القول المبين فى شرح قاعدة من لم يكفر الكافرين ---------الباب الثانى أقوال بعض أهل العلم فى هذه القاعدة


                   الباب الثاني


 (أقوال بعض أهل العلم في هذه القاعدة )

سبق أن أشرنا إلى أن هذه القاعدة ليست من وضع الشيخ محمد بن عبد الوهاب , وإنما أصل هذه القاعدة هو القرآن الكريم , ومنه أخذ العلماء هذه القاعدة وأثبتوها في أقوالهم , وقالوا بمقتضاها , وبما دلت عليه .
 بل هناك من علماء السلف – رضوان الله عليهم – من نقل الإجماع  على هذه القاعدة .
قال الإمام محمد بن سحنون المالكي ( المتوفى 265 هـ ) :
قال : ( أجمع العلماء أن شاتم النبي e المتنقص له كافر , والوعيد جار عليه بعذاب الله له , وحكمه عند الأمة القتل , ومن شك في كفره وعذابه كفر )  اهـ ( الشفا للقاضي عياض  جـ 2ص121  ) .

يؤخذ من هذا النص عدة أمور وهي :
1- إجماع العلماء على كفر شاتم النبي e .
2- إجماع العلماء على قتل شاتم النبي e .
3- كفر من شك في تكفير شاتم النبي e .
4- كذلك كفر من شك في عذاب شاتم النبي e .
هذا النص لا شك أنه إجماع صحيح فقد ذكره العلماء في كتبهم ولم يقدحوا فيه لا من قريب ولا من بعيد , فقد نقله شيخ الإسلام أيضاً في كتابه الصارم المسلوم , فكل من خالف ذلك من العلماء المتأخرين لا عبرة باختلافهم مع صحة هذا الإجماع ." 1"  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" 1 " هامش :  " أ "     : وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهر وباطناً سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاًله ، أو كان ذاهلاً عن إعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل .. يقول إسحاق بن راهويه : قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله صلى اللله عليه وسلم أو دفع شيئاً مما أنزل الله أو قتل نبياً من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله ) اهـ الصارم المسلول ص524         
" ب " وقال ابن قدامة: _ " ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو يآياته، أو برسله، أو كتبه، قال الله تعالى: _ {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة، الآيات 65،66]المغنى ج10 ص103
" ج " وقال القاضى عياض (اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزوراً، أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لدية، وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا ... لا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماءِ الأمصار وسلف الأمة وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره) اهـ الشفا ج2 ص932
" د " ويقول ابن عابدين - بعد أن ذكر أقوال بعض العلماء في تكفير ساب الرسول صلى الله عليه وسلم -: " وهذه نقول معتضدة بدليلها وهو الإجماع، ولا عبرة بما أشار إليه ابن حزم الظاهري من الخلاف في تكفير المستخف به(7)، فإنه شيء لا يعرف لأحد من العلماء، ومن استقرأ سير الصحابة تحقق إجماعهم على ذلك، فإنه نقل عنهم في قضايا مختلفة منتشرة يستفيض نقلها ولم ينكره أحد، وما حكي عن بعض الفقهاء من أنه إذا لم يستحل لا يكفر زلة عظيمة، وخطأ عظيم لا يثبت عن أحد من العلماء المعتبرين، ولا يقوم عليه دليل صحيح، فأما الدليل على كفره فالكتاب والسنة والإجماع والقياس" اهـ نواقض الايمان القولية والعملية  ج1 ص147
قول القاضي عياض – رحمه الله :
( و ذهب عبيد الله بن الحسن العنبري إلى تصويب أقوال المجتهدين في أصول الدين فيما كان عرضه للتأويل ، و فارق في ذلك فرق الأمة ، إذ أجمعوا سواه على أن الحق في أصول الدين  واحد ، و المخطئ فيه آثم عاص فاسق . و إنما الخلاف في تكفيره" [1]".
و قد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني مثل قول عبيد الله عن داود الأصبهاني ( الظاهري ) :
قال : و حكى قوم عنهما أنهما قالا ذلك في كل من علم الله سبحانه من حاله استفراغ الوسع في طلب الحق من أهل ملتنا أو من غيرهم .
و قال نحو هذا القول الجاحظ ، و ثمامة ، في أن كثيراً من العامة و النساء و البله و مقلدة النصارى و اليهود و غيرهم لا حجة لله عليهم ، إذ لم تكن لهم طباع يمكن معها الاستدلال .
و قد نحا الغزالي من هذا المنحى في كتاب "التفرقة ".
و قائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى و اليهود و كل من فارق دين المسلمين ، أو وقف في تكفيرهم ، أو شك .
قال القاضي أبو بكر : لأن التوقيف و الإجماع اتفقا على  كفرهم ، فمن وقف في ذلك فقد كذب النص ، و التوقيف ، أو شك فيه . و التكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر ) . اهـ ( الشفا – جـ 2ص123 ) .
             يؤخذ من هذا النص عدة أمور مهمة وهي :
1- انعقاد الإجماع على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى والمرتدين عن الإسلام وهذا يؤكد ما سبق من الإجماع أيضاً على صحة هذه القاعدة .
2- إذا كان عدم تكفير الكافرين كفراً , فكذلك من وقف فيهم , أي : لم يحكم لهم بكفر أو إسلام , بل توقف فيهم , فمن فعل ذلك يكون كافراً أيضاً .
3- وكذلك الشك في كفرهم يكون كفراً أيضاً , مما يدل على أن المسلم الموحد يجب عليه أن يجزم بكفر الكافرين المقطوع لهم بالكفر , ولا يتوقف فيهم ولا يشك في كفرهم أبداً .
والعلة في ذلك على ما ذكره القاضي عياض : أن عدم تكفير الكافرين أو الشك في كفرهم أن هذا تكذيب لله ولكتابه وللإجماع المنعقد في ذلك .

قول آخر للقاضي عياض – رحمه الله :
قال : فصل : في بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف فيه أو يختلف فيه , وما ليس بكفر :
 ( .............. و لهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك ، أو صحح مذهبهم ، و إن أظهر مع ذلك الإسلام, واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه , فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك ) "1 ". اهـ ( الشفا جـ2 – ص372 ) .
يؤخذ من هذا النص عدة أمور :
1- كفر من لم يُكفر كل من دان بدين غير الإسلام , فيدخل في ذلك اليهود والنصارى والمجوس , والمشركين والشيوعيين , وغيرهم .
2- كذلك من توقف في كفر من دان بغير الإسلام يكون كافراً , لأنه بذلك لا يكون مصدقاً للقرآن الكريم بل مكذباً به .
3- وكذلك من شك في كفر من دان بغير الإسلام يكون كافراً , لأن الشك في ذلك ردّ لأحكام القرآن الكريم , بل هو من المعلوم بالضرورة في دين الإسلام .
4- وكذلك كل من صحح مذهب طائفة أو فرقة من الفرق التي تدين بغير الإسلام , يكون كافراً , لأن تصحيح مذهب من المذاهب المخالفة لأصل دين الإسلام , يُعد تصحيحاً للكفر والشرك , ويدخل في ذلك كل من اعتقد أن سبب تقدم الدول الغربية هو تخليهم عن دينهم , ويعتقد مع ذلك أن المسلمين لن يتقدموا أيضاً إلا إذا تخلوا عن دينهم وتحللوا منه و كما فعل الغرب , فلا شك في كفر من اعتقد ذلك , بل لا شك في كفر من لم يُكفره .
5- أن الأحكام تجري على مقتضى الظاهر , وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث مستقل , لأن من أظهر الإسلام , بل وأظهر أنه لا يعتقد إلا صحة الإسلام وبطلان ما يخالفه , كان كافراً أيضاً , بإظهار ما أظهر مما يخالف ذلك بسبب : عدم تكفيره للكفار المقطوع بكفرهم أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم , لأن إظهار ذلك يكون ناقصاً لاعتقاده الأول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
" 1 " إجراء الأحكام على مقتضى الظاهر هو ما عليه أهل السنة والجماعة ، ونذكر بعض ما قاله أهل العلم فى ذلك باختصار :
1- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا}(346) قال الشوكاني رحمه الله: (والمراد هنا: لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم: لست مؤمناً والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقية) (347).
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - (فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل، لقوله تعالى: {فتبينوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها للتثبت معنى، إلى أن يقول: (و إن من أظهر التوحيد و الإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك) (348).
2- واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله" والشاهد من الحديث قوله (وحسابهم على الله) قال ابن رجب: (وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، و إن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار (350). وق-ال الحافظ في الفتح: (أي أمر سرائرهم.. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر) (351)وقال الإمام البغوي: (وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، و أن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره، ولو وجد مختون فيما بين قتلى غلف، عزل عنهم في المدفن، ولو وجد لقيط في بلد المسلمين حكم بإسلامه) (352).
3- واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال: " بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة (353)فأدركت رجلاً فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أقال لا إله إلا الله وقتلته قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ"(354)، (355)
والحديث فيه زجر شديد وتحذير من الإقدام على قتل من تلفظ بالتوحيد وتحذير صريح من تجاوز الظاهر والحكم على ما في القلب دون بينة، قال النووي - رحمه الله-: (وقوله - صلى الله عليه وسلم- أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ الفاعل في قوله أقالها هو القلب(356)، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر، هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب ولا تطلب غيره) (357)، وقال أيضاً في تعليقه على قوله - صلى الله عليه وسلم-: "أفلا شققت عن قلبه؟" (وفيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام فيها بالظاهر والله يتولى السرائر) (358)
4- ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب حديث جارية معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله - صلى الله علي-ه وسلم-: " أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة"(359).
قال شيخ الإسلام في تعليقه على هذا الحديث (...فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعتقها فإنها مؤمنة" أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) (360)، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) (361)
ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم- يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم.. ولم يحكم النبي -صلى الله عليه وسلم - في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبد الله بن أبي سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبد الله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، و إذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين.. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) (362) (وهكذا كان حكمه - صلى الله عليه وسلم- في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) (363)ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة) اهـ نواقض الايمان الاعتقادية ج1 151ص152

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – قال  : « إِن ناسا كانوا يُؤخَذون بالوحي في عهدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإِن الوحي قَدِ انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أَظْهَرَ لَنَا خَيرا أَمِنَّاهُ ، وقَرَّبْنَاهُ ، وليس لنا من سَرِيرتِهِ شيء، الله يُحَاسِبُهُ في سريرته ، ومَنْ أَظْهَرَ لنا سُوءا لم نَأْمَنْهُ ، ولم نُصَدِّقه ، وإن قال : إِنَّ سريرتَه حسنة ». أخرجه البخاري.
قال ابن بطال " قال أبو الحسن بن القابسى: ينبغى لكل من سمع هذا الحديث أن يحفظه ويتأدب به. والمرفوع من هذا الحديث إخبار عمر عما كان الناس يؤخذون به على عهد رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  وبقية الخبر بيان لما يستعمله الناس بعد انقطاع الوحى بوفاة النبى  - صلى الله عليه وسلم - .
وفى هذا الحديث من الفقه: أن من ظهر منه الخير فهو العدل الذى تجب قبول شهادته.
واختلفوا فى ذلك فقال النخعى: العدل: الذى لم تظهر له ريبة. وهو قول أحمد وإسحاق.
وقال أبو عبيد: من ضيع شيئًا مما أمره الله به أو ركب شيئًا مما نهى الله عنه، فليس بعدل؛ لقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض..} [الأحزاب: 72] الآية، والأمانة جميع الفرائض اللازمة واللازم تركها."ج15 ص23
قال شيخ الاسلام " ومنشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة فإن أولاد الكفار لما كانوا يجري عليهم أحكام الكفر في أمور الدنيا مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم وحضانة آبائهم لهم وتمكين آبائهم من تعليمهم وتأديبهم والموارثة بينهم وبين آبائهم واسترقاقهم إذا كان آبائهم محاربين وغير ذلك - صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر كالذي تكلم بالكفر وعمل به
 ومن هنا قال من قال : إن هذا الحديث - هو قوله : [ كل مولود يولد على الفطرة ] كان قبل أن تنزل الأحكام كما ذكره أبوعبيد عن محمد بن الحسن فأما إذا عرف أن كونهم ولدوا عى الفطرة لا ينافي أن يكونوا تبعا لآبائهم في أحكام الدنيا زالت الشبهة وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه من لا يعلم المسلمون حاله إذا قاتلوا الكفار فيقتلونه ولا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين وهو في الآخرة من المؤمنين أهل الجنة كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار فحكم الدار الآخرة غير حكام الدار الدنيا"اهـ  
الدرء ج8 ص432 ـ433
قال الشاطبى " وإنما كلف العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله الى قوله فطبع على قلوبهم"اهـ الموافقات ج1 ص295
وقال أيضا " وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لأحد أن يحكم على أحد إلا بظاهر والظاهر ما أقر به أو ما قامت به بينة تثبت عليه " الموافقات
ج1 ص260
وقال رخمه الله تعالى " ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة فى الشرع دليلا على ما فى الباطن فإن كان الظاهر منخرما حكم على الباطن بذلك أو مستقيما حكم على الباطن بذلك أيضا وهو أصل عام فى الفقه وسائر الأحكام العاديات والتجريبيات بل الإلتفات إليها من هذا الوجه نافع فى جملة الشريعة جدا والأدلة على صحته كثيرة جدا وكفى بذلك عمدة أنه الحاكم بإيمان المؤمن وكفر الكافر وطاعة المطيع وعصيان العاصي وعدالة العدل وجرحة المجرح وبذلك تنعقد العقود وترتبط المواثيق إلى غير ذلك من الأمور بل هو كلية التشريع وعمدة التكليف بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية الخاصة والعامة "اهـ
الموافقات ج1 ص233
وقال أيضا " فإن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به فى الأحكام خصوصا وبالنسبة إلى الاعتقاد فى الغير عموما أيضا فإن سيد البشر صلى الله عيله وسلم مع إعلامه بالوحي يجرى الأمور على ظواهرها فى المنافقين وغيرهم وإن علم بواطن أحوالهم ولم يكن ذلك بمخرجة عن جريان الظواهر على ما جرت عليه "اهـ
الموافقات ج2 ص271
المرتد اذا اظهر ردته
قال صاحب كتاب : "مطاعن فى عقوبتى الزانى والمرتد"
2- ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالي : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً 0 ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً 0 سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً } ( 3 ) 0(3)
قال الحسن البصري : أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه . ( 4 )(4)
وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره ، ويطعن في دين الله - عز وجل -، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له .
والسؤال هنا : هل هناك شك في أن المرتد عن دين الإسلام منافق ؟ يسعى إلي تفريق جماعة المسلمين ، وإفساد دينهم عليهم ؟ ! 0
فالمرتد كما سبق وأن قلنا : إن كانت ردته بينه وبين نفسه , دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم , فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تُخفِي الصدور .
أما إذا أظهر المرتد عن دين الإسلام ردته ، وأثار الشكوك في نفوس المسلمين بالنطق بكلمة الكفر، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
كان حاله في هذه الحالة حال المنافق الذي يُظهر ما في قلبه من الكفر والنفاق ؛ وجهاده واجب عملاً بقوله تعالي :
3- { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جنهم وبئس المصير0 0
يحلفون ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليِّ ولا نصير } ( 1 ) 0(1)
ووجه الدليل في الآيتين : أن الله أمر رسوله ( بجهاد المنافقين , كما أمره بجهاد الكافرين وأن جهادهم يمكن إذا ظهر منهم ؛ من القول أو الفعل ما يُوجب العقوبة ، فإنه ما لم يظهر منهم شئ البتة لم يكن لنا سبيل عليهم 0
فإذا ظهر منهم كلمة الكفر كما قال الله - عز وجل - { وكفروا بعد إسلامهم } فجهادهم بالقتل وهو العذاب الأليم الذي توعدهم به - عز وجل - في الدنيا بقوله : { وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة } 0
4- وهذه الآية نظير قوله تعالي { قل هل تربصُّون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا }
قال أهل التفسير ( أو بأيدينا ) بالقتل : إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم ، وهو كما قالوا ؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم ( 3 )(1)0
فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك , في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر , مثل المنافق , جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم ؟ ! 0
أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه ، ولم يعلن بها ، فحكمه في هذه الحالة , حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين , غير أنه لم يعلن كلمة الكفر , فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه ، ويحصن به من القتل .
وهذا من حكم عدم قتل النبي ( بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم !
أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي ( في مواقف عدة منها : ـ
قوله  لأسامة بن زيد - رضي الله عنه - لما أخبر النبي ( أنه قتل من قال  لا إله إلاّالله خوفاً من السيف ، فقال له النبي أفلا شققت عن قلبه حتى تعلمأقالها أم لا )) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .
وفي رواية قال له رسول الله فكيف تصنع بلا إله إلاَّ الله , إذا جاءت يوم
القيامة ؟ قال يا رسول الله ! استغفر لي 0 قال : وكيف تفعل بلا إله إلاَّ الله إذاجاءت يوم القيامة ؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول , كيف تصنع بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ )
وقوله ( للذي ساره في قتل رجل من المنافقين : (( أليس يشهد أن لا إله إلاالله ؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله ؛ ولا شهادة له 0 قال رسول الله أليس يشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال بلي يا رسول الله ! قال :أليس يصلي ؟قال بلي يارسول الله ؛ ولا صلاة له 0 فقال رسول الله ((أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم )) وقوله ( لخالد بن الوليد - رضي الله عنه - لما استأذن في قتل رجل أنكر قسمته ( فقال رسول الله: لا 0 لعله أن يكون يصلي : قال خالد : كم من مصلي قول بلسانه ماليس في قلبه ! فقال رسول الله ( إني لم أُومر أن أُنَّقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) والأحاديث في ذلك كثيرة .
فإعراض رسول الله ( عن قتل بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم وقبول علانيتهم لوجهين :
الوجه الأول: أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة ، بل كانوا
يظهرون الإسلام ، ونفاقهم كان يعرف بعلامات منها, الكلمة يسمعها الرجل المؤمن
فينقلها إلي النبي ( فيحلفون بالله أنهم ما قالوا ؛ كما قال الله - عز وجل -: { يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم }
وقوله تعالي : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون } ( 5 ) 0(1)
فدلت هذه الآيات أن المنافقين كانوا يُرضون المؤمنين بالأيمان الكاذبة ، وينكروا أنهم كفروا ، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر . وذلك دليل علي أنهم يُقتلون إذا ثبت عليهم ذلك بالبينة .
وكذلك المرتد إذا أظهر ردته , ونطق بكلمة الكفر , وثبتت عليه البينة ؛ قُتِلْ 0
الوجه الثاني: أنه ( كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر من استبقائهم ، وقد بين ذلك رسول الله ( حين استأذنه عمر  في قتل رجل من المنافقين أنكر قسمته ( فقال : - صلى الله عليه وسلم - معاذ الله ! أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي )
فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظانَّ أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد وبالجملة كان ترك قتلهم مع كونهم كفاراً ، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ، فإذا ظهر استحقوا القتل بصريح القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والسيرة العطرة التي ورد فيها إهدار دماء بعضهم ." اهـ  مطاعن فى عقوبتى الزانى والمرتد ج1 43 ـ 46










( من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة )

وسئل – رحمه الله تعالى عن الدرزية والنصيرية ما حكمهم ؟
فأجاب : هؤلاء الدرزية والنصيرية كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم , بل ولا يقرون بالجزية , فإنهم مرتدون عن دين الإسلام , ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى , لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس , ولا وجوب صوم رمضان , ولا وجوب الحج , ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما , وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد , فهم كفار باتفاق المسلمين .
فأما النصرانية : فهم أتباع أبي شعيب محمد بن نصير , وكان من الغلاة الذين يقولون : إن علياًَ إله , وهم ينشدون :
أشهد أن لا إله إلا                      حيدرة الأفزع البطين
                        ولا حجاب عليه إلا                     محمد الصادق الأمين
                        ولا طريق إليه إلا                       سلمان ذو القوة المتين 
وأما الدرزية : فأتباع هشتكين الدرزي وكان من موالي الحاكم العبيدي , أرسله إلى أهل وادي تيم الله بن ثعلبة , فدعاهم إلى إلهية الحاكم ويسمونه الباري , العلام , ويحلفون به , وهم من الإسماعيلية القائلين بأن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبد الله , وهم أعظم كفراً من الغالية – يقولون بقدم العالم وإنكار المعاد وإنكار واجبات الإسلام ومحرماته , وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى , ومشرك العرب , وغايتهم أن يكونوا فلاسفة على مذهب أرسطو وأمثاله , أو مجوساً , وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس , ويظهرون التشيع نفاقاً - والله أعلم ".
وقال – رحمه الله تعالى :
( كفر الدروز لا يخفى على المسلمين بل من شك في كفرهم فهو كافر , ولا يباح أكل طعامهم , وتُسبى نسائهم , ولا يجوز استخدامهم للحراسة , والبوابة والحفاظ ) . اهـ ( باختصار من مجموع الفتاوى جـ 35ص314  ) .  

فتوى شيخ الإسلام في حكم بن عربي :

قال – رحمه الله تعالى :
( ..... ويقول أعظم محققيهم‏:‏ إن القرآن كله شرك؛ لأنه فرق بين الرب والعبد، وليس التوحيد إلا في كلامنا‏.‏
فقيل له‏:‏ فإذا كان الوجود واحدًا، فلم كانت الزوجة حلالا والأم حرامًا‏؟‏
فقال‏:‏ الكل عندنا واحد، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا‏:‏ حرام‏.‏ فقلنا‏:‏ حرام عليكم ‏.‏
 ثم قال شيخ الإسلام بعد كلام سبق :
( فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع المسلمين كلهم , ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر , كمن يشك في كفر النصارى والمشركين ....... الخ ) 
وقال – رحمه الله تعالى – في موضع آخر :
قال : لما سئل عن ابن عربي وعن كتابه ( فصوص الحكم ) وما شاكله من الكلام :
قال : فإنه كفر باطنا وظاهرًا، وباطنه أقبح من ظاهره‏.‏ وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول – إلى أن قال - فهذا كله كفر باطنا وظاهرًا بإجماع المسلمين كلهم ،  ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين‏ ). اهـ نقلا عن كتاب ( عقيدة المسلمين جـ 2ص243 ) .
يؤخذ من كلام شيخ الإسلام عدة أمور مهمة منها :
1- الإجماع منعقد على كفر النصيرية والدرزية , وأن من شك في كفرهم كفر , وذلك لاعتقاداتهم المخالفة لأصل دين الإسلام .
2- كفر ابن عربي ومن قال بقوله , ومن شك في كفر أمثاله كان كافراً .
3- يشترط في تكفير من لم يكفر ابن عربي وأمثاله : الوقوف على أقوالهم وعلى حقيقة أمرهم , وإلا فأكثر المسلمين لا يعرف من هو ابن عربي ولا يعرفون شيئاً عن أقواله وأفعاله , وكذلك جمهور المسلمين أو غالبهم لا يعرفون شيئاً عن الدروز , وعن النصيرية وعن القرامطة و وغيرهم , وبالتالي لا يكفرونهم تعيناً , وإن كانوا يكفرون بهم في الجملة , لأنه يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من دان بغير الإسلام , وسيأتي توضيح لذلك .
نقل عن صاحب كتاب الإقناع وشرحه :
قال : ( فمن أشرك بالله , أو جحد ربوبيته , أو وحدانيته , أو صفة من صفاته , أو اتخذ له صاحبة أو ولداً , كفر بالله , أو ادعى النبوة , أو صدق من ادعاها , أو جحد نبياً , أو جحد كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه , أو جحد الملائكة , أو واحدا منهم , أو جحد البعث , أو سب الله , أو رسوله , أو استهزأ بالله , أو كتبه , أو رسله , كفر بالله العظيم .
قال الشيخ تقي الدين : ( أو كان مبغضاً لرسول الله , أو لما جاء به الرسول , وقال : أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم , ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً ) . اهـ
أو سجد لصنم , أو شمس أو قمر , أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين , أو وُجدَ منه امتهان للقرآن , أو طلب تناقضه , أو دعوى أنه مختلف , أو مختلق , أو مقدور على مثله , أو إسقاط لحرمته , أو أنكر الإسلام , أو الشهادتين , أو أحدهما كفر .
 لا من حكى كفراً سمعه ولا يعتقده , أو نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها"[2]".  
ومن أطلق الشارع كفره , فهو كفر لا يخرج به الإسلام , كدعواهم لغير أبيهم , وكمن أتى عرافاً فصدقه بما يقول , فهو تشديد , وكفر لا يخرج به عن الإسلام , وإن أتى بقول يخرجه عن الإسلام , مثل أن يقول : هو يهودي , أو نصراني , أو مجوسي , أو برئ من الإسلام , أو القرآن , أو النبي e , أو يعبد الصليب , على ما ذكروه في الإيمان , أو قذف النبي e , أو أمه , أو اعتقد قدم العالم , أو حدوث الصانع جل وعلا , أو سخر بوعد الله , أو بوعيده , أو لم يُكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى واليهود , أو شك في كفرهم , أو صحح مذهبهم , أو قال قولا ً يتوصل به إلى تضليل الأمة الإسلامية , أو قال قولا يتوصل به إلى تكفير الصحابة , فهو كافر بالله العظيم ) . اهـ الإقناع وشرحه ج2 ص211 ـ 213

مما سبق يتبين كثرة القائلين بصحة هذه القاعدة , وأن الإجماع منعقد على العمل بهذه القاعدة , سواء كان الكفر أصلياً , أو طارئاً بشرط أن يكون مجمعاً عليه , والمكلف على علم به .

قال صاحب ( الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية – جـ 1 ص154) :
( وقد أجمع الصحابة أن من أقر بنبوة مُسيّلمة الكذاب أنه مرتد ولو بقي ينطق الشهادتين , وأن من يشك في ردته فهو كافر ) . اهـ  ( وهذا القول في كتاب مجموعة التوحيد أيضاً ) ص67.
فائدة
                  ( أساليب الرضى بالكفر )
قال الشيخ محمد نعيم ياسين في كتابه ( الإيمان ) :
أولاً : أساليب الرضى بالكفر :
1- عدم تكفير الكافرين من ملحدين مرتدين ومشركين ، أو الشك في كفرهم ، أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة .
فمن علم من شخص أو جماعة أو مذهب أو حزب من الأحزاب ، أو طائفة من الطوائف ، أو أهل دين من الأديان كفرا واضحا ، فاعتقد عدم كفرهم أو ردتهم ، أو قال عن مذاهبهم أو بعضها أنه صحيح ، فقد دخل معهم في الكفر وأصبح مثلهم ، ولكن هذه القاعدة تحتاج إلى بيان واحتياط عند تطبيقها .
ذلك أنه يفترض من أجل الحكم بردة مثل هذا الإنسان أنه يعلم حقيقة من يحكم بإسلامهم وعدم كفرهم ، فإن كان لا يعرف حقيقتهم وما هم عليه من الكفر ، فلا يجوز الحكم عليه بالردة من أول الأمر ، وإنما يبين له بوسائل البيان السليمة ، التي لا يبقى بعدها شك فيما يُنسب إليهم ، فإن أنكر بعد هذا كفرهم اعتبر حكمه هذا ردة وكفراً ؛ لأن إنكاره في حقيقته تبنّ لمذهبهم واعتراف بصحته ، على أنه ينبغي أن يلاحظ أن كفر بعض الطوائف أصبح مشتهراً ومعلوماً بين الناس بالضرورة كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ، فيكفر كل من ينكر كفر هؤلاء من أول الأمر ، وأما المذاهب والطوائف التي لا يفترض اشتهارها بين الناس وعلم مبادئها فينبغي أن يتريث في تكفير من لا يحكم بردة أتباعها ن حتى يبين له بما يقطع الشك ويعرَّف على مواقع الكفر في هذه المذاهب والطوائف ، وخاصة أن بعض هذه الطوائف تنسب نفسها إلى الإسلام ، وتتظاهر أمام العامة أنها لا تنكر شيئاً من الإسلام وتخفى عنهم بادئ الأمر ما ينفرهم عنها , مما فيه الإنكار الصريح الواضح لمبادئ الإسلام أو بعضها "[3]".
( كذلك يشترط لتكفير هذا الصنف من الناس أن يكون المحكوم عليهم قد كفروا بأمر متفق على الكفر بسببه ، فإن كان مختلفا فيه بين العلماء المعتبرين ، فبعضهم يعده من النواقض وبعضهم لا يعده ، لم يجز تكفير من لم يكفرهم ، كتكفير الخوارج وبعض الفرق الأخرى التي لم يتفق على ردتها ، ويدخل في هذا من لم يكفر تارك الصلاة عمداً الذي لم يجحد فريضتها "[4]"........ 
فإذا تحققت هذه الشروط ، وأنكر المسلم كفرً الكافرين وصحح ما هم عليه كان في حقيقة الأمر كالناطق المعتقد بالسبب الذي أدخلهم في الكفر ، فيكون ناقضاً بذلك ما سبق منه من الشهادتين ، ومن جهة أخرى يكون منكرا للنصوص والدلائل التي تكفر أمثالهم فيكفر بسبب إنكاره لهذه النصوص  ) اهـ [ الإيمان – محمد نعيم ياسين ص321 ـ 325 ] .





[1] - وهذا الإجماع لا شك في صحته , ولم يطعن فيه أحد من أهل العلم المعتبرين فأصل الدين : الحق فيه واحد لا يتعدد , والمخالف في أصل الدين أما أن يكفر , أو يبدع , أو يفسق ،كل على حسب ما خالف فيه , لذلك كان الخلاف بين أهل السنة , وأهل الأهواء والبدع خلاف اعتقادي , والحق فيه واحد , وهو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة .
فلم يقع قط خلاف بين الصحابة الكرام في أصول الدين , مع كونهم اختلفوا في كثير من مسائل الأحكام .
= وفي هذا يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى :
( تنازع الناس في كثير من الأحكام , ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد و بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وامرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها , وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً , وأن العناية ببيانها أهم , لأنها من تمام تحقيق الشهادتين وإثباتها من لوازم التوحيد , فبينها الله سبحانه وتعالى ورسوله e , بياناً شافياً لا يقع فيه لبس يوقع الراسخين في العلم , وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس ) .اهـ  ( باختصار من مختصر الصواعق المرسلة – جـ 1 ص79 .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى :
( وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث , ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار اكثر من مائة تفسير , فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئاً من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المعروف ) . اهـ ( مجموع الفتاوى – جـ 6 ص173 .
إذاً فالقرون المفضلة لم يقع بينهم خلاف قط في مسائل أصول الدين , مما يدل على فضلهم وتقدمهم على غيرهم في كل خير , كما شهد لهم بذلك النبي e فهي خيرية مطلقة في حقهم . فإذا عُلم ذلك علمنا ضلال من يعملون على التقريب بين الإسلام والجاهلية , أو الإيمان والكفر , أو السنة والبدعة , من دعاة التقريب في واقعنا المعاصر , فأصل الدين لا يقبل المساومة مطلقاً .
[2]  - ليس كال من وقع في الكفر جاهلاً يكون معذوراً , وهذه المسألة تحتاج إلى تفصيل طويل ليس هذا موضعه , ولكني أنقل في هذا المقام كلاماً لبعض أهل العلم يوضح هذه المسألة باختصار :
قال الشيخ عبد الرحمن أبا بطين في كتابه ( الانتصار لحزب الله الموحدين ) ص16 ـ 18
( واحتج بعض من يجادل عن المشركين: بقصة الذي أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته على أن من ارتكب الكفر جاهلا لا يكفر, ولا يكفر إلا المعاند .
والجواب عن ذلك كله: أن الله سبحانه أرسل رسله مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وأعظم ما أرسلوا به , ودعوا إليه
 عبادة الله وحده لا شريك له ,والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره .
فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهله، فمن هو الذي لا يعذر؟
ولازم هذه الدعوى: أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند. مع أن صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله, بل لابد أن يتناقض؛ فإنه لا يمكنه أن يتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, أو شك في البعث, أو غير ذلك من أصول الدين. والشاك جاهل!.
والفقهاء رحمهم الله يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد: وأنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه  نطقا , أو فعلا , أو شكا , أو اعتقادا. وسبب الشك الجهل.
ولازم هذا لا نكفر جهلة اليهود والنصارى, ولا الذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم , ولا الذين حرقهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ؛ لأننا نقطع أنهم جهال!!!
وقد أجمع العلماء على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم ، ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال .
وقال الشيخ تقي الدين
: من سب الصحابة أو واحدا منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي, أو أن جبرائيل غلط. فلا شك في كفر هذا, بل لا يُشكُّ  في كفر من توقف في تكفيره.
قال: ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر, أو أنهم فسقوا. فلا ريب في كفر قائل ذلك, بل من شك في كفره فهو كافر .
قال: ومن ظن أن قوله سبحانه وتعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}. بمعنى
: قدر , وأن الله ما قدر شيئا إلا وقع, وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله: فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب كلها )اهـ   
قلت : وهنا عدة فوائد نشير إليها باختصار :
الفائدة الأولى :أن الجهل ليس عذراً على الإطلاق , سواء وقع هذا الجهل ممن لم يدخلوا الإسلام , أو وقع من المنتسبين إلى الإسلام .
الفائدة الثانية : الإجماع منعقد على صحة القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها , وقد سبق الإجماع عن أكثر من عالم حول هذه القاعدة .
الفائدة الثالثة : أن الكفر يلزم من لم يكفر الكافر المقطوع بكفره , أومن أجمع العلماء على كفره , وكذلك من توقف أو شك أو صحح مذاهب الكفار , فإنه يكفر , وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله . 
[3]  - تحدث الشيخ عن صنفين من الناس :
الصنف الأول : أصبح كفرهم مشتهراً ومعلوماً بين الناس كاليهود والنصارى وغيرهم فهؤلاء يكفر من لم يكفرهم مباشرة , ويأخذ حكم اليهود والنصارى  كل من دان بغير الإسلام مطلقاً , أي : لم ينتسب إليه , كحال الشيوعية الملحدين الذين يكفرون بعموم الأديان , وكذلك الذين يعبدون آلهة شتى , كالهنود , واليابانيين وغيرهم , فهؤلاء وغيرهم ممن اشتهر كفرهم و وأصبح معلوماً لكل المسلمين - العالم منهم والعامي – فيكفر من لم يكفرهم , أو شك في كفرهم , أو حاول تصحيح بعض مذاهبهم الكافرة , وهؤلاء لا يعذرون في عدم تكفيرهم مثل هذه الطوائف , وذلك للأسباب الآتية :
السبب الأول : كفر هؤلاء الطوائف معلوم من دين الإسلام بالضرورة .
السبب الثاني : أن من لم يكفر أمثال هذه الطوائف لا يكون عالماً بالإسلام الذي ينتمي إليه , جاهلاً بكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) نفياً وإثباتاً .
السبب الثالث : عدم تكفير أمثال هؤلاء يُعد تكذيباً لصريح القرآن الكريم .
الصنف الثاني : الذين يتظاهرون أمام العامة أنهم مسلمون وبالتالي يخفى أمرهم على كثير من المسلمين , ونأخذ مثالاً لبعض هذه الطوائف :
إذا أردنا أن نأخذ مثالاً لبعض هذه الطوائف التي تُنسب إلى الإسلام , ويدّعون أنهم حماة الدين المدافعين عنه , وهم في الحقيقة يحاربون الإسلام والمسلمين , إنهم فرقة الشيعة : والشيعة اسم لكل من فضل علياً t على الخلفاء الراشدين .
قال الشيخ صالح بن إبراهيم البُليهي في كتابه ( عقيدة المسلمين –جـ 2 ص245ـ 248) :
(  وسموا بهذا الاسم بزعم منهم أنهم شيعة على بن أبي طالب – رضي الله عنه – وليسوا كذلك ، بل هم أعداء لعلي وأعداء لهل البيت ، لأنهم غلوا فيهم غلواً جاوز الحد والمشروع ، ورفعوهم فوق طبقة البشر .
وكما يأتي خلاف أهل السنة مع الرافضة خلاف في أصول الدين وفروعه فلا لقاء ولا موافقة حتى تشيب مفارق الغربان ......
ومن معتقدات الشيعة وأعمالهم الخبيثة : التقية ، فيظهر الموافقة ، وهو بخلاف ذلك وهذه هي أعمال المنافقين ، وذلك مكر وخداع ، وخيانة ، ونفاق .
فالتقية دين الشيعة ، والنفاق ركن أصيل في عقيدتهم .
وحيث أن التقية من أصول دين الرافضة ، فقد كذبوا وزوروا على جعفر الصادق – رحمه الله- أنه قال : التقية ديني ودين آبائي ......
ومن مخازي الشيعة ووقاحتهم ؛ هو أنهم يعتقدون ويصرحون بأن القرآن الكريم محرف ، وزيد فيه ونقص منه .
ففي سنة 1292 هـ . ألّفَ الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي كتاباً اسماه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " جمع فيه النصوص عن علماء الشيعة في مختلف العصور ، بأن القرآن قد زيد فيه ، ونقص منه ، وقد طبع الكتاب في إيران سنة 1298 هـ .
والطبرسي : هو من كبار علماء النجف ، والطبرسي : معظّم عند الرافضة ، وتوفي 1320 هـ . وكثير من علماء الشيعة صرحوا بأن القرآن نقص منه وزيد فيه ، ولا شك بأن هذا تكذيب لله تعالى ، ومن كذب الله فهو كافر ، يقول جل شأنه : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [ الحجر : 9 ] .
وقد اجمع المسلمون بأن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان ، ومن التغيير والتبديل ، محفوظ من عبث العابثين ، وكيد الكائدين ، والواقع شاهد بذلك ، والحمد لله رب العالمين مضى على القرآن 1402 سنة ولا زيد فيه أو نقص منه ولا حرف واحد ، ومن قال أو اعتقد أن القرآن زيد فيه أو نقص منه  فهو كافر بإجماع المسلمين .
وقال الشيخ ابن تيمية : " الرافضة الذين يبخسون الصديق حقه ، وهم أعظم المنتسبين إلى القبلة إشراكا بالبشر ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "  وأول من ابتدع الرفض عبد الله بن سبأ اليهودي ، وكان منافقاً زنديقاً ، أراد بذلك إفساد دين الإسلام " .
وقال أيضاً شيخ الإسلام : " وليس في فرق الأمة أكثر كذبا وإختلافا من الرافضة من حين نبغوا " . 
وكتب الشيعة زاخرة بالخبث والمنكرات ، ويفسرون القرآن على حسب أهوائهم .
فيقولون : الإمام المبين : على بن أبي طالب ، والشجرة الملعونة في القرآن : بنو أمية ، والبقرة المأمور بذبحها : عائشة ، والمراد بالجبت والطاغوت : أبو بكر وعمر ، وفي كتب الشيعة كل شنيعة .
أما تكفير الشيعة :       
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كتابه ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) :( أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا إله أوأنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة فهذا لاشك في كفره بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره , وكذلك من زعم منهم أن القران نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهؤلاء  وهؤلاء لا خلاف في كفرهم , ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد الرسول علية الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً , أو أنهم فسقوا لا ريب في كفره ) . اهـ
وقد قال ابن حزم في الفصل : ( إن الروافض ليسوا من المسلمين , وهي طائفة تجري مجرى النصارى واليهود في الكذب والكفر ) . اهـ
الرافضة يهود هذه الأمة :
روى صاحب العقد الفريد عن الشعبي أنه قال لمالك بن معاوية : (‏ أحذِّرك الأهواءَ المُضلة, وشرُّها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يُبغضون الإسلام كما يُبغض اليهودُ النَّصرِانية ولم يدْخلوا في الإسلام رغبةً ولا رَهْبة من الله ولكن مَقْتاً لأهل الإسلام وبَغْياَ عليهم وقد حرَقهم عليًّ بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار0ذلك أن محبة الرافضة محبة اليهود  00000000
قالت اليهود‏: لا يكون المُلك إلا في آل داود وقالت الرافضة‏: لا يكون المُلك إلا في آل عليّ بن أبي طالب ، وقالت اليهود ‏: لا يكون جِهاد في سبيل الله حتى يَخْرج المَسيح المُنتظر ويُنادي منادٍ من السماء وقالت الرافضة‏: لا جِهادَ في سبيل الله حتى يخرُج المَهديُّ ويَنْزل بسَبَب من السماء
واليَهود يُؤخِّرون صلاةَ المَغرِب حتى تَشتبك النّجوم وكذلك الرافضة، واليهود تستحل دم كل مسلم ، وكذا الرافضة
 واليَهود لا تَرى الطَّلاق الثلاثَ شيئاَ وكذا الرَّافضة ، واليهود لا تَرى على النساء عدة وكذلك الرافضة واليهود تستحل دم كل مسلم وكذلك الرافضة
 واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفت القران، واليهود تُبْغض جبريلَ وتقول ‏: هو عَدوُّنا من الملائكة وكذلك الرافضة تقول‏: غَلط جبريلُ في الوَحْي إلى محمد بترك عليّ بن أبي طالب، واليهود لا تأكُل لَحم الجَزُور وكذلك الرافضة‏) . اهـ من العقد الفريد جـ 1ص234 ـ237 ) .
والكلام على هذه الطائفة طويل جداًَ , فصله شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في كتابه ( منهاج السنة النبوية ) :
نشير إلى بعض ما قاله إشارة سريعة نقلا من كتاب ( تسرب الفكر الباطني إلى الشرائع السماوية ) للشيخ محمود المراكبي :
قال : يجري شيخ الإسلام ابن تيمية مقارنة هامة بين معتقدات اليهود والنصارى من ناحية , وبين الشيعة من الناحية الأخرى نوجذها فيما يلي :
1- قالت اليهود : لا يصلح الملك إلا في آل داود عليه السلام , وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي رضى الله عنه  .
2- واليهود حرفوا التوراة , والنصارى حرفوا الإنجيل , والشيعة حرفوا القرآن .
3- النصارى يزعمون أن الحواريين الذين اتبعوا المسيح أفضل من إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء والمرسلين , فهم بزعمهم تلقوا مشافهة من المسيح الذي هو الله , بينما الأنبياء لم يتلقوا من الله مشافهة , والشيعة تجعل الأئمة الأثنى عشر أفضل من الأنبياء , لأنهم يعتقدون فيهم الألوهية .
4- اليهود والنصارى يقولون إن الدين مُسلَّم للأحبار والرهبان , فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه والدين ما شرعوه , ودين الشيعة مُسلَّم للأئمة , فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه والدين ما شرعوه .
ونستطيع من دراستنا أن نضيف إلى ملاحظات شيخ الإسلام ما يلي :
1- تنادي النصارى بقدم نور عيسى , وأنه نور انبثق من نور , والشيعة تقول بقدم نور النبي وعلى والأئمة , وأنهم نور من نور .
2- تقول النصارى : إن يوم الدينونة أمام المسيح , فمن آمن به دخل الجنة , ومن كفر به استحق النار , والشيعة تقول : إن علياً سيحاسب الناس , ولن يدخل الجنة إلا شيعته , ومن لم يؤمن بالإمامة دخل النار .
3- تقول النصارى : إن روح القدس حل بالحواريين فأصبحوا رسلاً تلقوا الوحي بعد رفع المسيح , وكتبوا بتأييده الإنجيل , والشيعة تقول : إن علياً كتب من الوحي المنزل على فاطمة مصحفاً .
ونختم هذه المقارنة بقول ابن تيمية : ( فضلت اليهود والنصارى على الشيعة بخصلتين :
الأولى : سئلت اليهود من خير أهل ملتكم ؟ قالوا أصحاب موسى . وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم ؟ قالوا حواري عيسى . وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم قالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
الثانية : أن اليهود والنصارى يترحمون على سلفهم , والشيعة أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ) . اهـ .
والشاهد مما نقلناه عن هذه الطائفة , وما قاله أهل العلم فيهم , أن هذه الطائفة تنتسب إلى الإسلام , وتأخذ بمبدأ التقية , فهي لا تنكر شيئاً من الإسلام أمام العامة . إذاً هذه الطائفة يخفى أمرها على أكثر الناس , فلا يكفر من لم يكفرها لجهله بحالها , وعدم علمه بمعتقداتهم , وعدم وقوفه على حقيقة أمرهم , أما من وقف على حقيقة أمرهم , وفساد اعتقادهم , وما قاله أهل العلم في حقهم من الكفر البواح واتفاق العلماء على ذلك , فمن لم يكفرهم عند ذلك يكون كافراً , بل من شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر , طالما أنه وقف على حقيقة أمرهم . 
قلت : فيا حسرة على دعاة التقريب بين السنة والشيعة من الإخوان المسلمين والأزهرية الذين يريدون أن يقربوا بين الكفر والإسلام بين التوحيد والشرك بين السنة والبدعة بين أولياء الله وأعداء الله ، فهؤلاء إما عندهم فساد فى الاعتقاد فلم يعرفوا التوحيد من الشرك ، وإما عندهم فساد فى النية ، وإما أنهم يبحثون عن إرضاء الأنظمة الشركية  ، وإما إنهم جُهّال بالإسلام من جانب ، وبما يناقضه من جانب آخر ، وفى النهاية فهم يشاركون فى تضليل الأمة والتمكين لأعداء الله     

  
   
[4]  - ذكر الشيخ محمد نعيم ياسين : أن الكفر المعتبر في هذه القاعدة , وهو الكفر المجمع عليه بين العلماء ولم يقع فيه نزاع وخلاف قط , ثم انتقل إلى ضابط آخر وهو : الكفر المختلف فيه بين أهل العلم في أكثر الفرق الإسلامية , وهل يكفرون أم لا ؟ والذي يترتب على ذلك أن من لم يكفر الذي اختلف العلماء في كفره لا يكفر , وبالتالي لا تنطبق عليه هذه القاعدة , ثم ضرب أمثلة على ذلك منها :
1-    الخلاف في تكفير الخوارج : وهو خلاف مشهور بين علماء الأمة , قديما وحديثا .
قال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي  في كتابه ( عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين ) :
(تنبيه ) : هل الخوارج كفار أو فسقة ؟
ذهب أكثر العلماء إلى عدم تكفيرهم , واختار كثير من علماء الحديث : أنهم كفار مرتدون تباح دماؤهم وأموالهم .
قال ابن قدامة في المعني : ( والخارجون عن قبضة الإمام  أصناف أربعة : 000000
ثم قال : ( الثالث ) : الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم
فظاهر قول الفقهاء من أصحابنا المتأخرين أنهم بغاة حكمهم حكمهم وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء وكثير من أهل الحديث ومالك يرى استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين وتباح دماؤهم وأموالهم فإن تحيزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة صاروا أهل حرب كسائر الكفار، وإن كانوا في قبضة الإمام استتابهم كاستتابة المرتدين فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانت أموالهم فيئا لا يرثهم ورثتهم المسلمين .
 لما رواه  أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) رواه مالك في موطأه , والبخاري في صحيحة . ) اهـ .
قلت : الذي أراه من خصوص تكفير الخوارج , أنهم لا يطلق عليهم الكفر إلا إذا استحلوا محرماً , كقتال المسلمين أو تكفيرهم , أو استحلال أموالهم , أو دمائهم , فحينئذ يحكم بكفرهم على القاعدة المعروفة عند علماء الأمة الإسلامية , وهو أن من استحل محرماً مجمعاً عليه فقد كفر . ) اهـ عقيدة المسلمين ج2 ص357ـ 358
2ـ فِرق آخر وقع نزاع بين العلماء في تكفيرهم منهم : القدرية , وبعض فرق الشيعة وغيرهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى –جـ 12 ص176 :
( وأما القدرية ـ المقرون بالعلم ـ والروافض ـ الذين ليسوا من الغالية، والجهمية، والخوارج ـ فيذكر عنه في تكفيرهم روايتان، هذا حقيقة قوله المطلق مع أن الغالب عليه التوقف عن تكفير القدرية المقرين بالعلم، والخوارج، مع قوله‏:‏ ما أعلم قومًا شرًا من الخوارج‏.‏
ثم طائفة من أصحابه يحكون عنه في تكفير أهل البدع مطلقًا روايتين، حتى يجعلوا المرجئة داخلين في ذلك، وليس الأمر كذلك، وعنه في تكفير من لا يكفر روايتان، أصحهما‏:‏ لا يكفر، وربما جعل بعضهم الخلاف في تكفير من لا يكفر مطلقًا، وهو خطأ محض، والجهمية ـ عند كثير من السلف، مثل عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط، وطائفة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم ـ ليسوا من الثنتين والسبعين فرقة، التي افترقت عليها هذه الأمة، بل أصول هذه عند هؤلاء‏:‏ هم الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وهذا المأثور عن أحمد، وهو المأثور عن عامة أئمة السنة، والحديث أنهم كانوا يقولون‏:‏ من قال‏:‏ القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال‏:‏ إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر، ونحو ذلك‏.‏
ثم حكى أبو نصر السجزى عنهم في هذا قولين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه كفر ينقل عن الملة‏.‏ قال‏:‏ وهو قول الأكثرين ، والثاني :‏ أنه كفر لا ينقل؛
ولذلك قال الخطابي ‏:‏ إن هذا قالوه علي سبيل التغليظ،، وكذلك تنازع المتأخرون من أصحابنا في تخليد المكفر من هؤلاء، فأطلق أكثرهم عليه التخليد، كما نقل ذلك عن طائفة من متقدمي علماء الحديث، كأبي حاتم، وأبى زُرْعَة وغيرهم، وامتنع بعضهم من القول بالتخليد‏ ) . اهـ
3ـ وهناك خلاف أيضاً في تكفير المعتزلة والأشاعرة من أجل اتباعهم بعض ما جاء به الجهم بن صفوان وشيعته .
قال صاحب فتح المجيد ص516" فإذا كان المشركون جحدوا اسماً من أسمائه تعالى , وهو من الأسماء التي دلت على كماله سبحانه وبحمده فجحدوا معنى هذا الاسم ونحوه من الأسماء يكون كذلك .
فإن جهم ابن صفوان ومن تبعه يزعمون أنها لا تدل على صفة قائمة بالله تعالى , وتبعهم على ذلك طوائف من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم , فلهذا كفرهم كثيرون من أهل السنة , قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى :
ولقد تقلد كفرهم خمسون فـي           عشر من العلماء في البلدان
                   واللالكائي الأمام حكاه عنـــــ            ــهم بل حكاه قبله الطبراني ) . اهـ
قلت : والخلاف مشهور بين أهل العلم في تكفير الفرق الضالة المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة , والذي يعنينا في هذا المقام , أن هذا الخلاف لم يترتب عليه تكفير بعضهم بعضاً استناداً إلى هذه القاعدة التي نحن بصددها , طالما أن هذا التكفير لم يقع فيه إجماع بين العلماء , فمن قال بكفرهم لا شئ عليه , ومن لم يكفرهم , أو توقف فيهم لا شئ عليه أيضاً .
4ـ ومن المسائل التي تنازع العلماء في تكفير أهلها , مسألة سب الصحابة , وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين :
الأول : سب أجمع العلماء على أنه كفر , وصاحبه يكفر          الثاني : سب اختلف العلماء فيه هل هو كفر , وصاحبه كافر أم لا ؟
ونشير إلى القسمين إشارة مجملة للوقوف على حقيقة هذه المسألة :
القسم الأول :  سب هو كفر , وصاحبه يكفر .
يقول القاضي عياض – رحمه الله - : (و كذلك نقطع بتكفير كل قائل قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة و تكفير جميع الصحابة ، كقول الكميلية ( أو الكاملية ) من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد النبي صلى الله عليه و سلم ........... لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها ، إذ قد انقطع نقلها و نقل القرآن ، إذ ناقلوه كفرة على زعمهم ، و إلى هذا ـ و الله أعلم ـ أشار مالك في أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة ) اهـ ( الشفا جـ 2 – ص 373 ) .
قلت : ومن عجيب ما وقع لي مع بعض جماعات التكفير الذين يكفرون علماء الأمة وعلى رأسهم أئمة الحديث كالبخاري ومسلم , وغيرهما .
أنى قلت له : أنت تكفر هؤلاء وتأخذ عنهم الحديث , وهل يؤخذ حديث النبي e من كافر , فإن هذا لا يستقيم أبداً .
فقال : إن العبرة عندنا فيمن نأخذ عنه هو ( الصدق ) وليس الإيمان والكفر .              
فقلت له : وهذا أيضاً خطأ , لأن المسلم الأصل فيه الصدق وقد يكذب أحياناً , أما الكافر فالأصل فيه الكذب وقد يصدق أحياناً .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كتابه ( الصارم المسلول ص576 ) :
(  وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره فإنه مكذب لما نصه القران في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فان كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الأمة التي هي ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وخيرها هو القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ) . اهـ
ويقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في ( البداية والنهاية – جـ 5 ص325) :
( ومن ظن بالصحابة – رضوان الله عليهم – ذلك ( أي : كتمان الوصية لعليّ بالخلافة ) , فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة رسول الله  ومضادته في حكمه ونصه , ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام , وكفر بإجماع الأئمة الأعلام , وكان إراقة دمه أحل من إراقة المُدَام ) . اهـ
ويقول الإمام السبكي – رحمه الله – في فتاويه جـ2ص78 : ( إن سب الجميع لا شك أنه كفر – وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي ( وبغضهم كفر ) فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر ) . اهـ .
ويقول الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه ( الإعلام ) : ( وهو مطبوع في نهاية كتاب الزواجر ) : ( إن تكفير جميع الصحابة كفر , لأنه  صريح في إنكار جميع فروع الشريعة الضرورية فضلاً عن غيرها ) . اهـ ( الزواجر -  جـ2 ص543  .
ويقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في الرد على الرافضة : ( إن القول بارتداد الصحابة عدا خمسة أو ستة نفر هو : هدم لأساس الدين , لأن أساسه القرآن والحديث , فإذا فُرض ارتداد من أخذ من النبي   eإلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر وقع الشك في القرآن والأحاديث ) . اهـ (مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) قسم العقيدة ص347.
 وهناك أنواع أخرى من السب تُعد من أشنع مما سبق , كمن سب الصحابة أو بعضهم من أجل صحبته ونصرته لدين الله تعالى .  
يقول الإمام ابن حزم في الفصل – جـ 3 ص327: ( ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي e فهو كافر , لأنه وجد الحرج في نفسه مما قضى الله تعالى ورسوله eمن إظهار الإيمان بأيدهم , ومن عادى علياً لمثل ذلك فهو أيضاً كافر ) . اهـ
ويقول الإمام السبكي في فتاويه – جـ 2ص452 :
( إِنَّ سَبَّ الْجَمِيعِ لا شَكَّ أَنَّهُ كُفْرٌ وَهَكَذَا إذَا سَبَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ هُوَ صَحَابِيٌّ ؛ لأنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الصُّحْبَةِ فَفِيهِ تَعَرُّضٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلا شَكَّ فِي كُفْرِ السَّابِّ – إلى أن قال - وَلا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أَبْغَضَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لأجْلِ صُحْبَتِهِ فَهُوَ كُفْرٌ بَلْ مَنْ دُونَهُمَا فِي الصُّحْبَةِ إذَا أَبْغَضَهُ لِصُحْبَتِهِ كَانَ كَافِرًا قَطْعًا ) . اهـ
وكذلك من أنواع السب ما يصير صاحبه كافراً , إذا سب صحابياً تواترت النصوص على فضله ودينه , فسبه يكون طعناً في دينه وعدالته , وهذا يؤدي إلى تكذيب النصوص لا محالة .
قال الإمام مالك – رحمه الله : ( من شتم أحداً من أصحاب محمد e, أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص ؛ فإن قال كانوا على ضلال وكفر قتل ) . اهـ ( الشفا – جـ 2 ص213)  .
وسئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - : عمن يشتم ابا بكر وعمر وعائشة , فقال : ما أراه على الإسلام . وسئل عمن يشتم عثمان , فقال – رحمه الله - : هذه زندقة ) .اهـ ( السنة للخلال )ص121.
القول الثاني : سب لا يكون كفراً , وفيه نزاع .
يقول الإمام السبكي – رحمه الله – في فتاويه – جـ 2ص485 :
( احْتَجَّ الْمُكَفِّرُونَ لِلشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجِ بِتَكْفِيرِهِمْ لأعْلامِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَطْعِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ . وَهَذَا عِنْدِي احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ فِيمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُ أُولَئِكَ . وَأَجَابَ الآمِدِيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُكَفِّرُ يَعْلَمُ بِتَزْكِيَةِ مَنْ كَفَّرَهُ قَطْعًا عَلَى الإطْلاقِ إلَى مَمَاتِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ] إلَى آخِرِهِمْ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ لَيْسَ مُتَوَاتِرًا لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ مُسْتَفِيضٌ وَعَضَّدَهُ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى إمَامَتِهِمْ وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ وَتَوَاتُرِ مَنَاقِبِهِمْ أَعْظَمَ التَّوَاتُرِ الَّذِي يُفِيدُ تَزْكِيَتَهُمْ فَبِذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَزْكِيَتِهِمْ عَلَى الإِطْلاقِ إلَى مَمَاتِهِمْ لايَخْتَلِجُنَا شَكٌّ فِي ذَلِكَ ) . اهـ
وهناك من العلماء من يرى أن هذا السب لا يكون كفراٍ , إنم هو فسق بالإجماع .
 ونذكر بعض أقوال أهل العلم في ذلك :
قال القاضي عياض : ( وقد اختلف العلماء في هذا ، فمشهور مذهب مالك في ذلك الاجتهاد والأدب الموجع ؟ قال مالك رحمه الله : من شتم النبي صلى الله عليه و سلم قتل ، ومن شتم أصحابه أدب . 
وقال سحنون : من كفر أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : علياً ، أو عثمان ، أو غيرهما ـ يوجع ضربا ً ) . اهـ ( الشفا جـ 2 – ص386 ) .
وقال الإمام السبكي – رحمه الله – في فتاويه – جـ 2 ص597:
( وَأَمَّا أَصْحَابُنَا ( أي : الشافعية ) فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ اخْتِلافِ نِيَّةِ الإمَامِ وَالْمَأْمُومِ : وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا فُسِّقَ ، وَأَمَّا مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْختنَيْنَ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُكَفَّرُ ؛ لأنَّ الأمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى إمَامَتِهِمْ . وَالثَّانِي : يُفَسَّقُ ولا يُكَفَّر ُ). اهـ
وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثيرة جداً .
خلاصة المسألة :
1- إذا كان السب مما يقدح في دين الصحابة أو عدالتهم فهذا كفر لأنه تكذيب للنصوص الواردة في فضلهم والثناء عليهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ومن ظن أن مثل هذا السب لا يٌعد كفراً , فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع ) . اهـ ( الصارم المسلول ص567) .
2-  من سب الصحابة أو بعضهم مستحلاً لسبهم فقد كفر بلا خلاف .
3-  من سب الصحابة سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم , فهذا مستحق للتأديب والتعزير ولا يحكم بكفره , وعلى ذلك يُحمل كلام العلماء الذين لم يذهبوا إلى التكفير ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول .
مما سبق يتبين أن هناك سباً وشتماً لا خلاف في تكفير من قام به , وسباً وشتماً وقع فيه خلاف بين أهل العلم هل يُعد كفراً , أم فسقاً .
وبناءاً على ذلك فلا يكفر من لم يكفر من سب الصحابة مما وقع فيه الخلاف بين أهل العلم , أما ما أجمعوا على أنه كفر , فيكفر من لم يكفر من سبهم .
5- ومن المسائل التي وقع فيها خلاف بين العلماء , حكم تارك أحد مباني الإسلام الأربعة من صلاة وزكاة وصيام وحج .
وننقل في ذلك بعض ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى :
قال رحمه الله في كتابه ( الإيمان الأوسط ) ص76 ـ 78 (ولهذا تنازع العلماء في تكفير من يترك شيئا من هذه " الفرائض الأربع " بعد الإقرار بوجوبها ؛ فأما " الشهادتان " إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها وذهبت طائفة من المرجئة وهم جهمية المرجئة : كجهم والصالحي وأتباعهما إلى أنه إذا كان مصدقا بقلبه كان كافرا في الظاهر دون الباطن وقد تقدم التنبيه على أصل هذا القول وهو قول مبتدع في الإسلام لم يقله أحد من الأئمة وقد تقدم أن الإيمان الباطن يستلزم الإقرار الظاهر ؛ بل وغيره وأن وجود الإيمان الباطن تصديقا وحبا وانقيادا بدون الإقرار الظاهر ممتنع . وأما " الفرائض الأربع " فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر. وأمثال ذلك فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم فإن أصروا كفروا حينئذ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك ؛ كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون. وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل.
وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن أحمد: (أحدها): أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر وهذا قول طائفة من السلف وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر و (الثاني): أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره. و (الثالث) لا يكفر إلا بترك الصلاة وهي الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من السلف وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وطائفة من أصحاب أحمد. و (الرابع): يكفر بتركها وترك الزكاة فقط. و (الخامس): بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج.
 وهذه المسألة لها طرفان. (أحدهما) في إثبات الكفر الظاهر. و (الثاني) في إثبات الكفر الباطن. فأما " الطرف الثاني " فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح ؛ ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقولـه: )يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ([ القلم : 42 – 43 ]
فائدة مهمة حول أحوال ترك الصلاة :
الحالة الأولى : ( من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين , وكذا إن جحد وجوبها ولم يترك فعلها ) . اهـ  (, والمغني لابن قدامة جـ 3ص231 ) .
الحالة الثانية : ( من ترك الصلاة استنكاراً أو حسداً ........ فهو كافر بالاتفاق ) . اهـ ( مجموع الفتاوى ج20 ص342, ) .
الحالة الثالثة :من ترك الصلاة استخفافا واستهانة بها فهو كافر , قال الإمام أحمد في رسالة الصلاة : ( فكل مستخف بالصلاة مستهين بها هو مستخف بالإسلام مستهين به , وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة , ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة ) . اهـ ص54
الحالة الرابعة : ( من ترك الصلاة وأصر على تركها حتى يقتل فهو كافر اتفاقاً , فإن من امتنع من الصلاة حتى يُقتل , لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها , ولا ملتزماً بفعلها ) . اهـ  ( مجموع الفتاوى ج20 ص343) .
الحالة الخامسة : ( من ترك الصلاة معرضاً عنها , لا مقراً بوجوبها , ولا منكراً فهو كافر ) . اهـ ( مجموع الفتاوى – جـ20 ص343
 الحالة السادسة : من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً , هل هو كافر أو مسلم ؟
فيه قولان : وهذه المسألة محل خلاف طويل بين أهل العلم , وقد أفاض العلامة ابن القيم – رحمه الله – في ذكر أدلة الفريقين في كتابه ( الصلاة وحكم تاركها ) وغيره من أهل العلم .
وبالجملة فمن كان كفره مجمعاً عليه فتنطبق عليه ( القاعدة ) ومن كان كفره مختلفاً فيه فلا تنطبق عليه هذه  ( القاعدة ) . وسيأتي توضيح أكثر في باب ( ضوابط القاعدة ) .

0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^