائح , وقيل أنه تاب ) . انتهى 
كلمة التوحيد في القرآن ثبتت لفظاً ومعنى               





D قال الشيخ صالح الفوزان في إعانة المستفيد ( ج1 – ص 56:57 ) :
( وهذه الكلمة – كلمة عظيمة – جاءت في القرآن بلفظها , وجاءت بمعناها , كما في قوله تعالى : ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ ([ محمد : 19 ]  , وقوله تعالى : ) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ( [ الصافات : 35 ] , وجاءت بمعناها – مثل وقوله تعالى : ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأََبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاّ الَّذِي فَطَرَنِي ( [ الزخرف : 26 – 27 ] .
فقوله : ) إِنَّنِي بَرَاءٌ (: هذا هو معنى النفي ( لا إله ) , ) إِلاّ الَّذِي فَطَرَنِي ( : هذا معنى الإثبات ( إلا الله ) فهي كلمة عظيمة ) . انتهى

من ضلالات الصوفية حول النطق بلا إله إلا الله

1-  فريق منهم لا ينطق الكلمة كاملة “ لا إله إلا الله “ , لأنهم يزعمون أنهم صاروا خواص الخواص , فيقول : الله : الله : هكذا في ذكرهم , يرددون هذا الاسم المفرد , مع أنه لا بد أن تأتي بجملةٍ مفيدة , أما . الله : الله : فهو اسم مفرد لا يُفيد شيئاً .
2-  فريق أخر : لا يقول لفظ الجلالة ( الله ) بل يقولون : هو : هو : هو : ضمير غائب , وهذا لا يُفيد شيئاً , وهذا تلاعب بهذه الكلمة , وهذا من أخطر مداخل الشيطان – أنه أراد أن يصرف الناس حتى عن مجرد لفظ هذه الكلمة , ونطقها نطقاً صحيحاً .
أركان كلمة التوحيد ( لاإله إلا الله )  




D إذا أردنا أن نعرف معنى كلمة التوحيد معرفة صحيحة , فلا بد من التعرف على أركان هذه الكلمة .
`كلمة التوحيد لها ركنان : النفي والإثبات . فالنفي وحده لا يكفي , وكذلك الإثبات المحض لا يكفي , بل لا بد من النفي والإثبات .
D المراد بالنفي : نفي الإلهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات , والمراد بالإثبات : إثبات الإلهية لله سبحانه , فهو الإله الحق , وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون باطلة . قال تعالى : )  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ([ الحج : 62 ] .
 `قال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :
( فدلالة “ لا إله إلا الله “على إثبات ألهيته أعظم من دلالة قوله ( الله إله ) وهذا لأن قول ( الله إله ) لا ينفي ألهيته ما سواه , بخلاف قوله “ لا إله إلا الله “ , فإنه يقتضي حصر الألوهية ونفيها عما سواه ) . انتهى ( مجموعة رسائل في التوحيد – ص 108 / 109 ) .

        
معنى كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )                                                                        


D بعد أن وقفنا على معنى كلمة  ( الإله ) , وكلمة ( الله ) , اتضح المعنى الحقيقي لكلمة “ لا إله إلا الله “ . ومعناها بإجماع العلماء : ( لا معبود بحق إلا الله ) .
 `قال الشيخ صالح الفوزان :
( ومعنى “ لا إله إلا الله “ : نفي العبادة عما سوى الله , وإثباتها لله سبحانه وتعالى , يعني : إبطال عبادة كل ما سوى الله , وإثبات العبادة لله , فقوله ( لا إله ) هذا إبطال لجميع المعبودات من دون الله عز وجل وإنكار لها . ( إلا الله ) هذا إثبات للعبادة لله سبحانه وتعالى . فعلى هذا – معنى “ لا إله إلا الله “ : لا معبود بحق – أو لا معبود حقاً – إلا الله .   
أما لو قلت : معناها : لا معبود إلا الله , نقول : هذا ضلال عظيم لأنك أدخلت كل المعبودات وجعلتها هي الله , جعلت الأصنام والأضرحة والكواكب , وكل ما يُعبد من دون الله – هو الله – وهذا غلط , وهذا مذهب أهل وحدة الوجود .
فلا بد أن نأتي بكلمة حق – لأن المعبودات على قسمين : معبود بحق , ومعبود بالباطل .
المعبود بحق : هو الله , والمعبود بالباطل : هو ما سوى الله من كل المعبودات . قال تعالى : ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( [ الحج : 62 ]  .انتهى ( إعانة المستفيد – ج1 – ص56 ) .

معنى ( لا إله إلا الله ) للشيخ عبد الرحمن حسن                                                         


 `قال – رحمه الله - :
( أما الكلام في معني “ لا إله إلا الله “ فأقول وبالله التوفيق : إن هذه الكلمة العظيمة هي التي شهد الله بها لنفسه , وشهد بها له الملائكة , وأولوا العلم من خلقه , كما قال الله تعالى : ) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( [ آل عمران : 18 ] .
فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام , لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له ودلت عليه , وقبوله والانقياد للعمل له . وهي كلمة الإخلاص المنافية للشرك , وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الشرك بالله , فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبعة :
الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً .
الثاني: اليقين , وهو كمال العلم المنافي للشك والريب .
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك .
الرابع: الصدق المانع من النفاق .
الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك .
السادس: الانقياد بحقوقها , وهي الأعمال الواجبة إخلاصاً لله وطلباً لمرضاته .
السابع: القبول المنافي للرد .
فقد يقولها من يعرفها , لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تعصباً وتكبراً , كما هو قد وقع من كثير ) .
 `قلت : أي : كاتب هذه الرسالة : وقد شرحت شروط كلمة التوحيد السبعة في رسالة مستقلة .
ثم قال الشيخ – رحمه الله - : ( إذا عرفت ذلك , فقولك “ لا إله إلا الله “ , فلا  - نافية للجنس – والإله : هو المألوه بالعبادة , وهو الذي تألهه القلوب وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضر , كحال من عبد الأموات والغائبين والأصنام , فكل معبود مألوه بالعبادة , وخبر ( لا ) المرفوع محذوف تقديره ( حق ), وقوله ( إلا الله ) استثناء من الخبر المرفوع , فالله سبحانه هو الحق , وعبادته وحده هو الحق , وعبادة غيره منتفية بلا في هذه الكلمة , قال تعالى : ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ  ([ الحج : 62 ] .
فإلهية ما سواه باطلة , فدلت الآية : على أن صرف الدعاء الذي هو مخ العبادة عنه لغيره باطل .
فتبين أن الإلهية هي العبادة لأن الدعاء من أفرادها , فما صُرف لغيره تعالى فهو باطل , والقرآن كله يدل على أن الإلهيةهي العبادة , كما قال تعالى : ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاّ الَّذِي فَطَرَنِي ( [ الزخرف : 26 – 27 ]  , فذكر البراءة من كل معبود سوى الله , ولم يستثن إلا عبادة من فطره سبحانه وتعالى , ثم قال : ) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ( [ الزخرف : 28 ] , أي : “ لا إله إلا الله “ , فعبّر عن الإلهية بالعبادة في النفي والإثبات . و قال تعالى : ) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ( [ الجن : 20 ]   , فقوله تعالى : ) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي ( هو معنى ( إلا الله ) في كلمة الإخلاص , وقوله : )  وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ( هو المنفي في كلمة الإخلاص ( بلا إله ) , فتبين أن “ لا إله إلا الله “ دلت على البراءة من الشرك في العبادة في حق كل ما سوى الله ) – إلى أن قال – ( فهذا هو تحقيق معناها بحمد الله , إنذار الرسل جميعهم أممهم عن الشرك في العبادة , وأن يخلصوها لله وحده لا شريك له ) . انتهى ( الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة – [ الرسالة الخامسة ] ص73- 74 ) .

          
لا إله إلا الله : كفر بالطاغوت وإيمان بالله تعالى  
 

D ليس غرضنا في هذا الموضع تفصيل معنى الطاغوت والحديث عن أنواعه ورؤسه , وصفة الكفر به , لأن هذا أمر يطول ذكره من جانب , ومن جانب آخر أننا فصلنا القول في ذلك في رسالة مستقلة , ولكن الغرض الأساس في هذا الموضوع هو بيان معنى “ لا إله إلا الله “ , وهل يكفي مجرد التلفظ بها حتى يكون الإنسان محققاً للكفر بالطاغوت , أم لا بد من التلفظ بلا إله إلا الله مع زيادة الإتيان بالكفر بالطاغوت , هذه المسألة تظهر من خلال حديث النبي e الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك عن أبيه قال : سمعت رسول الله e يقول : ( من قال : لا إله إلا الله , وكفر بما يُعبد من دون الله حَرُمَ ماله ودمه وحسابه على الله ) . وفي رواية عند مسلم أيضاً : ( من وحد الله ....... ) .
وسوف نكتفي بذكر كلام الأئمة الذين شرحوا هذا الحديث من خلال شرحهم لكتاب ( التوحيد)      لشيخ الإسلام ( محمد بن عبد الوهاب ) .  
أولا : قول شيخ الإسلام ( محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله :
( قال تعليقاً على هذا الحديث : وهذا من أعظم ما يبين معنى “ لا إله إلا الله “  فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال , بل ولا معرفة معناها مع لفظها , بل ولا الإقرار بذلك , بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له , بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله , فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه . فيالها من مسألةٍ ما أجلَّها , وياله من بيان ما أوضحه وحُجةٍ ما أقطعها للمنازع ) . انتهى ( فتح المجيد – ص119 –120 ) .
 `قلت : واضح جداً أن شيخ الإسلام – رحمه الله – لم يجعل مجرد النطق والإقرار بلا إله إلا الله عاصماً للمال والدم , بمعنى أن الإنسان لا يصير مسلماً بمجرد الإقرار بكلمة التوحيد , لأن معصوم المال والدم هو المسلم , ولكن لا بد من اجتماع خمسة أمور في الإنسان حتى يصير مسلماً المال والدم وهي :
1-    التلفظ بكلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “
2-    معرفة معنى هذه الكلمة العظيمة .
3-    الإقرار بلا إله إلا الله , ومعناها .
4-    عبادة الله وحده لا شريك له.
5-    الكفر بما يُعبد من دون الله تعالى .
ثانياً : قول العلامة ( عبد الرحمن بن حسن ) في فتح المجيد :
D وقد ذهب – رحمه الله – إلى ما ذهب إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب . قال رحمه الله ( اعلم أن النبي e علق عصمة المال والدم في هذا الحديث بأمرين :
 الأول : قول لا إله إلا الله , عن علم ويقين , كما هو مقيد في قولها في غير ما حديث كما تقدم .
الثاني: الكفر بما يُعبد من دون الله , فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى , بل لا بد من قولها والعمل بها .
 `قلت : وفيه معنى )  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا ( [ البقرة : 256 ] .
ثم قال : قال المصنف – رحمه الله تعالى – أي : شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله .............. إلى نهاية قوله .
 `قلت : وهذا هو الشرط المصحح لقوله “ لا إله إلا الله “ فلا يصح قولها بدون هذه الخمس التي ذكرها المصنف – رحمه الله تعالى – أصلا ً ) . انتهى ( فتح المجيد ص 119 – 120 ) .
 `قلت : واضح من متابعة الشيخ عبد الرحمن بن حسن للشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه جعل الكفر بكل ما عُبد من دون الله شيئاً زائداً على مجرد التلفظ بلا إله إلا الله , وهذا الحديث       يعد تفسيراً للآيات التي جاءت في هذا المعنى , مثل قوله تعالى : )  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا (  [ البقرة : 256 ] .
وقوله تعالى : ) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( [ النحل : 36 ] .
ثالثاً : قول صاحب تجريد التوحيد :
D قال تعليقاً على هذا الحديث : ( وكفر بما يُعبد من دون الله ) أي : تبرأ و أنكر دين المشركين مع التلفظ بها والإقرار بها , ( حرم ماله ودمه ) فالكفر بما يُعبد من دون الله شرط لعصمة الدم والمال , وهذه مسألة عظيمة جليلة ) . انتهى ج1 – ص78 .
 `قلت : وهو بذلك يذهب مذهب القائلين بأن الكفر بكل ما عُبد من دون الله زائداً على التلفظ بالشهادة والإقرار بها وهذا يعني أن ( الواو ) في قوله ( وكفر ) واو استئنافية , وليست من باب التفسير والبيان .
رابعاً : قول صاحب فتح المجيد :
D قال ( وكفر بما يُعبد من دون الله ) وهذا عطف جملة هي من المعطوف عليه , فهو من باب عطف الخاص على العام , زيادة بيان للمعطوف , واهتماماً بشأنه وتعميماً لنفي كل ما سوى الله تعالى – لا أنه شرط زيد على الأول , إذ لفظ “ لا إله إلا الله “ مستلزم للكفر بما يُعبد من دون الله .
وقد فهم ذلك كفار قريش بحضرة أبي طالب , حيث طلب رسول الله e منهم لما اجتمع ملأهم عنده , أن يقولوا “ لا إله إلا الله “ فصفقوا بأيدهم وقالوا : ) أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ([ ص : 5 ] , ويوضح ذلك قوله e فيما صح وثبت عنه أنه قال : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ] رواه البخاري ومسلم . انتهى ج2 – ص45 .
 `قلت : ومذهبه في هذه المسألة واضح أنه ذهب إلى أن العطف المذكور في الحديث من باب عطف الخاص على العام لبيان أهمية الكفر بكل ما عُبد من دون الله .
خامساً : قول صاحب القول السديد ( عبد الرحمن السعدي ) :
D قال في شرح هذا الحديث ( وبيّن المصنف – رحمه الله – أن من أعظم ما يبين معنى “ لا إله إلا الله “ قوله e : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حُرم ماله ودمه وحسابه على الله .......
ثم ذكر كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب – ثم قال معلقاً على ذلك , فتبين بذلك أنه لا بد من : اعتقاد وجوب عبادة الله وحده لا شريك له , ومن الإقرار بذلك اعتقاداً ونطقاً , ولا بد من القيام بعبودية الله وحده طاعة لله وانقياداً , ولا بد من البراءة مما ينافي ذلك عقداً وقولاً ونقلاً , ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين بتوحيد الله وموالاتهم ونصرتهم , وبغض أهل الكفر والشرك ومعاداتهم .
لا تغنى في هذا المقام الألفاظ المجردة والدعاوى الخالية من الحقيقة , بل لا بد أن يتطابق : العلم والاعتقاد والقول والعمل , فإن هذه الأشياء متلازمة , متى تخلف واحد منها تخلفت البقية – والله أعلم ) . انتهى ( القول السديد في مقاصد التوحيد – ص 33-34 )
 `قلت : كلام العلامة السعدي – رحمه الله – من أوضح ما قيل في هذه المسألة , فواضح من كلامه : اشتراط الكفر بكل ما يُعبد من دون اله حتى يصح إسلام وتوحيد الإنسان .
فهذا المعنى تضافرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة , سواء قيل أن العطف في الحديث عطف بيان وتفسير , أو عطف استئناف , أو عطف الخاص على العام .
فلا إله إلا الله : كفر بالطاغوت وإيمان بالله : نعم , ولكن لابد من تحقيق ذلك في الواقع العملي , فهو الترجمة الحقيقية لما في القلوب , وما تنطق به الألسنة , فإذا كان الواقع مخالفاً لما نطق به الإنسان , دل ذلك على عدم علمه بهذه الكلمة , وأن اعتقاده لها اعتقاد غير صحيح .
سادساً : قول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – ( في القول المفيد ) :
D وفي قوله : " وكفر بما يعبد من دون الله " دليل على أنه لا يكفي مجرد التلفظ بلا إله إلا الله ، بل لا بد أن تكفر بعبادة من يُعبد من دون الله بل وتكفر أيضاً بكل كفر , فمن يقول لا إله إلا الله ويرى أن النصارى واليهود اليوم على دين صحيح , فليس بمسلم ، ومن يرى الأديان أفكاراً يختار منها ما يريد، فليس بمسلم، بل الأديان عقائد مفروضة من قبل الله - عز وجل ـ ، يتمشى الناس عليها ، ولهذا ينكر على بعض الناس في تعبيره بقوله : الفكر الإسلامي ، بل الواجب أن يقال : الدين الإسلامي أو العقيدة الإسلامية ، ولا بأس بقول المفكر الإسلامي ، لأنه وصف للشخص نفسه لا للدين الذي هو عليه . انتهى ج1 – ص 147 .
وقال رحمه الله أيضاً :
D قوله : " وكفر بما يعبد من دون الله " . أي : كفر بالأصنام ، وأنكر أن تكون عبادتها حقاً ، فلا يكفي أن يقول : لا إله إلا الله ، ولا أعبد صنماً ، بل لا بد أن يقول : الأصنام التي تعبد من دون الله أكفر بها وبعبادتها .  فمثلاً لا يكفي أن يقول : لا إله إلا الله ولا أعبد اللات ، ولكن لا بد أن يكفر بها ويقول : إن عبادتها ليست بحق ، وإلا ، كان مقراً بالكفر .  فمن رضي دين النصارى ديناً يدنون الله به ، فهو كافر , لأنه إذا ساوى غير دين الإسلام مع الإسلام ، فقد كذَّب قوله تعالى : ) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه ُ ( [ آل عمران : 85 ] , وبهذا يكون كافراً ، وبهذا نعرف الخطر العظيم الذي أصاب المسلمين اليوم باختلاطهم مع النصارى ، والنصارى يدعون إلى دينهم صباحاً ومساءا ً، والمسلمون لا يتحركون ، بل بعض المسلمين الذين ما عرفوا الإسلام حقيقة يلينون لهؤلاء ، )  وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ( [ القلم : 9 ]  ، وهذا من المحنة التي أصابت المسلمين الآن، وآلت بهم إلى هذا الذل الذي صاروا فيه . انتهى ( القول المفيد ج1 – ص153 / 154 ) .
 `قلت : وظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : أنه يجعل الكفر بكل ما عُبد من دون الله زائداً على مجرد التلفظ بلا إله إلا الله , وبالتالي تكون الواو من باب عطف الاستئناف .
سابعاً : كلام الشيخ صالح الفوزان في كتابه ( إعانة المستفيد ):
D قال تعليقاً على هذا الحديث : ( علق حرمة المال والدم على شيئين : الشيء الأول : أن ينطق بكلمة “ لا إله إلا الله “ , والشيء الثاني : أن يكفر بما يُعبد من دون الله . فإذا تحقق هذا الشيء , حرم ماله ودمه , لأنه صار مسلماً , والمسلم يحرم دمه وماله ..........................
والحاصل : أن هذا الحديث بيّن معنى التوحيد , ومعنى “ لا إله إلا الله “ , وأنه : النطق بالشهادة , مع الكفر بما يُعبد من دون الله عز وجل , والبراءة منه , أما لو قال “ لا إله إلا الله “ وهو لا يكفر بما يُعبد من دون الله , بأن كان يعبد القبور , ويدعو الأولياء والأضرحة , فهذا لم يكفر بما يُعبد من دون الله , ولا يحرم دمه ولا يحرم ماله , لأنه لم يأت بالأمرين , وإنما أتى بأمر واحد , وهو قول “ لا إله إلا الله “, ولكنه لم يكفر بما يُعبد من دون الله , لأنه يقول : إن عبادة القبور ليست بشرك , فهو لم يكفر بما يُعبد من دون الله , فمعناه أنه لا يحقن دمه ولا يحرم ماله , لأنه مادام أنه لم يكفر بما يُعبد من دون الله , فإنه لم يحصل المقصود .
 فهذا الحديث عظيم جداً , وهو حجة للموحدين على أصحاب الشبه والمشركين , الذين يقولون : من قال : “ لا إله إلا الله “ فهو المسلم ظاهراً وباطناً ولو فعل ما فعل , يعبد القبور , ويذبح للأولياء والصالحين , ويعمل السحر والشعوذة , ويعمل كل شئ , وهو مسلم حقاً مادام يقول : “ لا إله إلا الله “ .
ولهذا يقول الشيخ – رحمه الله – أي : محمد بن عبد الوهاب – " لم يجعل النطق بلا إله إلا الله , بل ولا كونه لا يدعو إلا الله , بل ولا معرفة معنى هذه الكلمة , لم يجعل كل هذه الأمور عاصمة للدم والمال حتى يضيف إليها : الكفر بما يُعبد من دون الله .
فالذي يقول : أنا ما أُكفّر هؤلاء , أنا ما أُكفّر من يعبدون الحسن والحسين والبدوي لا أكفرهم , لأنهم يقولون “ لا إله إلا الله “ هم إخواننا لكن أخطأوا .
نقول له : أنت مشرك مثلهم , لأنك لم تكفر بما يعبد من دون الله , والله تعالى قدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله . قال تعالى : )  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا ( [ البقرة : 256 ] , فلا بد من الكفر بالطاغوت , ولا بد من الكفر بما يُعبد من دون الله عز وجل , واعتقاد بطلانه , والبراء منه ومن أهله , وإلا فلا يصير الإنسان مسلماً , لأن هذا  تلفيق بين الإسلام والكفر , ولا يجتمع الكفر والإيمان أبداً .
فهذا الحديث على اختصاره منهج عظيم , يبين معنى شهادة أن “ لا إله إلا الله “ , وأنها ليست مجرد لفظ يقال باللسان ويردد في الأذكار والأوراد , وإنما هي حقيقة تقتضي منك أن تكفر بما يُعبد من دون الله , وأن تتبرأ من المشركين , ولو كان أقرب الناس إليك , كما تبرأ الخليل عليه الصلاة والسلام من أبيه وأقرب الناس إليه ) . انتهى ( إعانة المستفيد ج1 – ص124 ) .
ثامناً : خلاصة أقوال العلماء في هذه المسألة :
1-    أكثر العلماء على أن الكفر بكل ما عُبد من دون الله شيئاً زائداً على مجرد النطق والتلفظ بالشهادتين , وإن كان الكفر بكل ما عُبد من دون الله داخلاً في معنى “ لا إله إلا الله “ .
2-    هناك من العلماء من جعل الكفر بكل ما يُعبد من دون الله هو من معنى “ لا إله إلا الله “ , وإنما العطف المذكور في الحديث من باب عطف الخاص على العام لبيان أهمية ذلك , وتأكيداً أيضاً لهذا المقام العظيم .
3-    ذهب بعض الأئمة إلى مجرد النطق بالشهادة يدخل الكافر الإسلام وذلك في حق عبدة الأوثان دون غيرهم من أهل الكتاب , لأن أهل الكتاب أو غالبهم يقول “ لا إله إلا الله “ في حال كفرهم , فلا بد من أن يُضيفوا إليها الكفر بكل ما عُبد من دون الله . قال تعالى : ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ ولاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ( [ آل عمران : 64 ] .
" إن التلفظ بالشهادتين إنما يثبت به الإسلام لمشركي العرب من عبدة الأوثان – قال أبو سليمان الخطابي – رحمه الله - في قوله : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ) معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان ، دون أهل الكتاب ، لأنهم يقولون : لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف .
وقال القاضي عياض – رحمه الله - : اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال  لا إله إلا اللهتعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل الأوثان ، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد ، فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا الله إذ كان يقولها في كفره . انتهى ( فتح المجيد ص121 ) .
 `قلت : وكذلك المرتد لا يعود إلى الإسلام بمجرد النطق بالشهادتين بل لابد من إقراره ورجوعه عما كان سبباً في ردته , فلا يعود إلى الإسلام مرة أخرى إلا من الباب الذي خرج منه , فمن كانت ردته مثلاً بسبب تصديقه لنبوة أحد غير نبيناً e , فإنه لا يعود إلى الإسلام إلا إذا نطق الشهادتين وأقر للنبي e بأنه خاتم الأنبياء وتبرأ من كل مدعي النبوة بعده e , وهكذا .
تاسعاً : الراجح في هذه المسألة :
هناك معنى دقيق جداً لبيان حقيقة هذه المسألة وفهمها فهماً صحيحاً , وهو أنه لا بد من التقريب بين أمرين :
الأمر الأول : ما يتعلق بالنطق بالشهادتين والتلفظ بهما , فلا خلاف أنه يجب على من أراد الدخول في الإسلام أن ينطق بالشهادتين .  فقد نقل شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – وغيره : الإجماع على أن من لم يأت بالشهادتين نطقاً مع القدرة  فهو كافر .
فهذا الأمر من المعلوم بالضرورة ولا يحتاج لكبير تفصيل .
الأمر الثاني : ما يتعلق بالكفر بكل ما عُبد من دون الله , فيكون حالاً أكثر منه مقالاً , سواء قلنا أن " وكفر بما يُعبد من دون الله " زائدة على كلمة “ لا إله إلا الله “ , أو هي من باب عطف  الخاص على العام تأكيدا لأهمية معنى “ لا إله إلا الله “ .
فالصورة الحقيقية للكفر بما يُعبد من دون الله يظهر في الواقع العملي , فقد يوجد الكثير من الناس يقولون “ لا إله إلا الله “ ويقولون نحن نكفر بكل عبادة تُؤدى لغير الله تعالى , وتجدهم في الواقع العملي يعبدون غير الله تعالى , أو يقرون من يعبد غير الله تعالى , أو لا يكفرون من عبد غير الله تعالى , فلسان حالهم يُكذّب لسان مقالهم , ولسان الحال أبلغ من لسان المقال .

أمثلة لبيان هذا المعنى

`لا بد أن نعرف أولا : أنه لا عبرة لأقوال تخالفها الأفعال والأعمال , لأن الإنسان إن كان صادقاً في اعتقاده وقوله , فلا بد أن يُتبع ذلك بالعمل الذي يترجم ترجمة حقيقية عن هذه الأقوال .
المثال الأول : الحكام الذين يحكمون بلاد المسلمين في هذه الآونة ومنذ زمن طويل , ومعهم أعوانهم , يحكمون بغير ما أنزل الله , ويطبقون أحكام القوانين الوضعية على الناس بقوة القانون , في نفس الوقت الذي خرجوا فيه عن حكم الله تعالى , ومعاقبة كل من ينادي بتطبيق حكم الله وشرعه , إما بالسجن أو القتل أو التعذيب – إلى غير ذلك , مع تسخير أجهزة الإعلام بأكملها لنشر مبادئ الكفر من العلمانية والديمقراطية وغير ذلك , مع محاربة تعاليم الدين الإسلامي , وخاصة ثوابت العقيدة الإسلامية .
والسؤال هنا : إن هؤلاء الناس يقولون “ لا إله إلا الله “ وقد يُصلون ويصومون , فهل تنفعهم “ لا إله إلا الله “ مع حالهم هذا ؟ وهل أمثال هؤلاء يكونوا عالمين بمعنى “ لا إله إلا الله “ ؟
والجواب : أنه لا يمكن لإنسان علم معنى “ لا إله إلا الله “ يقدم على مثل هذه الكفريات الواضحة , اللهم إلا إذا كان إنساناً مؤثراً للكفر على الإيمان , مؤثراً للشرك على التوحيد .
المثال الثاني : عبّاد القبور الذين ما تركوا شركاً إلا وسارعوا إلى التلبيس به , فقد صرفوا أكثر العبادات التي هي حق خالص لرب الأرض والسموات لهؤلاء المقبورين , ومظاهر الشرك  والكفر عندهم أظهر وأوضح من أن نذكرها في هذا الموضع .
والسؤال هنا : إن عبّاد القبور هؤلاء – يقولون “ لا إله إلا الله “ ويقولون : نحن لا نعبد إلا الله , بل ونتبرأ من عبادة غير الله تعالى , وكثير منهم يصلي ويصوم ويحج إلى غير ذلك و لكنهم في الواقع العملي قد عكفوا على عبادة غير الله تعالى في الضراء قبل السراء وفي الشدة قبل الرخاء .
فهلأمثال هؤلاء يعلمون أنه “ لا إله إلا الله “ ؟  وهل من علم أنه  لا إله إلا الله يقدم على فعل هذه الشركيات الجلية الواضحة ؟
ولكن في الحقيقة : عبّاد القبور – يشمئّزون عند ذكر الوحدانية , في الوقت الذي يستبشرون فيه بذكر غير الله من أندادهم وأصنامهم  ) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِير ( [ غافر : 12 ] .
وقال تعالى :  ) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ       ([ الزمر : 45 ] .
المثال الثالث : دعاة العلمانية الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة , والدين لله والوطن للجميع , إلى غير ذلك من مبادئهم . هؤلاء الخبثاء يدّعون أنهم مسلمون  , ويقولون “ لا إله إلا الله “ ولكن مع قولهم هذا فقد اتخذوا لهم آلهة شتى , فالإله عندهم محصور في داخل المسجد والكنيسة , ولا دخل له بعد ذلك بحياة الناس , فجعلوا الأمر والنهي والحكم والتشريع لغير الله تعالى , وهذا من أعظم ما ينافي كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ , والله يقول لهم)  أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( [ الأعراف : 54 ] ,  وقال تعالى : ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ( [ يوسف : 40 ] , ) لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(  [ القصص : 88 ] .  
والسؤال هنا : هل أمثال هؤلاء الذين يدعون إلى مبادئ الكفر والشرك هذه ، من جعل الحكم والتشريع لغير الله تعالى , هل أمثال هؤلاء : يعلمون أنه “ لا إله إلا الله “ ؟ أم أنهم بأعمالهم هذه يشهدون على أنفسهم بالشرك والكفر الواضح البيّن .
D واكتفي بهذه الأمثلة الثلاثة لبيان : أن الكفر بكل ما عبد من دون الله من النطق  بلا إله إلا الله  يكون حالاً أكثر منه مقالاً , لأن العبد مطالب بأن يلتزم بالتوحيد العملي ( توحيد الألوهية ) , توحيد العبادة , الذي من أجله أُرسلت الرسل , وهذا النوع من التوحيد لا يتحقق أبداً إلا بالخضوع والاستسلام والانقياد والإذعان لأمر الله وحكمه , وإفراده جل وعلا بكل ما تعبدنا به .
D وبهذا نصل في النهاية إلى القول بأن الخلاف المذكور بين العلماء في هذه المسألة هو من الناحية الشكلية والنظرية فقط , وإلا فالجميع متفقون على أنه يجب على العبد أن يكفر بكل ما عُبد من دون الله من الناحية الاعتقادية والعملية , بأن لا يعبد إلا الله تعالى , مع اعتقاده بطلان العبادة التي تقدم لغير الله , وتكفير ومعاداة وبغض من فعل ذلك , وهذا مما ليس فيه خلاف مطلقاً بين العلماء والمسلمين سلفاً وخلفاً .



Horizontal Scroll: لا إله إلا الله : ولاء وبراء
 






D لا شك أن الولاء والبراء , الموالاة والمعاداة , من معنى “ لا إله إلا الله “ ومن أعظم لوازمها ومقتضياتها .
فلا إله : تعنى الكفر بكل معبود سوى الله , وهذا الكفر يقتضي ويستلزم معاداة وبغض المعبودات الباطلة , مع معاداة العابدين لها , إلا الله : تعني : إثبات الألوهية لله وحده جل وعلا وهذا يقتضي ويستلزم محبته جل وعلا , بل وتقديم محبته على جميع المحاب , وكذلك محبة طاعته , ومحبة الطائعين لله جل وعلا , وهذا الولاء لله جل وعلا , لذلك كانت المحبة لكلمة التوحيد شرطاً من شروط صحتها كما هو معلوم .
يقول الشيخ محمد عبد الهادي المصري : " الموالاة والمعاداة في الله ركن من أركان توحيد العبادة " .
لكي يدخل المرء في دين الله فعليه أن يوحد الله – عز وجل – بعبادته وحده سبحانه وتعالى لا شريك له , ولا يتم ذلك إلا بتحقيق نوعين من التوحيد :
1-    التوحيد النظري أو العلمي أو الخبري , بأن يعلم الحق – من التوحيد والنبوة والبعث – على ما هو عليه – فيصدق به تصديقاً جازماً لا شك فيه .
2-    التوحيد العملي أو الإرادي أو الطلبي , بأن يخضع لهذا الحق بقلبه عملاً , وبلسانه قولاً , وبجوارحه فعلاً , فينخلع من الشرك الأكبر بجميع صوره الظاهرة والباطنة , ويُجرد ولاءه لله وحزبه , ويرد أمره كله لله فلا يتلقى إلا منه ولا يتوجه إلا إليه , هذه هي الصورة الوحيدة المقبولة لتحقيق التوحيد عند أهل السنة والجماعة ) . انتهى ( فيم كنتم )ص26 .
[1] ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله – ارتباط الشهادتين بالولاء والبراء :
قال – رحمه الله - : " إن تحقيق شهادة أن “ لا إله إلا الله “ يقتضي أن لا يُحب إلا الله , ولا يُبغض إلا لله , ولا يُوالي إلا لله , ولا يُعادي إلا لله , وأن يُحب ما أحبه الله , ويبغض ما أبغضه الله " . انتهى ( الاحتجاج  بالقدر – ص62 ) .
وقال أيضاً : " فاتباع سنة رسول الله  e واتباع شريعته باطناً وظاهراً هو موجب محبة الله , كما أن الجهاد في سبيل الله , وموالاة أوليائه , ومعاداة أعدائه هو حقيقتها ) . انتهى ( التحفة العراقية – ص76 ) .
ويزيد شيخ الإسلام – رحمه الله – المسألة وضوحاً وبياناً :
D قال : ( ليس المراد بقول “ لا إله إلا الله “ قولها باللسان مع الجهل بمعناها , وترك العمل بمقتضاها , فإن المنافقين يقولونها وهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار مع أنهم يصلون ويتصدقون , ولكن المراد بقولها مع معرفة القلب لمعناها ومحبته لها ومحبة أهلها وبغض من خالفها ومعاداته ) . انتهى ( مجموعة التوحيد – ص108 ) .
[2] قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - : ( فالله الله يا إخواني , تمسكوا بأصل دينكم , وأوله , وآخره , وأُسه , ورأسه , شهادة أن  “ لا إله إلا الله “ , واعرفوا معناها , واحبواها , وأحبو أهلها , واجعلوهم إخوانكم , ولو كانوا بعيدين منكم نسباً , واكفروا بالطواغيت , وعادوهم , وابغضوهم , وابغضوا من أحبهم , أو جادل عنهم , أو لم يكفرهم , أو قال ما عليَّ منهم , أو قال ما كلفني الله بهم , فقد كذب هذا على الله وافترى عليه إثماً مبيناً .
فقد كلف الله كل مسلم بغض الكفار , وافترض عليه عداوتهم وتكفيرهم , والبراءة منهم , ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم . فالله الله , تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركوا به شيئاً ) . انتهى ( مجموعة التوحيد – ص 111 ) .
[3] قول العلامة عبد الرحمن أبا بطين - رحمه الله - :
سئلرحمه الله عن معنى “ لا إله إلا الله “ وعن معنى ( الطاغوت ) الذي أمرنا الله باجتنابه والكفر به .
فأجاب : بأن معنى ( الإله ) هو المألوه الذي تألهه القلوب وتحبه , وقد دل صريح القرآن على معنى ( الإله ) وأنه المعبود كما في قوله تعالى : ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأََبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( [ الزخرف : 26: 28 ]  , قال المفسرون : هي كلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “ لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده .
والمعنى : جعل هذه الموالاة لله والبراءة من كل معبود سواه , كلمة باقية في ذرية إبراهيم يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض وهي : كلمة “ لا إله إلا الله “ .
فتبين أن موالاة الله بعبادته , والبراءة من كل معبود سواه , هو معنى : " لا إله إلا الله " ) .انتهى ( الدرر السنية – ج2 – ص143 ) .
[4] ( ............ وهذا كله يدل بلا ريب على أن الله أوجب على المؤمنين البراءة من كل مشرك , وأُمر بإظهار العداوة والبغضاء للكفار عامة , وللمحاربين خاصة , وحرم على المؤمنين موالاتهم والركون إليهم , وهذه حقيقة البراءة من الكفار , هي حقيقة معنى “ لا إله إلا الله “ ومدلولها , لا مجرد قولها باللسان , من غير نفي لما نفته من صلة بالمشركين , ومن غير إثبات لما أثبتته من موالاة رب العالمين ) . انتهى ( الدرر السنية ج2 – ص128 ) .
[5] ( ........... إن كلمة الإخلاص هذه - لا إله إلا الله – قُيّدت بقيود ثقال حيث كان إمام الحنفاء – عيه السلام – لم يحصل له قول “ لا إله إلا الله “ ولم تتم له المحبة , والموالاة – وهو إمام المحبين – إلا بالمعاداة , فإنه لا ولاء إلا ببراءة , ولا ولاء لله إلا بالبراءة من كل معبود سواه , وهذا هو معنى “ لا إله إلا الله “ فإن “ لا إله إلا الله “ معناها : النفي والإثبات , وحقيقتها الموالاة والمعاداة في الله ) . انتهى ( مجموعة التوحيد – ص140/141 ) .
[6] الإجماع : 
 ( وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين وتابعيهم وجميع المسلمين سلفاً وخلفاً أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجريد من الشرك الأكبر والبراءة منه , وممن فعله , وبغضهم ومعاداتهم , بحسب الطاقة والقدرة والإمكان ) . انتهى ( الدرر السنية – ج9 ص199 ) .
` قلت : وأقوال العلماء حول هذه المسألة كثير جداً , وقد أشرنا إلى بعضه , والشاهد : أن معنى “ لا إله إلا الله “ لا يتحقق إلا بالموالاة والمعاداة , فمن تولى الكافرين ولم يبغضهم , لا يكون عابداً لربه حق العبادة , لأنه لو كان عابداً لله حقاً , لما أظهر الرضا , ومودة الكافرين , ومناصرتهم , فإن المسلم الذي يدخل في طاعة الكافرين ويظهر لهم المودة مع إعانتهم بالسلاح والرجال , أو الرأي , فقد يخرج عن معنى التوحيد “ لا إله إلا الله “ , لأنه لم يحقق معناها والمراد منها – ولاء – وبراء .
فائدة


في أنواع المخالفين في موضوع الموالاة والمعاداة
 
 

D قال الشيخ محماس الجلعود في كتابه ( الموالاة والمعاداة ) – ( ج1 – ص172 / 187 ) :
القسم الأول : من عبد الله وحده , ولكنه لم ينكر الشرك ولم يعاد أهله فهو وإن وحّد الله فتوحيده فاسد , لعدم كفره بالطاغوت , فالإنسان لا يصير مؤمناً إلا بالكفر بالطاغوت , قال تعالى : )  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا ([ البقرة : 256 ]  . ا هـ ( مجموعة التوحيد ص10 ) .
القسم الثاني : من عادى المشركين ولم يكفرهم . فهذا النوع لم يأت بما دلت عليه “ لا إله إلا الله “ من نفي الشرك وما تقضيه من تكفير من فعله , وهذا الأمر هو مضمون سورة الإخلاص وسورة الكافرون , وآيات من سورة الممتحنة , فمن لم يُكفّر من صرح القرآن بكفره , فقد خالف ما جاءت به الرسل من التوحيد , وما يوجبه في حق الناس من حب وعداوة وإيمان وكفر ) . ا هـ ( الدرر السنية ج 2 – ص95 / 97 ) .
القسم الثالث : من لم يحب التوحيد ولم يبغضه . وهذا الصنف للأسف هو الغالب وجوده بين المسلمين في هذا العصر , ومثل هذا الصنف من الناس لم يكن موحداً لله تعالى حق التوحيد , لأن التوحيد الحقيقي هو الرضا بالدين لله تعالى الذي ارتضاه الله تعالى لعباده , قال تعالى : ) وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ( [ المائدة : 3 ] , فلو رضي بما رضي الله به , وعمل به لأحبه , فلا إسلام إلا بمحبة التوحيد والعمل به , ومحبة أهله , فالإخلاص لله إنما يكون في محبة الله وارادة وجهه , فمن أحب الله أحب دينه , لأن المحبة يترتب عليها تنفيذ ما تقضيه كلمة الإخلاص وشروط التوحيد التي منها المحبة لله وفي الله ) . ا هـ ( الدرر السنية ج2- ص75 / 79 , ومجموعة التوحيد ص36 ) .
القسم الرابع : من لم يبغض الشرك ولم يحبه . فهذا لم ينف مانفته“ لا إله إلا الله “ من الشرك والكفر بما يُعبد من دون الله ,فهذا ليس من الإسلام في شئ أصلاً ولم يعصم ماله ودمه , لأنه لم يحقق معنى “ لا إله إلا الله “ . ا هـ ( مجموعة التوحيد ص37 ) .
ولأنه خالف ما ذكر الله عن أبينا إبراهيم– عليه السلام – في قوله تعالى : ) كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه ([ الممتحنة : 4 ] , ولحديث " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " رواه مسلم
القسم الخامس : من عمل بالتوحيد ولم يبغض من تركه ولم يكفرهم . فهذا لم يصحح توحيده بنفي الشرك والبراءة منه ومعاداة أهله , فهو لم يوحد الله توحيداً كاملاً , لأن التوحيد الحقيقي يقتضي نفي الشرك والبراءة من المشركين , وتكفير أهله بعد قيام الحُجة عليهم . وهذا النوع من الناس من أشد أنواع المخالفين خطراً على التوحيد , لأنه يُغتر بحالهم , فيقلدهم غيرهم في مداهنة الكفار والمشركين والمرتدين , وهم في الحقيقة لم يأتوا بالأمور التي دلت عليها كلمة الإخلاص نفياً وإثباتا ) . ا هـ ( مجموعة التوحيد ص37 , الدرر السنية ج2 – ص98 ) .
القسم السادس : من ترك الشرك ولم يعاد أهله , ولم يكفرهم . فهذا الصنف داخل تحت ما ذكر في الصنف الأول , إلا أنه يزيد عليه أن الصنف الأول يعمل بالتوحيد , وهذا الصنف جمع بين سيئتين :
الأولى : ترك الواجبات الشرعية , والثانية : مداهنة الكفار وعدم معاداتهم فهو لم يؤمن بالله إيماناً حقيقياً ولم يعمل بأوامره التي أنزل على عباده ولم يجتنب الطاغوت كما نهى الله عن ذلك , فهو ليس من الإسلام في شئ ) . ا هـ ( مجموعة التوحيد – ص10 ) .
القسم السابع : من لم يشرك بالله , ولكنه عرف التوحيد ولم يعمل به ولا أحب ولا أبغض فيه . فهذا وأمثاله من الذين يستحقون عذاب الله ولو لم يكن قد حصل الشرك منهم , لأن فائدة ترك الشرك تصحيح التوحيد لله , ومن أعظم ما ينبني على التوحيد التضرع إلى الله , والالتجاء إليه وحده , ومحبة ما يحب وعداوة ما يعادي ) . ا هـ ( الدرر السنية ج1 – ص99 ) .
القسم الثامن : من عرف التوحيد وأحبه واتبعه , وعرف الشرك وتركه ولكنه مع ذلك يكره من دخل التوحيد وانضم إلى جماعة المسلمين ويحب من بقي في مناصرة وتأييد الكفار . فهذا النوع من الاعتقاد والتعامل كفر ) . ا هـ ( الدرر السنية ج1 – ص66 ) .
القسم التاسع : من عرف التوحيد وهو الحق , ولكنه لم يلتفت إليه ولم يتعلمه ولا دخل فيه ولا انضم إلى جماعة المسلمين , وبقي مع الشرك وأهله .
القسم العاشر : من تساوى لديه الإسلام والكفر في الحب والبغض أو يحبها من وجه , ويبغضها من وجه آخر  . انتهى ( الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية ج1 – ص172 / 178 باختصار ) .

لا إله إلا الله : تعني : لا حكم إلا لله :
وتعني : لا تشريع إلا من الله , وتعني : لا تحاكم إلا إلى شرع الله
         
D مما لاشك فيه ,أن مسألة الحكم بما أنزل الله , وتحكيم شرع الله تعالى , والتحاكم إليه وحده , من أجلَّ وأعظم مسائل هذا الدين العظيم , وكذلك من أهم مسائل الاعتقاد , لذلك نجد الارتباط الوثيق بين مسألة الحكم بما أنزل الله وبين الإسلام , والإيمان , وكلمة التوحيد “ لا إله إلا الله “  , وسوف نشير إشارات مجملة إلى هذا الارتباط بين مسائل الحاكمية وبين التوحيد والإيمان والإسلام , وذلك من خلال آيات القرآن العزيز , وكلام أئمة المسلمين .
أولا : ارتباط الحكم بما أنزل الله بالإسلام :
قال تعالى : ) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ( [ النساء : 125 ] , وقال تعالى : ) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ( , والإسلام : أساسه الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
( ولفظ الإسلام : يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص من قوله تعالى : " ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل " فلابد في الإسلام من الاستسلام لله وحده ، وترك الاستسلام لما سواه ، وهذا حقيقة قولنا : لا إله إلا الله  فمن استسلم لله ولغيره فهو مشرك ، والله لا يغفر أن يشرك به ، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته ، وقد قال تعالى : ) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ( [ غافر : 60 ] . انتهى من كتاب ( اقتضاء الصراط المستقيم ج2 – ص836 ) .
D ولا شك أن المُحكّمين للقوانين الوضعية والمتحاكمين إليها قد استسلموا لغير الله تعالى , وهذا هو الشرك الأكبر . إن طائفة العلمانيين يستسلمون لله تعالى في جانب الشعائر التعبدية , ويستسلمون لغير الله تعالى في الحكم والتشريع , فآمنوا بالبعض وكفروا بالبعض الآخر .
وإنما الذي يجعل الإنسان في دائرة الإسلام , هو أن يدخل في السلم كافة , فالإسلام كل لا يتجزأ , بمعنى أنه كله من عند الله , فمن أخذ ببعضه عن الله , والبعض الآخر عن غير الله , فقد استسلم لله ولغيره , وهذا الشرك المناقض للإسلام والتوحيد .
ثانياً : ارتباط الحكم بما أنزل الله بالإيمان :
وهذه المسألة جاءت في كتاب الله تعالى في عدة صور من حيث طريقة عرض هذه المسألة الخطيرة .   
الطريقة الأولى : أن تحكيم الشرع شرط في الإيمان وحدّ في الإسلام . قال تعالى : ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [ النساء : 65 ] .
وجه الاستدلال من هذه الآية :  
1-    أن الله تعالى نفى حقيقة الإيمان عن كل من لا يُحكّم رسول الله e في مواطن الشجار والنزاع بينه وبين غيره من المسلمين . قال ابن القيم – رحمه الله - : ( وأجمع المسلمون أن الرد إليه هو الرجوع إليه في حياته والرجوع إلى سنته بعد مماته , واتفقوا أن فرض هذا الرد لم يسقط بموته ) . انتهى ( مختصر الصواعق المرسلة ج2 – ص352 ) .
2- كذلك نفى الله تعالى حقيقة الإيمان عن كل من لا ينشرح صدره لحكم رسول الله e ,         ولا ينقاد له الانقياد الكامل من غير ما شك فيه ولا ريب .
         قال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :
        ( وقد افتتح الله سبحانه هذا الخبر بالقسم المؤكد بالنفي قبله , وأقسم على انتفاء الإيمان منهم حتى يُحكّموا رسول الله e في جميع ما تنازعوا فيه من دقيق الدين وجليله , وفروعه وأصوله ثم لم يكتف فيهم بهذا التحكيم حتى ينتفي الحرج وهو الضيق مما حكم به فتنشرح صدورهم لقبول حكمه انشراحاً لا يبقى معه حرج ثم يسلموا تسليماً أي : ينقادوا انقياداً لحكمه ) . انتهى ( مختصر الصواعق المرسلة ج2 – ص352 ) .
3-    النفي المذكور في الآية نفي صحة الإيمان .
    قال الإمام الطبري  - رحمه الله - : ( فلا وربك لا يؤمنون ) فليس كما يزعمون : أنهم يؤمنون بما أنزل إليك وهم يتحاكموا إلى الطاغوت ) . انتهى ( تفسير الطبري ج8 – ص518 بتحقيق محمود شاكر - رحمه الله - ) .
وقال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله - : ( أي : لا يكونوا مؤمنين حتى يُحكّموك , وقيل ( لا ) رد لزعمهم أنهم مؤمنون , والمعنى : فلا , أي : ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا , وهم يخالفون حكمك , ثم استأنف فقال : ( وربك لا يؤمنون حتى يُحكّموك فيما بينهم ) أي : فيما اختلفوا فيه ) . انتهى ( زاد المسير في علم التفسير ج2 – ص124 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [ النساء : 65 ] , قال ( ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول في كل ما شجر بين الناس في أمر دينهم ودنياهم في أصول دينهم وفروعه , وعليهم كلهم إذا حكم بشيء أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكم ويسلموا تسليماً ) . مجموعة الفتاوى ج7 – ص37 / 38 .
الطريقة الثانية : رد النزاع والخلاف إلى الشرع يُعد شرطاً في قبول الإيمان وتحقيقه .
 قال تعالى : ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( [ النساء : 59 ] .
وجه الاستدلال من الآية :
1-    أنه لا إيمان ولا إسلام لمن لا يحقق الرد إلى الله والرسول في حالة النزاع والخلاف .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : ( فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليها في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر ) . انتهى ( تفسير ابن كثير ج2 – ص304 ) .
وقال العلامة بن القيم – رحمه الله - :
2-    تلازم الإيمان مع تحكيم الشرع في موارد  النزاع .
قال رحمه الله : ( ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الملزم لانتفاء لازمه , ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين , فإنه من الطرفين وكل منهما بانتفاء الأخر ) . انتهى ( مختصر الصواعق المرسلة ج2 – ص50 ) .
3-    من لم يرد النزاع إلى الشرع فهو مؤمن بالطاغوت .
قال العلامة السعدي – رحمه الله - :
( فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة , بل مؤمن بالطاغوت ) . انتهى ( تفسير السعدي ج2 – ص90 ) .
الطريقة الثالثة : جعل الله من صفات المؤمنين اللازمة لهم أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يكون قولهم هو السمع والطاعة .
 قال تعالى : ) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( [ النور : 51 ] , وقال تعالى : ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا ( [ الأحزاب : 36 ] .
قال ابن القيم – رحمه الله - : ( فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله فليس لمؤمن أن يختار شيئاً بعد أمره e , بل إذا أمر فأمره حتم ) . انتهى ( مختصر الصواعق المرسلة ج2 – ص254 ) .
وقال العلامة السعدي : ( فذكر أولا السبب الموجب لعدم معارضة أمر الله ورسوله , وهو : الإيمان , ثم ذكر المانع من ذلك وهو التخويف بالضلال , الدال على العقوبة والنكال ) . انتهى ( تفسير السعدي ج6 – ص223 ) .
الطريقة الرابعة : نفي حقيقة الإيمان عن الذين يحصرونه في دائرة القول والاعتقاد فحسب .
قال تعالى : ) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ( [ آل عمران : 31 ] .
وقال تعالى : ) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ( [ النور : 47 ] .
ووجه الاستدلال من الآيتين :
1-    اعتبار طاعة النبي e شرطاً في صدق محبته – التي لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون مقدمة على كل محبة – فمن أحب الله حقاً أطاع رسوله طاعة حقة , ومن ادعى حب الله وحب رسوله وهو في واقع أمره يخالف شرع الله وشرع رسوله وحكم الله وحكم رسوله فهو مفترٍ كذّاب .
2-    الكلمة وحدها لا تنفع بدون عمل .
قرر الله جل وعلا نفي الإيمان عن الذين يحصرونه في دائرة القول والاعتقاد فحسب , فلا تتجاوز آثاره ومقتضياته ألسنتهم إلي شئ من حياتهم العملية وممارستهم الحياتية ) وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ( . فلو كانت الكلمة تنفع وحدها بدون عمل – كما يقول المرجئة قديماً وحديثاً – لكفى هؤلاء القوم قولهم ) آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا (. حيث اشتمل قولهم على الإيمان بالله والإقرار بكل ما جاء عنه , ولا يعتبر توليهم بعد ذلك جحوداً , لأنهم قد اقروا بمقتضيات الإيمان بقولهم ) َأَطَعْنَا ( فهم معترفون أن الطاعة واجبة وأنها من لوازم الإيمان ولكنهم تولوا عنها لسبب أو لآخر , فاعتبرهم الله بمجرد ذلك التولي عن الطاعة والاتباع كفاراً لا إيمان لهم  ) وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( والتولي : هو التولي عن الطاعة ) . ا هـ ( الإيمان ص136 ) .
وقال أيضاً : ( فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما يخبر ويطيعوه فيما أمر , وضد التصديق التكذيب وضد الطاعة التولي ) . ا هـ ( الإيمان  ص137 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً : ( فنفى – أي الله – الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول ) . ا هـ ( الإيمان ص 137 ) .
ثالثاً : ارتباط الحكم بما أنزل الله وتحكيم الشريعة بالتوحيد :
مما لا شك فيه أن قضية الحكم وتحكيم الشريعة لها ارتباط وثيق بأنواع التوحيد الثلاثة .
أما توحيد الألوهية – فقد قال الله تعالى في قصة يوسف – عليه السلام – وهو يدعوا إلى الله في سجنه : ) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاِّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاِّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاِّ تَعْبُدُوا إِلاِّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ([ يوسف : 40 ]  , وقال تعالى : )  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاِّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاِّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( [ التوبة : 31 ] .
وأما توحيد الربوبية – فقد قال الله تعالى : ) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( [ الأعراف : 54 ] , وقال تعالى : ) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( [ القصص : 68 ] .
وأما توحيد الأسماء والصفات – فمن المعلوم أن من أسماء الله تعالى : الحكم , الحاكم , والحكيم .  قال تعالى : ) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً  ( [ الأنعام : 114 ] , وقال تعالى : ) ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ( [ الممتحنة : 10 ] , وقال تعالى : ) وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( [ الرعد : 41 ] , وقال تعالى : ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاِّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ( [ الأنعام : 57 ] .
D وقد ورد وصفه جل وعلا – خير الحاكمين – في الأعراف 87 , ويونس 116 , ويوسف 80  . كما ورد أنه جل وعلا – أحكم الحاكمين – في : هود 45 , والتين 8 .
 D ومما يدل على ارتباط الحكم بما أنزل الله بالتوحيد : أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في كتاب التوحيد – ذكر ضمن ( باب : تفسير التوحيد وشهادة أن " لا إله إلا الله " حيث ذكر من نصوص الباب – قوله تعالى :  )  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه (  [ التوبة : 31 ] , ولم يكتف بذلك بل عقد لها باباً مستقلاً فقال ( باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله ) . وذكر فيه بعض الآثار , وحديث عدي بن حاتم – ثم عقد باباً بعده – فقال : باب : قول الله تعالى : ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ([ النساء : 60 ] , وذكر آيات أخرى كثيرة .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله – رحمه الله – في ( تيسير العزيز الحميد   ص554 / 555 ) :
( لما كان التوحيد الذي هو معنى شهادة " لا إله إلا الله " مشتملاً على الإيمان بالرسول e مستلزماً له , وذلك هو الشهادتان , ولهذا جعلها النبي e ركناً واحداً في قوله : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت  "  .
نبه في هذا الباب على ما تضمنه التوحيد واستلزمه من تحكيم الرسول e في موارد النزاع , إذ هذا هو مقتضى شهادة أن " لا إله إلا الله " ولازمها الذي لا بد منه لكل مؤمن , فإن من عرف أن " لا إله إلا الله " فلا بد من الانقياد لحكم الله والتسليم لأمره الذي جاء به من عنده على يد رسولهe  .
فمن شهد أن " لا إله إلا الله " ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول e في موارد النزاع فقد كذب في شهادته ..... ) . انتهى  




توضيح وبيان لارتباط الحاكمية بالشهادتين
 




أولا : ارتباط الحكم بما أنزل الله بشهادة أن لا إله إلا الله : قال تعالى : ) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( [ النحل : 36 ] .
وجه الاستدلال بهذه الآية المباركة :
1-    أن الله جل وعلا جمع كل ما عداه من معبودات باطلة جاوز بها الناس حدها المضروب لها فجعلوا منها آلهة تُعبد من دون الله بأي شكل من أشكال العبادة – الطرف المقابل له : ) أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( . وهذه المقابلة تعني : أن الخضوع لأي سلطة أخرى خضوع للطاغوت , وقد حصر ربنا جل وعلا دعوة الرسل في إخراج الناس من عبادة الطاغوت – التي قد تتمثل في صورة اعتقاد , أوفي صورة تقديم شعائر وقوانين ومناهج يناهض بها شرع الله وقانونه ومنهجه – إلى عبادة الله وحده . وهذا المعنى أتت به هذه الآية – هو معنى : “ لا إله إلا الله “ لأنها مركبة من نفي واثبات , فنفيها هو : خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات واثباتها – هو : إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص على الوجه الذي شرعه ألسنة رسله عليهم السلام .
2-    أما الطاغوت الذي يجب على المسلم اجتنابه فله صور وأشكال كثيرة , ليس هذا موضع الحديث عن ذلك , ولكن نشير إلى ما يناسب المقام في هذا الموضع :
[أ] فالطاغوت قد يكون حكما غير حكم الله تعالى رضيه الناس .
 يقول الإمام الطبري – في معنى " الطاغوت " أنه من يعظمونه ويصدرون عن قوله , ويرضون حكمه من دون حكم الله ) . انتهى ( تفسير الطبري ج5 – ص419 تحقيق محمود شاكر ) .
[ب] وزاد تعريف الطاغوت بياناً – الشيخ المودودي – رحمه الله تعالى " الطاغوت " كل دولة أو سلطة وكل إمامة أو قيادة تبغي على الله وتتمرد ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد ) . انتهى ( المصطلحات الأربعة في القرآن – ص101 )
[جـ] وقال الأستاذ سيد قطب – رحمه الله - : " الطاغوت " : هو كل شرع لم يأذن به الله , وكل حكم ليس له من شريعة الله سند ) . انتهى ( في ظلال القرآن ج2 – ص681 ) .
D إذن فالحاكم أو الرئيس أو الملك أو ولي الأمر الذي يخالف حكم الله وشرعه , ويحمل الناس على طاعته واتباعه فيما لم يأذن به الله – فإنه " طاغوت " أمرنا الله بأن نكفر به واعتبر طاعته عبادة  له من دون الله .
وكذلك : سائر الدول والحكومات والهيئات التي عدلت عن شرع الله وحكمه بأي صورة من الصور , أو شكل من الأشكال إلى ما سواهما من شرع البشر وحكمهم , فهم لا شك أنهم طواغيت .
ويدخل في ذلك ضعاف النفوس من علماء الدين الذين يكونون بين يدي الحكام والحكومات – ليقوموا بدور السدنة الذين يكونون بين يدي الأصنام فيفتون لها بما يوافق هواها من غير هدي الله , فيحلوا ما حرم الله , ويحرموا ما أحل الله , فلا شك في أنهم طواغيت .
ورحم الله الإمام ابن القيم – وهو يقول عن تعريف " الطاغوت " فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ) . انتهى ( إعلام الموقعين ج2- ص50 ) .
فالذي لا يكفر بالطاغوت , وهو يدعي الإيمان والإسلام فإنه يخدع نفسه , لأن الجمع بين النقيضين من الأمور الثابت تعذرها شرعاً وعقلا , وإنما هو بين خيارين :
الأول : إما أن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت .
الثاني : وإما أن يؤمن بالطاغوت ويكفر بالله , وليس بين هذين الخيارين ثالث .
يقول العلامة الشنقيطي – رحمه الله - : ( واعلم أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت , ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه ) . انتهى ( أضواء البيان ج3 – ص245 ) .
D وصدق الله جل وعلا حيث يقول : ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ( [ النساء : 60 ] .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : ( هذا إنكار من الله جل وعلا على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلي غير كتاب الله وسنة رسوله ) . انتهى ( تفسير ابن كثير ج1 – ص518 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : ( فالمقصود أنه لا بد من توحيد الله بإفراده بالعبادة والبراءة من عبادة غير وعابدي غيره , ولا بد من اعتقاد بطلان الشرك , وأن الواجب على جميع العباد من جن وأنس أن يخصوا الله بالعبادة ويؤدوا حق هذا التوحيد بتحكيم شريعة الله , فإن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم , ومن توحيده الإيمان والتصديق بذلك , فهو الحاكم في الدنيا بشريعته وفي الآخرة بنفسه سبحانه وتعالى , كما قال جلا وعلا : ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ( [ يوسف : 40 ] , وقال تعالى : ) فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ( [ غافر : 12 ] , وقال سبحانه : ) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ( [ الشورى : 10 ] . انتهى ( من مجموع فتاوى بن باز ج2 – ص20 ) .
ويقول الشيخ ابن باز –رحمه الله – أيضا : ( والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله, فالله سبحانه هو رب الناس وإلههم و وهو الذي خلقهم , وهو الذي يأمرهم , وينهاهم , ويحيهم , ويحاسبهم ويجازيهم , وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه . قال تعالى : ) أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ( [ الأعراف : 54 ] , فكما أنه الخالق وحده فهو الآمر سبحانه والواجب طاعة أمره ، وقد حكى الله عن اليهود أنهم اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله ) . انتهى ( وجوب تحكيم شرع الله – ص7 ) .
ثانيا : ارتباط الحكم بما أنزل الله : بشهادة أن محمداً رسول الله :
قال تعالى : ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [ النساء : 65 ] .
فنفى الله تعالى الإيمان عمن لم يُحكّم النبي e في موارد النزاع والخصام .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
( والشهادة بأن محمداً رسول الله ، تتضمن تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر. فما أثبته وجب إثباته ، وما نفاه وجب نفيه................... وعليهم أن يفعلوا ما أمر به وأن ينتهوا عما نهى عنه ، ويحللوا ما حلله ، ويحرموا ما حرمه ، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ، لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله ، ولكونهم شرعوا ديناً لم يأذن به الله ........... فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك ، ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع . والشرك بدعة، والمبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك ، كما قال تعالى : ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( [ التوبة : 31 ] , وكان من إشراكهم بهم أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ) . انتهى ( اقتضاء الصراط المستقيم ج2 – ص834 / 835 ) .
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى : معلقاً على قول الله تعالى : ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [ النساء : 65 ] .
فأقسم سبحانه بأجل مقسم به - وهونفسه عز وجل - على أنه لا يثبت لهم الإيمان ، ولا يكونون من أهله ، حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع في جميع أبواب الدين . فإن لفظة " ما " من صيغ العموم فإنها موصلة تقتضي نفي الإيمان أو يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم . ولم يقتصر على هذا حتى ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه حيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً - وهو الضيق والحصر - من حكمه ، بل يقبلوا حكمه بالانشراح ، ويقابلوه بالتسليملا أنهم يأخذونه على إغماض ، ويشربونه على قذى ، فإن هذا مناف للإيمان ، بل لابد أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر .
 ومتىأراد العبد أن يعلمهذا فلينظر في حاله ، ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها ) بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ( [ القيامة : 15 ] .
فسبحان الله ! كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثيرمن النصوص وبودهم أن لو لم ترد ؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها ، وكم من شجي في حلوقهم  منها ومن موردها ؟ ستبدولهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر .
ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله تعالى " وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"فذكر الفعل مؤكداً بمصدره القائم مقام ذكره مرتين . وهو التسليم والخضوع له والانقياد لما حكم به طوعا ورضاً ، وتسليما لا قهراً ومصابرة ، كما يسلم المقهور لمن قهره كرهاً ، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شئ إليه ، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه ويعلم بأنه أولى به من نفسه وابر به منها واقدر على تخليصها . فمتى علم العبد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم واستسلم له ، وسلم إليه،انقادت له كل علة في قلبه ورأى أن لا سعادة له إلا بهذا التسليم والانقياد  ) .انتهى ( من الرسالة التبوكية – ص22 / 24 ) .  ومن أراد المزيد فليرجع إلى مدارج السالكين أيضاً ج 2 – ص172 / 173 ) .
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله - : في بيان ارتباط الحكم بما أنزل الله بشهادة أن محمداً رسول الله :
قال ( أما شهادةمحمداً رسول الله فكثير من الناس لا يفهمها على حقيقتها , وحكّموا القوانين الوضعية , وأعرضوا عن شريعة الله ولم يبالوا بها جهلاً بها , وتجاهلاً لها . إن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي الإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام وطاعته في أوامره , واجتناب نواهيه وتصديق أخباره , وأن لا يُعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام , كما قال الله عز وجل : ) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ( [ آل عمران : 31 ] , وقال سبحانه : ) وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ( [ الحشر : 7 ] .
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع الثقلين أن يعبدوا الله وحده وأن يُحكّموا نبيه محمدا  عليه الصلاة والسلام , كما قال سبحانه : ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ( الآية ) . اهـ ( مجموع فتاوى ابن باز ج2 – ص337 ) .
D وكلام العلماء حول هذه المسألة يطول ذكره , وفيما ذكرناه كفاية , فمن مقتضى الشهادتين : تحكيم شرع الله تعالى والحكم به , والتحاكم إليه , فمن خالف في ذلك , فقد نقض قوله : ( لا إله إلا الله – محمد رسول الله ) .
وأخيراً :
     اعتبار الشارع الحكم بغير ما أنزل الله ضرب من ضروب الشرك الأكبر المنافي للتوحيد :
وهذه المسألة فيها كلام كثير لا يحتمله هذا الموضع , لذا سوف نشير إشارات مجملة تؤدي الغرض الكافي في هذا الموضع :
[1] قال تعالى : ) وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ( [ الأنعام : 21 ]  . فالطاعة والاتباع لغير شرع الله يُعد شركاً وعبادة للمشرع والمقنن من دون الله تعالى , لأنه بذلك تعدى على حق الله جل وعلا , فلا فرق بين من يسجد لصنم وبين من يتجه إلى سلطة غير سلطة الله , ومصدر غير مصدره ليستمد منها أحكام الحِل والحرمة , ليصيغ حياته على هداها .
والقرآن الكريم ينص صراحة على أن اليهود والنصارى قد وقعوا في هذا اللون من الشرك – شرك الطاعة والاتباع – حيث أطاعوا أحبارهم ورهبانهم فيما لم يأذن به الله من التحليل والتحريم , قال تعالى : ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاِّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاِّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (   [ التوبة : 31 ] .
ووجه الاستدلال من هذه الآية يستفاد من موضعين :
الموضع الأول : في قوله تعالى : ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه( [ التوبة : 31 ]  , حيث اعتبر ربنا عز وجل طاعة اليهود لأحبارهم وطاعة النصارى لرهبانهم فيما سنّوا لهم من قوانين وتشريعات بغير هدى من الله عبادة لهم من دون الله , وأنهم بطاعتهم لهم ومتابعتم إياهم في كل ما يصدر عنهم من أمر أو نهي قد أنزلوهم منزلة الأرباب والآلهة .
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره ج8 – ص120:
قوله تعالى : )  أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه( , قال أهل المعاني : جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم في كل شئ ) .
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره ج14– ص211:
( عن عطاء عن أبي البحتري : ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه (  [ التوبة : 31 ] , قال : انطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراماً , وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالاً , فأطاعوهم في ذلك , فجعل الله طاعتهم عبادتهم و ولو قالوا لهم " اعبدونا " لم يفعلوا ) . اهـ
الموضع الثاني : قوله تعالى : ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه ( [ التوبة : 31 ]   . حيث سوّى عز وجل بين شرك الطاعة والاتباع وشرك العقيدة من حيث الحكم , فجعل من يشرك غير الله مع الله في الطاعة والإتباع فيما لم يأذن به الله كمن يشرك في الاعتقاد بألوهية أحد غير الله من مختلف المعبودات الباطلة .
إن اليهود لم يعتقدوا ألوهية أحد من الأحبار ولا ربوبيته على شئ مما في هذا الوجود , وكذلك النصارى لم يعتقدوا هذا الاعتقاد في حق رهبانهم , ولكن ربوبيتهم وألوهيتهم جاءت من قبيل اعتدائهم على حق من حقوق الله وربوبيته , وذلك هو حق التشريع بما فيه التحليل والتحريم أولا , ثم متابعة الناس لهم في ذلك ثانياً . وكأن الله جل وعلا يقول لنا : أن من ادّعى لنفسه شيئاً مما هو من خصائص الإله والرب فكأنه قد أنزل نفسه منزلة الإله الرب . وأن كل من أطاعه في شئ مما ادعاه , وامتثل أمره ونهيه فيه فكأنه قد اعترف بألوهيته وربوبيته وتقرب إليه بالطاعة والاتباع , ومن هنا كانت طاعتهم لهم عبادة لهم من دون الله .
 قال تعالى : ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ([ الشورى : 21 ] , وإن أفضل ما يذكر في هذه الموضع تفسير النبي e لهذه الآية , فلا كلام بعد كلامه .
قال عدي بن حاتم : أتيت النبي e وفي عنقي صليب من ذهب , فقال : يا عدي اطرح عنك هذا الوثن , وسمعته يقرأ في سورة براءة : ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ( [ الشورى : 21 ] , قال : ( أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم , ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه , وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه ) . رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني . والحديث له عدة روايات بألفاظ مختلفة
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله ج3 – ص1642 : ( إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده , ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته , ولا تقديم الشعائر التعبدية له ) . اهـ
والموضع الثاني من وجه الاستدلال – في شأن النصارى ( والمسيح بن مريم ) أي : أن النصارى اعتقدوا ألوهية المسيح وتقربوا إليه بالشعائر التعبدية , فشرك النصارى كما هو واضح – الطاعة والاتباع , فشرك النصارى اعتقادي , وشرك اليهود شرك عملي , والآية الكريمة سَوّت بين الشركين في الحكم حيث اعتبرت الجميع قد أشركوا بالله شركاً مخرجاً من الملة . قال تعالى : ) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( [ التوبة : 31 ]
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله ج3 – ص1642 : ( إن النص القرآني يُسوّي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله , بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوه واتبعوه , وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقاداً وقدموا إليه الشعائر في العبادة , فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركاً بالله , الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين ) . اهـ
D مما سبق يتبين الآتي :
طاعة غير الله فيما لم يأذن به الله من حكم أو تشريع أو تقنين أو سلطة أو هيئة أو جماعة أو شخص أو ما عدا ذلك من ضروب التبعية , من الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الإيمان جملة ويدخله في الشرك جملة . وأنه لا فرق بين من يسجد لصنم يعتقد ألوهيته ونفعه وضره , وبين من يحكم بغير ما أنزل الله , أو يحتكم إلى حكم غير الله , أو يطيع غير الله فيما لم يأذن به الله , وعندما تكون صورة الطاعة والمتابعة شبيهة بالصورة التي ذكرها الله في القرآن الكريم في أهل الكتاب وبيّنها الرسول e في حديث عدي بن حاتم .
[2] نص الله تعالى صراحة على أن الحاكم الذي بغير ما أنزل الله كافراً أو ظالماً وفاسقاً , وهذه صفات لشيء واحد , وهو الكفر المخرج من الملة .
قال تعالى : ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( [ المائدة : 44 ]  , وقوله تعالى : ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( [ المائدة : 45 ] , وقوله تعالى : )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( [ المائدة : 47 ] , وقوله تعالى : ) وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ ( [ العنكبوت : 49 ] .
وكذلك عبر القرآن الكريم عن الكفر بالفسق , كما في قوله تعالى : ) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ( [ البقرة : 99 ] , وقوله تعالى : ) وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ([ النور : 55 ] .
D ونلخص من ذلك إلى القول بأن فسق من لم يحكم بما أنزل الله وظلمه هو الكفر بعينه , ويكون بذلك من لم يحكم بما أنزل الله كافراً في كل الأحوال بنص القرآن الكريم , والصورة الوحيدة التي لا تُعد كفراً أكبر بالنسبة للحكم بغير ما أنزل الله تعالى تكون في حق الحاكم المسلم الذي يحكم بشرع الله , ولكنه حاد في مسألة عن الحكم بما أنزل الله لشهوة أو لقرابة ونحو ذلك , مع اعترافه بأن ذلك معصية يجب أن يتوب منها , وأن حكم الله هو الحق والصواب , ولم يجعل ذلك قانوناً وتشريعاً يحكم به غيره , وهذا هو المراد بقول ابن عباس ( كفر دون كفر ) .

فائدة جليلة
في اشتمال لا إله إلا الله على أسماء الله وصفاته

قال تعالى : ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ( [ محمد : 19 ] .
D كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " هذه الكلمة من تأملها وجدها شاملة لجميع الإسلام والإيمان والإحسان , فالدين من أوله إلى آخره وكأنه ضُبط بمعنى هذه الكلمة العظيمة " لا إله إلا الله " , فانظر إلى قوله تعالى : ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ  ( [ الأنبياء : 25 ] , تجد أن هذه الكلمة " لا إله إلا الله " خلاصة رسالات الأنبياء جميعاً , تخيل وتدبر معنى أن الرسل الكرام وموكبهم الطويل من أوله إلى آخره , أصله وأساسه هذه الكلمة : " لا إله إلا الله " وكل الفرائض والواجبات متفرعة عن هذا الأصل , بل لا وجود لها – أي الفرائض – إلا بهذا الأصل . فكيف اشتملت هذه الكلمة : " لا إله إلا الله " على أسماء الله وصفاته ؟
والجواب : إن يقال : " لا إله إلا الله " لا معبود بحق إلا الله , والذي يستحق العبادة ويُفرد بها هو الرب الكامل في أسمائه وصفاته .
ومعنى ذلك أن كلمة التوحيد جامعة لكل أسماء وصفات الرب , لأنه جل وعلا كما أنه واحد في ذاته , فهو واحد في أفعاله , وكذلك واحد في أُلهيته جل وعلا .
أمثلة توضح المراد من ذلك :
المثال الأول : اسم ( الخالق ) جل وعلا , عندما نذكره نعلم أنه من أعظم أفعال الرب جل وعلا , فإذا أردنا أن نعلم مكانه في كلمة التوحيد نقول : " لا إله إلا الله " تعني : " لا معبود بحق إلا الخالق " لأنه يجب عليك إفراد الرب بالخالقية , قال تعالى : ) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ([ الأنعام : 102 ] , وقوله تعالى : ) وَخَلِقُ كُلِّ شَيْءٍ ( [ الأنعام : 101 ] .
المثال الثاني : اسم " الرزاق " عندما نذكره ونعلم أنه من أفعال الرب جل وعلا , فيكون معنى " لا إله إلا الله " عند ذلك : " لا معبود بحق إلا الرزاق " لأنه يجب عليك إفراد الرب بالرازقية , قال تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ( [ الذاريات : 58 ] .
المثال الثالث : اسم الله تعالى : " الحكم " عندما نذكره ونعلم أنه من صفات الرب وأفعاله , يكون معنى : " لا إله إلا الله " أي : " لا معبود بحق إلا الحكم " , لأنه يجب عليك أن تُفرده سبحانه بالحكم , فهو الذي يحكم ولا معقب لحكمه , قال جل وعلا : ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ( [ يوسف : 40 ] .
المثال الرابع : اسم الله " القدير " عندما نذكره ونعلم أنه من صفات الله وأفعاله , يكون معنى " لا إله إلا الله " أي : " لا معبود بحق إلا القدير "  , لأنه يجب عليك إفراده جل وعلا بالقدرة الكاملة , قال تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([ البقرة : 20 ] .
المثال الخامس : اسم الله " العليم " عندما نذكره ونعلم أنه من أعظم صفات الله وأفعاله , يكون معنى " لا إله إلا الله " أي : " لا معبود بحق إلا العليم " , لأنه يجب عليك أن تفرد الرب جل وعلا بالعلم الكامل , قال تعالى : ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ([ البقرة : 216 ] , وقوله تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( [ الأنفال : 75 ] .
المثال السادس : اسم الله تعالى " الضار النافع "  عندما نذكر هذين الاسمين ونعلم أنهما من أفعال الرب جل وعلا يكون معنى  " لا إله إلا الله " أي : " لا معبود بحق إلا الضار النافع " , لأنه يجب على العبد أن يُفرد الرب بذلك , فلا ينفع ولا يضر إلا هو سبحانه وتعالى .
D وهكذا يكون المعنى في بقية أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله .

فائدة مهمة
الطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا الله
    
قال العلامة عبد الرحمن السعدي – رخمه الله – في تفسيره : ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ( [ محمد : 19 ]  :
قال : العلم لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته، بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه ‏.
وهذا العلم الذي أمر الله به ـ وهو العلم بتوحيد الله ـفرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد، كائنا من كان، بل كل مضطر إلى ذلك‏. والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا هو أمور‏:
أحدها بل أعظمها‏: تدبر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته فإنها توجب بذل الجهد في التأله له، والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال ‏.
الثاني‏: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية ‏.
الثالث‏: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته، والتأله له وحده لا شريك له‏.
الرابع‏: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا داع إلى العلم، بأنه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها‏.
الخامس‏: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، فقيرة بالذات، لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا ينصرون من عبدهم، ولا ينفعونهم بمثقال ذرة، من جلب خير أو دفع شر، فإن العلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا هو وبطلان إلهية ما سواه‏.
السادس‏: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه‏.
السابع‏: أن خواص الخلق، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقا وعقولا، ورأيا وصوابا، وعلما ـ وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيونـ قد شهدوا لله بذلك‏.
الثامن‏: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه‏.
فهذه الطرق التي أكثر الله من دعوة الخلق بها إلى أنه لا إله إلا الله، وأبداها في كتابه وأعادها عند تأمل العبد في بعضها، لا بد أن يكون عنده يقين وعلم بذلك، فكيف إذا اجتمعت وتواطأت واتفقت، وقامت أدلة التوحيد من كل جانب، فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك في قلب العبد، بحيث يكون كالجبال الرواسي، لا تزلزله الشبه والخيالات، ولا يزداد ـ على تكرر الباطل والشبه ـ إلا نموا وكمالا‏.
هذا، وإن نظرت إلى الدليل العظيم، والأمر الكبير ـوهو تدبر هذا القرآن العظيم، والتأمل في آياته ـ فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره‏  . انتهى ( تيسير الكريم الرحمن – ص1109 ) .


خاتمة الرسالة

1-    لأجل التوحيد مكث رسول الله في مكة المكرمة ثلاثة عشرة سنة يدعو الناس إلى هذا   التوحيد , إلى مضمون ومعنى كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " , حتى أنه لم يشرع شئ من الشرائع في مكة إلا الصلاة التي فرضت قبل الهجرة بحوالي ثلاث سنوات .
2-    التوحيد بداية دعوة الرسل أجمعين , فهي مفتاح الدعوات , ودعوة لا تبدأ بالتوحيد الخالص , ولا يكون أساسها التوحيد لا خير فيها , بل كل الدعوات تنهار لعدم قيامها على هذا الأساس .
روى البخاري ومسلم أن النبي e قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : ( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله – وفي لفظ : شهادة أن لا إله إلا الله وأن  محمداً رسول الله  فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) .
   3- والتوحيد هو أول واجب على المكلف , وهو أول ما يدخل به الإسلام , وآخر ما يخرج به 
من الدنيا .
   4- وكذلك التوحيد هو ركن الدين الأعظم وهو الأساس الذي تبنى عليه سائر الشرائع , ولا يقبل شئ
منها إلا به , فهو – أي التوحيد – شرط صحة في جميع الأعمال . ففي الصحيحين من حديث بن عمر أن النبي e قال : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ) .
5- فالتوحيد الحديث عنه محبب دائماً إلى نفوس الموحدين , ثقيل على المشركين والمنافقين
)        وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ( [ الإسراء : 46 ] , وقال تعالى : ) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( [ الزمر : 45 ] .
       
           فأسال الله تعالى الموفق إلى كل خير أن أكون قد وفقت لتقريب معنى كلمة التوحيد" لا إله إلا الله " . كما أسأله سبحانه أن ينفعني وإخواني المسلمين بكلمة التوحيد في الدنيا والآخر .

والحمد لله رب العالمين


             أهم المراجع

1ـــ تفسير ابن جرير الطبري
2ـــ تفسير ابن كثير
3ـــ تفسير زاد المسير فى علم التفسير لابن الجوزي
4ـــ تفسير القرطبي
5ـــ تفسير السعدي
6ـــ في ظلال القرآن لسيد قطب
7ـــ صحيح البخاري مع الفتح
8ـــ صحيح مسلم بشرح النووى
9ـــ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية
10ـــ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز
11ـــ إقتضاء الصراط المستقيم
12ـــ مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم
13ـــ الرسلة التبوكية لابن القيم
14ـــ فتح المجيد لعبدالرحمن ابن حسن
15ـــالقول السديدفى مقاصد التوحيد للسعدى
16ـــ القول المفيد لابن عثيمين
17ـــ إعانة المستفيد للفوزان
18ـــمجموعة التوحيد
19ـــ الولاء والبراء للقحطانى
20ـــ الموالاة والمعاداة للجلعود



             









0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^