القول المبين فى شرح قاعدة من لم يُكّفر الكافرين --الباب الأول أصل قاعدة من لم يكفر الكافرين


               الباب الأول
     ( أصل قاعدة من لم يكفر الكافرين )
هذه القاعدة من القواعد المتفق عليها عند أهل العلم سلفاً وخلفاً , فلم يُعرف عن أحد من أهل العلم المعتبرين أو نُقل عنهم أنهم ردوا هذه القاعدة ,أو قدحوا في صحتها , ولكنهم ذكروا الضوابط اللازمة لهذه القاعدة التي سوف نذكرها إن شاء الله تعالى .

وهذا الاتفاق بين العلماء يرد قول من يقول : إن هذه القاعدة من تأصيل , أو وضع الشيخ محمد بن عبد الوهاب , لأنه هو الذي ذكرها في نواقض الإسلام , الناقض الثالث : من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر .
 والحق أن هذه القاعدة مذكورة في كلام أهل العلم قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهي ليست من وضعه , وسوف نذكر طرفاً من أقوال العلماء في هذه القاعدة ولكن قبل ذلك لا بد أن نعلم أن أصل هذه القاعدة هو القرآن الكريم . فمن أعظم مقاصد القرآن الكريم بيان حال المشركين وشركهم "[1]".
فالله عز وجل هو الذي بيّن وحدد أصناف الكافرين , فذكرهم بأقوالهم وأفعالهم ومعتقداتهم , فهو سبحانه الذي حكم عليهم بالكفر , فمن لم يُكفر من كفّره الله تعالى أو كفره رسوله e , كان مكذباً بالقرآن الكريم , ومن كذّب القرآن أو آية منه فلا شك في كفره , بل لا شك في كفر من لم يُكّفره .

الأدلة على ذلك :
الدليل الأول : أن الله تعالى حكم على النصارى بالكفر لما صدر منهم من الأقوال التي تدل على شركهم وكفرهم بالله رب العالمين .
قال تعالى : )  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ( .[ المائدة : 17 ] .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :

( يقول الله تعالى مخبراً وحاكماً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم – وهو عبد من عباد الله , وخلق من خلقه – أنه هو الله , تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ) . اهـ ( عمدة التفاسير -  جـ 2ص143.

وفي موضع آخر حكى الله عنهم مقالاتهم الشنيعة , كما في قوله تعالى : )  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( .[ المائدة : 73] .
فإذا كان الأمر كذلك , فمن لم يُكفر النصارى أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر , لأنه صار مكذباً لله رب العالمين .

الدليل الثاني : أن الله تعالى حكم بالكفر على اليهود لما صدر منهم مما يقتضي كفرهم وشركهم .
قال تعالى : )  وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( .[ التوبة : 30 –31 ] .

قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره :
( " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ " وهذه المقالة , وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم فيدل ذلك, على أن في اليهود, من الخبث والشر, ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة, التي تجرأوا فيها على اللّه, وتنقصوا عظمته وجلاله ) . اهـ ( تفسير السعدي )ج2 ص121

ومن المعلوم أن اليهود لم ينكروا هذه المقالة , فدل ذلك على رضاهم , فصارت مقالة لجميعهم .
وأقوال اليهود الكفرية ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم بكثرة , وبناء على ذلك : فمن لم يُكفر اليهود أو شك في كفرهم , أو صحح مذهبهم , فهو كافر , لأنه صار بذلك مكذباً لله رب العالمين , ولنصوص القرآن الكريم .

الدليل الثالث : حكم الله تعالى على عُبّاد الأوثان والأصنام بالكفر , لشركهم بالله تعالى , بعبادتهم غير الله عز وجل , والآيات في ذلك كثيرة .
قال تعالى : )  أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( .[ الزمر : 3 ] .

قوله تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ(
قال فيها العلامة السعدي في تفسيره :
) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي ( أي : لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم , )مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( , أي : وصفه الكذب , أو الكفر , بحيث تأتيه المواعظ والآيات , فيجحدها , ويكذب , فهذا أنَّى له الهدى , وقد سد على نفسه الباب , وعوقب بأن طبع الله على قلبه , فهو لا يؤمن ؟ ) . اهـ ج6 ص34

فالمشرك الأصلي وكل من دان بدين غير الإسلام , من لم يكفره , أو شك في كفره , فهو كافر , لأنه بذلك يكون مكذباً لله رب العالمين .

الدليل الرابع : حكم الله تعالى بالكفر على كل من آمن بالبعض وكفر بالبعض الآخر .

 قال تعالى : )  إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا( . [ النساء : 150 – 151 ] .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :
)  إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ  : فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله , ) وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ ( : أي في الإيمان , ) وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً(  : أي طريقاً ومسلكاً, ثم أخبر تعالى عنهم فقال:  ) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ( :  أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به, لأنه ليس شرعياً إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله, لأَمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه, أو نظروا حق النظر في نبوته.
  وقوله : ) وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ً( : أي كما استهانوا بمن كفروا به, إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه, وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته, كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه, فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي ) . اهـ ( عمدة التفاسير جـ2ص131

والآية عامة في كل من يؤمن بالبعض ويكفر بالبعض الآخر , فيمن ينتسبون إلى الإسلام , ويأبون أن يدخلوا في الإسلام كافة .
فمن أعطى حق التشريع لغير الله تعالى فهو كافر حقاً , وإن كان يزعم أنه مسلم ويصلي ويصوم , ومن جعل الدين داخل المسجد والكنيسة , ولا دخل له في بقية شئون الحياة , فهو كافر حقاً , وتنطبق عليه مثل هذه الآية .

تنبيه

إن العلمانيين الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة , وينادون بمساواة المرأة بالرجل – إلى غير ذلك – هم في الحقيقة أكفر من الكفار الأصليين وأخطر على الإسلام من اليهود والنصارى , بل هم أداة التنفيذ في أيدي أعداء الإسلام .
العلمانيون يحاربون الإسلام حرباً لا هوادة فيها , وقد سخّّروا كل شئ تحت أيديهم لمحاربة الإسلام والمسلمين , ولا يمكن أن يفعل ذلك إلا كافر جحود مشرك بربه جل وعلا .
أقول ذلك لأن مثل هذا الأمر يختلط على الكثير من الناس , بل وعلى بعض العاملين لدين الله تعالى , إن كفر العلمانيين , كفر متحقق لا شك في ذلك , لأنهم يؤمنون بالبعض ويكفرون بالبعض الآخر , بل وصل بهم الأمر أنهم يعتبرون القرآن الكريم , كتاب أدبي فيه الخطأ وفيه الصواب , وبالتالي فإن القرآن الكريم يخضع للنقد من قبل البشر ممن يطلقون على أنفسهم بالأدباء والمفكرين . فهل بعد ذلك يُشك أحد في كفرهم , إلا من كان على شاكلتهم .
إذن من أمن بالبعض وكفر بالبعض , فلا شك في كفره , ومن لم يُكفّره كان كافراً , لأنه بذلك صار مكذباً لله رب العالمين .
والخلاصة
 أن من لم يُكفّر الكافر المقطوع  بكفره يصير كافراً , لأن ذلك يُعد تكذيباً لصريح القرآن الكريم , ويكون بذلك قد ردّ على الله تعالى حكمه , ولم يرضى بحكم الله تعالى وقضاءه في عباده .
إذن فهذه القاعدة ( من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كان كافراً ) , مأخوذة من كتاب الله تعالى , وليست من وضع العلماء , ولكن رحمهم الله أخذوها من القرآن الكريم ووضعوا لها الضوابط اللازمة لذلك .
تعليقات لبعض العلماء على هذه القاعدة :

قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب "قال فى شرح الناقض الثالث : ص79 ـ 96
وهو : من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر .

الشرح :
قوله :  " الثالث " أي : الناقض الثالث من نواقض الإسلام : من لم يكفر المشركين ؛ لأنه يجب على المسلم أن يكفر من كفره الله ورسوله e والله عز وجل كفر المشركين عبدة الأوثان وغيرهم ممن يعبد مع الله غيره ، وكفّر من لم يؤمن بالرسل أو بعضهم كما في القرآن والسنة النبوية ،؛ كفر المشركين من اليهود والنصارى والوثنيين ، فيجب على المسلم أن يعتقد بقلبه كفرهم عملا بتكفير الله لهم وتكفير رسول الله e لهم ،
قال تعالى : " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " [ مريم : 17 ] ، وقال تعالى : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا " [ المائدة 64 ] ، وقال تعالى : " لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ " [ آل عمران : 181 ] . إلى غير ذلك من المقالات التي حكاها الله عنهم ، وهم أهل كتاب ، ويكفي في تكفيرهم أنهم كفروا بمحمد e الذي أرسله الله للناس كافة والذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، قال تعالى : " النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " الأعراف : 157 – 158 ] .
فقوله " يا أيها الناس " عام في جميع الناس من أهل الكتاب وغيرهم " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "وقال تعالى : " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " [ سبأ : 28 ] . فمن لم يؤمن بعموم رسالة النبي محمد e حتى لو أقر أنه رسول الله e  ولكن قال إن رسالته خاصة بالعرب دون غيرهم فهو كافر فكيف بالذي يكفر برسالته أصلا ولا يؤمن بها ؟
فهذا أشد كفرا ، فالذي يشك في كفر المشركين عموما سواء كانوا من الوثنيين أو من اليهود والنصارى أو من المنتسبين إلى الإسلام ويشركون بالله يجب اعتقاد كفرهم ، فكل من أشرك بالله وعبد معه غيره من الأشجار ، والأحجار ، والأصنام ، والأوثان ، والقبور ، والأضرحة فإنه مشرك كافر يجب تكفيره حتى ولو كان يدعي الإسلام ويقول : لا إله إلا الله محمدا رسول الله ، لأن الشرك يبطل الشهادتين ويناقض الإسلام ويفسد التوحيد فيجب على المسلم أن يكفر المشركين الذين يعبدون غير الله سواء كانوا من العرب أو من العجم ، سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو المنتسبين بالإسلام ، هذه عقيدة ليس عليها مساومة فمن لم يكفر المشركين فإنه يكون مرتدا كافرا مثلهم ، لأنه تساوى عنده الإيمان والكفر ، لا يفرق بين هذا وهذا ، فهذا كافر .
وكذلك من شك في كفر المشركين ، وقال : ما أدري هل هم كفار أو غير كفار ؟ فإنه يكون كافراً ؛ لأنه متردد في دينه بين الكفر والإيمان ، ولم يفرق بين هذا وهذا .
وأشد من ذلك " من صحح مذهبهم " أي : من صحح مذهب المشركين ، وما أكثر من يصحح مذهبهم ويدافع عنهم ، خصوصا اليهود والنصارى ، ففيه الآن دعوى قائمة وهي الدعوى إلى الوحدة بين الأديان الثلاثة كما يزعمون : الإسلام واليهودية والنصرانية ، ويقولون كلها أديان صحيحة وكلهم مؤمنون بالله فلا نكفرهم ، فهذا أشد كفرا من الذي شك في كفرهم ، لأنه صحح مذهبهم ، وقال : إنهم يؤمنون بالله ويتبعون الأنبياء ، فاليهود يتبعون لموسى والنصارى يتبعون لعيسى !! .
فنقول له : إنهم لم يتبعوا موسى ولا عيسى ، لو كانوا يتبعونهما لآمنوا بمحمد e ؛ لأن موسى وعيسى – عليهما السلام – بشرا بمحمد e وهو موجود في التوراة والإنجيل ، فالتوراة التي أنزلت على موسى موجود فيها ذكر محمد e قال تعالى : " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ " [ الأعراف : 157 ] ،والإنجيل الذي نزل على عيسى فيه ذكر محمد e بل صرح عيسى – عليه السلام بذلك فقال : " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ "  [ الصف : 6 ] ، من الذي جاء بعد عيسى عليه السلام ؟ نبينا محمد e وله أسماء كثيرة ، قال تعالى : " الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " [ البقرة : 146 ] فكيف يقارن بين اليهودية والنصرانية والإسلام ؟ فاليهودية والنصرانية بعد بعثة محمد e قد نسخا بالإسلام ، والإسلام هو دين الحق لم يبق دين غير دين الإسلام الذي جاء به محمد e ، فمن لم يدخل في الإسلام ويؤمن بمحمد e فهو كافر سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو ملحدا ، فكل من لم يؤمن بمحمد e فهو كافر .
وهؤلاء يقيمون الآن مؤتمرات للتقارب بين الأديان ومع الأسف يؤيدهم من ينتسبون للإسلام ويحضرون هذه المؤتمرات ويسمونها الحوار بين الأديان أو الحوار بين الحضارات وما أشبه ذلك ، فهم لا يحضرونها من أجل أن يبطلوا شبه اليهود والنصارى وإنما يحضرونها ليتصالحوا معهم ، ويكفيهم أن اليهود والنصارى يعترفون أن محمدا e نبي ولو في الظاهر ولا يعترفون بعموم رسالته ، فيكفرون بعموم رسالته ، فكأنهم يقولون : ارضوا عنا ونرضى عنكم ، قال تعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " [ البقرة : 120 ] . فهم يخادعون ، فالواجب تكفيرهم والجزم بكفرهم وعدم التردد في كفرهم حتى يؤمنوا بعموم رسالة محمد e ويتبعوه ، قال تعالى : " فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ " [ الأعراف : 157 ] . هل هم يتبعون النور الذي أنزل مع نبينا محمد e ، لا ، لا يتبعونه وإن قالوا إن محمدا e نبي لكنهم لا يتبعونه فهم كفار بلا شك ، قال e : " لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا دخل النار " [ أخرجه مسلم ( 153 ) من حديث أبي هريرة ] .
فيجب الجزم بكفر الكفار وفي مقدمتهم اليهود والنصارى وهم أشد كفرا لأنهم عصوا الله على علم وبصيرة ، قال تعالى : " يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " [ البقرة : 146 ] . فيجب على المسلم أن يعتقد كفر الكفار أيّا كانوا ، كل من أشرك بالله ودعا غير الله بأي نوع من أنواع الشرك الأكبر فيجب تكفيره بالحكم عليه بالكفر ولا يجوز الشك في كفره ، ولا يجوز تصحيح ما هو عليه من الكفر فيقال هذا صاحب دين ، هذا أحسن من الوثنيين فالكفر ملة واحدة .
نقول : من لم يؤمن بمحمد e ولم يتبعه فهو كافر مهما كان ، هذه عقيدة يجب على المسلم أن يعتقدها لئلا يخرج من الإسلام وهو لا يدري ، فيخرج من الإسلام بعدم تكفير الكفار أو تصحيح مذهبهم ، بأن يصحح ما عليه اليهود ، أو يصحح ما عليه النصارى ويقول : هم من أصحاب الأديان ، بل هناك من ينتسب إلى الدعوة . ويقول : إخواننا المسيحيون .
فنقول لهم : هؤلاء لم يؤمنوا ، فلو آمنوا لاتبعوا محمدا e ؛ لأن المسيح قال : " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ "  [ الصف : 6 ]، فلم يؤمنوا بهذا  بل إن المسيح إذا نزل في آخر الزمان فإنه يتبع محمدا e ويحكم بشريعة الإسلام ، ويكون مجددا من المجددين ، ومن كفر بنبي واحد فهو كافر بجميع الأنبياء ، فالواجب معرفة هذا الأمر وألا تنطلي هذه الشبهات التي تروج من اليهود والنصارى ، فهم لا يريدون بقاء المسلمين على دينهم ولكنهم يريدون أن يجتذبوا المسلمين إلى دينهم ، قال تعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " [ البقرة : 120 ] . هذا كلام الله ، وقال تعالى : " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا "  [ البقرة : 135 ] . أي عندهم أنه من لم يكن يهوديا أو نصرانيا فإنه ليس بمهتد ، هذا كلام الله أصدق القائلين ، فكيف لا نكفرهم ؟ وكيف  نشك في كفرهم ؟ نسأل الله العافية .
وقد كفَّر الله ورسوله e من أشرك بالله وعبد غير الله أياً كان ، أو كفر بنبي من الأنبياء ، أو جحد ركنا من أركان الإيمان الستة فإنه يحكم بكفره ، ولا يُتردد في ذلك ولا يشك فيه ، ولا يصحح ما هو عليه ، فيلتمس له الأعذار ، الدين ليس فيه مساومات وليس فيه تنازلات ، فيجب التصريح به والبراءة من ضده .
ثم بعد أن نعلم وجوب تكفير المشركين والكفار أياً كانوا ، وأن هذه عقيدة لا يصح الإسلام ولا يستقم الدين إلا بها ولا يكون الناس عند المسلم سواء ، بل يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر والموحد والمشرك كما فرق الله بينهم في الحكم .
فينبنى على تكفير الكفار أحكام كثيرة نذكر منها ما تيسر :              
أولا : أنه يجب بغض الكفار ، ومعاداتهم وعدم موالاتهم حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلى المسلم ، قال جل وعلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ " إلى أن قال : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ "  [ الممتحنة : 1، 3 ] . وقال تعالى : " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ " [ المجادلة : 22 ] . وقال تعالى : " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ " [ البقرة : 256 ] . دلّ على أنه لا يجتمع الإيمان بالله والإيمان بالطاغوت ، فإنه لا بد من الكفر بالطاغوت أولا ثم الإيمان بالله ، فيجب الكفر بالطاغوت ومعاداة الكفار وبغضهم ولو كانوا من أقرب الناس إلى المسلم ، ولو كان الكافر امه أو أوباه أو أخاه أو كان من قبيلته وعشيرته فإنه يبغضه ويتبرأ منه ، قال تعالى : " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ " [ التوبة : 114 ] . لما أنزل الله هذه الآيات تأسف أناس من المسلمين الذين كانوا يستغفرون لآبائهم من المشركين الذين ماتوا وخافوا من هذه الآية فأنزل الله تعالى : " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يتبين لهم ما يتقون " فما كان قبل أن تنزل الآية وقبل أن يعلم المسلم تحريم ذلك فإنه لا يؤاخذ عليه .
ثانيا : مما يترتب عل تكفير المشرك أنه إذا مات المشرك والكافر فإن المسلم لا يتولى جنازته ولا يدفن في مقابر المسلمين ن فالمسلمون لا يتولون جنازة الكافر ، فلا يغسلونها ولا يكفنونها ولا يحملونها ولا يشيعونها ويحضرون دفنها ولا تدفن في مقابر المسلمين ن قال تعالى : " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهو فاسقون " [ التوبة : 148 ] .فالمسلم لا يشيع جنازة الكافر ولا يجهزها ولا تدفن في مقابر المسلمين ، وأما عيادة المريض من الكفار إذا كان من أجل دعوته إلى الله فإن المسلم يعود المريض الكافر ويدعوه إلى الله ، فقد عاد النبي e  يهوديا ودعاه إلى الإسلام فأسلم ومات على الإسلام وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي في الكبرى وأحمد عن انس بن مالك رضي الله عنه ) .
وعاد النبي e  عمه أبا طالب في مرض الموت وقال له : " يا عم ، قل لا إله إلا الله " ( أخرجه البخاري ومسلم من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه ) .
فإذا كانت عيادة المريض الكافر من أجل دعوته للإسلام فلا بأس بها ، وأما إذا مات على كفره فإن المسلم لا يتولاه ولو كان أقرب الناس إليه ولو كان أباه ، ولما مات أبو طالب على الكفر لم يتولّ الرسول e  دفنه ولا تجهيزه بل أمر ابنه عليّا أن يواريه في الأرض ولا يترك على ظهر الأرض لئلا يتأذى به الناس . ( أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني ) .
ثالثا : المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم لأن الله قطع الصلة بينهما ، فلا يتوارث المسلمون والكفار ، قال e  : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " . وهذا في الصحيح عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه .[ أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه ] .
وإنما يكون ميراث الكافر لأقاربه الكفار ولا يرثه أقاربه المسلمون فالكفر من موانع الإرث عند أهل العلم .
رابعا : لا يجوز أن يُزوج الكافر من مسلمة خشية على دينها منه لئلا تكون تحت سلطانه ، قال سبحانه وتعالى  : " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ " [ البقرة : 221 ] .  
وقال تعالى : " فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن " [ الممتحنة : 10 ] . فلا يجوز أن تتزوج المسلمة من الكافر مطلقاً لا يهودي ولا نصراني ولا وثني ، وأما تزوج المسلم من الكافرة فإن كانت وثنية فإنه لا يجوز أن يتزوج بها ، قال تعالى : " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ " [ البقرة : 221 ] .
وأما إن كانت يهودية أو نصرانية فيجوز للمسلم أن يتزوجها بشرط أن تكون عفيفة في عرضها وذلك لقوله تعالى : " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ " [ المائدة : 5 ].      
والمحصنات هن العفيفات من الزنا ، فالنصرانية التي تسافح أو تتخذ الأخذان لا يجوز للمسلم أن يتزوجها وإنما يجوز أن يتزوج اليهودية والنصرانية العفيفة في عرضها ، لأن المراة تحت سيطرة الرجل ، وربما تسلم وهي تحت سلطته فيكون السلطان للمسلم على الكافرة بخلاف العكس فلا يكون السلطان للكافر على المسلمة لقوله تعالى : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " [ النساء : 141] .
فهذا هو التفصيل في التزاوج بين المسلمين والكفار أن يتزوجها مطلقا ، أما إن كانت كتابية جاز بشرط أن تكون محصنة يعني عفيفة لأنها تدخل تحت سلطة الرجل المسلم فتتاح لها الفرصة لأن تسلم .
خامسا : ومن الأحكام المترتبة على تكفير الكفار والبراءة منهم وجوب الهجرة على المسلم من بلادهم ، فيجب على المسلم الذي لا يقدر على إظهاردينه أن يهاجر إلى بلاد المسلمين كما هاجر النبي  e والصحابة فرارا بدينهم ، ولا يبقى المسلم في بلاد الكفار إذا كان لا يقدر على إظهار دينه وهو يقدر على الهجرة ، قال سبحانه : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي "  هؤلاء الذين تركوا الهجرة " أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا " [ النساء : 97 – 99 ] .فالذي لا يستطيع أن يهاجر فإنه معذور ، ولكن الذي يستطيع فتجب عليه الهجرة ، فلا يجز له أن يقيم بين أظهر المشركين ، قال e : " أن برئ ممن يقيم بين أظهر المشركين " ( أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ، وقد رجّح الترمذي فيه الإرسال ونقله عن شيخه البخاري ) .
فيجب على الذي لا يقدر على أن يظهر دينه أن يهاجر ، والهجرة قرينة الجهاد في سبيل الله عز وجل فجاء ذكرها مقرونة مع الجهاد ، قال تعالى : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا والذين جاهدوا في سبيل الله " [ البقرة :218 ] .
فالهجرة أمرها عظيم في الإسلام ، وهي الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين فرارا بالدين .
سادسا : ومما يترتب على تكفير الكفار عدم بداءة المشركين والكفار بالسلام ، قال e : " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإن سلموا فقولوا : وعليكم " .
سابعا : لا يُصدّرون في المجالس ولا يفسح لهم الطريق ، قل e : " إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " ( أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1103 )، ومسلم (2167 ) ، والترمذي (1602) ، وأبو داود (5205) من حديث أبي هريرة ، وأحمد ( 7567) .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
وأما لفظه : " وإن سلموا فقولوا : وعليكم " فأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود من حديث ابن عمر – رضى الله عنهما . ) .
فلا يمنعون من العبور والمرور ولكن لا يفسح لهم ويقدمون في المرور كما يفسح للمسلم ولكن يتركون فيأتون من جوانب الطريق إهانة لهم لأن الله أهانهم .
ثامنا : عدم تمكينهم من دخول الحرم المكي ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [ التوبة : 28 ] .فلما نزلت هذه الآية أرسل النبي e عليا رضى الله عنه ينادي في موسم الحج ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . ( أخرجه البخاري ، ومسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه) . فمنعوا من دخول الحرم من ذلك التاريخ ويستمر منعهم إلى قيام الساعة ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ "، وليس المقصود منعهم من دخول المسجد الحرام فقط ، بل منعهم من دخول الحرم كله " فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ " .
تاسعا : ومما يترتب على تكفير المشركين والكفار أنه يلزم ولي الأمر إخراجهم من جزيرة العرب لأن جزيرة العرب منبع الرسالة والدعوة فلا يجوز أن يبقى فيها دين آخر غير دين الإسلام ، فلا يمكنون من سكنى الجزيرة العربية بصفة دائمة ، أما إن أتوا مسافرين لتجارة أو لسفارة أو غير ذلك من المهمات أو استقدمهم المسلمون لعمل لا يحسنه غيرهم فلا مانع من ذلك ، وإنما الممنوع أن يمكنوا من الاستقرار والتمليك في جزيرة العرب لأن النبي e قال عند موته : " أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب " ( ورد ذلك في جملة من الأحاديث منها :
- عن ابن عباس – رضى الله عنهما – بلفظ : " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " أخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود .
- عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بلفظ : " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما " أخرجه مسلم وأبو داود .
- عن أبي عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه – بلفظ : " أخرجوا اليهود والحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب " أخرجه أحمد وصححه الألباني ) .
وقال e : " لا يبقى في جزيرة العرب دينان " ( أخرجه الطبراني في الأوسط عن عائشة – رضي الله عنها – بلفظ : " لا يترك في جزيرة العرب دينان " وأخرجه أبو عبيد في الأموال (ص107) برقم (272) موقوفا على عمر بلفظ " لا يجتمع " ومالك في الموطأ عن ابن شهاب الزهري مرسلا أن رسول الله e قال : " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " .
قال مالك : قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله e قال : " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " فأجلى يهود خيبر . [ وانظر : التمهيد ( 12/311 – 313 ) ط . الفاروق الحديثة ] .
فنفذ عمر – رضي الله عنه – وصيته e فأخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وأجلاهم ، وأما إذا دخلوا دخولا مؤقتا لمهمة من المهمات أو لسفارة في جزيرة العرب فلا يمكنون من إظهار شعائرهم ، ولا يمكنون من بناء الكنائس في بلاد المسلمين ، وإنما يقصر أمرهم بينهم في أماكن إقامتهم المؤقتة ولا يظهرون كفرهم في بلاد المسلمين ، فينصبوا الصليب أو يدقوا الناقوس ، بل يكون ذلك بينهم مدة إقامتهم ولا يظهر هذا في بلاد المسلمين ، وهذا ليس خاصا باليهود والنصارى بل كل المشركين عبدة القبور وغيرهم لا يمكنون من بناء الأضرحة ، ولا يمكنون من بناء المساجد على القبور ، فيجب على ولاة المسلمين هدم هذه الأضرحة ، فكل مشرك لا يمكن من إظهار شركه في بلاد المسلمين .
عاشرا : ومما يترتب على تكفير المشركين والكفار عدم الثناء عليهم ومدحهم ؛ لأن الله تعالى ذمهم وهم أعداء الله ورسوله e  فكيف تمدحهم ؟
فبعض الناس يقول : عندهم أمانة ، وعندهم حسن معاملة ويثني عليهم ، ويقول : المسلمون عندهم خيانة وغش وكذا .
فنقول : المسلمون ولو كانوا عند بعضهم معاص وغش فهم أفضل أهل الأرض ، أما الكفار فهم أعداء الله ورسوله e ولو كان لهم شئ من الصفات التي يتعاملون بها في دنياهم فلا يجوز مدحهم والله ذمهم ، فإنما يجب علينا أن نذمهم لكفرهم بالله عز وجل.
حادي عشر : ومما يترتب على تكفير المشركين والكفار : تحريم التشبه بهم في لباسهم وعوائدهم الخاصة بهم ، والتشبه بهم في عباداتهم أشد ، قال e : " من تشبه بقوم فهو منهم " ( أخرجه أحمد ، وأبو داود وغيرهما ، وصححه الألباني والله اعلم ).
وهذا من فروع تكفيرهم ومعاداتهم ؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يدل على محبتهم في الباطن ، ولو كان المسلم يبغضهم ما تشبه بهم ، فيجب على المسلمين أن يعتزوا يدينهم ولا يتشبهوا بالكفار في ملابسهم وعوائدهم الخاصة وأشد من ذلك التشبه بهم في دينهم بأن نحدث في ديننا ما يُشبه ما عندهم من البدع مثل الموالد ، هذا تشبه بالكفار الذين يحتفلون بمولد المسيح ، فنحن لا نتشبه بهم في عاداتهم وعباداتهم وملابسهم الخاصة بهم 00000000"اهـ .

الأسئلة :
 سؤال : هل تكفير الكافر خاص بالكافر الأصلي أم الكافر المرتد ؟
جواب :نعم ، تكفير الكفار عام في الكافر الأصلي والكافر المرتد ، فكلهم يعاملون معاملة واحدة ، إلا أن الكافر المرتد يستتاب فإن تاب وإلا يقتل ، وأما الكافر الأصلي فتجوز معاهدته ، وأما المرتد فلا يترك لأنه أفسد العقيدة واعتدى عليها بعدما عرف الحق فيجب قتله لأنه أصبح عضوا فاسدا .

سؤال : هل من شك في كفر المشركين في قلبه ولم يتلفظ بلسانه يكفر ؟ وما الفرق بين هذا وحديث النفس ؟   
جواب : الشك يكون بالقلب ، فإذا تردد في المشركين هل هم كفار أم لا فإنه يرتد بذلك وإن تلفظ فالأمر أشد ، وأما حديث النفس من غير شك فإنه لا يضر .

سؤال : يوجد في القنوات الفضائية من يقول إن اليهود والنصارى إخواننا في الإيمان ، فما حكم هؤلاء ؟ هل يكفرون ؟
جواب : من قال إن اليهود والنصارى إخواننا فإنهم يكفرون بذلك ، إلا إذا كان القائل جاهلا فإنه يُبين له فإن أصر فإنه يُحكم بكفره ، وأما إذا تاب تاب الله عليه .

سؤال : ما الضابط في تكفير المعين ؟ ومنهم من يقول : لا تكفروا الشخص إن كان يهوديا بعينه حتى يتحقق لنا ما يكفره .
جواب :من أظهر الكفر فإنه يحكم عليه بالكفر ، ومن أشرك بالله يحكم عليه بأنه مشرك ، ولكن لا تجزم له بالنار ، فأنت تحكم عليه بالكفر في الدنيا بموجب ما صدر منه ، وأما في الآخرة فأنت لا تحكم عليه أنه من أهل النار ، فقد يكون قد تاب وأنت لا تدري ، فالسائل قد خلط بين الأمرين : مسالة التكفير ومسألة الحكم بالنار على معين ."اهـ  

قال صاحب كتاب التبيان شرح نواقض الإيمان الشيخ سليمان العلوان
قال رحمه الله: ((من لم يكفر المشركين أو شك في كفره أو صحح مذهبهم))
لأن الله -جل وعلا- كَفَّرهم في آيات كثيرة من كتابه، وأمر بعداوتهم؛ لافترائهم الكذب عليه، ولجعلهم شركاء مع الله، وادعائهم بأن له ولداً، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً، وقد افترض الله -جل وعلا- على المسلمين معاداتهم وبغضهم.
ولا يحكم بإسلام المرء حتى يُكَفِّرَ المشركين، فإن توقّف في ذلك مع ظهور الأمر فيهم، أو شك في كفرهم مع تبينه؛ فهو مثلهم.
أما من صحح مذهبهم، واستحسن ما هم عليه من الكفر والطغيان؛ فهذا كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه لم يعرف الإسلام على حقيقته، وهو: "الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله" وهذا والى أهل الشرك، فضلاً عن أن يكفرهم.
وفي "صحيح مسلم" من طريق مروان الفزاري عن أبي مالك سعد ابن طارق عن أبيه؛ قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله".
فلا يُكتفى بعصمة دم المسلم أن يقول: لا إله إلا الله، بل لا بد أن يضيف إليها الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن لم يكفر بما يُعبد من دون الله، لم يحرم دمه وماله، والسيف مسلول عليه؛ لإضاعته أصلاً من أصول ملة إبراهيم. التي أمرنا باتباعها والسير على منهجها دونَ تمييع لها مسايرة لشهوات أعداء الله.

قال -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)([2]).

هذه هي ملة إبراهيم التي من رغب عنها، فقد سفه نفسه.
وقال -تعالى-: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)([3]).

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب قدَّس الله روحه: "وصفة الكفر بالطاغوت: أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم"

وبهذا البيان يتبين لك ما عليه كثير من حكام البلاد التي تنتسب إلى الإسلام؛ لأنهم والوا أهل الإشراك، وقربوهم، وعظموهم، وجعلوا بينهم علاقات تدل على أنهم إخوان لهم، إضافة إلى ذلك أنهم عادوا أهل الدين وآذوهم وأودعوهم في السجون؛ فهل يبقى إسلام بعد هذا؟!".
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51))([4]).
وقال -تعالى-: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)([5]).
فلا بد لكل مسلم يدين دين الإسلام أن يُكَفِّرَ المشركين، وأن يعاديهم، وأن يبغضهم، ويبغض من أحبهم، أو جادل عنهم، أو ذهب إلى ديارهم من غير عذر شرعي يرضاه الله ورسوله.

وعلى المسلمين جميعاً أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز، وبه يحصل النصر، وبه تستقيم البلاد، وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن الذين ينصرون دينه وبين أولياء الشيطان الذين لا يبالون بما جرى على الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم.

ويجب على جميع المسلمين أن يكون لهم أسوة بإبراهيم الخليل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27))([6])؟!.
وعلينا أن نرجع إلى عقيدتنا وديننا ونمتثل أمر الله –جل وعلا – في حكمه في الكفار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123))([7]).
وقال -تعالى-: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)([8]).

وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سلّط الله عليهم عدوهم، فلما أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع الله ورضوا بالقوانين الوضعية الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بلادهم وتشتتت، وسامهم العدو سوم العذاب من حيث لا يشعون، لأن كثير من الرؤساء لا يهمهم إلا المحافظة على المناصب التي يتولونها، سواءٌ استعز الدين أم لا، مع أن العز والتمكين لا يكون إلا بالقيام بنصر هذا الدين؛ لأنه فرض لازم على كل من له قدرة وملكة يستطيع ذلك، ولكن أكثرهم لا يعلمون، وسبب ذلك بطانة السوء مع تقصير كثير من الدعاة إلى الله في التركيز على هذا الجانب. والله المستعان.

وليعلم كل مسلم أن الكفار يسعون سعياً شديداً، ويحرصون كل الحرص، على إبعاد المسلم عن دينه حسداً من عند أنفسهم، فإن لم ينتبه الغيور على دينه من هذه الرقدة؛ فسوف يعض أصابع الندم حين لا ينفع، وسوف يجني ثمرة فعله, "ومن لم يغزُ غُزِيَ"

ويجب على كل عالم وداعية وخطيت وإمام مسجد أن يبين للناس خطورة موالاة الكفار بالأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله، ويبين لهم خطورة الذهاب إلى ديارهم، أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ لأن الله قطع الموالاة والصلة بين المسلم والكافر، حتى ولو كان أقرب قريب؛ كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الأِيمَانِ)([9]).

وقال -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)([10]).
وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ(1))([11]).
ولذلك قال النبي r فيما رواه عنه الشيخان من حديث أسامة: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"؛ لئلا يقع بين المسلم والكافر علائق؛ حسم النبي r المادة وقطع بينهما التوارث.
وقال r فيما صح عنه:(لا يقتل مسلم بكافر)([12])،وما ذاك إلا لهوان الكافر.
كيف لا، والله -جل وعلا  يقول: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)([13])؟!.

وليعْلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن يصطلحوا مع المسلمين، ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع المسلمون ملتهم، ويحذوا حذوهم؛ كما قال -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِاتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(120))([14]).

فهذا تهديد من الله ووعيد شديد على من اتبع دين الكفار، وأنه ليس له من دون الله ولي ولا تصير.
وقد أمر النبي r بمفارقة المشركين؛ لئلا يصير منهم، بل عظم الأمر وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". قالوا: يا رسول الله! لِمَ؟ قال: "لا تراءى ناراهما"([15]).
وروى النسائي وغيره بسند جيد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي r أنه قال: "لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين".
ونشكوا إلى الله -جل وعلا- غربة الدين، وتغير أحوال المسلمين فهم يسمعون هذه النصوص الصريحة المخيفة، ومع ذلك يذهبون إلى ديارهم، ويجلسون معهم، ويؤاكلونهم، ويضاحكونهم!
وقد قال النبي r: "من جامع المشرك، وسكن معه، فإنه مثله".
رواه أبو داود من حديث سمرة بن جندب، وفيه ضعف، ولكن يشهد له ما تقدم.
أين ملة إبراهيم؟!
أين الحب والبغض في الله؟!
كل هذا لا يرفع به كثير من الناس رأساً.

ولله درُّ العلامة سليمان بن سمحان حيث يقول:

وَمِلَةُ إبْراهيمَ غُودرَ نَهْجُها
وَقَدْ عُدِمَتْ فينا وَكَيْفَ وقَدْ سَفَتْ
ومَا الدِّينُ إلاَّ الحُبُّ والبُغْضُ والوَلا
وَلَيْسَ لَها مِنْ سالِكٍ مُتَمَسِّكٍ
فَلسْنا نَرى مَا حَلَّ بالدِّينِ وانْمَحَتْ
فَنأْسَى عَلى التَّقصيرِ مِنّا وَنَلْتَجي
فنَشْكوا إلى اللهِ القُلوبَ الَّتي قَسَتْ
أَلَسْنا إذا مَا جَاءَنا مُتَضَمِّخٌ
نَهُشُّ إلَيْهِمْ بالتَّحيَّةِ والثَّنا
وقَدْ بَرِئ المَعْصومُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ
ولكِنَّما العَقْلُ المَعيشِيُّ عِنْدَنا


عَفاءً فَأَضْحَتْ طامِساتِ المَعالِمِ
عَلَيْها السَّوافِي في جمَيعِ الأقالِمِ
كَذاكَ البرَا مِنْ كُلِّ غاوٍ وآثِمِ
بِدينِ النَّبِيِّ الأبْطَحِيِّ ابنِ هَاشِمِ
بِهِ الِملَّةُ السَّمْحَاءُ إحْدى القَواصِمِ
إلى اللهِ في مَحْو الذُّنوبِ العَظائِمِ
وَرانَ عَلَيْها كَسْبُ تِلْكَ المآثِمِ
بِأوْضارِ أهْلِ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ ظالِمِ
ونُهْرَعُ في إكْرامِهِمْ بالوَلائِمِ
يُقيمُ بِدارِ الشَّركِ غَيْرَ مُصارِمِ
مُسَالَمَةُ العَاصينَ مِنْ كُلِّ آثِمِ

قول الشيخ رحمه الله: "أو صحح مذهبهم": يدخل فيه ما يدعو إليه كثير من أهل هذا الزمان، ممن يدعون إلى الاشتراكية، أو يدعو إلى العلمانية، أو إلى البعثية؛ فهذه كلها فرق ضالة كافرة، وإن تسمى أصحابها باسم الإسلام؛ لأن الأسماء لا تغير الحقائق.
ونشكوا إلى الله ما حلَّ بنا في هذا العصر الغريب، فقد انقلبت الموازين فأصبح الكثير يتعاملون مع الأسماء دون المسميات ومع الدعاوي دون البينات. فعدو الله الذي يحارب الدين ليلاً ونهاراً سرًّا وجهاراً قد صار مؤمناً موحداً عند الجهال المغفلين وأهل الشهوات، بدعوى أنه يتلفظ بالشهادتين، وما يغني عنه تلفظه بالشهادتين وقد صار جنديًّا من جنود إبليس، وحرباً على هذا الدين بالنفس والمال فالله المستعان" اهـ ص21 ـ 37
وقال صاحب كتاب الإعلام بتوضيح نواقض الإيمان عبد العزيز مرزوق الطريفى
(من لم يُكفِّر المُشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر) :
ومن حكم الله بكفره من أهل الكتاب والمشركين وأهل الإلحاد وأهل الردة وغيرهم يجب القطع بكفرهم وهذا من لوازم التوحيد، فالتوحيد لا بد فيه من أمرين :
الأول : الكفر بالطاغوت.
الثاني : الإيمان بالله.
وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فمعناها : لا معبود بحق إلا الله.
فقولنا (لا إله) نفي لأحد يستحق العبادة، وكفر بالطاغوت، وقولنا (إلا الله) إيمان بالله واستثناء لعبوديته وحده.
قال تعالى مبيناً هذين الأمرين: [البَقـَـرَة: 256]{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا}
فمن لم يكفِّر المشركين أو أهل الكتاب أو توقف في كفرهم مع وضوح حالهم فهو كافر بالله وبكتابه وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مُكذّب لعُموم رسالته للناس أجمعين، مرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، بإجماع المسلمين، فلا بد للمسلم من الجزم واعتقاد كفرهم.
قال القاضي عياض في «الشفا»: (2/1071) :
(ولهذا نكفِّر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك) انتهى.
ومن باب أولى كُفر من قال أن أهل الكتاب اليهود والنصارى أصحاب شريعة سماوية مجتهدون فيما هم عليه، فهم على حق، فهذا كافر بالله.
ومثله من قال : من أحب أن يتدين باليهودية أو النصرانية أو بالإسلام فهو مُخيّر في ذلك فكلهم على حق.
وهذه القول معروف عند بعض الملاحدة السابقين كابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم الذين يقولون: أنه يسوغ للرجل أن يتمسك بالنصرانية واليهودية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذا التمسك كتمسك أصحاب المذاهب الأربعة بمذاهبهم، ويقولون : كلها مسالك توصل إلى الله.
وهذا الناقض قد عمت به البلوى وطَمَّت، ونادى به كثير ممن طمس الله بصيرته، فنادوا بِحُرية الأديان ووحدتها والتقريب بينها، وزعموا أن كلها على حق، وأن لا عداوة مُطلقاً بين أهل الإسلام وغيرهم من الملل الكفرية، وجعلوا تبيين هذا الناقض للناس وتوضيحه عنصرية وغُلوّاً وتشدداً، وإحياءً للعداوة والبغضاء بين الأمم والشعوب، وبقولهم هذا يُهدم الإسلام ويُثلم، وهو ردّة ظاهرة وكفر صريح.
وهي دعوة مناقضة للتوحيد مباينة لدعوة الرسل، وتنوعت عباراتهم في عدم تكفير المشركين وأهل الكتاب أو التشكيك في كفرهم بزعم جمع كلمة الناس، ونبذ الكراهية من قلوب الشعوب.
وصاحب هذه الدعوى وهذه المزاعم قد جمع مع هذا الناقض المخرج من الملة، اتهام شريعة الله المُنزّهة بإفساد الشعوب وخلق الفتن والكراهية بين الناس التي لا ثمرة لها، ومصلحة المسلمين في غير ذلك، فهذا وإن لم يقل هذا القول بلسان مقاله فإنه يقوله بلسان حاله.
ودعوة وحدة الأديان وحريتها والتقريب بينها تتكيء على نِحلة عصرية الاسم قديمة المذهب والمشرب، كفرية إلحادية وهي العَلمانية، ومع كون هذه النِحلة تنكر الأديان، وتعتمد على المادية التي لا موجه لها، إلا أنها تسعى لإماتةِ الدين في النفوس بواسطة دعوى حرية الدين والتقريب بين العقائد ونبذ الخلاف.
وهؤلاء لم يعرفوا قدر الحياة التي دعا إليها الإسلام، ولا تعدو نظرتهم لها أن تكون نظرة بهيمية بل هم أضل سبيلاً، وذلك أنهم لم يعملوا لمصيرهم، والبهائم لا مصير لها ينتظرها، ولا عقل لها تفكِّر به بخلاف أولئك المُلْحدين .
قال تعالى: [المـُمتَحنـَـة: 4]{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
وهذه هي الحنيفية ملّة إبراهيم : [البَقـَـرَة: 130]{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}
فلا بد للمرء أن يجرد توحيد ربه تبارك وتعالى فلا يدع معه غيره ولا يشرك به طرفة عين ويتبرأ من كل معبود سواه.
روى مسلم في «صحيحه» من طريق مروان الفزاري عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله.
فلا بد مع الإيمان بالله الكفر بما يعبد من دون الله، ولا تتحقق عصمة دم المرء وماله حتى يجمع مع الإيمان بالله الكفر بما يعبد من دونه.
وخلاصه هذا الناقض :
أن الكافر بالله تعالى لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون كافراً أصلياً كاليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، فهذا كفره ظاهر جلي، ومن لم يكفِّره أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر وخرج من ملَّة الإسلام بذلك، وهو داخل فيما ذكرناه فيما سبق.
الثانية : أن يكون مسلماً فارتكب ناقضاً يخرجه من الإسلام، مع زعمه ببقاءه على إسلامه، فإن كان ما ارتكبه من النواقض صريحاً ومحل إجماع عند أئمة الإسلام كمن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو جحد شيئاً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة فلا يخلو الممتنع من تكفيره من حالين :
الأولى : أن ينكر أن يكون ما وقع فيه ناقضاً من نواقض الإسلام، فهذا حكمه حكمه، بعد قيام الحجة عليه.
الثانية : أن يُقرَّ بكون ما وقع فيها ناقضاً من نواقض الإسلام، لكنه احترز من تكفيره، لاحتمال ورود العُذر عليه، فهذا لا يَكفر.
وإن كان ما ارتكبه من النواقض محل خلاف عند أئمة الإسلام كترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج، فهذا لا يكفَّر أيضاً، والله أعلم."اهـ ص41 ـ47
فائدة : تتعلق بالدعوة إلى وحدة الأديان ، وأنها كفر بواح
قال صاحب كتاب :مظاهر التشبة بالكفار فى العصر الحديث وأثرها على المسلمين
"وأما خروج المسلم عن الدين بسبب التشبه بالكافرين فهو أجل آثار التشبه على الإطلاق؛ فليس بعد الكفر والخروج من الملة ذنب، ولكنه وإن كان جلياً في حال التشبه بهم في ما هو كفر من عقائدهم أو عباداتهم، فإنه قد يحصل في التشبه بهم فيما هو دون ذلك من خصائص الكفار على سبيل المآل؛ فإن التشبه قد يؤول إلى الكفر، وذلك إذا لم يتم التوقف فيه عند حد معين؛ فإن كل أمر يتشبه المسلم بهم فيه يترك مكانه سنة متبعة من سنن الإسلام، وفي النهاية قد يؤول الأمر إلى استبدال الكفر بالإيمان.
ولذلك لما دَأَبَ بعض المنتسبين إلى الإسلام على التشبه بالكفار من اليهود والنصارى، ومن ورائهم الغوغاء من الناس أتباع كل ناعق: انسلوا من دين الله (الحنيفية السمحة) شيئاً فشيئاً، فإنه لما قام هؤلاء بمداهنة الكفار، وتركوا ما أوجب الله عليهم من البراءة من أعداء الله، وكراهيتهم، فتخلوا عن هذه الشعيرة المهمة من شعائر الإيمان، وتشبهوا بالكفار في كل صغيرة وكبيرة: آل بهم الأمر إلى تصحيح أديان هؤلاء الكفار، حيث نبتت نابتة في عصرنا الحديث تدعو إلى تصحيح أديان اليهود والنصارى، وتدعو إلى بناء مسجد إسلامي وكنيسة نصرانية ودير يهودي في حائط واحد، وطباعة القرآن الكريم المحفوظ بحفظ الله، مع التوراة والإنجيل _ اللذين مستهما أيدي التحريف الآثمة _ في غلاف واحد( ).
وقد كانت رائحة هذه الدعوى (دعوى التقارب بين الأديان) تفوح من بعض المسلمين، والعجيب أنها صدرت ممن يُظن بهم الخير والصلاح، يقول الشيخ حسن البنا _ رحمه الله _ حيث ألقى في: (5/3/1946م) كلمة أمام اللجنة الأمريكية البريطانية التي كانت تجول حول العالم العربي بخصوص تمييع قضية فلسطين، والعمل على تهجير اليهود إليها، ألقى الشيخ البنا كلمته أمام هذه اللجنة باعتباره ممثلاً للحركة الإسلامية، جاء فيها: "الناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية، إلا أن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي، فأريد أن أوضحها باختصار فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن تكون قومية، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً"( )، ويقول في مؤتمر صحفي عقد في: (5/9/1948م) للاحتفال بمرور عشرين عاماً على إنشاء الجماعة: "وليست حركة الإخوان المسلمون موجهة ضد عقيدة من العقائد، أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف، إذ أن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعاً قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية، والإباحية وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذين الخطرين الزاحفَين"( ).
"وقد تجددت الدعوة إلى وحدة الأديان( ) _ أو التقارب بين الأديان _ في السنوات الأخيرة، واتخذت أشكالاً مختلفة وتحت مسميات متعددة، منها:-
1.…الدعوة إلى إقامة (صلاة روح القدس): وهي الصلاة المشتركة التي دعا إلى إقامتها البابا بولس في قرية (أسيس) بإيطاليا في يوم 27/10/1986م، واشترك فيها عدد من المسلمين إلى جانب اليهود والنصارى.
2.…الدعوة إلى عقد حوار (الوحدة الإبراهيمية)، وهو المؤتمر الذي دعا إلى عقده بمدينة قرطبة بإسبانيا (روجيه جارودي)، الفيلسوف الفرنسي المسلم( )، وذلك بمناسبة افتتاح المعهد الذي أسسه (جارودي) لهذا الغرض، وسماه: (معهد قرطبة لوحدة الأديان)، ويهدف المعهد _ كما يقول مؤسسه _ إلى نشر تعاليم ونتائج الثقافات للأديان الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام. وقد حضر هذا اللقاء عدد من المسلمين، وهم: روجيه جارودي، وعبد الهادي بو طالب، المدير العالم لمنظمة الإيسيسكو، ومختار أمبو، الأمين العالم لليونسكو، والبروفسور عبد السلام، وهو قادياني يحمل جائزة نوبل للفيزياء، وبدر الدين أغاخان، وهو إسماعيلي.
3.…تأسيس جماعة: (مؤمنون متحدون)، وهي جماعة تسعى لإذابة الفوارق الدينية ومسخ الشخصيات، وتدعو إلى صلاة مشتركة تسمى: (صلاة روح القدس)، يمارسها كل المؤمنين بالله مهما كانت ديانتهم، كما يضعون نشيداً واحداً يردده الجميع يسمى: (نشيد الإله الواحد: رب وابن
4.…كما ظهر من يقول بأن الجنة ليست حكرا على المسلمين الموحدين وأن الدين المنجي عند الله ليس الإسلام وحده ! فيتساءل لِمَ يعتقد أتباع كل دين أن الله يختصهم بالجنة ويذر غيرهم وأكثر الناس في النار؟ ثم يؤكد أن حقيقة الشرك هي العداء بين الأديان.
ويلاحظ على هذه الدعوى في صياغاتها وشعاراتها المتنوعة أنها تميل إلى جانب الديانة النصرانية أكثر من غيرها، مما يدل على أن التوجه إليها على ما فيه من إخلال بالعقيدة الإسلامية، فهو جَرْيٌ وراء التشبه بالكفار، وعند تطبيقه سيكون أكبر مثال لأثر التدرج في التشبه بالكفار، وأن التشبه بهم سيوصل إلى تصحيح أديانهم يوماً ما، وذلك كفر بالإسلام؛ فإن الله عز وجل ذكر في كتابه تكفير النصارى الذين ادعوا له البنوة أو التعدد، فقال: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسيحُ ابْنُ مَرْيَمَ))، وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسيحُ ابْنُ مَرْيَمَ))، وقال: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتهوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسن الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)). كما ذكر كفر اليهود وأنهم ملعونين فقال: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ))، كما أخبر عنهم أنهم ادعوا لله الابن، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ))،وأخبر عنهم أنهم افتروا على الله الكذب ووصفوه بالنقائص تجرأً عليه، نسأل الله السلامة والعافية، كما وصفهم في نفس الآية بأنهم يؤججون الحروب والفتن في الأرض فقال: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراًمِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))، وبيَّن أن من طبيعتهم قتل الأنبياء، وتكذيبهم، فقال: ((لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ))، وقال: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ))، وحذرنا ? من مكرهم فقال: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا))
فبحجة التقريب بين الأديان رأوا إزالة الفوارق بين الأديان والله تعالى يقرر ويدعونا أن نقول لهم إن أرادوا ذلك: تعالوا جميعاً لنوحد الله التوحيد الصحيح , قال تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))، فإن تولوا وظلوا على كفرهم، فقولوا لهم: نحن مسلمون، ومفهوم ذلك أنكم يا من تركتم التوحيد الخالص إلى الشرك: كافرون بعيدون كل البعد عن الله، كما قال تعالى: ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ))، وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)).…فأنَّى لمؤمن يؤمن بالقرآن أن يتساهل معهم بتصحيح هذه العقائد الفاسدة، بعد هذا البيان التفصيلي عن عقائد أهل الكتاب وضلالهم، فضلاً عن أن يداهنهم في التخلي عن مسلمات دينية هي من أصول دين الإسلام، الإسلام يقول: اليهود والنصارى على ضلال مبين، وهذا يقول: هم على حق والواجب أن نعترف بأنهم على ملة إبراهيمية صحيحة!! لا يقول ذلك إلا من انخرط في سلكهم فصار منهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))، وقال تعالى: ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)).
وماذا يريد أعداء الله من المسلمين أكثر من الدخول في مللهم المنحرفة، قال تعالى: ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءاً))، وقال: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ))، نعم إن هدى الله هو الهدى وهو الإسلام لا غير، ومن قال غير ذلك ومن اتبع أهواءهم بعد ما جاءته البينات، فهو بعيد عن ولاية الله ونصرته، ولن تنفعه موالاته للكفار.
كل ذلك أثر من آثار التشبه بالكفار والتدرجِ في مضاهاتهم في كل صغيرة وكبيرة، أوصل أصحابه إلى الانخراط في أديان الكفار والحكم بصحتها؛ فإن الزاوية الضيقة قد لا يكون لها ذكر في أول الأمر، ولكنها إذا سارت وامتدت إلى أميال: اتسعت حتى يصعب تداركها، والله المستعان."اهـ
مظاهر التشبة بالكفار فى العصر الحديث وأثرها على المسلمين لاشرف بارقعان ج1 ص63ـ 68
وقال عبد العزيز الطريفى :
"ومن الأصول العظام في الإسلام أنَّه يجب اعتقاد كفر كلِّ من لم يدخل فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو ( الإسلام ) من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم وتسميته كافراً، وأنَّه عدوٌّ لله ورسوله والمؤمنين، وأنه شر الخلق، وأنه من أهل النار خالداً فيها، قال تعالى :(لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة )، وقال : (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ). .
وقد روى مسلم في "صحيحه" قال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ) ولهذا فمن لم يكفر اليهود والنصارى وكل من خرج عن شريعة محمد فهو كافر لتكذيبه ما جاء وتواتر في الكتابة والسنة، ولنقضه أصول الإسلام التي لا يستقر إلا بها.
ثانياً: أن ما تقدم هي أصول الإسلام وكلياته الاعتقادية، إذا عُلم ذلك فإن الدعوة إلى يُسمى بـ ( وحدة الأديان ) أو ( التقارب بينها ) أو ( الخلط بينها ) دعوة كفرية، تهدم الإسلام وتقوض دعائمه وتجرُّ أهله إلى ردَّة شاملة، وأصلها ومنبتها أهل الكتاب، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه :(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء). وقال: وحينما يئس الغرب من السيطرة وإحكام القبضة على العالم الإسلامي، ووجدوا أن الحائل دون ذلك كله هو الإسلام وصلابة عقيدته، وقوّة أهله فيه، بخلاف سائر شعوب الأرض التي دانت لهم، ورأوا أن نزع الإسلام من القلوب أمر متعذر، سعوا لهذه الدعوى، لتذوب صلابة القلوب وقوّة الأمة وتنصهر فيما يريدون، فإذا تم إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر والحق والباطل والمعروف والمنكر، والعدل والظلم، وكُسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء إذاً ولا براء ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله، وهذا ما يريدونه من المسلمين، فروّجوا لهذه الدعوى، خوفاً مما تقرر في الشرع من عقيدة الولاء والبراء والقتال، قال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وقال: ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين).
ودعوة وحدة الأديان أو التقريب بينها، ردَّة صريحة عن دين الإسلام، إن صدرت من مسلم، لأنها تعارض أصول الاعتقاد، وتكذّب القرآن إذ أنه ناسخ لجميع ما قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وترضى بالكفر والشرك بالله.
شبه وبينات :
يثير بعض دعاة التقريب بين الأديان، أو بعض الملحدين الذين يزعمون تسامحاً، وهم في الحقيقة في عِداد الملاحدة المكذبين للكتاب والسنة، يثيرون شيئاً من الشبه التي لا تنطلي على مؤمن، لكن رأينا إزالتها إذا قد تنفذ لبعض العقول التي لا تحسن فهم الكتاب والسنة:" اهـ توحيد الكلمة عبد العزيز الطريفى ج1 ص13 ـ 14

وقال صاحب كتاب :القول السديد فى وجوب الاهتمام بالتوحيد
" ومن الموالاة التي تناقض الإيمان الدعوة إلى وحدة الأديان: وخلاصة هذه الدعوة : إزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات؛ ذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة، على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها.
وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث ((الإسلام والنصرانية واليهودية)) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية.
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير، والصهيونية العالمية" اهـ
القول السديد فى وجوب الاهتمام بالتوحيد لأسامة درباله ص82
وقال صاحب كتاب :النواقض القولية والعملية :
"من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان: - إقامة مؤتمرات وتنظيم ملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات، وذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها، وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث (الإسلام والنصرانية واليهودية) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية.
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير، والصهيونية العالمية (2) كما كان للبهائية مشاركة في إيجاد دين يوافق عليه الجميع! (3) "
ويذكر أن من أشهر دعاة وحدة الأديان في العصر الحديث جمال الدين الفارسي، والمشهور بالأفغاني (4)، فقد كان له دور خطير في السعي إلى توحيد الأديان الثلاثة (5)، وتلقف هذه الدعوة من بعده تلميذه محمد عبده (6) فقد كان له مشاركة في التوفيق بين الإسلام والنصرانية (7).
ومن الدعاة لهذه العقيدة الضالة في السنوات الأخيرة: - رجاء جارودي
صـ378
كما هو واضح في رسالته المسماة بـ " وثيقة أشبيلية " (8)
وهذه الفكرة الخبيثة قد وجدت قديماً عند ملاحدة الصوفية كابن سبعين (9) وابن هود (1) والتلمساني (2)، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه، فمن ذلك قوله:-
" كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يجعلون أفضل الخلق " المحقق " عندهم، وهو القائل بالوحدة، وإذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهودياً أو نصرانياً، بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذه طرقاً إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين.(3) "
كما وجدت عند التتار، يقول ابن تيمية في ذلك: - " وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين.(4) "
صـ379
ولما كانت الدعوة إلى وحدة الأديان كفراً بواحاً، وردة ظاهرة، يدركها العوام فضلاً عن الخواص، لذا فقد حرص أعداء هذا الدين على إيجاد ذرائع مبطنة واستحداث وسائل مقنعة للوصول إلى مآربهم في هذه القضية، ولذا نجدهم - ابتداء - يجاهرون بضرورة التعايش بين الأديان، والحوار فيما بينها، ثم ينعقون بالحاجة الملحة إلى زمالة الأديان والتقارب فيما بينها من أجل مواجهة قوى الإلحاد والتيارات المادية.
ويأتي " النظام الدولي الجديد " عاملاً رئيساً في إحياء تلك الشجرة الخبيثة، كما هو ظاهر في مثل هذه الأيام القريبة، من كثرة المؤتمرات والملتقيات التي تسعى إلى وحدة و" خلط " الديانات.
إن الدعوة إلى وحدة الأديان كفر صريح، لما تتضمنه من تكذيب للنصوص الصحيحة الظاهرة، والتي تقرر - قطعياً - بأن دين الإسلام الكامل، والذي أتم الله به النعمة، ورضيه لنا ديناً، أنه هو الناسخ لما سبقه من ديانات اعتراها التحريف والتبديل، قال تعالى: - {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران، آية 85]، كما أن هذا القرآن حجة على كل من بلغه.
يقول تعالى: - {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغ} [الأنعام، آية 19] كما أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم للثقلين كافة، قال تعالى: - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف، آية 158].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء، آية 107].
كما أن الدعوة إلى وحدة الأديان عبارة عن إنكار لأحكام كثيرة معلومة الدين بالضرورة، منها: - استحلال موالاة الكفار، وعدم تكفيرهم، وإلغاء الجهاد في سبيل الله تعالى وتوابعه.. الخ.
وقد حرم الله تعالى موالاة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فقال سبحانه: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} [المائدة، آية 51].
وخص سبحانه الولاية بقوله تعالى: - {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [المائدة، آية 55]. وقد شهد الله تعالى عليهم بالكفر في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران، آية 70].
صـ380
وقال تعالى: - {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة، آية 1].
يقول ابن حزم: - " واتقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً، واختلفوا في تسميتهم مشركين.(1) "
ويقول القاضي عياض: - " ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.(2) "
وتتضمن دعوة وحده الأديان تجويزاً وتسويغاً لاتباع غير دين الإسلام، وهذا كفر يناقض الإيمان، فمن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
يقول ابن تيمية: - " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، او اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب.(3) "
وفي نهاية هذه المسألة نقول: - " إن من يحدّث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان وما مثله إلا كما قيل:-
أيها المنكح الثريا سهيلا……عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت……وسهيل إذا استقل يمان(4)
ص381نواقض الايمان القولية ج2 116 ـ 119
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليه من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان؛ دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء؛ مسجد، وكنيسة، ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد.. إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً:أن من أصول الاعتقاد في الإسلام -المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون - أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران:85]؛والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
ثانيًا:ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى - القرآن الكريم- هو آخر كتب الله نزولا وعهدا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:48].
ثالثا:يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم؛ منها قول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} [المائدة:13]، وقوله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78].
ولهذا فما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أفي شك أنت يابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا أتباعي)). رواه أحمد والدارمي وغيرهما.
رابعًا:ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن نبينا ورسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40].
فلم يبق رسول يجب أتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيًّا لما وسعه إلا أتباعه صلى الله عليه وسلم - وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك- كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].
ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعًا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحاكمًا بشريعته، وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} [الأعراف: 157].
كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سبأ:28]، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158] وغيرها من الآيات.
خامسًا:من أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافرًا، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1]،وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6]، وغيرها من الآيات، وثبت في ((صحيح مسلم)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار)).
ولهذا؛ فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طردًا لقاعدة الشريعة: ((من لم يُكفر الكافر فهو كافر)).
سادسًا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ما كرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرُّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]،وقوله جل وعلا: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89].
سابعًا: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة؛ إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وعلا يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، ويقول جل وعلا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36].
ثامنًا:أن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل،وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعًا: وتأسيسا على ما تقدم:
1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولا، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين، فضلا عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها.
2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين ، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لما في ذلك من الجمع بين الحق -القرآن الكريم- والمحرف أو الحق المنسوخ - التوراة والإنجيل.
3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن السلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أوالرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله؛ تعالى الله عن ذلك، كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس بيوت الله،وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى، في ((مجموع الفتاوى))(22/162): (ليست -أي؛ البيع والكنائس- بيوت الله،وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفار فهي بيوت عبادة الكفار).
عاشرًا:ومما يجب أن يُعلم أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرى الإسلام وعاقد الإيمان؛ فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49].
وإن اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس، فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة يتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعائه، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة؛ وحدة الأديان، ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سببا في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم.
نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راش عنا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينًا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" اهـ.
القول السديد صـ148 ـ 155








            فصـــــــــــــل

من المفيد أن نذكر في هذا المكان موضعين من كتاب الله تعالى , نُبين من خلالهما أهمية معرفة أصناف الكافرين والبراءة منهم ,  وأن الحكم بالكفر على طائفة من الناس مصدره رب العالمين جل وعلا .

الموضع الأول :
قوله تعالى : )  قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  ولاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ  (  . [ سورة الكافرون ] .
قال صاحب تتمة أضواء البيان عند تفسير هذه السورة – حـ 9 ص598:
( " قُلْ ياأَيُّهَا الْكَـافِرُونَ ". نداء للمشركين بمكة ، لما عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم أن يترك دعوته ويملِّكوه عليهم أو يعطوه من المال ما يرضيه ونحوه فرفض ، فقالوا : تقبل منا ما نعرضه عليك : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فسكت عنهم فنزلت ، وقالوا له : إن يكن الخير معنا أصبته ، وإن يكن معك أصبناه .
وفي مجيء : قل ، مع أن مقول القول كان قد يكفي في البلاغ ، ولكن مجيئها لغاية فما هي ؟
قال الفخر الرازي : إما لأنهم عابوه - صلى الله عليه وسلم - في السورة التي قبلها بقولهم :   " إنهُ أبتر" فجاء قوله : " قُل ْ" ، إشعاراً بأن الله يرد عن رسوله بهذا الخطاب ، الذي ينادي عليهم في ناديهم بأثقل الأوصاف عليهم ، فقال له : " قُلْ يأَيُّهَا الْكَـافِرُونَ ".
أو أنه لما كان هذا الخطاب فيه مغايرة المألوف من تخاطبه معهم من أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة ، وكان فيه من التقريع لهم ومجابهتهم ، قال له : قل : إشعاراً بأنه مبلغ عن الله ما أمر به ، وجاءت يا ، وهي لنداء البعيد ، لبعدهم في الكفر والعناد مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم )  . اهـ
قلت : والخطاب في قوله تعالى : )  قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ( , على عمومه فيشمل كل من ثبت له حكم الكفر , فالعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب .

قال الشيخ سعيد حوى في تفسيره الأساس في التفسير :
( وقدم ابن كثير للكلام على سورة الكافرون بقوله ( هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون , وهي آمرة بالإخلاص فيه , فقوله ( قل يا أيها الكافرون ) يشمل كل كافر على وجه الأرض , ولكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفار قريش , وقيل : إنهم من جهلهم دعوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى عبادة أوثانهم سنة ويعبدون معبوده سنة , فأنزل الله هذه السورة , وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية ) . اهـ - جـ11ص253      
ثم قال سعيد حوى رحمه الله :  
( وسورة الكافرون تأمر عبد الله محمداً – صلى الله عليه وسلم – الذي أنزل عليه القرآن أن يعلن براءته من عبادة الكافرون , وتميّز دينه عن دينهم , ومفاصلته لهم في أمر العبادة والدين ) . اهـ - المصدر السابق – جـ 11ص254
قلت : وهو كذلك أمر من الله تعالى لكل مسلم موحد أن يتبرأ من الكافرين ومن أعمالهم , فالخطاب للنبي e خطاب للأمة ما لم يرد في ذلك تخصيص .          

من فوائد سورة الكافرون :
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله : بعد أن ذكر فوائد سورة الكافرون .
قال : وفائدة ثامنة : وهي أن طريقة القرآن إذا خاطب الكفار أن يخاطبهم بالذين كفروا , والذين هادوا , كقوله : )  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (  . [ سورة التحريم :7 ] .
وكقوله تعالى : ) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( [ سورة الجمعة:6 ] .
ولم يجئ " يا أيها الكافرون " إلا في هذا الموضع فما وجه هذا الاختصاص ؟
فأجاب – رحمه الله تعالى – بقوله :
إثباته هنا بلفظ يا أيها الكافرون  دون " يا أيها الذين كفروا " , فسره والله أعلم : إرادة الدلالة على أن من كان الكفر وصفاً ثابتاً له لازماً لا يفارقه ، فهو حقيق أن يتبرأ الله منه ، ويكون هو أيضاً بريئاً من الله . فحقيق بالموحد البراءة منه ، فكان في معرض البراءة التي هي غاية البعد ، والمجانبة بحقيقة حاله التي هي غاية الكفر . وهو الكفر الثابت اللازم في غاية المناسبة فكأنه يقول : كما أن الكفر لازم لكم ثابت لا تنتقلون عنه فمجانبتكم والبراءة منكم ثابتة دائماً أبداً . ولهذا أتى فيها بالنفي الدال على الاستمرار مقابلة الكفر الثابت المستمر وهذا واضح ) . اهـ ( التفسير القيم ) ص576
 وقال – رحمه الله أيضاً:
ثم فائدة سادسة : وهي أن طريقة القرآن في مثل هذا . أن يقرن النفي بالإثبات فينفي عبادة ما سوى الله ويثبت عبادته . وهذا هو حقيقة التوحيد والنفي المحض ليس بتوحيد . وكذلك الإثبات بدون النفي ، فلا يكون التوحيد إلا متضمناً للنفي والإثبات وهذا حقيقة لا إله إلا الله . فلم جاءت هذه السورة بالنفي المحض وما سر ذلك ؟
وأجاب عن ذلك بقوله :
 وأما المسألة السادسة : وهي اشتمال هذه السورة على النفي المحض فهذا هو خاصية هذه السورة العظيمة فإنها سورة براءة من الشرك كما جاء في وصفها إنها براءة من الشرك
، فمقصودها الأعظم هو البراءة المطلوبة بين الموحدين والمشركين ، ولهذا أتي بالنفي في الجانبين تحقيقاً للبراءة المطلوبة مع أنها متضمنة للإثبات صريحاً فقوله : لا أعبد ما تعبدون براءة محضة ولا أنتم عابدون ما أعبد إثبات أن له معبوداً يعبده وأنتم بريئون من عبادته فتضمنت النفي والإثبات ، وطابقت قول إمام الحنفاء :
" إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني " [ الزخرف : 26 ] ، وطابقت قول الفئة الموحدين : " وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله " [ الكهف : 16 ] فانتظمت حقيقة لا إله إلا الله ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرنها بسورة قل هو الله أحد في سنة الفجر وسنة المغرب ، فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص ، وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ، ولا فلاح إلا بهما ، وهما توحيد العلم ، والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر والولد والوالد . وإنه إله أحد صمد لم يلد فيكون له فرع ، ولم يولد فيكون له أصل ، ولم يكن له كفواً أحد فيكون له نظير ، ومع هذا فهو الصمد الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها فتضمنت السورة إثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال ، ونفي ما لا يليق به من الشريك أصلاً وفرعاً ونظيراً ، فهذا توحيد العلم والاعتقاد ، والثاني : توحيد القصد والإرادة وهو أن لا يعبد إلا إياه فلا يشرك به في عبادته سواه بل يكون وحده هو المعبود وسورة قل يا أيها الكافرون [ الكافرون : 1 ] مشتملة على هذا التوحيد ، فانتظمت السورتان نوعي التوحيد ، وأخلصتا له فكان صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر ويختم بهما في سنة المغرب ، وفي السنن أنه كان يوتر بهما فيكونا خاتمة عمل الليل ، كما كانا خاتمة عمل النهار .
ومن هنا تخريج جواب المسألة السابعة وهي تقديم براءته من معبودهم ، ثم أتبعها ببراءتهم من معبوده . فتأمله ) اهـ ( التفسير القيم )ص577 .  
 
الموضع الثاني :  
قوله تعالى : )  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(  . [ سورة الممتحنة :4 ] .
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية :
( لما فرغ سبحانه  من النهي عن موالاة المشركين والذم لمن وقع منه ذلك ضرب لهم إبراهيم مثلا حين تبرأ من قومه فقال : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ  ) أي : خصلة حميدة تقتدون بها يقال لي به أسوة في هذا الأمر أي اقتداء فأرشدهم سبحانه إلى الاقتداء به في ذلك إلا في استغفاره لأبيه قرأ الجمهور إسوة بكسر الهمزة وقرأ عاصم بضمها وهما لغتان وأصل الأسوة بالضم والكسر القدوة ويقال هو أسوتك أي مثلك وأنت مثله وقوله "في إبراهيم والذين معه" متعلق بأسوة أو بحسنة أو هو نعت لأسوة أو حال من الضمير المستتر في حسنة أو خبر كان ولكم للبيان ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) هم أصحابه المؤمنون وقال ابن زيد هم الأنبياء قال الفراء يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتتبرأ من أهلك كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه والظرف في قوله : ( إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِم ْ) هو خبر كان أو متعلق به أي وقت قولهم لقومهم الكفار ( إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ ) : جمع بريء مثل شركاء وشريك وظرفاء وظريف قرأ الجمهور برآء بضم الباء وفتح الراء وألف بين همزتين ككرماء في كريم وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بكسر الباء وهمزة واحدة بعد ألف ككرام في جمع كريم وقرأ أبو جعفر بضم الباء وهمزة بعد ألف ومما تعبدون من دون الله وهي الأصنام  ( كَفَرْنَا بِكُم ْ) أي بما آمنتم به من الأوثان أو بدينكم أو بأفعالكم ( وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا ) أي هذا دأبنا معكم ما دمتم على كفركم حتى تؤمنوا بالله وحده وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فإذا فعلتم ذلك صارت تلك العداوة موالاة والبغضاء محبة ) . اهـ ( فتح القدير جـ 5 – ص212 ) .
قلت : من هنا ندرك أهمية تكفير الكافرين والبراءة منهم , لأن من لم يُكفر الكافرين لم يأت حقيقة بما دلت علية كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) من نفي الشرك وما تقتضيه من تكفير من فعله , فهذا مضمون سورتي الإخلاص , والكافرون وأية سورة الممتحنة السابقة .
فمن لم يُكفّر من صرح القرآن الكريم بكفره , فقد خالف ما جاءت به الرسل من التوحيد نفياً وإثباتاً , وما يلزم ذلك من حب وعداوة , وإيمان وكفر .        

يقول صاحب الموالاة والمعادة جـ 1ص123 :
قال تعالى : )  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(  . [ سورة الممتحنة :4 ] .
"فالبراءة من الشرك تقتضي البراءة من المشركين , والبراءة من الأوثان تقتضى البراءة من عابديها " 1 "
قال تعالى " إنا برآءوا منكم ومما تعبدون من دون الله 000 " الاية
فقدم البارى ـ عز وجل ـ البراءة من المشركين على البراءة من الأوثان المعبودة ،
 , ومثل ذلك قول الله تعالى : ) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ( , فقدم اعتزالهم على ما يعبدون , وقال تعالى : )  وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّه َ( , فأشار إلى اعتزالهم واعتزال ما يعبدون من دون الله ,
 وهذه أدلة كافية في وجوب مباينة الكفار , ومباينة الأفعال الخاصة بهم لمن كان قصده الحق والاهتداء بهداه ) . اهـ ( الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية للشيخ محماس الجلعود " اهـ
قال على الخضير فى كتابه : الوجازة فى شرح الاصول الثلاثة ص79  "والبراءة من الشرك وأهله " من باب عطف الخاص على العام وإلاّ فإن البراءة من الشرك تدخل في الاستسلام لله بالتوحيد لأن معنى التوحيد هو النفي وهو البراءة والإثبات وهو الاستسلام بالتوحيد ، لكن أفردها المصنف لأهميتها . أما معنى البراءة : فبرئ بمعنى تخلص وترك . ومنه يقال برئت من المرض إذا تخلصت منه ويقال استبرأت المرأة إذا لم يكن في رحمها شيء ويقال برئ من الدين إذا سقط وتخلص منه .
اصطلاحا : فهو البغض والعداوة والابتعاد عن الشرك والمشركين اعتقادا وعملاً وسكناً وقسّم المصنف البراءة إلى قسمين :
1- البراءة من العمل وهو البراءة من الشرك والكفر وهذا فرض لازم . كالبراءة من الديمقراطية ومن البرلمانات ومن الحداثة ومن العلمانية ... الخ .
2- البراءة من العامل وهو الذي أشار إليه المصنف بقول " وأهله " البراءة من المشركين والكفار ، مثل أن تكره وتبغض وتعاد وتكفر العلمانيين والقوميين والحداثيين والرافضة وتبرأ من أعمالهم وتبغضهم وتعاديهم وتخرجهم من الملة .
أما كيف البراءة من هذين القسمين فكالتالي :
1- البراءة القلبية وهي أن تبغض المشركين والشرك بقلبك وتكرههم وتتمنى زوالهم كبغض النصارى واليهود والهندوس والشيوعيين والعلمانيين واللبراليين والحداثيين والرافضة . وحكم هذا القسم فرض لازم ولا يمكن أن يسقط عن المسلم لأنه متعلق بالقلب والدليل على ذلك حديث أبي مالك الأشجعي : [ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله تعالى ] رواه مسلم . وكذلك الآيات التي عن إبراهيم في البراءة من قومه .
2- براء اللسان من الجنس للشرك وأهله :بأن تبغض الكفار ودينهم الباطل وأنهم كفار .والدليل قوله تعالى : { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } قل : أي بلسانك { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون } وهذا باللسان أنه براء من دينهم.
لكن أقل الفرض الازم ما تعلق بالجنس والنوع بأن يذكر من الألفاظ ما يدل أنه لا يريدهم ولا يرتاح لهم ونحو ذلك وأنهم على مخالفة أو ضلال ... الخ .
3- براءة الجوارح وذلك بالابتعاد وبمجاهدتهم بالجوارح وتكسير معبوداتهم ومساجدهم الشركية الضرارية وقتلهم ، والدليل قوله تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } . وقوله عليه الصلاة والسلام : [ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده .. ] رواه مسلم . وهذا القسم يجب مع القدرة ويسقط مع العجز "اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش " 1 " مسألة معاصرة :
وهى قضية المواجهة والمصادمة مع المخالف ، في أثناء الدعوة إلى التوحيد !، وهذه من طبيعة هذا الدين لابد من ذلك ،وقد أشار إلى ذلك المصنف في رسالة له اسمها ستة مواضع من السيرة
الموضع الثاني قال :00 إلى أن صرح بسب دينهم وتجهيل علمائهم فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة 000 إلى أن قال فإذا عرفت هذا عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض قال تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية ،ونقول أنه لابد من مواجهة الطغاة والملحدين وملل الإلحاد بل هذا جزء من البراءة من المشركين والكفر بالطاغوت التي هي نصف لااله إلا الله ،
ولايعني هذا المواجهة المسلحة ! لا، وإنما كما حصل للرسول مع الكفرة فواجههم بالتصريح وانتقاد الشرك والحكومة المشركة وأوضح الحق مع أنه منهي عن القتال (ألم ترى إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم )الآية
و يمكن أن نستعرض السيرة ، وينبغي أن نعرف أن أسباب الهجرة للحبشة هي هذه القضية ،
لكن مع ملاحظة القدرة والضعف ، والأخذ بالعزيمة أو الرخصة ،وتحتاج إلى اجتهاد ومداولة ، مع التفريق في هذا الباب بين الدعوة والأمر والنهي والتزام التوحيد وبين الجهاد المسلح" اهـ الجمع والتجريد فى شرح كتاب التوحيد لعلى الخضير ج1 ص179
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال عبد المحسن القاسم فى كتابه : تيسير الوصول إلى الثلاثة الأصول ص91
 "فكلمة التوحيد معناها: لا معبود بحق إلا الله ، فمن كان يصلي ويصوم ويحج ويتصدق,ولكن يقر الشرك ويصحح معتقد المشركين فليس بمسلم ، لأنه لم يتبرأ من الشرك وأهله ، فيجب الجمع بين البراءة من المشركين ، وبين الإيمان بالله بإفراد العبودية له وحده ، فالذي يصلي وهو واقع في الشرك لا تنفعه صلاته,لأنه لم يتطهر من الشرك.
ويجب على العبد مع معرفته لهذا الدين,محبته للدين, قال شيخ الإسلام رحمه الله :" القلوب مفطورة على الإقرار بالله تصديقاً به ، وديناً له ، لكن يعرض لها ما يفسدها ، ومعرفة الحق تقتضي محبته ، ومعرفة الباطل تقتضي بغضه, لما في الفطرة من حب الحق وبغض الباطل, لكن قد يعرض لها ما يفسدها, إما من الشبهات التي تصدها عن التصديق بالحق, وإما من الشهوات التي تصدها عن اتباعه "اهـ



[1]  - قال العلامة ابن القيم – رحمه الله – في مدارج السالكين ج3 ص450
فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد # فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم .اهـ

([2])الممتحنة: 4.
([3]) البقرة: 256.
([4]) المائدة: 51.
([5]) آل عمران: 28.
([6]) الزخرف: 27.
([7]) التوبة: 123.
([8]) التوبة: 5.
([9]) التوبة: 23.
([10]) المجادلة: 22.
([11])الممتحنة: 1.
([12]) رواه البخاري (1/ 204 –فتح) من حديث أبي جحيفة عن علي به.
([13]) التوبة: 28.
([14]) البقرة: 120.
([15]) رواه: أبو داود، والترمذي، من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير به، ورواته ثقات، ولكن أعله الترمذي وغيره بالإرسال. وهو الحق ولكن يشهدله ما بعده.

0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^