كشف الأستار فى خروج أهل القبلة من النار


كشف الأستار فى خروج أهل القبلة من النار
من هم أهل القبلة ؟
( قول أهل العلم فى كتب الإعتقاد " ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله " وما جاء فى هذا المعنى
معنى أهل القبلة: -
فليس أهل القبلة إلاّ من عمل بمعنى الشهادتين اللذين هما رأس دين الإسلام وملته وقوامه ، وصفته : شهادة ألا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله قولا ً وعملاً واعتقاداً.
فإن الشهادة لله أنه لا إله إلا هو : تتضمن اخلاص الألوهية له سبحانه وتعالى ،فلا يتأله القلب ولا اللسان غيره تعالى لا بحب ولا بخشية ولا انابة ولاتوكل ولا رجاء ولا اجلال ولا رغبة ولا رهبة، بل لابد أن يكون الدين كله لله كما  ﭧ ﭨ ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ    ﭻ      ﭼ   ﭽﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ    ﮂ  ﮃ        ﮄ     ﮅ          ﮆ  البقرة: ١٩٣ فإذا جعل بعض الدين قولاً وعملاً واعتقاداً لله ، وبعضه كذلك لغير الله لم يكن الدين كله لغير الله بل قد تأله معه غيره، فأهل القبلة يحبون لله ، والمشركون يحبون مع الله كما: ﭧ ﭨ ﮅ ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ       ﮇﮈ   ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ   البقرة: ١٦٥
وأهل القبلة : يخلصون الدعوة لله ، والمشركون يجعلونها لغير الله ، كما ﭧ ﭨ ﮅ ﭑ  ﭒ  ﭓﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ   ﭞ  ﭟ       ﭠ   ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  الرعد: ١٤
والشهادة بأن محمدا ًرسول الله : تتضمن تصديقه صلى الله عليه وسلم فى جميع ما أخبر به وطاعته واتباعه فى كل ما أتى وأمر به ، فما أثبته وجب اثباته وما نفاه وجب نفيه
روى البخارى من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه - / أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال : ( كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى )
.....إلى أن قال.......فأهل القبلة هم أهل الإسلام وهو: الإستسلام والإنقياد لله وحده وترك جميع الآلهة سواه ، وهذا تحقيق معنى "لا إله إلا الله " وحده لا شريك له وإخلاصهاله فمن استسلم وانقاد لله ولغيره فى معناها فهو مشرك ، والله لا يغفر أن يشرك به.
فلفظ الإسلام : يتضمن الإستسلام  والإنقياد ، ويتضمن الإخلاص أخذا ً من قوله تعالى : ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ   ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷﯸ   ﯹ  ﯺﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  الزمر: ٢٩
فأهل القبلة : هم العابدون الله بدين الحق المتبع ، لا بهوى النفوس والبدع" أهـ"التوضيح عن توحيد الخلاق"
قول شارح الطحاوية فيمن هم أهل القبلة   
قال شارح الطحاوية ابن أبى هز الحنفى عند قول الإمام الطحاوى ـ رحمه الله – " ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب مالم يستحله "
أراد : بأهل القبلة : الذين تقدم ذكرهم فى قوله :" ونسمى أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ، ما داموا بما جاءوا به النبى صلى الله عليه وسلم معترفين ، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين "
قال رحمه الله تعليقا على ذلك:
" يشيرالشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب " أهـ
وقال شارح الطحاوية عند قول الإمام الطحاوى " ونسمى أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم معترفين وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا " أخرجه البخارى من حديث أنس إلا أنه قال : له ما للمسلم وعليه ما على المسلم " وأخرجه أبو داود وغيره .
قول الإمام صديق حسن خان  :
قال: " ولا نكفر أحداً من أهل القبلة "
المراد بهم : الذين اتفقوا على ما هو من ضروريات الدين ، كحدوث العالم ، وحشر الأجساد ، وعلم الله بالكليات والجزئيات وما أشبه ذلك من المسائل المهمات ، فمن واظب طول عمره على الطاعات والعبادات مع اعتقاده قدم العالم ، أو نفى الحشر ، أو نفى علمه سبحانه بالجزئيات لا يكون من أهل القبلة .
والمراد بعدم تكفير أحد منهم عند أهل السنة : أنه لا يكفر ما لم يوجد شىء من أمارات الكفر وعلاماته ، ولم يصدر عنه شىء من واجباته .
وقال الأستاذ أبو اسحاق : نكفر من يكفرنا ومن لا فلا ، وعدم التكفير مذهب المتكلمين ، والتكفير مذهب الفقهاء " أ هـ من كتاب " الإنتقاد الرجيح فى شرح الإعتقاد الصحيح " .
قلت  : أهل القبلة إذن : هم أهل التوحيد الخالص الذين يعبدون الله وحده لا شريك له قولاً وعملاً واعتقاداً .
وإنما سموا بأهل القبلة : لكونهم يتوجهون إلى قبله واحدة فى صلاتهم ، وفى ذلك أكبر دليل على أن تارك الصلاة تركاً كلياً لا يكون من أهل القبلة ، وكذلك فى توجه أهل القبلة إليها أكبر دليل على الخضوع والإستسلام لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأهل القبلة إذن : هم أهل الإسلام القائمين به ، حتى وإن وجد فيهم التفريط والإفراط ، بشرط عدم تلبسهم بناقض من نواقض الدين .
" مسألة "
" أصل العمل شرط فى صحة الإسلام "
ليس الإسلام مجرد الإقرار بالشهادتين ظاهراً ، والتصديق بها باطناً ، بل لا يكون الإسلام صحيحاً إلا إذا أضيف إلى ذلك الأتيان بجنس العمل أى : بعضه ، والمقصود بالعمل عمل الجوارح وعمل القلب ، وبذلك قالوا أهل السنة وأجمعوا عليه بل إن أهل السنة والجماعة قالوا بكفر تارك جنس العمل .
قول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل سعد :
وأما الإجماع : فقد قال الإمام الشافعى فى كتاب الأم ، فى باب النية فى الصلاة ... كما فى شرح أصول إعتقاد أهل السنة للالكائى :
" وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزىء واحد من الثلاثة إلا للآخر " أهـ
والشاهد من هذا قوله : لا يجزىء واحد من الثلاثة إلا بالآخر على هذا لا بد من العمل .
قلت : والمقصود بالعمل : أى جنس العمل ، ولابد من هذا الإحتراز لأن الخوارج يعتبرون كل العمل شرط فى صحة الإيمان وبناءً على ذلك رتبوا على أن من ترك شيئاً من العمل أو فعل محرماً فهو كافر ، فكفروا بكل ذنب ، أما اهل السنة فلا يكفرون بكل ذنب فكان لابد من التفريق .
وقال أبو بكر الخلال فى كتاب السنة : قال الحميدى : وأخبرت أن قوماً يقولون : أن من أقر للصلاة والذكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلى مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن مالم يكن جاحداً ، إذاً علم أن تركه ذلك فى إيمانه إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة ، فقلت : هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وفعل المسلمين ﭧ ﭨ ﭽ ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮦ  ﮧ   ﮨ  ﮩ  البينة: ٥
قال حنبل : قال أبو عبدالله : أو سمعته يقول :" من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء به " أهـ
وأخرجه اللالكائى فى اعتقاد أهل السنة " فهذا عبدالله بن الزبير الحميدى حكم بكفر هذا الشخص الذى ترك العمل مع إقراره بذلك وأن إيمانه دون عمل لا ينفعه وقال هذا خلاف كتاب الله وسنة رسوله وفعل المسلمين " .
قال أبو بكر الآجرى فى كتاب الشريعة :
" اعلموا رحمناالله وإياكم أن الذى عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ، ثم اعلموا إنه لا يجزىء المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ولا تجزىء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عملٌ وبالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين ، ثم ذكر بعض الأدلة ثم قال :
" فهذا مما يدلك على أن عمل القلب الإيمان وهو التصديق والمعرفة لا ينفع القول إذا لم يكن القلب مصدقاً بما ينطق به اللسان مع العمل فاعلموا ذلك ... ثم قال :
" فالأعمال رحمكم الله بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله وجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضى من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه ، وكان العمل ما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه . وبالله التوفيق " .

وقد قال تعالى فى كتابه وبين فى غير موضع أن الإيمان لا يكون إلا بالعمل وبينه النبى صلى الله عليه وسلم خلاف ما قالت المرجئة الذين لعب بهم الشيطان " أهـ
والشاهد من قوله: أن المعرفة بالقلب والنطق باللسان لا يجزئ حتى يضاف إليها العمل , وأن هذا هوالذى دل عليه القران القرآن والسنة وقول علماء المسلمين , ولم يستثن منهم أحدا ً سوى المرجئة .
قال ابن القيم رحمه الله: فى زاد المعاد بعد أن ذكر حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى قصة وفد عبد القيس , قال : وفى هذه القصة : أن الإيمان بالله هو مجموع هذه الخصال من القول والعمل كما على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم , كلهم ذكره الشافعى فى المبسوط , وعلى ذلم ما يقارب مائة جليل من الكتاب والسنة
·       أقوال عن السلف تفيد أن الإيمان لا يكون إلا بالعمل :

فمن التابعين أبو بكر الزهرى رحمه الله فقد قال :
" نرى أن الإسلام الكلمة وأن الإيمان العمل , وقد صح هذا عنه فينظر السنن لأبى داود , والسنة لعبد الله بن أحمد "
فإذا كان الإيمان هو العمل فلابد منه فى الإيمان ولا يصح بدونه , و قال نافع مولى ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ حين سئل عمن يقول : نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلى , وأن الخمر حرام ونحن نشربها , وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل , قال السائل: فنثر يده من يدى ثم قال : من فعل هذا فهو كافر " أخرجه عبد الله بن أحمد فى السنة واللالكائى فى شرح أصول الإعتقاد .
والشاهد من هذا : أن نافعا ً كفرهم بترك العمل .
وقال الحسن البصرى: "الإيمان قول , ولا قول إلا بعمل ، ولا قول وعمل إلا بنية , ولا قول وعمل ونية إلا بسنة " أخرجه الآجرى فى الشريعة ، وعنه ابن بطة فى الإبانة .
وقال سفيان الثورى وفضيل بن عياض ومحمد بن مسلم الطائى:
" لا يصلح قول إلا بعمل " روى ذلك عن عبد الله بن أحمد فى السنة
وقال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعى ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز :ينكرون قول من يقول : إن الإيمان قول بلا عمل ، ويقولون : لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان " رواه اللالكائى فى اعتقاد أهل السنة .
وقد تقدم قول الشافعى والحميدى وأحمد , ولم يخالف فى هذا إلا المرجئة
" المقصود بالعمل"
والمقصود بالعمل هنا ليس عمل القلب فقط أو عمل القلب واللسان , وانما عمل القلب واللسان والجوارح
قال أحمد بن حنبل رحمه الله : منكرا ً لقول شبّابة بن سوار ـ وهو أى قول شبّابة ـ إذا قال فقد عمل : قال : الإيمان قول وعمل كما يقولون , فإذا قال فقد عمل بجارته , أى بلسانه فقد عمل بلسنه حين يتكلم .
فقال أحمد : هذا قول خبيث ما سمعت أحدا ً يقول به ولا بلغنى "
وقد قال أحمد قبل ان يحكى قول شبّابة السابق : شبّابة كان يدعوا إلى الإرجاء , وقد حكى عن شبّابة قول أخبث من هذه الأقاويل ما سمعت عن أحد مثله .
أخرجه الخلال فى السنة , والعقيلى فى الضعفاء من طريقين عن أبى بكر الأثرم عن أحمد به " لقد أنكر أبو عبد الله أحمد بن حنبل قول شبّابة هذا وقال : هذا قول خبيث وأخبر أنه لم لسمع أحدا ّ قال به قبل ولا بلغه عن أحد " أ هـ
قلت :إذا كان هذا القول قولا ً خبيثا ً لأنه يلبس على الناس دينهم ,و يحرف الكلم عن مواضعه, ذلك أنه لا خلاف بين أهل السنة أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان , فأراد هذا الكرجئ الخبيث أن يجعل عمل الأركان هو مجرد قول اللسان لأن النطق باللسان همل من أعمال الجوارح , وهو النطق بهذه الجارحة , فكان قوله تضليلا ً وتلبيسا ً
ومن عجيب الأمر أننا نجد فى عصرنا من ينتسبون إلى العلم وإلى السلف يأخذون بهذا القول الخبيث , ويتركون هذا القول الطيب الذى أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها"
ولذا قال أبو العباس ابن تيمية فى شرح العمدة كتاب الصلاة :
" فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا ص إلى أن فال : وأيضا ًفإن حقيقة الدين هو الطاعة والإنقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط ,فمن لم يفعل لله شيئا ً فما دان لله دينا ً , ومن لا دين له فهو كافر " أهـ
               مسألة
هل يخرج من النار من كان تاركا ً لجنس العمل ؟

وهذه هى المسألة المهمة التى من أجلها سطرنا هذه الصفحات فإن الناظر فى الأدلة الثابتة فى هذه المسألة يطن أنها متعارضة وليس الأمر كذلك عند تحقيق المسألة تحقيقا ً علميا ً من خلال الجمع بين الأدلة
فإنأصل الإنحراف هو الأخذ بطرف واحد من الأدلة وإهمال البعض الآخر , وبذلك ضلت الخوارج  والمرجئة وغيرهم
وهذه المسألة وغيرها : فيها أحاديث كثيرة ثابتة فى الصحيحين وغيرهما تدل على أن من لا عمل له قط فإنه بخرج من النار بشفاعة الشافعين طالما أنه مات على التوحيد ولم يشرك بالله شيئا ً
وولا أريد أن أكثر من ذكر الأحاديث فإنها معلومة لمن أراد أن يرجع إليها فى صحيح مسلم فى كتاب الإيمان , وغير ذلك من الكتب المصنفة فى السنة, ولكن سوف نذكر بعض هذه الأحاديث والتفسير الصحيح لها الذى يناسب أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة .
حديث أبى سعيد الخدرى وهو فى الصحيح  
وهو حديث صحيح طويل وفيه (....قال النبى صلى الله عليه وسلم : حتى إذا خلص المؤمنون من النار والذى نفسى بيدة ما منكم من أحدبأشد مناشدة لله فى استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار , يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون , فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار , فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه  ثم يقولون : ربنا ما بقى فيها أحد مما أمرتنا به , فيقول : ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينا من خير فأخرجوه , فيخرجون خلقا ً كثيرا ً , ثم يقولون : ربنا لم نذرخيرا .ً  
وكان أبو سعيد الخدرى يقول : إن لم تصدقونى فاقرءوا إن شئتم ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ   ﭺ  ﭻﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ     ﮄ  ﮅ  ﮆ  النساء: ٤٠
فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار  فيخرج منها قوما ً لم يعملوا خيرا قط  قد عادوا حمما ً فيلقيهم فى نهر من أنهار الجنة , يقال له نهر الحياة , فيخرجون كما تخرج الحبة فى حميل السيل ألا ترونها إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر  وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض قالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى البادية  , قال : فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله بغير عما عملوه ولا خير قدموه , ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم , فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين , فيقول: لكم عندى أفضل من هذا , فيقولون : يا ربنا أى شئ أفضل من هذا ؟ فيقول رضاى فلا أسخط عليكم بعده أبدا ً "
وجه الشاهد من هذا الحديث :
قوله صلى الله عليه وسلم : (فيخرج منها قوما ً لم يعملوا خيرا قط )
وقوله : ( هؤلاء عتقاء الله أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ) فعلى هذا لا يكون العمل لابد منه فى الإيمان "
وهنا سؤال :
وهو أن أهل السنة والجماعة يكفرون تارك جنس العمل , وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة , فكيف خرج من النار أقوام لم يعملوا خيرا ً قط وأدخلوا الجنة ؟ فهل هذا يعنى أن العمل ليس شرطا ص فى الإسلام ؟
والجواب على ذلك السؤال :
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد :
والجواب على ذلك وبالله التوفيق أفول :
1ـ لابد من الجمع بين نصوص الكتاب والسنة وعدم أخذ بعضهما وترك البعض الآخر , ولاشك أن بعضهما يفسر البعض الآخر, وبعضهما يتم البعض الآخر .
والأدلة التى تقدم ذكرها ـ وهى كثيرة ـ تدل على أن العمل لابد منه فى الإيمان , وأن من لم يأتِ به كفر, وهذه الادلة محكمة  لأنها مفسرة وليست بمجملة , بينما هذا النص يحتاج إلى بعض التفسير فى قوله صلى الله عليه وسلم ( بغير عمل عملوه ولا خير قدموه )
فقد يقول قائل : إن ظاهر هذا الحديث  أن هؤلاء الذين يخرجون من النار لم يعملوا خيرا ً قط  لا أعمال اللسان...وأعظم ذلك : النطق بالشهادتين ـ ولا أعمال الجوارح , ولا يخص بأعمال الجوارح دون اللسان , لأن الحديث عام  , فيقال جوابا ً عن ذلك :
 أن النطق بالشهادتين دلت عليه أدلة أخرى فيخصص بها هذا الحديث , وهذا اجماع من المسلمين
ويقال أيضا ً أن أعمال الجوارح دلت عليها أدلة أخرى كثيرة  كما تقدم , وهذا مما يفسر له النص .
2ـ وأيضا ً مما يفسرهذا النص حديث أبى هريرة وحديث جابر رضى الله عنهما ,
فأما حديث أبى هريرة , وقد حاء هو وحديث لأبى سعيد الخدرى بإسناد واحد ـ الزهرى عن عطاء بن يزيد عنهما ـ وهما حديث واحد ولكن فى أحدهما ما ليس فى الآخر , فقد جاء فى حديث أبى هريرة : ( حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار, أمر الملائكة أن يخرجوا من النارمن كان لا يشرك بالله شيئا ً ممن أراد الله أن يرحمه ممن بقول : لا إله إلا الله , فيعرفونهم فى النار , يعرفون بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود ) أخرجه البخارى ومسلم
وأما حديث جابر فأخرجه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن قوما ً يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم حتى يدخلون الجنة )  
وقد أخرج مسلم قبله من طريق أبى الزبير عن جابر ولفظه : ( ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله , وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة , فيحلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشئ فى السيل ويذهب مُرَاقة ثم يسأل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها )
فحديثأبى هريرة وحديث جابر مما يفسر حديث أبى سعيد وأن هؤلاء الذين يخرجون من النار ممن يصلون لأنهم يعرفون بآثار السجود , ودارات الوجه " هو موضع السجود "
ولذلك قال محمد بن نصر المروذى فى الصلاة : أفلا ترى أن تارك الصلاة ليس من أهل ملة الإسلام الذين يرجى لهم الخروج من النار ودخول الجنة بشفاعة الشافعين , كما قال صلى الله عليه وسلم فى حديث الشفاعة  الذى رواه أبو هريرة  وأبو سعيد جميعا رضى الله عنهما : أنهم يخرجون من النار يعرفون بآثار الشجود فقد بين ذلك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة هم المصلون " أهـ
وبهذا الحديث استدل ابن أبى جمرة أيضا ً على أن تارك الصلاة لا يخرج من النار إذ لا علامة له كما فى الفتح " أى فتح البارى
وقال أبو الفرج ابن رجب فى فتح البارى :
" واستدل بذلك بعض من يقول أن تارك الصلاة كافر تأكله النار كله فلا يبقى حاله حال عصاة الموحدين  , وهذا فيمن لم يصل لله صلاة ً قط ظاهر  " أ هـ
إذ هؤلاء معهم بعض العمل لأن الصلاة أعظم الأعمال بعد التوحيد
3ـمما يفسر ما تقدم ما جاء فى حديث أبى سعيد نفسه فى قوله صلى الله عليه وسلم  فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود , ولا يبقى من كان يسجد إتقاء ً ورياء ً إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر ّ على قفاه ...."
وهذا يدل على أن من كان لا يسجد لله فى الدنيا لا يستطيع السجود لله يوم القياممة , هذع صفة الكفار الذين ليس معهم مل السجود وهى الصلاة ﭧ ﭨ ﭽ ﰝ  ﰞ  ﰟ  ﰠ  ﰡ  ﰢ  ﰣ  ﰤ  ﰥ  ﰦ   ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔﭕ  ﭖ  ﭗ        ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ   ﭢﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ   ﭨ   ﭩ  القلم: ٤٢ - ٤٤   
قال محمد بن نصر فى الصلاة :
" أولا ترى أن الله تعالى ميّز بين أهل الإيمان وأهل النفاق بالسجود فقال تعالى:ﰝ  ﰞ  ﰟ  ﰠ  ﰡ  ﰢ  ﰣ  ﰤ  ﰥ  ﰦ   القلم: ٤٢  
وقد ذكرنا الأخبار المروية فى تفسير الآية فى صدر كتابنا , فقال تعالى :ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﰈ  المرسلات: ٤٨
وقال تعالى:ﯢ  ﯣ   ﯤ  ﯥ   ﯦ   ﯧ  ﯨ  ﯩ  الانشقاق: ٢١
أفلا تراه جعل علامة ما بين ملة الكفر والإسلام بين أهل النفاق والإيمان فى الدنيا والآخرة الصلاة
وقال العماد ابن كثير فى تفسير ما سبق من الآيات وقوله ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔﭕ  ﭖ  ﭗ        ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ   ﭝ  القلم: ٤٣
أى : فى الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم فى الدنيا فعُوقبوا بنقيض ما كانواعليه ولما دعوا إلى السجود فى الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم  كذلك عُوقبوا بعدم قدرتهم عليه فى الآخرة إذا تجلى الرب عز وجل فسجد له المؤمنون لا يستطيع أحد ٌ من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد له بل يعود ظهر أحدهم طبقا ً واحداً كلما أراد أحدهم أن يسجد خر لقفاه عكس السجود  كما كانوا فى الدنيا بهلاف ما عليه المؤمنون " أ هـ
4ـ ومما يفسر الحديث السابق ويؤيد ما تقدم قوله تعالى: ﮃ  ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ   ﮋ  ﮌ  ﮍ   ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ    ﮓ  السجدة: ١٥وﭧ ﭨ ﭽ ﰋ   ﰌ      ﰍ     ﰎ  ﰏ  ﰐ  ﰑ     ﰒ  ﰓ  ﰔ      ﰕ  ﰖ  ﰗ    ﰘ  ﰙ       ﰚ  ﰛ  ﰜ     ﰝ    ﰞ   ﰟ    ﰠ  ﰡ  ﰢ  ﰣ  ﰤ  ﰥ  ﰦ  ﰧ  ﰨ   ﰩ     ﰪ  ﰫ  ﰬ  ﰭ       ﰮ      ﰯ  ﰰ  ﰱ  ﰲ     ﰳ   ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  المدثر: ٣٩ – ٤٨وﭧ ﭨ ﭽ ﮂ  ﮃ  ﮄ        ﮅ   ﮆ  ﮇ  ﮈ           ﮉ    ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ    ﮎ  ﮏ      ﮐ  القيامة: ٣١ – ٣٣
قال ابن كثير : " هذا اخبار عن الكافر الذى كان فى الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه منوليا ُ عن العمل بقالبه  فلا خير فيه باطنا ً ولا ظاهرا ً " أ هـ
وﭧ ﭨ ﭽ ﯾ  ﯿ   ﰀ    ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   ﰈ  ﰉ   ﰊ  ﰋ  ﰌ  المرسلات: ٤٧ – ٤٩
وأخرج مسلم وغيره من حديث الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويله أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة , وأ ُمرت ُ بالسجود فأبيت فلى النار )
كل هذه النصوص تشترط العمل للنجاة من عذاب الله تعالى وتفيد أيضا ً أن من أسباب الكفرترك العمل بالكلية وهذامما يفسر حديث أبى سعيد الخدرى
5 ـ ومما يفسر حديث أبى سعيد السايق: ما رواه البخارى ومسلم واللفظ له من حديث نعيم بن عبد الله عن أبى هريرة قال : سمعت رسول اللله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أمتى يأتون يوم القيامة غرا ص محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )
وفى لفظ عند غبر مسلم من طريق أبى حازم عن أبى هريرة : ( فقالوا يا نبى الله أتعرفنا ؟ قال : نعم لكم سيما لبست لأحد غيركم تردُون علَّى غرا ً محجلين من آثار الوضوء )
وفى لفظ آخر من طريق العلاء هن أبيه هن أبى هريرة : ( فقالوا كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك , فقال : أرأيت لو أن رجلا ً له خيل غير محجلة بين ظهرانىخيل دُهم ٍ بُهمٍ ألا يعرف خيله ؟ قالوا : بلى يا رسول الله , قال : فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء )
وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة  بهذا العمل العظيم وهو الوضوء , فمن لم يأتِ به فلا يكون من أمته , أى أمة الإجابة .
وكل ما تقدم مما يفسر حديث أبى سعيد الخدرى ويبينه ويقيده
* إشكال والجواب عليه
لكن قد يقال على ماذا يحمل حديث أبى سعيد الخدرى ؟
فأقول وباله التوفيق : قال أبو بكر بن خزيمة فى التوحيد هذه اللفظة لم
" يعملوا خيرا ً قط " من الجنس الذى بقول العرب ينفى الإسم عن الشئ لنقصه عن الكمال والتمام , فمعنى هذه اللفظة هلى هذا الأصل: " لم يعملوا خيرا ً قط " على التمام والكمال , لا على ما أوجب عليه وأمر به
وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه أبو بكر بن خزيمة , إذا كان يقصد بالكمال هو الكمال الواجب  الذى يذم تاركه ويستحق العقوبة عليه .
جمعا بين هذا النص  وما تقدم من الأدلة وكلما أمكن الجمع بين الأدلة فهذا هو الواجب , وحمل حديث أبى سعيد الخدرى على ما تقدم معروف فى الشريعة وجاءت الأدلة عليه وذلك عندما يأتى النفى لميمى شئ فى الكتاب والسنة يكون محمولا ً على واحد من أمرين :
1 ـ إما نفى لهذا الشئ كله
2 ـ أو نفى لكماله الواجب
فأما الأول : فمثاله ما أخرجه الشيخان ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب )وأيضا ً ما جاء فى الصحيحين ( ارجع فصل فإنك ام تصلى )
  فقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة " و " لم تصل " هذا النفى لكل صلاة وأن الصلاة باطلة ولا تصح .
وأما الثانى :  فمثاله : ما أخرجه الشيخان ( لا يونى الزانى خين يزنى وهو مؤمن ) وأيضا ً ما جاء فى السنن عن ابن عباس ( من سمع النداء فلا صلاة له إلا من عذر )
وما أخرجه البخارى ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن الى لا يأمن جاره بوائقه )
فعلى هذا بكون قوله صلى الله عليه وسلم ( بغير عمل ٍ عملوه  ولا خير قدموه ) إما أن يكون المقصود فى العمل بالكلية أو كماله الواجب
والثانى هو الذى دلت عليه الأدلة , والله تعالى أعلم
تأويل آخر للحديث :
أو بحمل هذا الحديث على زمن الجهل واندراس الإسلام كما يدرس وشى الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل فى ليلة ٍ واحدة ٍ فلا يبقى فى الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس  الشيخ الكبير والعجوز لقولون أدركنا آبائنا هلى هذه الكلمة : لا إله إلا الله , فنحن نقولها , فقال صلة بن زفر لحذيفة : ما تغنى عنهم لا إله إلا الله  وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة , فأعرض عنه حذيفة حتى رددها عليه ثلاثا ً , فقال حذيفة يا صلة تنجيهم من النار ) أخرجه ابن ماجة وغيره.
وسوف يأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى .
وجه الشاهد من هذا الحديث :
أن هؤلاء لم تقم عليهم الحجة بترك هذه الأعمال لعدم بلوغهم الخطاب بهذه التكاليف فهم معذورون , وعلى هذا حما أبو الوفاء ابن عقيل بعض النصوص التى جاء فيها , عدم العمل , وينقل ذلك عن أصحابه  الحنابلة كما فى مجموعة الرسائل والمسائل
تأويل آخر لحديث أبى سعيد الخدرى ك
أو يحمل ما جاء فى حديث أبى سعيد على الأمم الأخرى وهذا هو الوجه الثالث كما فى الصحيحين من حديث حذيفى  عن النبى صلى الله عليه وسلم : ( تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا : أعملت من الخير شئا ً , قال لا قالوا تذكر و قال كنت أداين الناس فآمر فتيانى أن ينظروا المعسر , ويتجوزوا عن الموسر , قال الله عز وجل تجوزوا
عنه )
وفيهما أيضا ً من حديث أبى هريرة بنحوه  وفى لفظ عند النسائى فى السنن الكبرى ( أن رجلا ً لم يعمل خيرا ً قط  وكان يداين الناس )
فهذا فى بعض الأمم السابقة لقوله صلى الله عليه وسلم (ممن كان قبلكم )
وحديث أبى سعيد الخدرى الذى جاء فى ذكر الشفاعة جاء فيه ( شفعت الملائكة وشفع النبيون ....) فهذا يشمل الأمم الأخرى والله تعالى أعلم
تأويل آخر لحديث أبى سعيد الخدرى
أو يحمل حديث أبى سعيد على من لم يتمكن من العمل , مهذا هو الوجه الرابع .
قال صاحب كتاب " توحيد الخلاق فى جواب أهل العراق "
وأما خراج الله من النار من لم يعمل خيرا ً قط بل كفى عن العمل وجود أدنى إيمان فى قلبه وقرار بالشهادتبن فى لسانه فهو إما لعدم نمكنه من أداء ما افترضه الله عليه من أركان الإسلام  بل بمجرد أدنى إيمان فى قلبه وشهادة بلسانه خرمته المنية لكنه عمل عملا ً مفسقا ً به لوجود ما صدر منه عالما ً له فاستحق دخول النار عليه ...." أ هـ
قلت : ويشهد لكا تقدم الرجل الذى كان فى بنى اسرائيل  وقتل تسعة ً وتسعين نفسا ً إلى أن كمل المائة ثم تاب وهاجر إلى أرض فيها أناس يعبدون الله تعالى فمات في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا ً مقبلا بقلبه إلى الله , وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعنل خيرا ً قط .......) أخرجه البخارى ومسلم من حدبث قتادة عن أبى بكر الصديق عن أبى سعيد به
والشاهد من هذا الحديث :  
أن هذا الرجل لم يتمكن من من العمل غير التوبة وهجرته ولاشك أن هذه أعمال .
وهذا يشهد لكلام ابن خزيمة السابق : فى أن العرب تنفى الاسم هن الشئ لنقصه عن الكمال والتمام , لأن الملائكة فى هذا الحدلث قالت ( إنه لم يعمل خيرا ً قط ) والصحيح, أنه همل صالحا ً بتوبته وهجرته , والملائكة لا يمكن أن تكذب فدل هذا على أنه مما يسوغ استعماله فى اللغة كما قال ابن خزيمة رحمه الله .

          خلاصة المسألة 
الأحاديث الواردة فى خروج بعض الناس من النار بشفاعة الشافعين , ولم يعملوا خيرا قط , أو يخرج من النار من كان فى قلبه مثقال درة من إيمان , وما شابه ذلك من الأحاديث , ليس فيها اشكال لكون أهل السنة والجماعة فسروها وحملوها  على عدة أوجه لكى تتوافق مع أصول الإعتقاد من جانب وأصول أهل السنة من جانب آخر , خلافا ً للمرجئة وغيرهم وهذه هى الوجوه المغتيرة عند أهل السنة والجماعة .
الوجه الأول :
أن أهل الإسلام اهم علامات يعرفون بها ويتميزون بها دون غيرهن من الأمم , ومن أعظم هذه العلامات الثابتة فى الأحاديث الصحيحة , أنهم يأتون يوم القيامة غُرا ً محجلين من آثار الوضوء , مما يدل على أنهم من المصلين وبالتالى فهم من أهل القبلة , وكذلك يعرفون فى الناتر بهذه العلامة , لأن النار تأكل شئ منهم إلا موضع السجود
الوجه الثانى :
ما جاء فى بعض الأحاديث أن الذين يخرجون من النار " لم يعملوا خيرا ً قط " وغير ذلك , فوجهه عند أهل السنة أن العرب تنفى الإسم عن الشئ لنقصه عن الكمال والتمام , ومعنى ذلك أنهم عملوا  أعمالا ً لم تكن كاملة وتامة , بل هى ناقصة , والكمال هو: الكمال الواجب , فبتركه اتحقواأن يكوموا من أهل النار , وقد سبق الإستدلال على ذلك.
الوجه الثالث :
  أن الذين لم يعملوا خيرا قط: كاموا فى زمن الجهل ودروس الإسلام مع احتفاظهم بأصل الدين , فعُوقبوا على جهلهم  وعدم سعيهم واجتهادهم فى طلب الحق , أو لعدم قيام الحجة عليهم , كما فى حديث حذيفة السابق " يدرس الإسلام " الحديث ففيه " ر يدرون ما صيام ولا صلاة " إلى آخره,
فقوله " لا يدرون " يدل على جهلهم بهذه الفرائض وكذلك فى نص الحديث " وليسرى على كتاب الله عز وجل فى ليلة واحدة , فلا يبقى فى الأرض منه آية " مما يدل على رفع القرآن فلا يعرف الناس من الإسلام إلا أصله .
الوجه الرابع :  
أن الذين لم يعملوا خيرا قط هم من الأمم السابقة , كما ورد ذلك فى بعض الأحاديث كما سبق الإشارة إليه .
الوجه الخامس :
" أن الذين لم يعملوا خيرا قط " محمول على عدم تمكنهم من العمل لبعض الأعذار مثل من خرمته المنية قبل أن يعمل كما فى حديث الرجل الذى قتل تسعة ً وتسعين نفسا ً .
الوجه السادس :
أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
أن من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان , لابد أن يظهر ذلك على عمل الجوارح بنفس القدر , وكلما زاد عمل القلب زاد عمل الجوارح .
الوجه السابع :
أنه لا يخرج من النار إلا عصاة الموحدين , ومعنى ذلك أن معهم أصل الدين , الذى هو توحيد الله تعالى
والتوحيد لا يكون صحيحا ً إلا إذا كان قولا ً واعتقادا ً وهملا ً والعمل عملان عمل القلب وعمل الجوارح, فمن خرج من النار وأدخل الجنة فلقيامه بتوحيد الله تعالى ومظهر ذلك العمل بالتوحيد ظاهرا ً أى بعمل الجوارح وإن قل ذلك لأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة أومؤمنة , وليس الإسلام  مجرد الإقرار أو التصديق , أو عمل القلب فقط , بل لا يكون الإنسان مسلما ً إلا إذا حقق الإسلام ظاخرا ً وباطنا ً , والناس يتفاوتون فى ذلك تفاوتا ً عظيما ً كما هو معلوم .
·    كلام مُهِم لشيخ الإسلام :
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام مُهم فى رده على المرجئة الذيم أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان فقال رحمه الله :
" والمرجئة أخرجوا العنل الظاهر عن الإيمان , فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضا ً وجعلها هى التصديق فهذا ضلال بيِّن , ومن قصد إخراج العمل الظاهر , قيل لهم : العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه, واتفاء العنل الظاهر دليل على انتفاء الباطن ـ إلى أن قال ـ :
" والسلف اشتد نكيرهم  على المرجئة لما أخرجوا العمل من الإيمان , وأيضا ً فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضا ً , وهذا باطل قطعا ً فإن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر  قطعا بالضرورة , وإن أدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان أخطأوا أيضا ً لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن " أهـ مجموع الفتاوى جـ7
"جنس العمل الظاهر من لوازم الإيمان الصحيح "
قال شيه الإسلام رحمه الله :
وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب , وأن إيمان القلب التام بدون شئ من الأعمال الظاهرة ممتنع , سواء جُعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءً من الإيمان كما تقدم بيانه " مجموع الفتاوى " جـ 7
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا ً إيمانا ً ثابتا ً فى قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره كله لا يسجد لله سجدة , ولا يصوم من رمضان ولا يؤدى لله زكاة ً ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق فى القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح "  أ هـ مجموع الفتاوى جـ7
وقال شيخ الإسلام أيضا ً :
" فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة , وأجمع عليه السلف  وعلى ما هو مقرر فى موضعه , فالقول : تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم , والعمل تصديق القول , فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا ً ....إلى أن قال ـ وأيضا ً فإن حقيقة الدين هو الطاعة والإنقياد , وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط , فمن لم يفعل لله شيئا ً فما دان لله دينا ً , ومن لا دين له فهو كافر " أ هـ شرح العمدة جـ2
والله من وراء القصد وهو الموفق والمستعان  
 

0 comments:

welcome to my blog. please write some comment about this article ^_^